29728293031323334

الإحصائيات

سورة الكهف
ترتيب المصحف18ترتيب النزول69
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات110عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول13تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 4/14الحمد لله: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (28) الى الآية رقم (29) عدد الآيات (2)

بعدَ قصَّةِ أصحابِ الكهفِ أمرَ اللهُ نبيَّه ﷺ بملازمةِ مجالسِ أصحابِه الفقراءِ، وعدمِ الاستجابةِ لمطالبِ الكفارِ بطردِهم، ثُمَّ ذَكَرَ جزاءَ الكافرين.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (30) الى الآية رقم (31) عدد الآيات (2)

بعدَ ذكرِ جزاءِ الكافرينَ، ذكرَ هنا جزاءَ المؤمنينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (32) الى الآية رقم (34) عدد الآيات (3)

القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ صاحبِ الجنتينِ، قصَّةُ رجلينِ من بني إسرائيلَ: كافرٌ ومؤمنٌ، رزقَ اللهُ الكافرَ حديقتينِ، وأثمرتْ كلُّ حديقةٍ ثمارَها.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الكهف

العصمة من الفتن/ الزينة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • والآن مع تفصيل أوسع قليلًا::   • قصة أصحاب الكهف (فتنة الدين). • قصة صاحب الجنتين (فتنة المال). • قصة موسى مع الخضر (فتنة العلم). • قصة ذي القرنين (فتنة السلطة).
  • • ما علاقة سورة الكهف بالعصمة من الفتن؟:   • القصة الأولى (أصحاب الكهف): هي قصة شباب آمنوا بالله، لكن القرية التي عاشوا فيها كانت محكومة من ملك ظالم غير مؤمن، فعرضوا إسلامهم على الناس ورفض الناس دعوتهم، وبدأوا بالدعوة إلى الله فكُذِّبوا واضطهدوا، فأوحى الله إليهم أن يأووا إلى الكهف، وأيدهم الله بمعجزات عظيمة فهم قد ناموا في الكهف، ثم استيقظوا بعد 309 سنين، ووجدوا أن الناس جميعًا قد آمنوا وأنهم أصبحوا في مجتمع جديد كله إيمان. • القصة الثانية (صاحب الجنتين): قصة رجل أنعم الله عليه، فنسي واهب النعمة فطغى وتجرأ على ثوابت الإيمان بالطعن والشك. • القصة الثالثة (موسى مع الخضر): عندما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يكل العلم إليه تعالى، فأوحى الله إليه بأن هناك من هو أعلم منه، فارتحل حتى التقي بالخضر، وهناك حدثت 3 مواقف:  السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، وكان سبب ذلك وجود ملك ظالم يسلب كل سفينة صالحة يراها.  الغلام الذي قتله الخضر، وكان سبب ذلك أنه كان سيرهق أبويه المؤمنين لعصيانه وعقوقه.  الجدار الذي أقامه الخضر لغلامين يتيمين، وكان تحته كنز مدفون لهما ولو لم يقم الجدار لما حفظ لهما كنزهما.  والرسالة في هذه المواقف: أن يتعلم المؤمن أن الله تعالى يقدر أمورًا قد لا نعلم الحكمة منها والخير المقدر فيها. • القصة الرابعة (ذي القرنين): الملك العادل الذي ينشر الحق والعدل والخير في الأرض، ويملك كل الأسباب المادية التي تسهل له التمكين والنجاح في الحياة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الكهف»، و«سورة أصحاب ‏الكهف».
  • • معنى الاسم ::   الكهف: كالمغارة في الجبل، إلا أنه أوسع منها، فإذا صغر فهو غار.
  • • سبب التسمية ::   لورود ‏قصة ‏أصحاب ‏الكهف فيها، ولم يرد هذا اللفظ إلا في هذه السورة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   كيفية التعامل مع الفتن.
  • • علمتني السورة ::   خطورة الكلمة، فالبعض يطلق الكلام على عواهنه دون النظر في عواقب كلامه: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ليؤمنوا؛ حتى يكاد أن يهلك نفسه لذلك: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الجليس الصالح خير من الوحدة، لكن الوحدة خير من الجليس السوء: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».
    • عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ؛ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ».
    • عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن قَرَأَ سُورَةَ اَلْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مُقَامِهِ إَلَى مَكَّة، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْر آياتٍ منْ آخِرِهَا فَخَرَجَ الدَّجُّالُ لَم يُسَلُّطْ عَلَيْهِ».
    • عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الكهف من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • يستحب قراءتها يوم الجمعة لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
    • الآيات العشر الأولى من السورة عاصمة لمن حفظها من فتنة المسيح الدجال لحديث أَبِى الدَّرْدَاءِ.
    • انتصفت عدد كلمات القرآن في هذه السورة، فالكلمة التي تقع في وسط القرآن على مذهب الجمهور هي كلمة ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ( 19).
    • هي إحدى سور خمس بُدِئت بـ «الحمد لله» وهذه السور هي: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نحذر الفتن، ونحصن أنفسنا منها.
    • أن ننتبه لأقوالنا، فرب كلمة تخرج من الفم ترجح كفة السيئات: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (5).
    • ألا نصرف مشاعرنا وحزننا لمن لا يستحق: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (6).
    • أن نحسن العمل، فالله قال: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (7)، ولم يقل سُبحانه أكثر وأدوم! بل أحسن، أي: إخلاص النية واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
    • أن نلجأ إلى الله ونسأله الرحمة والرشاد دائمًا: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (10).
    • ألا نغتر كثيرًا بصلاح حالنا، وشدة استقامتنا! فالقلوب تتقلب، والقلوب تتفلت، والقلوب تزيغ، والمثبت هو الله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ (14).
    • ألا نخوض فيما لا طائل وراءه، فوقت المسلم ثمين، فماذا يزيدنا لو عرفنا عدد الفتية؟ أو أسماءهم؟ أو أعمارهم؟: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ (22)، إنما الفائدة المرجوة في أفعالهم وثباتهم على المبدأ، وفرارهم بدينهم يحافظون عليه، وحذرهم في تصرفاتهم.
    • أن نرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان، وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ (24).
    • ألا نستعجل؛ فقد يحتاج التغيير بالكامل إلى ٣٠٩ سنة!: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ (25).
    • أن نلزم كل تقي نقي: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ (28).
    • أن نستعيذ بالله من أن نتكبر بسبب ما وهبنا الله من النعم, ونسأل الله أن يجعلها عونًا لنا على عبادته: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (34).
    • أن نحذر الكبر والخيلاء، وكلما تعالينا واستكبرنا على خلق الله نتذكر: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ (37).
    • ألا نجعل المال والبنين مشغلة لنا عن عمل الصالحات: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (46).
    • أن ننتبه لكلماتنا، ونراقب حركاتنا؛ فهناك كتاب: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ (49).
    • أن نستخدم الترغيب والترهيب في دعوتنا إلى الله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (56).
    • أن نحمل الزاد والطعام في السفر كما فعل موسى وتلميذه يوشع بن نون عليهما الصلاة والسلام: ﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ (62).
    • أن نربط بين خطئنا وعذرنا؛ لأنه أرفق بصحبتنا: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ (63). • ألا نغتر بعلمنا: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ﴾ (66).
    • أن ننكر المنكر كما أنكر موسى أفعال الخضر عليهما السلام، وظن أنها منكر: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ (71)، ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ (74).
    • ألا نعاندْ، إذا أخطَأنا اعتذرنا: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ (73)، فثقافةُ الاعتذارِ لا يعرفُ قيمتَهَا إلَّا الكبارُ.
    • أن نعمل أعمالًا صالحة يصل نفعها إلى الآخرين: ﴿يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ (77).
    • أن نجتهد في دفع الظلــم عن المظلومين أو الضعفاء: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ (79).
    • ألا نحزن على فوات شيء من الدنيا، فقد أعطاها الله ذا القرنين، وحرمها كثيرًا من الأنبياء وهم أفضل منه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (84).

تمرين حفظ الصفحة : 297

297

مدارسة الآية : [28] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ..

التفسير :

[28] واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده، ويدعونه في الصباح والمساء، يريدون بذلك وجهه، واجلس معهم وخالطهم، ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولا تُطِعْ مَن جعلنا قلبه غافلاً ع

يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين{ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} أي:أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.

{ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي:لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.

{ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال:{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.

{ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي:صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى:{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} الآية.{ وَكَانَ أَمْرُهُ} أي:مصالح دينه ودنياه{ فُرُطًا} أي:ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.

ثم ساقت السورة الكريمة لونا من الأدب السامي، والتوجيه العالي، حيث بينت أن أولى الناس بالرعاية والمجالسة هم المؤمنون الصادقون، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر نفسه معهم، فقال- تعالى-: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ...

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت في أشراف قريش، حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده، ولا يجالسهم مع ضعفاء أصحابه كبلال وعمار وابن مسعود. وليفرد أولئك بمجلس على حدة، فنهاه الله- تعالى- عن ذلك.. وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء الفقراء فقال: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه

وصبر النفس معناه: حبسها وتثبيتها على الشيء، يقال: صبرت فلانا أصبره صبرا، أى: حبسته.

والغداة: أول النهار. والعشى. آخره.

والمعنى: عليك- أيها الرسول الكريم- أن تحبس نفسك وتعودها على مجالسة أصحابك الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أى: يعبدونه ويتقربون إليه بشتى أنواع القربات، في الصباح والمساء، ويداومون على ذلك، دون أن يريدوا شيئا من وراء هذه العبادة، سوى رضا الله- تعالى- عنهم ورحمته بهم.

وفي تخصيص الغداة والعشى بالذكر: إشعار بفضل العبادة فيهما: لأنهما محل الغفلة والاشتغال بالأمور الدنيوية غالبا.

ويصح أن يكون ذكر هذين الوقتين المقصود به مداومة العبادة. وإلى هذا المعنى أشار الآلوسى بقوله: قوله: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ أى: يعبدونه دائما. وشاع استعمال مثل هذه العبارة للدوام. وهي نظير قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن. يريدون به ضرب جميع البدن. وأبقى غير واحد اللفظين على ظاهرهما أى: يعبدونه في طرفي النهار .

وقوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مدح لهم بالإخلاص والبعد عن الرياء والمباهاة.. فهم لا يتقربون إلى الله- تعالى- بالطاعات من أجل دنيا يصيبونها. أو من أجل إرضاء الناس.

وإنما هم يبتغون بعبادتهم رضا الله- تعالى- وحده، لا شيئا آخر من حظوظ الدنيا.

وقوله- سبحانه- وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا.. نهى له صلى الله عليه وسلم- عن الغفلة عنهم، بعد أمره بحبس نفسه عليهم.

والفعل تَعْدُ بمعنى تصرف. يقال عداه عن الأمر عدوا إذا صرفه عنه وشغله.

أى: احبس نفسك مع هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه- سبحانه- ولا تصرف عيناك النظر عنهم، وتتجاوزهم إلى غيرهم من الأغنياء، طمعا في إسلامهم.

فالمراد بإرادة الحياة الدنيا الحرص على مجالسة أهل الغنى والجاه حبا في إيمانهم.

وجملة تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا في موضع الحال من الضمير المضاف إليه في قوله عَيْناكَ، وإنما ساغ ذلك لأن المضاف هنا جزء من المضاف إليه.

وقوله- تعالى- وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً نهى آخر مؤكد لما قبله من حبس نفسه صلى الله عليه وسلم على هؤلاء المؤمنين الفقراء، وعدم صرف نظره عنهم إلى غيرهم من المتغطرسين الأغنياء.

والفرط- بضم الفاء والراء-: مجاوزة الحد، ونبذ الحق والصواب، واتباع الباطل والضلال. أى: ولا تطع- أيها الرسول الكريم- في تنحية المؤمنين الفقراء عن مجلسك أقوال أولئك الغافلين عن طاعتنا وعبادتنا لاستحواذ الشيطان عليها، والذين اتبعوا أهواءهم فآثروا الغي على الرشد. والذين كان أمرهم. فرطا أى: مخالفا للحق، ومجاوزا للصواب، ومؤديا للضياع والخسران.

قال ابن جرير- بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى قوله- تعالى-: فُرُطاً:

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه: ضياعا وهلاكا. من قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا، إذا أسرف فيه. وتجاوز قدره. وكذلك قوله: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً.

معناه: وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقار أهل الإيمان سرفا قد تجاوز حده، فضيع بذلك الحق وهلك» .

فالآية الكريمة تسوق للناس توجيها حكيما في بيان القيم الحقيقية للناس وهي أنها تتمثل في الإيمان والتقوى، لا في الغنى والجاه.

فالمؤمن الصادق في إيمانه، الكريم في أخلاقه.. هو الذي يحرص على مخالطة أهل الإيمان والتقوى. ولا يمنعه فقرهم من مجالستهم ومصاحبتهم ومؤانستهم والتواضع لهم، والتقدم إليهم بما يسرهم ويشرح صدورهم.

ولقد ربي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذا الخلق الكريم، روى الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشرف الناس، هذا والله حرىّ إن خطب أن يزوج، وإن شفع أن يشفع. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرّ رجل آخر: فقال له صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا» ؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين هذا والله حرى إن خطب أن لا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا».

وقوله : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) أي : اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ، ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء . يقال : إنها نزلت في أشراف قريش ، حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب [ وخباب ] وابن مسعود ، وليفرد أولئك بمجلس على حدة . فنهاه الله عن ذلك ، فقال : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) الآية [ الأنعام : 52 ] الآية ، وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء ، فقال : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد - هو ابن أبي وقاص - قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا! . قال : وكنت أنا وابن مسعود ، ورجل من هذيل ، وبلال ورجلان نسيت اسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدث نفسه ، فأنزل الله عز وجل : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي التياح قال : سمعت أبا الجعد يحدث عن أبي أمامة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاص يقص ، فأمسك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قص ، فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس ، أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب "

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا هاشم حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت كردوس بن قيس - وكان قاص العامة بالكوفة - يقول : أخبرني رجل من أصحاب بدر : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لأن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب " . قال شعبة : فقلت : أي مجلس ؟ قال : كان قاصا

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا محمد ، حدثنا يزيد بن أبان ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن أجالس قوما يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى غروب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا " . فحسبنا دياتهم ونحن في مجلس أنس ، فبلغت ستة وتسعين ألفا ، وهاهنا من يقول : " أربعة من ولد إسماعيل " والله ما قال إلا ثمانية ، دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر أبي مسلم - وهو الكوفي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يقرأ سورة الكهف ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سكت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم " .

هكذا رواه أبو أحمد ، عن عمرو بن ثابت ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر مرسلا . وحدثناه يحيى بن المعلى ، عن منصور ، حدثنا محمد بن الصلت ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف ، فسكت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر حدثنا ميمون المرئي ، حدثنا ميمون بن سياه ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله ، لا يريدون بذلك إلا وجهه ، إلا ناداهم مناد من السماء : أن قوموا مغفورا لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات " تفرد به أحمد ، رحمه الله .

وقال الطبراني : حدثنا إسماعيل بن الحسن ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، عن أسامة بن زيد عن أبي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في بعض أبياته : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فخرج يلتمسهم ، فوجد قوما يذكرون الله تعالى ، منهم ثائر الرأس ، وجافي الجلد وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم وقال : " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم "

عبد الرحمن هذا ، ذكره أبو بكر بن أبي داود في الصحابة وأما أبوه فمن سادات الصحابة ، رضي الله عنهم .

وقوله : ( ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ) قال ابن عباس : ولا تجاوزهم إلى غيرهم : يعني : تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة .

( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) أي : شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا ( واتبع هواه وكان أمره فرطا ) أي : أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ، ولا تكن مطيعا له ولا محبا لطريقته ، ولا تغبطه بما هو فيه ، كما قال تعالى : ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) [ طه : 131 ]

القول في تأويل قوله تعالى : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (واصْبِرْ) يا محمد (نَفْسَكَ مَعَ) أصحابك ( الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها(يُرِيدُونَ) بفعلهم ذلك (وَجْهَهُ) لا يريدون عرضا من عرض الدنيا.

وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في قوله ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) في سورة الأنعام، والصواب من القول في ذلك عندنا، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، والقرّاء على قراءة ذلك ( بالغَدَاةِ والعَشيّ ) ، وقد ذُكر عن عبد الله بن عامر وأبي عبد الرحمن السلمي أنهما كانا يقرآنه (بالغَدَوةِ والعَشِيّ) ، وذلك قراءة عند أهل العلم بالعربية مكروهة، لأن غدوة معرّفة، ولا ألف ولا لام فيها، وإنما يعرف بالألف واللام ما لم يكن معرفة ، فأما المعارف فلا تعرّف بهما ، وبعد، فإن غدوة لا تضاف إلى شيء، وامتناعها من الإضافة دليل واضح على امتناع الألف واللام من الدخول عليها، لأن ما دخلته الألف واللام من الأسماء صلحت فيه الإضافة ، وإنما تقول العرب: أتيتك غداة الجمعة، ولا تقول: أتيتك غدوة الجمعة، والقراءة عندنا في ذلك ما عليه القرّاء في الأمصار لا نستجيز غيرها لإجماعها على ذلك، وللعلة التي بيَّنا من جهة العربية.

( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) يقول جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه ، وأصله من قولهم: عدوت ذلك، فأنا أعدوه: إذا جاوزته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) قال: لا تجاوزهم إلى غيرهم.

حدثني عليّ، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) يقول: لا تتعدّهم إلى غيرهم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ )... الآية، قال: قال القوم للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا نستحيي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا، فجانبهم يا محمد، وجالس أشراف العرب، فنـزل القرآن ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) ولا تحقرهم، قال: قد أمروني بذلك، قال: ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ).

حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد، عن أبي حازم، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أن هذه الآية لما نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) فخرج يلتمس، فوجد قوما يذكرون الله، منهم ثائر الرأس، وجافّ الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم، فقال: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لي فِي أُمَّتِي مَنْ أمرني أنْ أصبِرَ نَفْسي مَعَهُ" ورُفعت العينان بالفعل، وهو لا تعد.

وقوله: ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم:لا تعدُ عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، وقال بعضهم: بل من عظماء قبائل العرب ممن لا بصيرة لهم بالإسلام، فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال، فسألوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا ، قالوا: فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله عليه: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ثم كان يقوم إذا أراد القيام، ويتركهم قعودا، فأنـزل الله عليه ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) الآيَةَ(وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يريد زينة الحياة الدنيا: مجالسة أولئك العظماء الأشراف. وفد ذكرت الرواية بذلك فيما مضى قبل في سورة الأنعام.

حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثني أبي، قال: ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود، عن خباب في قصة ذكرها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ذكر فيها هذا الكلام مدرجا في الخبر ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: تجالس الأشراف.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرت أن عيينة بن حصن قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي، فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعوننا فيه، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه، فنـزلت الآية.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنه لما نـزلت هذه الآية قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبِرَ نَفْسِي مَعَه ".

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: تريد أشراف الدنيا.

حدثنا صالح بن مسمار، قال: ثنا الوليد بن عبد الملك، قال: سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله الجهنيّ ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن سلمان الفارسي، قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، (1) والأقرع بن حابس وذووهم، فقالوا: يا نبيّ الله، إنك لو جلست في صدر المسجد، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف، ولم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك، وأخذنا عنك ، فأنـزل الله : وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ، حتى بلغ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا يتهدّدهم بالنار ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْني حتى أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ منْ أُمَّتي، مَعَكُمُ المَحْيا وَمَعَكُمُ المَماتُ".

وقوله: ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم:ولا تطع يا محمد من شغلنا قلبه من الكفار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ عنك، عن ذكرنا، بالكفر وغلبة الشقاء عليه، واتبع هواه، وترك اتباع أمر الله ونهيه، وآثر هوى نفسه على طاعة ربه، وهم فيما ذُكر: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس وذووهم.

حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود ، عن خباب ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ) قال: عُيينة، والأقرع.

وأما قوله: ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وكان أمره ضياعا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال ابن عمرو في حديثه قال: ضائعا. وقال الحارث في حديثه: ضياعا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ضياعا.

وقال آخرون: بل معناه: وكان أمره ندما.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد بن راشد، عن داود (فُرُطا) قال: ندامة.

وقال آخرون: بل معناه: هلاكا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني الحسين بن عمرو، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، عن خباب ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال: هلاكا.

وقال آخرون: بل معناه: خلافا للحق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد : ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال: مخالفا للحقّ، ذلك الفُرُط.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: ضياعا وهلاكا، من قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا: إذا أسرف فيه وتجاوز قدره، وكذلك قوله (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) معناه: وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر، واحتقار أهل الإيمان، سرفا قد تجاوز حدّه، فَضَيَّع بذلك الحقّ وهلك.

وقد: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: قيل له: كيف قرأ عاصم؟ فقال ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال أبو كريب: قال أبو بكر: كان عُيينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا.

------------------------

الهوامش:

(1) في الأصل : عيينة بن بدر . والصواب : ابن حصن ، ولعله من سبق القلم . وقد ذكره صحيحا بعده بقليل .

التدبر :

وقفة
[27، 28] علمتني سورة الكهف أن من أعظم وسائل الثبات: التمسك بالقرآن ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾، والصحبة الصالحة: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ ليست العبادات باليسيرة على النفس، عليك أن تُعلمها الصبر على الطاعة وعلى ترك المعاصي لتنج وتُفلح.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ أي: احبسها صابرًا، ﴿مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾: هم فقراء المسلمين: كبلال، وخباب، وصهيب، وكان الكفار قد قالوا له: اطرد هؤلاء نجالسك نحن.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ لا يكن معيار علاقاتك الميل النفسي، والارتياح العاطفي، هناك علاقات غير مريحة، تدخلك الجنة.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ الصحبة الصالحة عليك بها، وحتى لو أرهقك نهجهم ومحاسبتهم لأفعالهم، فما عند الله لا ينال بالتمني.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ إذا عاشرت مؤمنًا فابقِ له المودة والاحترام، وتغاض عن هفواته، فإن ذلك من الصبر الجميل.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ والصبر هنا على طاعة الله، وهو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ في الآية استحباب الذكر والعبادة والدعاء طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويُرَغِّبُ فيه.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ اجعل لك وردًا تحرص عليه في أذكار الصباح والمساء.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ عليك بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم، وإن كانوا فقراء، واحذر أن تلهيك الدنيا عن ذلك.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ شارك في برنامج دعوي مع مجموعة من الصالحين.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ فتش عن المخلصين الذين لا يريدون إلا الله واقترب منهم.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ الصبر على رفقة الصالحين من أعظم أسباب الثبات على العمل الصالح.
وقفة
[28] عشرة المؤمنين والإبقاء على مودتهم والإغضاء عن هفواتهم، خصال تعتمد على الصبر الجميل ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وقفة
[28] ما أروع أن تشترك مع فريق عمل لا ينشغل إلا بالله! فهذه الآية ملائمة له تمامًا ﴿وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا﴾.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ جاهد نفسك على أعباء الدعوة، ومرّ ظروفها، وضعف أتباعها، وهوانهم على الناس، فإن المخلص لله عزيز عند الله.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ صحبة الأخيار أعظم خيار.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ اختر لنفسك الصحبة التي تعينك وتقوي إيمانك، واصبر معهم على ما ينالكم من العنت والشدة ومقاومة أعداء الدين.
تفاعل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ الرفقة الطيبة تعين في دروب الحياة، قل: «اللهم أرزقنا صحبة الأخيار».
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه؛ خاتم الأنبياء يأمره ربه بالجلوس فى مجالس الذكر.
وقفة
[28] رحم الله من أعان أخاه على صلاح آخرته ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ﴾، ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ﴾ [إبراهيم: 12]، ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: 24]، ﴿وَاصْبِرُوا﴾ [الأعراف: 128، الأنفال: 46، ص: 6]، ﴿اصْبِرُوا﴾ [آل عمران: 200]، ﴿وَاصْبِرْ﴾ [يونس: 109، هود: 115، النحل: 127]، ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: 24]، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [البلد: 17، العصر: 3]، ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ [البقرة: 45]، وسياقات أخرى غزيرة تذكرنا بأن الصبر هو راحلة هذا الطريق.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ بصيغة الجمع، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ بصيغة المفرد، فشخص واحد كفيل بأن يخرجك من الجماعة الصالحة.
وقفة
[28] دائمًا الصبر على جفوة الإخوان في الله وفظاظة أحدهم أرحم بالقلب من مصارعة تركهم وفقدهم، مهما كانت المبررات، فاختيار الوحدة والتجديف بيد واحدة اختيار يروج في سوق إبليس ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ خص الغداة والعشي بالذكر؛ لأن الشغل غالب فيهما على الناس، ومن كان في وقت الشغل مقبلًا على العبادة كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل، ومن فقه هذا عرف أنه لا يفرغ.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾، ﴿فإذا فرَغْتَ فانصب﴾ [الشرح: 7]، المؤمن لا يفرغ، فهو مقبل على العبادة والذكر والدعاء في كل أحواله وأوقاته يبتغي وجه الله.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ إذا زاغت العين تبعها القلب.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ ‏المجانسة تكون بالمجالسة، إن جلست مع المسرور سُرِرت، ‏وإن رافقت الغافلين غفلت، وإن جلست مع الذاكرين لله ذكرت، فتبَصر أمرك و تدبَّر حال صَحبك.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ فتِّش عن المخلصين الذين لا يريدون إلا الله، واقترب منهم.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ وصية عظيمة تذكرها كلما قرأت سورة الكهف كل جمعة، واحرص على تطبيقها.
وقفة
[28] قال أحدهم: «كان بيني وبين الصحبة الصالحة بعض المشاكل، حتي وسوس لي الشيطان تركهم، فقرأت قوله تعالي: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾، فكان ذلك أعظم مثبت لي معهم، وعلمت أنه: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖوَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ جاهد نفسك على صحبة الأخيار.
عمل
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖوَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ ابحث عن رجل من الأخيار وصاحبه، واصبر نفسك على مصاحبته واحتسبها عبادة لله سبحانه.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖوَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ الفلاح ليس بمصاحبة أصحاب المناصب والأموال، إنما برفقة الذين يريدون وجه الله .
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖوَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ صديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖوَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ أمر الله نبيه ﷺ بالمصابرة في جلوسه مع المخلصين إذ إنهم لا يذكرون الدنيا.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖوَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [أبو داود 4833، وحسنه الألباني].
عمل
[28] الزم كل تقي نقي: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾، وسِرْ في درب الهدى: ﴿وَلَاتُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾.
وقفة
[28] ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، هل تدبرنا لمن وجه هذا الخطاب؟ وكيف أن الذين طولب بصحبتهم أقل منه منزلة! بل وحذره من تركهم طلبًا لزينة الحياة الدنيا! إنه لدرس بليغ في بيان ضرورة مصاحبة الصالحين، والصبر على ذلك، وأن الدعوة إنما تقوم على يد من قويت صلتهم بربهم، ولو كان حظهم من الدنيا قليلًا!
وقفة
[28] ﴿يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ﴾ أول النهار وآخره، الحرص الدائم على الدعاء والأذكار سبب للإجابة والفرج.
وقفة
[28] ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ الآية تبين أن العبرة الحقيقية هي في استمرار العبادة واتصالها ليلًا ونهارًا.
وقفة
[28] ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾، ﴿يريدون وجه الله﴾ [الروم: 38]، لم تتشعب إرادتهم في كل وادٍ، هي نفوس صافية إرادتها واحدة.
وقفة
[28] ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ وهل هناك شيء يراد أعظم وأجل وأجمل وأهيب من وجهه؟!
وقفة
[28] ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ إذا تمكنت من تحقيق هذه الغاية الغالية مع موافقة الشرع فقد هانت بعدها كل النتائج مهما كانت مؤلمة.
وقفة
[28] رسالة: اللهُ هو الغاية، كُفَّ عن الميلِ إلى النَّاس ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وقفة
[28] ليكن فى ذهنك أنك إن اخترت السمو الأخلاقي لأجل ثناء الناس فسترسب عند أول امتحان جفاء، وإذا اخترته لله فسيكون حالك واحد فى الصفاء والجفاء ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وقفة
[28] ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ النظر (للمخلصين) استقرار وراحة للعيون.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ لا تترك من يرجو صحبتك، لا تتجاوز من يحبك، لا تنصرف عن قلوب أقبلت إليك.
وقفة
[28] حتَّى صُحبة الصَّالحين؛ تحتاج لصبر فـ: ﴿لَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ كل ذهب وفضة وأموال وثروات الحياة لا تساوي مصلحًا حافي القدمين أشعث الرأس معروق الجبين.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من تعبيد العين لله ألا تنظر بها إلا إلى الصالحين.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ نهي أن ننظر إلى الكافر نظر اهتمام وإعجاب، فكيف بمن ينشر ثقافة تشير إلى تفوق الكافر، وتخلف المسلم!
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فضيلة صحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وإن كانوا فقراء؛ فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحْصَى.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الصديق الصالح من زينة الحياة الدنيا.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الصديق الصالح من إذا صاحبته تعلقتَ بالآخرة.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ إن من الصالحين من رؤيته هي: زينة الحياة الدنيا.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ مجالسة بعض الصالحين زينة الحياة الدنيا.
وقفة
[28] ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فإن هذا ضار غير نافع، قاطع عن المصالح الدينية؛ فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة؛ فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويُقْبِل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾ ربما يكون اللسان ذاكرًا لكن القلب غافل! يا رب أحْيِ قلوبنا بذكرك ومعرفتك.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ إن جالست فجالس صالحًا، وإن شاورت فشاور عاقلًا، وإياك ومن سفه نفسه، ولم يقم لآخرته وزنًا أن ترخي له سمعًا.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ غفل عن الله؛ فأغفله الله عن ذكره.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾إذًا أَتــبـعُ مَـنْ؟ ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: 15].
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ إنه قلب نجس، يُغفل الله ذاك القلب عن ذكره إكرامًا لاسمه.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ كثرة الذكر مع حضور القلب سبب للبركة في الأعمار والأوقات.
وقفة
[28] الغفلة مضادة للعلم، منافية له، وقد ذم سبحانه أهلها، ونهى عن طاعتهم والقبول منهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ لا تكاد تجد مقلًا من ذكر الله إلا وهو متبع لهواه.
لمسة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ لم يقل: (لا تطع من أسكتنا لسانه)، بل قال: (مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ)، وما أكثر ذكرنا باللسان مع غفلة الجنان! وهذا لا شك أنه ينقص الثواب، وينقص الآثار المترتبة على الذكر مثل: صلاح القلب، والاتجاه إلى الله، والإنابة إليه، وغير ذلك.
وقفة
[28] الإكثار من ذكر الله يعين على سداد الرأي، وقليل الذكر قلَّما يصيب، وإن أصاب قلَّت بركة إصابته ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ علامات صاحب السوء: بعيد عن ذكر الله، متبع لهواه، مضيع لأوقاته بالسفاهة.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ من اتصف بشيء من تلك الصفات فله نصيب منها، وإن كان مسلمًا، فلنحسن اختيار من نصاحب، حتى لا يجرنا إلى شيء من تلك البواقع؛ لقوة تأثير الصاحب في صاحبه، والخليل في خليله.
عمل
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ إذا رأيت وقتك يمضي ولم تنتج شيئًا مفيدًا؛ فاحذر أن يكون قد أدركك هذا الذم.
تفاعل
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قل: «اللهم اجعل أوقاتنا عامرةً بذكرك وطاعتك، وبما يفيدنا ويفيد البشر من حولنا».
وقفة
[28] من آثار قلة الذكر: اتباع الهوى وانفراط حياته ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.
وقفة
[28] كثرة الذكر ينأى بك عن اتباع الهوى، وقليل الذكر تتخطفه الأهواء وينفرط أمره ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.
وقفة
[28] الهوى سُمُّ العقول، يُلوِّث الأفكار فتُهِلك أصحابها ومن تأثر بهم ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.
لمسة
[28] مما يدلل على أهمية حضور القلب في العبادات قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، لم يقل (أغفلنا لسانه)، بل قال: (أغفلنا قلبه)؛ لأن حضور القلب عند العبادة من أعظم أسباب الثبات على الدين والقبول عند الله.
عمل
[28] فتش في صداقاتك: الفاسق المصر على الفسق لا فائدة في صحبته؛ لأن من يخاف الله لا يصر على كبيرة، ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته، ولا يوثق بصداقته، بل يتغير بتغير الأغراض، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ دلت الآية على أن الذي ينبغي أن يُطاع ويكون إمامًا للناس من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه؛ فلهج بذكر الله، واتبع مراضيَ ربه؛ فقدمها على هواه؛ فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما مَنَّ الله به عليه، فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إمامًا.
وقفة
[28] تدبر قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ إن الجملة الأخيرة تدل على أن الأمر الفرط، أو الوضع السائب، أو المجتمع المحلول، يجيء ثمرة غفلة القلب، واتباع الهوى، سواء أكان ذلك في أحوال النفس أم في أخلاق الجماعة!
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ أي: انفرط عليه وصار مشتتًا، لا بركة فيه، وليعلم أن البعض قد يذكر الله؛ لكن يذكره بقلب غافل، لذا قد لا ينتفع.
اسقاط
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾من أعظم العقوبات أن تُعَاقَبَ على بعض المعاصي بأن يُجعل قلبُك غافلًا عن ذكر الله تعالى.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ ذكر الله وهوى النفس ضدان، إذا زاد أحدهما في القلب نقص الآخر.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قد يتشرف اللسان بذكر الخالق، لكن القلب لم يتشرف بعد.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ إذا أردت أن تقتدي بأحد فانظر: هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟
تفاعل
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ ادعُ الله الآن: «يا رب، أعذنا من غفلة القلب واتباع الهوى وانفراط الأمر» .
وقفة
[28] وقفة تدبرية حول قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قال: أغفلنا قلبه! ولم يقل: لسانه! لأن الغفلة حقيقة هي غفلة القلب فهي التي تورث العبد اتباع الهوى؛ وكم من ذاكر بلسانه متبع لهواه لم يردعه ذكره لله بلسانه عن اتباع هواه ؛ لأنه غافل القلب عن ذكر ربه.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ ذكر الله والهوى ضدان، كلما لهج اللسان بالذكر نفر الهوى من القلب.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ التنازل لعبيد الهوى مهانة لقيم الإسلام فلو استشعروها لارتقوا لها!
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ من تأمل الآية وجد ما يلي: فيها: طلب المشركين أن يخصهم النبي ﷺ بمجلس عن غيرهم وهذا طبقية. وفيها: إرادة النبي صلي الله علية وسلم فعل ذلك لمصلحة الدعوة, وهذا: من بشريته.وفيها: وفيها نهي الله عن ذلك وهذا: تربية ربانية.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ فيها علاج الهوي: كثرة ذكر الله واللهج به وتكراره وديمومته.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ صفات الأخيار الذين أمر النبي بالصبر معهم تتلخص بصفتين: كثرة العبادة والإخلاص.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الآية من مفاخر الفقراء حيث يؤمر النبي عليه السلام بأن يصبر نفسة معهم, فهم صحبة أطهار أبرار أصفياء أنقياء لا كبر عندهم ولا حسد, ولمجالستهم ومخالطتهم أثر على القلب وطهارة أعماله.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ أعظم علاج للغفلة: ذكر الله، لكنه ليس أي ذكر، إنما ذكر القلب؛ لأن الغفلة مصدرها القلب، وليس من الحكمة أن تعالج القنوات وتترك العين وأصل الداء.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ صُحبة الصالحين تحتاج إلى صبر، ولابد من عدم مفارقتهم ولو للحظة: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾، فالالتفات لغير الصالحين قد يودي بصلاحك.
وقفة
[28] ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قال أبو حامد الغزالي: «الفاسق الْمُصِرُّ على الفسق، فلا فائدة في صحبته؛ لأن من يخاف الله لا يصر على كبيرة، ومن لَا يخاف الله لا تُؤْمَنُ غائلتُه، ولا يوثَق بصداقته، بل يتغيَّر بتغيُّر الأغراض».
وقفة
[28] ﴿مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾ لم يقل: (لسانه)، فقد تجد إنسان دائم الذكر ولا تجد أثره في دينه وخلقه ومعاملاته، والسبب أن ذكره بـ(لسانه) لا بـ(قلبه).
وقفة
[28] الآية عددت أضرار الغفلة عن ذكر الله ﴿مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ فهي تورث: اتباع الهوي ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾, وضياع الأمر ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.
وقفة
[28] الجمع بين: ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾، وقوله: ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ لبيان أن إغفال الله لقلب الإنسان كان لاتباع الإنسان هواه حتي غفل عن الله؛ فأغفل الله قلبه.
عمل
[28] ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ جاهد أن لا يكون للهوى سلطان على نفسك، واكبح جماحه ما استطعت، فلن يفلح من أرخى عنان الهوى.
وقفة
[28] يستطيع الإنسان أن يحلل كل محرم إذا وُجد الهوى ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ فإن الهوى يفرط أحكام الدين كانفراط العقد مسألة تتلوها أُخرى.
وقفة
[28] ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ ما رأيت أبلغ من هذا الوصف لكثير من الذين ضاعوا في أودية الانحراف.

الإعراب :

  • ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ:
  • الواو عاطفة. اصبر: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: انت. نفسك: مفعول به منصوب بالفتحة. والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مَعَ الَّذِينَ:
  • ظرف يدل على المصاحبة متعلق باصبر منصوب على الظرفية وهو مضاف وقيل هي اسم لانها مفتوحة العين. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. والجملة الفعلية بعده: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ يَدْعُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى: مع المؤمنين الذين يعبدون.
  • ﴿ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ:
  • رب: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بالغداة: جار ومجرور متعلق بيدعون. والعشي: معطوفة بالواو على «الغداة» مجرورة مثلها. بمعنى: دائبين على الدعاء في كل وقت. لان «الغداة» ما بين اذان الصبح وشروق الشمس. و «العشي» جمع «عشية» ما بين الزوال الى الغروب.
  • ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ:
  • بمعنى: يتحرون طاعته سبحانه. وتعرب اعراب يَدْعُونَ رَبَّهُمْ» والهاء في «وجهه» ضمير متصل في محل جر بالاضافة والجملة في محل نصب حال.
  • ﴿ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تعد: بمعنى «تتجاوز» فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-.عيناك: فاعل مرفوع بالالف لانه مثنى وحذفت النون للاضافة. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة. عن: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بتعد. وقد عدي الفعل «تعد» بعن.
  • ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • الجملة في محل نصب حال. تريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.زينة: مفعول به منصوب بالفتحة. الحياة: مضاف اليه مجرور بالكسرة.الدنيا: صفة-نعت-للحياة مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تطع: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الياء لالتقاء الساكنين وللتخفيف والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. من: اسم موصول في محل نصب مفعول به
  • ﴿ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. اغفل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. قلبه:مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ:
  • جار ومجرور متعلق بأغفل. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الواو عاطفة. اتبع: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. هواه: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الالف للتعذر والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة بمعنى: ولا تطع من اتبع هواه
  • ﴿ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً:
  • الواو عاطفة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. امره: اسم «كان» مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. فرطا: اي «نبذا للحق وتجاوزا له» خبر «كان» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

الأنعام: 52﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ
الكهف: 28﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ

أسباب النزول :

  • حَدَّثَنا القاضِي أبُو بَكْرٍ أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ الحِيرِيُّ إمْلاءً في دارِ السُّنَّةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ في شُهُورِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وأرْبَعِمِائَةٍ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسى بْنِ عَبْدُويَهْ الحِيرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ البُوشَنْجِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مُسَرَّحٍ الحَرّانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَطاءٍ الخُراسانِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجُهَنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الجُهَنِيِّ، عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ قالَ: جاءَتِ المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهم إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، والأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ، وذَوُوهم، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّكَ لَوْ جَلَسْتَ في صَدْرِ المَجْلِسِ ونَحَّيْتَ عَنّا هَؤُلاءِ وأرْواحَ جِبابِهِمْ - يَعْنُونَ سَلْمانَ وأبا ذَرٍّ وفُقَراءَ المُسْلِمِينَ، وكانَتْ عَلَيْهِمْ جِبابُ الصُّوفِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرُها - جَلَسْنا إلَيْكَ وحادَثْناكَ وأخَذْنا عَنْكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واتْلُ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ولَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٧) واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ (٢٨)) . حَتّى بَلَغَ: ( إنّا أعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ نارًا أحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وإن يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وساءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ . يَتَهَدَّدُهم بِالنّارِ، فَقامَ النَّبِيُّ ﷺ يَلْتَمِسُهم، حَتّى إذا أصابَهم في مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قالَ: ”الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتّى أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ مِن أُمَّتِي، مَعَكُمُ المَحْيا ومَعَكُمُ المَماتَ“ .أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ الحارِثِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الشَّيْخِ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَحْيى الرّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ عُثْمانَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو مالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تُطِعْ مَن أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنا﴾ . قالَ: نَزَلَتْ في أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الجُمَحِيِّ؛ وذَلِكَ أنَّهُ دَعا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إلى أمْرٍ كَرِهَهُ مِن طَرْدِ الفُقَراءِ عَنْهُ، وتَقْرِيبِ صَنادِيدِ أهْلِ مَكَّةَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ولا تُطِعْ مَن أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنا﴾ يَعْنِي مَن خَتَمْنا عَلى قَلْبِهِ عَنِ التَّوْحِيدِ، ﴿واتَّبَعَ هَواهُ﴾ يَعْنِي الشِّرْكَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعدَ قصَّةِ أصحابِ الكهفِ؛ أمرَ اللهُ عز و جل نبيَّه صلى الله عليه وسلم بملازمةِ مجالسِ أصحابِه الفقراءِ، وعدمِ الاستجابةِ لمطالبِ الكفارِ بطردِهم، قال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولا تعد:
قرئ:
ولا تعد، من أعدى، وهى قراءة الأعمش.
أغفلنا:
وقرئ:
بفتح اللام، و «قلبه» بضم الباء، على إسناد الفعل إلى «القلب» ، وهى قراءة عمرو بن فائد، وموسى الأسوارى، وعمرو بن عبيد.

مدارسة الآية : [29] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن ..

التفسير :

[29] وقل لهؤلاء الغافلين:ما جئتكم به هو الحق من ربكم، فمن أراد منكم أن يصدق ويعمل به، فليفعل فهو خير له، ومن أراد أن يجحد فليفعل، فما ظَلَم إلا نفسه. إنا أعتدنا للكافرين ناراً شديدة أحاط بهم سورها، وإن يستغث هؤلاء الكفار في النار بطلب الماء مِن شدة العطش

أي:قل للناس يا محمد:هو الحق من ربكم أي:قد تبين الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بينه الله على لسان رسوله، فإذا بان واتضح، ولم يبق فيه شبهة.

{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أي:لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمن آمن فقد وفق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان، كما قال تعالى{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} وليس في قوله:{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الإذن في كلا الأمرين، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين. ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال:{ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} بالكفر والفسوق والعصيان{ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} أي:سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.

{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} أي:يطلبوا الشراب، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد.

{ يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} أي:كالرصاص المذاب، أو كعكر الزيت، من شدة حرارته.

{ يَشْوِي الْوُجُوهَ} أي:فكيف بالأمعاء والبطون، كما قال تعالى{ يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد}

{ بِئْسَ الشَّرَابُ} الذي يراد ليطفئ العطش، ويدفع بعض العذاب، فيكون زيادة في عذابهم، وشدة عقابهم.

{ وَسَاءَتْ} النار{ مُرْتَفَقًا} وهذا ذم لحالة النار، أنها ساءت المحل، الذي يرتفق به، فإنها ليست فيها ارتفاق، وإنما فيها العذاب العظيم الشاق، الذي لا يفتر عنهم ساعة، وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير، ونسيهم الرحيم في العذاب، كما نسوه.

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجهر بكلمة الحق في وجوه المستكبرين، فقال. وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ...

أى: وقل: أيها الرسول- لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، واتبعوا أهواءهم، وكان أمرهم فرطا، قل لهم: هذا الذي جئتكم به من قرآن هو الحق من ربكم وخالقكم..

فقوله: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ خبر لمبتدأ محذوف.

أو أن لفظ الْحَقُّ مبتدأ، والجار والمجرور خبره. أى: الحق الذي جئتكم به في هذا القرآن العظيم، كائن مبدؤه من ربكم، وليس من أحد سواه.

وليس المراد من قوله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ التخيير بين الإيمان والكفر، بل المراد به التهديد والتخويف، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً.. إلخ.

أى: قل لهم جئتكم من ربكم بالحق الذي يجب اتباعه، فمن شاء أن يؤمن به فليفعل فإن عاقبته الخير والثواب، ومن شاء أن يكفر به فليكفر فإن عاقبته الخسران والعقاب، كما بين- سبحانه- ذلك في قوله: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها.

والسرادق: كل ما أحاط بغيره، كالحائط أو السور الذي يحيط بالبناء، فيمنع من الوصول إلى ما بداخله.

أى: إنا هيأنا وأعددنا للكافرين بهذا الحق نارا مهولة عظيمة، أحاط بهم سياجها إحاطة تامة بحيث لا يستطيعون الخروج منه، وإنما هم محصورون بداخله. كما ينحصر الشيء بداخل ما يحدق به من كل جانب.

وقوله: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ، بِئْسَ الشَّرابُ، وَساءَتْ مُرْتَفَقاً بيان لما ينزل بهم من عذاب عند ما يطلبون الغوث مما هم فيه من كروب.

والمهل في اللغة: يطلق على ما أذيب من جواهر الأرض. كالحديد، والرصاص،والنحاس، ونحو ذلك كما يطلق- أيضا- على الماء الغليظ كدردي الزيت أى: ما تعكر منه. وقيل. هو نوع من القطران أو السم.

والمرتفق: المتكأ، من الارتفاق وهو الاتكاء على مرفق اليد.

أى: إن هؤلاء الكافرين، إن يطلبوا الغوث عما هم فيه من كرب وعطش، يغاثوا بماء كالمهل في شدة حرارته ونتنه وسواده، هذا الماء يَشْوِي الْوُجُوهَ أى: يحرقها.

بِئْسَ الشَّرابُ ذلك الماء الذي يغاثون به «وساءت» النار منزلا ينزلون به، ومتكأ يتكئون عليه.

فالآية الكريمة تصور ما ينزل بهؤلاء الظالمين من عذاب، تصويرا ترتجف من هوله الأبدان، ويدخل الرعب والفزع على النفوس.

قال بعضهم: فإن قيل، أى إغاثة لهم في ماء كالمهل مع أنه من أشد العذاب، وكيف قال- سبحانه-، يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ؟

فالجواب: إن هذا من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن ونظيره من كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب.

وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجيع

أى: لا تحية لهم إلا الضرب الوجيع، وإذا كان هؤلاء الظالمون لا يغاثون إلا بماء كالمهل، علم من ذلك أنهم لا إغاثة لهم مطلقا» .

والمخصوص بالذم في قوله: بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً محذوف، بئس الشراب ذلك الماء الذي يغاثون به، وساءت النار مكانا للارتفاق والاتكاء.

قول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا محمد للناس : هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال : ( إنا أعتدنا ) أي : أرصدنا ) للظالمين ) وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه ( نارا أحاط بهم سرادقها ) أي : سورها .

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لسرادق النار أربعة جدر ، كثافة كل جدار مسافة أربعين سنة " .

وأخرجه الترمذي في " صفة النار " وابن جرير في تفسيره ، من حديث دراج أبي السمح به

[ وقال ابن جريج : قال ابن عباس : ( أحاط بهم سرادقها ) قال : حائط من نار ]

وقال ابن جرير : حدثني الحسين بن نصر والعباس بن محمد قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الله بن أمية ، حدثني محمد بن حيي بن يعلى ، عن صفوان بن يعلى ، عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البحر هو جهنم " قال : فقيل له : [ كيف ذلك ؟ ] فتلا هذه الآية - أو : قرأ هذه الآية - : ( نارا أحاط بهم سرادقها ) ثم قال : " والله لا أدخلها أبدا أو : ما دمت حيا - ولا تصيبني منها قطرة " .

وقوله : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) قال ابن عباس : " المهل " : ماء غليظ مثل دردي الزيت .

وقال مجاهد : هو كالدم والقيح . وقال عكرمة : هو الشيء الذي انتهى حره : وقال آخرون : هو كل شيء أذيب .

وقال قتادة : أذاب ابن مسعود شيئا من الذهب في أخدود ، فلما انماع وأزبد قال : هذا أشبه شيء بالمهل .

وقال الضحاك : ماء جهنم أسود ، وهي سوداء وأهلها سود .

وهذه الأقوال ليس شيء منها ينفي الآخر ، فإن المهل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها ، فهو أسود منتن غليظ حار ؛ ولهذا قال : ( يشوي الوجوه ) أي : من حره ، إذا أراد الكافر أن يشربه وقربه من وجهه ، شواه حتى يسقط جلد وجهه فيه ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناده المتقدم في سرادق النار عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ماء كالمهل " . قال كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه " وهكذا رواه الترمذي في " صفة النار " من جامعه ، من حديث رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به ثم قال : لا نعرفه إلا من حديث " رشدين " ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه ، هكذا قال ، وقد رواه الإمام أحمد كما تقدم عن حسن الأشيب ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، والله أعلم .

وقال عبد الله بن المبارك ، وبقية بن الوليد ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الله بن بسر ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ويسقى من ماء صديد يتجرعه ) [ إبراهيم : 16 ، 17 ] قال : " يقرب إليه فيتكرهه ، فإذا قرب منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه ، يقول الله تعالى : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب ) .

وقال سعيد بن جبير : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم ، فلو أن مارا مر بهم يعرفهم ، لعرف جلود وجوههم فيها . ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون . فيغاثون بماء كالمهل ، وهو الذي قد انتهى حره ، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود .

ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشراب بهذه الصفات [ الذميمة ] القبيحة : ( بئس الشراب ) أي : بئس هذا الشراب كما قال في الآية الأخرى : ( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) [ محمد : 15 ] وقال تعالى : ( تسقى من عين آنية ) [ الغاشية : 5 ] أي حارة ، كما قال : ( وبين حميم آن ) [ الرحمن : 44 ]

( وساءت مرتفقا ) [ أي : وساءت النار ] منزلا ومقيلا ومجتمعا وموضعا للارتفاق كما قال في الآية الأخرى : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) [ الفرقان : 66 ]

القول في تأويل قوله تعالى : وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، واتبعوا أهواءهم، الحقّ أيها الناس من عند ربكم، وإليه التوفيق والحذلان، وبيده الهدى والضلال يهدي من يشاء منكم للرشاد، فيؤمن، ويضلّ من يشاء عن الهدى فيكفر، ليس إلي من ذلك شيء، ولست بطارد لهواكم من كان للحقّ متبعا، وبالله وبما أنـزل علي مؤمنا، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا، فإنكم إن كفرتم فقد أعد لكم ربكم على كفركم به نار أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم به وعملتم بطاعته، فإن لكم ما وصف الله لأهل طاعته.

وروي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.

وقد بين أن ذلك كذلك قوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ) والآيات بعدها.

كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن عمر بن حبيب، عن داود، عن مجاهد، في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ). قال: وعيد من الله، فليس بمعجزي.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقوله اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قال: هذا كله وعيد ليس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضا. وقوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ) يقول تعالى ذكره: إنا أعددنا، وهو من العُدّة. للظالمين: الذين كفروا بربهم.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) قال: للكافرين ، وقوله: ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) يقول: أحاط سرادق النار التي أعدّها الله للكافرين بربهم، وذلك فيما قيل: حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط، وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط، كما قال رؤبة:

يـا حَـكَمَ بـنَ المُنْـذِرِ بـنَ الجارُودْ

سُــرادِقُ الفَضْــلِ عَلَيْـكَ مَمْـدُودْ (2)

وكما قال سلامة بن جندل:

هُـوَ المُـولِجُ النُّعْمـانَ بيْتـا سَـماؤُهُ

صُـدُورُ الفُيُـولِ بعـدَ بَيْـتٍ مُسَرْدَقَ (3)

يعني: بيتا له سرادق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) قال: هي حائط من نار.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان ، عن معمر، عمن أخبره، قال ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) قال: دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي قال الله: ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ .

وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر يدلّ على أن معنى قوله ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) أحاط بهم ذلك في الدنيا، وأن ذلك السرادق هو البحر.

ذكر من قال ذلك: حدثني العباس بن محمد والحسين بن نصر، قالا ثنا أبو عاصم، عن عبد الله بن أمية، قال: ثني محمد ابن حيي بن يعلى، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى بن أمية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البَحْرُ هو جَهَنَّمُ" قال: فقيل له: كيف ذلك، فتلا هذه الآية، أو قرأ هذه الآية: ( نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) ثم قال: والله لا أدْخُلُها أبَدًا أوْ ما دُمْتُ حَيًّا، ولا تُصِيبُني مِنْها قَطْرَة.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا رشدين بن سعد، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " سُرَادِقُ النَّارِ أرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثْفُ كُلّ وَاحِد مِثْلُ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ سَنَةً".

حدثنا بشر، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن لِسُرَادِقِ النَّارِ أرْبَعَةَ جُدُرٍ، كِثْفُ كُلّ وَاحِد مِثْلُ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ سَنَةً".

حدثنا بشر، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ماءٌ كالمُهْلِ"، قال: " كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فإذا قَرَّبَهُ إليه سقط فَرْوَةُ وَجْهِه فِيهِ".

وقوله: ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) يقول تعالى ذكره: وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة في النار من شدّة ما بهم من العطش، فيطلبونَ الماء يُغاثوا بماء المُهْل.

واختلف أهل التأويل في المهل، فقال بعضهم: هو كلّ شيء أذيب وانماع.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قال: ذُكر لنا أن ابن مسعود أهديت إليه سِقاية من ذهب وفضة، فأمر بأخدود فخدّ في الأرض، ثم قذف فيه من جزل حطب، ثم قذف فيه تلك السقاية، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه: ادع من يحضُرنا من أهل الكوفة، فدعا رهطا، فلما دخلوا عليه قال: أترون هذا؟ قالوا : نعم، قال: ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من هذا الذهب والفضة، حين أزبد وانماع.

وقال آخرون: هو القيح والدم الأسود.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي بَزَة، عن مجاهد في قوله: ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: القيح والدم.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: القيح والدم الأسود، كعكر الزيت ، قال الحارث في حديثه: يعني درديه.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (كالمُهْلِ) قال: يقول: أسود كهيئة الزيت.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) ماء جهنم أسود، وهي سوداء، وشجرها أسود، وأهلها سود.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: هو ماء غليظ مثل دردي الزيت.

وقال آخرون: هو الشيء الذي قد انتهى حرّه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر وهارون بن عنترة، عن سعيد بن جبير، قال: المهل: هو الذي قد انتهى حرة.

وهذه الأقوال وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها، فمتقاربات المعنى، وذلك أن كل ما أذيب من رصاص أو ذهب أو فضة فقد انتهى حرّه، وأن ما أوقدت عليه من ذلك النار حتى صار كدردي الزيت، فقد انتهى أيضا حرّه.

وقد: حُدثت عن معمر بن المثنى، أنه قال: سمعت المنتجع بن نبهان يقول: والله لفلان أبغض إليّ من الطلياء (4) والمهل، قال: فقلنا له: وما هما؟ فقال: الجرباء، والملة التي تنحدر عن جوانب الخبزة إذا ملت في النار من النار، كأنها سهلة (5) حمراء مدققة، فهي أحمره، فالمهل إذا هو كلّ مائع قد أوقد عليه حتى بلغ غاية حره، أو لم يكن مائعا، فانماع بالوقود عليه، وبلغ أقصى الغاية في شدّة الحرّ.

وقوله: ( يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ ) يقول جلّ ثناؤه: يشوي ذلك الماء الذي يغاثون به وجوههم.

كما حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا حيوة بن شريح، قال: ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بُسْر، هكذا قال ابن خلف عن أبي أمامة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله ( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ قال: يقرب إليه فيتكرّهه، فإذا قرب منه، شوى وجهه، ووقعت فَرْوة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه ، يقول الله: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب).

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني إبراهيم بن إسحاق الطالَقاني ويعمر بن بشر، قالا ثنا ابن المبارك، عن صفوان، عن عبد الله بن بُسْر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر وهارون بن عنترة، عن سعيد بن جبير، قال هارون: إذا جاع أهل النار ، وقال جعفر: إذا جاء أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها، فاختلست جلود وجوههم، فلو أن مارا مار بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصبّ عليهم العطش، فيستغيثون، فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود.

وقوله: (بِئْسَ الشَّرَابُ) يقول تعالى ذكره: بئس الشراب، هذا الماء الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم الذي صفته ما وصف في هذه الآية.

وقوله: (وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) يقول تعالى ذكره: وساءت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء الظالمين مرتفقا ، والمرتفق في كلام العرب: المتكأ، يقال منه: ارتفقت إذا اتكأت، كما قال الشاعر:

قــالَتْ لَــهُ وارْتَفَقَــتْ ألا فَتـى

يَسُــوقُ بـالقَوْمِ غَـزَالاتِ الضُّحَـى (6)

أراد: واتكأت على مرفقها ، وقد ارتفق الرجل: إذا بات على مرفقه لا يأتيه نوم، وهو مرتفق، كما قال أبو ذؤيب الهذلي :

نـامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ اللَّيْـلَ مُرْتَفِقًــا

كَأنَّ عَيْني فيها الصَّــابُ مَذْبُــوحُ (7)

وأما من الرفق فإنه يقال: قد ارتفقت بك مرتفقا، وكان مجاهد يتأول قوله: ( وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) يعني المجتمع.

* ذكر الرواية بذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُرْتَفَقا) : أي مجتمعا.

حدثني يعقوب، قال: ثنا معتمر، عن ليث، عن مجاهد (وساءت مُرْتَفَقا) قال: مجتمعا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله ، ولست أعرف الارتفاق بمعنى الاجتماع في كلام العرب، وإنما الارتفاق : افتعال، إما من المرفق، وإما من الرفق.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

(2) البيتان من أرجوزة قصيرة سبعة أبيات لرؤبة في ( ديوانه طبع ليبسج سنة 1903 ضمن الزوائد الملحقة بالديوان ، وهما الأول والخامس ، ص 172 ) . والبيتان من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 399) إلا أن رواية البيت الثاني فيه :

* أنـت الجـواد بن الجود المحمود *

وبعده البيت الثاني . قال : "أحاط بهم سرادقها " :كسرادق الفسطاط ، وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط ؛ قال رؤبة * يـا حـكم بن المنذر بن الجارود *

وفي ( اللسان : سردق ) : السرادق : ما أحاط بالبناء ، والجمع سرادقات . قال سيبويه : جمعوه بالتاء وإن كان مذكرا ، حين لم يكسر . وفي التنزيل " أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " . في صفة النار أعاذنا الله منها . قال الزجاج : صار عليهم سرادق من العقاب . والسرادق ما أحاط بالشيء ، نحو الشقة في المضرب ( الخيمة ) أو الحائط المشتمل على الشيء.

(3) البيت في ديوان سلامة بن جندل السعدي التميمي ( طبعة بيروت سنة 1910 ص 19) من قصيدة عدة أبياتها ثلاثون بيتا . قال أبو عمرو : كان كسرى حبس النعمان في بيت فيه ثلاثة فيول ، والمسردق : ذو السرادق ، أو الذي عليه سرادق . وقال أبو عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 399 ) بعد أن أورد البيت : أي له سرادق . اه. وفي ( اللسان: سردق ) وقد سردق البيت . قال سلامة بن جندل : ( وأورد البيت ) . ثم قال الجوهري : السرادق : واحد السرادقات التي تمد فوق صحن الدار . وكل بيت من كرسف ( قطن ) فهو سرادق . قال رؤبة :

يـا حـكم بـن المنـذر بـن الجارود

أنـت الجـواد ابـن الجـواد المحمود

ســرادق المجــد عليــك ممـدود

قال : وقيل : الرجز للكذاب الحرمازي . ونسب الجوهري بيت سلامة بن جندل إلى الأعشى ، وقال في سببه : يذكر ابن وبر وقتله النعمان بن المنذر . عن (لسان العرب : سردق ) .

(4) يريد بالطلياء الناقة الجرباء المطلية بالقطران أو الخضخاض . ويريد بالمهل : الملة إذا حميت جدا ورأيتها تموج.

(5) السهلة ، بالكسر ، تراب كالرمل أحمر يجيء به الماء ( اللسان)

(6) هذان بيتان من مشطور الرجز ، ذكرهما اللسان في : غزل . ورواية الأول منهما مختلفة عن رواية المؤلف ، وهي :

* دعـت سليمى دعوة هل من فتى *

وفي رواية أخرى : * ودعـوة القـوم ألا هـل من فتى *

وغزالة الضحى وغزالاته : بعد ما تنبسط الشمس وتضحى . ولا شاهد في البيت الأول على هاتين الروايتين .

(7) البيت في ديوان أبي ذؤيب الهذلي طبع دار الكتب المصرية ، ( القسم الأول من ديوان الهذليين ص 104 ) وهو مطلع قصيدة له . وفيه " مشتجرا " في موضع " مرتفقا " ومشتجرا أي يشجر رأسه بيده ، يريد أنه وضع رأسه على يديه ، كما يشجر الثوب بالعود . وقال الأصمعي : الصاب : شجرة مرة لها لبن يمض العين إذا أصابها . ومذبوح : مشقوق . والذبح : الشق . ومرتفقا : واضعا مرفقه تحت رأسه . والبيت : من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 400 ) وأوله : " إني أرقت فبت . . . " . وقال : " ساءت مرتفقا " : أي متكئا . قال أبو ذؤيب . . . البيت .

التدبر :

وقفة
[29] ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الله يؤتى الحق من يشاء وإن كان ضعيفًا، ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيًّا، ولست بطارد المؤمنين لهواكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا.
وقفة
[29] ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ قَدَّمَ الإيمان على الكفر؛ لأن إيمانهم مرغوب فيه.
وقفة
[29] كلما اتسعت الحرية زادت المسؤولية: ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها﴾.
وقفة
[29] ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ليس المقصود هو إباحة الكفر، ولكن المقصود بهذه العبارة هو التسوية والتهديد، التسوية: أن الله غني عنكم وعن إيمانكم وكفركم، التهديد: التهديد لمن يكفر، فمن أراد الكفر فليكفر، وسيلقى جزاءه.
وقفة
[29] ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ افعل ما شئت، لك حرية الاختيار، فإن كان عقلك راشدًا فأنت السعيد، وإن كان به عوج فتحمل نتيجة اختيارك.
وقفة
[29] ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ هذا الكلام وإن كان خارجًا مخرج التخيير، إلا أنه غاية التهديد والوعيد، وهي تدل على أن الله لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يضره كفر الكافرين، بل نفع الإيمان وضرر الكفر يعود على العباد فحسب.
وقفة
[29] ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ عندما ضيقوا على المؤمنين في الدنيا وأحاطوهم بسرادق المؤامرات، ضيق الله عليهم في الآخرة وأحاطهم بسرادق جهنم.
تفاعل
[29] ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[29] ﴿وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه﴾ ذكر الله ﷻ أن هذا الماء يشوي وجوههم قبل أن يمسها، فكيف إذا دخل أجوافهم بعد شربه؟!
وقفة
[29] ﴿وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه﴾ الاستغاثة: طلب النجاة، ولكن الأسلوب على طريقة التهكم بهم، فهم يغاثون، لكنهم يغاثون بالعذاب.
وقفة
[29] ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ غياث الجحيم يشوي الوجه وهو الموضع الأهم من جسد الإنسان، فكيف بعذاب الجحيم.
وقفة
[29] ﴿بماء كالمهل يشوي الوجوه﴾ إذا قربوه إلى وجوههم ليشربوا شواها، فما ظنك إذا دخل إلى أجوافهم؟! نعوذ بالله.

الإعراب :

  • ﴿ وَقُلِ:
  • الواو عاطفة. قل: فعل امر مبني على السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت اي وقل لهم. والجملة بعده: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ:
  • الحق: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الحق. من ربكم:جار ومجرور للتعظيم. الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور بمعنى: جاء الحق و مِنْ رَبِّكُمْ» متعلق بحال محذوفة من الحق.
  • ﴿ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ:
  • الفاء استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. شاء: فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم بمن لانه فعل الشرط‍ والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الفاء: واقعة في جواب الشرط‍.اللام: لام الامر. يؤمن: فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ومجموع جملتي الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «من» وجملة «فليؤمن» جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ:
  • معطوفة بالواو على «من شاء فليؤمن» وتعرب اعرابها.ومعنى القول الكريم: جاء الحق وانزاحت العلل فلم يبق الا اختياركم لانفسكم ما شئتم من النجدين. وفي اللام معنى التهديد.
  • ﴿ إِنّا أَعْتَدْنا:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» المدغمة بإن:ضمير متصل في محل نصب اسمها. اعتدنا: اي اعددنا او هيأنا. فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «اعتدنا وما بعدها» في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ لِلظّالِمِينَ ناراً:
  • جار ومجرور متعلق باعتدنا وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. نارا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَحاطَ‍ بِهِمْ سُرادِقُها:
  • الجملة في محل نصب صفة-نعت-لنارا. احاط‍:فعل ماض مبني على الفتح. الباء حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بأحاط‍.سرادقها: اي فسطاطها وهو الخيمة: فاعل مرفوع بالضمة. و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا:
  • الواو استئنافية. إن: حرف شرط‍ جازم. يستغيثوا:فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بمعنى: يستغيثوا من العطش.
  • ﴿ يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ:
  • لجملة جواب شرط‍ جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. يغاثوا: فعل مضارع جواب الشرط‍ يعرب اعراب يَسْتَغِيثُوا».بماء:جار ومجرور متعلق بيغاثوا. الكاف: اسم تشبيه بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل جر صفة-نعت-لماء. المهل: مضاف اليه مجرور بالكسرة.وفي الجملة تهكم بالظالمين. وكالمهل بمعنى: كذوب الاجساد.
  • ﴿ يَشْوِي الْوُجُوهَ:
  • الجملة في محل جر صفة ثانية لماء. يشوي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الوجوه: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ بِئْسَ الشَّرابُ:
  • بئس: فعل ماض جامد لانشاء الذم مبني على الفتح.الشراب: فاعل مرفوع بالضمة. والمخصوص بالذم محذوف بتقدير: بئس الشراب ذلك.
  • ﴿ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً:
  • الواو عاطفة. ساءت: فعل ماض لانشاء الذم ايضا لان معناه «بئست» والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. اي النار او جهنم. مرتفقا: تمييز منصوب بالفتحة. بمعنى «متكأ» من نصب المرفق تحت الخد. وهو لمشاكلة قوله- وحسنت مرتفقا-الواردة في الآية الكريمة الحادية والثلاثين. '

المتشابهات :

الكهف: 29﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا
الكهف: 31﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا

أسباب النزول :

  • حَدَّثَنا القاضِي أبُو بَكْرٍ أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ الحِيرِيُّ إمْلاءً في دارِ السُّنَّةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ في شُهُورِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وأرْبَعِمِائَةٍ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسى بْنِ عَبْدُويَهْ الحِيرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ البُوشَنْجِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مُسَرَّحٍ الحَرّانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَطاءٍ الخُراسانِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجُهَنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الجُهَنِيِّ، عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ قالَ: جاءَتِ المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهم إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، والأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ، وذَوُوهم، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّكَ لَوْ جَلَسْتَ في صَدْرِ المَجْلِسِ ونَحَّيْتَ عَنّا هَؤُلاءِ وأرْواحَ جِبابِهِمْ - يَعْنُونَ سَلْمانَ وأبا ذَرٍّ وفُقَراءَ المُسْلِمِينَ، وكانَتْ عَلَيْهِمْ جِبابُ الصُّوفِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرُها - جَلَسْنا إلَيْكَ وحادَثْناكَ وأخَذْنا عَنْكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واتْلُ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ولَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٧) واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ (٢٨)) . حَتّى بَلَغَ: ( إنّا أعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ نارًا أحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وإن يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وساءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ . يَتَهَدَّدُهم بِالنّارِ، فَقامَ النَّبِيُّ ﷺ يَلْتَمِسُهم، حَتّى إذا أصابَهم في مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قالَ: ”الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتّى أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ مِن أُمَّتِي، مَعَكُمُ المَحْيا ومَعَكُمُ المَماتَ“ .أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ الحارِثِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الشَّيْخِ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَحْيى الرّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ عُثْمانَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو مالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تُطِعْ مَن أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنا﴾ . قالَ: نَزَلَتْ في أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الجُمَحِيِّ؛ وذَلِكَ أنَّهُ دَعا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إلى أمْرٍ كَرِهَهُ مِن طَرْدِ الفُقَراءِ عَنْهُ، وتَقْرِيبِ صَنادِيدِ أهْلِ مَكَّةَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ولا تُطِعْ مَن أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنا﴾ يَعْنِي مَن خَتَمْنا عَلى قَلْبِهِ عَنِ التَّوْحِيدِ، ﴿واتَّبَعَ هَواهُ﴾ يَعْنِي الشِّرْكَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     ولَمَّا رغَّبَه في أوليائه؛ زهَّدَه هنا في أعدائه، وبَيَّنَ ما يقوله لهم ولغيرهم على سبيل التهديد والوعيد، قال تعالى:
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وقل الحق:
وقرئ:
1- بفتح اللام، و «الحق» بالنصب، وهى قراءة أبى السمال قعنب.

مدارسة الآية : [30] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ..

التفسير :

[30] إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحات لهم أعظم المثوبة، إنا لا نضيع أجورهم، ولا ننقصها على ما أحسنوه من العمل.

ثم ذكر الفريق الثاني فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي:جمعوا بين الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات{ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} وإحسان العمل:أن يريد العبد العمل لوجه الله، متبعا في ذلك شرع الله. فهذا العمل لا يضيعه الله، ولا شيئا منه، بل يحفظه للعاملين، ويوفيهم من الأجر، بحسب عملهم وفضله وإحسانه

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حسن عاقبة المؤمنين فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.

لما ذكر تعالى حال الأشقياء ، ثنى بذكر السعداء ، الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به ، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصالحة ، فلهم ) جنات عدن ) والعدن : الإقامة .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30)

يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلى أمره ونهيه، إنا لا نضيع ثواب من أحسن عملا فأطاع الله، واتبع أمره ونهيه، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.

فإن قال قائل: وأين خَبَر " إن " الأولى؟ قيل: جائز أن يكون خبرها قوله: ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ) فيكون معنى الكلام:

إنا لا نضيع أجر من عمل صالحا، فترك الكلام الأوّل، واعتمد على الثاني بنية التكرير، كما قيل : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ بمعنى: عن قتال فيه على التكرير، وكما قال الشاعر:

إنَّ الخَلِيفَـــةَ إنَّ اللـــهَ سَــرْبَلَهُ

سِـرْبالَ مُلْـك بِـهِ تُرْجَـى الخَـواتِيمُ (8)

ويروى: تُرْخَى ، وجائز أن يكون: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) جزاء ، فيكون معنى الكلام: إن من عمل صالحا فإنا لا نضيع أجره، فتضمر الفاء في قوله " إنا " ، وجائز أن يكون خبرها: أولئك لهم جنات عدن، فيكون معنى الكلام: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم جنات عدن.

------------------------

الهوامش:

(8) في ( اللسان : سربل ) السربال : القميص والدرع . وفي حديث عثمان : " لا أخلع سربالا سربلنيه الله " كنى به عن الخلافة . واستشهد به المؤلف على أن التكرار في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ ..... الآية ، له نظير في قول الشاعر : " إن الخليفة إن الله سربله . . . " البيت . وقد بين وجهي الإعراب في المكرر . والبيت من شواهد الفراء في ( معاني القرآن : الورقة 185 من مصورة الجامعة ) قال : خبر الذين آمنوا في قوله : إنا لا نضيع وهو مثل قول الشاعر : إن الخليفة . . . البيت ، فإنه في المعنى : إنا لا نضيع أجر من عمل صالحا . فترك الكلام الأول ، واعتمد على الثاني ، بنية التكرير . كما قال : " يسئلونك عن الشهر الحرام " ، ثم قال : قتال فيه " يريد : عن قتال فيه ، بالتكرير ويكون أن تجعل " إن الذين آمنوا وعملوا " في مذهب جزاء ، كقولك : إن من عمل صالحا فإنا لا نضيع أجره ، فتضمر الفاء في قوله " فإنا " ، وإلقاؤها جائز ، وهو أحب الوجوه إلي .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ تحسين الأعمال: من حَسَّنَ عَمَلَهُ ضَمِنَ أجرَهُ, والمؤمن متقن لعمله.
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ قاعدتا الثواب وأساس النجاة: الإيمان مع العمل الصالح؛ لأن الله رتب عليهما الثواب في الدنيا والآخرة.
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ الذي يعمل للناس قد يناله بعض الحيف، والذي يعمل لرب الناس فإن عمله لايضيع أبدًا، فاجعل أعمالك كلها لله.
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ حين تبذل كل جهدك وكل طاقاتك في مرضاة ربك، فاعلم أن الله لن يضيع أجرك وأثرك في الخير.
عمل
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ لا تخشَ على آهة تأوهت بها لله أن تضيع في بحر يوم الحساب الصاخب المضطرب، ستجدها عند الله تنتظرك.
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ رُبَّ تسبيحة من إنسان أفضل من ملء الأرض من عمل غيره!
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ كم في هذه الآية من أنس لمجتهد وتسلية لمتعب وبعثًا لهمة غافل!
عمل
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ لا تقل أبدًا: «ما شكروني، أضاعوا جهدي، أنا أعمل وحدي، أحسن إليهم ويسيئون إلي، لا أحد يقدرني».
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ المعروف يبقى، والوفاء لا يضيع، وصنائع الخير ترجع لأصحابها وإن طال الزمن، وعند الله لا يضيع مثقال ذرة.
عمل
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ ﻻ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻀﻴﻊ ﻋﻨﺪﻩ ﺷﻲﺀ؛ فأحسن العمل.
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ طيبة نفسك، إحسانك، وكل خير فعلته؛ لن يذهب هباءًا منثورًا، فالله لا ينسى لمحسن معروفًا.
وقفة
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ هذه قاعدة عامة: الله لا يضيع أجر من أحسن، وهي تصلح أن تكون جارية على المؤمن والكافر؛ لذلك لم يقل: (إنا لا نضيع أجر المؤمنين)؛ لأن الكافر قد يحسن العمل، فلا يبخسه الله تعالى حقه، بل يوفيه حظه من الجزاء والثناء والعطاء في الدنيا.
عمل
[30] ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ إذا أردت ألا تندم على شيء فعلته فافعل كل شيء لله.
وقفة
[30] تحسين اﻷعمال: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾، من حسن عمله ضمن أجره.
وقفة
[30] يا مَن عملتم لأجل ربكم، فكان الثناء والتصفيق والهدايا لغيركم لا تحزنوا فقد قال ربكم: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾‏.
وقفة
[30] كان الذي يتوقعه الإنسان أن يقول تعالى: (إنا لا نضيع أجرهم)، لكنه تعالى قال: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾، لبيان العلة في ثواب هؤلاء، وهو أنهم أحسنوا العمل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ولا يخفى ما في الآية الكريمة من الحث على إحسان العمل.
وقفة
[30] الله جل في علاه يقول: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾، القائل ملك الملوك الغني الحميد، فإذا أحسنت العمل فلا تنتظر ما يقوله الناس عن عملك.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «ان».آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «آمنوا» صلة الموصول لا محل لها. وعملوا: معطوفة بالواو على «آمنوا»وتعرب اعرابها.الصالحات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لانه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ إِنّا لا نُضِيعُ:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» المدغمة في محل نصب اسم «ان».لا: نافية لا عمل لها. نضيع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. وجملة لا نُضِيعُ وما بعدها» في محل رفع خبر «ان» و «ان مع اسمها وخبرها» جملة اعتراضية لا محل لها.
  • ﴿ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً:
  • اجر: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها. احسن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عملا: تمييز منصوب بالفتحة. وخبر «ان» الاولى الجملة الاسمية التالية في الآية الكريمة أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ». '

المتشابهات :

البقرة: 277﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
يونس: 9﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ
هود: 23﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
الكهف: 30﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
الكهف: 107﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا
مريم: 96﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا
لقمان: 8﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ
فصلت: 8﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
البروج: 11﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
البينة: 7﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعدَ ذكرِ جزاءِ الكافرينَ، ذكرَ هنا جزاءَ المؤمنينَ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لا نضيع:
قرئ:
1- بضم النون وكسر الضاد، من «أضاع» ، وهى قراءة الجمهور.
2- بضم النون والتشديد، من «ضيع» ، عداه بالتضعيف، وهى قراءة عيسى الثقفي.

مدارسة الآية : [31] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي ..

التفسير :

[31] أولئك الذين آمنوا لهم جنات يقيمون فيها دائماً، تجري من تحت غرفهم ومنازلهم الأنهار العذبة، يُزَيَّنون فيها بأساور الذهب، ويَلْبَسون ثياباً ذات لون أخضر نسجت من رقيق الحرير وغليظه، يتكئون فيها على الأسِرَّة المزدانة بالستائر الجميلة، نِعْمَ الثواب ثواب

أي:أولئك الموصوفون بالإيمان والعمل الصالح، لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها، فأجنت من فيها، وكثرت أنهارها، فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة، والمنازل الرفيعة، وحليتهم فيها الذهب، ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس، وهو الغليظ من الديباج، والإستبرق، وهو ما رق منه. متكئين فيها على الأرائك، وهي السرر المزينة، المجملة بالثياب الفاخرة فإنها لا تسمى أريكة حتى تكون كذلك، وفي اتكائهم على الأرائك، ما يدل على كمال الراحة، وزوال النصب والتعب، وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون، وتمام ذلك الخلود الدائم والإقامة الأبدية، فهذه الدار الجليلة{ نِعْمَ الثَّوَابُ} للعاملين{ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} يرتفقون بها، ويتمتعون بما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، من الحبرة والسرور، والفرح الدائم، واللذات المتواترة، والنعم المتوافرة، وأي مرتفق أحسن من دار، أدنى أهلها، يسير في ملكه ونعيمه وقصوره وبساتينه ألفي سنة، ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم، قد أعطى جميع أمانيه ومطالبه، وزيد من المطالب، ما قصرت عنه الأماني، ومع ذلك، فنعيمهم على الدوام متزايد في أوصافه وحسنه، فنسأل الله الكريم، أن لا يحرمنا خير ما عنده من الإحسان، بشر ما عندنا من التقصير والعصيان.

ودلت الآية الكريمة وما أشبهها، على أن الحلية، عامة للذكور والإناث، كما ورد في الأحاديث الصحيحة لأنه أطلقها في قوله{ يُحَلَّوْنَ} وكذلك الحرير ونحوه.

ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ألوان النعيم فقال:

أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ.

ولفظ «عدن» بمعنى إقامة لا رحيل بعدها ولا تحول. وأصله من عدن فلان بالمكان. إذ أقام به واستقر فيه.

أى: أولئك الذين عمروا دنياهم بالإيمان والعمل الصالح لهم جنات يقيمون فيها إقامة دائمة، تجرى من تحت مساكنهم الأنهار.

يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ والأساور: جمع سوار. وهو نوع من الحلي يلبس بزند اليد.

أى: يلبسون في تلك الجنات أساور من ذهب على سبيل التزين والتكريم.

ولا مانع من أن يضاف إلى هذه الأساور الذهبية، أساور أخرى من فضة، وثالثة من لؤلؤ كما في قوله- تعالى-: وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ .

وقوله- سبحانه-: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً...

وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» .

وقوله وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ معطوف على ما قبله.

والسندس: ما رق من الحرير واحده سندسة.

والإستبرق: ما غلظ منه وثخن، واحده إستبرقة.

أى: يتزينون في الجنات بأساور من ذهب، ويلبسون فيها ثيابا خضرا من رقيق الحرير ومن غليظه.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً.

والأرائك: جمع أريكة. وهو كل ما يتكأ عليه من سرير أو فراش.

أى: متكئين في الجنات على الأرائك شأن المتنعمين المترفهين «نعم الثواب» ذلك الذي وعدهم الله- تعالى- به وهو الجنة «وحسنت» تلك الأرائك في الجنات «مرتفقا» .

أى: متكأ ومقرا ومجلسا ومسكنا.

وبذلك نرى الآية الكريمة قد اشتملت على ألوان متعددة من التكريم والثواب لأولئك المؤمنين الذين عمروا دنياهم بالعمل الصالح.

فقد بشرهم- سبحانه- بجنات عدن، ثم بشرهم ثانيا بأن الأنهار تجرى من تحتهم، ثم بشرهم ثالثا بأنهم يحلون فيها من أساور من ذهب، ثم بشرهم رابعا بأنهم يلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، ثم بشرهم خامسا، بأنهم يتكئون في تلك الجنات على الأرائك.

وفي هذه البشارات ما فيها من الحض على المسارعة إلى العمل الصالح، الذي يرفع درجات المؤمن إلى أعلى عليين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، نسأل الله- تعالى- أن يرزقنا هذا الفضل، فهو أكرم مسئول، وأعظم مأمول.

ثم ساقت السورة الكريمة مثلا للنفس الإنسانية المغرورة المتفاخرة بزينة الحياة الدنيا، الجاحدة لنعم الله ... وللنفس الإنسانية المتواضعة، المعتزة بعقيدتها السليمة، الشاكرة لربها ... لكي يكون في هذا المثل عبرة وعظة لمن كان له قلب، فقال- تعالى-:

( تجري من تحتهم الأنهار ) أي : من تحت غرفهم ومنازلهم ، قال [ لهم ] فرعون : ( وهذه الأنهار تجري من تحتي ) [ الزخرف : 51 ] .

( يحلون ) أي : من الحلية ( فيها من أساور من ذهب ) وقال في المكان الآخر : ( ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ) [ الحج : 23 ] وفصله هاهنا فقال : ( ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ) فالسندس : ثياب رفاع رفاق كالقمصان وما جرى مجراها ، وأما الإستبرق فغليظ الديباج وفيه بريق .

وقوله : ( متكئين فيها على الأرائك ) الاتكاء قيل : الاضطجاع وقيل التربع في الجلوس . وهو أشبه بالمراد هاهنا ومنه الحديث [ في ] الصحيح : " أما أنا فلا آكل متكئا " فيه القولان .

والأرائك : جمع أريكة ، وهي السرير تحت الحجلة ، والحجلة كما يعرفه الناس في زماننا هذا بالباشخاناه ، والله أعلم .

قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( على الأرائك ) قال : هي الحجال . قال معمر : وقال غيره : السرر في الحجال

وقوله : ( نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) [ أي : نعمت الجنة ثوابا على أعمالهم ( وحسنت مرتفقا ) أي : حسنت منزلا ومقيلا ومقاما ، كما قال في النار : ( بئس الشراب وساءت مرتفقا ) [ الكهف : 29 ] ، وهكذا قابل بينهما في سورة الفرقان في قوله : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) [ الفرقان : 66 ] ثم ذكر صفات المؤمنين فقال : ( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ) [ الفرقان : 76 ، 75 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)

يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتُ عدن، يعني بساتين إقامة في الآخرة ، ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ ) يقول: تجري من دونهم ومن بين أيديهم الأنهار ،

وقال جلّ ثناؤه: من تحتهم ، ومعناه: من دونهم وبين أيديهم، ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ) يقول: يلبسون فيها من الحلي أساور من ذهب، والأساور: جمع إسوار.

وقوله: ( وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ )

والسندس: جمع واحدها سندسة، وهي ما رقّ من الديباج ، والإستبرق: ما غلظ منه وثخُن ، وقيل: إن الإستبرق: هو الحرير ، ومنه قول المُرقش:

تَــرَهُنَّ يَلْبَسْــنَ المَشــاعِرَ مَـرَّةٌ

وإسْــتَبْرَقَ الدّيبـاجِ طَـوْرًا لِباسُـها (9)

يعني: وغليظ الديباج.

وقوله: ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ ) يقول: متكئين في جنات عدن على الأرائك، وهي السرر في الحِجال، واحدتها: أريكة ، ومنه قول الشاعر:

خُـدُودا جَـفَتْ فـي السَّيْرِ حتى كأنَّما

يُبًاشــرن بــالمَعْزاءِ مَسّ الأرَائـك (10)

ومنه قول الأعشي:

بيـنَ الّـرَواق وجـانِبِ مِـن سِـتْرها

مِنْهــا وبيــن أرِيكَــةِ الأنْضَـادِ (11)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( عَلَى الأرَائِكِ ) قال: هي الحجال. قال معمر، وقال غيره: السرر في الحجال.

وقوله: ( نِعْمَ الثَّوَابُ ) يقول: نعم الثواب جنات عدن، وما وصف جلّ ثناؤه أنه جعل لهؤلاء الذين آمنوا وعلموا الصالحات ( وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) يقول: وحسنت هذه الأرائك في هذه الجنان التي وصف تعالى ذكره في هذه الآية متكأ.وقال جلّ ثناؤه: ( وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) فأنث الفعل بمعنى: وحسنت هذه الأرائك مرتَفَقا، ولو ذكر لتذكير المرتفق كان صوابا، لأن نعم وبئس إنما تدخلهما العرب في الكلام لتدلا على المدح والذم لا للفعل، فلذلك تذكرهما مع المؤنث، وتوحِّدهما مع الاثنين والجماعة.

------------------------

الهوامش:

(9) البيت للمرقش . المشاعر : جمع مشعر ، وهو الشعار الذي يلي جسد الإنسان من الثياب ، دون ما سواه . وفي الحديث ذكر الأنصار : هم الشعار دون الدثار ، يصفهم بالمودة والقرب . وقد فسر المؤلف الإستبرق والديباج . والبيت شاهد على معنى الإستبراق .

(10) البيت لذي الرمة ( ديوانه طبع كيمبردج سنة 1919 ص 422 ) وقبله قوله :

إذا وَقَعُـوا وَهْنـا كَسَـوْا حَيْثُ مَوَّتَتْ

مِـنَ الجَـهْدِ أنْفـاسُ الرّياحِ الحَوَاشِكِ

وقوله خدودا : مفعول كسوا في البيت قبله . والمعزاء الأرض الصلبة ذات الحجارة مثل الفرش على الأرائك ، هي الأسرة ، الواحد سرير . أي صيروا المكان الذي ناموا فيه كسوة للخدود . وفي ( اللسان . أرك ) قال المفسرون : الأرائك : السرر في الحجال . وقال الزجاج : الأرائك الفرش في الحجال ، وقيل هي الأسرة ، وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال ، أو في غير الحجال . وقيل : الأريكة ، سرير منجد مزين في قبة أو بيت ، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة .

(11) البيت لم أجده في ديوان الأعشى ميمون ، ولا سائر أشعار العشى الملحقة به ، إنما وجدت بيتين اثنين من وزنه وقافيته ، ص 245 طبعة الدكتور محمد حسين بالقاهرة . ولم أجد غيرها . والرواق ، بضم الراء المشددة وكسرها : الخيمة . والبيت شاهد كالذي قبله ، على أن معنى الأرائك : السرر في الحجال ، وأن واحدتها : أريكة . والأنضاد : جمع نضد بالتحريك ، وهو ما نضد من متاع البيت ، وجعل بعضه فوق بعض .

التدبر :

تفاعل
[31] ﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ ادعُ الله الآن: «اللهم إني نسألك الجنة ونعيمها».
لمسة
[31] ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ قال تعالى هنا: (مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ)، بينما في سورة البقرة ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [٢٥] لأن الكلام في البقرة عن الجنة: ﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾، أما في الكهف فالكلام عن المؤمنين ساكني الجنة، فالأنهار تجري من تحت الجنة، ومن تحت المؤمنين، وليس فيها تعارض ولكن الأمر مرتبط بالسياق.
تفاعل
[31] ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[31] ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ مخدومون حتى في اللبس، ﻻ يباشرونه بأنفسهم، هذا والله الملك.
وقفة
[31] ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ مِن لطف الله بنا أن وصَفَ لنا الجنة، كي نجد مِن النعيم ما نُعلِّق به قلوبنا ونُسلِّي به أرواحنا ونؤنس به وحدتنا!
وقفة
[31] ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ الأيدي التي جرحتها أنابيب الأطباء وأضمرها التعب والوجع كأني بها تحلت بأساور الذهب.
وقفة
[31] ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ من يحليهم بالأساور؟ أهي الحور العين؟ أم الملائكة؟ أم الولدان المخلدون؟ أم هو الله جل جلاله؟ أطلق لها خيالك!
لمسة
[31] ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ (يحلون): فعل مبني للمجهول، لم يذكر الفاعل، مما يدل على أن أهل الجنة مخدومون، (فيها): ظرف يدل على أن التحلية بالذهب من خصائص الجنة، (من): تبعيضية تدل على تنوع نعيمهم، (أساور): جمع تدل على كثرة الأساور، (من ذهب): منعوا أنفسهم شهواتهم؛ فأعطاهم الله ما حرم عليهم.
وقفة
[31] ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ إن قلتَ: لبسُها في الدنيا حرامٌ على الرجال، فكيف وعد اللهُ بها المؤمنين في الجنة؟ قلتُ: عادةُ ملوكِ الفرسِ والروم، لبسُ الأساور والتيجان، دون مَنْ عداهم، فلذلك وعد اللهُ المؤمنين بها لأنهم ملوكُ الآخرة.
وقفة
[31] ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ﴾ بينما أولئك في اللهيب تنشوي وجوههم؛ تجد هؤلاء ينعمهم الله ويلذذهم، ويختار لهم حتى ألوان ثيابهم الفاخرة.
لمسة
[31] ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وإستبرق﴾ (ويلبسون): مضارع يدل على التكرار؛ فثياب أهل الجنة متجددة، (ثيابًا): نكرة وفيها تنوين مما يدل على عظمتها، (خضرًا): الأخضر أعدل الألوان للعين؛ والتنوين للتعظيم، (سندس): رقيق الحرير؛ لنعومته ورقته، (وإستبرق): غليظ الحرير؛ للمعانه وثقله.
وقفة
[31] ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ ما أجمل الاتكاء بعد التعب! رزقنا الله وإياكم الجنة.
وقفة
[31] ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ رحلت أيام التعب والكفاح، آن أوان الراحة والإتكاء.
وقفة
[31] ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ جزاء كثرة القيام بأمر الله في الدنيا كثرة الاتكاء على الأرائك في الآخرة، فقم هنا؛ لتتكئ هناك.
لمسة
[31] ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾، ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا﴾ [ص: 51]، ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: 54]، ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ [الرحمن: 76]، أيها الظهور المنتصبة بين يدي الله فى الليالى: سيطول اتكاؤك وراحتك فى الجنة، اتعب هنا لتتكئ هناك.
تفاعل
[31] مهما اشترينا من ماركات عالمية وغالية لنحصل على أحسن الأرائك؛ فلن نصل لأفضل أنواع ﴿الأَرائِكِ﴾ إلا فى الجنة، قل: «اللهم فردوسك الأعلى».
وقفة
[31] فجر الجمعة يقرأ الإمام: ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا﴾، وفي جمعتها: ﴿في جنة عالية﴾ [الحاقة: 22]، وفي الكهف ﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾، أوصاف الجنة مشوقة تسعد القلب؛ فيلهج بالدعاء.
وقفة
[31] قال عن الجنة: ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ (مُّتَّكِئِينَ): اسم يدل على الدوام؛ فهذا حال أهل الجنة أبدًا، (فِيهَا): ظرف للاختصاص، فالراحة الكاملة من خصائص الجنة، (عَلَى): للاستعلاء، فاجتمع لأهل الجنة: الراحة، والعلو، (الْأَرَائِكِ): هي السرير المزين؛ وهي جمع يدل على التعدد.
وقفة
[31] ﴿نعم الثواب﴾، ﴿نعم العبد﴾ [ص: 30]، ﴿نعم أجر العاملين﴾ [آل عمران: 136]، ﴿فنعم عقبى الدار﴾ [الرعد: 24]، لا يزال الله (يثني) و(يمدح).

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ:
  • أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف للخطاب. اللام حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. جنات: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهو مضاف. عدن: اي استقرار واقامة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وجملة لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ» في محل رفع خبر «اولئك».
  • ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ:
  • الجملة في محل رفع خبر ثان لاولئك.ويجوز ان تكون صفة لجنات. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. من تحت: جار ومجرور متعلق بتجري او بحال محذوفة من «الانهار» بتقدير «كائنة تحتهم» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.الانهار: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيها:
  • الجملة في محل نصب حال. فيها: جار ومجرور متعلق بيحلون. و «يحلون» فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل بمعنى «يتزينون فيها».
  • ﴿ مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيحلون. و «من» حرف جر زائد. و «اساور» اسم مجرور لفظا منصوب محلا على انه مفعول به بمعنى «يلبسون اساور» من بيانية او تبعيضية و «ذهب» تمييز وهو مجرور لفظا منصوب محلا. اي بمعنى: يتزينون بلبسهم اساور ذهبا. وجيء بمن لان الاسمين مبهمان.
  • ﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً:
  • الواو عاطفة. يلبسون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. ثيابا: مفعول به منصوب بالفتحة. خضرا: صفة-نعت-لثيابا منصوبة مثلها.
  • ﴿ مِنْ سُنْدُسٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة ثانية لثيابا. بتقدير: سندسا.وجيء بمن لان الكلمة مبهمة.
  • ﴿ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها:
  • معطوفة بالواو على «سندس» وتعرب اعرابها.متكئين: حال منصوب بالياء لانه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. فيها: جار ومجرور متعلق بمتكئين.
  • ﴿ عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّاابُ:
  • جار ومجرور متعلق بمتكئين وهي جمع أريكة. بمعنى: على الأسرة او السرر. نعم: فعل ماض جامد لانشاء المدح مبني على الفتح. الثواب: فاعل مرفوع بالضمة. بمعنى: نعم الجزاء من الله.
  • ﴿ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً:
  • الواو عاطفة. حسنت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. اي الجنة. مرتفقا: تمييز منصوب بالفتحة بمعنى «متكأ» والمخصوص بالمدح في الجملتين محذوف يفسره ما قبله. '

المتشابهات :

الأنعام: 6﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ
الأعراف: 43﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ
يونس: 9﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ
الكهف: 31﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز و جل أنه لا يضيع أجر من أحسنَ عملًا؛ فَصَّلَ هنا بعضًا مما أعده لهم من ألوان النعيم، قال تعالى:
﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أساور:
وقرئ:
أسورة، من غير ألف وبزيادة هاء، وهى قراءة أبان، عن عاصم.
ويلبسون:
وقرئ:
بكسر الباء، وهى قراءة أبان عن عاصم، وابن أبى حماد عن أبى بكر.
وإستبرق:
وقرئ:
بوصل الألف وفتح القاف، على أنه فعل ماض، «استفعل» من «البريقى» ، وهى قراءة ابن محيصن.
على الأرائك:
وقرئ:
بنقل الهمزة إلى لام التعريف وإدغام لام «على» فيها، فتحذف لام «على» لتوهم سكون لام التعريف، والنطق به: علرائك، وهى قراءة ابن محيصن.

مدارسة الآية : [32] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا ..

التفسير :

[32] واضرب -أيها الرسول- لكفار قومك مثلاً رجلين من الأمم السابقة:أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقد جعلنا للكافر حديقتين من أعناب، وأحطناهما بنخل كثير، وأنبتنا وسطهما زروعاً مختلفة نافعة.

تفسير الآيتين 32 و 33:ـ

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:اضرب للناس مثل هذين الرجلين، الشاكر لنعمة الله، والكافر لها، وما صدر من كل منهما، من الأقوال والأفعال، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل، والثواب، ليعتبروا بحالهما، ويتعظوا بما حصل عليهما، وليس معرفة أعيان الرجلين، وفي أي:زمان أو مكان هما فيه فائدة أو نتيجة، فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط، والتعرض لما سوى ذلك من التكلف. فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة، جعل الله له جنتين، أي:بستانين حسنين، من أعناب.

{ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أي:في هاتين الجنتين من كل الثمرات، وخصوصا أشرف الأشجار، العنب والنخل، فالعنب في وسطها، والنخل قد حف بذلك، ودار به، فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح، التي تكمل بها الثمار، وتنضج وتتجوهر، ومع ذلك جعل بين تلك الأشجار زرعا، فلم يبق عليهما إلا أن يقال:كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى أن كلا من الجنتين آتت أكلها، أي:ثمرها وزرعها ضعفين، أي:متضاعفا{ و} أنها{ لم تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} أي:لم تنقص من أكلها أدنى شيء، ومع ذلك، فالأنهار في جوانبهما سارحة، كثيرة غزيرة.

{ وَكَانَ لَهُ} أي:لذلك الرجل{ ثَمَرٌ} أي:عظيم كما يفيده التنكير، أي:قد استكملت جنتاه ثمارهما، وارجحنت أشجارهما، ولم تعرض لهما آفة أو نقص، فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث، ولهذا اغتر هذا الرجل بهما، وتبجح وافتخر، ونسي آخرته.

والمثل في اللغة: الشبيه والنظير، وهو في عرف القرآن الكريم: الكلام البليغ المشتمل على تشبيه بديع.

وضرب المثل: إيراده، وعبر عن إيراده بالضرب، لشدة ما يحدث عنه من التأثير في نفس السامع.

أى: واضرب- أيها الرسول الكريم- مثلا للمؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه، وللكافرين الذين غرتهم الحياة الدنيا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

قال الآلوسى: والمراد بالرجلين: إما رجلان مقدران على ما قيل، وضرب المثل لا يقتضى وجودهما. وإما رجلان موجودان وهو المعول عليه. فقيل هما رجلان من بنى إسرائيل أحدهما: كافر.. والآخر: مؤمن.

ثم قال: والمراد ضربهما مثلا للفريقين المؤمنين والكافرين، لا من حيث أحوالهما المستفادة مما ذكر آنفا، بل من أن للمؤمنين في الآخرة كذا، وللكافرين فيها كذا، من حيث عصيان الكفرة مع تقلبهم في نعم الله، وطاعة المؤمنين مع مكابدتهم مشاق الفقر».

أى: واضرب لهم مثلا من حيثية العصيان مع النعمة، والطاعة مع الفقر، حال رجلين:

جَعَلْنا لِأَحَدِهِما وهو الكافر جَنَّتَيْنِ أى: بستانين، ولم يعين- سبحانه- مكانهما، لأنه لم يتعلق بهذا التعيين غرض.

ثم بين ما اشتملت عليه هاتان الجنتان من خيرات فقال: مِنْ أَعْنابٍ جمع عنب، والعنبة الحبة منه. والمراد: من كروم متنوعة.

وقوله: وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً بيان لما أضيف إلى الجنتين من مناظر تزيدهما بهجة وفائدة.

والحف بالشيء: الإحاطة به. يقال: فلان حفه القوم، أى: أحاطوا به، ومنه قوله- تعالى-: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ....

أى: جعلنا لأحد الرجلين، وهو الكافر منهما جنتين من أعناب، وأحطناهما بنخل ليكون كالحماية النافعة لهما، وجعلنا في وسطهما زرعا وبذلك تكون الجنتان جامعتين للأقوات والفواكه، مشتملتين على ما من شأنه أن يشرح الصدر، ويفيد الناس.

يقول الله تعالى بعد ذكر المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين ، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم ، فضرب لهم مثلا برجلين ، جعل الله ( لأحدهما جنتين ) أي : بستانين من أعناب ، محفوفتين بالنخل المحدقة في جنباتهما ، وفي خلالهما الزروع ، وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجود

القول في تأويل قوله تعالى : وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله، الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، (مَثَلا) مثل ( رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) أي جعلنا له بستانين من كروم ( وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ) يقول: وأطفنا هذين البستانين بنخل. وقوله: ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) يقول: وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا

التدبر :

وقفة
[32] ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ﴾ ذكر الوقائع المؤثرة له أثر عميق في النفوس؛ لأنه يجسد الحقائق، ويختصر العبر، ويسهل على الفكر استحضارها.
وقفة
[32]﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ في سورة الكهف ضرب الله مثلًا برجلين جعل لأحدهما جنتين، فتكبر، فكان عاقبته كبره الخسار، ومن اللطائف: أن هذه القصة جاءت بعد أمر الله تعالى لنبيه أن يصبر نفسه مع ضعفاء المؤمنين، خلافًا لكبراء قريش، الذين تكبروا عن الجلوس معهم، فكان عاقبتهم الخسار، كما كان عاقبة صاحب الجنتين.
وقفة
[32] ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ واضرب مثلًا الفريقين لإظهار عاقبة حالتين عن طريق رجلين، فالفريقان هما المؤمنون الذين يدعون ربهم بالغداة والعشی، والكافرون الذين غرتهم الدنيا واستنكفوا عن مجالسة المؤمنين، والحالتان: العصيان مع الغنى، والطاعة مع الفقر، والرجلان: قيل هما رجلان من بني إسرائيل؛ أحدهما: كافر، والآخر: مؤمن.
وقفة
[32-33] ﴿وَاضرِب لَهُم مَثَلًا رَجُلَينِ جَعَلنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَينِ مِن أَعنابٍ وَحَفَفناهُما بِنَخلٍ وَجَعَلنا بَينَهُما زَرعًا * كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت أُكُلَها وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا وَفَجَّرنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ رغم توافر كل الأسباب المادية الدنيوية للجنتين لتكونا فى أفضل حال، إلا إن إرادة الله فوق كل شئ.

الإعراب :

  • ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً:
  • الواو عاطفة. اضرب: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. لهم: جار ومجرور متعلق باضرب. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. مثلا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ رَجُلَيْنِ:
  • مفعول به ثان منصوب بالياء لانه مثنى. والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. ويجوز ان يكون متعلق بحال بتقدير: واضرب لهم مثلا مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين.
  • ﴿ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما:
  • الجملة في محل نصب صفة-نعت-لرجلين. جعلنا:فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى «آتينا».لاحدهما: جار ومجرور متعلق بجعلنا والهاء ضميرمتصل في محل جر بالاضافة. الميم علامة جمع الذكور وقيل «عماد» والالف علامة التثنية لا محل لها.
  • ﴿ جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لانه مثنى والنون عوض من التنوين والمفرد. من اعناب: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من جنتين اي بستانين من اعناب.
  • ﴿ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ:
  • الواو عاطفة. حففناهما بمعنى: واحطناهما او وجعلنا النخيل محيطا بها اي بالجنتين وهو متعد الى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولا ثانيا. حففنا: تعرب اعراب «جعلنا».الهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والميم حرف عماد والالف للتثنية. بنخل: جار ومجرور متعلق بحففنا.
  • ﴿ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً: تعرب اعراب «وحففنا».بينهما: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بجعلنا بمعنى وسطهما وهو مضاف. الهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم: حرف عماد والالف علامة التثنية لا محل لها. زرعا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

الكهف: 32﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ
يس: 13﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ
الكهف: 45﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     وبعد الأمرِ بملازمةِ مجالسِ الفقراءِ، وذمِّ الكافرين الذين غرتهم الحياة الدنيا؛ بَيَّنَ اللهُ عز و جل هنا أن المالَ لا ينبغي أن يُفتخَرَ به؛ لأنه إلى زوال، وهذه هي القصَّةُ الثانيةُ في هذه السورة: قصَّةُ صاحبِ الجنتينِ، قصَّةُ رجلينِ من بني إسرائيلَ: كافرٍ، ومؤمنٍ، قال تعالى:
﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [33] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ ..

التفسير :

[33] وقد أثمرت كل واحدة من الحديقتين ثمرها، ولم تُنْقِص منه شيئاً، وشققنا بينهما نهراً لسقيهما بسهولة ويسر.

تفسير الآيتين 32 و 33:ـ

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:اضرب للناس مثل هذين الرجلين، الشاكر لنعمة الله، والكافر لها، وما صدر من كل منهما، من الأقوال والأفعال، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل، والثواب، ليعتبروا بحالهما، ويتعظوا بما حصل عليهما، وليس معرفة أعيان الرجلين، وفي أي:زمان أو مكان هما فيه فائدة أو نتيجة، فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط، والتعرض لما سوى ذلك من التكلف. فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة، جعل الله له جنتين، أي:بستانين حسنين، من أعناب.

{ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أي:في هاتين الجنتين من كل الثمرات، وخصوصا أشرف الأشجار، العنب والنخل، فالعنب في وسطها، والنخل قد حف بذلك، ودار به، فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح، التي تكمل بها الثمار، وتنضج وتتجوهر، ومع ذلك جعل بين تلك الأشجار زرعا، فلم يبق عليهما إلا أن يقال:كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى أن كلا من الجنتين آتت أكلها، أي:ثمرها وزرعها ضعفين، أي:متضاعفا{ و} أنها{ لم تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} أي:لم تنقص من أكلها أدنى شيء، ومع ذلك، فالأنهار في جوانبهما سارحة، كثيرة غزيرة.

{ وَكَانَ لَهُ} أي:لذلك الرجل{ ثَمَرٌ} أي:عظيم كما يفيده التنكير، أي:قد استكملت جنتاه ثمارهما، وارجحنت أشجارهما، ولم تعرض لهما آفة أو نقص، فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث، ولهذا اغتر هذا الرجل بهما، وتبجح وافتخر، ونسي آخرته.

ثم ذكر- سبحانه- ما يزيد من جودة الجنتين، ومن غزارة خيرهما فقال: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً، وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً وكلتا: اسم مفرد اللفظ مثنى المعنى عند البصريين، وهو المذهب المشهور، ومثنى لفظا ومعنى عند غيرهم.

أى: أن كل واحدة من الجنتين آتَتْ أُكُلَها أى: أعطت ثمارهما التي يأكلها الناس من العنب والتمر وغيرهما من صنوف الزرع وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أى ولم تنقص من هذا المأكول شيئا في سائر السنين، بل كان أكل كل واحدة منهما وافيا كثيرا في كل سنة، على خلاف ما جرت به عادة البساتين، فإنها في الغالب تكثر ثمارها في أحد الأعوام وتقل في عام آخر.

وفي التعبير بكلمة تَظْلِمْ بمعنى تنقص وتمنع، مقابلة بديعة لحال صاحبهما الذي ظلم نفسه بجحوده لنعم الله- تعالى- واستكباره في الأرض.

وقوله وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً أى: وشققنا في وسطهما نهرا ليمدهما بما يحتاجان إليه من ماء بدون عناء وتعب.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هاتين الجنتين بما يدل على جمال منظرهما، وغزارة عطائهما، وكثرة خيراتهما، واشتمالهما على ما يزيدهما بهجة ومنفعة.

ولهذا قال : ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) أي : خرجت ثمرها ( ولم تظلم منه شيئا ) أي : ولم تنقص منه شيئا ( وفجرنا خلالهما نهرا ) أي : والأنهار تتخرق فيهما هاهنا وهاهنا .

القول في تأويل قوله تعالى: ( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ) يقول: كلا البستانين أطعم ثمره وما فيه من الغروس من النخل والكرم وصنوف الزرع. وقال: كلتا الجنتين، ثم قال: آتت، فوحَّد الخبر، لأن كلتا لا يفرد واحدتها، وأصله كلّ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا، ويذهبون بها وهي مفردة إلى التثنية ، قال بعض الرُّجاز في ذلك:

فِـي كِـلْتَ رِجْلَيْهَـا سُـلامي وَاحـدَه

كِلْتاهُمـــا مَقْرُونَـــةٌ بِزَائِـــدَهْ (12)

يريد بكلت: كلتا، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلى معرفة، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد ، وقوله: ( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) يقول: ولم تنقص من الأكل شيئا، بل آتت ذلك تاما كاملا ومنه قولهم: ظلم فلان فلانا حقَّه: إذا بخَسَهُ ونقصه، كما قال الشاعر:

تَظَّلَمَنِــي مـالي كَـذَا وَلَـوَى يَـدِي

لَـوَى يَـدَهُ اللـهُ الَّـذِي هُـوَ غالِبُـهْ (13)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) : أي لم تنقص، منه شيئا.

وقوله: ( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا ) يقول تعالى ذكره:

وسيَّلنا خلال هذين البستانين نهرا، يعني بينهما وبين أشجارهما نهرا. وقيل: ( وَفَجَّرْنَا) فثقل الجيم منه، لأن التفجير في النهر كله، وذلك أنه يميد ماء فيُسيل بعضه بعضا.

التدبر :

وقفة
[33] ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ معناه: ولم تنقص منه شيئًا، فالأرض الميتة أخذت الماء فأعطت الثمار، فلم تظلم، وكثير من الأحياء أخذ نعم الله ولم يُعطِ شيئًا، بل كان ظالمًا، أُنعِم عليه فلم يشكر، فكان الجماد أفضل منه!
وقفة
[33] ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ هل التفجير تشقق الأرض وخروج الماء أم جريان الماء من داخل الأرض؟ التفجير هو إخراج الماء بغزارة، والانبجاس أقل من التفجير، والإخراج أقل.

الإعراب :

  • ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ:
  • كلتا: اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وهو مضاف. وهو اسم مفرد لفظا مثنى معنى. مضاف الى كلمة واحدة دالة على اثنين فان اضيف الى الاسم الصريح بني على السكون وان اضيف الى الضمير اعرب اعراب المثنى. وينطبق هذا القول على «كلا» كذلك.الجنتين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه مثنى والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ آتَتْ أُكُلَها:
  • فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة. والتاء تاء التأنيث لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي تعود على «كلتا» المؤكدة للجنتين بمعنى كل واحدة منهما آتت ثمرها. أكل: مفعول به منصوب بالفتحة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً:
  • الواو عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب.تظلم: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. منه: جار ومجرور متعلق بتظلم. شيئا:مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: ولم تنقص منه شيئا. وجملة آتَتْ أُكُلَها» في محل رفع خبر المبتدأ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ».
  • ﴿ وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً:
  • الواو استئنافية. فجر: بمعنى «أنبع» فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. خلالهما اي فيهما: وهو ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بفجرنا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم: حرف عماد والالف علامة التثنية. نهرا: مفعول به منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز و جل أنه رزقَ الرجلَ الكافرَ حديقتين، بهما: العنب والنخيل والزرع؛ بَيَّنَ هنا أن كل واحدة من الحديقتين أثمرت ثمارها بغزارة ووفرة، قال تعالى:
﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فجرنا:
قرئ:
1- بتشديد الجيم، وهى قراءة الجمهور.
2- بتخفيف الجيم، وهى قراءة الأعمش، وسلام، ويعقوب، وعيسى بن عمر.
نهرا:
قرئ:
1- بفتح الهاء، وهى قراءة الجمهور.
2- بسكون الهاء، وهى قراءة أبى السمال، وفياض بن غزوان، وطلحة بن سليمان.

مدارسة الآية : [34] :الكهف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ ..

التفسير :

[34] وكان لصاحب الحديقتين ثمر وأموال أخرى، فقال لصاحبه المؤمن وهو يحاوره في الحديث -والغرور يملؤه-:أنا أكثر منك مالاً، وأعز أنصاراً وأعواناً.

تفسير الآيات من 34 حتى 36:ـ

أي:فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن، وهما يتحاوران، أي:يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة، مفتخرا عليه:{ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} فخر بكثرة ماله، وعزة أنصاره من عبيد، وخدم، وأقارب، وهذا جهل منه، وإلا فأي:افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية، ولا صفة معنوية، وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني، التي لا حقائق تحتها، ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه، حتى حكم، بجهله وظلمه، وظن لما دخل جنته، فـ{ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ} أي:تنقطع وتضمحل{ هَذِهِ أَبَدًا} فاطمأن إلى هذه الدنيا، ورضى بها، وأنكر البعث، فقال:{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي} على ضرب المثل{ لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} أي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين، وهذا لا يخلو من أمرين:إما أن يكون عالما بحقيقة الحال، فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة، فيكون من أجهل الناس، وأبخسهم حظا من العقل، فأي:تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة، حتى يظن بجهله أن من أعطي في الدنيا أعطي في الآخرة، بل الغالب، أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب، والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال، ولكنه قال هذا الكلام، على وجه التهكم والاستهزاء، بدليل قوله:{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} فإثبات أن وصفه الظلم، في حال دخوله، الذي جرى منه، من القول ما جرى، يدل على تمرده وعناده.

ثم بين- سبحانه- أن صاحب هاتين الجنتين كانت له أموال أخرى غيرهما فقال:

وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ.

قال الآلوسى ما ملخصه: وَكانَ لَهُ أى: للأحد المذكور وهو صاحب الجنتين «ثمر» أى أنواع أخرى من المال.. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي.. «ثمر» بضم الثاء والميم، وهو جمع ثمار- بكسر الثاء-.. أى: أموال كثيرة من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك، وبذلك فسره ابن عباس وقتادة وغيرهما..».

وقوله- سبحانه-: فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً حكاية لما تفوه به هذا الكافر من ألفاظ تدل على غروره وبطره.

والمحاورة: المراجعة للكلام من جانبين أو أكثر. يقال: تحاور القوم، إذا تراجعوا الكلام فيما بينهم. ويقال: كلمته فما أحار إلى جوابا، أى: مارد جوابا.

والنفر: من ينفر- بضم الفاء- مع الرجل من قومه وعشيرته لقتال عدوه.

أى: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن الشاكر: أنا أكثر منك مالا وأعز منك عشيرة وحشما وأعوانا.

وهذا شأن المطموسين المغرورين، تزيدهم شهوات الدنيا وزينتها.. بطرا وفسادا في الأرض.

وما أصدق قول قتادة- رضى الله عنه-: «تلك- والله- أمنية الفاجر: كثرة المال وعزة النفر» ،

( وكان له ثمر ) قيل : المراد به : المال . روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل : الثمار وهو أظهر هاهنا ، ويؤيده القراءة الأخرى : " وكان له ثمر " بضم الثاء وتسكين الميم ، فيكون جمع ثمرة ، كخشبة وخشب ، وقرأ آخرون : ( ثمر ) بفتح الثاء والميم .

فقال - أي صاحب هاتين [ الجنتين ] - ( لصاحبه وهو يحاوره ) أي : يجادله ويخاصمه ، يفتخر عليه ويترأس : ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) أي أكثر خدما وحشما وولدا .

قال قتادة : تلك - والله - أمنية الفاجر : كثرة المال وعزة النفر .

القول في تأويل قوله تعالى: ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" بضم الثاء والميم. واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم: كان له ذهب وفضة، وقالوا: ذلك هو الثمر، لأنها أموال مثمرة ، يعني مكثرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) قال: ذهب وفضة، وفي قول الله عزّ وجل: (بِثُمُرِهِ) قال: هي أيضا ذهب وفضة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله (ثَمَرٌ) قال: ذهب وفضة. قال: وقوله: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ هي هي أيضا.

وقال آخرون: بل عُنِي به: المال الكثير من صنوف الأموال.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج ، عن هارون، عن سعيد بن أبي عِروبة، عن قتادة، قال: قرأها ابن عباس: " وكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" بالضمّ، وقال: يعني أنواع المال.

حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس: " وكانَ لَهُ ثُمُرٌ" يقول: مال.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" يقول: من كلّ المال.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قال: الثمر من المال كله يعني الثمر، وغيره من المال كله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: " الثُّمُر " المال كله، قال: وكلّ مال إذا اجتمع فهو ثُمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله.

وقال آخرون: بل عُنِي به الأصل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" الثمر الأصل ، قال وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قال : بأصله ، وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر، كما يجمع الكتاب كتبا، والحمار حمرا ، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة " ثُمُرٌ" بضم الثاء وسكون الميم، وهو يريد الضمّ فيها، غير أنه سكنها طلب التخفيف ، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة، كما تجمع الخَشبة خَشَبا. وقرأ ذلك بعض المدنيين : ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) بفتح الثاء والميم، بمعنى جمع الثمرة، كما تجمع الخشبة خشبا ، والقصبة قَصبا.

وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ " بضمّ الثاء والميم لإجماع الحجة من القرّاء عليه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب.

ومعنى الكلام: ( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ) منهما " ثُمُرٌ " بمعنى من جنتيه أنواع من الثمار وقد بين ذلك لمن وفق لفهمه، قوله: ( جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) ثم قال: وكان له من هذه الكروم والنخل والزرع ثمر.

------------------------

الهوامش:

(12) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 186 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) قال : وقد تفرد العرب إحدى " كلي " ( كتبها بالياء للإمالة ) . وهو من شواهد النحويين على أن " كلت " أصلها " كلتا " ، حذفت ألفها للضرورة ، وفتحة التاء دليل عليها ( خزانة الأدب للبغدادي 1 : 62 ) وقال : رأيت في حاشية الصحاح أن هذا البيت من رجز يصف به نعامة ، فضمير رجليها عائد على النعامة . والسلامي : على وزن حباري عظم في فرسن البعير ، وعظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل . والجمع : سلاميات والفرسن : بمنزلة الحافر للفرس . والضمير في كلتاهما للرجلين . ثم قال : استدلالهم بهذا البيت على الإفراد يرده معناه ، فإن المعنى على التثنية ، بدليل تأكيده بالمصراع الثاني ، فتأمل . وقال أبو حبان في تذكرته : هذا البيت من اضطرار الشعراء ، وكلت ليس بواحد كلتا ، بل هو جاء بمعنى كلا ، غير أنه أسقط الألف اعتمادا على الكسرة التي قبلها على أنها تكفي من الألف الممالة إلى الياء ؛ وما من الكوفيين أحد يقول : كلت واحدة كلتا ، ولا يدعي أن لكلا وكلتا واحدا منفردا في النطق مستعملا ، فإن ادعاه عليه مدع فهو تشنيع وتفحيش من الخصوم على قول خصومهم . انتهى .

(13) البيت من أبيات تسعة لفرعون بن الأعراف في ابنه منازل ( الحماسة بشرح التبريزي 4 : 9 ) وأوله " تغمد حقي ظالما ولوى يدي " . وتغمد حقي ؛ ستره . وهو في معنى : " تظلمني مالي " ولوى يدي : أي فتلها وأزالها عن حالها وهيئتها . وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 402 ) قال : " ولم تظلم منه شيئا " : ولم تنقص . ويقال : ظلمني فلان حقي ، أي نقصني وقال رجل لابنه : " تظلمني مالي كذا . . . إلخ " .

ورواية البيت في اللسان : " تظلم مالي هكذا . . . " البيت . ولم ينسبه . وقال قبله : وظلمه حقه ، وتظلمه إياه . يريد أنهما بمعنى .

: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) يقول عزّ وجلّ: فقال هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه:

( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) يقول: وأعزّ عشيرة ورَهْطا، كما قال عُيينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمان وخبَّابا وصُهيبا، احتقارا لهم، وتكبرا عليهم.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) وتلك والله أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزّة النفر.

التدبر :

وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا﴾ حين نلتقي بأصحابنا تثور فينا رغبة جامحة في إظهار تفوقنا، علينا مراقبة أنفسنا جيدًا عند لقائهم.
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ قال قتادة: «تلك والله أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزة النفر».
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ مهما كثر متاع الدنيا وتنوع، فإن غرور ابن آدم وخيلاءه يظهر غالبًا في المال والخدم واﻷتباع.
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ مقارنة كثرة الأتباع والمال بالغير تورث كبراً مطغيًا.
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ الصاحب الثقيل الذي لا يتوقف عن تكرار تفوقه عليك.
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ إخبارك بحقيقته، لا يعني أنه خروج من أدب الحوار.
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ والنتيجة: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [42]، النعمة التي نتفاخر بها على أصحابنا نعرضها للضياع والزوال.
عمل
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ رسالة: إذا اكتملت لك نعمة؛ فانظر ما يدور في نفسك فخر أو شكر؟!
عمل
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ استعذ بالله من أن تتكبر بسبب ما وهبك الله من النعم, واسأل الله أن يجعلها عونًا لك على عبادته.
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ افتخر رجلان عند علي بن أبي طالب t فقال: «أتفتخران بأجساد بالية، وأرواح في النار؟ إن يكن لكما عمل فلكما أصل، وإن يكن لكما خلق فلكما شرف، وإن يكن لكما تقوى فلکما کرم، وإلا فالحمار خير منكما، ولستما خيرًا من أحد».
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: «لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤدي بي إلى الميزانف، إن ثقلت فأنا كريم، وإن خفت فأنا لئيم».
وقفة
[34] ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ بم افتخروا؟! افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: «منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر: عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت»، فقالت الخزرج: «منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله ﷺ: أُبي، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد».
وقفة
[34] الغرور خطوة واثقة، لكنها نحو الهلاك ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾، والنتيجة: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [42].
وقفة
[34-36] ﴿وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنا أَكثَرُ مِنكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَن تَبيدَ هذِهِ أَبَدًا * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِن رُدِدتُ إِلى رَبّي لَأَجِدَنَّ خَيرًا مِنها مُنقَلَبًا﴾ أحيانًا المال والعزوة والجاه يصل بالإنسان لدرجة من الغرور تجعله يظن أنه ملك الدنيا والآخرة، ولن يحاسب على أفعاله.
وقفة
[34] ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ عرض القرآن كل أنواع الحوار، مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، ثم تجد من يستنكف عن محاورة أقرب الناس إليه!
وقفة
[34] ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ صاحبه كافر، ومع ذلك استخدم لغة الحوار؛ ما أجمل أن تكون هادئًا!
وقفة
[34] ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ التفاخر قبيح، وأقبح منه أن يفتخر الإنسان على صاحبه.
وقفة
[34] لما ابتدأ بـ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا﴾ انتهى إلى: ﴿وَمَاأَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [36]، عندما تغدو الدنيا مركزًا تخرج الآخرة من دائرة الاهتمام.
عمل
[34] كان الناس يشترون للحاجة واليوم يشترون للتصوير والمباهاة! لسان حال بعضهم: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾، فاحذر أن تكونوا منهم.
وقفة
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ أفلس الناس من اعتز بماله وجاهه وركن إليهما؛ فالمال يزول والجاه يفنى، ولا يبقى إلا ما زرعته عند الله.
وقفة
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ منذ القدم وأفضل كلمتين عند الناقصين: (أنا أكثر)، و(أنا أقوى).
وقفة
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ ليست العبرة بما تملك، بل بما قلبك يملك.
وقفة
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ قال قتادة: «تلك والله أُمنية الفاجر، كثرة المال وعزة النفر».
وقفة
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ وبعدها: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ﴾ [43]، من استعز بغير الله خذله الله.
عمل
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ لقد كان حقًّا أكثر منه مالًا وخدمًا وحشمًا، لكنها جريمة التعالي على عباد الله، فإياك أن تتكبر على من هم دونك.
وقفة
[34] ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ علمتني سورة الكهف: أن المال والولد لا ينفعان، ‏إن لم يعينا على طاعة الله.
وقفة
[34] من مظاهر الطغيان المادي في قصة صاحب الجنتين: التكاثر المادي: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا﴾، والاعتزاز بالنفر وهم الخدم والحشم: ﴿وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾.
وقفة
[34] في قصة الرجل صاحب الجنتين تستطيع أن تفرق بين لغة المؤمن ولغة الكافر: فالكافر قال: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾، احتج بالكثرة وأدعي العزة ونسبها لنفسه وأهمل ذكر ربه، والمؤمن قال: ﴿لَّـٰكِنَّا هُوَ اللَّـهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [38]، احتج بتوحيده وأرجع الأمر كله لله.
عمل
[34، 35] لا تقارن دنياك بدنيا غيرك، إن غلبته تكبرت وإن غلبك حسدت ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾.
وقفة
[34، 35] الالتفات إلى الأتباع فتنة تسلب العقل تأمل الحق، فيظلم نفسه ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ:
  • الواو استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح.له: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» المقدم. اي لاحد الرجلين. ثمر:اسم «كان» مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَقالَ لِصاحِبِهِ:
  • الفاء استئنافية. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لصاحبه: جار ومجرور متعلق بقال. والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهُوَ يُحاوِرُهُ:
  • الواو حالية. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. يحاوره: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «يحاوره» في محل رفع خبر «هو» والجملة الاسمية هُوَ يُحاوِرُهُ» في محل نصب حال. بمعنى: قال له مفتخرا عليه.
  • ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ:
  • ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.اكثر: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. ولم ينون لانه ممنوع من الصرف-التنوين- على وزن-افعل-صيغة تفضيل ولانه بوزن الفعل. والجملة الاسمية أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً» في محل نصب مفعول به. منك: جار ومجرور متعلق بأكثر.
  • ﴿ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً:
  • مالا: تمييز منصوب بالفتحة. واعز نفرا: معطوفة بالواو على «اكثر مالا» وتعرب اعرابها. '

المتشابهات :

الكهف: 34﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَـ قَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا
الكهف: 37﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ من أوصاف الحديقتين؛ زاد اللهُ عز و جل هنا أن صاحب الحديقتين كانت له أموال أخرى غيرهما، ثم بدأ الحوار بينهما بتفاخر الكافر وغروره، قال تعالى:
﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ثمر:
وقرئ:
1- بضم الثاء والميم، جمع ثمار، وهى قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وابن كثير، ونافع، وجماعة قراء المدينة.
2- بفتح الثاء وإسكان الميم، تخفيفا وهى قراءة أبى رجاء، والأعمش، وأبى عمرو.
3- بفتح الثاء، والميم، وهى قراءة أبى جعفر، والحسن، وجابر بن زيد، والحجاج، وعاصم، وأبى حاتم، ويعقوب عن ورش.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف