2994647484950515253

الإحصائيات

سورة الكهف
ترتيب المصحف18ترتيب النزول69
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات110عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول13تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 4/14الحمد لله: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (46) الى الآية رقم (49) عدد الآيات (4)

بعدَ أن بَيَّنَ اللهُ حقارةَ الدُّنيا وسرعةَ زوالِها، بَيَّنَ هنا ما يَبقى، ثُمَّ ذكرَ بعضَ أحوالِ القيامةِ: تسييرَ الجبالِ، والعَرْضَ على اللهِ، ووضْعَ كتبِ الأعمالِ، لكي لا نغترَّ بالدُّنيا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (50) الى الآية رقم (53) عدد الآيات (4)

بعدَ ذكرِ القيامةِ وخوفِ المجرمينَ مما سُجِّلَ في كتبِ أعمالِهم، وكان إبليسُ هو مَن أضلَهم، ذكرَ هنا تكبرَ إبليسَ عن السجودِ لآدمَ عليه السلام معَ الملائكةِ، ثُمَّ بَيَّنَ عداوتَه وحَذَّرَ من طاعتِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الكهف

العصمة من الفتن/ الزينة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • والآن مع تفصيل أوسع قليلًا::   • قصة أصحاب الكهف (فتنة الدين). • قصة صاحب الجنتين (فتنة المال). • قصة موسى مع الخضر (فتنة العلم). • قصة ذي القرنين (فتنة السلطة).
  • • ما علاقة سورة الكهف بالعصمة من الفتن؟:   • القصة الأولى (أصحاب الكهف): هي قصة شباب آمنوا بالله، لكن القرية التي عاشوا فيها كانت محكومة من ملك ظالم غير مؤمن، فعرضوا إسلامهم على الناس ورفض الناس دعوتهم، وبدأوا بالدعوة إلى الله فكُذِّبوا واضطهدوا، فأوحى الله إليهم أن يأووا إلى الكهف، وأيدهم الله بمعجزات عظيمة فهم قد ناموا في الكهف، ثم استيقظوا بعد 309 سنين، ووجدوا أن الناس جميعًا قد آمنوا وأنهم أصبحوا في مجتمع جديد كله إيمان. • القصة الثانية (صاحب الجنتين): قصة رجل أنعم الله عليه، فنسي واهب النعمة فطغى وتجرأ على ثوابت الإيمان بالطعن والشك. • القصة الثالثة (موسى مع الخضر): عندما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يكل العلم إليه تعالى، فأوحى الله إليه بأن هناك من هو أعلم منه، فارتحل حتى التقي بالخضر، وهناك حدثت 3 مواقف:  السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، وكان سبب ذلك وجود ملك ظالم يسلب كل سفينة صالحة يراها.  الغلام الذي قتله الخضر، وكان سبب ذلك أنه كان سيرهق أبويه المؤمنين لعصيانه وعقوقه.  الجدار الذي أقامه الخضر لغلامين يتيمين، وكان تحته كنز مدفون لهما ولو لم يقم الجدار لما حفظ لهما كنزهما.  والرسالة في هذه المواقف: أن يتعلم المؤمن أن الله تعالى يقدر أمورًا قد لا نعلم الحكمة منها والخير المقدر فيها. • القصة الرابعة (ذي القرنين): الملك العادل الذي ينشر الحق والعدل والخير في الأرض، ويملك كل الأسباب المادية التي تسهل له التمكين والنجاح في الحياة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الكهف»، و«سورة أصحاب ‏الكهف».
  • • معنى الاسم ::   الكهف: كالمغارة في الجبل، إلا أنه أوسع منها، فإذا صغر فهو غار.
  • • سبب التسمية ::   لورود ‏قصة ‏أصحاب ‏الكهف فيها، ولم يرد هذا اللفظ إلا في هذه السورة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   كيفية التعامل مع الفتن.
  • • علمتني السورة ::   خطورة الكلمة، فالبعض يطلق الكلام على عواهنه دون النظر في عواقب كلامه: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ليؤمنوا؛ حتى يكاد أن يهلك نفسه لذلك: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الجليس الصالح خير من الوحدة، لكن الوحدة خير من الجليس السوء: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».
    • عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ؛ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ».
    • عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن قَرَأَ سُورَةَ اَلْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مُقَامِهِ إَلَى مَكَّة، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْر آياتٍ منْ آخِرِهَا فَخَرَجَ الدَّجُّالُ لَم يُسَلُّطْ عَلَيْهِ».
    • عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الكهف من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • يستحب قراءتها يوم الجمعة لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
    • الآيات العشر الأولى من السورة عاصمة لمن حفظها من فتنة المسيح الدجال لحديث أَبِى الدَّرْدَاءِ.
    • انتصفت عدد كلمات القرآن في هذه السورة، فالكلمة التي تقع في وسط القرآن على مذهب الجمهور هي كلمة ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ( 19).
    • هي إحدى سور خمس بُدِئت بـ «الحمد لله» وهذه السور هي: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نحذر الفتن، ونحصن أنفسنا منها.
    • أن ننتبه لأقوالنا، فرب كلمة تخرج من الفم ترجح كفة السيئات: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (5).
    • ألا نصرف مشاعرنا وحزننا لمن لا يستحق: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (6).
    • أن نحسن العمل، فالله قال: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (7)، ولم يقل سُبحانه أكثر وأدوم! بل أحسن، أي: إخلاص النية واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
    • أن نلجأ إلى الله ونسأله الرحمة والرشاد دائمًا: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (10).
    • ألا نغتر كثيرًا بصلاح حالنا، وشدة استقامتنا! فالقلوب تتقلب، والقلوب تتفلت، والقلوب تزيغ، والمثبت هو الله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ (14).
    • ألا نخوض فيما لا طائل وراءه، فوقت المسلم ثمين، فماذا يزيدنا لو عرفنا عدد الفتية؟ أو أسماءهم؟ أو أعمارهم؟: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ (22)، إنما الفائدة المرجوة في أفعالهم وثباتهم على المبدأ، وفرارهم بدينهم يحافظون عليه، وحذرهم في تصرفاتهم.
    • أن نرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان، وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ (24).
    • ألا نستعجل؛ فقد يحتاج التغيير بالكامل إلى ٣٠٩ سنة!: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ (25).
    • أن نلزم كل تقي نقي: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ (28).
    • أن نستعيذ بالله من أن نتكبر بسبب ما وهبنا الله من النعم, ونسأل الله أن يجعلها عونًا لنا على عبادته: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (34).
    • أن نحذر الكبر والخيلاء، وكلما تعالينا واستكبرنا على خلق الله نتذكر: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ (37).
    • ألا نجعل المال والبنين مشغلة لنا عن عمل الصالحات: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (46).
    • أن ننتبه لكلماتنا، ونراقب حركاتنا؛ فهناك كتاب: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ (49).
    • أن نستخدم الترغيب والترهيب في دعوتنا إلى الله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (56).
    • أن نحمل الزاد والطعام في السفر كما فعل موسى وتلميذه يوشع بن نون عليهما الصلاة والسلام: ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ (62).
    • أن نربط بين خطئنا وعذرنا؛ لأنه أرفق بصحبتنا: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ (63). • ألا نغتر بعلمنا: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ﴾ (66).
    • أن ننكر المنكر كما أنكر موسى أفعال الخضر عليهما السلام، وظن أنها منكر: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ (71)، ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ (74).
    • ألا نعاندْ، إذا أخطَأنا اعتذرنا: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ (73)، فثقافةُ الاعتذارِ لا يعرفُ قيمتَهَا إلَّا الكبارُ.
    • أن نعمل أعمالًا صالحة يصل نفعها إلى الآخرين: ﴿يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ (77).
    • أن نجتهد في دفع الظلــم عن المظلومين أو الضعفاء: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ (79).
    • ألا نحزن على فوات شيء من الدنيا، فقد أعطاها الله ذا القرنين، وحرمها كثيرًا من الأنبياء وهم أفضل منه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (84).

تمرين حفظ الصفحة : 299

299

مدارسة الآية : [46] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..

التفسير :

[46] الأموال والأولاد جَمال وقوة في هذه الدنيا الفانية، والأعمالُ الصالحة -وبخاصة التسبيحُ والتحميد والتكبير والتهليل- أفضل أجراً عند ربك من المال والبنين، وهذه الأعمال الصالحة أفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه، فينال بها في الآخرة ما كان يأمُله في ا

أن المال والبنين، زينة الحياة الدنيا، أي:ليس وراء ذلك شيء، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره، الباقيات الصالحات، وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله، وحقوق عباده، من صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق، كل هذا من الباقيات الصالحات، فهذه خير عند الله ثوابا وخير أملا، فثوابها يبقى، ويتضاعف على الآباد، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة، فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون، ويستبق إليها العاملون، ويجد في تحصيلها المجتهدون، وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان:نوع من زينتها، يتمتع به قليلا، ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه، بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام، وهي الباقيات الصالحات.

ثم بين- سبحانه- القيمة الحقيقة للمال وللبنين فقال: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا.

والمال: اسم لكل ما يتموله الإنسان ويتملكه من النقود والعقار والحرث والأنعام.. إلخ والبنون: جمع ابن.

والزينة: مصدر. والمراد بها هنا، ما في الشيء من محاسن ترغب الإنسان في حبه.

أى: المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويتباهى بها على غيره.

وإنما كانا كذلك، لأن في المال- كما يقول القرطبي- جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا.

قال الآلوسى: وتقديم المال على البنين- مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك.. ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بغير مال فهو في أضيق حال..» .

وفي التعبير بقوله- سبحانه- زينة، بيان بديع. وتعبير دقيق لحقيقتهما، فهما زينة وليسا قيمة، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس، وإنما توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح، كما قال- تعالى- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.

ولذا جاء التعقيب منه- سبحانه- بقوله: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا.

أى: المال والبنون زينة يتزين ويتفاخر بها كثير من الناس في هذه الحياة الدنيا، وإذا كان الأمر كذلك في عرف كثير منهم. فإن الأقوال الطيبة، والأعمال الحسنة، هي الباقيات الصالحات، التي تبقى ثمارها للإنسان، وتكون عند الله- تعالى- خَيْرٌ من الأموال والأولاد، ثوابا وجزاء وأجرا وَخَيْرٌ أَمَلًا حيث ينال بها صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه في الدنيا من فوز بنعيم الجنة، أما المال والبنون فكثيرا ما يكونان فتنة.

وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار في تعيين المراد بالباقيات الصالحات فقال: قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف: والباقيات الصالحات: الصلوات الخمس.

وقال عطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير عن ابن عباس: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ:

سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.. .

ويبدو لنا أن قوله- تعالى-: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ لفظ عام، يشمل كل قول، أو عمل يرضى الله- عز وجل- ويدخل في ذلك دخولا أوليا: الصلوات الخمس وغيرها مما ذكره المفسرون من أقوال.

وسمى- سبحانه- ما يرضيه. من أقوال، وأعمال بالباقيات الصالحات لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية، بخلاف زينة الحياة الدنيا فإنها زائلة فانية.

قال الإمام ابن جرير- رحمه الله- وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: هن جميع أعمال الخير.. لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى

ويثاب. وإن الله- عز وجل- لم يخصص من قوله وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ.. بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم .

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أهوال يوم القيامة، ذلك اليوم الذي تنفع فيه الباقيات الصالحات، وليس الأموال ولا الأولاد، فقال- تعالى-:

وقوله : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) كقوله ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) [ آل عمران : 14 ] ، وقال تعالى : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) [ التغابن : 15 ] أي : الإقبال عليه والتفرغ لعبادته ، خير لكم من اشتغالكم بهم والجمع لهم ، والشفقة المفرطة عليهم ؛ ولهذا قال : ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف : " الباقيات الصالحات " الصلوات الخمس .

وقال عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " الباقيات الصالحات " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

وهكذا سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن : " الباقيات الصالحات " ما هي ؟ فقال : هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

رواه الإمام أحمد :

حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة ، أنبأنا أبو عقيل ، أنه سمع الحارث مولى عثمان - رضي الله عنه - يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن ، فدعا بماء في إناء ، أظنه أنه سيكون فيه مد ، فتوضأ ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : " من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى صلاة الظهر ، غفر له ما كان بينها وبين الصبح ، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر ، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين العصر ، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ، ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح ، غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء وهي الحسنات يذهبن السيئات " قالوا : هذه الحسنات فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ قال : هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله تفرد به .

وروى مالك ، عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن سعيد بن المسيب قال : " الباقيات الصالحات " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال محمد بن عجلان ، عن عمارة قال : سألني سعيد بن المسيب عن " الباقيات الصالحات " فقلت : الصلاة والصيام . قال : لم تصب . فقلت : الزكاة والحج . فقال : لم تصب ، ولكنهن الكلمات الخمس : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن نافع عن سرجس ، أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن : ( والباقيات الصالحات ) قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، [ وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال ابن جريج : وقال عطاء بن أبي رباح مثل ذلك .

وقال مجاهد : ( والباقيات الصالحات ) سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ] .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : " الباقيات الصالحات " قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، هن الباقيات الصالحات .

قال ابن جرير : وجدت في كتابي عن الحسن بن الصباح البزار ، عن أبي نصر التمار ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، من الباقيات الصالحات " .

قال : وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن ابن الهيثم ، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " استكثروا من الباقيات الصالحات " . قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " الملة " . قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله " .

وهكذا رواه أحمد ، من حديث دراج ، به .

وبه قال ابن وهب : أخبرني أبو صخر أن عبد الله بن عبد الرحمن ، مولى سالم بن عبد الله حدثه قال : أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي ، فقال : قل له : القني عند زاوية القبر فإن لي إليك حاجة . قال : فالتقيا ، فسلم أحدهما على الآخر ، ثم قال سالم : ما تعد الباقيات الصالحات ؟ فقال : لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال له سالم : متى جعلت فيها " لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ " فقال : ما زلت أجعلها . قال : فراجعه مرتين أو ثلاثا ، فلم ينزع ، قال فأبيت قال سالم : أجل فأبيت فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يقول : " عرج بي إلى السماء فأريت إبراهيم عليه السلام ، فقال : يا جبريل من هذا معك ؟ فقال : محمد فرحب بي وسهل ، ثم قال : مر أمتك فلتكثر من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة . فقلت : وما غراس الجنة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله "

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام ، حدثني رجل من الأنصار ، من آل النعمان بن بشير ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء ، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض ، حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شيء ، ثم قال : " أما إنه سيكون بعدي أمراء ، يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم ، فليس مني ولا أنا منه ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم فهو مني وأنا منه . ألا وإن " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر هن الباقيات الصالحات "

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى بن كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام [ عن ] مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال : " بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده " . وقال : " بخ بخ لخمس من لقي الله مستيقنا بهن ، دخل الجنة : يؤمن بالله ، واليوم الآخر ، وبالجنة وبالنار ، وبالبعث بعد الموت ، وبالحساب

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال : كان شداد بن أوس رضي الله عنه ، [ في سفر ] فنزل منزلا فقال لغلامه : " ائتنا بالشفرة نعبث بها " . فأنكرت عليه ، فقال : ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه . فلا تحفظوها علي واحفظوا ما أقول لكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، وأسألك لسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب "

ثم رواه أيضا النسائي من وجه آخر عن شداد ، بنحوه

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثنا عمر بن الحسين ، عن يونس بن نفيع الجدلي ، عن سعد بن جنادة - رضي الله عنه - قال : كنت في أول من أتى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف ، فخرجت من أهلي من السراة غدوة ، فأتيت منى عند العصر ، فتصاعدت في الجبل ثم هبطت ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، وعلمني : ( قل هو الله أحد ) و ( إذا زلزلت ) وعلمني هؤلاء الكلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقال : " هن الباقيات الصالحات " . وبهذا الإسناد : " من قام من الليل فتوضأ ومضمض فاه ، ثم قال : سبحان الله مائة مرة ، والحمد لله مائة مرة ، والله أكبر مائة مرة ، ولا إله إلا الله مائة مرة ، غفرت ذنوبه إلا الدماء فإنها لا تبطل "

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( والباقيات الصالحات ) قال : هي ذكر الله ، قول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، وتبارك الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأستغفر الله ، وصلى الله على رسول الله ، والصيام ، والصلاة ، والحج ، والصدقة ، والعتق ، والجهاد ، والصلة ، وجميع أعمال الحسنات . وهن الباقيات الصالحات ، التي تبقى لأهلها في الجنة ، ما دامت السموات والأرض .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : هن الكلام الطيب .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي الأعمال الصالحة كلها . واختاره ابن جرير ، رحمه الله .

القول في تأويل قوله تعالى : الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا (46)

يقول تعالى ذكره: المال والبنون أيها الناس التي يفخر بها عيينة والأقرع، ويتكبران بها على سلمان وخباب وصهيب، مما يتزين به في الحياة الدنيا، وليسا من عداد الآخرة ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ) يقول: وما يعمل سلمان وخباب وصهيب من طاعة الله، ودعائهم ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، الباقي لهم من الأعمال الصالحة بعد فناء الحياة الدنيا، خير يا محمد عند ربك ثوابا من المال والبنين التي يفتخر هؤلاء المشركون بها، التي تفنى، فلا تبقى لأهلها( وَخَيْرٌ أَمَلا ) يقول: وما يؤمل من ذلك سلمان وصهيب وخباب، خير مما يؤمل عيينة والأقرع من أموالهما وأولادهما. وهذه الآيات لمن لدن قوله: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ إلى هذا الموضع، ذُكر أنها نـزلت في عيينة والأقرع.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط بن نصر، عن السدّي، عن أبي سعيد الأزدي، وكان قارئ الأزد، عن أبي الكنود، عن خباب في قوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ثم ذكر القصة التي ذكرناها في سورة الأنعام في قصة عيينة والأقرع، إلى قوله: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا قال: عيينة والأقرع وَاتَّبَعَ هَوَاهُ قال: قال: ثم قال ضرب لهم مثلا رجلين، ومثل الحياة الدنيا.

واختلف أهل التأويل في المعني بالباقيات الصالحات، اختلافهم في المعنى بالدعاء الذي وصف جلّ ثناؤه به الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن طردهم، وأمره بالصبر معهم، فقال بعضهم: هي الصلوات الخمس ، وقال بعضهم: هي ذكر الله بالتسبيح والتقديس والتهليل، ونحو ذلك ، وقال بعضهم: هي العمل بطاعة الله ، وقال بعضهم: الكلام الطيب.

* ذكر من قال:

هي الصلوات الخمس:

حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي، قال: ثنا يعقوب بن كاسب، قال: ثنا عبد الله بن عبد الله الأموي قال: سمعت عبد الله بن يزيد بن هرمز ، يحدّث عن عبيد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه قال: الباقيات الصالحات: الصلوات الخمس.

حدثني زريق بن إسحاق، قال : ثنا قبيصة عن سفيان، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، في قوله ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: الصلوات الخمس.

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن عمرو بن شُرَحبيل في هذه الآية ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: هي الصلوات المكتوبات.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الباقيات الصالحات: الصلوات الخمس.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن الحسن بن عبد الله، عن إبراهيم، قال ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) الصلوات الخمس.

* حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: الصلوات الخمس.

* ذكر من قال: هنّ ذكر الله بالتسبيح والتحميد ونحو ذلك: حدثنا ابن حميد وعبد الله بن أبي زياد ومحمد بن عمارة الأسدي، قالوا: ثنا عبد الله بن يزيد، قال: أخبرنا حيوة. قال: أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصديق، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان، يقول: قيل لعثمان: ما الباقيات الصالحات؟ قال: هنّ لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبو زرعة، قال: ثنا حيوة، قال: ثنا أبو عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان يقول: قيل لعثمان بن عفان: ما الباقيات الصالحات؟ قال: هي لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

حدثني ابن عبد الرحيم البرْقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد ورشدين بن سعد، قالا ثنا زهرة بن معبد، قال: سمعت الحارث مولى عثمان بن عفان يقول: قالوا لعثمان: ما الباقيات الصالحات؟ فذكر مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عبد الملك، عن عطاء ، عن ابن عباس، مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا مالك، عن عمارة بن عبد الله بن صياد، عن سعيد بن المسيب، قال: ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خُشَيم ، عن نافع بن سرجس، أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن الباقيات الصالحات، قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله. قال ابن جريج، وقال عطاء بن أبي رَباح مثل ذلك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال : ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الباقيات الصالحات: 0 سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، بنحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني أبو صخر : أن عبد الله بن عبد الرحمن، مولى سالم بن عبد الله، حدثه قال: أرسلني سالم بن محمد بن كعب القُرَظي، فقال: قل له الْقَنِي عند زاوية القبر، فإن لي إليك حاجة، قال: فالتقيا، فسلم أحدهما على الآخر ، ثم قال سالم: ما تعدّ الباقيات الصالحات؟ فقال: لا إله إلا الله، والحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله، فقال له سالم: متى جعلت فيها لا حول ولا قوة إلا بالله؟ فقال: ما زلت أجعلها، قال: فراجعه مرّتين أو ثلاثا فلم ينـزع ، قال: فأثبت، قال سالم: أجل، فأثبت فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " عُرِجَ بِي إلى السَّماءِ فَأُرِيتُ إبْرَاهِيمَ، فقالَ: يا جبْريلُ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فقالَ: مُحَمَّد، فَرَحَّبَ بِي وَسَهَّلَ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ أُمَّتَكَ فَلْتُكْثِرْ مِنْ غِرَاسِ الجَنَّةِ، فإنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ، وأرْضُها وَاسِعَةٌ، فَقُلْتُ: وَما غِرَاسُ الجَنَّةِ؟ قالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ".

وجدت في كتابي عن الحسن بن الصبَّاح البَزَّار، عن أبي نصر التمار، عن عبد العزيز بن مسلم، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المَقُبْري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ مِنَ الباقِياتِ الصَّالِحاتِ".

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة، في قوله: ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ ) قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، هنّ الباقيات الصالحات.

حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخُدريّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اسْتَكْثِرُوا مِنَ الباقِياتِ الصَّالِحاتِ، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: المِلَّة، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: " التَّكْبِيرُ والتَّهْلِيلُ والتَّسْبِيحُ، والحَمْدُ، ولا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ".

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن عمارة بن صياد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول في الباقيات الصالحات: إنها قول العبد: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حدثني ابن البَرْقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: ثني ابن عَجْلان، عن عمارة بن صياد، قال: سألني سعيد بن المسيب، عن الباقيات الصالحات، فقلت: الصلاة والصيام، قال: لم تصب ، فقلت : الزكاة والحج، فقال: لم تصب، ولكنهنّ الكلمات الخمس: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* ذكر من قال: هي العمل بطاعة الله عزّ وجلّ: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ) قال: الأعمال الصالحة: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

حدثني عليّ ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: هي ذكر الله قول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحجّ والصدقة والعتق والجهاد والصلة، وجميع أعمال الحسنات، وهنّ الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ) قال: الأعمال الصالحة.

* ذكر من قال: هي الكلم الطيب: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) قال: الكلام الطيب.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هنّ جميع أعمال الخير، كالذي رُوي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ) بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن ظنّ ظانّ أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ورد بأن قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنّ من الباقيات الصالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصالحات، ولا كلّ الباقيات الصالحات ، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات، وغيرها من أعمال البرّ أيضا باقيات صالحات.

التدبر :

لمسة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾ قدم المال على البنين لأمرين: الأول: إن كل شخصٍ عنده مال، ولكن البعض ليس عنده بنين. الثاني: إن المال سبب للبنين، فالأبناء يأتون من الزواج، والزواج يحتاج للمال أصلًا.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وجود المال والبنين سعادة وفرحة في هذه الدنيا، لكن إنْ قصَّرت في حقوقهما كانت حسرة وبلية يوم القيامة.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ كلمة (زِينَةُ) أي: ليست من ضرورات الحياة، بل مجرد شكل وزخرف؛ فالمؤمن يعيش سعيدًا راضيًا بما قسم الله له، حتى لو كان بلا مال ولا ولد؛ بينما يشقى بعضهم بماله أو ولده.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾: التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء، ﴿زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: ليست من زاد الآخرة، قال علي بن أبي طالب t: «المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحة حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام».
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ تقديم المال على البنين في الذكر؛ لأنه أسبق لأذهان الناس، لأنه يرغب فيه الصغير والكبير، والشاب والشيخ، ومن له من الأولاد ما قد كفاه.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (زينة) مهما تزينت الدنيا لك تبقى متاع زائل.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من شأن الزينة: الزوال وعدم الثبات، وإضافتها إلى الحیاة الدنیا یقتضي دناءتها.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (زينة) وليست ضرورة! فارضَ بما قسَمَ الله لك.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحة حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام.
وقفة
[46] قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا؛ لأن في المال جمالًا ونفعًا، وفي البنين قوة ودفعًا، فصارا زينة الحياة الدنيا؛ لكن مع قرينة الصفة للمال والبنين، لأن المعنى: المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم.
عمل
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ لا تجعل المال والبنين مشغلة لك عن عمل الصالحات، بل اجعلها مساعدة لك عليه.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ علمتني سورة الكهف: أن ذكر الله خير من كل زينة ولذة.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ ليس في أمور الدنيا آمال؛ إنما الآمال في الأقوال والأعمال الصالحات.
وقفة
[46] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ الأمل في المال والبنين أمر مشكوك في حصوله، مع قصر مدته، وأما الأمل في الصالحات، فهو وعد حق صادق من الله، ويحصل منه نفع الدنيا والآخرة.
وقفة
[46] كلما زينت لك نفسك حب الدنيا ذكرها بـ: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وبشّرها بـ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ﴾ معنى هذا أن ما قبلها لم يكُنْ من الباقيات بل زائل بزوال الدنيا، ووصف الباقيات لا يستحقه إلا ما ينفع في الآخرة.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ﴾ قال عبد الله بن مسعود عن الصدقة: «من استطاع منكم أن يضع كنزه حيث لا يأكله السوس، ولا يناله السَّرَق فليفعل».
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره: الباقيات الصالحات؛ وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده؛ من: صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾، ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ [مريم: 76]، الباقيات الصالحات هنَّ الكلمات المأثور فضلها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن لم يقدر له بلوغ رحاب البيت العتيق، لعرض أو لمرض، فلا تفته عشر ذي الحجة المباركة، فيعمل فيها أعمالًا هي أفضل من الجهاد في سبيل الله في غيرها.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ كل شيء مصيره الاندثار؛ إلا شيئًا واحدًا فقط، عملك الصالح المخلص لله، هو الذي يبقى لك، وما سواه ضائع لا محالة.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ على العبد الإكثار من الباقيات الصالحات، وهي كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ الباقيات الصالحات: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ لأن المال والبنون لن يدخلا القبر معك، ولن يمنعا عنك العذاب، ولن ينفعك إلا الباقيات الصالحات.
عمل
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ على الذكر والصالحات تبنى الآمال، فاذكروا وأملوا.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ فثوابها يبقى، ويتضاعف على الآباد، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة، فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون، ويستبق إليها العاملون، ويجد في تحصيلها المجتهدون.
وقفة
[46] ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ السعيد الحقيقي هو الذي يأخذ الدنيا علي أنها فرصة وغنيمة للتزود بالعمل الصالح، لا علي أنها ميدان سباق لجمع الأموال والتزود من متاعها.
عمل
[46] حدد عملًا صالحًا كبيرًا ليكون مشروع حياتك، ثم ابدأ خطوات جادة في تحقيقه، واستعن بالله سبحانه عليه حتى لا تعيش غافلًا ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾.
وقفة
[46] هناك أناس بسطاء لا مال ولا جاه ولا منصب، ولكن أملاكهم فى السماء عظيمة، قصورهم تبنى، وبساتينهم تزرع، فأكثروا من (خبايا) الصالحات ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ الْمالُ وَالْبَنُونَ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. والبنون: معطوفة بالواو على المال» مرفوعة بالواو لانها ملحقة بجمع المذكر السالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • زينة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. الحياة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الدنيا: صفة-نعت-للحياة مجرورة بالكسرة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ وَالْباقِياتُ الصّالِحاتُ:
  • الواو استئنافية. الباقيات: مبتدأ مرفوع بالضمة. الصالحات: صفة-نعت-للباقيات مرفوعة مثلها بالضمة.
  • ﴿ خَيْرٌ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. واصله: أخير. وحذف الالف أفصح.بمعنى: الاعمال البارة الباقية خير
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ:
  • ظرف مكان متعلق بخير غير متمكن في محل نصب وهو مضاف.ربك: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة وهو مضاف والكاف ضمير المخاطب ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً:
  • ثوابا: تمييز منصوب بالفتحة. وخير أملا: معطوفة بالواو على خَيْرٌ ثَااباً» وتعرب اعرابها. '

المتشابهات :

الكهف: 46﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
مريم: 76﴿وَيَزِيدُ اللَّـهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     وبعدَ أن بَيَّنَ اللهُ عز و جل حقارةَ الدُّنيا وسرعةَ زوالِها، بَيَّنَ هنا: ما يَفنى وما يَبقى، أو: ما لا ينبغي التفاخر به، وما ينبغي التفاخر به، قال تعالى:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [47] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ ..

التفسير :

[47] واذكر لهم يوم نُزيل الجبال عن أماكنها، وتبصر الأرض ظاهرة، ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من المخلوقات، وجمَعْنا الأولين والآخِرين لموقف الحساب، فلم نترك منهم أحداً.

يخبر تعالى عن حال يوم القيامة، وما فيه من الأهوال المقلقة، والشدائد المزعجة فقال:{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} أي:يزيلها عن أماكنها، يجعلها كثيبا، ثم يجعلها كالعهن المنفوش، ثم تضمحل وتتلاشى، وتكون هباء منبثا، وتبرز الأرض فتصير قاعا صفصفا، لا عوج فيه ولا أمتا، ويحشر الله جميع الخلق على تلك الأرض، فلا يغادر منهم أحدا، بل يجمع الأولين والآخرين، من بطون الفلوات، وقعور البحار، ويجمعهم بعدما تفرقوا، ويعيدهم بعد ما تمزقوا، خلقا جديدا

لظرف في قوله: - تعالى- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ منصوب بفعل محذوف تقديره:

«اذكر» .

والمراد بتسيير الجبال: اقتلاعها من أماكنها، وصيرورتها كالعهن المنفوش.

أى: واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، أهوال يوم القيامة، يوم نقتلع الجبال من أماكنها، ونذهب بها حيث شئنا، ونجعلها في الجو كالسحاب، كما قال- سبحانه-:

وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ.

وكما قال- عز وجل-: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً.

وقوله: وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً.. بيان لحالة ثانية من أهوال يوم القيامة.

أى: وترى- أيها المخاطب- الأرض ظاهرة للأعين دون أن يسترها شيء من جبل، أو شجر، أو بنيان.

يقال: برز الشيء بروزا، أى: خرج إلى البراز- بفتح الباء- أى: الفضاء وظهر بعد الخفاء.

قال- تعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ. وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ.

ثم بين- سبحانه- حالة ثالثة من أهوال يوم القيامة فقال: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.

أى: وحشرنا الخلائق جميعا، بأن جمعناهم في المكان المحدد لجمعهم، دون أن نترك منهم أحدا، بل أخرجناهم جميعا من قبورهم لنحاسبهم على أعمالهم.

والفعل «نغادر» من المغادرة بمعنى الترك، ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء والأمانة وسمى الغدير من الماء غديرا، لأن السيل ذهب وتركه.

يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة ، وما يكون فيه من الأمور العظام ، كما قال تعالى : ( يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ) [ الطور : 9 ، 10 ] أي : تذهب من أماكنها وتزول ، كما قال تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) [ النمل : 88 ] ، وقال تعالى : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) [ القارعة : 5 ] وقال : ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) [ طه : 105 - 107 ] يقول تعالى : إنه تذهب الجبال ، وتتساوى المهاد ، وتبقى الأرض ( قاعا صفصفا ) أي : سطحا مستويا لا عوج فيه ( ولا أمتا ) أي : لا وادي ولا جبل ؛ ولهذا قال تعالى : ( وترى الأرض بارزة ) [ أي بادية ظاهرة ، ليس فيها معلم لأحد ولا مكان يواري أحدا ، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية .

قال مجاهد ، وقتادة : ( وترى الأرض بارزة ) ] لا خمر فيها ولا غيابة . قال قتادة : لا بناء ولا شجر .

وقوله : ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) أي : وجمعناهم ؛ الأولين منهم والآخرين ، فلم نترك منهم أحدا ، لا صغيرا ولا كبيرا ، كما قال : ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) [ الواقعة : 50 ، 49 ] ، وقال : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) [ هود : 103 ] ،

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)

يقول تعالى ذكره:

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) عن الأرض، فنبسُّها بَسًّا، ونجعلها هباء منبثا(وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً) ظاهرة: وظهورها لرأي أعين الناظرين من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر هو بروزها.

وبنحو ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً) قال: لا خَمْرَ فيها ولا غيابة ولا بناء، ولا حجر فيها.

حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً) ليس عليها بناء ولا شجر.

وقيل: معنى ذلك: وترى الأرض بارزا أهلها الذين كانوا في بطنها، فصاروا على ظهرها.

وقوله (وَحَشَرْنَاهُمْ) يقول: جمعناهم إلى موقف الحساب (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) ، يقول: فلم نترك، ولم نبق منهم تحت الأرض أحدا، يقال منه: ما غادرت من القوم أحدا، وما أغدرت منهم أحدا، ومن أغدرت قول الراجز:

هَـلْ لـكِ والعـارِضُ مِنـكِ عـائِضُ

فــي هَجْمَـةٍ يُغْـدِرُ مِنْهـا القـابِضُ (1)

التدبر :

وقفة
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ إنه مشهد تتحـرك فيـه الجبال الراسخة فتسير, فكيف بالقلوب؟!
عمل
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ يا من تكدرت خواطره بالهموم، إن الله يزيل الجبال الملامسه للغيوم، فقط ثق بربك، العزيز الحيّ القيوم!
عمل
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ الذي يسيرها ألا يستطيع سبحانه إزالة هم؟ أو تفريج كرب؟ أو شفاء مرض؟ بلى والله، فاعقد الآمال على مسير الجبال.
وقفة
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ الذي يسيرها ألا يستطيع يُسير لك الشفاء، أو يستجيب لك الدعاء، بلى وربِّ السماء!
وقفة
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ أشد الزلازل تدميرًا في الدنيا لا تستطع اقتلاع الجبال من جذورها، لكن كل شيء يوم القيامة مختلف، فيوم القيامة هو زلزال الزلازل الذي يفتت أقوى الجمادات، ويجعلها تطير مع السحاب.
وقفة
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ تسيير الجبال أي إزالتها من أماكنها، وجاء بالجبال مع أن في الأرض بنيان وأشجار معمرة، ذلك لأن الجبال التي هي أرسخ شيء في الأرض وأصلبه، تزول، فكيف بما هو دونها؟!
عمل
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ من يسير الجبال لا يعجزه همك ولا غمك ولا حاجتك؛ فعلق قلبك بالقوي الذي لا يعجزه شيء سبحانه، ولا تيأس مهما طال البلاء.
وقفة
[47] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ على العبد تذكر أهوال القيامة، والعمل لهذا اليوم حتى ينجو من أهواله، وينعم بجنة الله ورضوانه.
وقفة
[47] ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ بارزة أي فضاء.
وقفة
[47] ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ أي: بادية ظاهرة، ليس فيها مَعْلَمٌ لأحد، ولا مكان يواري أحدًا، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم، لا تخفى عليه منهم خافية.
وقفة
[47] ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ تبدو الأرض عارية يوم القيامة لاجبال فيها ولا وديان، وكذلك تتكشف خبايا القلوب، فلا تخفى منها خافية!
لمسة
[47] ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ بالماضي، وبعدها: (وَعُرِضُوا)، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) كلها ماضي، هذا تنزيل المستقبل منزلة الماضي لتحقق وقوعه، للدلالة على أنها بمنزلة ما وقع من الأحداث، هل في الماضي شك؟!
وقفة
[47] ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ لا عليك، أرأيت ذلك الذي ظلمك، وجعلك تبكي قهرًا في ظلمة الليالي، سيأتي به الله ولن يغادره.
وقفة
[47] ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ هذه الآية فيها عزاء للمظلومين، وتهديد للظالمين.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ:
  • الواو استئنافية. يوم: مفعول به بفعل مضمر تقديره: واذكر. وهو مضاف. نسير: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. الجبال: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة نُسَيِّرُ الْجِبالَ» في محل جر بالاضافة اي ويوم نسير الجبال في الجو ونحطمها فنجعلها هباء منثورا.
  • ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً:
  • الواو عاطفة. ترى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. الارض: مفعول به منصوب بالفتحة. بارزة: حال منصوب بالفتحة لان معنى «الرؤية» بصرية. بمعنى: ترى الارض بادية برزت من تحت الجبال لا يسترها شيء.
  • ﴿ وَحَشَرْناهُمْ:
  • بمعنى: وجمعنا الكافرين. الواو عاطفة. حشر: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَلَمْ نُغادِرْ:
  • الفاء عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. نغادر: اي نترك: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.
  • ﴿ مِنْهُمْ أَحَداً:
  • جار ومجرور متعلق بنغادر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. احدا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     وبعد بيان حقارةِ الدُّنيا وسرعةِ زوالِها، وعدمِ الاغترار بزخرفِها ونعيمِها؛ جاء الحديثُ هنا عن بعضِ أهوالِ القيامةِ؛ لكي لا يغترَّ بالدُّنيا أحد، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نسير:
1- بالنون، و «الجبال» بالنصب، وهى قراءة نافع، وحمزة، والكسائي، والأعرج، وشيبة، وعاصم، وابن مشرف، وأبى عبد الرحمن.
وقرئ:
2- تسير، بضم التاء، وفتح الياء المشددة المبنية للمفعول، و «الجبال» بالرفع، وهى قراءة ابن عامر، وابن كثير، وأبى عمرو، والحسن، وشبل، وقتادة، وعيسى، والزهري، وحميد، وطلحة، واليزيدي، والزبيري، عن رجاله عن يعقوب.
3- يسير، بضم الياء الأولى وفتح الثانية المشددة، مبنيا للمفعول، و «الجبال» بالرفع، وهى قراءة الحسن.
4- تسير، من «سار» ، وهى قراءة ابن محيصن، ومحبوب عن أبى عمرو.
5- سيرت، وهى قراءة أبى.
وترى:
وقرئ:
مبنيا للمفعول، وهى قراءة عيسى.
نغادر:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتاء، بالإسناد إلى القدرة، أو الأرض، وهى قراءة قتادة.
3- بالتاء، مبنيا للمفعول و «أحد» بالرفع، وهى قراءة أبان بن يزيد عن عاصم.
4- نغدر، بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال، وهى قراءة الضحاك.

مدارسة الآية : [48] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ ..

التفسير :

[48] وعُرِضوا جميعاً على ربك مصطَفِّين، لا يُحجب منهم أحد؛ لقد بعثناكم، وجئتم إلينا فرادى لا مال معكم ولا ولد، كما خلقناكم أول مرة، بل ظننتم -يا منكري البعث- أن لن نجعل لكم موعداً نبعثكم فيه، ونجازيكم على أعمالكم.

فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في أعمالهم، ويحكم فيهم بحكمه العدل، الذي لا جور فيه ولا ظلم، ويقول لهم:{ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة} أي:بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة، ما معهم إلا الأعمال، التي عملوها، والمكاسب في الخير والشر، التي كسبوها كما قال تعالى:{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} وقال هنا، مخاطبا للمنكرين للبعث، وقد شاهدوه عيانا:{ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} أي:أنكرتم الجزاء على الأعمال، ووعد الله ووعيده، فها قد رأيتموه وذقتموه

ثم تذكر السورة الكريمة حالة رابعة من أهوال يوم القيامة، هي حالة العرض بعد حالة الجمع فتقول: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا.

أى: وأحضروا جميعا إلى ربك مصفوفين في صف واحد أو في صفوف متعددة، ليقضى فيهم- سبحانه- بقضائه العادل.

قال الآلوسى: أخرج ابن مندة في التوحيد عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«إن الله- تعالى- ينادى يوم القيامة، يا عبادي: أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين.

وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين. أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم. فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب» .

وفي الحديث الصحيح: «يجمع الله- تعالى- الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر..» .

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. مقول لقول محذوف، وجملة «كما خلقناكم» نعت لمصدر محذوف.

والمعنى: ونقول لمنكري البعث والحساب بعد عرضهم علينا على سبيل التوبيخ والتأنيب:

لقد جئتمونا- أيها المكذبون- مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا إياكم أول مرة. أى حفاة عراة لا مال معكم ولا ولد.

وعبر- سبحانه- بالماضي في قوله: قَدْ جِئْتُمُونا..

لتحقق الوقوع وتنزيله منزلة الواقع بالفعل.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ. لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ .

ثم ختم- سبحانه- الآية بالانتقال من توبيخهم هذا إلى توبيخ أشد وأقسى فقال:

ْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً.

أى: بل زعمتم أيها المكذبون بالبعث- أن لن نجعل لكم زمانا أو مكانا نجازيكم فيه على أعمالكم، وأنكرتم إنكارا مصحوبا بقسم أننا لا نبعث من يموت.

قال- تعالى-: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .

وقوله : ( وعرضوا على ربك صفا ) يحتمل أن يكون المراد : أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفا واحدا ، كما قال تعالى : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبإ : 38 ] ويحتمل أنهم يقومون صفوفا صفوفا ، كما قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ]

وقوله : ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) هذا تقريع للمنكرين للمعاد ، وتوبيخ لهم على رءوس الأشهاد ؛ ولهذا قال مخاطبا لهم : ( بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) أي : ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ، ولا أن هذا كائن .

القول في تأويل قوله : ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ) يقول عزّ ذكره: وعُرض الخلق على ربك يا محمد صفا.

( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) يقول عزّ ذكره : يقال لهم إذ عُرضوا على الله: لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خلقناكم أوَّل مرة ، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام.

وقوله: ( بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ) وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث ، ومعلوم أنه لا يقال يومئذ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات، والحشر إلى القيامة موعدا، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذّبا بالبعث وقيام الساعة.

------------------------

الهوامش:

(1) هذان بيتان من مشطور الرجز ، من ثلاثة أبيات أوردها ( اللسان : عرض ) والثالث قبلهما ، وهو * يـا ليـل أسقاك البريق الوامض *

وهي لأبي محمد الفقعسي قاله يخاطب امرأة خطبها إلى نفسها ، ورغبها في أن تنكحه ، فقال : هل لك رغبة في مئة من الإبل أو أكثر من ذلك لأن الهجمة أولها الأربعون ، إلى ما زدت ، يجعلها لها مهرا . قال : وفيه تقديم وتأخير ، والمعنى هل لك في مئة من الإبل أو أكثر ، يسئر منها قابضها الذي يسوقها ، أي يبقى ، لأنه لا يقدر على سوقها ، لكثرتها وقوتها ، لأنها تفرق عليه . ثم قال والعارض منك عائض ، أي المعطي بذل بضعك أي معطي بدل بضعك عرضا عائض ، أي آخذ عوضا منك بالتزويج ، يكون كفاء لما عرض منك . ويقال عضت أعاض : إذا اعتضت عوضا ، ( بكسر العين في الماضي ) وعضت أعوض ( بضم عين الماضي ) : إذا عوضت عوضا : أي دفعت : فقوله عائض من عضت ( بالكسر ) لا من عضت ( بالضم ) . ومن روى " يغدر " : أراد يترك ، من قولهم غادرت الشيء . قال ابن بري : والذي في شعره : " والعائض منك عائض " : أي والعوض منك عوض ، كما تقول : الهبة منك هبة ، أي لها موقع . ا هـ - قلت : في رواية اللسان لهذا الرجز " يسئر " أي يبقى ، في موضع " يغدر " .

التدبر :

وقفة
[48] ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾ ما أكسرها من نظرة! وأنت واقف في ذلك الصف، وربك ينظر، ولا تدري إلى أين يأمر بك، يا مولاي لطفك بنا.
وقفة
[48] ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾ إنه لم يغب عن الله منهم أحد في الدنيا ولو استتروا، لكنهم يوم القيامة أشد انکشافًا وافتضاحًا في يوم العرض الأكبر!
وقفة
[48] ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾ ما أشبه تلك الحال بحال الجناة عرضوا على السلطان، فلم يستطع أحد منهم التخفي، ولم يعد له مفر، وهم في الحقيقة صفوف، لكنه عبر بالواحد عن الجميع كقوله: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [الحج: 5]، لكنها صفوف لا يخفي صف فيهاالصف الذي يليه، فالجميع منفضح ومكشوف.
وقفة
[48] ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾ يعرضون صفًّا بعد صف، كالصفوف في الصلاة كل أمة وزمرة صفًا.
وقفة
[48] ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾ العاقل حقًّا من يعمل اليوم لعرض ذلك اليوم.
وقفة
[48] لماذا قال هنا: ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾، وقال فى القمر: ﴿كأنهم جراد منتشر﴾ [القمر: 7]؟ الجواب: الأول: عند السؤال، والثانى عند خروجهم من القبور وحشرهم إلى القيامة.
وقفة
[48] قال أحدهم: «عالجت مشكلة الخشوع في صلاتي بتذكر هذه الآية: ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا﴾، فكلما تذكرت الوقوف بين يدي الله والعرض عليه وأنا أصلي، ازداد خشوعي حينها؛ لأن صفة العرض في الصلاة تشبه صفة العرض يوم القيامة».
عمل
[48] ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ تخيل نفسك ضمن مليارات البشر العراة الحفاة المضطربين التائهين.
وقفة
[48] ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي: بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة؛ ما معهم إلا الأعمال التي عملوها، والمكاسب في الخير والشر التي كسبوها.
وقفة
[48] ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ انتهت سنين الهرب من الله، ومحاولة صرف الخواطر عن التفكير فيه، ها أنت الآن بين يديه.

الإعراب :

  • ﴿ وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا:
  • الواو استئنافية. عرضوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. على ربك: جار ومجرور متعلق بعرضوا والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة. صفا حال منصوب بالفتحة.بمعنى: مصطفين.
  • ﴿ لَقَدْ جِئْتُمُونا:
  • الجملة في محل نصب مفعول به-مقول القول-بمضمر تقديره: فقلنا لهم .. اللام لام الابتداءوالتوكيد. و «قد» حرف تحقيق.جئتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور والواو لاشباع الميم او هي على الاصل. و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به بمعنى: لقد بعثناكم. او بمعنى «جئتمونا عراة لا شيء معكم».
  • ﴿ كَما خَلَقْناكُمْ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب حال. ويجوز ان يكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير: حالكم كحال خلقكم. ما: مصدرية. خلق: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. الكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «خلقناكم» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ:
  • ﴿ ظرف زمان متعلق بخلقنا منصوب على الظرفية بالفتحة وهو مضاف. مرة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. بل: حرف اضراب واستئناف
  • زَعَمْتُمْ:
  • ﴿ فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • أَلَّنْ نَجْعَلَ:
  • ﴿ صلها: «أن» الزائدة الملغاة. لان العرب اذا جمعت بين حرفين عاملين ألغت احدهما. و «لن» حرف نفي ونصب واستقبال.نجعل: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن.
  • لَكُمْ مَوْعِداً:
  • ﴿ جار ومجرور متعلق بنجعل. والميم علامة جمع الذكور.موعدا: اي وقتا تجتمعون او نجمعكم فيه: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

الأنعام: 94﴿وَ لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ
الكهف: 48﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     وبعد ذكر الحشر وجمع الأولين والآخرين دون أن يُتركَ منهم أحد؛ يأتي هنا ذكرُ العَرْض على اللهِ، قال تعالى:
﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ ..

التفسير :

[49] ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم، ويقولون حين يعاينونه:يا هلاكنا! ما لهذا الكتاب لم يترك صغيرة مِن أفعالنا ولا كبيرة إلا أثبتها؟! ووجدوا كلَّ ما عملوه في الدنيا حاضراً مثبَتاً. ولا

فحينئذ تحضر كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة الكرامفتطير لها القلوب، وتعظم من وقعها الكروب، وتكاد لها الصم الصلاب تذوب، ويشفق منها المجرمون، فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم، محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم، قالوا:{ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} أي:لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة، إلا وهي مكتوبة فيه، محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار،{ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} لا يقدرون على إنكاره{ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فحينئذ يجازون بها، ويقررون بها، ويخزون، ويحق عليهم العذاب، ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد، بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.

ثم صور- سبحانه- أحوال المجرمين عند ما يرون مصيرهم السيئ فقال- تعالى-:

وَوُضِعَ الْكِتابُ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها.

والمراد بالكتاب: جنسه، فيشمل جميع الصحف التي كتبت فيها أعمال المكلفين في دار الدنيا.

أى: وأحضرت صحائف أعمال العباد، ووضعت في ميزانهم «فترى» - أيها المخاطب- «المجرمين» كافة، مشفقين، خائفين، مما فيه من جرائم وذنوب «ويقولون» على سبيل التفجع والتحسر عند معاينتهم لثقل ميزان سيئاتهم، وخفة ميزان حسناتهم.

«يا ويلتنا» . والويلة: الهلاك وحلول الشر والقبح والحسرة، وهو- أى لفظ الويلة-: مصدر لا فعل له من لفظه.

وهذا النداء على التشبيه بشخص يطلب إقباله.

أى: ويقولون بأسف وندامة وحسرة: يا هلاكنا أقبل فهذا أوان إقبالك.

ثم يقولون على سبيل التعجب والدهشة من دقة ما اشتمل عليه هذا الكتاب: مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها؟

أى: أى شيء ثبت لهذا الكتاب، حيث نراه لا يترك معصية صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها علينا، وسجلها في صحف أعمالنا.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على شمول علمه. ونفاذ قدرته وكمال عدله، فقال: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.

أى: ووجدوا ما عملوه في الدنيا حاضرا ومسطورا في صحائف أعمالهم، ولا يظلم ربك أحدا من العباد، وإنما يجازى كل إنسان على حسب ما يستحقه من ثواب أو عقاب كما قال- سبحانه-: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ .

وكما قال- عز وجل-: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً .

قال الإمام ابن كثير وقوله: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً أى: فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعها، ولا يظلم أحدا من خلقه، بل يغفر ويصفح ويرحم، ويعذب من يشاء، بقدرته وحكمته وعدله.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ فقلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقنى واعتنقته، فقلت:

حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الله- عز وجل- الناس يوم القيامة، عراة غرلا بهما، أى: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق، حتى أقصه منه، أى: حتى أمكنه من أخذ القصاص، وهو أن يفعل به مثل فعله، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وله عند رجل من أهل النار حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة.

قال: قلنا: كيف وإنما نأتى الله- عز وجل- عراة غرلا بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات .

وبعد أن وضح- سبحانه- من أهوال الحشر ما تخشع له النفوس، وتهتز له القلوب، أتبع ذلك بالنهى عن اتخاذ إبليس وذريته أولياء، وببيان جانب من المصير الأليم الذي ينتظر المجرمين وشركاءهم فقال- تعالى-:

وقوله : ( ووضع الكتاب ) أي : كتاب الأعمال ، الذي فيه الجليل والحقير ، والفتيل والقطمير ، والصغير والكبير ( فترى المجرمين مشفقين مما فيه ) أي : من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة ، ( ويقولون ياويلتنا ) أي : يا حسرتنا وويلنا على ما فرطنا في أعمارنا ( مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) أي : لا يترك ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا عملا وإن صغر ( إلا أحصاها ) أي : ضبطها ، وحفظها .

وروى الطبراني ، بإسناده المتقدم في الآية قبلها ، إلى سعد بن جنادة قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين ، نزلنا قفرا من الأرض ، ليس فيه شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا ، من وجد عودا فليأت به ، ومن وجد حطبا أو شيئا فليأت به . قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أترون هذا ؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا . فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، فإنها محصاة عليه "

وقوله : ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) أي : من خير أوشر كما قال تعالى : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) [ آل عمران : 30 ] ، وقال تعالى : ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) [ القيامة : 13 ] وقال تعالى : ( يوم تبلى السرائر ) [ الطارق : 9 ] أي : تظهر المخبآت والضمائر .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل غادر لواء يوم القيامة [ يعرف به " .

أخرجاه في الصحيحين ، وفي لفظ : " يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة ] عند استه بقدر غدرته ، يقال : هذه غدرة فلان بن فلان "

وقوله : ( ولا يظلم ربك أحدا ) أي : فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعا ، ولا يظلم أحدا من خلقه ، بل يعفر ويصفح ويرحم ويعذب من يشاء ، بقدرته وحكمته وعدله ، ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي ، [ ثم ينجي أصحاب المعاصي ] ويخلد فيها الكافرون وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم ، قال تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء : 40 ] وقال : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء : 47 ] والآيات في هذا كثيرة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا همام بن يحيى ، عن القاسم بن عبد الواحد المكي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي ، فسرت عليه شهرا ، حتى قدمت عليه الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب : قل له : جابر على الباب . فقال : ابن عبد الله ؟ فقلت : نعم . فخرج يطأ ثوبه ، فاعتنقني واعتنقته ، فقلت : حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص ، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الله عز وجل الناس يوم القيامة - أو قال : العباد - عراة غرلا بهما " قلت : وما بهما ؟ قال : " ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وله عند أحد من أهل الجنة حق ، حتى أقصه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، وله عند رجل من أهل النار حق ، حتى أقصه منه حتى اللطمة " . قال : قلنا : كيف ، وإنما نأتي الله - عز وجل - حفاة عراة غرلا بهما ؟ قال : بالحسنات والسيئات " .

وعن شعبة ، عن العوام بن مزاحم ، عن أبي عثمان ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة " رواه عبد الله بن الإمام أحمد وله شواهد من وجوه أخر ، وقد ذكرناها عند قوله : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ) [ الأنبياء : 47 ] وعند قوله تعالى : ( إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) [ الأنعام : 38 ]

القول في تأويل قوله تعالى : وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)

يقول عزّ ذكره: ووضع الله يومئذ كتاب أعمال عباده في أيديهم، فأخذ واحد بيمينه وأخذ واحد بشماله ( فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ) يقول عزّ ذكره: فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين، يقول: خائفين وجلين مما فيه مكتوب من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها( وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) يعني أنهم يقولون إذا قرءوا كتابهم، ورأوا ما قد كُتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها، نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب الله، وضجوا مما قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابهم، ولم يقدروا أن ينكروا صحتها .

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتك أحد ظلما، فإياكم والمحقَّرات من الذنوب، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه ، ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب لها مثلا يقول كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نـزلوا بفلاة من الأرض، وحضر صنيع القوم، فانطلق كلّ رجل يحتطب، فجعل الرجل يجيء بالعود، ويجيء الآخر بالعود، حتى جمعوا سوادا كثيرا وأجَّجوا نارا، فإن الذنب الصغير ، يجتمع على صاحبه حتى يهلكه ، وقيل: إنه عنى بالصغيرة في هذا الموضوع: الضحك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الله بن داود، قال: ثنا محمد بن موسى، عن الزيال بن عمرو، عن ابن عباس ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ) قال: الضحك.

حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبي، قال: حدثتني أمي حمادة ابنة محمد، قالت: سمعت أبي محمد بن عبد الرحمن يقول في هذه الآية في قول الله عزّ وجلّ: ( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) قال: الصغيرة: الضحك.

ويعني بقوله: ( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ ) : ما شأن هذا الكتاب ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ) يقول: لا يبقي صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبيرة منها( إِلا أَحْصَاهَا ) يقول: إلا حفظها( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا ) في الدنيا من عمل (حَاضِرًا) في كتابهم ذلك مكتوبا مثبتا، فجوزوا بالسيئة مثلها، والحسنة ما الله جازيهم بها( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) يقول: ولا يجازي ربك أحدا يا محمد بغير ما هو أهله، لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان، ولا بالسيئة إلا أهل السيئة، وذلك هو العدل.

التدبر :

وقفة
[49] ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ هذه لحظة تغيِّر القوانين البشرية، والأكاذيب الدنيوية، هنا يصبح الملك أذل من العبد، والعبد أعز من الملك.
وقفة
[49] ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ من عشرين عام كلما قرأتها أشعر أنني أنا المخاطب بها، وأحاول استعراض ما فعلت في الأسبوع وأعلم أن السيئات كتبت ورفعت إلى يوم الحساب ولن ينجيني سوى كثرة الاستغفار والتوبة.
عمل
[49] ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ أحسن تأليف كتابك بالأعمال الصالحة، حتى لا تشفق على ما فيه يوم القيامة!
اسقاط
[49] ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ ماذا ستكتب في كتابك؟
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ كان الفضيل بن عياض إذا اقرأ هذه الآية يقول: «يا ويلتاه ضجوا إلى الله تعالى بالصغائر قبل الكبائر».
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ لا تحقرن من المعاصي شيء ولو كالذرة، فالشيطان ينسي والله يحصي.
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ قال عون بن عبد الله: «ضج -والله- القوم من الصغار قبل الكبار».
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الصغائر تُكفَّر باجتناب الكبائر، لقوله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تنْهَوْن عنه نُكَفِّرْ عنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: 31]؟! قلتُ: الآيةُ الأولى في حقِّ الكافرين، بدليل قوله (فترى المجرمين)، والثانيةُ في حقِّ المؤمنين، لأن اجتناب الكبائر لا يتحقَّق مع الكفر. أو يُقال: الأولى في حقِّ المؤمنين أيضًا، لكن يجوز أن يُكتب الصغائر، ليشاهدها العبد يوم القيامة، ثم يُكفَّرعنه فيعلم قَدْر نعمةِ العفوِ عليه.
لمسة
[49] ما الفرق بين:(يا ويلتنا) و(يا ويلنا)؟ (الويل) هو الهلاك عمومًا:﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾[المطففين: 1]، ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1]، ﴿يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 14]، (الويلة) هي الفضيحة والخزي:﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ﴾[هود: ٧٢]، ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾، يا للفضيحة! لأن فيها أعمال وخزي وفضيحة يحبون أن يستروها، كما ورد على لسان ابن آدم:﴿قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي﴾ [المائدة: 31]، يا للفضيحة والخزي والعار! هذا الغراب فكَّر أحسن مني.
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ قال قتادة: «اشتكى القوم الإحصاء، وما اشتكى أحد ظلمًا، فإياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه».
عمل
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ حدد ذنوبًا فعلتها تراها من الكبائر، وأكثر من الاستغفار منها؛ لعلها تمسح من صحيفة سيئاتك.
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ من أحصى على نفسه في الدنيا الحسنات والسيئات لم يتفاجأ يوم القيامة بكتابه.
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ بدأ بالصغيرة قبل الكبيرة؛ لأن البعض يستهين بها، ثم اشتكوا من العدل لا من الظلم.
وقفة
[49] ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾ متذمرون من العدل لا من الظلم! نفوسٌ اعتادت الظلم، فاستنكرت عدل خالقها!
وقفة
[49] ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾ سبحان الله! بدأوا بالصغيرة؛ لأنها هي من يجر إلى الكبيرة.
اسقاط
[49] لو كانت هذه الآية نصب أعيننا في الاجتماعات: ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾؛ لساد الصمت في أغلب الأوقات.
وقفة
[49] اهرب حيث شئت: ﴿إن إلى ربك الرجعى﴾ [العلق: 8]، واعمل ما شئت فهناك كتاب: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾.
عمل
[49] ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ كتبهم من تأليفهم، فلِمَ الشفقة؟! أحسِن تأليف كتابك.
وقفة
[49] المجرمون شفقتهم هناك، تأمل حالهم: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا﴾، أما المتقون فشفقتهم كانت هنا هنا في هذه الدار، ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: 26، 27]، فنجا المؤمنون وهلك أولئك.
وقفة
[49] ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا﴾ انتهت جميع الخدع، انتهت كل الدسائس، انتهى الكذب على الدعاة، والتلفيق على المحتسبين، وبقيت: «يا ويلتنا».
عمل
[49] انتبه لكلماتك راقب حركاتك فهناك كتاب ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾، ﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: 79].
اسقاط
[49] ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ لو وقفت متأملًا ما مضى من تصرفاتك لعجبت من نفسك، كيف فعلت ذلك من أجل أمور لا تليق بك، فكيف بك يوم القيامة!
وقفة
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ مجرد استرجاع ذكرياتٍ أليمة كفيل بالإيلام! فكيف الحال بفتح سجلٍّ أظلمته المعاصي؟!
وقفة
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ هي بصمة الخير تتحدث عنك، حتى وأنت تحت التراب.
اسقاط
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ احرص أن تكون أعمالك تشرفك أمام ربك لا تحرجك، ولا تهلكك، تدارك نفسك الآن، قبل فوات الأوان.
وقفة
[49] اعمل ما شئت ، لكن ثق تمامًا ستجده حاضرًا أمامك ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾.
وقفة
[49] ما اقترفته من خير أو شر، فى الشرق أو الغرب، قديمًا أو حديثًا، نسيته أم لم تنساه، ستراه يومًا فى مكان واحد ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾.
وقفة
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ عندما يطوى ذكرك ويذهب اسمك، لا يبقى إلا فعلك!
عمل
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ما تعمله اليوم في الدنيا؛ سيُعاد بثهُ في الآخرة، فأحسن الأداء هنا؛ ليحسُن العرض هناك.
اسقاط
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ كُلّ ما خطته يداك، وتلفظتْ به شفتاك ستجده حاضرًا أمام مولاك.
وقفة
[49] ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ سنقف جميعًا بلا استثناء تحت مظلة العدل الذي نبحث عنه باستمرار، ذلك العدل المطلق المرضي، سندفع الثمن الدقيق بما ظلمنا، وسنأخذ حقوقنا التامة ممن ظلمنا.
وقفة
[49] ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ أبدًا، فالعدل المطلق في حكمه وفعله وقضائه، هذه الآية باب عظيم لمن أراد تحقيق الإيمان بقضاء الله وقدره.
وقفة
[49] ﴿ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم﴾ لا تستغرب بُعدَهم عن الله، هم بدأوا، انصرفوا فصرَفهم الله، وابتعدوا فأبعدهم ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَوُضِعَ الْكِتابُ:
  • الواو عاطفة. وضع: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الكتاب: نائب فاعل مرفوع بالضمة بمعنى ووضع كتاب الاعمال اي صحائف الاعمال. وقيل: وضع في الميزان. وقيل هو كناية عن وضع الحساب.
  • ﴿ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ:
  • الفاء سببية. ترى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. المجرمين: مفعول به منصوب بالياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ مُشْفِقِينَ:
  • اي خائفين لسوء ما قدموا بين ايديهم. وهو حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ مِمّا فِيهِ:
  • جار ومجرور متعلق بمشفقين. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. فيه: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره:وجد او سطر. وجملة «وجد فيه» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَيَقُولُونَ:
  • الواو استئنافية. يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ يا وَيْلَتَنا:
  • يا: اداة نداء. ويلتنا اي بمعنى «هلكتنا».والويل: كلمة عذاب. ويلتنا: منادى بأداة نداء منصوب بالفتحة. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وهذا النوع من المنادى انما يكون للمبالغة. وهذه الكلمة تدعو بها العرب عند الهلاك.
  • ﴿ مالِ هذَا الْكِتابِ:
  • ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.اللام: حرف جر. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر «ما».الكتاب: بدل من اسم الاشارة مجرور مثله وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ لا يُغادِرُ:
  • بمعنى «لا يترك» الجملة في محل نصب حال من الكتاب. لا:نافية لا عمل لها. يغادر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً:
  • صفة نائبة عن موصوف منصوب لانه مفعول به اي بتقدير «هنة صغيرة».الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. كبيرة:معطوفة على «صغيرة» وتعرب اعرابها. بمعنى: ولا كبيرة من امورنا
  • ﴿ إِلاّ أَحْصاها:
  • إلا: حرف تحقيق بعد النفي. احصى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.و«ها» ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَوَجَدُوا:
  • الواو استئنافية. وجدوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ ما عَمِلُوا:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.عملوا: تعرب اعراب «وجدوا».وجملة «عملوا» صلة الموصول لا محل لها. بتقدير: جزاء ما عملوا. ويجوز ان تكون «ما» مصدرية فتكون هي وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعولا به. بحذف المفعول المضاف «جزاء» وحلول المصدر المضاف اليه «عملهم» محله. وجملة «عملوا» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ حاضِراً وَلا:
  • حاضرا: حال منصوب بالفتحة. اي حاضرا في الصحف.الواو للتعليل. لا: نافية لا عمل لها.
  • ﴿ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة. ربك: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. والكاف: ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. احدا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

الكهف: 49﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ
الأنبياء: 14﴿قَالُواْ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ
الأنبياء: 46﴿وَلَئِن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةٞ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ
الأنبياء: 97﴿وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَا وَيْلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ
يس: 52﴿قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ
الصافات: 20﴿وَقَالُواْ يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ
القلم: 31﴿وَقَالُواْ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد ذكر العَرْض على اللهِ؛ يأتي هنا ذكرُ وضع كتب الأعمال، فمِنْ آخِذٍ كتابه بيمينه، ومن آخِذٍ إياه بشماله، قال تعالى:
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ..

التفسير :

[50] واذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم، تحية له لا عبادة، وأمرنا إبليس بما أُمِروا به، فسجد الملائكة جميعاً، لكن إبليس الذي كان من الجن خرج عن طاعة ربه، ولم يسجد كِبْراً وحسداً. أفتجعلونه -أيها الناس- وذريته أعواناً لكم تطيعونهم وتتركون طاعتي، وهم ألد

يخبر تعالى، عن عداوة إبليس لآدم وذريته، وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، إكراما وتعظيما، وامتثالا لأمر الله، فامتثلوا ذلك{ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وقال:{ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} وقال:{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} فتبين بهذا عداوته لله ولأبيكم ولكم، فكيف تتخذونه وذريته أي:الشياطين{ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} أي:بئس ما اختاروا لأنفسهم من ولاية الشيطان، الذي لا يأمرهم إلا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن، الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته. وفي هذه الآية، الحث على اتخاذ الشيطان عدوا، والإغراء بذلك، وذكر السبب الموجب لذلك، وأنه لا يفعل ذلك إلا ظالم، وأي:ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي وليا، وترك الولي الحميد؟".

قال تعالى:{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} وقال تعالى:{ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}

فقوله- سبحانه-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ.

تذكير لبنى آدم بالعداوة القديمة بين أبيهم آدم وبين إبليس وذريته.

والمقصود بهذا التذكير تحذيرهم من وساوسه، وحضهم على مخالفته، كما قال- تعالى-:

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ .

والملائكة: جمع ملك. وهم- كما وصفهم الله تعالى-: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ .

وآدم: اسم لأبى البشر، قيل: إنه اسم عبراني مشتق من أدمه بمعنى التراب.

والسجود لغة: التذلل والخضوع. وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.

وإبليس اسم مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله أبلس، والراجح أنه اسم أعجمى. ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة.

والمعنى- واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، سجود تحية واحترام وتوقير، لا سجود عبادة وطاعة لأن ذلك لا يكون إلا لله رب العالمين.

فامتثلوا أمرنا وسجدوا جميعا، كما قال- تعالى-: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.

وجاء العطف في قوله فَسَجَدُوا بالفاء المفيدة للتعقيب، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد، استجابة لأمر خالقهم- عز وجل.

وقوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ بيان لموقف إبليس من أمر الله تعالى، وهو أنه أبى واستكبر وامتنع عن السجود لآدم. وظاهر الآية يفيد أن سبب فسقه عن أمر ربه: كونه من الجن لا من الملائكة إذ من المقرر في علم الأصول أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل، كما في قولهم، سرق فقطعت يده.

والمعنى: امتثل الملائكة جميعا أمرنا فسجدوا لآدم، إلا إبليس فإنه أبى واستكبر ولم يسجد لأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة «ففسق عن أمر ربه» أى. فخرج بذلك عن طاعتنا، واستحق لعنتنا وغضبنا.

وأصل الفسق: الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم: فسق الرطب فسوقا إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر، فيقال للعاصي فاسق، وللكافر فاسق.

قال بعض العلماء ما ملخصه: والخلاف في كون إبليس من الملائكة أولا مشهور عند أهل العلم.

وحجة من قال إنه ليس منهم أمران: أحدهما: عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، فهم- كما قال الله عنهم: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.

والثاني: أن الله- تعالى- صرح في هذه الآية الكريمة بأنه كان من الجن، والجن غير الملائكة. قالوا: وهو نص قرآنى في محل النزاع.

واحتج من قال بأنه منهم، بما تكرر في الآيات القرآنية من قوله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ قالوا: فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم، والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع.

قالوا: ولا حجة لمن خالفنا في قوله- تعالى- كانَ مِنَ الْجِنِّ، لأن الجن قبيلة من الملائكة، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم.

وأظهر الحجج في المسألة. حجة من قال: إنه ليس من الملائكة، لأن قوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ هو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحى، والعلم عند الله- تعالى- .

ومن المفسرين الذين يدل كلامهم على أن إبليس لم يكن من الملائكة. الإمام ابن كثير، فقد قال- رحمه الله- قوله: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ أى: خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، كما ثبت في صحيح مسلم، عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» . فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة، وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة، وتشبه بهم، وتعبد وتنسك فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة.

ونبه- تعالى- هاهنا على أنه «من الجن» أى: «أنه خلق من نار..» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالإنكار والتوبيخ والتعجيب ممن يتبع خطوات إبليس وذريته فقال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.

أى: أفبعد أن ظهر لكم- يا بنى آدم- ما ظهر من فسوق إبليس عن أمر ربه، تتخذونه وذريته الذين نهجوا نهجه، أولياء، وأصفياء من دوني، فتطيعونهم بدل أن تطيعوني، والحال أن إبليس وذريته لكم عدو؟

لا شك أن من يفعل ذلك منكم يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وآثر الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، والفسوق على الإيمان!!.

فالجملة الكريمة تستبعد من كل عاقل، أن يطيع إبليس وذريته، بعد أن تبين له عداوتهم إياه، وحرصهم على إيقاعه في موارد الهلكة والسوء.

وقوله: وَذُرِّيَّتَهُ يدل على أن لإبليس ذرية، إلا أن الطريقة التي بواسطتها كانت له الذرية، لم يرد بها نص صحيح يعتمد عليه، لذا وجب تفويض علمها إلى- الله تعالى-.

قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية: والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أن له أولادا، وبذلك قال جماعة.. وعن قتادة أنه قال: إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم.

ثم قال الآلوسى: ولا يلزمنا أن نعلم كيفية ولادته، فكثير من الأشياء مجهول الكيفية عندنا، ونقول به.

وقوله- تعالى-: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا حكم منه- سبحانه- بسوء التفكير والمصير على المتخذين إبليس وذريته أولياء من دونه- تعالى- وبئس فعل يفيد الذم، والبدل: العوض عن الشيء.

أى بئس للظالمين، الواضعين للشيء في غير موضعه، ما فعلوه من تركهم طاعة الله- تعالى- وأخذهم في مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته.

والمخصوص بالذم محذوف دل عليه المقام والتقدير: بئس البدل والعوض عن طاعة الله- تعالى- طاعة إبليس وذريته.

يقول تعالى منبها بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم ، ومقرعا لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه ، الذي أنشأه وابتداه ، وبألطاف رزقه وغذاه ، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله ، فقال تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة ) أي : لجميع الملائكة ، كما تقدم تقريره في أول سورة " البقرة " .

( اسجدوا لآدم ) أي : سجود تشريف وتكريم وتعظيم ، كما قال تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ الحجر : 29 ، 28 ]

وقوله ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) أي : خانه أصله ؛ فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " . فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه ، وخانه الطبع عند الحاجة ، وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك ، فلهذا دخل في خطابهم ، وعصى بالمخالفة .

ونبه تعالى هاهنا على أنه ( من الجن ) أي : إنه خلق من نار ، كما قال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ الأعراف : 12 ، وص : 76 ]

قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم ، عليه السلام ، أصل البشر . رواه ابن جرير بإسناد صحيح [ عنه ] .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة ، يقال لهم : الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة - قال : وكان اسمه الحارث ، وكان خازنا من خزان الجنة ، وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي - قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار . وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت .

وقال الضحاك أيضا ، عن ابن عباس : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان [ السماء ] الدنيا وسلطان الأرض ، وكان مما سولت له نفسه ، من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء ، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله . فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم " فاستكبر ، وكان من الكافرين . قال ابن عباس : وقوله : ( كان من الجن ) أي : من خزان [ الجنان ، كما يقال للرجل : مكي ، ومدني ، وبصري ، وكوفي . وقال ابن جريج ، عن ابن عباس ، نحو ذلك .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : هو من خزان ] الجنة ، وكان يدبر أمر السماء الدنيا ، رواه ابن جرير من حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، به .

وقال سعيد بن المسيب : كان رئيس ملائكة سماء الدنيا .

وقال ابن إسحاق ، عن خلاد بن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : كان إبليس - قبل أن يركب المعصية - من الملائكة ، اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض . وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما . فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .

وقال ابن جريج ، عن صالح مولى التوأمة وشريك بن أبي نمر ؛ أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال : إن من الملائكة قبيلة من الجن ، وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض . فعصى ، فسخط الله عليه ، فمسخه شيطانا رجيما - لعنه الله - ممسوخا ، قال : وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه ، وإذا كانت في معصية فارجه .

وعن سعيد بن جبير أنه قال : كان من الجنانين ، الذين يعملون في الجنة .

وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها . ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، كما لهذه [ الأمة من ] الأئمة والعلماء ، والسادة الأتقياء والأبرار والنجباء من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد ، الذين دونوا الحديث وحرروه ، وبينوا صحيحه من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره وموضوعه ، ومتروكه ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال ، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي ، خاتم الرسل ، وسيد البشر [ عليه أفضل التحيات والصلوات والتسليمات ] ، أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس [ منه ] ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل .

وقوله : ( ففسق عن أمر ربه ) أي : فخرج عن طاعة الله ؛ فإن الفسق هو الخروج ، يقال فسقت الرطبة : إذا خرجت من أكمامها وفسقت الفأرة من جحرها : إذا خرجت منه للعيث والفساد .

ثم قال تعالى مقرعا وموبخا لمن اتبعه وأطاعه : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) أي : بدلا عني ؛ ولهذا قال : ( بئس للظالمين بدلا )

وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة " يس " : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) [ يس : 59 - 62 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا (50)

يقول تعالى ذكره مذكرًا هؤلاء المشركين حسد إبليس أباهم ومعلمهم ما كان منه من كبره واستكباره عليه حين أمره بالسجود له، وأنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان عليه لأبيهم: (وَ) اذكر يا محمد ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ ) الذي يطيعه هؤلاء المشركون ويتبعون أمره، ويخالفون أمر الله، فإنه لم يسجد له استكبارا على الله، وحسدا لآدم ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ).

واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) فقال بعضهم: إنه كان من قبيلة يقال لهم الجنّ. وقال آخرون: بل كان من خزّان الجنة، فنسب إلى الجنة ، وقال آخرون: بل قيل من الجنّ، لأنه من الجنّ الذين استجنوا عن أعين بني آدم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن خلاد بن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان من أشدّ الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، فذلك هو الذي دعاه إلى الكبر، وكان من حيّ يسمى جنا.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث ، قال: وكان خازنا من خزّان الجنة. قال: وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحيّ ، قال: وخُلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني شيبان، قال: ثنا سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قال: كان إبليس من خزّان الجنة، وكان يدبر أمر سماء الدنيا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة. وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض، وكان فيما قضى الله أنه رأى أن له بذلك شرفا وعظمة على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله ، فلما كان عند السجود حين أمره أن يسجد لآدم استخرج الله كبره عند السجود، فلعنه وأخَّره إلى يوم الدين، قال: قال ابن عباس: وقوله: ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) إنما سمي بالجنان أنه كان خازنا عليها، كما يقال للرجل: مكي، ومدني، وكوفي، وبصري، قاله ابن جريج.

وقال آخرون: هم سبط من الملائكة قبيلة، وكان اسم قبيلته الجنّ.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، وشريك بن أبي نمر أحدهما أو كلاهما، عن ابن عباس، قال: إن من الملائكة قبيلة من الجنّ، وكان إبليس منها، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فعصى، فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما، لعنه الله ممسوخا ، قال: وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم في معصية، وخطيئة إبليس في كبر.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ ، وقال ابن عباس: لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود ، وكان على خزانة السماء الدنيا ، قال: وكان قتادة يقول: جنّ عن طاعة ربه ، وكان الحسن يقول: ألجأه الله إلى نسبه.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قال: كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجنّ، كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: كان إبليس على السماء الدنيا وعلى الأرض وخازن الجنان.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) : كان ابن عباس يقول: إن إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء ، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله، فاستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم، فاستكبر وكان من الكافرين، فذلك قوله للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.

وقوله: ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) كان ابن عباس يقول: قال الله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) لأنه كان خازنا على الجنان، كما يقال للرجل: مكيّ، ومدنيّ، وبصريّ، وكوفيّ.

وقال آخرون: كان اسم قبيلة إبليس الجنّ ، وهم سبط من الملائكة يقال لهم الجنّ، فلذلك قال الله عزّ وجلّ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) فنسبه إلى قبيلته.

حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) قال: من الجنانين الذين يعملون في الجنان.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثني سوار بن الجعد اليحمدي، عن شهر بن حوشب، قوله: ( مِنَ الْجِنِّ ) قال: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة، فذهب به إلى السماء.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) قال: كان خازن الجنان فسمي بالجنان.

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا أحمد بن بشير، عن سفيان بن أبي المقدام، عن سعيد بن جبير، قال: كان إبليس من خزنة الجنة.

وقد بينا القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا ، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله: ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) يقول: فخرج عن أمر ربه، وعدل عنه ومال، كما قال رؤبة:

يَهْــوِينَ فـي نَجْـدٍ وغَـوْرًا غـائرَا

فَوَاســقا عَــنْ قَصْدِهــا جَـوَائرَا (2)

يعني بالفواسق: الإبل المنعدلة عن قصد نجد، وكذلك الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة ، ويُحكى عن العرب سماعا: فسقت الرطبة من قشرها: إذا خرجت منه، وفسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها ، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: إنما قيل: ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) لأنه مراد به: ففسق عن ردّه أمر الله، كما تقول العرب: اتخمت عن الطعام، بمعنى: اتخمت لما أكلته. وقد بيَّنا القول في ذلك، وأن معناه: عدل وجار عن أمر الله، وخرج عنه. وقال بعض أهل العلم بكلام العرب: معنى الفسق: الاتساع. وزعم أن العرب تقول: فسق في النفقة: بمعنى اتسع فيها. قال: وإنما سمي الفاسق فاسقا، لاتساعه في محارم الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) قال: في السجود لآدم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) قال: عصى في السجود لآدم.

وقوله: ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) يقول تعالى ذكره: أفتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وحسده، وكفر نعمتي عليه، وغره حتى أخرجه من الجنة ونعيم عيشه فيها إلى الأرض وضيق العيش فيها، وتطيعونه وذريّته من دون الله مع عدواته لكم قديما وحديثا، وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم عليكم وأكرمكم، بأن أسجد لوالدكم ملائكته، وأسكنه جناته، وآتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده، وذرّية إبليس: الشياطين الذين يغرّون بني آدم. كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي ) قال : ذرّيته: هم الشياطين، وكان يعدّهم " زلنبور (3) " صاحب الأسواق ويضع رايته في كلّ سوق ما بين السماء والأرض، و " ثبر " صاحب المصائب، و " الأعور " صاحب الزنا و " مسوط" صاحب الأخبار، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس، ولا يجدون لها أصلا و " داسم " الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع ما لم يرفع، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: ثنا حفص بن غياث، قال : سمعت الأعمش يقول: إذا دخلتُ البيت ولم أسلم، رأيت مطهرة، فقلت : ارفعوا ارفعوا، وخاصمتهم، ثم أذكر فأقول: داسم داسم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: هم أربعة ثبر، وداسم، وزلنبور، والأعور، ومسوط: أحدها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي ).... الآية، وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم، وهم لكم عدوّ.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) وهو أبو الجنّ كما آدم أبو الإنس.

وقال: قال الله لإبليس: إني لا أذرأ لآدم ذرّية إلا ذرأت لك مثلها، فليس من ولد آدم أحد إلا له شيطان قد قرن به.

وقوله: ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) يقول عزّ ذكره : بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله ، وهم لكم عدوّ من تركهم اتخاذ الله وليا باتباعهم أمره ونهيه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم، المتفضّل عليهم من الفواضل ما لا يحصى بدلا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس.

------------------------

الهوامش:

(2) هذان بيتان من مشطور الرجز لرؤبة ، أوردها صاحب مجموع أشعار العرب ج 3 في ملحق ديوان رؤبة ص 190 والبيت الثاني في ( اللسان : فسق ) . والشاهد في قوله : فواسقا بمعنى خوارج . وقد استشهد بهما أبو عبيدة في ( مجاز القرآن : 1 : 406 ) قال : " ففسق عن أمر ربه " . جار عنه ، وكفر به ، وقال رؤبة : " يهوين . . . إلخ " ، وما قاله المؤلف شبيه بما قال أبو عبيدة .

(3) زلنبور وما عطف عليه من أسماء أولاد إبليس : مذكورة في ( التاج : زلنبور ) ، نقلا عن الأزهري في التهذيب في الخماسي ، والغزالي في الإحياء ، والصاغاني في التكملة .

التدبر :

وقفة
[50] ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ سجود تشريف وتكريم وتعظيم.
وقفة
[50] ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ كَرَّم الله تعالى أبانا آدم عليه السلام والجنس البشري بأجمعه بأمره الملائكة أن تسجد له في بدء الخليقة سجود تحية وتكريم.
وقفة
[50] ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ ما علاقة إبليس بالملائكة؟ لماذا أتى هنا كمستثنى؟ الجواب: استثناء إبليس من الملائكة لا يعني أنه منهم؛ لأن هذا الاستثناء يسميه العلماء استثناء منقطعًا، والاستثناء المنقطع يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، ولا يخفى أن إبليس من الجن.
عمل
[50] ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ سل الله تعالى سلامة الصدر، واستعذ بالله من الحسد والكبر؛ فإنما أَهلَكَ الشيطان داءُ الحسد والكبر.
وقفة
[50] - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34] بيَّنت رفضه بشدة. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 31]، ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ﴾ طه [116]: بينتا رفضه وهما داخلتان في آية البقرة التي هي أعم وأسع. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: 11] بيَّنت تخلفه. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: 61] بيَّنت تصريحه. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ بيَّنت أصله. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [ص: 74] بيَّنت طريقه.
وقفة
[50] ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ إبليس يبدو أنه اسم جديد، فبعد عصيانه السجود لآدم أُبلِس أي: طُرد ولُعن.
وقفة
[50] ما دلالة الفسق في تعبير القرآن الكريم؟ الفسق: هو الخروج عن الطاعة ومعصية الأمر: - وقد يكون خروجًا عن الدين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67]. - وقد يكون خروجًا عن الفطرة كحال قوم لوط: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء: 74]. - وقد يكون خروجًا عن الأمر: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾. - وقد يكون معصية: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ [البقرة: 197].
وقفة
[50] الله جل في علاه عادى إبليس لأنه لم يسجد لأبينا آدم عليه السلام؛ فكيف نتبع خطواته؟! ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾.
وقفة
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ في الآيات الحث على اتخاذ الشيطان عدوًّا.
وقفة
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ أنت المختار من المخلوقات، ولك أعدت الجنة إن اتقيت، فهي إقطاع المتقين، والدنيا إقطاع إبليس، فكيف رضيت لنفسك بالإعراض عن إقطاعك، ومزاحمة إبليس على إقطاعه؟! وأن تكون غدًا معه في النار من جملة أتباعه، إنما طردناه عن السماء لأجلك، حيث تكبر عن السجود لأبيك، وطلبنا قربك لتكون من خاصتنا وحزبنا، فعاديتنا وواليت عدونا!
وقفة
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الشيطان وذريته، ليسوا أولياء بل أعداء، لأن الأولياء هم الأصدقاء؟! قلتُ: المرادُ بالولاية هنا، اتِّباعُ النَّاسِ لهم فيما يأمرونهم به من المعاصي، فالموالاةُ مجازٌ عن هذا، لأنه من لوازمها.
تفاعل
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ أي: بدل ولاية الله عز وجل بولاية إبليس وذريته، وذلك هو التعوض من الجن بالباطل، وهذا هو نفس الظلم؛ لأنه وضع الشيء في غير موضعه.
وقفة
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ معنى هذا الخطاب: إني عاديت إبليس وطردته من سمائي، وباعدته من قربي، إذ لم يسجد لأبيكم آدم، ثم أنتم يا بنيه توالونه وذريته من دوني وهم أعداء لكم، فليتأمل اللبيب مواقع هذا الخطاب وشدة لصوقه بالقلوب والتباسه الأرواح، وأكثر القرآن جاء على هذا النمط من خطابه لعباده بالتودد والتحنن واللطف والنصيحة البالغة.
وقفة
[50] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ وأي ظلم أعظم من ظلم من اتخذ ‏عدوه الحقيقي وليًا، وترك الولي الحميد؟!
وقفة
[50] يقول تعالى منبهًا بني آدم على عداوة إبليس لهم، ولأبيهم من قبلهم، ومُقَرِّعًا لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه، وهو الذي أنشأه وابتدأه بألطافه، ورزقه وغذاه، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾.
وقفة
[50] ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ تستبدل من رَفض أن يَسجد لك، بمن أَمر أن يُسجد لك؟ تختار الشيطان؟ وتترك الرحمن؟

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ:
  • اعربت في الآية الكريمة الحادية عشرة من سورة الاعراف. وفي الآية الكريمة الحادية والستين من سورة الاسراء.
  • ﴿ كانَ مِنَ الْجِنِّ:
  • الجملة استئنافية للتعليل. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. من الجن: جار ومجرور متعلق بخبر «كان».والجملة لا محل لها لانها استئنافية واعتراضية.
  • ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ:
  • الفاء سببية لان كونه من الجن كان سببا في فسقه. فسق: اي خرج عن امر ربه وطاعته وعصى: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. عن امر: جار ومجرور متعلق بفسق. ربه: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة وهو مضاف. والهاء ضمير الغائب في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ:
  • الهمزة همزة إنكار وتعجيب بلفظ‍ استفهام. تتخذونه: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير الغائب في محل نصب مفعول به اول.
  • ﴿ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي:
  • معطوفة بالواو على الضمير في «تتخذونه» منصوبة بالفتحة والهاء ضمير الغائب في محل جر بالاضافة. اولياء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. ولم تنون لانها ممنوعة من الصرف-التنوين-على وزن-أفعلاء-.من دوني: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «اولياء».والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ:
  • الواو حالية او يجوز ان تكون اعتراضية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال او لا محل لها على الوجه الثاني. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «عدو» والميم للجمع. عدو: خبر «هم» مرفوع بالضمة. بمعنى: «اعداء» اي في موضع الجمع.
  • ﴿ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً:
  • بئس: فعل ماض جامد مبني على الفتح لانشاء الذم والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. مفسر بنكرة بعده اي بتقدير: بئس البدل. للظالمين: جار ومجرور متعلق ببئس وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بدلا: تمييز منصوب بالفتحة. بمعنى: بئس البدل من الله ابليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعته. '

المتشابهات :

البقرة: 34﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
الأعراف: 11﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
الإسراء: 61﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا
الكهف: 50﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
طه: 116﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     وبعد ذكرِ القيامةِ وخوفِ المجرمينَ مما سُجِّلَ في كتبِ أعمالِهم، وكان إبليسُ هو مَن أضلَّهم؛ يأتي هنا تذكيرُ بنى آدم بالعداوة القديمة بين أبيهم آدم وبين إبليس؛ تحذيرًا من وساوسه، وحضًّا على مخالفته، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [51] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..

التفسير :

[51] ما أحضرتُ إبليس وذريته -الذين أطعتموهم- خَلْقَ السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقهما، ولا أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض، بل تفردتُ بخلق جميع ذلك، بغير معين ولا ظهير، وما كنت متخذ المضلِّين من الشياطين وغيرِهم أعواناً. فكيف تصرفون إليهم حقي، وتتخذونهم أ

يقول تعالى:ما أشهدت الشياطين [وهؤلاء المضلين]، خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي:ما أحضرتهم ذلك، ولا شاورتهم عليه، فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟! بل المنفرد بالخلق والتدبير، والحكمة والتقدير، هو الله، خالق الأشياء كلها، المتصرف فيها بحكمته، فكيف يجعل له شركاء من الشياطين، يوالون ويطاعون، كما يطاع الله، وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا، ولم يعاونوا الله تعالى؟! ولهذا قال:{ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} أي:معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشئون، أي:ما ينبغي ولا يليق بالله، أن يجعل لهم قسطا من التدبير، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم، فاللائق أن يقصيهم ولا يدنيهم.

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال علمه وقدرته، وعلى عجز وجهالة المعبودين من دونه، فقال- تعالى-: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ.

والضمير في قوله «ما أشهدتهم» يعود إلى إبليس وذريته، والإشهاد: بمعنى الإحضار والإعلام.

أى: ما أشهدت إبليس وذريته خلق السموات والأرض، لأنى خلقتهما دون أن أستعين في خلقهما بأحد، أو لأنى خلقتهما قبل خلقهم، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أى: ولا أشهدت بعضهم خلق بعض، لأنى لا أستعين بأحد حين أخلق ما أشاء، ولا أستشير أحدا حين أقدر ما أشاء.

وما دام الأمر كذلك فكيف تتخذونهم أولياء وشركاء من دوني وأنا الخالق لكل شيء، والقاهر فوق كل شيء؟.

فالجملة الكريمة استئناف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته- سبحانه-، ولبيان عدم استحقاق إبليس وذريته للاتخاذ المذكور في أنفسهم، بعد بيان المواقع والصوارف التي تمنع وتصرف عن اتخاذهم أولياء، من خباثة أصلهم، وفسوقهم عن أمر ربهم.

وهذا المعنى الذي صرحت به الآية الكريمة من تفرد الله- تعالى- بالخلق والقدرة. قد جاء في آيات أخرى منها قوله- تعالى- هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .

وقوله- سبحانه- وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً مؤكد لما قبله من تفرده- سبحانه- بالخلق والقدرة والعلم.

والعضد- بفتح العين وضم الضاد- في الأصل، يطلق على العضد المعروف ما بين المرفق إلى الكتف، ويستعار للمعين والناصر فيقال: فلان عضدي، أى: نصيرى.

ومنه قوله- تعالى- لنبيه موسى- عليه السلام- سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أى:

سنقويك ونعينك بأخيك هارون وذلك لأن اليد قوامها العضد، فإذا فقدته أصابها العجز.

أى: وما كنت متخذ المضلين عن سبيلي أعوانا وأنصارا في شأن من شئونى، وخص- سبحانه- المضلين بالذكر، زيادة في ذمهم وتوبيخهم، وتقريعا لأمثالهم، لأنه- عز وجل- ليس له أعوان ولا أنصار فيما يفعله لا من المضلين ولا من المهتدين.

ولم يقل- سبحانه- وما كنت متخذهم.. بالإضمار، كما قال: ما أَشْهَدْتُهُمْ بل أظهر في مقام الإضمار، لتسجيل الضلال عليهم، حتى ينصرف عنهم كل عاقل، وللتنبيه على أن الضالين المضلين لا تصح الاستعانة بهم.

ولقد حكى الله- تعالى- عن نبيه موسى- عليه السلام- براءته من المجرمين فقال:

قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ .

والظهير: الناصر والمعين لغيره.

يقول تعالى : هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم ، لا يملكون شيئا ، ولا أشهدتهم خلقي للسموات والأرض ، ولا كانوا إذ ذاك موجودين ، يقول تعالى : أنا المستقل بخلق الأشياء كلها ، ومدبرها ومقدرها وحدي ، ليس معي في ذلك شريك ولا وزير ، ولا مشير ولا نظير ، كما قال : ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) الآية [ سبإ : 23 ، 22 ] ؛ ولهذا قال : ( وما كنت متخذ المضلين عضدا ) قال مالك : أعوانا .

القول في تأويل قوله تعالى : مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)

يقول عزّ ذكره: ما أشهدت إبليس وذرّيته ( خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول: ما أحضرتهم ذلك فأستعين بهم على خلقها( وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ) يقول: ولا أشهدت بعضهم أيضا خلق بعض منهم، فأستعين به على خلقه، بل تفرّدت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير، يقول: فكيف اتخذوا عدوّهم أولياء من دوني، وهم خلق من خلق أمثالهم، وتركوا عبادتي وأنا المنعم عليهم وعلى أسلافهم، وخالقهم وخالق من يوالونه من دوني منفردا بذلك من غير معين ولا ظهير.

وقوله: ( وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) يقول: وما كنت متخذ من لا يهدي إلى الحقّ، ولكنه يضلّ، فمن تبعه يجور به عن قصد السبيل أعوانا وأنصارا ، وهو من قولهم: فلان يعضد فلانا إذا كان يقوّيه ويعينه.

وبنحو ذلك قال بعض أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) : أي أعوانا.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله، وإنما يعني بذلك أن إبليس وذرّيته يضلون بني آدم عن الحقّ، ولا يهدونهم للرشد، وقد يحتمل أن يكون عنى بالمضلين الذين هم أتباع على الضلالة، وأصحاب على غير هدى.

التدبر :

وقفة
[51] ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ فن إقناع المخالف! تخاطب هذه الآية العقل، وتتلطف بكل وسيلة في إقناع الخلق، وذلك بعدم استحقاق إبليس وذريته أن يكونوا أولياء، ففضلًا عن فسقهم عن أمر ربهم، فالله ما أشهدهم خلق السموات والأرض، ولا أشهد بعضهم خلق بعض، ولا استعان بهم حين خلق الخلق، فكيف تتخذونهم شركاء من دون الله؟!
وقفة
[51] ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ الاعتضاد بأهل الضلال في وزارة واستشارة آيةُ الخسارة هم مُضلون وأول من يضلونهم المعتضدون بهم !

الإعراب :

  • ﴿ ما أَشْهَدْتُهُمْ:
  • اي ما احضرتهم. ما: نافية لا عمل لها. اشهدت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • مفعول به ثان منصوب بالفتحة. السموات:مضاف اليه مجرور بالكسرة. والارض: معطوفة بالواو على السموات مجرورة مثلها بالاضافة.
  • ﴿ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ:
  • الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. خلق انفس:معطوفة على خَلْقَ السَّماااتِ» وتعرب اعرابها. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى: ولا اشهدت بعضهم خلق بعض.
  • ﴿ وَما كُنْتُ:
  • الواو عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم. والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان».
  • ﴿ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً:
  • اسم فاعل: خبر «كان» منصوب بالفتحة.المضلين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وهو من اضافة اسم الفاعل لمعموله وعلامة جره الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.عضدا: مفعول به لاسم الفاعل «متخذ» منصوب بالفتحة. بمعنى: وما كنت متخذ المضلين اعوانا فعلام تتخذونهم شركاء لله في العبادة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     ولَمَّا أنكرَ اللهُ عز و جل على الذين يتخذون إبليس وذريته أولياء؛ بَيَّنَ هنا السببَ في عدم استحقاق إبليس وذريته هذه الولاية، قال تعالى:
﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وما كنت:
وقرئ:
بفتح التاء، خطابا للرسول ﷺ، وهى قراءة أبى جعفر، والجحدري، والحسن، وشيبة.
متخذ المضلين:
وقرئ:
متخذا المضلين، بإعمال اسم الفاعل، وهى قراءة على بن أبى طالب.
عضدا:
وقرئ:
1- بفتح العين وسكون الضاد، وهى قراءة عيسى.
2- بضمتين، وهى قراءة شيبة، وأبى عمرو.
3- بكسر العين وفتح الضاد، وهى قراءة الضحاك.

مدارسة الآية : [52] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ ..

التفسير :

[52] واذكر لهم إذ يقول الله للمشركين يوم القيامة:نادُوا شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي في العبادة؛ لينصروكم اليوم مني، فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم، وجعلنا بين العابدين والمعبودين مهلكاً في جهنم يهلكون فيه جميعاً.

ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا، وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال، وحكم بجهل صاحبه وسفهه، أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة، وأن الله يقول لهم:{ نَادُوا شُرَكَائِيَ} بزعمكم أي:على موجب زعمكم الفاسد، وإلا فبالحقيقة ليس لله شريك في الأرض، ولا في السماء، أي:نادوهم، لينفعوكم، ويخلصوكم من الشدائد،{ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} لأن الحكم والملك يومئذ لله، لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره.

{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} أي:بين المشركين وشركائهم{ مَوْبِقًا} أي، مهلكا، يفرق بينهم وبينهم، ويبعد بعضهم من بعض، ويتبين حينئذ عداوة الشركاء لشركائهم، وكفرهم بهم، وتبريهم منهم، كما قال تعالى{ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}

ثم ساقت السورة الكريمة مشهدا من مشاهد القيامة- يكشف عن سوء المصير الذي ينتظر الشركاء وينتظر المجرمين. فقال- تعالى-: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ....

أى: واذكر- أيها العاقل- يوم يقول الله- تعالى- للمجرمين والكافرين على سبيل التوبيخ والتقريع: أيها الكافرون، نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم في هذا الموقف العصيب «فدعوهم» أى: فأطاعوا أمر خالقهم، ودعوا شركاءهم لكي يستغيثوا بهم «فلم يستجيبوا لهم» أى: فلم يجدوا منهم أدنى استجابة فضلا عن النفع أو العون.

وقوله: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً أى: وجعلنا بين الداعين والمدعوين مهلكا يشتركون فيه جميعا وهو جهنم.

فالموبق: اسم مكان من وبق وبوقا- كوثب وثوبا- أو وبق وبقا كفرح فرحا- إذا هلك. ويقال فلان أوبقته ذنوبه: أى أهلكته. ومنه قوله- تعالى-: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا أى يهلكهن. ومنه الحديث الشريف: «كل يغدو فموبق نفسه» - أى مهلكها- ومنه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» أى: المهلكات.

وقيل: الموبق اسم واد في جهنم فرق الله به بينهم، أى بين الداعين والمدعوين.

وقيل: كل حاجز بين شيئين فهو موبق.

قال ابن جرير- رحمه الله- بعد أن ذكر جملة من الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه من أن الموبق بمعنى المهلك وذلك أن العرب تقول في كلامها:قد أوبقت فلانا إذا أهلكته..»

يقول تعالى مخبرا عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رءوس الأشهاد تقريعا لهم وتوبيخا : ( نادوا شركائي الذين زعمتم ) أي : في دار الدنيا ، ادعوهم اليوم ، ينقذونكم مما أنتم فيه ، كما قال تعالى : ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) [ الأنعام : 94 ] .

وقوله : ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) ] كما قال : ( وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ) [ القصص : 64 ] ، وقال ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) [ الأحقاف : 5 ، 6 ] ، قال تعالى : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) [ مريم : 82 ، 81 ]

وقوله : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال ابن عباس ، وقتادة وغير واحد : مهلكا .

وقال قتادة : ذكر لنا أن عمرا البكالي حدث عن عبد الله بن عمرو قال : هو واد عميق ، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة .

وقال قتادة : ( موبقا ) واديا في جهنم .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سنان القزاز ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا يزيد بن درهم سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله تعالى : ( وجعلنا بينهم موبقا ) قال : واد في جهنم ، من قيح ودم .

وقال الحسن البصري : ( موبقا ) عداوة .

والظاهر من السياق هاهنا : أنه المهلك ، ويجوز أن يكون واديا في جهنم أو غيره ، إلا أن الله تعالى أخبر أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين ، ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا ، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة ، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر ، بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير .

وأما إن جعل الضمير في قوله : ( بينهم ) عائدا إلى المؤمنين والكافرين ، كما قال عبد الله بن عمرو : إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به ، فهو كقوله تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ) [ الروم : 14 ] ، وقال ( يومئذ يصدعون ) [ الروم : 43 ] ، وقال تعالى : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) [ يس : 59 ] ، وقال تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ) [ يونس : 28 - 30 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)

يقول عزّ ذكره ، (وَيَوْمَ يَقُولُ) الله عزّ ذكره للمشركين به الآلهة والأنداد (نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) يقول لهم: ادعوا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في العبادة لينصروكم ويمنعوكم مني (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) يقول: فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا)

فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلنا بين هؤلاء المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا يومئذ عداوة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، في قول الله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: جعل بينهم عداوة يوم القيامة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن عوف، عن الحسن (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: عداوة.

وقال آخرون: معناه: وجعلنا فعلهم ذلك لهم مَهْلِكا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: مَهْلِكا.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (مَوْبِقًا) قال: هلاكا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: الموبق: المهلك، الذي أهلك بعضهم بعضا فيه، أوبق بعضهم بعضا ، وقرأ (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا).‏

حُدثت عن محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك (مَوْبِقًا) قال: هلاكا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن عرفجة، في قوله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: مهلكا.

وقال آخرون: هو اسم واد في جهنم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عمرو البِكَالّي: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واد عميق فُصِل به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، وأهل الجنة، وأهل النار.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) ذكر لنا أن عمر البِكَالي حدّث عن عبد الله بن عمرو، قال: هو واد عميق فُرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن الحجاج بن أرطاة، قال: قال مجاهد (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واديا في النار.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واديا في جهنم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا يزيد بن درهم، قال: سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عزّ وجلّ(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا) قال: واد في جهنم من قيح ودم.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، ومن وافقه في تأويل الموبق: أنه المهلك، وذلك أن العرب تقول في كلامها: قد أوبقت فلانا: إذا أهلكته ، ومنه قول الله عز وجل: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا بمعنى: يهلكهن. ويقال للمهلك نفسه : قد وبق فلان فهو يوبق وبقا. ولغة بني عامر: يابق بغير همز. وحُكي عن تميم أنها تقول: ييبق. وقد حُكي وبق يبق وبوقا، حكاها الكسائي. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: الموبق: الوعد، ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:

وحـادّ شَـرَوْرَى فالسـتَّارَ فَلَـمْ يَدَعْ

تِعــارًا لَــهُ والــوَاديَيْنِ بمَـوْبقِ (4)

ويتأوّله بموعد ، وجائز أن يكون ذلك المهلك الذي جعل الله جلّ ثناؤه بين هؤلاء المشركين، هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو، وجائز أن يكون العداوة التي قالها الحسن.

------------------------

الهوامش:

(4) البيت في ( اللسان : وبق ) قال : وبق الرجل يبق وبقا ووبوقا ( من باب ضرب ) ووبق ( من باب حسب ) وبقا ، واستوبق هلك . وأوبقه هو . والموبق : مفعل ( بكر العين ) منه ، كالموعد مفعل من وعد يعد . ومنه قوله تعالى : " وجعلنا بينهم موبقا " قال الفراء : يقول جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا : أي مهلكا لهم في الآخرة . وقال ابن الأعرابي : موبقا : أي حاجزا ، وكل حاجز بين شيئين فهو موبق . وقال أبو عبيدة :الموبق : الموعد ، في قوله " وجعلنا بينهم موبقا " واحتج بقوله " وحاد شرورى... " البيت معناه : بموعد. وحاد شرورى : نأى عنها وهي جبل بين العمق والمعدن ، في طريق مكة إلى الكوفة ، بين بني أسد وبني عامر ، والستار ، جبل بالحجاز معروف ، أسفل من النباج ، وتعار : جبل أيضا ، ببلاد قيس .

التدبر :

وقفة
[52] ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا﴾ أشد الندم حينما يكتشف المشرك يوم القيامة أن لا أحد يشارك الله سبحانه في تفريج الكربة وإجابة الدعاء.
وقفة
[52] ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا﴾ والموبق هو المهلك، أي أن الله جعل بين المشركين ومن اتخذوهم شركاء تواصلا في الدنيا كان سبب هلاكهم في الآخرة، وذكر الإمام الرازي أن بعض المشركين اتخذوا من عيسى عليه السلام والملائكة آلهة، فدعوهم يوم القيامة فلم پستجيبوا لهم، ثم حيل بينهم وبين عيسى والملائكة، وأدخل عيسی الجنة وصارت الملائكة إلى حيث أراد الله من دار الكرامة، ثم حصل بين أولئك الكفار وبين الملائكة وعيسى عليه السلام هذا الموبق، وهو واد في جهنم.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ:
  • الواو عاطفة. يوم: مفعول به لفعل مضمر تقديره: اذكر.منصوب بالفتحة والجملة الفعلية بعده في محل جر بالاضافة. يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود اليه سبحانه بمعنى: واذكر يوم يقول الله للكافرين. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ نادُوا:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ شُرَكائِيَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة. والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. واضافة الشركاء اليه سبحانه على زعمهم توبيخ لهم.
  • ﴿ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب صفة-نعت- للشركاء. والجملة الفعلية بعده: صلة الموصول لا محل لها. زعمتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور بمعنى: زعمتم انهم شركائي وشفعاؤكم نادوهم لاغاثتكم.
  • ﴿ فَدَعَوْهُمْ:
  • الفاء استئنافية. دعوا: فعل ماض مبني على الضم المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بمعنى: فنادوهم لاغاثتهم.
  • ﴿ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ:
  • الفاء استئنافية. لم: حرف نفي وجزم وقلب.يستجيبوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. اللام: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. بمعنى: فلم يغيثوهم. والجار والمجرور متعلق بيستجيبوا.
  • ﴿ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً:
  • الفاء استئنافية. جعل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بجعلنا وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. موبقا: مفعول به منصوب بالفتحة.بمعنى: فجعلنا بين الكفار وآلهتهم مهلكا هو النار او موعدا او بمعنى وجعلنا بينهم واديا من اودية جهنم. ويجوز ان تكون «بينهم» اسما كما قال الفراء بمعنى «البين» اي الوصل. فتكون «بينهم» مفعولا به اول و «موبقا» مفعولا به ثانيا. اي بمعنى: وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة. '

المتشابهات :

الكهف: 52﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ
القصص: 62﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
القصص: 74﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     ولَمَّا أبطلَ اللهُ عز و جل الشركَ؛ أخبرَ هنا عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ تقريعًا لهم وتوبيخًا، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يقول:
1- بالياء، أي الله، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنون، وهى قراءة الأعمش، وطلحة، ويحيى، وابن أبى ليلى، وحمزة، وابن مقسم.
شركائى:
1- بالمد، مضافا إلى الياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مقصورا، مضافا إلى الياء، وهى قراءة أهل مكة.

مدارسة الآية : [53] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم ..

التفسير :

[53] وشاهَدَ المجرمون النار، فأيقنوا أنهم واقعون فيها لا محالة، ولم يجدوا عنها معدلاً للانصراف عنها إلى غيرها.

أي:لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل، وتميز كل فريق من الخلق بأعمالهم، وحقت كلمة العذاب على المجرمين، فرأوا جهنم قبل دخولها، فانزعجوا واشتد قلقهم لظنهم أنهم مواقعوها، وهذا الظن قال المفسرون:إنه بمعنى اليقين، فأيقنوا أنهم داخلوها{ وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي:معدلا يعدلون إليه، ولا شافع لهم من دون إذنه، وفي هذا من التخويف والترهيب، ما ترعد له الأفئدة والقلوب.

ثم بين- سبحانه- حالة المجرمين عند ما يبصرون النار فقال: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً.

ورأى هنا بصرية. والظن بمعنى اليقين والعلم، لأنهم أبصروا الحقائق، وشاهدوا واقعهم الأليم مشاهدة لا لبس فيها ولا خفاء.

أى: وشاهد المجرمون بأعينهم النار، فأيقنوا أنهم مخالطوها وواقعون فيها. بسبب سوء أعمالهم، وانكشاف الحقائق أمامهم، ولم يجدوا عنها مصرفا أى مكانا ينصرفون إليه، ويعتصمون به ليتخذوه ملجأ لهم منها.

فالمصرف: اسم مكان للجهة التي ينصرف إليها الإنسان للنجاة من ضر أحاط به.

وعبر- سبحانه- عن رؤيتهم للنار بالفعل الماضي، لتحقق الوقوع.

وقال- سبحانه- وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ فوضع المظهر موضع المضمر، لتسجيل الإجرام عليهم، ولزيادة الذم لهم.

وقد ذكر- سبحانه- هنا أن المجرمين يرون النار، وذكر في آية أخرى أنها تراهم- أيضا- قال- تعالى-: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا فسوق إبليس عن أمر ربه، وحذرتنا من اتخاذه وليا، ومن الانقياد لوسوسته وإغراءاته، كما حكت لنا جانبا من أحوال المشركين وشركائهم، وكيف أن الشركاء قد تخلوا عن عابديهم في هذا اليوم العصيب، بعد أن أحاطت النار بالجميع، وأيقن المجرمون أنه لا فكاك لهم منها، ولا نجاة لهم من لهيبها.

نسأل الله- تعالى- بفضله وكرمه أن ينجينا من هذا الموقف الرهيب.

ثم مدحت السورة الكريمة القرآن، فوصفته بأن الله- تعالى- قد أكثر فيه من ضرب الأمثال، ونوعها لتشمل جميع الأحوال، وبينت سنة الله- تعالى- في الأمم السابقة، كما بينت وظيفة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وسوء عاقبة المكذبين لهم، ومظاهر رحمة الله- تعالى- بالناس.

استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى كل هذه المعاني بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول:

وقوله : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ) أي : إنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك ، فإذا رأى المجرمون النار ، تحققوا لا محالة أنهم مواقعوها ؛ ليكون ذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم ، فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه ، عذاب ناجز .

( ولم يجدوا عنها مصرفا ) أي : ليس لهم طريق يعدل بهم عنها ولا بد لهم منها .

قال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الكافر يرى جهنم ، فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة "

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة ، كما لم يعمل في الدنيا ، وإن الكافر ليرى جهنم ، ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة " .

القول في تأويل قوله : ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ) يقول: وعاين المشركون النار يومئذ ( فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ) يقول: فعلموا أنهم داخلوها.

كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله : ( فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ) قال: علموا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " إنَّ الكافرَ يَرَى جَهَنَّمَ فَيَظُنُّ أنَّها مُوَاقعَتُهُ منْ مَسيرَةِ أرْبَعينَ سَنَة ".

وقوله: ( وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ) يقول:

ولم يجدوا عن النار التي رأوا معدلا يعدلون عنها إليه. يقول: لم يجدوا من مواقعتها بدّا، لأن الله قد حتم عليهم ذلك ، ومن المصرف بمعنى المعدل قول أبي كبير الهذليّ:

أزُهَـيْرُ هَـلْ عَـنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَصْرِفِ

أمْ لا خُـــلُودَ لبـــاذِلٍ مُتَكَــلِّفِ (5)

------------------------

الهوامش:

(5) البيت لأبي كبير الهذلي ، وهو في القسم الثاني من ديوان الهذليين طبعة دار الكتب ص 104 مطلع قصيدة له . وهو من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن : 1 : 407 ) قال في تفسير قوله تعالى : " ولم يجدوا عنها مصرفا" : أي معدلا . وقال أبو كبر الهذلي : أزهير . . . إلخ البيت .

التدبر :

وقفة
[53] قوله تعالى: ﴿ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ [طه: 124]، وقوله تعالى: ﴿اقرأ كتابك﴾ [الإسراء: 14]، وقال: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ﴾، فظاهره يدل على الإنكار؟ الجواب: أن القيامة مواطن: ففى بعضها يكون عمى، وفى بعضها إبصارًا، ويختلف ذلك باختلاف أهل الحشر فيه -والله أعلم-.
وقفة
[53] ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ انتهى وقت: ساحر، كاذب، مجنون، شاعر، أساطير الأولين، قول البشر، وجاء وقت: اليوم ننساكم.
وقفة
[53] ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ رؤية العذاب يبعث في القلب الخوف منه قبل وصوله، فعندها لا يسمع لهم عذر، ولا تنفع لهم حيلة، ولا تقبل فيهم شفاعة، ولا يؤخذ منهم فداء، وهذا كله يضاعف عليهم أثر العذاب.
وقفة
[53] ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ عرض عليهم النار ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها، فيكون في ذلك عذاب نفسي معجل بالهم والرعب، قبل العذاب الحسي في النار، قال رسول الله ﷺ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» [مسلم 2842].
وقفة
[53] ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ تدارك نفسك قبل أن يأتي وقت لا تجد فيه مصرفًا عن النار.
تفاعل
[53] ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ قل الآن: «اللهم إني أعوذ بك من النار».

الإعراب :

  • ﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ:
  • الواو عاطفة. رأى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر. المجرمون: فاعل مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. النار: مفعول به منصوب بالفتحة
  • ﴿ فَظَنُّوا:
  • الفاء عاطفة. ظنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ أَنَّهُمْ مُواقِعُوها:
  • بمعنى: مخالطوها وواقعون فيها. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «ان».مواقعو: خبر «ان» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم وحذفت النون للاضافة. و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «ظن».ويجوز ان يكون المصدر المؤول في محل جر بحرف جر مقدر على المعنى. بمعنى: فأيقنوا بأنهم، او فتحققوا من انهم. لان معنى «ظنوا» هنا: ايقنوا وتحققوا. والفعلان: ظن وايقن متعديان ولازمان.
  • ﴿ وَلَمْ يَجِدُوا:
  • الواو عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يجدوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ عَنْها مَصْرِفاً:
  • جار ومجرور متعلق بيجدوا. مصرفا: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: ولم يجدوا عنها مكانا او موضعا ينصرفون اليه. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     وبعد توبيخ المشركين؛ بَيَّنَ اللهُ عز و جل هنا حالهم عندما يبصرون النار، قال تعالى:
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مواقعوها:
وقرئ:
1- ملاقوها، وهى قراءة الأعمش، وابن غزوان عن طلحة، وهى كذلك فى مصحف عبد الله.
قال أبو حيان. والأولى جعله تفسيرا، لمخالفته سواد المصحف.
2- ملاقوها، بالفاء مشددة، من «لففت» ، وقد رويت عن علقمة.
مصرفا:
وقرئ:
بفتح الراء، وهى قراءة زيد بن على.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف