ترتيب المصحف | 19 | ترتيب النزول | 44 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 7.30 |
عدد الآيات | 98 | عدد الأجزاء | 0.30 |
عدد الأحزاب | 0.65 | عدد الأرباع | 2.60 |
ترتيب الطول | 27 | تبدأ في الجزء | 16 |
تنتهي في الجزء | 16 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 10/29 | كهيعص: 1/1 |
بعدَ ذكرِ الجَنَّةِ أمرَ اللهُ هنا بالعبادةِ والصبرِ عليها، ثُمَّ ذَكَرَ بعضَ شُبهاتِ الكفارِ: الأولى: إنكارُ البعثِ، والردُّ عليها، ثُمَّ بَيَّنَ حشرَ الخلائقِ، وورودَ الجميعِ على النَّارِ، ونجاةَ المتقينَ.
قريبًا إن شاء الله
الشبهةُ الثانيةُ: قالُوا: لو كنْتُم أنتم على الحقِ ونحنُ على الباطلِ لكانَ حالُكم في الدُّنيا أحسنَ وأطيبَ من حالِنا، والردُّ عليهم: كان الكفارُ السابقونَ أحسنَ منكم حالاً.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
ثم علل إحاطة علمه، وعدم نسيانه، بأنه{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فربوبيته للسماوات والأرض، وكونهما على أحسن نظام وأكمله، ليس فيه غفلة ولا إهمال، ولا سدى، ولا باطل، برهان قاطع على علمه الشامل، فلا تشغل نفسك بذلك، بل اشغلها بما ينفعك ويعود عليك طائله، وهو:عبادته وحده لا شريك له،{ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} أي:اصبر نفسك عليها وجاهدها، وقم عليها أتم القيام وأكملها بحسب قدرتك، وفي الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشتهيات، كما قال تعالى:{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} إلى أن قال:{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} الآية.{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي:هل تعلم لله مساميا ومشابها ومماثلا من المخلوقين. وهذا استفهام بمعنى النفي، المعلوم بالعقل. أي:لا تعلم له مساميا ولا مشابها، لأنه الرب، وغيره مربوب، الخالق، وغيره مخلوق، الغني من جميع الوجوه، وغيره فقير بالذات من كل وجه، الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وغيره ناقص ليس فيه من الكمال إلا ما أعطاه الله تعالى، فهذا برهان قاطع على أن الله هو المستحق لإفراده بالعبودية، وأن عبادته حق، وعبادة ما سواه باطل، فلهذا أمر بعبادته وحده، والاصطبار لها، وعلل ذلك بكماله وانفراده بالعظمة والأسماء الحسنى.
ثم قال- تعالى-: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أى: هو رب السموات والأرض ورب ما بينهما، وهو خالقهما وخالق كل شيء، ومالكهما ومالك كل شيء.
وما دام الأمر كذلك: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أى: فأخلص له العبادة ووطن نفسك على أداء هذه العبادة بصبر وجلد وقوة احتمال، فإن المداومة على طاعة الله تحتاج إلى عزيمة صادقة، ومجاهدة للنفس الأمارة بالسوء.
والاستفهام في قوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا للإنكار والنفي. والسمى بمعنى المسامى والمضاهي والنظير والشبيه.
أى: هل تعلم له نظيرا أو شبيها يستحق معه المشاركة في العبادة أو الطاعة؟ كلا، إنك لا تعلم ذلك، لأنه- سبحانه- هو وحده المستحق للعبادة والطاعة، إذ هو الخالق لكل شيء والعليم بكل شيء، والقادر على كل شيء، وما سواه إنما هو مخلوق له، وساجد له طوعا أو كرها، ولا شبهة في صفة من صفاته، فهو- سبحانه- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك موقف المشركين من عقيدة البعث. فحكت أقوالهم الباطلة، وردت عليهم بما يكبتهم وبينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، وأن النجاة في هذا اليوم للمتقين، والعذاب والخسران للكافرين قال- تعالى-:
وقوله : ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) أي : خالق ذلك ومدبره ، والحاكم فيه والمتصرف الذي لا معقب لحكمه ، ( فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هل تعلم للرب مثلا أو شبها .
وكذلك قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جريج وغيرهم .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس : ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى ، وتقدس اسمه .
يقول تعالى ذكره: لم يكن ربك يا محمد ربّ السماوات والأرض وما بينهما نسيا، لأنه لو كان نسيا لم يستقم ذلك، ولهلك لولا حفظه إياه، فالربّ مرفوع ردّا على قوله رَبِّكَ وقوله (فاعْبُدْه) يقول: فالزم طاعته، وذلّ لأمره ونهيه ( وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ) يقول: واصبر نفسك على النفوذ لأمره ونهيه، والعمل بطاعته، تفز برضاه عنك، فإنه الإله الذي لا مثل له ولا عدل ولا شبيه في جوده وكرمه وفضله ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) يقول: هل تعلم يا محمد لربك هذا الذي أمرناك بعبادته، والصبر على طاعته مثلا في كرمه وجوده، فتعبده رجاء فضله وطوله دونه كلا ما ذلك بموجود.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) يقول: هل تعلم للربّ مثلا أو شبيها.
حدثني سعيد بن عثمان التنوخي، قال: ثنا إبراهيم بن مهدي، عن عباد بن عوام، عن شعبة، عن الحسن بن عمارة، عن رجل ، عن ابن عباس، في قوله ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) قال: شبيها.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهد في هذه الآية ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) قال: هل تعلم له شبيها، هل تعلم له مثلا تبارك وتعالى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) لا سميّ لله ولا عَدل له، كلّ خلقه يقر له، ويعترف أنه خالقه، ويعرف ذلك، تم يقرأ هذه الآية وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) قال: يقول: لا شريك له ولا مثل.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 65 | ﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَٰدَتِهِۦۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِيّٗا﴾ |
---|
الشعراء: 24 | ﴿قَالَ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ |
---|
الصافات: 5 | ﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ﴾ |
---|
ص: 66 | ﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّٰرُ﴾ |
---|
الدخان: 7 | ﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ |
---|
النبإ: 37 | ﴿ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
هل تعلم:
وقرئ:
1- بإظهار اللام عند التاء، وهى قراءة الجمهور.
2- بالإدغام فيهما، وهى قراءة الأخوين، وهشام، وعلى بن نصر، وهارون، كلاهما عن أبى عمرو، والحسن، والأعمش، وعيسى، وابن محيصن.
التفسير :
المراد بالإنسان هاهنا، كل منكر للبعث، مستبعد لوقوعه، فيقول -مستفهما على وجه النفي والعناد والكفر-{ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} أي:كيف يعيدني الله حيا بعد الموت، وبعد ما كنت رميما؟"هذا لا يكون ولا يتصور، وهذا بحسب عقله الفاسد ومقصده السيء، وعناده لرسل الله وكتبه، فلو نظر أدنى نظر، وتأمل أدنى تأمل، لرأى استبعاده للبعث، في غاية السخافة
ذكر كثير من المفسرين أن قوله- تعالى-: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ ... نزل في أشخاص معينين.
فمنهم من يرى أن هذه الآية نزلت في «أبى بن خلف» فإنه أخذ عظما باليا، فجعل يفتته بيده، ويذريه في الريح ويقول: زعم محمد صلّى الله عليه وسلّم أننا نبعث بعد أن نموت ونصير مثل هذا العظم البالي ومنهم من يرى أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، أو في العاصي بن وائل، أو في أبى جهل.
وعلى كل واحد من هذه الأقوال تكون أل في الإنسان للعهد، والمراد بها أحد هؤلاء الأشخاص، ويكون لفظ الإنسان من قبيل العام الذي أريد به الخصوص.
ومن الأساليب العربية المعروفة، إسناد الفعل إلى المجموع، مع أن فاعله بعضهم لا جميعهم كما يقال: بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم، ومن هذا القبيل قول الفرزدق: فسيوف بنى عبس وقد ضربوا به ... نبت بيدي ورقاء من رأس خالد
فقد أسند الضرب إلى بنى عبس، مع أنه صرح بأن الضارب هو ورقاء الذي كان السيف بيده.
وقيل: المراد بالإنسان هنا: جماعة معينون وهم الكفرة المنكرون للبعث أو المراد: جنس الكافر المنكر للبعث.
و «إذا» في قوله: أَإِذا ما مِتُّ منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط.
والمعنى: ويقول هذا الإنسان الجاهل الجحود، المنكر للبعث والنشور، أأعود للحياة مرة أخرى بعد موتى، وبعد أن أكون كالعظام النخرة.
والاستفهام للإنكار والنفي، وعبر- سبحانه- بالمضارع يَقُولُ لاستحضار تلك الصورة الغريبة، وتلك الأقوال المنكرة التي صدرت عن هذا الكافر، أو لإفادة أن هذا القول موجود ومستمر عند كثير من الكافرين.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- حكاية عن هؤلاء الجاحدين: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ .
وقوله- عز وجل-: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ .
يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته ، كما قال تعالى : ( وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) [ الرعد : 5 ] ، وقال : ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) [ يس : 77 - 79 ] ، وقال هاهنا : ( ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا)
يقول تعالى ذكره: ( وَيَقُولُ الإنْسَانُ ) الكافر الذي لا يصدق بالبعث بعد الموت أخرج حيا، فأُبعث بعد الممات وبعد البلاء والفناء إنكارا منه ذلك .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أئذا:
1- بهمزة الاستفهام، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- إذا، بدون همزة الاستفهام، وهى قراءة فرقة، منهم: ابن ذكوان، بخلاف عنه.
لسوف:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سأخرج، وهى قراءة طلحة بن مصرف.
أخرج:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل، وهى قراءة الحسن، وأبى حيوة.
التفسير :
ذكر تعالى برهانا قاطعا، ودليلا واضحا، يعرفه كل أحد على إمكان البعث فقال:{ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} أي:أو لا يلفت نظره، ويستذكر حالته الأولى، وأن الله خلقه أول مرة، ولم يك شيئا، فمن قدر على خلقه من العدم، ولم يكن شيئا، مذكورا، أليس بقادر على إنشائه بعد ما تمزق، وجمعه بعد ما تفرق؟ وهذا كقوله:{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}
وفي قوله:{ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ} دعوة للنظر، بالدليل العقلي، بألطف خطاب، وأن إنكار من أنكر ذلك، مبني على غفلة منه عن حاله الأولى، وإلا فلو تذكرها وأحضرها في ذهنه، لم ينكر ذلك.
وقد رد الله- تعالى- عليهم بما يبطل قولهم، ويخرس ألسنتهم فقال: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً.
والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والواو للعطف على مقدر.
والمعنى: أيقول هذا الإنسان ذلك القول الباطل، ولا يتذكر أننا أوجدناه بقدرتنا من العدم ولم يكن شيئا مذكورا، ومن المعروف عند العقلاء، أن إعادة الإنسان إلى الحياة بعد وجوده، أيسر من إيجاده من العدم.
فالآية الكريمة ترد على كل جاحد للبعث بدليل منطقي برهاني، يهدى القلوب إلى الحق، ويقنع العقول بأن البعث حق وصدق.
وفي معنى هذه الآية الكريمة جاءت آيات أخرى كثيرة منها قوله- تعالى- وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.. .
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ .
قال الإمام ابن كثير: «وفي الحديث الصحيح- الذي يرويه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربه:
«يقول الله- تعالى- كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني. أما تكذيبه لي فقوله: لن يعيدني كما بدأنى، وليس أول الخلق أهون على من آخره.
وأما أذاه إياى فقوله: «إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» .
يستدل ، تعالى ، بالبداءة على الإعادة ، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ، أفلا يعيده وقد صار شيئا ، كما قال تعالى : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] ، وفي الصحيح : " يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من آخره ، وأما أذاه إياي فقوله : إن لي ولدا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " .
يقول الله تعالى ذكره: ( أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ ) المتعجب من ذلك المنكر قدرة الله على إحيائه بعد فنائه، وإيجاده بعد عدمه في خلق نفسه، أن الله خلقه من قبل مماته، فأنشأه بشرًّا سويا من غير شيء ( وَلَمْ يَكُ ) من قبل إنشائه إياه (شَيْئًا) فيعتبر بذلك ويعلم أن من أنشأه من غير شيء لا يعجز عن إحيائه بعد مماته، وإيجاده بعد فنائه.
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله: ( أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ ) فقرأه بعض قرّاء المدينة والكوفة ( أَوَلا يَذْكُرُ ) بتخفيف الذال، وقد قرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة والحجاز ( أولا يَذَّكَّرُ) بتشديد الذال والكاف، بمعنى: أولا يتذكر، والتشديد أعجب إليّ، وإن كانت الأخرى جائزة ، لأن معنى ذلك: أولا يتفكر فيعتبر.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
أولا يذكر:
وقرئ:
1- خفيفا، مضارع «ذكر» ، وهى قراءة أبى بحرية، والحسن، وشيبة، وابن أبى ليلى، وابن مناذر، وأبى حاتم، ومن السبعة: عاصم، وابن عامر، ونافع.
2- بفتح الذال والكاف وتشديدهما، أصله: يتذكر، وأدغمت التاء فى الذال، وهى قراءة باقى السبعة.
3- يتذكر، على الأصل، وهى قراءة أبى.
التفسير :
أقسم الله تعالى وهو أصدق القائلين - بربوبيته، ليحشرن هؤلاء المنكرين للبعث، هم وشياطينهم فيجمعهم لميقات يوم معلوم،{ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} أي:جاثين على ركبهم من شدة الأهوال، وكثرة الزلزال، وفظاعة الأحوال، منتظرين لحكم الكبير المتعال
ثم عقب- سبحانه- على هذا التوبيخ والتقريع لهذا الإنسان الجاحد، بقسم منه- سبحانه- على وقوع البعث والنشور، فقال: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ، ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا.
والحشر: الجمع. يقال: حشر القائد جنده، إذا جمعهم.
والمراد بالشياطين: أولئك الأشرار الذين كانوا في الدنيا يوسوسون لهم بإنكار البعث.
أى: أقسم لك بذاتى- أيها الرسول الكريم- أن هؤلاء المنكرين للبعث لنجمعنهم جميعا يوم القيامة للحساب والجزاء، ولنجمعن معهم الشياطين الذين كانوا يضلونهم في الدنيا.
قالوا: وفائدة القسم أمران: أحدهما: أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين، والثاني: أن في إقسام الله- تعالى- باسمه، مضافا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم رفعا منه لشأنه، كما رفع من شأن السموات والأرض في قوله- تعالى-: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ .
وقوله: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا تصوير حسى بليغ لسوء مصيرهم، ونكد حالهم.
وجِثِيًّا جمع جاث وهو الجالس على ركبتيه. يقال: جثا فلان يجثو ويجثى جثوا وجثيا فهو جاث إذا جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه. والعادة عند العرب أنهم إذا كانوا في موقف شديد، وأمر ضنك جثوا على ركبهم.
أى: فوربك لنحضرنهم يوم القيامة للحساب ومعهم شياطينهم، ثم لنحضرنهم جميعا حول جهنم، حالة كونهم باركين على الركب، عجزا منهم عن القيام، بسبب ما يصيبهم من هول يوم القيامة وشدته.
قال- تعالى-: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
وقوله : ( فوربك لنحشرنهم والشياطين ) أقسم الرب ، تبارك وتعالى ، بنفسه الكريمة ، أنه لا بد أن يحشرهم جميعا وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله ، ( ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ) .
قال العوفي ، عن ابن عباس : يعني : قعودا كقوله : ( وترى كل أمة جاثية ) [ الجاثية : 28 ] .
وقال السدي في قوله : ( ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ) : يعني : قياما ، وروي عن مرة ، عن ابن مسعود مثله .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا محمد لنحشرنّ هؤلاء القائلين: أئذا متنا لسوف نخرج أحياء يوم القيامة من قبورهم ، مقرنين بأوليائهم من الشياطين ( ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) والجثي: جمع الجاثي.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله ( ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) يعني: القعود، وهو مثل قوله وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الحجر: 92 | ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ |
---|
مريم: 68 | ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
جِثِيًّا جثيا:
وقرئ:
بكسر الجيم، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
التفسير :
{ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} أي:ثم لننزعن من كل طائفة وفرقة من الظالمين المشتركين في الظلم والكفر والعتو أشدهم عتوا، وأعظمهم ظلما، وأكبرهم كفرا، فيقدمهم إلى العذاب، ثم هكذا يقدم إلى العذاب، الأغلظ إثما، فالأغلظ وهم في تلك الحال متلاعنون، يلعن بعضهم بعضا، ويقول أخراهم لأولاهم:{ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ* وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} وكل هذا تابع لعدله وحكمته وعلمه الواسع
ثم يخص- سبحانه- بالذكر المصير المفزع للمتكبرين من هؤلاء الكافرين فيقول:
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا.
والنزع: العزل والإخراج. يقال: نزع السلطان عامله، إذا عزله وأخرجه من عمله، والشيعة في الأصل: الجماعة من الناس يتعاونون فيما بينهم على أمر من الأمور، يقال: تشايع القوم، إذا تعاونوا فيما بينهم.
وعِتِيًّا أى: خروجا عن الطاعة والاستجابة للأمر، يقال: عتا فلان يعتو عتوا- من باب قعد- فهو عات إذا استكبر وجاوز حدوده في العصيان والطغيان.
والمعنى: ثم لنستخرجن من كل طائفة تشايعت وتعاهدت على الكفر بالبعث، والجحود للحق، الذين هم أشد خروجا عن طاعتنا وامتثال أمرنا فنبدأ بتعذيبهم أولا، لأنهم أشد من غيرهم في العتو والعناد والجحود والضلال.
قال الجمل ما ملخصه: «وأظهر الأعاريب في قوله: أَيُّهُمْ أَشَدُّ أن «أى» موصولة بمعنى الذي. وأن حركتها حركة بناء- أى هي مبنية على الضم-، وأشد خبر مبتدأ مضمر.
والجملة صلة لأى. وأيهم وصلتها في محل نصب مفعولا به لننزعن. وعتيا تمييز محول عن المبتدأ المحذوف الذي هو أشد، أى: جراءته على الرحمن أشد من جراءة غيره» .
وقوله : ( ثم لننزعن من كل شيعة ) يعني : من كل أمة قاله مجاهد ، ( أيهم أشد على الرحمن عتيا ) .
قال الثوري ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود قال : يحبس الأول على الآخر ، حتى إذا تكاملت العدة ، أتاهم جميعا ، ثم بدأ بالأكابر ، فالأكابر جرما ، وهو قوله : ( ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) .
وقال قتادة : ( ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) قال : ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر . وكذا قال ابن جريج ، وغير واحد من السلف . وهذا كقوله تعالى : ( حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) [ الأعراف : 38 ، 39 ]
يقول تعالى ذكره: ثم لنأخذن من كلّ جماعة منهم أشدّهم على الله عتوّا، وتمرّدًا فلنبدأنّ بهم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحوص ( ثُمَّ لَنَنـزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ) قال: نبدأ بالأكابر فالأكابر جرما.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( ثُمَّ لَنَنـزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ) يقول: أيهم أشدّ للرحمن معصية، وهي معصيته في الشرك.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ) يقول: عصيا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ ) قال: أمة. وقوله (عِتِيًّا) قال: كفرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، وزاد فيه ابن جريج: فلنبدأنّ بهم.
قال أبو جعفر: والشيعة هم الجماعة المتعاونون على الأمر من الأمور، يقال من ذلك: تشايع القوم: إذا تعاونوا; ومنه قولهم للرجل الشجاع: إنه لمشيع: أي معان، فمعنى الكلام: ثم لننـزعن من كل جماعة تشايعت على الكفر بالله، أشدّهم على الله عتوّا، فلنبدأنّ بإصلائه جهنم. والتشايع في غير هذا الموضع: التفرّق; ومنه قول الله عزّ ذكره: وَكَانُوا شِيَعًا يعني: فرقا; ومنه قول ابن مسعود أو سعد ؛ إني أكره أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: شيَّعت بين أمتي، بمعنى: فرّقت.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
عتيا:
وقرئ:
بكسر العين، وهى قراءة حمزة، والكسائي.
أيهم:
1- بالرفع، وهى حركة بناء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، مفعولا «لننزعن» ، وهى قراءة طلحة بن مصرف، ومعاذ بن مسلم الهراء، وزائدة، عن الأعمش.
التفسير :
{ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} أي:علمنا محيط بمن هو أولى صليا بالنار، قد علمناهم، وعلمنا أعمالهم واستحقاقها وقسطها من العذاب.
وقوله- تعالى-: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا بيان لشمول علمه- تعالى- بأحوال هؤلاء الجاحدين، وبأحوال غيرهم.
وصِلِيًّا مصدر صلى النار- كرضى- يصلاها صليا- بكسر الصاد وضمها- إذا ذاق حرها، واكتوى بها.
أى: ثم لنحن أعلم من كل أحد سوانا، بالذين هم أحق بجهنم، وباصطلاء نارها، وبالاكتواء بحرها وسعيرها، لأننا لا يخفى علينا شيء من أحوال خلقنا وسنجازى المتقين بما يستحقون من خير وثواب، وسنجازى الجاحدين بما يستحقون من إهانة وعذاب.
وقوله : ( ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) " ثم " هاهنا لعطف الخبر على الخبر ، والمراد أنه تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها ، وبمن يستحق تضعيف العذاب ، كما قال في الآية المتقدمة : ( قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون )
يقول تعالى ذكره:
ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننـزعهم من كلّ شيعة أولاهم بشدّة العذاب، وأحقهم بعظيم العقوبة.
وذكر عن ابن جريج أنه كان يقول في ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ) قال: أولى بالخلود في جهنم.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن جريج، قول لا معنى له، لأن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ينـزعهم من كلّ شيعة من الكفرة أشدّهم كفرا، ولا شكّ أنه لا كافر بالله إلا مخلَّد في النار، فلا وجه، وجميعهم مخلدون في جهنم، لأن يقال: ثم لنحن أعلم بالذين هم أحقّ بالخلود من هؤلاء المخلدين، ولكن المعنى في ذلك ما ذكرنا. وقد يحتمل أن يكون معناه: ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى ببعض طبقات جهنم صليا. والصلّي: مصدر صليت تصلي صليا، والصليّ: فعول، ولكن واوها انقلبت ياء فأدغمت في الياء التي بعدها التي هي لام الفعل، فصارت ياء مشدّدة.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
وهذا خطاب لسائر الخلائق، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، أنه ما منهم من أحد، إلا سيرد النار، حكما حتمه الله على نفسه، وأوعد به عباده، فلا بد من نفوذه، ولا محيد عن وقوعه.واختلف في معنى الورود، فقيل:ورودها، حضورها للخلائق كلهم، حتى يحصل الانزعاج من كل أحد، ثم بعد، ينجي الله المتقين. وقيل:ورودها، دخولها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما. وقيل:الورود، هو المرور على الصراط، الذي هو على متن جهنم، فيمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، وكالريح، وكأجاويد الخيل، وكأجاويد الركاب، ومنهم من يسعى، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف فيلقى في النار، كل بحسب تقواه
ثم بين- سبحانه- أن الجميع سيرد جهنم، فقال: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا.
وللعلماء أقوال متعددة في المراد بقوله- تعالى- وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.
فمنهم من يرى أن المراد بورودها: دخولها فجميع الناس مؤمنهم وكافرهم يدخلونها، إلا أن النار تكون بردا وسلاما على المؤمنين عند دخولهم إياها، وتكون لهيبا وسعيرا على غيرهم.
ومنهم من يرى أن المراد بورودها: رؤيتها والقرب منها والإشراف عليها دون دخولها. كما في قوله- تعالى- وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ أى: أشرف عليه وقاربه.
ومنهم من يرى أن المراد بورودها، خصوص الكافرين، أى: أنهم وحدهم هم الذين يردون عليها ويدخلونها. أما المؤمنون فلا يردون عليها ولا يدخلونها.
ويبدو لنا أن المراد بالورود هنا: الدخول، أى: دخول النار بالنسبة للناس جميعا إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين، وهناك أدلة على ذلك منها.
أن هناك آيات قرآنية جاء فيها الورود، بمعنى الدخول، ومن هذه الآيات قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ. وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ .
ومعنى فأوردهم: فأدخلهم.
يضاف إلى ذلك أن قوله- تعالى- بعد هذه الآية: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا قرينة قوية على أن المراد بقوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.. أى: داخلها سواء أكان مؤمنا أم كافرا، إلا أنه- سبحانه- بفضله وكرمه ينجى الذين اتقوا من حرها، ويترك الظالمين يصطلون بسعيرها.
كذلك مما يشهد بأن الورود بمعنى الدخول، ما أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، والحاكم ... عن أبى سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون يدخلونها جميعا، ثم ينجى الله الذين اتقوا.
قال: فلقيت جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- فذكرت له ذلك فقال- وأهوى بإصبعه على أذنيه- صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردهم، ثم ينجى الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيا» .
ولا يمنع من كون الورود بمعنى الدخول قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها.. لأن دخول المؤمنين فيها لا يجعلهم يشعرون بحرها أو حسيسها، وإنما هي تكون بردا وسلاما عليهم، كما جاء في الحديث الشريف.
قال الإمام القرطبي بعد أن توسع في ذكر هذه الأقوال: «وظاهر الورود الدخول..
إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين، وينجون منها سالمين. قال خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا: إنا نرد النار فيقال لهم: لقد وردتموها فألفيتموها رمادا.
قلت: وهذا القول يجمع شتات الأقوال، فإن من وردها ولم تؤذه بلهبها وحرها، فقد أبعد عنها ونجى منها، نجانا الله- تعالى- منها بفضله وكرمه، وجعلنا ممن وردها فدخلها سالما، وخرج منها غانما.
فإن قيل: فهل يدخل الأنبياء النار؟ قلنا: لا نطلق هذا، ولكن نقول: إن الخلق جميعا يردونها- كما دل عليه حديث جابر- فالعصاة يدخلونها بجرائمهم، والأولياء والسعداء لشفاعتهم، فبين الدخولين بون..» .
والمعنى: وما منكم- أيها الناس- أحد إلا وهو داخل النار، سواء أكان مسلما أم كافرا، إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين. وهذا الدخول فيها كان على ربك أمرا واجبا ومحتوما، بمقتضى حكمته الإلهية، لا بإيجاب أحد عليه.
قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا خالد بن سليمان ، عن كثير بن زياد البرساني ، عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ، ثم ينجي الله الذين اتقوا . فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له : إنا اختلفنا في الورود ، فقال : يردونها جميعا - وقال سليمان مرة يدخلونها جميعا - وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صمتا ، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما ، كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، ويذر الظالمين فيها جثيا " غريب ولم يخرجوه .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن أبي مروان ، عن خالد بن معدان قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة .
وقال عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : كان عبد الله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته ، فبكى ، فبكت امرأته فقال ما يبكيك ؟ فقالت : رأيتك تبكي فبكيت . قال : إني ذكرت قول الله عز وجل : ( وإن منكم إلا واردها ) ، فلا أدري أنجو منها أم لا ؟ وفي رواية : وكان مريضا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، عن مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق : كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال : يا ليت أمي لم تلدني ثم يبكي ، فقيل : ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ فقال : أخبرنا أنا واردوها ، ولم نخبر أنا صادرون عنها .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن الحسن البصري قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم . قال : فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال : لا . قال : ففيم الضحك ؟ قال : فما رئي ضاحكا حتى لحق بالله .
وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق ، فقال ابن عباس : الورود الدخول ؟ فقال نافع : لا ، فقرأ ابن عباس : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) [ الأنبياء : 98 ] وردوا أم لا ؟ وقال : ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ) [ هود : 98 ] أورد هو أم لا ؟ أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك فضحك نافع .
وروى ابن جريج ، عن عطاء قال : قال أبو راشد الحروري - وهو نافع بن الأزرق - : ( لا يسمعون حسيسها ) [ الأنبياء : 102 ] فقال ابن عباس : ويلك : أمجنون أنت ؟ أين قوله : ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ) [ هود : 98 ] ، ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) [ مريم : 86 ] ، ( وإن منكم إلا واردها ) ؟ والله إن كان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالما ، وأدخلني الجنة غانما .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا أسباط ، عن عبد الملك ، عن عبيد الله ، عن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس ، فأتاه رجل يقال له : أبو راشد ، وهو نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس ، أرأيت قول الله : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) ؟ قال : أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها ، فانظر : هل نصدر عنها أم لا .
وقال أبو داود الطيالسي : قال شعبة ، أخبرني عبد الله بن السائب ، عمن سمع ابن عباس يقرؤها كذلك : " وإن منهم إلا واردها " يعني : الكفار
وهكذا روى عمرو بن الوليد الشني ، أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك : " وإن منهم إلا واردها " ، قال : وهم الظلمة . كذلك كنا نقرؤها . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) يعني : البر والفاجر ، ألا تسمع إلى قول الله لفرعون : ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) ، فسمى الورود في النار دخولا وليس بصادر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - ( وإن منكم إلا واردها ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرد الناس النار كلهم ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم " .
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي به . ورواه من طريق شعبة ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود موقوفا .
هكذا وقع هذا الحديث هاهنا مرفوعا . وقد رواه أسباط ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال : يرد الناس جميعا الصراط ، وورودهم قيامهم حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر مثل البرق ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضعي إبهامي قدميه ، يمر يتكفأ به الصراط ، والصراط دحض مزلة ، عليه حسك كحسك القتاد ، حافتاه ملائكة ، معهم كلاليب من نار ، يختطفون بها الناس . وذكر تمام الحديث . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا النضر ، حدثنا إسرائيل ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله : قوله : ( وإن منكم إلا واردها ) قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف ، فتمر الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم ، ثم يمرون والملائكة يقولون : اللهم سلم سلم .
ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما ، من رواية أنس ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وجابر ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية عن الجريري ، عن أبي السليل عن غنيم بن قيس قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تمسك النار للناس كأنها متن إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق ، برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد : أن امسكي أصحابك ، ودعي أصحابي ، قال : فتخسف بكل ولي لها ، ولهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم . قال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة ، مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين ، يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر ، عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأرجو ألا يدخل النار - إن شاء الله - أحد شهد بدرا والحديبية " قالت فقلت : أليس الله يقول ( وإن منكم إلا واردها ) ؟ قالت : فسمعته يقول : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر - امرأة زيد بن حارثة - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة ، فقال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية " قالت حفصة : أليس الله يقول : ( وإن منكم إلا واردها ) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثم ننجي الذين اتقوا ) .
وفي الصحيحين ، من حديث الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار ، إلا تحلة القسم " .
وقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم " يعني الورود .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا زمعة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد ، تمسه النار إلا تحلة القسم " . قال الزهري : كأنه يريد هذه الآية : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) .
وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعكا ، وأنا معه ، ثم قال : " إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن ; لتكون حظه من النار في الآخرة " غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : " وإن منكم إلا واردها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ : ( قل هو الله أحد ) حتى يختمها عشر مرات ، بنى الله له قصرا في الجنة " . فقال عمر : إذا نستكثر يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله أكثر وأطيب " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ألف آية في سبيل الله ، كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إن شاء الله . ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا بأجرة سلطان ، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، قال الله تعالى : ( وإن منكم إلا واردها ) وإن الذكر في سبيل الله يضعف فوق النفقة بسبعمائة ضعف " . وفي رواية : " بسبعمائة ألف ضعف "
وروى أبو داود ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب كلاهما عن زبان ، عن سهل ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف " .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قوله : ( وإن منكم إلا واردها ) قال : هو الممر عليها .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( وإن منكم إلا واردها ) ، قال : ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها ، وورود المشركين : أن يدخلوها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الزالون والزالات يومئذ كثير ، وقد أحاط بالجسر يومئذ سماطان من الملائكة ، دعاؤهم : يا ألله سلم سلم " .
وقال السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود في قوله : ( كان على ربك حتما مقضيا ) قال : قسما واجبا . وقال مجاهد : حتما ، قال : قضاء . وكذا قال ابن جريج
يقول تعالى ذكره: وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيراهموها قضاء مقضيا، قد قضى ذلك وأوجبه في أمّ الكتاب.
واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: الدخول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو، قال: أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق، فقال ابن عباس: الورود: الدخول، وقال نافع: لا فقرأ ابن عباس: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ أورود هو أم لا؟ وقال يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ أورود هو أم لا؟ أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك، قال: فضحك نافع.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، قال. قال أبو راشد الحروري: ذكروا هذا فقال الحروري: لا يسمعون حسيسها، قال ابن عباس: ويلك أمجنون أنت؟ أين قوله تعالى يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ، وقوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) والله إن كان دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالمًا، وأدخلني الجنة غانما.
قال ابن جريج: يقول: الورود الذي ذكره الله في القرآن: الدخول، ليردنها كل برّ وفاجر في القرآن أربعة أوراد فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ و حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ، وقوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ).
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني عمي، قال : ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) يعني البرّ والفاجر، ألم تسمع إلى قول الله تعالى لفرعون يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَقَالَ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا فسمى الورود في النار دخولا وليس بصادر.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن بكار بن أبي مروان، عن خالد بن معدان، قال: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ قال: قد مررتم عليها وهي خامدة.
قال ابن عرفة، قال مروان بن معاوية، قال بكار بن أبي مروان، أو قال: جامدة.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا مرحوم بن عبد العزيز، قال: ثني أبو عمران الجوني، عن أبي خالد قال: تكون الأرض يومًا نارًا، فماذا أعددتم لها؟ قال: فذلك قول الله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلية، عن الجريري، عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس، قال: ذكروا ورود النار، فقال كعب: تمسك النار للناس كأنها متن إهالة، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق برّهم وفاجرهم، ثم يناديها مناد: أن أمسكي أصحابك، ودعي أصحابي، قال: فيخسف بكلّ وليّ لها، ولهي أعلم بهم من الرجل بولده، ويخرج المؤمنون ندية أبدانهم. قال: وقال كعب: ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيره سنة، مع كل واحد منهم عمود له شعبتان، يدفع به الدفعة، فيصرع به في النار سبعمائة ألف.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن مالك بن مغول، عن أبي إسحاق، قال: كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه، قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل: وما يبكيك يا أبا ميسرة؟ قال : أخبرنا أنا واردوها، ولم يخبرنا أنا صادرون عنها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن إسماعيل، عن قيس، قال: بكى عبد الله بن رواحة في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك، قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال ابن رواحة: إني قد علمت إنى وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا؟ .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان، قال: سمعت السدّي يذكر عن مرّة الهمداني، عن ابن مسعود ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) قال: داخلها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) قال: يدخلها.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: كان عبد الله بن رواحة واضع رأسه في حجر امرأته، فبكى، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت : رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله ( وإن منكم إلا واردها ) فلا أدري أنجو منها، أم لا؟ .
وقال آخرون: بلّ هو المرّ عليها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) يعني جهنم مرّ الناس عليها.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) قال: هو المرّ عليها.
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) قال: الصراط على جهنم مثل حدّ السيف، فتمرّ الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم ، ثم يمرّون والملائكة يقولون: اللهمّ سلم سلم.
وقال آخرون: بل الورود: هو الدخول، ولكنه عنى الكفار دون المؤمنين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عبد الله بن السائب، عن رجل سمع ابن عباس يقرؤها( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) يعني الكفار، قال: لا يردها مؤمن.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عمرو بن الوليد الشني، قال: سمعت عكرمة يقول (وإن منكم إلا واردها) يعني الكفار.
وقال آخرون: بل الورود عام لكلّ مؤمن وكافر، غير أن ورود المؤمن المرور، وورود الكافر الدخول.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن يدخلوها، قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " الزَّالُّونَ والزَّالاتٌ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وقد أحَاطَ الجِسْرَ سِماطانِ مِنَ المَلائِكَةِ، دَعْوَاهُمْ يَوْمَئِذٍ يا اللهُ سَلِّمْ ".
وقال آخرون: ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمَّى ومرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار، ثم قرأ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ).
حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، قال: ثنا إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وبه وعك وأنا معه، ثم قال: " إنَّ اللهَ يَقُولُ: هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي المُؤْمِنُ، لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الآخِرَةِ".
وقال آخرون: يردها الجميع، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: ثني السديّ، عن مرّة، عن عبد الله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) قال: يردُونها ثم يصدون عنها بأعمالهم.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبه، عن السدّي، عن مرّة، عن عبد الله، بنحوه.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أسباط ، عن عبد الملك، عن عبيد الله، عن مجاهد، قال: كنت عند ابن عباس، فأتاه رجل يُقال له أبو راشد، وهو نافع بن الأزرق، فقال له : يا ابن عباس أرأيت قول الله ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها، فانظر هل نصدر عنها أم لا؟ .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود، فقال: نحن يوم القيامة على كوى أو كرى، فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل، فينطلق بهم ويتبعونه، قال: ويعطى كلّ إنسان منافق ومؤمن نورا، ويغشى ظلمة ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب تأخذ من شاء الله، فيطفأ نور المنافق، وينجو المؤمنون، فتنجو أوّل زمرة كالقمر ليلة البدر، وسبعون ألفًا لا حساب عليهم، ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحلّ الشفاعة فيشفعون، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله ممن في قلبه وزن شعيرة من خير، ثم يلقون تلقاء الجنة، ويهريق عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون نبات الشيء في السيل، ثم يسألون فيجعل لهم الدنيا وعشرة أمثالها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن المبارك، عن الحسن، قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك بأنك وارد النار؟ قال: نعم، قال: فهل أتاك أنك صادر عنها؟ قال: لا قال: ففيم الضحك؟ قال: فما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن بكيرا حدّثه أنه قال لبسر بن سعيد: إن فلانا يقول: إن ورود النار القيام عليها. قال بسر: أما أبو هريرة فسمعته يقول: " إذا كان يوم القيامة، يجتمع الناس نادى مناد: ليلحق كل أناس بما كانوا يعبدون، فيقوم هذا إلى الحجر، وهذا إلى الفرس، وهذا إلى الخشبة حتى يبقى الذين يعبدون الله، فيأتيهم الله، فإذا رأوه قاموا إليه ، فيذهب بهم فيسلك بهم على الصراط، وفيه عليق، فعند ذلك يؤذن بالشفاعة، فيمرّ الناس، والنبيون يقولون: اللهمّ سلم سلم. قال بكير: فكان ابن عميرة يقول: فناج مسلم ومنكوس في جهنم ومخدوش، ثم ناج.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون، فينجيهم الله، ويهوي فيها الكفار وورودهموها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم، فناج مسلم ومكدس فيها.
* ذكر الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أمّ مبشر امرأة زيد بن حارثة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة: " لا يَدْخُلُ النَّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا والحُدَيْبِيَةَ ، قالت: فقالت حفصة: يا رسول الله، أليس الله يقول (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) ؟ فقال رسول الله: " فمَهْ(ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) ".
حدثنا الحسن بن مدرك، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أمّ مبشر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أمّ مبشر، عن حفصة، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّي لأرْجُو أنْ لا يَدْخُلَ النَّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا والحُدَيْبِيَةَ ، قالت: فقلت يا رسول الله، أليس الله يقول: ( وإن ْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) ؟ قال: فَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ؟".
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن محمد بن إسحاق، قال : ثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب، عن سليمان بن عمرو بن عبد العِتْواري، أحد بني ليث، وكان في حجر أبي سعيد، قال: سمعت أبا سعيد الخُدريّ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يُوضَعُ الصِّراطُ بينَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسكٌ كحَسكِ السَّعْدانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ، فَناج مُسْلِمٌ ومجْرُوحٌ بِهِ، ثُمَّ ناجٍ ومُحْتَبِسٌ ومُكَدَّسٌ فيها، حتى إذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ القضَاءِ بَينَ العِبَادِ تَفَقَّدَ المُؤْمِنُونَ رِجَالا كانُوا مَعَهُم في الدُّنْيَا يُصلُّون صلاتَهُمْ، ويُزَكُّونَ زكاتَهُمْ ويَصُومُون صِيامَهُمْ، ويَحُجُّونَ حجَّهُمْ، وَيغْزُونَ غَزْوَهُمْ، فَيَقُولُونَ: أيْ ربَّنا عبادٌ مِنْ عِبادِكَ كانُوا مَعَنا في الدُّنْيا، يُصلُّون صلاتَنَا، ويُزَكُّونَ زكاتَنا، ويَصُومُونَ صِيامَنَا، ويحُجُّونَ حَجَّنا، وَيغْزُونَ غَزْونا، لا نَراهُمْ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا إلى النَّار، فَمَنْ وجَدْتُمْ فِيها مِنْهُمْ فأخْرِجُوهُ، فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ أخَذَتْهُم النَّار على قَدْرِ أعمالِهِمْ، فَمِنْهمْ مَنْ أخَذَتْهُ النَّارُ إلى قَدَمَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى نِصْفِ ساقِيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى ثَدْيَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ أخَذَتهُ إلى عُنُقِهِ ولمْ تَغْشَ الوُجُوهَ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْها، فَيَطْرَحُونَهُمْ في ماءِ الحَياةِ ؛ قِيلَ: وما ماءُ الحَياةِ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ غُسْلُ أهْلِ الجَنَّةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الزَّرْعَةُ فِي غُثاءِ السَّيْلِ، ثُمَّ تَشْفَعُ الأنْبِياءُ فِي كُلّ مَنْ كانَ يَشْهَدُ أن لا إله إلا اللهُ مُخْلِصًا، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْها، ثُمَّ يَتَحننُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ عَلى مَنْ فِيها، فَما يَتْرُكُ فيها عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقال ذَرَّةٍ مِنَ الإيمَانِ إلا أخْرَجَهُ مِنْها ".
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث بن خالد، عن يزيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخُدريّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يُؤْتَي بالجِسْرِ - يعني يوم القيامة - فَيُجْعَلُ بينَ ظَهْرِيْ جَهَنَّمَ ، قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: مَدحَضَةٌ مزَلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطاطِيفُ وكَلالِيبُ وحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفاء تكُونُ بِنَجْدٍ، يُقالُ لَهَا السَّعْدانُ، يَمُرُّ المُؤْمِنُونَ عَلَيْها كالطَّرفِ والبَرْقِ وكالرِّيحِ، وكأجاوِدِ الخَيْلِ والرِّكاب، فَناجٍ مُسْلِمٌ، ومَخْدُوشٌ مُسْلِمٌ، ومَكْدُوسٌ في جَهَنَّم، ثُمَّ يَمُرُّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبا، فَمَا أنْتُمْ بأشدّ مُناشَدَةً لي في الحَقِّ قَد تَبَيَّنَ لَكْمْ، مِنَ المُؤْمِنِينَ يَومَئذٍ للجبَّارِ تَبارَك وَتَعالى، إذَا رأوْهُمْ قَدْ نَجَوْا وَبَقي إخْوانُهُم ".
حدثني أحمد بن عيسى، قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الورود، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هُوَ الدُّخولُ، يَرِدُونَ النَّارَ حتى يَخْرُجُوا مِنْها، فآخِرُ مَنْ يَبْقَى رَجُلٌ عَلى الصِّراطِ يَزْحَف، فَيرْفَعُ اللهُ لَهُ شَجَرَةً، قالَ: فَيَقُولُ: أيْ رَبّ أدْنِنِي مِنْها، قالَ: فَيُدْنيهِ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعالى مِنْها، قالَ: ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبّ أدْخِلْنِي الجَنَّةَ، قالَ: فَيَقُولُ: سَلْ، قالَ: فَيَسألُ، قال : فَيَقُولُ: ذلكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أضعافِهِ أوْ نَحْوَها; قال: فَيَقُولُ: يا ربّ تَسْتهزِئُ بِي؟ قالَ: فَيَضْحَكُ حتى تَبْدُوَ لَهْوَاتُهُ وأضْرَاسُهُ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب " ح "; وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا محمد بن زيد، عن رشدين، جميعا عن زياد بن فائد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَنْ حَرَسَ وَرَاءَ المُسْلِمِينَ في سَبِيلِ اللهِ مُتَطَوّعا، لا يأخُذُهُ سُلْطانٌ بحرَسٍ، لَمْ يَرَ النَّارَ بعَيْنِه إلا تَحلَّةَ القَسَمِ ، فإنَّ اللهَ تَعالى يقُولُ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ) .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، أخبرني الزهري، عن ابن المسيب عن أبي هريرة، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إلا تَحِلَّةِ القَسَمِ" يعني: الورود.
وأما قوله ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم معناه: كان على ربك قضاء مقضيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (حَتْما) قال: قضاء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( حَتْمًا مَقْضِيًّا ) قال قضاء.
وقال آخرون: بل معناه: كان على ربك قسَما واجبا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو عمرو داود بن الزّبرقان، قال: سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمداني، عن ابن مسعود ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) قال: قسما واجبا.
حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) يقول: قسما واجبا.
قال أبو جعفر: وقد بيَّنت القول في ذلك.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} الله تعالى بفعل المأمور، واجتناب المحظور{ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ} أنفسهم بالكفر والمعاصي{ فِيهَا جِثِيًّا} وهذا بسبب ظلمهم وكفرهم، وجب لهمالخلود، وحق عليهم العذاب، وتقطعت بهم الأسباب.
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أى: ثم بعد دخول الناس جميعا النار، ننجي الذين اتقوا، فنخرجهم منها دون أن يذوقوا حرها وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا أى: ونترك الظالمين في النار مخلدين فيها. جاثين على ركبهم، عاجزين عن الحركة، من شدة ما يصيبهم من هولها وسعيرها.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا أقوال الجاحدين في شأن البعث والحساب، وردت عليهم ردا يبطل أقوالهم، كما أثبتت أن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الظالمين سيدخلون النار، وأن المؤمنين سينجيهم الله- تعالى- بفضله منها.
ثم تسوق السورة بعد ذلك موقف الكافرين عند سماعهم لآيات الله- تعالى- كما تسوق ما قالوه للمؤمنين على سبيل التفاخر عليهم، وما رد به القرآن على هؤلاء المترفين المتعالين، قال- تعالى-:
وقوله : ( ثم ننجي الذين اتقوا ) أي : إذا مر الخلائق كلهم على النار ، وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم ، نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم . فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا ، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين ، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون ، فيخرجون خلقا كثيرا قد أكلتهم النار ، إلا دارات وجوههم - وهي مواضع السجود - وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان ، فيخرجون أولا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ، ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه حتى يخرجوا من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ثم يخرج الله من النار من قال يوما من الدهر : " لا إله إلا الله " وإن لم يعمل خيرا قط ، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود ، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; ولهذا قال تعالى : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )
يقول تعالى ذكره: ( ثُمَّ نُنَجِّي ) من النار بعد ورود جميعهم إياها، ( الَّذِينَ اتَّقَوْا ) فخافوه، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) يقول جل ثناؤه: وندع الذين ظلموا أنفسهم، فعبدوا غير الله، وعصوا ربهم، وخالفوا أمره ونهيه في النار جثيا، يقول: بروكا على ركبهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) على ركبهم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) على ركبهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) قال: الجثيّ: شرّ الجلوس، لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينـزل به.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) إن الناس وردوا جهنم وهي سوداء مظلمة، فأما المؤمنون فأضاءت لهم حسناتهم، فأنجوا منها. وأما الكفار فأوبقتهم أعمالهم، واحتبسوا بذنوبهم.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ثم:
1- بضم الثاء، حرف عطف، على أن الورود عام، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الثاء، أي: هناك، وهى قراءة عبد الله، وابن عباس، وأبى، وعلى، والجحدري، وابن أبى ليلى، ومعاوية بن قرة، ويعقوب.
3- ثمه، بهاء السكت، وهكذا عن ابن أبى ليلى فى الوقف.
ننجى:
1- بفتح النون، وتشديد الجيم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بإسكان النون وتخفيف الجيم، وهى قراءة يحيى، والأعمش، والكسائي، وابن محيصن.
3- نجى، بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة، وهى قراءة فرقة.
4- ننحى، بحاء مهملة، مضارع «نحى» ، وهى قراءة على.
التفسير :
أي:وإذا تتلى على هؤلاء الكفار آياتنا بينات، أي:واضحات الدلالة على وحدانية الله وصدق رسله، توجب لمن سمعها صدق الإيمان وشدة الإيقان، قابلوها بضد ما يجب لها، واستهزءوا بها وبمن آمن بها، واستدلوا بحسن حالهم في الدنيا، على أنهم خير من المؤمنين، فقالوا معارضين للحق:{ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} أي:نحن والمؤمنون{ خَيْرٌ مَقَامًا} أي:في الدنيا، من كثرة الأموال والأولاد، وتوفر الشهوات{ وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي مجلسا. أي:فاستنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة، أنهم أكثر مالا وأولادا، وقد حصلت لهم أكثر مطالبهم من الدنيا، ومجالسهم وأنديتهم مزخرفة مزوقة.والمؤمنون بخلاف هذه الحال، فهم خير من المؤمنين، وهذا دليل في غاية الفساد، وهو من باب قلب الحقائق، وإلا فكثرة الأموال والأولاد، وحسن المنظر، كثيرا ما يكون سببا لهلاك صاحبه، وشقائه، وشره
فقوله- سبحانه-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ... حكاية لما قاله الكافرون للمؤمنين على سبيل التباهي والتفاخر.
أى: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين المنكرين للبعث آياتنا البينات الواضحات، الدالة على صحة وقوع البعث والحساب يوم القيامة قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا على سبيل العناد والتعالي لِلَّذِينَ آمَنُوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قالوا لهم انظروا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.
والمقام- بفتح الميم-: مكان القيام والمراد به مساكنهم ومنازلهم التي يسكنونها وينزلون بها.
والندى والنادي والمنتدى: مجلس القوم ومكان تجمعهم.
يقال: ندوت القوم أندوهم ندوا، إذا جمعتهم في مجلس للانتداء. ومنه: دار الندوة للمكان الذي كانت تجتمع فيه قريش للتشاور في أمورها.
أى: وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وعلى أن البعث حق. قالوا للمؤمنين على سبيل الاحتقار لهم: نحن وأنتم أينا خير من الآخر مكانا، وأحسن مجلسا ومجتمعا فهم يتفاخرون على المؤمنين بمساكنهم الفارهة، ومجالسهم التي يجتمع فيها أغنياؤهم ووجهاؤهم.
قال الجمل في حاشيته: «أى قالوا للمؤمنين: انظروا إلى منازلنا فتروها أحسن من منازلكم وانظروا إلى مجلسنا عند التحدث ومجلسكم، فترونا نجلس في صدر المجلس، وأنتم جالسون في طرفه الحقير. فإذا كنا بهذه المثابة وأنتم بتلك فنحن عند الله خير منكم، ولو كنتم على حق لأكرمكم الله بهذه الأمور كما أكرمنا بها» .
وما حكاه الله- تعالى- عن هؤلاء الكافرين في هذه الآية، قد جاء ما يشبهه في آيات أخرى، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ .
يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان : أنهم يصدون عن ذلك ، ويعرضون ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم : ( خير مقاما وأحسن نديا ) أي : أحسن منازل وأرفع دورا وأحسن نديا ، وهو مجمع الرجال للحديث ، أي : ناديهم أعمر وأكثر واردا وطارقا ، يعنون : فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل ، وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق ؟ كما قال تعالى مخبرا عنهم : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) [ الأحقاف : 11 ] . وقال قوم نوح : ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) [ الشعراء : 111 ] ، وقال تعالى : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) [ الأنعام : 53 ]
يقول تعالى ذكره: ( وإذَا تُتْلَى ) على الناس ( آياتُنا ) التي أنـزلناها على رسولنا محمد ( بَيِّنَات )، يعني واضحات لمن تأمَّلها وفكَّر فيها أنها أدلة على ما جعلها الله أدلة عليه لعباده، ( قال الذين كفروا بالله ) وبكتابه وآياته، وهم قريش، ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) فصدّقوا به، وهم أصحاب محمد ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا ) يَعْني بالمقام: موضع إقامتهم، وهي مساكنهم ومنازلهم ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) وهو المجلس، يقال منه: ندوت القوم أندوهم ندوا: إذا جمعتهم في مجلس، ويقال: هو في نديّ قومه وفي ناديهم: بمعنى واحد ، ومن النديّ قول حاتم:
ودُعِيــتُ فـي أُولـي النَّـدِيّ ولَـمْ
يُنْظَـــرْ إلــيَّ بــأعْيُنٍ خُــزْرِ (1)
وتأويل الكلام: وإذا تتلى عليهم آياتنا بيِّنات، قال الذين كفروا للذين آمنوا: أيّ الفريقين منا ومنكم أوسع عيشا، وأنعم بالا وأفضل مسكنا، وأحسن مجلسا، وأجمع عددا وغاشية في المجلس، نحن أم أنتم؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قوله ( خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: المقام: المنـزل، والنديّ: المجلس.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ عن شعبة، عن سليمان، عن أبى ظَبيان، عن ابن عباس بمثله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال : ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: المقام: المسكن، والنديّ، المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها، وهو كما قال الله لقوم فرعون، حين أهلكهم وقصّ شأنهم في القرآن فقال كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ فالمقام: المسكن والنعيم، والنديّ: المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه، وقال الله فيما قصّ على رسوله في أمر لوط إذ قال وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ، والعرب تسمي المجلس: النادي.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) يقول: مجلسا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ) قال: قريش تقولها لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: مجالسهم، يقولونه أيضا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثنِي حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، فعرّض أهل الشرك بما تسمعون. قوله ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) يقول: مجلسا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: النديّ، المجلس، وقرأ قول الله تعالى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ قال: مجلسه.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت لحاتم الطائي ، من شعره في كتاب ( شعراء النصرانية : القسم الأول ص 115 ) وفي ( اللسان : ندى ) : والندى : المجالسة وناديته : جالسته ، وتنادوا : تجالسوا في النادي ، والندي : المجلس ما داموا مجتمعين فيه ، فإذا تفرقوا عنه فليس بندي . وقيل : الندي : مجلس القوم نهارا عن كراع . والنادي : كالندي . التهذيب : النادي المجلس ، يندو إليه من حواليه ، ولا يسمى ناديا حتى يكون فيه أهله ، وإذا تفرقوا لم يكن ناديا ، وهو الندي ، والجمع الأندية . أه . الخزر : جمع خزراء من الخزر ، وهو كما في ( اللسان : خزر ) كسر العين بصرها خلقة . وقيل : هو ضيق العين وصغرها . وقيل هو النظر الذي كأنه في أحد الشقين ، ثم استشهد ببيت حاتم ، وقد استشهد المؤلف به ، على أن معنى الندي : مجلس القوم .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
مريم: 73 | ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا﴾ |
---|
العنكبوت: 12 | ﴿وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ |
---|
يس: 47 | ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّـهُ أَطْعَمَهُ﴾ |
---|
الأحقاف: 11 | ﴿وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
تتلى:
1- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة أبى حيوة، والأعرج، وابن محيصن.
مقاما:
قرئ:
1- بفتح الميم، وهى قراءة الجمهور.
2- بضم الميم، وهى قراءة ابن كثير، وابن محيصن، وحميد، والجعفي، وأبى حاتم، عن أبى عمرو.
التفسير :
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} أي:متاعا، من أوان وفرش، وبيوت، وزخارف، وأحسن رئيا، أي:أحسن مرأى ومنظرا، من غضارة العيش، وسرور اللذات، وحسن الصور، فإذا كان هؤلاء المهلكون أحسن منهم أثاثا ورئيا، ولم يمنعهم ذلك من حلول العقاب بهم، فكيف يكون هؤلاء، وهم أقل منهم وأذل، معتصمين من العذاب{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} ؟ وعلم من هذا، أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة، وأنه من طرق الكفار.
وقد رد الله- تعالى- على هؤلاء الجاهلين المغرورين بقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً.
وكَمْ هنا خبرية، ومعناها الاخبار عن العدد الكثير وهي في محل نصب على المفعول به لجملة أَهْلَكْنا ومِنْ قَرْنٍ تمييز لها. والقرن: اسم لأهل كل أمة تتقدم في الوجود على غيرها، مأخوذ من قرن الدابة لتقدمه فيها.
والأثاث المتاع للبيت. وقيل: هو الجديد من الفراش، وقد يطلق على المال بصفة عامة.
ورِءْياً أى: منظرا وهيئة ومرأى في العين مأخوذ من الرؤية التي تراها العين.
والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين المتباهين بمساكنهم ومجالسهم: لا تفتخروا ولا يغرنكم ما أنتم فيه من نعيم، فإنما هو نوع من الاستدراج، فإن الله- تعالى- قد أهلك كثيرا من الأمم السابقة عليكم، كانوا أحسن منكم متاعا وزينة، وكانوا أجمل منكم منظرا وهيئة فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم ومظهرهم الحسن، عند ما أراد الله- تعالى- إهلاكهم بسبب كفرهم وجحودهم.
فالآية الكريمة تهديد للكافرين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم ورد على أقوالهم الباطلة، وعنجهيتهم الذميمة إذ لو كانت المظاهر والأمتعة والهيئات الحسنة تنفع أصحابها، لنفعت أولئك المهلكين من الأمم السابقة.
وشبيه بهذه الآية في الرد على هؤلاء الكافرين قوله- تعالى-: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ
.
وقوله- سبحانه-: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ .
ولهذا قال تعالى رادا عليهم شبهتهم : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) أي : وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم ، ( هم أحسن أثاثا ورئيا ) أي : كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا .
وقال الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس : ( خير مقاما وأحسن نديا ) قال : المقام المنزل ، والندي المجلس ، والأثاث المتاع ، والرئي المنظر .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : المقام المسكن ، والندي المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها ، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن : ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ) [ الدخان : 25 ، 26 ] ، فالمقام المسكن والنعيم ، والندي المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه ، وقال الله فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) [ العنكبوت : 29 ] ، والعرب تسمي المجلس : النادي .
وقال قتادة : لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة ، وفيهم قشافة ، تعرض أهل الشرك بما تسمعون : ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) وكذا قال مجاهد ، والضحاك .
ومنهم من قال في الأثاث : هو المال . ومنهم من قال : المتاع . ومنهم من قال : الثياب ، والرئي : المنظر كما قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد .
وقال الحسن البصري : يعني الصور ، وكذا قال مالك : ( أثاثا ورئيا ) : أكثر أموالا وأحسن صورا . والكل متقارب صحيح .
يقول تعالى ذكره: وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمؤمنين، إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن، أيّ الفريقين خير مقاما، وأحسن نديا، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء، وأحسن منهم منظرا وأجمل صورا، فأهلكنا أموالهم، وغيرنا صورهم; ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:
كُــمَيْتٌ كَلَـوْنِ الأرْجُـوَانِ نَشَـرْتهُ
لبَيْـعِ الـرّئِي فـي الصّـوَانِ المُكَعَّبِ (2)
يعني بالصوان: التخت الذي تصان فيه الثياب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال: الرئي: المنظر، والأثاث: المتاع.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: الرئي المنظر.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال : ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس، قوله ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) يقول: منظرا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) الأثاث: المال، والرئي: المنظر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله ( أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال: الأثاث: أحسن المتاع، والرِّئي: قال: المال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، يقول الله تبارك وتعالى ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) : أي أكثر متاعا وأحسن منـزلة ومستقرا، فأهلك الله أموالهم، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال: أحسن صورا، وأكثر أموالا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أثاثا) قال: المتاع (وَرِئْيا) قال: فيما يرى الناس.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ، قالا ثنا جرير بن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس : الأثاث: المال، والرِّئي: المنظر الحسن.
حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (وَرِئْيا) : منظرا في اللون والحسن.
حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (وَرِئْيا) منظرا في اللون والحسن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال: الرئي: المنظر، والأثاث: المتاع، أحسن متاعا، وأحسن منظرا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول في قوله: (أحْسَنُ أثَاثًا) يعني المال (وَرِئْيا) يعني: المنظر الحسن.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة: " وَرِيًّا " غير مهموز، وذلك إذا قرئ كذلك يتوجه لوجهين: أحدهما: أن يكون قارئه أراد الهمزة، فأبدل منها ياء، فاجتمعت الياء المُبدلة من الهمز والياء التي هي لام الفعل، فأدغمتا، فجعلتا ياء واحدة مشددة ليُلْحِقُوا ذلك، إذ كان رأس آية، بنظائره من سائر رءوس الآيات قبله وبعده; والآخر أن يكون من رويت أروى روية وريًّا، وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام: وكم أهلكنا قبلهم من قرن، هم أحسن متاعا، وأحسن نظرا لماله، ومعرفة لتدبيره ، وذلك أن العرب تقول: ما أحسن رؤية فلان في هذا الأمر إذا كان حسن النظر فيه والمعرفة به. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق والكوفة والبصرة (وَرِئْيا) بهمزها، بمعنى: رؤية العين، كأنه أراد: أحسن متاعا ومَرآة. وحُكي عن بعضهم أنه قرأ: أحسن أثاثا وزيا، بالزاي، كأنه أراد أحسن متاعا وهيئة ومنظرا، وذلك أن الزيّ هو الهيئة والمنظر من قولهم: زيَّيت الجارية ، بمعنى: زينتها وهيأتها.
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك بالصواب، قراءة من قرأ (أثاثا وَرِئْيا) بالراء والهمز، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن معناه: المنظر، وذلك هو من رؤية العين، لا من الرؤية، فلذلك كان المهموز أولى به، فإن قرأ قارئ ذلك بترك للهمز، وهو يريد هذا المعنى، فغير مخطئ في قراءته. وأما قراءته بالزاي فقراءة خارجة ، عن قراءة القرّاء، فلا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءتهم، وإن كان لهم في التأويل وجه صحيح.
واختلف أهل العربية في الأثاث أجمع هو أم واحد، فكان الأحمر فيما ذُكر لي عنه يقول: هو جمع، واحدتها أثاثة، كما الحمام جمع واحدتها حمامة ، والسحاب جمع واحدتها سحابة ، وأما الفراء فإنه كان يقول: لا واحد له، كما أن المتاع لا واحد له. قال: والعرب تجمع المتاع: أمتعة، وأماتيع، ومتع. قال: ولو جمعت الأثاث لقلت: ثلاثة آثَّةٍ وأثث. وأما الرئي فإن جمعه: آراء.
------------------------
الهوامش:
(2) البيت لعلقمة بن عبدة وهو الثاني والعشرون من قصيدته التي مطلعها :
*ذهبت من الهجران في غير مذهب *
( مختار الشعر الجاهلي طبعة الحلبي بشرح مصطفى السقا ، ص 436 ) وفيه " الرداء " في موضع الرئي . قال شارحه : الكميت : الفرس الذي لونه بين السواد والحمرة . والأرجوان : صبغ أحمر مشبع . والمراد هنا : ثوب أحمر . . والصوان : ثوب تصان فيه الثياب ، ويقال له التخت . والمكعب هنا الموشى من الثياب ، وهو من صفة الرداء . ويقال : المكعب : المطوي المشدود ، وكل ما ربعته فقد كعبته ، ومنه الفتاة الكاعب : التي تكعب ثدييها وبرز . وفي ( اللسان : رأي ) : الرئي ( على فعيل ) والرئي ( على فعل بكسر أوله ) الثوب ينشر للبيع عن علي . التهذيب : الرئي ، بهمزة مسكنة : الثوب الفاخر الذي ينشر ليرى حسنه
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 6 | ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ |
---|
السجدة: 26 | ﴿أَوَ لَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ﴾ |
---|
ص: 3 | ﴿كَمۡ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ﴾ |
---|
مريم: 74 | ﴿وَكَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا﴾ |
---|
مريم: 98 | ﴿وَكَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا﴾ |
---|
طه: 128 | ﴿أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ﴾ |
---|
يس: 31 | ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ﴾ |
---|
ق: 36 | ﴿وَكَمۡ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ورئيا:
1- بالهمز، من رؤية العين، فعل، بمعنى: مفعول، كالطحن والسقي، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتشديد الياء من غير همز، وهو إما من «الرواء» مهموز الأصل، سهلت همزته بإبدالها ياء، ثم أدغمت الياء فى الياء، وإما من «الري» ضد العطش، وهى قراءة الزهري، وأبى جعفر، وشيبة، وطلحة، فى رواية الهذلي، وأيوب، وابن سعدان، وابن ذكوان، وقالون.
3- ورياء، بياء بعدها ألف بعدهما همزة، من المراءاة، أي: يرى بعضهم بعضا حسنة. حكاهما اليزيدي.
4- وريا، من غير همز ولا تشديد، من الرواء، فصار: ورئيا، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الياء وحذفت، أو من «الري» ، وحذفت إحدى الياءين تخفيفا، وهى قراءة ابن عباس، فيما روى عن طلحة.
5- وزيا، بالزاي، مشدد الياء، وهى البزة الحسنة، وهى قراءة ابن عباس أيضا، وابن جبير، ويزيد البربري، والأعسم المكي.
التفسير :
لما ذكر دليلهم الباطل، الدال على شدة عنادهم، وقوة ضلالهم، أخبر هنا، أن من كان في الضلالة، بأن رضيها لنفسه، وسعى فيها، فإن الله يمده منها، ويزيده فيها حبا، عقوبة له على اختيارها على الهدى، قال تعالى:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
{ حَتَّى إِذَا رَأَوْا} أي:القائلون:{ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}{ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ} بقتل أو غيره{ وَإِمَّا السَّاعَةَ} التي هي باب الجزاء على الأعمال{ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا} أي:فحينئذ يتبين لهم بطلان دعواهم، وأنها دعوى مضمحلة، ويتيقنون أنهم أهل الشر،{ وَأَضْعَفُ جُنْدًا} ولكن لا يفيدهم هذا العلم شيئا، لأنه لا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا، فيعملون غير عملهم الأول.
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يضيف إلى تهديدهم السابق تهديدا آخر فقال:
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ...
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين المتفاخرين بمساكنهم ومظاهرهم.. قل لهم: من كان منغمسا في الضلالة والشقاوة والغفلة.. فقد اقتضت حكمة الله- تعالى- أن يمد له العطاء كأن يطيل عمره ويوسع رزقه، على سبيل الاستدراج والإمهال..
فصيغة الطلب وهي قوله- تعالى-: فَلْيَمْدُدْ على هذا التفسير، المراد بها:
الإخبار عن سنة من سنن الله- تعالى- في خلقه، وهي أن سننه- تعالى- قد اقتضت أن يمهل الضالين، وأن يزيدهم من العطاء الدنيوي، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قال- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
وقال- سبحانه-: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .
وقد صدر الآلوسى تفسيره للآية بهذا التفسير فقال ما ملخصه: قوله قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ... أمر منه- تعالى- لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يجيب على هؤلاء المتفاخرين بما لهم من الحظوظ الدنيوية..
وقوله: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أى: يمد- سبحانه- له ويمهله بطول العمر، وإعطاء المال، والتمكن من التصرفات، فالطلب في معنى الخبر واختير للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير فيكون حاصل المعنى: من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد له مدا وجوز أن يكون ذلك للاستدراج.
وحاصل المعنى: من كان في الضلالة فعادة الله أن يمد له ويستدرجه .
ومن المفسرين من يرى أن صيغة الطلب وهي فَلْيَمْدُدْ على بابها، ويكون المقصود بالآية الدعاء على الضال من الفريقين بالازدياد من الضلال.
وعليه يكون المعنى: قل- أيها الرسول الكريم لهؤلاء المتفاخرين، من كان منا أو منكم على الضلالة، فليزده الله من ذلك، وكأن الآية الكريمة تأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بمباهلة المشركين كما أمره الله- تعالى- في آية أخرى بمباهلة اليهود في قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.. .
وكما أمر الله بمباهلة النصارى في قوله- سبحانه- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ .
ومن المفسرين الذين ساروا على هذا التفسير الإمامان ابن جرير وابن كثير، فقد قال ابن كثير: يقول- تعالى- قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ أى منا ومنكم فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أى: فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله.. قال مجاهد في قوله فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا فليدعه الله في طغيانه هكذا، قرر ذلك أبو جعفر بن جرير، وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه كما ذكر- تعالى- مباهلة اليهود والنصارى.. .
ومع وجاهة التفسيرين لمعنى فَلْيَمْدُدْ لَهُ.. إلا أننا نميل إلى الرأى الأول وهو أن صيغة الطلب يراد بها الإخبار عن سنة الله- تعالى- في الضالين، لأنه هو المتبادر من معنى الآية الكريمة ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً.. يؤيد هذا الرأى.
وقوله- سبحانه-: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ.. متعلق بما قبله.
أى: فليمدد له الرحمن مدا على سبيل الاستدراج والإمهال، حتى إذا رأى هؤلاء الكافرون ما توعدهم الله- تعالى- به، علموا وأيقنوا أن الأمر بخلاف ما كانوا يظنون وما كانوا يقولون لأنهم سينزل الله- تعالى- بهم إِمَّا الْعَذابَ الدنيوي على أيدى المؤمنين وَإِمَّا السَّاعَةَ أى: وإما عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى.
وحينئذ يعلمون ويوقنون مَنْ هُوَ من الفريقين شَرٌّ مَكاناً أى: أسوأ منزلا ومسكنا وَأَضْعَفُ جُنْداً وأضعف أعوانا وأنصارا.
وهذه الجملة الكريمة رد على قول المشركين قبل ذلك: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.
يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، لهؤلاء المشركين بربهم المدعين ، أنهم على الحق وأنكم على الباطل : ( من كان في الضلالة ) أي : منا ومنكم ، ( فليمدد له الرحمن مدا ) أي : فأمهله الرحمن فيما هو فيه ، حتى يلقى ربه وينقضي أجله ، ( إما العذاب ) يصيبه ، ( وإما الساعة ) بغتة تأتيه ، ( فسيعلمون ) حينئذ ( من هو شر مكانا وأضعف جندا ) أي : في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي .
قال مجاهد في قوله : ( فليمدد له الرحمن مدا ) فليدعه الله في طغيانه . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه ، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله : ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) [ الجمعة : 6 ] أي : ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت إن كنتم تدعون أنكم على الحق ، فإنه لا يضركم الدعاء ، فنكلوا عن ذلك ، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة " البقرة " مبسوطا ، ولله الحمد . وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة " آل عمران " حين صمموا على الكفر ، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله ، وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى ، وأنه مخلوق كآدم ، قال بعد ذلك : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) [ آل عمران : 61 ] فنكلوا أيضا عن ذلك .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم، القائلين: إذا تتلى عليهم آياتنا، أيّ الفريقين منا ومنكم خير مقاما وأحسن نديا ، من كان منا ومنكم في الضلالة جائرا عن طريق الحقّ ، سالكا غير سبيل الهدى، فليمدد له الرحمن مدّا: يقول: فليطوَّل له الله في ضلالته، وليمله فيها إملاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ) فليَدعْه الله في طغيانه.
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقوله ( حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ ) يقول تعالى ذكره: قل لهم: من كان منا ومنكم في الضلالة، فليمدد له الرحمن في ضلالته إلى أن يأتيهم أمر الله، إما عذاب عاجل، أو يلقوا ربهم عند قيام الساعة التي وعد الله خلقه أن يجمعهم لها، فإنهم إذا أتاهم وعد الله بأحدِ هذين الأمرين ( فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا ) ومسكنا منكم ومنهم ( وَأَضْعَفُ جُنْدًا ) أهم أم انتم؟ ويتبينون حينئذ أيّ الفريقين خير مقاما، وأحسن نديا.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 60 | ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ |
---|
يوسف: 77 | ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ |
---|
مريم: 75 | ﴿حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ |
---|
الفرقان: 34 | ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
لما ذكر أنه يمد للظالمين في ضلالهم، ذكر أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته، والهدى يشمل العلم النافع، والعمل الصالح. فكل من سلك طريقا في العلم والإيمان والعمل الصالح زاده الله منه، وسهله عليه ويسره له، ووهب له أمورا أخر، لا تدخل تحت كسبه، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه، كما قاله السلف الصالح، ويدل عليه قوله تعالى{ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
ويدل عليه أيضا الواقع، فإن الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور، أعظم تفاوت، ثم قال:{ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} أي:الأعمال الباقية، التي لا تنقطع إذا انقطع غيرها، ولا تضمحل، هي الصالحات منها، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وعمرة، وقراءة، وتسبيح، وتكبير، وتحميد، وتهليل، وإحسان إلى المخلوقين، وأعمال قلبية وبدنية. فهذه الأعمال{ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْر مَرَدًّا} أي:خير عند الله، ثوابها وأجرها، وكثير للعاملين نفعها وردها، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه، فإنه ما ثم غير الباقيات الصالحات، عمل ينفع، ولا يبقى لصاحبه ثوابه ولا ينجع، ومناسبة ذكر الباقيات الصالحات-والله أعلم- أنه لما ذكر أن الظالمين جعلوا أحوال الدنيا من المال والولد، وحسن المقام ونحو ذلك، علامة لحسن حال صاحبها، أخبر هنا أن الأمر، ليس كما زعموا، بل العمل الذي هو عنوان السعادة ومنشور الفلاح، هو العمل بما يحبه الله ويرضاه.
وقوله- تعالى-: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً.. كلام مستأنف مسوق لبيان سنة الله- تعالى- التي لا تتخلف في المهتدين، بعد بيان سنته في الضالين.
أى: ويزيد الله- تعالى- المهتدين إلى طريق الحق هداية على هدايتهم، بأن يثبتهم عليه، كما قال- سبحانه-: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ. وكما قال- عز وجل-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ...
وقوله- تعالى-: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا أى:
والأعمال الباقيات الصالحات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أعمال البر، خير عند ربك ثوابا وجزاء مما تمتع به الكفار في دنياهم من شهوات وَخَيْرٌ مَرَدًّا أى: مرجعا وعاقبة.
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قيل: خير عند ربك ثوابا، كأن لمفاخراتهم ثوابا، حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه؟.
قلت: كأنه قيل: ثوابهم النار على طريقة قوله: تحية بينهم ضرب وجيع، ثم ينى عليه خير ثوابا، وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له: عقابك النار..
والخلاصة أنه لا ثواب لهؤلاء الكافرين سوى النار، أما المؤمنون فثوابهم جنات تجرى من تحتها الأنهار.
وقال بعض العلماء: «ويظهر لي في الآية جواب آخر أقرب من هذا، وهو أن الكافر يجازى بعمله الصالح في الدنيا، فإذا بر والديه، ونفس عن المكروب.. فإن الله يثيبه في الدنيا. فثوابه هذا الراجع إليه من عمله في الدنيا، هو الذي فضل عليه ثواب المؤمنين، وهذا واضح لا إشكال فيه»
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد حكت جانبا من تباهي الكافرين بدنياهم، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم.
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك لونا آخر من ألوان تبجحهم، وأقوالهم الباطلة، وردت عليها بأسلوب منطقي حكيم فقال- تعالى-:
لما ذكر الله تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه ، أخبر بزيادة المهتدين هدى كما قال تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) [ التوبة : 124 ، 125 ] .
وقوله : ( والباقيات الصالحات ) قد تقدم تفسيرها ، والكلام عليها ، وإيراد الأحاديث المتعلقة بها في سورة " الكهف " .
( خير عند ربك ثوابا ) أي : جزاء ( وخير مردا ) أي : عاقبة ومردا على صاحبها .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فأخذ عودا يابسا فحط ورقه ثم قال : " إن قول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريح ، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن ، هن الباقيات الصالحات ، وهن من كنوز الجنة " قال أبو سلمة : فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال : لأهللن الله ، ولأكبرن الله ، ولأسبحن الله ، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون
وهذا ظاهره أنه مرسل ، ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة ، عن أبي الدرداء ، والله أعلم . وهكذا وقع في سنن ابن ماجه ، من حديث أبي معاوية ، عن عمر بن راشد ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي الدرداء ، فذكر نحوه
يقول تعالى ذكره: ويزيد الله من سلك قصد المحجة، واهتدى لسبيل الرشد، فآمن بربه، وصدّق بآياته، فعمل بما أمره به، وانتهى عما نهاه عنه هدى بما يتجدّد له من الإيمان بالفرائض التي يفرضها عليه ، ويقرّ بلزوم فرضها إياه، ويعمل بها، فذلك زيادة من الله في اهتدائه بآياته هدى على هداه، وذلك نظير قوله وَإِذَا مَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وقد كان بعضهم يتأول ذلك: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى بناسخ القرآن ومنسوخه، فيؤمن بالناسخ، كما آمن من قبل بالمنسوخ، فذلك زيادة هدى من الله له على هُدَاه من قبل ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ) يقول تعالى ذكره: والأعمال التي أمر الله بها عباده ورضيها منهم ، الباقيات لهم غير الفانيات الصالحات، خير عند ربك جزاء لأهلها( وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) عليهم من مقامات هؤلاء المشركين بالله، وأنديتهم التي يفتخرون بها على أهل الإيمان في الدنيا.
وقد بيَّنا معنى الباقيات الصالحات، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، ودللنا على الصواب من القول فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: " جلس النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأخذ عودا يابسا، فحطّ ورقه ثم قال: إنَّ قَوْلَ لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، والحَمْدُ للهِ وسُبْحَانَ اللهِ، تَحطُّ الخَطايا، كمَا تَحُطُّ وَرَقَ هذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يا أبا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ"، قال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال: لأهللنّ الله، ولأكبرنّ الله، ولأسبحنّ الله، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الكهف: 46 | ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ |
---|
مريم: 76 | ﴿وَيَزِيدُ اللَّـهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء