39471727374757677

الإحصائيات

سورة القصص
ترتيب المصحف28ترتيب النزول49
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.00
عدد الآيات88عدد الأجزاء0.56
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول14تبدأ في الجزء20
تنتهي في الجزء20عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 14/29طسم: 2/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (71) الى الآية رقم (75) عدد الآيات (5)

بعدَ أنْ سَفَّهَ آراءَ المشرِكينَ ووبَّخَهم وبَيَّنَ استحقَاقَه للحمدِ على وجهِ الإجمالِ؛ فَصَّلَ هنا بذكرِ بعضِ ما يجبُ أنْ يُحمدَ عليهِ مِمَّا لا يقْدِرُ عليهِ سواهُ (الليلُ والنَّهارُ وتَعَاقُبُهما)، ثُمَّ تأكيدُ توبيخِ المشركينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (76) الى الآية رقم (77) عدد الآيات (2)

بعدَ توبيخِ المشركينَ ناسَبَه بيانُ عاقبةِ المكذِّبينَ فذكرَ: القصَّةَ الثانيةَ: قصَّةَ قارونَ، آتاه اللهُ الكنوزَ فبَغَى على قومِه، فنصحُوه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة القصص

الدعوة إلى التوحيد، وبيان أن إرادة الله وحده هي النافذة/ الثقة بوعد الله/ عاقبة الطغيان والفساد

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة القصص؟:   المحور الأساسي في سورة القصص هو قصة موسى عليه السلام. هل ذكرت السورة كل جوانب قصة موسى عليه السلام؟ الجواب: لا، بل ركزت على جوانب محددة من قصته: مولده، رميه في البحر، نشأته في قصر فرعون، خروجه من مصر إلى مدين وزواجه، ثم عودته إلى بلده بعد عشر سنين، وانتصاره على فرعون. سورة القصص هي السورة الوحيدة في القرآن التي ركّزت على مولد موسى ونشأته وخروجه إلى مدين، بينما لم تركز على بني إسرائيل ومشاكلهم مع موسى كما في باقي السور، فلماذا؟ تعالوا نتعرف على وقت نزول السورة لعلنا نجد الجواب. وقت نزول السورة: نزلت السورة وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه من مكة إلى المدينة حزينًا لفراق بلده، فأراد الله أن يطمئن قلبه بأنه سيرده إلي مكة مرة أخرى؛ فقص عليه قصة موسى عليه السلام، منذ مولده وفراقه لأمه، ثم عودته إليها. نزلت السورة تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك ستعود إلي مكة يا رسول الله منتصرًا بعد أن خرجت منها متخفيًا.
  • • في أول السورة وعد، وفي آخرها وعد::   فتأمل العلاقة بينهما: 1- الأول: وعد الله لأم موسى في أول السورة: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾ (7). 2- الثاني: وعد الله للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر السورة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾ (85). عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قَالَ: إِلَى مَكَّةَ. (البخاري 4773). ونلاحظ استعمال نفس الكلمة في الوعدين: (راد). وكأن المعنى: يا محمد إن الذي صدق وعده مع موسى وأمه، سيعيدك إلى مكة فاتحًا منتصرًا. فهدف سورة القصص هو الثقة بوعد الله، واليقين بأنه متحقق لا محالة، مهما طالت المدة أو صعبت الظروف.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «القصص».
  • • معنى الاسم ::   قصَّ علىَّ خبرَه: أورده، والقصَص: الخبر المقصوص، والقِصص: جمع قِصَّة.
  • • سبب التسمية ::   لورود هذا اللفظ (القصص) في الآية (25)؛ ولأن ‏الله ‏ذكر ‏فيها ‏قصة ‏موسى ‏مفصلة ‏موضحة ‏من ‏حين ‏ولادته ‏إلى ‏حين ‏رسالته.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة طسم» تسمية للسورة بما افتتحت به، و«سورة موسى»؛ لذكر ‏قصته ‏فيها ‏مفصلة.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الثقة بوعد الله، وأنه متحقق لا محالة، مهما طالت المدة أو صعبت الظروف.
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم ومستمر.
  • • علمتني السورة ::   أن العاقبة للحق وأهله، وأن إرادة الله وحده هي النافذة.
  • • علمتني السورة ::   اليقين في الله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ ، أم تخاف على ابنها من فرعون تلقي به في البحر؟!
رابعًا : فضل السورة :
  • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة القصص من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة القصص من (الطواسين أو الطواسيم)، وهي ثلاث سور نزلت متتالية، ووضعت في المصحف متتالية أيضًا، وهي: الشعراء، النمل، القصص، وسميت بذلك؛ لأنها افتتحت بالحروف المقطعة طسم (في الشعراء والقصص)، وطس (في النمل)، ويكاد يكون منهاجها واحدًا، في سلوك مسلك العظة والعبرة، عن طريق قصص الغابرين، وجميعها افتتحت بذكر قصة موسى عليه السلام، وكذلك جميعها اختتم بالتهديد والوعيد للمعاندين والمخالفين.
    • قصة موسى عليه السلام ذكرت في كثير من سور القرآن (تكرر اسم موسى 136 مرة في 34 سورة، وأكثر السور التي ذكرت قصته بالتفصيل: الأعراف، طه، القصص)، ولكن نجد أنها في سورة القصص ركزت على قصة سيدنا موسى من مولده إلى بعثته، وذكرت تفاصيل لم تذكر في سواها: كقتله المصري، وخروجه إلى مدين، وزواجه من بنت الرجل الصالح، وفصلت أكثر في محنة ميلاده ونشأته في قصر فرعون.
    • احتوت سورة القصص على آية تدل على فصيح القرآن الكريم وإعجازه، وهي: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (7)؛ لأنها اشتملت على: أَمرْين ونهيين وخبرين وبشارتين؛ أما الأمران فهما: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، و﴿فَأَلْقِيهِ﴾، وأما النهيان فهما: ﴿وَلَا تَخَافِي﴾، و﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾، وأما الخبران فهما: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ﴾، و﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾، وأما البشارتان فهما: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، و﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن تمتلأ قلوبنا بهذا العمل القلبي العظيم: اليقين والثقة في الله.
    • ألا نخاف علو الظالم وقوته؛ فلله إرادة سيمليها على كونه إملاءًا، وسينتهي الفساد، وسيعلو الحق، وسيأتي التمكين: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ... وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (4-6).
    • ألا نستعجل النصر؛ قال الله عن بني إسرائيل: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواَ﴾ (5)، ولم يأتِ النصر إلا بعد أربعين سنة.
    • أن نستخدم الحيلة المشروعة للتخلص من ظلم الظالم: ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ (12).
    • أن نصلح بين اثنين متخاصمين: ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ...﴾ (15).
    • أن نلجأ إلى الله دومًا: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (21).
    • أن نفعل الخير ونمضي؛ لا ننتظر الجزاء من الناس: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ (24).
    • أن نكافئ شخصًا أحسن إلينا؛ فإن هذا من دأب الصالحين: ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ (25).
    • أن نستعن بمن يعيننا على القيام بدعوتنا ممن يملك المواصفات المناسبة: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾ (34).
    • أن نحذر من اتباع الهوى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ﴾ (50).
    • أن نعرض عن اللغو: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ (55).
    • أن نحذر الظلم؛ فإنه من أسباب هلاك الأمم السابقة: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ (59).
    • ألا يشغلنا طعام ولا لباس ولا مسكن في الدنيا عن الآخرة: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ (60).
    • أن نحسن سريرتنا؛ فإن الله يعلم ما في الصدور: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (69).
    • أن نرضى بما قسم الله لنا: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (82).

تمرين حفظ الصفحة : 394

394

مدارسة الآية : [71] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ ..

التفسير :

[71] قل -أيها الرسول-:أخبروني -أيها الناس- إن جعل الله عليكم الليل دائماً إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بضياء تستضيئون به؟ أفلا تسمعون سماع فهم وقَبول؟

هذا امتنان من اللّه على عباده، يدعوهم به إلى شكره، والقيام بعبوديته وحقه، أنه جعل لهم من رحمته النهار ليبتغوا من فضل اللّه، وينتشروا لطلب أرزاقهم ومعايشهم في ضيائه، والليل ليهدأوا فيه ويسكنوا، وتستريح أبدانهم وأنفسهم من تعب التصرف في النهار، فهذا من فضله ورحمته بعباده.

فهل أحد يقدر على شيء من ذلك؟ فلو جعل{ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} مواعظ اللّه وآياته سماع فهم وقبول وانقياد.

السرمد: الدائم الذي لا ينقطع، والمراد به هنا: دوام الزمان من ليل أو نهار.

والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس ليعتبروا ويتعظوا وينتبهوا إلى مظاهر قدرتنا ورحمتنا، أخبرونى ماذا كان يحصل لكم إن جعل الله- تعالى- عليكم الزمان ليلا دائما إلى يوم القيامة، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ- تعالى- يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ تبصرون عن طريقه عجائب هذا الكون، وتقضون فيه حوائجكم أَفَلا تَسْمَعُونَ ما أرشدناكم إليه سماع تدبر وتفهم واعتبار يهديكم إلى طاعة الله- تعالى- وشكره على نعمه.

يقول تعالى ممتنا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار ، اللذين لا قوام لهم بدونهما . وبين أنه لو جعل الليل دائما عليهم سرمدا إلى يوم القيامة ، لأضر ذلك بهم ، ولسئمته النفوس وانحصرت منه ، ولهذا قال تعالى : ( من إله غير الله يأتيكم بضياء ) أي : تبصرون به وتستأنسون بسببه ، ( أفلا تسمعون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71)

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: أيها القوم أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل دائما لا نهار إلى يوم القيامة يعقبه. والعرب تقول لكلّ ما كان متصلا لا ينقطع من رخاء أو بلاء أو نعمة: هو سرمد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( سَرْمَدًا ): دائما لا ينقطع.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال ثنى حجاج, ثني حجاج, عن ابن أبي جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ) يقول: دائما.

وقوله: ( مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ) يقول: من معبود غير المعبود الذي له عبادة كل شيء يأتيكم بضياء النهار, فتستضيئون به.( أَفَلا تَسْمَعُونَ ) يقول: أفلا ترعون ذلك سمعكم وتفكرون فيه فتتعظون, وتعلمون أن ربكم هو الذي يأتي بالليل ويذهب بالنهار إذا شاء, وإذا شاء أتى بالنهار وذهب بالليل, فينعم باختلافهما كذلك عليكم.

التدبر :

وقفة
[71] في هذه الآيات تنبيه إلى أن العبد ينبغي له أن يتدبر نِعَم الله عليه، ويتبصر فيها، ويقيسها بحال عدمها؛ فإنه إذا وازن بين حالة وجودها وبين حالة عدمها تنبه عقله لموضع المنة، بخلاف من جرى مع العوائد، ورأى أن هذا أمر لم يزل مستمرًّا، ولا يزال، وعميَ قلبه عن الثناء على الله بنِعَمِهِ، ورؤية افتقاره إليها في كل وقت، فإن هذا لا يحدث له فكره شكرًا ولا ذكرًا.
عمل
[71] كلما رأيت مشهد الإشراق والغروب بإيحاءاته الرائعة تذكر: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[71] ﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ من أبدع الاستدلال أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيب المتكرر كل يوم مرتين، والذي يستوي في إدراكه كل مميز، والذي هو أجلى مظاهر التغير في هذا العالم.
تفاعل
[71] ﴿مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[71] السماع الحقيقي هو: سماع القلب واستجابته ﴿مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُون﴾.
وقفة
[71] عند التفكر في خلق الله، فهناك طرق ثلاثة أثبتها القرآن الكريم، وهي: 1- الشيء وأصله. 2- الشيء وعدمه. 3- الشيء وخلاف ما هو عليه.
وقفة
[71] قال الزركشي: «اقتضت البلاغة أن يقول: ﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾؛ لمناسبة ما بين السماع والظرف الليلي الذي يصلح للاستماع، ولا يصلح للإبصار».
وقفة
[71، 72] قوله: ﴿إن جعل الله عليكم الليل سرمدا﴾، وبعده: ﴿إن جعل الله عليكم النهار سرمدا﴾ قدم الليل على النهار؛ لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل، ثم ختم الآية الأولى بقوله: ﴿أفلا تسمعون﴾ بناء على الليل، وختم الأخرى بقوله: ﴿أفلا تبصرون﴾ بناء على النهار، والنهار مبصر، وآية النهار مبصرة.
وقفة
[71، 72] ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ تعاقب الليل والنهار نعمة من نعم الله، يجب شكرها له.
وقفة
[71، 72] تأمل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾، وفي الآية التي تليها: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾، وإنما ذكر السماع عند ذكر الليل والإبصار عند ذكر النهار؛ لأن الإنسان يدرك سمعه في الليل أكثر من إدراكه بالنهار، ويرى بالنهار أكثر مما يرى بالليل.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ أَرَأَيْتُمْ:
  • الألف ألف تعجب بلفظ‍ استفهام. رأيتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور بمعنى أخبروني.
  • ﴿ إِنْ جَعَلَ اللهُ:
  • ان: حرف شرط‍ جازم. جعل: فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم بان لأنه فعل الشرط‍.الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً:
  • جار ومجرور متعلق بالفعل جَعَلَ» الليل: مفعول به أول منصوب بالفتحة. سرمدا: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى: أبديا أي دائما.
  • ﴿ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بمعنى سَرْمَداً».القيامة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم بمعنى: فهل من إله غير الله يقدر على هذا. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. إله: خبر مَنْ» مرفوع وعلامة رفعه الضمة. غير: صفة-نعت-لإله. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. والجملة على المعنى المذكور جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بإن.
  • ﴿ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال أو في محل رفع خبر ثان للمبتدإ يَأْتِيكُمْ» فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والضمة مقدرة على الياء للثقل والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. بضياء: جار ومجرور متعلق بيأتيكم أو هو بمقام المفعول الثاني.
  • ﴿ أَفَلا تَسْمَعُونَ:
  • الألف ألف توبيخ بلفظ‍ استفهام. الفاء زائدة-تزيينية- لا: نافية لا عمل لها. تسمعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل أو تكون مَنْ» متضمنة معنى النفي و إِلهٌ» مبتدأ خبره الجملة الفعلية. أي فما إله غير الله يأتيكم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     بعدَ أنْ سَفَّهَ اللهُ آراءَ المشرِكينَ ووبَّخَهم، وبَيَّنَ استحقَاقَه للعبادة وحده؛ أمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم هنا أن يُذكرَ الناسَ ببعض مظاهر قدرته في هذا الكون (الليل والنَّهار وتَعَاقُبهما)، وأن يوقظ مشاعرهم للتأمل فيهما، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [72] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ ..

التفسير :

[72] قل لهم:أخبروني إن جعل الله عليكم النهار دائماً إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بليل تستقرون وتهدؤون فيه؟ أفلا ترون بأبصاركم اختلاف الليل والنهار؟

ولو جعل{ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} مواقع العبر، ومواضع الآيات، فتستنير بصائركم، وتسلكوا الطريق المستقيم.

وقال في الليل{ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} وفي النهار{ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} لأن سلطان السمع أبلغ في الليل من سلطان البصر، وعكسه النهار. وفي هذه الآيات، تنبيه إلى أن العبد ينبغي له أن يتدبر نعم اللّه عليه، ويستبصر فيها، ويقيسها بحال عدمها، فإنه إذا وازن بين حالة وجودها، وبين حالة عدمها، تنبه عقله لموضع المنة، بخلاف من جرى مع العوائد، ورأى أن هذا أمر لم يزل مستمرا، ولا يزال. وعمي قلبه عن الثناء على اللّه، بنعمه، ورؤية افتقاره إليها في كل وقت، فإن هذا لا يحدث له فكرة شكر ولا ذكر.

ثم قال لهم: أخبرونى بعد ذلك، لو جعل الله- تعالى- عليكم الزمان ضياء دائما إلى يوم القيامة مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ- تعالى- يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أى: تستريحون فيه من عناء العمل والكد والتعب بالنهار أَفَلا تُبْصِرُونَ أى: أفلا تبصرون هذه الدلائل الساطعة الدالة على قدرة الله- تعالى- ورأفته بكم.

إن دوام الزمان على هيئة واحدة من ليل أو نهار، يؤدى إلى اختلال الحياة، وعدم توفر أسباب المعيشة السليمة لكم، بل ربما أدى إلى هلاككم.

إن المشاهد من أحوال الناس، أنهم مع وجود الليل لساعات محدودة، يشتاقون لطلوع الفجر، لقضاء مصالحهم، ومع وجود النهار لساعات محدودة- أيضا- يتطلعون إلى حلول الليل، ليستريحوا فيه من عناء العمل.

وختم- سبحانه- الآية الأولى بقوله: أَفَلا تَسْمَعُونَ لأن حاسة السمع- فيما لو كان الليل سرمدا- هي أكثر الحواس استعمالا في تلك الحالة المفترضة، وختم الآية الثانية بقوله: أَفَلا تُبْصِرُونَ، لأن حاسة البصر- فيما لو كان النهار سرمدا- من أكثر الحواس استعمالا في هذه الحالة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: بنهار تتصرفون فيه، كما قيل «بليل تسكنون فيه،؟

قلت ذكر الضياء- هو ضوء الشمس- لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة، ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة .

ثم أخبر أنه لو جعل النهار سرمدا دائما مستمرا إلى يوم القيامة ، لأضر ذلك بهم ، ولتعبت الأبدان وكلت من كثرة الحركات والأشغال ; ولهذا قال : ( من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ) أي : تستريحون من حركاتكم وأشغالكم . ( أفلا تبصرون )

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ ) يا محمد لمشركي قومك ( أَرَأَيْتُمْ ) أيها القوم ( إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا ) دائما لا ليل معه أبدا( إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ) من معبود غير المعبود الذي له عبادة كلّ شيء ( يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ) فتستقرون وتهدءون فيه ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) يقول: أفلا ترون بأبصاركم اختلاف الليل والنهار عليكم؛ رحمة من الله لكم, وحجة منه عليكم, فتعلموا بذلك أن العبادة لا تصلح إلا لمن أنعم عليكم بذلك دون غيره, ولمن له القدرة التي خالف بها بين ذلك.

التدبر :

تفاعل
[72] ﴿مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ سَبِّح الله الآن.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ
  • هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة السابقة. تسكنون فيه: الجملة الفعلية في محل جر-نعت-لليل. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فيه: جار ومجرور متعلق بتسكنون بمعنى: تستريحون فيه وتهدءون.'

المتشابهات :

القصص: 71﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم
القصص: 72﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     بعد الحديث عن الكون لو افترضنا فيه ديمومة الليل؛ جاء الحديث هنا عن الكون لو افترضنا فيه ديمومة النهار، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [73] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ ..

التفسير :

[73] ومن رحمته بكم -أيها الناس- أن جعل لكم الليل والنهار فخالف بينهما، فجعل هذا الليل ظلاماً؛ لتستقروا فيه وترتاح أبدانكم، وجعل لكم النهار ضياءً؛ لتطلبوا فيه معايشكم، ولتشكروا له على إنعامه عليكم بذلك.

وقوله- سبحانه-: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ بيان لمظاهر فضل الله- تعالى- على الناس، حيث جعل الليل والنهار على تلك الحالة التي يعيشون فيها.

أى: ومن رحمته بكم- أيها الناس- أنه- سبحانه- لم يجعل زمان الليل سرمدا، ولا زمان النهار، بل جعلهما متعاقبين، وجعل لكل واحد منهما زمانا محددا مناسبا لمصالحكم ومنافعكم، فالليل تسكنون فيه وتريحون فيه أبدانكم، والنهار تنتشرون فيه لطلب الرزق من الله تعالى.

وقد فعل- سبحانه- ذلك لمصلحتكم، كي تشكروه على نعمه، وتخلصوا له العبادة والطاعة.

أي : بكم ( جعل لكم الليل والنهار ) أي : خلق هذا وهذا ( لتسكنوا فيه ) أي : في الليل ، ( ولتبتغوا من فضله ) أي : في النهار بالأسفار والترحال ، والحركات والأشغال ، وهذا من باب اللف والنشر .

وقوله : ( ولعلكم تشكرون ) أي : تشكرون الله بأنواع العبادات في الليل والنهار ، ومن فاته شيء بالليل استدركه بالنهار ، أو بالنهار استدركه بالليل ، كما قال تعالى : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) [ الفرقان : 62 ] . والآيات في هذا كثيرة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)

يقول تعالى ذكره: ( وَمِنْ رَحْمَتِهِ ) بكم أيها الناس ( جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) فخالف بينهما, فجعل هذا الليل ظلاما( لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) وتهدءوا وتستقرّوا لراحة أبدانكم فيه من تعب التصرّف الذي تتصرّفون نهارا لمعايشكم. وفي الهاء التي في قوله: ( لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) وجهان: أحدهما: أن تكون من ذكر الليل خاصة, ويضمر للنهار مع الابتغاء هاء أخرى. والثاني: أن تكون من ذكر الليل والنهار, فيكون وجه توحيدها وهي لهما وجه توحيد العرب في قولهم: إقبالك وإدبارك يؤذيني؛ لأن الإقبال والإدبار فعل, والفعل يوحَّدُ كثيره وقليله. وجعل هذا النهار ضياء تبصرون فيه, فتتصرّفون بأبصاركم فيه لمعايشكم, وابتغاء رزقه الذي قسمه بينكم بفضله الذي تفضل عليكم.

وقوله: ( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولتشكروه على إنعامه عليكم بذلك, فعل ذلك بكم لتفردوه بالشكر, وتخلصوا له الحمد, لأنه لم يشركه في إنعامه عليكم بذلك شريك, فلذلك ينبغي أن لا يكون له شريك في الحمد عليه.

التدبر :

وقفة
[73] ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ من شكر الله تعالى شَغلُ النهار بطلب العيش والليل في السكون وذلك فيما يرضي الله ولا يسخطه.
عمل
[73] وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ حاول الليلة أن تنام مبكرًا وتصحو مبكرًا؛ فهذا من شكر نعمة الله وأقرب للفطرة.
وقفة
[73] ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف، وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب، وإن وجد من يسكن بالنهار، ويبتغي فضل الله بالليل، فالشاذ النادر لا يعتد به.
وقفة
[73] ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لتعاقب الليل والنهار في الدنيا فوائد، منها: التقلب بين التعب في النهار التي تستدعي راحة أثناء الليل، وأما في جنة الآخرة؛ حيث لا نصب ولا تعب، فلا حاجة لهذا التقليب، حيث هناك اللذة الأبدية والمتعة الأزلية؛ لذا فلا ليل ولا نهار، ولا شمس ولا قمر.
وقفة
[73] ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ حكمة تعاقب الليل والنهار ثلاثة: الأول: السكون والراحة أثناء الليل. الثاني: الانتشار وطلب الرزق أثناء النهار. الثالث: إعانة من الله لنا على شكر هاتين النعمتين.
وقفة
[73] ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ألا إن كل شيء بقدر، وكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون بتدبير، اختارها الله عن رحمة وعن علم وعن حكمة تغفلون عنها.
وقفة
[73] ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ رسالة غير مباشرة تبعثها لنا الآية أنه برغم من أن نعم الله التي تحوطنا من كل جانب، لكن ما أقل شكرنا، وهذه حقيقة.

الإعراب :

  • ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ:
  • الواو عاطفة. من رحمته: جار ومجرور والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة والجار والمجرور متعلق بمبتدإ محذوف بمعنى: وخلقه الليل والنهار من رحمته عليكم أو يكون الجار والمجرور متعلقا بجعل وتكون واو العطف منقولة من الفعل الى الجار والمجرور بمعنى: وجعل لكم الليل والنهار .. من رحمته فيكون الجار والمجرور في هذا التقدير: متعلقا بحال من ضمير جَعَلَ» ويجوز أن يكون المصدر المؤول «أن جعل أي باضمار» أن في محل رفع مبتدأ مؤخرا خبره الجار والمجرور مِنْ رَحْمَتِهِ».
  • ﴿ جَعَلَ لَكُمُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لكم: جار ومجرور متعلق بجعل والميم علامة الجمع.
  • ﴿ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والنهار: معطوفة بالواو على اللَّيْلَ» وتعرب مثلها.
  • ﴿ لِتَسْكُنُوا فِيهِ:
  • اللام حرف جرّ للتعليل. تسكنوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. فيه: جار ومجرور متعلق بتسكنوا. وجملة «تسكنوا فيه» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بجعل. بمعنى: لتهدءوا وتستريحوا بعد التعب والجار والمجرور في محل نصب حال أو مفعول لأجله -من أجله-أي للسكن. وخلق النهار لتنتشروا في الأرض.
  • ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ:
  • ولتبتغوا: معطوفة بالواو على لِتَسْكُنُوا» وتعرب إعرابها. من فضله: جار ومجرور متعلق بتبتغوا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة أي من رزقه.
  • ﴿ وَلَعَلَّكُمْ:
  • الواو: عاطفة. لعل: حرف مشبه بالفعل. الكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ تَشْكُرُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لعل» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف مفعولها بمعنى: ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه.'

المتشابهات :

القصص: 73﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
يونس: 67﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
غافر: 61﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     وبعد الحديث عن ديمومة الليل، ثم الحديث عن ديمومة النهار؛ جاء التذكيرُ هنا بنعمة تعاقب الليل والنهار، فجعلَ اللهُ الليلَ ظلامًا لترتاح الأبدان، وجعلَ النهارَ ضياءً لطلب المعايش، قال تعالى:
﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [74] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ ..

التفسير :

[74] ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين، فيقول لهم:أين شركائي الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي؟

أي:ويوم ينادي اللّه المشركين به، العادلين به غيره، الذين يزعمون أن له شركاء، يستحقون أن يعبدوا، وينفعون ويضرون، فإذا كان يوم القيامة، أراد اللّه أن يظهر جراءتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهملأنفسهم فـ{ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أي:بزعهم، لا بنفس الأمر، كما قال:{ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وإن هم إلا يخرصون}

وبعد هذا الحديث عن مشاهد الكون، عادت السورة- للمرة الثالثة- إلى الحديث عن أحوال المجرمين يوم القيامة، فقال- تعالى-: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.

أى: كن متذكرا- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، حال المجرمين يوم القيامة، يوم يناديهم الله- تعالى- على سبيل التقريع والتأنيب فيقول لهم: أين شركائى الذين كنتم في دنياكم تزعمون أنهم شركائى في العبادة والطاعة.

إنهم لا وجود لهم إلا في عقولكم الجاهلة، وأفكاركم الباطلة، وتقاليدكم السقيمة.

قال- تعالى-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ

وهذا أيضا نداء [ ثان ] على سبيل التقريع والتوبيخ لمن عبد مع الله إلها آخر ، يناديهم الرب - تبارك وتعالى - على رءوس الأشهاد فيقول : ( أين شركائي الذين كنتم تزعمون ) أي : في الدار الدنيا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)

يعني تعالى ذكره: ويوم ينادي ربك يا محمد هؤلاء المشركين فيقول لهم: ( أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) أيها القوم في الدنيا أنهم شركائي.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[74] ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ كرر التوبيخ على الشرك؛ ليؤذن ألَّا شيء أجلبُ لغضب الله تعالى من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الثانية والستين.'

المتشابهات :

الكهف: 52﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ
القصص: 62﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
القصص: 74﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [74] لما قبلها :     وبعد أن وَبَّخَ اللهُ المشركين على فساد رأيهم في اتخاذ الشركاء لله، ثم ذكرَ التوحيدَ ودلائله؛ عادَ هنا إلى توبيخهم وتبكيتهم: أين الشركاء؟ هل هم متواجدون معكم الآن؟!، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [75] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ..

التفسير :

[75] ونزعنا من كل أمة من الأمم المكذبة شهيداً -وهو نبيُّهم-، يشهد على ما جرى في الدنيا من شركهم وتكذيبهم لرسلهم، فقلنا لتلك الأمم التي كذبت رسلها وما جاءت به من عند الله:هاتوا حجتكم على ما أشركتم مع الله، فعلموا حينئذ أن الحجة البالغة لله عليهم، وأن الحق

فإذا حضروا وإياهم، نزع{ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ} من الأمم المكذبة{ شَهِيدًا} يشهد على ما جرى في الدنيا، من شركهم واعتقادهم، وهؤلاء بمنزلة المنتخبين.

أي:انتخبنا من رؤساء المكذبين من يتصدى للخصومة عنهم، والمجادلة عن إخوانهم، ومن هم وإياهم على طريق واحد، فإذا برزوا للمحاكمة{ فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} حجتكم ودليلكم على صحة شرككم، هل أمرناكم بذلك؟ هل أمرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم أحد يستحق شيئا من الإلهية؟ هل ينفعونكم، أو يدفعون عنكم من عذاب اللّه أو يغنون عنكم؟ فليفعلوا إذا [إن] كان فيهم أهليةوليروكم إن كان لهم قدرة،{ فَعَلِمُوا} حينئذ بطلان قولهم وفساده، و{ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} تعالى، قد توجهت عليهم الخصومة، وانقطعت حجتهم، وأفلجت حجة اللّه،{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} من الكذب والإفك، واضمحل وتلاشى وعدم، وعلموا أن اللّه قد عدل فيهم، حيث لم يضع العقوبة إلا بمن استحقها واستأهلها.

وقوله- تعالى-: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً أى: أخرجنا بسرعة من كل أمة من الأمم شهيدا يشهد عليهم، والمراد به الرسول الذي أرسله- سبحانه- إلى تلك الأمة المشهود عليها. فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ أى: فقلنا لهؤلاء المشركين- بعد أن شهد عليهم أنبياؤهم بأنهم قد بلغوهم رسالة الله- قلنا لهم: هاتوا برهانكم وأدلتكم على صحة ما كنتم عليه من شرك وكفر في الدنيا: والأمر هنا للتعجيز والإفضاح.

ولذا عقب- سبحانه- عليهم بقوله: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ أى: فعجزوا عن الإتيان بالبرهان، وعلموا أن العبادة الحق إنما هي لله- تعالى- وحده. وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أى: وغاب عنهم ما كانوا يفترونه في حياتهم، من أن معبوداتهم الباطلة ستشفع لهم يوم القيامة.

وبعد هذا البيان المتنوع عن دعاوى المشركين والرد عليها، وعن أحوالهم يوم القيامة، وعن أحوال المؤمنين الصادقين.. بعد كل ذلك، ختم- سبحانه- قصة موسى- عليه السلام- التي جاء الحديث عنها في كثير من آيات هذه السورة- ختمها بقصة قارون الذي كان من قوم موسى- عليه السلام- فقال- تعالى-:

( ونزعنا من كل أمة شهيدا ) : قال مجاهد : يعني رسولا . ( فقلنا هاتوا برهانكم ) أي : على صحة ما ادعيتموه من أن لله شركاء ، ( فعلموا أن الحق لله ) أي : لا إله غيره ، أي : فلم ينطقوا ولم يحيروا جوابا ، ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) أي : ذهبوا فلم ينفعوهم .

وقوله: ( وَنـزعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) وأحضرنا من كلّ جماعة شهيدها وهو نبيها الذي يشهد عليها بما أجابته أمته فيما أتاهم به عن الله من الرسالة. وقيل: ( ونـزعنا ) من قوله: نـزع فلان بحجة كذا, بمعنى: أحضرها وأخرجها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( وَنـزعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) وشهيدُها: نبيّها, يشهد عليها أنه قد بَلَّغ رسالة ربه.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا; عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد; قوله: ( وَنـزعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) قال: رسولا.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, بنحوه.

وقوله: ( فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) يقول: فقلنا لأمة كلّ نبيّ منهم التي ردّت نصيحته, وكذّبت بما جاءها به من عند ربهم, إذ شهد نبيها عليها بإبلاغه إياها رسالة الله: ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) يقول: فقال لهم: هاتوا حجتكم على إشراككم بالله ما كنتم تشركون مع إعذار الله إليكم بالرسل (1) وإقامته عليكم بالحجج.

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) أي بيّنتكم.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) قال: حجتكم لما كنتم تعبدون وتقولون.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) قال: حجتكم بما كنتم تعبدون.

وقوله: ( فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ) يقول: فعلموا حينئذ أن الحجة البالغة لله عليهم, وأن الحق لله, والصدق خبره, فأيقنوا بعذاب من الله لهم دائم ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) يقول: واضمحل فذهب الذي كانوا يُشركون بالله في الدنيا, وما كانوا يتخرّصون, ويكذبون عليّ بهم, فلم ينفعهم هنالك بل ضرّهم وأصلاهم نار جهنم.

-----------------

الهوامش :

(1) في الأصل: للرسل، باللام.

التدبر :

وقفة
[75] ﴿قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾ منحهم حق التعبير عن أدلتهم والاحتجاج بها رغم سقوط قضيتهم وتهاويها.
وقفة
[75] ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّـهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من لم يؤمن ويتيقن اليوم فسيعلم الحق إذا وقف بين يدي الله تعالى.

الإعراب :

  • ﴿ وَنَزَعْنا:
  • الواو استئنافية. نزع: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بمعنى: وأخرجنا.
  • ﴿ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً:
  • جار ومجرور متعلق بنزعنا. أمة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. شهيدا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وهو نبيهم لأن أنبياء الأمم شهداء عليهم.
  • ﴿ فَقُلْنا:
  • معطوفة بالفاء على نَزَعْنا» وتعرب إعرابها. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ هاتُوا بُرْهانَكُمْ:
  • فعل أمر مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. برهانكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين- مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. أي فقلنا للأمة هاتوا دليلكم أو حجتكم على صحة ضلالكم.
  • ﴿ فَعَلِمُوا:
  • فما اهتدوا لذلك فعلموا: الفاء سببية. علموا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أي فعلوا وقتئذ.
  • ﴿ أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الحق: اسم أَنَّ» منصوب بالفتحة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر أَنَّ» و أَنَّ» وما بعدها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «علموا» أي فعلموا أن الحق لله ولرسله لا لهم ولشياطينهم.
  • ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ:
  • الواو عاطفة. ضل: فعل ماض مبني على الفتح. عن: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بضل. أي وغاب عنهم أو وتاه عنهم.
  • ﴿ ما كانُوا:
  • ما: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل رفع فاعل. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسمها والألف فارقة.
  • ﴿ يَفْتَرُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» وجملة كانُوا يَفْتَرُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. يفترون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذف مفعوله الراجع الى الموصول بتقدير: ما كانوا يفترونه. بمعنى: ما كانوا يختلقونه من الكذب والباطل بما عبدوا من الآلهة المزعومة في دنياهم.'

المتشابهات :

القصص: 75﴿وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ
البقرة: 111﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
الأنبياء: 24﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي
النمل: 64﴿أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [75] لما قبلها :     وبعد سؤالهم عن الشركاء؛ ذكرَ اللهُ هنا أنه سيأتي من كل أمة من الأمم المكذبة بشهيد، يشهد على ما جرى في الدنيا من شركهم وتكذيبهم لرسلهم، قال تعالى:
﴿ وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [76] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ ..

التفسير :

[76] إن قارون كان من قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- فتجاوز حدَّه في الكِبْر والتجبر عليهم، وآتينا قارون من كنوز الأموال شيئاً عظيماً، حتى إنَّ مفاتيحَ خزائنِه لَيثقل حِمْلها على العدد الكثير من الأقوياء، إذ قال له قومه:لا تبطر فرحاً بما أنت فيه من المال،

يخبر تعالى عن حالة قارون وما [فعل] وفُعِلَ به ونُصِحَ ووُعِظَ، فقال:{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} أي:من بني إسرائيل، الذين فُضِّلوا على العالمين، وفاقوهم في زمانهم، وامتن اللّه عليهم بما امتن به، فكانت حالهم مناسبة للاستقامة، ولكن قارون هذا، بغى على قومه وطغى، بما أوتيه من الأموال العظيمة المطغية{ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ} أي:كنوز الأموال شيئا كثيرا،{ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ [أُولِي الْقُوَّةِ} والعصبة]، من العشرة إلى التسعة إلى السبعة، ونحو ذلك. أي:حتى أن مفاتح خزائن أمواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها، هذه المفاتيح، فما ظنك بالخزائن؟{ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} ناصحين له محذرين له عن الطغيان:{ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} أي:لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى لما قال- تعالى-: وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها بين أن قارون أوتيها واغتر بها. ولم تعصمه من عذاب الله، كما لم تعصم فرعون ولستم- أيها المشركون- بأكثر عددا ومالا من قارون وفرعون، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه.

قال النخعي وقتادة وغيرهما: كان قارون ابن عم موسى.. وقيل كان ابن خالته.. .

وقوله فَبَغى عَلَيْهِمْ من البغي وهو مجاوزة الحد في كل شيء. يقال: بغى فلان على غيره بغيا، إذا ظلمه واعتدى عليه. وأصله من بغى الجرح، إذا ترامى إليه الفساد.

والمعنى: إن قارون كان من قوم موسى، أى: من بنى إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى كما أرسل إلى فرعون وقومه.

فَبَغى عَلَيْهِمْ أى: فتطاول عليهم، وتجاوز الحدود في ظلمهم وفي الاعتداء عليهم.

ولم يحدد القرآن كيفية بغيه أو الأشياء التي بغى عليهم فيها، للإشارة إلى أن بغيه قد شمل كل ما من شأنه أن يسمى بغيا من أقوال أو أفعال.

وقوله- تعالى-: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ بيان لما أعطى الله- تعالى- لقارون من نعم.

والكنوز: جمع كنز وهو المال الكثير المدخر، وما موصولة. وهي المفعول الثاني لآتينا.

وصلتها إِنَّ وما في حيزها. وقوله: مَفاتِحَهُ جمع مفتح- بكسر الميم وفتح التاء- وهو الآلة التي يفتح بها- أو جمع مفتح- بفتح الميم والتاء- بمعنى الخزائن التي تجمع فيها الأموال.

وهو- أى لفظ مفاتحه- اسم إن، والخبر: لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ.

وقوله لَتَنُوأُ. أى لتعجز أو لتثقل. يقال: ناء فلان بحمل هذا الشيء، إذا أثقله حمله وأتعبه: والباء في قوله بِالْعُصْبَةِ للتعدية والعصبة: الجماعة من الناس من غير تعيين بعدد معين، سموا بذلك لأنهم يتعصب بعضهم لبعض ومنهم من خصها في العرف، بالعشرة إلى الأربعين.

والمعنى: وآتينا قارون- بقدرتنا وفضلنا- من الأموال الكثيرة، ما يثقل حمل مفاتح خزائنها، العصبة من الرجال الأقوياء، بحيث تجعلهم شبه عاجزين عن حملها.

قال صاحب الكشاف: وقد بولغ في ذكر ذلك- أى في كثرة أمواله- بلفظ الكنوز، والمفاتح، والنوء، والعصبة، وأولى القوة .

والمراد بالفرح في قوله- سبحانه-: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ: البطر والأشر والتفاخر على الناس، والاستخفاف بهم واستعمال نعم الله- تعالى- في السيئات والمعاصي.

وجملة: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ تعليل للنهى عن الفرح المذموم.

أى: لقد أعطى الله- تعالى- قارون نعما عظيمة، فلم يشكر الله عليها، بل طغى وبغى، فقال له العقلاء من قومه: لا تفرح بهذا المال الذي بين يديك فرح البطر الفخور، المستعمل لنعم الله في الفسوق والمعاصي، فإن الله- تعالى- لا يحب من كان كذلك.

قال الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ( إن قارون كان من قوم موسى ) ، قال : كان ابن عمه . وهكذا قال إبراهيم النخعي ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وسماك بن حرب ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، وابن جريج ، وغيرهم : أنه كان ابن عم موسى ، عليه السلام .

قال ابن جريج : هو قارون بن يصهر بن قاهث ، وموسى بن عمران بن قاهث .

وزعم محمد بن إسحاق بن يسار : أن قارون كان عم موسى ، عليه السلام .

قال ابن جرير : وأكثر أهل العلم على أنه كان ابن عمه ، والله أعلم . وقال قتادة بن دعامة : كنا نحدث أنه كان ابن عم موسى ، وكان يسمى المنور لحسن صوته بالتوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري ، فأهلكه البغي لكثرة ماله .

وقال شهر بن حوشب : زاد في ثيابه شبرا طولا ترفعا على قومه .

وقوله : ( وآتيناه من الكنوز ) أي : [ من ] الأموال ( ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ) أي : ليثقل حملها الفئام من الناس لكثرتها .

قال الأعمش ، عن خيثمة : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود ، كل مفتاح مثل الأصبع ، كل مفتاح على خزانة على حدته ، فإذا ركب حملت على ستين بغلا أغر محجلا . وقيل : غير ذلك ، والله أعلم .

وقوله : ( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) أي : وعظه فيما هو فيه صالح قومه ، فقالوا على سبيل النصح والإرشاد : لا تفرح بما أنت فيه ، يعنون : لا تبطر بما أنت فيه من الأموال ( إن الله لا يحب الفرحين ) قال ابن عباس : يعني المرحين . وقال مجاهد : يعني الأشرين البطرين ، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)

يقول تعالى ذكره: ( إِنَّ قَارُونَ ) وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب ( كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ) يقول: كان من عشيرة موسى بن عمران النبيّ صلى الله عليه وسلم, وهو ابن عمه لأبيه وأمه, وذلك أن قارون هو قارون بن يصهر بن قاهث, وموسى: هو موسى بن عمران بن قاهث, كذا نسبه ابن جُرَيج.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ) قال: ابن عمه ابن أخي أبيه, فإن قارون بن يصفر, هكذا قال القاسم, وإنما هو يصهر بن قاهث, وموسى بن عومر بن قاهث, وعومر بالعربية: عمران.

وأما ابن إسحاق فإن ابن حميد حدثنا قال: ثنا سلمة عنه, أن يصهر بن قاهث تزوّج سميت (2) بنت بتاويت بن بركنا بن بقشان بن إبراهيم, فولدت له عمران بن يصهر, وقارون بن يصهر, فنكح عمران بخنت بنت شمويل بن بركنا بن بقشان بن بركنا, فولدت له هارون بن عمران, وموسى بن عمران صفي الله ونبيه; فموسى على ما ذكر ابن إسحاق ابن أخي قارون, وقارون هو عمه أخو أبيه لأبيه ولأمه. وأكثر أهل العلم في ذلك على ما قاله ابن جُرَيج.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد, عن إبراهيم, في قوله: ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ) قال: كان ابن عمّ موسى.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن سماك بن حرب, قال: ثنا سعيد عن قَتادة ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ): كنا نحدّث أنه كان ابن عمه أخي أبيه, وكان يسمى المنوّر من حُسن صوته بالتوراة, ولكن عدوّ الله نافق, كما نافق السامري, فأهلكه البغي.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن سماك, عن إبراهيم ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ) قال: كان ابن عمه فبغى عليه.

قال: ثنا يحيى القطان, عن سفيان, عن سماك, عن إبراهيم, قال: كان قارون ابن عمّ موسى.

قال: ثنا أبو معاوية, عن ابن أبي خالد, عن إبراهيم ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ) قال: كان ابن عمه.

حدثني بشر بن هلال الصواف, قال: ثنا جعفر بن سليمان الضُّبَعِيُّ, عن مالك بن دينار, قال: بلغني أن موسى بن عمران كان ابن عمّ قارون.

وقوله: ( فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) يقول: فتجاوز حده في الكبر والتجبر عليهم.

وكان بعضهم يقول: كان بغيه عليهم زيادة شبر أخذها في طول ثيابه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن سعيد الكندي وأبو السائب وابن وكيع قالوا: ثنا حفص بن غياث, عن ليث, عن شَهر بن حَوْشب: ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) قال: زاد عليهم في الثياب شبرا.

وقال آخرون: كان بغيه عليهم بكثرة ماله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: إنما بغى عليهم بكثرة ماله.

وقوله: ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) يقول تعالى ذكره: وآتينا قارون من كنوز الأموال ما إن مفاتحه, وهي جمع مفتح, وهو الذي يفتح به الأبواب.

وقال بعضهم: عنى بالمفاتح في هذا الموضع: الخزائن لِتُثْقِل العصبة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ما قلنا في معنى مفاتح:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا الأعمش, عن خيثمة, قال: كانت مفاتح قارون تحمل على ستين بغلا كلّ مفتاح منها باب كنـز معلوم مثل الأصبع من جلود.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن الأعمش, عن خيثمة, قال: كانت مفاتح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الأصبع, كل مفتاح على خزانة على حدة, فإذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلا أغرّ محجَّل.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن خيثمة, في قوله: ( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) قال: نجد مكتوبا في الإنجيل مفاتح قارون وقر ستين بغلا غرّا محجلة, ما يزيد كل مفتاح منها على أصبع, لكل مفتاح منها كنـز.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا ابن عيينة, عن حميد, عن مجاهد, قال: كانت المفاتح من جلود الإبل.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: مفاتح من جلود كمفاتح العيدان.

وقال قوم: عني المفاتح في هذا الموضع: خزائنه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم, عن أبي صالح, في قوله: ( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن أبي حجير, عن الضحاك ( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ) قال: أوعيته.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: ثنا أبو روق, عن الضحاك عن ابن عباس, في قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: لتثقل بالعصبة.

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) يقول: تثقل. وأما العصبة فإنها الجماعة.

واختلف أهل التأويل في مبلغ عددها الذي أريد في هذا الموضع; فأما مبلغ عدد العصبة في كلام العرب فقد ذكرناه فيما مضى باختلاف المختلفين فيه, والرواية في ذلك, والشواهد على الصحيح من قولهم في ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع, فقال بعضهم: كانت مفاتحه تنوء بعصبة; مبلغ عددها أربعون رجلا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, عن إسماعيل بن سالم, عن أبي صالح, قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: أربعون رجلا.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد عن قَتادة ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: ذكر لنا أن العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) يزعمون أن العصبة أربعون رجلا ينقلون مفاتحه من كثرة عددها.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثنى أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) قال: أربعون رجلا.

وقال آخرون: ستون, وقال: كانت مفاتحه تحمل على ستين بغلا.

حدثنا كذلك ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن الأعمش, عن خيثمة.

وقال آخرون: كان تحمل على ما بين ثلاثة إلى عشرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا جابر بن نوح, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: العصبة: ثلاثة.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: ثنا أبو روق, عن الضحاك, عن ابن عباس ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: العصبة: ما بين الثلاثة إلى العشرة.

وقال آخرون: كانت تحمل ما بين عشرة إلى خمسة عشر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: العُصْبة: ما بين العشرة إلى الخمسة عشر.

حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) قال: العصبة: خمسة عشر رجلا.

وقوله: ( أُولِي الْقُوَّةِ ) يعني: أولي الشدة. وقال مجاهد في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( أُولِي الْقُوَّةِ ) قال: خمسَة عَشَر.

فإن قال قائل: وكيف قيل: ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) وكيف تنوء المفاتح بالعصبة, وإنما العصبة هي التي تنوء بها؟ قيل: اختلف في ذلك أهل العلم بكلام العرب, فقال بعض أهل البصرة: مجاز ذلك: ما إن العصبة ذوي القوّة لتنوء بمفاتح نعمه. قال: ويقال في الكلام: إنها لتنوء بها عجيزتها, وإنما هو: تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله, قال: والعرب قد تفعل مثل هذا، قال الشاعر:

فَــدَيْتُ بِنَفْسِــهِ نَفْسِــي وَمـالي

وَمـــا آلُــوكَ إلا مــا أُطِيــقُ (3)

والمعنى: فديت بنفسي وبمالي نفسه.

وقال آخر:

وَتَــرْكَبُ خَــيْلا لا هَـوَادَةَ بَيْنَهـا

وَتَشْـقَى الرِّمَـاحُ بالضَّيـاطِرَةِ الحُمْرِ (4)

وإنما تشقى الضياطرة بالرماح. قال: والخيل ههنا: الرجال.

وقال آخر منهم: ( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ) قال: وهذا موضع لا يكاد يبتدأ فيه " إن ", وقد قال: إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ وقوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) إنما العصبة تنوء بها; وفي الشعر:

تَنُوءُ بِها فَتُثْقِلُها عَجِيزَتُها (5)

وليست العجيزة تنوء بها, ولكنها هي تنوء بالعجيزة; وقال الأعشى:

مـا كُـنْتَ فـي الحَرْبِ العَوَانِ مُغَمَّرًا

إذْ شَــبَّ حَــرُّ وَقُودِهـا أجْذَالَهـا (6)

وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يُنكر هذا الذي قاله هذا القائل, وابتداء إن بعد ما, ويقول: ذلك جائز مع ما ومن, وهو مع ما ومَنْ أجود منه مع الذي, لأن الذي لا يعمل في صلته, ولا تعمل صلته فيه, فلذلك جاز, وصارت الجملة عائد " ما ", إذ كانت لا تعمل في " ما " , ولا تعمل " ما " فيها; قال: وحسن مع " ما " و " من " , لأنهما يكونان بتأويل النكرة إن شئت, والمعرفة إن شئت, فتقول: ضربت رجلا ليقومن, وضربت رجلا إنه لمحسن, فتكون " من " و " ما " تأويل هذا, ومع " الذي" أقبح, لأنه لا يكون بتأويل النكرة.

وقال آخر منهم في قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ): نَوْءُها بالعصبة: أن تُثْقلهم; وقال: المعنى: إن مفاتحه لَتُنِيءُ العصبة: تميلهن من ثقلها, فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بهم , كما قال: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا قال والمعنى: ائتوني بقطر أفرغ عليه; فإذا حذفت الباء, زدت على الفعل ألفا في أوله; ومثله: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ معناه: فجاء بها المخاض; وقال: قد قال رجل من أهل العربية: ما إن العصبة تنوء بمفاتحه, فحوّل الفعل إلى المفاتح, كما قال الشاعر:

إنَّ سِـــرَاجًا لَكَـــرِيمٌ مَفْخَــرُه

تَحْــلَى بـهِ العَيْـنُ إذَا مَـا تَجْـهَرُهْ (7)

وهو الذي يحلى بالعين, قال: فإن كان سمع أثرًا بهذا, فهو وجه, و إلا فإن الرجل جهل المعنى، قال: وأنشدني بعض العرب:

حــتى إذَا مــا الْتَـأَمَتْ مَوَاصِلُـهْ

ونَــاءَ فـي شـقّ الشَّـمالِ كَاهِلُـهْ (8)

يعني: الرامي لما أخذ القوس, ونـزع مال عليها. قال: ونرى أن قول العرب: ما ساءك, وناءك من ذلك, ومعناه: ما ساءك وأناءك من ذلك, إلا أنه ألقى الألف لأنه متبع لساءك, كما قالت العرب: أكلت طعاما فهنأني ومرأني, ومعناه: إذا أفردت وأمرأني؛ فحذفت منه الألف لما أتبع ما ليس فيه ألف.

وهذا القول الآخر في تأويل قوله: ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ) أولى بالصواب من الأقوال الأخر, لمعنيين: أحدهما: أنه تأويل موافق لظاهر التنـزيل. والثاني: أن الآثار التي ذكرنا عن أهل التأويل بنحو هذا المعنى جاءت, وإن قول من قال: معنى ذلك: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه, إنما هو توجيه منهم إلى أن معناه: ما إن العصبة لتنهض بمفاتحه; وإذا وجه إلى ذلك لم يكن فيه من الدلالة على أنه أريد به الخبر عن كثرة كنوزه, على نحو ما فيه, إذا وجه إلى أن معناه: إن مفاتحه تثقل العصبة وتميلها, لأنه قد تنهض العصبة بالقليل من المفاتح وبالكثير. وإنما قصد جلّ ثناؤه الخبر عن كثرة ذلك, وإذا أريد به الخبر عن كثرته, كان لا شكّ أن الذي قاله مَن ذكرنا قوله, من أن معناه: لتنوء العصبة بمفاتحه, قول لا معنى له, هذا مع خلافه تأويل السلف في ذلك.

وقوله: ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) يقول: إذ قال قومه: لا تبغ ولا تَبْطَر فرحا, إن الله لا يحبّ من خلقه الأشِرِين البَطِرين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) يقول: المرحين.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد, في قوله: ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: المُتبذِّخين الأشِرين البَطِرين, الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن جابر, قال: سمعت مجاهدا يقول في هذه الآية ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: الأشِرين البَطِرين البَذِخين.

حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا العوام, عن مجاهد, في قوله: ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: يعني به البغي.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: المتبذخين الأشرين, الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله; إلا أنه قال: المتبذخين.

حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي, قال: ثني شبابة, قال ثني ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: الأشرين البطرين.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتاده, إذ قال له قومه ( لا تَفْرَحْ ) : أي لا تمرح ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) : أي إن الله لا يحب المرحين.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريح, عن مجاهد ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: الأشرين البطرين, الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا العوام, عن مجاهد, في قوله: ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال: هو فرح البَغْي.

------------------------------

الهوامش :

(2) في كتاب العرائس (قصص الأنبياء للثعلبي المفسر) سميت بنت يتادم بن بركيا بن يشعان بن إبراهيم. وفي صفحة 213 طبعة الحلبي: عن ابن إسحاق: تزوج يصهر بن قاهث "سمين بنت ماريب بن بركيا ابن يقشان بن إبراهيم" وفي أسماء العبرانيين اختلاف كثير بين العلماء.

(3) البيت: من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن، (الورقة 182 ب) عن تفسير قوله تعالى: (ما إن مفاتحه لتنوء) قال: أي مفاتح خزائنه. ومجازه: ما إن العصبة ذوي القوة لتنوء بها عجيزتها، وإنما هي تنوء بعجيزتها، كما ينوء البعير بحمله. والعرب قد تفعل مثل هذا قال: "فديت بنفسه نفسي.. " البيت، والمعنى: فديت بنفسي ومال نفسه. وقوله: "وما آلوك..." إلخ هذا التفات من الغيبة إلى الخطب. ومعناه: ما أستطيع. والعرب تقول: أتاني فلان في حاجة فما استطعت رده. وأتاني في حاجة فألوت فيها: أي اجتهدت. (اللسان: أَلا يألو).

قلت: وجعل المؤلف البيت في القلب نظير الآية (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) أي ما إن العصبة أولي القوة تنوء وتعجز عن حمله، كما قال أبو عبيدة.

(4) البيت لخداش بن زهير (اللسان: ضطر) والضياطرة: جمع ضيطر، كالضيطري والجمع: ضياطر وضياطرة. وهم العظماء من الرجال؛ وفي كلام علي عليه السلام: من يعذرني مع هؤلاء الضياطرة، وهم الضخام الذين لا غناء عندهم. قال في اللسان: وقول خداش بن زهير: "ونركب خيلا... البيت": قال ابن سيده: يجوز أن يكون عنى أن الرماح تشقى بهم، أي لأنهم لا يحسنون حملها، ولا الطعن بها. (قلت: وعلى هذا التوجيه، لا شاهد في البيت). ويجوز أن يكون على القلب، أي: تشقى الضياطرة الحمر بالرماح، يعني أنهم يقتلون بها. والهوادة: المصالحة والموادعة. قلت: وعلى التوجيه الثاني من كلام ابن سيده، يصح الاستشهاد بالبيت، لما فيه من القلب. قال أبو عبيدة: وإنما يشقى الضياطرة بالرماح. اه. قلت: وهو شاذ كالذي قبله

(5) لم أقف على هذا الشعر.

(6) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص31) وهو من قصيدة يمدح بها قيس بن معد يكرب. والحرب العوان: التي قوتل فيها مرة ثانية بعد الأولى، كأنهم جعلوا الأولى بكرًا. والمغمر: الذي لم يجرب الأمور.

وشب النار: أوقدها. والأجذال: جمع جذلى (بكسر الجيم وسكون الذال) وهو ما عظم من أصول الشجر المقطع ، يجعل حطبًا ووقودًا للنار. والبيت خطاب للممدوح يقول له الشاعر: أقسم بمن جعل الشهور علامة ومواقيت للناس (في البيت الذي قبل البيت) أنك لم تكن في الحرب الشديدة جاهلا بإرادتها على الأعداء حين أوقد حرها الأجذال والحطب. وقد جعل الشاعر الحر هو الذي أوقد الأجذال. وفي هذا قلب للمعنى، والأصل: إذا شبت الأجذال حر الحرب. وعلى هذا القلب استشهد به المؤلف، وهو كالشاهدين قبله.

(7) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة الورقة 242) وقد تقدم الاستشهاد به في (3: 312) من هذا التفسير، على مثل ما استشهد به هنا، مع أبيات أخر. وقلنا في تفسيره هناك: جهرت فلانًا العين تجهره: نظرت إليه فرأته عظيمًا، فحلى هو فيها. هذا هو أصل المعنى، ولكن الشاعر قلب المعنى. فجعل العين تحلى بالمرئي إذا رأته، فهو كالشاهدين اللذين قبله. وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة 24059) في التعليق على قول الله تعالى: (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة): ونوءها بالعصبة أن تثقلهم. والعصبة هاهنا: أربعون رجلا. ومفاتحه: خزائنه. والمعنى: ما إن مفاتحه لتنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها؛ فإذا دخلت الباء قلت: تنوء بهم كما قال: (آتوني أفرغ عليه قطرًا) والمعنى: ائتوني بقطر أفرغ عليه. فإذا حذفت الباء رددت في الفعل ألفًا في أوله. ومثله: (فأجاءها المخاض). معناه: فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربية: إن المعنى: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه فحول الفعل إلى المفاتح، كما قال الشاعر: "إن سراجًا..." البيت، وهو الذي يحلى بالعين. فإذا كان سمع بهذا أثرًا، فهو وجه، وإلا فإن الرجل جهل المعنى. اه.

(8) البيتان مما أنشده بعض العرب، الفراء (انظر معاني القرآن له ص 242، واللسان: ناء) قال الفراء بعد الذي نقلناه من قوله في الشاهد السابق: ولقد أنشدني بعض العرب:

حــتى إذا مــا التـأمت مواصلـه

ونــاء فـي شـق الشـمال كاهلـه

يعني: الرامي لما أخذ القوس ونزع، مال على شقه، فذلك نوءه عليها. ونرى أن قول العرب: "ما ساءك وناءك" من ذلك، ومعناه: ساءك وأناءك، إلا أنه ألقى الألف، لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعامًا، فهنأني ومرأني. ومعناه إذا أفردت: وأمرأني فحذفت منه الألف، لما أن أتبع ما لا ألف فيه.

التدبر :

وقفة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ﴾ كأي واحد منهم، لا يملك أي معنى إضافي في الخلق ليتكبر عليهم، شراكتنا في الخلقة البشرية تطيح بأي مبرر لاستعلائنا.
لمسة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ لِمَ نسب الله تعالى قارون إلى موسى عليه السلام فقال ﴿كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾، ولم يقل: (كان من بني إسرائيل)؟ الجواب: إيماءً إلى أن لقارون اتصالًا خاصًّا بموسى، فقد قال ابن عباس عن قارون: إنه ابن عم موسى عليه السلام، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن إضافة قارون إلى موسى فيه إشارة إلى أنه كان من قومه، ثم انقلب فصار عدوًّا له ولأتباعه، فأمره أغرب من أمر فرعون.
وقفة
[76] ﴿إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم﴾ حتى أقرب الناس إليك قد يظلمك.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ لما قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا﴾ [60] بَيَّن أن قارون أوتيها واغتر بها، ولم تعصمه من عذاب الله كما لم تعصم فرعون، ولستم أيها المشركون بأكثر عددًا ومالًا من قارون وفرعون، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ لا يتجبر إلا كل صاحب سلطة ونفوذ ظن أن لا قوة تقدر عليه، ونسي قوة من أوجد نفسه بين جنبيه.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ محل العبرة أنه قد يظلمك حتى أقرب الناس إليك.
وقفة
[76] المال مظنة فساد الغني، وإفساده آخرين من قومه وتسلطه عليهم إﻻ من رحم الله، قال الله: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾، وقارون هو ابن عم موسى عليه السلام.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ الطغيان كما يكون بالرئاسة والملك يكون بالمال.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ هل يعني هذا أن قارون كان رجلًا مؤمنًا صالحًا؟ الجواب: نعم، روي ذلك عن قتادة قال: «كان قارون حسن الصوت بالتوراة ثم نافق كما نافق السامري، وبغى عليهم».
عمل
[76] ﴿إِنَّ قارونَ كانَ مِن قَومِ موسى فَبَغى عَلَيهِم وَآتَيناهُ مِنَ الكُنوزِ﴾ لا تفرح بكثير المال لديك، فأحيانًا قد يجعلك باغيًا ظالمًا.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ قارونَ كانَ مِن قَومِ موسى فَبَغى عَلَيهِم وَآتَيناهُ مِنَ الكُنوزِ﴾ المال ليس دائمًا نعمة.
وقفة
[76] ﴿كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾ جاءت (قوم موسى) ثلاث مرات في القرآن، كلها تدل على النسب، وجاءت (أصحاب موسى) مرة واحدة في القرآن: ﴿قال أصحاب موسى﴾ [الشعراء: 61]؛ وذلك لما صاحب بنو إسرائيل موسى عليه السلام ليلة الخروج من مصر.
وقفة
[76] ﴿وَآتَيناهُ مِنَ الكُنوزِ﴾ لم يذكر سبحانه ماهية هذه الكنوز؛ لتذهب النفس فيها كل مذهب، لتتخيلها.
وقفة
[76] ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ ولكن: أين هذه الأموالُ الآن؟! وأين قارونُ؟!
وقفة
[76] ﴿ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنوءُ بِالعُصبَةِ أُولِي القُوَّةِ﴾ إذا كانت تلك هى المفاتيح، فكيف بالخزائن وما فيها! ولكننا نذهب لقبورنا خاويين الوفاض إلا بأعمالنا.
وقفة
[76] ﴿إِذ قالَ لَهُ قَومُهُ لا تَفرَح﴾ شئ يُعجب له أن كان باستطاعتهم أن ينطقوا بهكذا كلام فيوجهون له النصح! أين كان زباينة قارون وأعوانه؟!
وقفة
[76] ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ﴾ الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان، ولذلك قال: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾، وقيل: السرور بالدنيا؛ لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة، ويدل على هذا قوله: ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: 23].
عمل
[76] ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ تذكر نجاحًا حققته ثم اشكر الله سبحانه وتواضع له.
وقفة
[76] ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ ضرورة النصح لمن يُخاف عليه من الفتنة.
وقفة
[76] ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾ ناصحين له محذرين له عن الطغيان: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ الفرح بَطَرًا معصية يمقتها الله.
وقفة
[76] ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحينَ﴾ ببساطة ويسر شديدين تعرف طريقك ومنهاجك، وذلك بالتعرف على ما يحبه الله وما لا يحبه.
وقفة
[76] ما معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾؟ الجواب: أي: الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ قارُونَ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. قارون: اسمها منصوب بالفتحة. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-للعجمة والتعريف مثل هارون وداود.
  • ﴿ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر إِنَّ».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. من قوم: جار ومجرور متعلق بخبر كانَ» موسى: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين- للعجمة وقدرت الحركة على الألف للتعذر.
  • ﴿ فَبَغى عَلَيْهِمْ:
  • الفاء عاطفة. بغى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق ببغى. بمعنى: فنافق أو تكبر عليهم لما ولاه فرعون عليهم.
  • ﴿ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ:
  • الواو استئنافية. آتي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. نا: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب مفعول به. بمعنى: ومنحناه. من الكنوز: جار ومجرور متعلق بآتيناه.
  • ﴿ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ:
  • ما: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان لآتيناه. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. مفاتحه: اسم إِنَّ» منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة جمع «مفتح» بمعنى: مفتاح.
  • ﴿ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر إِنَّ» و إِنَّ» مع اسمها وخبرها صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. اللام: لام التوكيد -المزحلقة-تنوء: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. بالعصبة: جار ومجرور متعلق بتنوء والعصبة: الجماعة الكثيرة بمعنى: لتثقل بالجماعة الكثيرة أي ما لو حملت مفاتيحه لثقلت بالعصبة.
  • ﴿ أُولِي الْقُوَّةِ:
  • أولي: صفة-نعت-للعصبة مجرورة مثلها وعلامة جرها الياء لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم. والكلمة تكتب بالواو ولا تلفظ‍ وهي جمع بمعنى: ذوي لا واحد لها. وقيل هي اسم واحده: ذو بمعنى: صاحب. القوة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. أي الجماعة من الاقوياء أو أصحاب القوة.
  • ﴿ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ:
  • إذ: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق بتنوء و قالَ» فعل ماض مبني على الفتح. له: جار ومجرور متعلق بقال. قومه: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة والجملة الفعلية قالَ لَهُ قَوْمُهُ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف إِذْ».
  • ﴿ لا تَفْرَحْ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب مفعول به-مقول القول-لا: ناهية جازمة. تفرح: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد هنا التعليل. الله لفظ‍ الجلالة: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر إِنَّ» لا: نافية لا عمل لها. يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الفرحين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. بمعنى لا تبطر ان الله لا يحب البطرين بما أوتوا في الدنيا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [76] لما قبلها :     وبعدَ توبيخِ المشركينَ، وبيان ما يلقونه من الإهانة يوم القيامة؛ ذكرَ اللهُ هنا قصَّةَ قارونَ؛ لبيان عاقبة أهل البغي والجبروت في الدنيا والآخرة، فقد آتاه اللهُ الأموال الكثيرة؛ فطغى وتكبر على قومه، فنصحوه بخمس نصائح: ١- لا تفرح بدنياك فرح البطر والتكبر، قال تعالى:
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مفاتحه:
وقرئ:
مفاتيحه، وهى قراءة الأعمش. (انظر الآية: 59، من سورة الأنعام) .
لتنوء:
وقرئ:
لينوء، بالياء، على مراعاة المضاف المحذوف، وهى قراءة بديل بن ميسرة.
الفرحين:
وقرئ:
الفارحين. حكاها عيسى بن سليمان الحجازي.

مدارسة الآية : [77] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ ..

التفسير :

[77] والتمس فيما آتاك الله من الأموال ثواب الدار الآخرة، بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا، ولا تترك حظك من الدنيا، بأن تتمتع فيها بالحلال دون إسراف، وأحسن إلى الناس بالصدقة، كما أحسن الله إليك بهذه الأموال الكثيرة، ولا تلتمس ما حرَّم الله عليك من الفساد ف

{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} أي:قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها ما عند اللّه، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات،{ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أي:لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك،{ وَأَحْسَنُ} إلى عباد اللّه{ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} بهذه الأموال،{ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه والاشتغال بالنعم عن المنعم،{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} بل يعاقبهم على ذلك، أشد العقوبة.

ثم قالوا له- أيضا- على سبيل النصح والإرشاد: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ أى: واطلب فيما أعطاك الله- تعالى- من أموال عظيمة، ثواب الدار الآخرة، عن طريق إنفاق جزء من مالك في وجوه الخير، كالإحسان إلى الفقراء والمحتاجين.

وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا أى: اجعل مالك زادا لآخرتك، ولا تترك التنعم بنعم الله في دنياك، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه.

وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ أى: وأحسن إلى عباد الله بأن تترك البغي عليهم، وتعطيهم حقوقهم. مثل ما أحسن الله إليك بنعم كثيرة.

وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ أى: ولا تطلب الفساد في الأرض عن طريق البغي والظلم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ كما أنه- سبحانه- لا يحب الفرحين المختالين.

وهكذا ساق العقلاء من قوم قارون النصائح الحكيمة له، والتي من شأن من اتبعها أن ينال السعادة في دنياه وأخراه.

وقوله : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة . ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) أي : مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، ولزورك عليك حقا ، فآت كل ذي حق حقه .

( وأحسن كما أحسن الله إليك ) أي : أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك ( ولا تبغ الفساد في الأرض ) أي : لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به الأرض ، وتسيء إلى خلق الله ( إن الله لا يحب المفسدين ) .

القول في تأويل قوله تعالى : وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل قوم قارون له: لا تبغ يا قارون على قومك بكثرة مالك, والتمس فيما آتاك الله من الأموال خيرات الآخرة, بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا وقوله: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) يقول: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا, أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة, فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) يقول: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا يحيى بن آدم, عن سفيان, عن الأعمش, عن ابن عباس ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: أن تعمل فيها لآخرتك.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا قرة بن خالد, عن عون بن عبد الله ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: إن قوما يضعونها على غير موضعها. ولا تنس نصيبك من الدنيا: تعمل فيها بطاعة الله.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا عبد الله بن المبارك, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: العمل بطاعته.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا يحيى بن يمان, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قال: تعمل في دنياك لآخرتك.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: العمل فيها بطاعة الله.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حدننا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن عيسى الجُرَشِيّ, عن مجاهد: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: أن تعمل في دنياك لآخرتك.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن مجاهد, قال: العمل بطاعة الله: نصيبه من الدنيا, الذي يُثاب عليه في الآخرة.

حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: لا تنس أن تقدم من دنياك لآخرتك, فإنما تجد في آخرتك ما قدمت في الدنيا, فيما رزقك الله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تترك أن تطلب فيها حظك من الرزق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ): قال الحسن: ما أحلّ الله لك منها, فإن لك فيه غنى وكفاية.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا محمد بن حميد المعمري, عن معمر, عن قَتادة: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال: طلب الحلال.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا حفص, عن أشعث, عن الحسن: ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ): قال: قدِّم الفضل, وأمسك ما يبلغك.

القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: الحلال فيها.

وقوله: ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) يقول: وأحسن في الدنيا إنفاق مالك الذي آتاكه الله, في وجوهه وسبله, كما أحسن الله إليك, فوسع عليك منه, وبسط لك فيها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) قال: أحسن فيما رزقك الله.

(ولا تبغ الفساد في الأرض) يقول: ولا تلتمس ما حرّم الله عليك من البغي على قومك.

(إِن الله لا يحب المفسدين) يقول: إن الله لا يحبّ بغاة البغي والمعاصي.

التدبر :

وقفة
[77] ﴿وَابتَغِ فيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ﴾ نجاتك بين يديك؛ فلا تبحث بعيدًا.
وقفة
[77] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ احتساب واكتساب.
وقفة
[77] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ توجيه رباني لتخطيط الحاضر والاستعداد للمستقبل ومثلها: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
وقفة
[77] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ ديننا عظيم منهجه التوازن، فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء.
وقفة
[77] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ فالأصل في المؤمن الانهماك في العمل الأخروي حتى أنه منقطع عنه غافل عن دنياه؛ فجاء التنبيه والتذكير بعدم نسيان الدنيا بالكلية.
وقفة
[77] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبك.
وقفة
[77] المسلم يتخذ المال وسيلة لإصلاح دنياه وآخرته، لا غاية لإصلاح الفانية دون الباقية ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾.
وقفة
[77] لا يريد الله تعالى منك أن تمضي عمرك -تنتظر الموت- في محراب الرهبانية، في انقطاع تام عن ما خلقه لك من الطيبات، وتجاهل تامٍّ لما خلقه فيك من غرائز وشهوات طبيعية جعلها قوام الاستخلاف، بل أمرك بالاعتدال فقال تعالى: ﴿وابتغِ فيما آتاك الله الدّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ مِن الدنيا﴾.
لمسة
[77] تأمل: قدم الله عمل الآخرة على الدنيا ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ قال في الآخرة ﴿وَابْتَغِ﴾، وفي الدنيا ﴿وَلَا تَنسَ﴾.
وقفة
[77] كل شيء في الحياة بحاجة إلى خطة، فالمؤمن له خطتان: للدنيا واحدة، وللآخرة أخرى ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾.
عمل
[77] ضع جدولًا لدخلك الشهري، توازن فيه بين مصالحك في الدنيا والآخرة ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[77] ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ هي خمس كلمات متباعدة في المواقع، نائية المطارح، قد جعلها النظم البديع أشد تآلفًا من الشيء المؤتلف في الأصل، وأحسن توافقًا من المتطابق في أول الوضع.
وقفة
[77] تأملت هذه الآية: ﴿وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لايحب المفسدين﴾، فإذا هي آية في غاية الإبداع والكمال والجمال، ضبطت علاقة الإنسان بالحياة ومنهجه فيها وتصرفه في مصالحها وخيراتها، فإذا هي دستور حياة.
وقفة
[77] ﴿وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا﴾ لا رهبنة فى الإسلام.
وقفة
[77] ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ وإضافة النصيب إلى ضميره دالة على أنه حقه، وأن للمرء الانتفاع بماله فيما يلائمه في الدنيا؛ خاصة مما ليس من القربات، ولم يكن حرامًا.
وقفة
[77] ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ قال قتادة: «نصيب الدنيا هو الحلال كُله».
عمل
[77] ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾ لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملًا صالحًا في دنياك، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح.
وقفة
[77] ﴿ولا تنسَ نصيبَكَ من الدنيا﴾ مكان الدنيا اللائقُ بها أن تكونَ منك في موضعٍ تحتاج إلى من يُذكِّرك بها؛ لانشغالك عنها بعبادة ربِّك،ومن العبادة عمارة الأرض، لا أن تسيطرَ الدنيا على قلبك ومشاعرك وجوارحك، فتُنسيَك آخرتَك!.
وقفة
[77] ﴿ولا تنسَ نصيبَكَ من الدنيا﴾ تأمل كيف جعل الآخرة هي الأصل، وأن انشغالك بها قد ينسيك للدنيا؛ فاحتاج للتنبيه على نصيبها.
وقفة
[77] قال قوم قارون له: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ فانشغل بالمال عن الحياة، ملك المال ولم يعرف الحياة.
وقفة
[77] ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ أي: لا تضيع حظك من دنياك، وتمتع بها مع عملك للآخرة، وقيل: معناه لا تضيع عمرك بترك الأعمال الصالحات؛ فإن حظ الإنسان من الدنيا إنما هو بما يعمل فيها من الخير؛ فالكلام على هذا وعظ، وعلى الأول إباحة للتمتع بالدنيا لئلا ينفر عن قبول الموعظة. ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ أي: أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بالغنى.
وقفة
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ من أحسنَ اللهُ إليه أحسَنَ ولم يفسدْ، ولم يستعنْ بنعمةِ ربِّه على معصيتِه.
وقفة
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ جميلٌ أن يكونَ إحسانُك بعد إحسانِ اللهِ إليكَ من جنسِ إحسانِه، فإن كان رزقًا فتصَدَّقْ، وإن كانت فرحةً فأدخِلْ على غيرِكَ فرحًا.
وقفة
[77] ﴿وَأَحسِن كَما أَحسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ﴾ تأملتها كثيرًا، وتساءلت كيف سيكون إحسان المرء إلى من حوله كإحسان الله عز وجل إليه؟!
عمل
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ ابذل للآخرين وادعُ لهم بالخفاء، يأتك الخير وتنل من ربك العطاء.
وقفة
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ هذه قاعدة شكر النعم المادية والمعنوية.
عمل
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ إن أردت أن تدوم نعم الله عليك فالأمر بسيط؛ أنعم على غيرك كما أنعم الله عليك.
وقفة
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ السعي في حاجات الناس فضل عظيم لا يصبر عليه إلا صاحب قلب عظيم والمعروف له طعم لا يجده إلا العظماء.
وقفة
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ من استشعر إحسان الله عليه لم يُر إلا محسنًا.
وقفة
[77] ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ لم يزل محسنًا إلى الناس من طالع إحسان الله إليه.
وقفة
[77] ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ عند إحسانك للآخرين؛ استحضر أولًا إحسان الله عليك؛ فإن منتك على الخلق تذوب بمنة الخالق عليك.
لمسة
[77] ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ الكاف للتشبيه، فمن فقه الإحسان: أن تحسن إلى غيرك من نفس ما أحسن الله إليك به؛ تفقد حسنك وإحسانك.
وقفة
[77] ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ يكفي من إحسانك للآخرين أنك تحسن لنفسك، وأنت محبوب عند الله، والله يحب المحسنين.
عمل
[77] ﴿ولا تبغ﴾ حتى النية بالفساد ابتعد عنها.
وقفة
[77] ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ تعلم اللطف في النصح! ساقوا نصحهم على سبيل التعريض، فلم يقولوا: «أنت مفسد ومتكبر»، وذلك رجاء أن يتعظ ويتذكر، لكنه ما فعل.
وقفة
[77] ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ أي فساد في الأرض قولًا أو فعلًا جالب لكره الله وسخطه عليك.
وقفة
[77] ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ اعتبر الله تعالى أن الفساد في الأرض أيًّا كان نوعه مستجلب لكره الله وسخطه.
وقفة
[77] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ بغض الله للمفسدين في الأرض.
تفاعل
[77] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من المفسدين.

الإعراب :

  • ﴿ وَابْتَغِ:
  • الواو عاطفة. ابتغ: فعل أمر مبني على حذف آخره-حرف العلة- والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ فِيما آتاكَ اللهُ:
  • جار ومجرور متعلق بابتغ. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي. آتاك: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة آتاكَ اللهُ الدّارَ الْآخِرَةَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بمعنى: واطلب فيما أعطاك الله من الغنى والثروة والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: فيما آتاكه الله. أي أعطاكه الله من الغنى والثروة.
  • ﴿ الدّارَ الْآخِرَةَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الآخرة: صفة -نعت-للدار منصوبة مثلها بالفتحة. والدار: مفعول ابتغ.
  • ﴿ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تنس: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. نصيبك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنَ الدُّنْيا:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من النصيب وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَأَحْسِنْ:
  • الواو عاطفة. أحسن: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أي وأحسن الى عباد الله. أو وأحسن بالشكر والطاعة لله تعالى.
  • ﴿ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ:
  • الكاف حرف جر. ما: مصدرية. أحسن: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. اليك: جار ومجرور متعلق بأحسن وجملة أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ صلة «ما» المصدرية لا محل لها. و «ما» المصدرية وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق-مصدر-محذوف. التقدير: وأحسن إحسانا كإحسان الله اليك.
  • ﴿ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ:
  • تعرب إعراب ولا تنس النصيب من الدنيا. وعلامة جر الْأَرْضِ» الكسرة الظاهرة.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ:
  • تعرب إعراب إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [77] لما قبلها :     ٢- التمس في مالك رضا الله. ٣- لا تترك حظك من الدنيا، وتمتع فيها بالحلال. ٤- أحسن إلى الناس. ٥- لا تستعمل نعم الله في معاصيه، قال تعالى:
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف