99128129130131132133134

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (128) الى الآية رقم (130) عدد الآيات (3)

بعدَ العودةِ للحديثِ عن النساءِ بَيَّنَ اللهُ هنا الاجراءاتِ التي يُعالِجُ بها النشوزَ والإعراضَ من جانبِ الزوجِ، معَ بيانِ حدودِ العدلِ المطلوبِ، فإنْ تعذَّرَ إصلاحُ النُّشوزِ كانتْ الفُرقةُ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (131) الى الآية رقم (134) عدد الآيات (4)

لمَّا ذكرَ اللهُ أنَّه يُغني كلًا من سعتِه وأنَّه واسعٌ فَسَّرَ ذلك بأنَّه مالكُ السماواتِ والأرضِ، ثُمَّ هددَ بقدرتِه على إهلاكِنا إنْ عصيناه ثُمَّ يأتي بآخرينَ يطيعُونه.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 99

99

مدارسة الآية : [128] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ..

التفسير :

[128] وإن علمت امرأة من زوجها ترفُّعاً عنها، وتعالياً عليها أو انصرافاً عنها فلا إثم عليهما أن يتصالحا على ما تطيب به نفوسهما من القسمة أو النفقة، والصلح أولى وأفضل. وجبلت النفوس على الحرص والبخل، فكأنَّ البخل حاضرها لا ينفكُّ عنها. وإن تحسنوا معاملة زوجا

أي:إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي:ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو القسم بأن تسقط حقها منه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها. فإذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها، لا عليها ولا على الزوج، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من الفرقة، ولهذا قال:{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ْ} ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى أن الصلح بين مَن بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه، لما فيها من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح. وهو جائز في جميع الأشياء إلا إذا أحلّ حراما أو حرّم حلالا، فإنه لا يكون صلحا وإنما يكون جورا. واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على أنه خير، والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحثّ عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه. وذكر المانع بقوله:{ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ ْ} أي:جبلت النفوس على الشح، وهو:عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي:فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلُق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك. فمتى وفق الإنسان لهذا الخُلُق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر. ثم قال:{ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا ْ} أي:تحسنوا في عبادة الخالق بأن يعبد العبد ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وتحسنوا إلى المخلوقين بجميع طرق الإحسان، من نفع بمال، أو علم، أو جاه، أو غير ذلك.{ وَتَتَّقُوا ْ} الله بفعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات. أو تحسنوا بفعل المأمور، وتتقوا بترك المحظور{ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ْ} قد أحاط به علما وخبرا، بظاهره وباطنه، فيحفظه لكم، ويجازيكم عليه أتم الجزاء.

ثم بين- سبحانه- بعض الأحكام التي تتعلق بالزوجين، وعالج ما يقع بينهما من خلاف ونفرة علاجا حكيما فقال- تعالى- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.

والخوف معناه: توقع الإنسان مكروها ينزل به. وهو هنا مستعمل في حقيقته إلا أنه لا يكون إلا بعد ظهور علامات تدل عليه من الرجل. كأن يقول لها: إنك قد كبرت وأريد أن أتزوج بشابة. إلى غير ذلك من الأحوال التي تلمسها الزوجة من زوجها بمقتضى مخالطتها له.

والنشوز مأخوذ من النشز بمعنى الارتفاع ويوصف به الرجل والمرأة. والمراد به هنا ما يكون من الرجل من استعلاء على زوجته. ومجافاة لها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها وفي حقوقها.

والإعراض عنها من مظاهره: التقليل من محادثتها ومؤانستها وإدخال السرور عليها. وهو أخف من النشوز.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: خشيت سودة بنت زمعة إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله. لا تطلقني واجعل يومى لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية.

وأخرج الشافعى عن سعيد بن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك. فاصطلحا على صلح فجرت السنة بذلك ونزل القرآن.

وروى عن عائشة أنها قالت: نزلت في المرأة تكون عند الرجل ويريد الرجل أن يستبدل بها غيرها فتقول له: أمسكنى وتزوج بغيري وأنت في حل من النفقة والقسم.

وقوله: وَإِنِ امْرَأَةٌ فاعل لفعل واجب الإضمار. أى: وإن خافت امرأة خافت.

وقوله: مِنْ بَعْلِها متعلق بخافت، وقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما جواب الشرط.

والمعنى: وإن خافت امرأة من زوجها (نشوزا) أى تجافيا عنها، وترفعا عن صحبتها أَوْ إِعْراضاً أى: انصرافا عن محادثتها ومؤانستها على خلاف ما عهدته منه قبل ذلك، ففي هذه الأحوال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أى: لا حرج ولا إثم على الزوجة وزوجها في أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً يتفقان عليه فيما بينهما رعاية لرابطة الزوجية وإبقاء على دوامها، وذلك بأن تترك المرأة بعض حقوقها حتى تسترضى زوجها وتعمل على إزالة ما في نفسه من استعلاء وانصراف عنها.

وقوله صُلْحاً مفعول مطلق مؤكد لعامله. أو مفعول به على تأويل يصلحا بيوقعا صلحا.

وبَيْنَهُما حال من صُلْحاً لأنه كان نعتا له ونعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالا، وفيه إشارة إلى أن الأولى لهما أن لا يطلعا الناس على ذلك. بل يكون ما يتفقان عليه سرا بينهما.

وقد عبر- سبحانه- عن طلب الصلح بقوله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ترفقا في الإيجاب، ونفيا لما يتوهم من أن تنازل أحدهما للآخر عن بعض حقه يؤدى إلى الإثم، لأن الصلح بينهما يقتضى أن يتسامح أحد الزوجين في جزء من حقه ليظفر بخير أكثر مما تسامح فيه. فإذا تركت المرأة بعض حقها لتدوم عشرتها مع زوجها بالمعروف فذلك لا إثم فيه بل إن فيه الخير.

وأكد- سبحانه- هذا الصلح بقوله صُلْحاً للإشارة إلى وجوب أن يكون الصلح بينهما حقيقيا لا شكليا، وأن يكون بحيث تتلاقى القلوب، وتصفو النفوس. وتشيع بينهما المودة والرحمة، ويرضى كل واحد منهما بما قسم الله له.

وقوله وَالصُّلْحُ خَيْرٌ جملة معترضة من مبتدأ وخبر لتأكيد الصلح الذي حض الله عليه قبل ذلك.

أى: والصلح بين الزوجين خير من الفرقة وسوء العشرة، اللهم إلا إذا استحال الصلح والوفاق بينهما فإنه في هذه الحالة تكون الفرقة بينهما خيرا. وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.

قال ابن كثير ما ملخصه: وقوله وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. الظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم سودة على أن تركت يومها لعائشة ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه، وفعله هذا للتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه فهو أفضل في حقه صلى الله عليه وسلم ولما كان الوفاق أحب إلى الله من الفراق قال:

وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، بل الطلاق بغيض إليه- سبحانه- ولهذا جاء الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» .

وقوله- تعالى- وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ جملة أخرى معترضة جيء بها لبيان ما جبل عليه الإنسان من طباع، وللحض على الصلح حتى ولو خالف ما طبعت عليه النفس من سجايا.

والفعل حضر يتعدى لواحد فدخلت عليه الهمزة فجعلته يتعدى لاثنين كما هنا. إذ المفعول الأول نائب الفاعل وهو الأنفس والمفعول الثاني كلمة الشح.

والشح: البخل مع الحرص، والمراد: وأحضر الله الأنفس الشح. أى جبل الله النفوس على الشح بما تملكه، فالمرأة لا تكاد تتسامح أو تتنازل عن شيء من حقها، والرجل كذلك لا يكاد يتنازل عن شيء من حقوقه، لأن حرص الإنسان على حقه طبيعة فيه. فعلى الزوجين أن يلاحظا ذلك وأن يخالفا ميولهما وطبعهما من أجل الإبقاء على الحياة الزوجية بصفاء ومودة.

فالجملة الكريمة ترشد الإنسان إلى داء من أدوائه وتأمره بمعالجته حتى ولو أدى ذلك إلى مخالفة ما جبلت عليه نفسه.

ويرى ابن جرير أن المراد بالأنفس هنا أنفس النساء خاصة فقد قال ما ملخصه: وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: عنى بذلك. أحضرت أنفس النساء الشح بانصبائهن من أزواجهن في الأيام والنفقة. والشح: الإفراط في الحرص على الشيء. وهو في هذا الموضع: إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها.

فتأويل الكلام: وأحضرت أنفس النساء أهواءهن من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن، والشح بذلك على ضرائرهن.

ثم قال. ويشهد لهذا ما روى في سبب نزول الآية من أنها نزلت في أمر رافع بن خديج وزوجته، إذ تزوج عليها شابة، فآثر الشابة عليها، فأبت الكبيرة أن تقر على الأثرة، فطلقها تطليقة وتركها. فلما قارب انقضاء عدتها، خيرها بين الفراق والرجعة والصبر على الأثرة.

فاختارت الرجعة والصبر على الأثرة فراجعها وآثر عليها. فلم تصبر. ففي ذلك دليل واضح على أن قوله- تعالى- وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ إنما عنى به: وأحضرت أنفس النساء الشح بحقوقهن من أزواجهن على ما وصفنا .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالأمر بخشيته ومراقبته، والسير في طريق الصلح والوفاق فقال: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.

أى: وإن تحسنوا- أيها الرجال- في أقوالكم وأفعالكم إلى نسائكم وتتقوا الله فيهن: بأن تتركوا التعالي عليهن والإعراض عنهن وتصبروا على مالا ترضونه منهن، من دمامة أو تقصير في واجباتهن. إن تفعلوا ذلك يرفع الله درجاتكم. ويجزل ثوابكم، لأنه- سبحانه- خبير بكل أحوالكم وأعمالكم، ولن يضيع- سبحانه- أجر من أحسن عملا.

فالجملة الكريمة خطاب للأزواج بطريق الالتفات. لقصد استمالتهم وترغيبهم في حسن معاملة نسائهم، وسلوك طريق الصلح معهن.

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: أن على الزوجين أن يحسنا العشرة الزوجية كل واحد منهما من جانبه، وأن يصبر كل واحد منهما على ما يكون من صاحبه من هفوات ومخالفات لا تخلو منها طبيعة الحياة الزوجية ...

وأن أحد الزوجين إذا تنازل عن بعض حقوقه للآخر بقصد الإبقاء على الحياة الزوجية جاز ذلك، فإذا رغب رجل- مثلا- في طلاق زوجته لسبب من الأسباب وكانت الزوجة تريد البقاء معه، وتنازلت المرأة عن بعض حقوقها في سبيل أن تبقى معه وتراضيا على ذلك عن طيب خاطر، بأن أعطته بعض المال- مثلا- فإن ما أخذه منها لا يعد مالا حراما في مثل هذه الحالة.

أما إذا تظاهر الرجل بالنشوز أو الإعراض لكي ينال شيئا من حقوقها أو تتنازل له عن بعضها، فإن ما يأخذه الرجل منها في مثل هذه الحالة يكون أكلا لحقوق غيره بالباطل، لأنه لم يكن راغبا حقيقة في الطلاق وإنما تصنع النشوز أو الإعراض اجتلابا لمالها، واستدرارا لخيرها. وقد نهى الله عن كل ذلك بل أمر بترك النشوز، ووعد من يحسن المعاشرة الزوجية ويتقى الله بالأجر الجزيل.

قال القرطبي ما ملخصه: يجوز أن يعطى الزوج على أن تصبر. أو تعطى هي على أن يبقيها في عصمته، أو يقع الصلح بينهما على الصبر والأثرة- أى يؤثر غيرها عليها من غير عطاء فهذا كله مباح. وقد يجوز أن تصالح إحداهن صاحبتها عن يومها بشيء تعطيه إياها فقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم مرة على صفية فقالت لعائشة، أصلحى بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب لك يومى. قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إلى جانبه. فقال: «إليك عنى فإنه ليس بيومك» فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وأخبرته الخبر، فرضي عنها. وفيه أن ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهن على بعض لا يجوز إلا بإذن المفضولة ورضاها .

وقال بعض العلماء ما ملخصه: فإن قيل: إن الله- تعالى- قال في نشوز المرأة: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ. الآية وقال في نشوز الرجل:

وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً. الآية فجعل لنشوز المرأة عقوبة من زوجها يعظها ويهجرها في المضجع ويضربها ولم يجعل لنشوز الرجل عقوبة من زوجته، بل جعل له ترضية وتلطفا فما معنى ذلك؟

والجواب عن ذلك: أن الله- تعالى- جعل الرجال قوامين على النساء، فالرجل راعى المرأة ورئيسها المهيمن عليها. ومن قضية ذلك ألا يكون للمرءوس معاقبة رئيسه، وإلا انقلب الأمر وضاعت هيمنة الرئيس.

وأن الله فضل الرجال على النساء في العقل والدين. ومن قضية ذلك ألا يكون نشوز من الرجل إلا لسبب قاهر. ولكن المرأة لنقصان عقلها ودينها يكثر منها النشوز لأقل شيء تتوهمه سببا.

وأن نشوز الرجل أمارة من أمارات الكراهة وإرادة الفرقة. وإذا كان الله قد جعل له حق الفرقة ولم يجعل للمرأة عليه سبيلا إذا هو أراد فرقتها فأولى ألا يجعل لها عليه سبيلا إذا بدت منه أمارات هذه الفرقة .

يقول تعالى مخبرا ومشرعا عن حال الزوجين : تارة في حال نفور الرجل عن المرأة ، وتارة في حال اتفاقه معها ، وتارة في حال فراقه لها .

فالحالة الأولى : ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها ، أو يعرض عنها ، فلها أن تسقط حقها أو بعضه ، من نفقة أو كسوة ، أو مبيت ، أو غير ذلك من الحقوق عليه ، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها ; ولهذا قال تعالى : ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ) ثم قال ( والصلح خير ) أي : من الفراق . وقوله : ( وأحضرت الأنفس الشح ) أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق ; ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها ، فصالحته على أن يمسكها ، وتترك يومها لعائشة ، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك .

ذكر الرواية بذلك :

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا سليمان بن معاذ ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، لا تطلقني واجعل يومي لعائشة . ففعل ، ونزلت هذه الآية : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) الآية ، قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز .

ورواه الترمذي ، عن محمد بن المثنى ، عن أبي داود الطيالسي ، به . وقال : حسن غريب

وقال الشافعي أخبرنا مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة ، وكان يقسم لثمان .

وفي الصحيحين ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة .

وفي صحيح البخاري ، من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، نحوه .

وقال سعيد بن منصور : أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن ، عن أبيه عروة قال : أنزل الله تعالى في سودة وأشباهها : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ، ففزعت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضنت بمكانها منه ، وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه ، فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، فقبل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

قال البيهقي : وقد رواه أحمد بن يونس : عن ابن أبي الزناد موصولا . وهذه الطريق رواها الحاكم في مستدركه فقال :

حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا الحسن بن علي بن زياد ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها قالت له : يا ابن أختي ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا ، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا ، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس ، حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ، ولقد قالت سودة بنت زمعة - حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، يومي هذا لعائشة . فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت عائشة : ففي ذلك أنزل الله : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا )

وكذا رواه أبو داود ، عن أحمد بن يونس ، به . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وقد رواه [ الحافظ أبو بكر ] بن مردويه من طريق أبي بلال الأشعري ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، به نحوه . ومن رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن هشام بن عروة ، بنحوه مختصرا ، والله أعلم .

وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول معجمه : حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام الدستوائي ، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سودة بنت زمعة بطلاقها ، فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة ، فلما رأته قالت له : أنشدك بالذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لما راجعتني ، فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال ، لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيامة . فراجعها فقالت : إني جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا غريب مرسل .

وقد قال البخاري : حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) قالت : الرجل تكون عنده المرأة ، ليس بمستكثر منها ، يريد أن يفارقها ، فتقول : أجعلك من شأني في حل . فنزلت هذه الآية .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ) قالت : هذا في المرأة تكون عند الرجل ، فلعله ألا يكون يستكثر منها ، ولا يكون لها ولد ، ولها صحبة فتقول : لا تطلقني وأنت في حل من شأني .

حدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ، عن عروة ، عن عائشة في قوله : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) قالت : هو الرجل يكون له المرأتان : إحداهما قد كبرت ، أو هي دميمة وهو لا يستكثر منها فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني .

وهذا الحديث ثابت في الصحيحين ، من غير وجه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بنحو ما تقدم ، ولله الحمد والمنة .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن ابن سيرين قال : جاء رجل إلى عمر ، رضي الله عنه ، فسأله عن آية ، فكره ذلك وضربه بالدرة ، فسأله آخر عن هذه الآية : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) فقال : عن مثل هذا فسلوا . ثم قال : هذه المرأة تكون عند الرجل ، قد خلا من سنها ، فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] فسأله عن قول الله عز وجل : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ) قال علي : يكون الرجل عنده المرأة ، فتنبو عيناه عنها من دمامتها ، أو كبرها ، أو سوء خلقها ، أو قذذها ، فتكره فراقه ، فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له ، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج .

وكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن حماد بن سلمة وأبي الأحوص . ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل أربعتهم عن سماك ، به وكذا فسرها ابن عباس ، وعبيدة السلماني ، ومجاهد بن جبر ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعطية العوفي ومكحول ، والحكم بن عتبة ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من السلف والأئمة ، ولا أعلم [ في ذلك ] خلافا في أن المراد بهذه الآية هذا والله أعلم .

وقال الشافعي : أنبأنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن المسيب : أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت : لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك . فأنزل الله عز وجل : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) الآية .

وقد رواه الحاكم في مستدركه ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار بأطول من هذا السياق .

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، أنبأنا علي بن محمد بن عيسى ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرني شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار : أن السنة في هاتين الآيتين اللتين ذكر الله فيهما نشوز المرء وإعراضه عن امرأته في قوله : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ) إلى تمام الآيتين ، أن المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها ، فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه ، فإن استقرت عنده على ذلك ، وكرهت أن يطلقها ، فلا حرج عليه فيما آثر عليها من ذلك ، فإن لم يعرض عليها الطلاق ، وصالحها على أن يعطيها من ماله ما ترضاه وتقر عنده على الأثرة في القسم من ماله ونفسه ، صلح له ذلك ، وجاز صلحها عليه ، كذلك ذكر سعيد بن المسيب وسليمان الصلح الذي قال الله عز وجل ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ) .

وقد ذكر لي أن رافع بن خديج الأنصاري - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - كانت عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة ، وآثر عليها الشابة ، فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة ، ثم أمهلها ، حتى إذا كادت تحل راجعها ، ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة أخرى ، ثم أمهلها ، حتى إذا كادت تحل راجعها ، ثم عاد فآثر الشابة عليها ، فناشدته الطلاق فقال لها : ما شئت ، إنما بقيت لك تطليقة واحدة ، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة ، وإن شئت فارقتك ، فقالت : لا بل أستقر على الأثرة . فأمسكها على ذلك ، فكان ذلك صلحهما ، ولم ير رافع عليه إثما حين رضيت أن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها .

وهذا رواه بتمامه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، فذكره بطوله ، والله أعلم

وقوله : ( والصلح خير ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني التخيير ، أن يخير الزوج لها بين الإقامة والفراق ، خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها .

والظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج ، وقبول الزوج ذلك ، خير من المفارقة بالكلية ، كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة ، رضي الله عنها ، ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه ، وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه ، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام . ولما كان الوفاق أحب إلى الله [ عز وجل ] من الفراق قال : ( والصلح خير ) بل الطلاق بغيض إليه ، سبحانه وتعالى ; ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه جميعا ، عن كثير بن عبيد ، عن محمد بن خالد ، عن معرف بن واصل ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " .

ثم رواه أبو داود عن أحمد بن يونس ، عن معرف عن محارب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر معناه مرسلا .

وقوله : ( وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ أي ] وإن تتجشموا مشقة الصبر على من تكرهون منهن ، وتقسموا لهن أسوة أمثالهن ، فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء .

القول في تأويل قوله : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإن خافت امرأة من بعلها، يقول: علمت من زوجها (1) =" نشوزًا "، يعني: استعلاءً بنفسه عنها إلى غيرها، &; 9-268 &; أثَرةً عليها، وارتفاعًا بها عنها، إِما لبغْضة، وإما لكراهة منه بعض أسبابها (2) إِما دَمامتها، وإما سنها وكبرها، أو غير ذلك من أمورها (3) =" أو إعراضًا "، يعني: انصرافًا عنها بوجهه أو ببعض منافعه التي كانت لها منه (4) =" فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا "، يقول: فلا حرج عليهما، يعني: على المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها (5) =" أن يصلحا بينهما صلحًا "، وهو أن تترك له يومها، أو تضعَ عنه بعض الواجب لها من حقّ عليه، تستعطِفه بذلك وتستديم المُقام في حباله، والتمسك بالعقد الذي بينها وبينه من النكاح= يقول: " والصلح خير "، يعني: والصلح بترك بعض الحقّ استدامةً للحُرْمة، وتماسكًا بعقد النكاح، خيرٌ من طلب الفرقة والطلاق.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10575- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة: أن رجلا أتى عليًّا رضي الله عنه يستفتيه في امرأة خافتْ من بعلها نشوزًا أو إعراضًا، فقال: قد تكون المرأة عند الرجل فتنبُو عيناه عنها من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو فقرها، فتكره فراقه. فإن وضعت له من &; 9-269 &; مهرها شيئًا حَلَّ له، وإن جعلت له من أيامها شيئًا فلا حرج.

10576- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة قال: سئل علي رضي الله عنه: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا "، قال: المرأة الكبيرة، أو الدميمة، أو لا يحبها زوجها، فيصطلحان.

10577- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة وحماد بن سلمة وأبو الأحوص كلهم، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه، بنحوه.

10578- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن خالد بن عرعرة: أن رجلا سأل عليًّا رضي الله عنه عن قوله: " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا "، قال: تكون المرأة عند الرجل دميمة، فتنبو عينُه عنها من دمامتها أو كبرها، فإن جعلت له من أيامها أو مالها شيئًا فلا جناح عليه. (6)

10579- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن أشعث، عن ابن سيرين قال: جاء رجل إلى عمر فسأله عن آية، فكره ذلك وضربه بالدِّرّة، فسأله آخر عن هذه الآية: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، فقال: عن مثل هذا فَسلوا! ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها، (7) فيتزوج المرأة الشابَّة يلتمس ولدَها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائزٌ.

10580- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عمران بن عيينة قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: " وإن امرأة &; 9-270 &; خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر، فيريد أن يتزوج عليها، فيتصالحان بينهما صلحًا، (8) على أن لها يومًا، ولهذه يومان أو ثلاثة. (9)

10581- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران، عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس، بنحوه= إلا أنه قال: حتى تلد أو تكبر= وقال أيضًا: فلا جناح عليهما أن يَصَّالحا على ليلة والأخرى ليلتين.

10582- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير قال: هي المرأة تكون عند الرجل قد طالت صحبتها وكبرت، فيريد أن يستبدل بها، فتكره أن تفارقه، ويتزوج عليها فيصالحها على أن يجعل لها أيامًا، (10) وللأخرى الأيام والشهر.

10583- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: هي المرأة تكون عند الرجل فيريد أن يفارقها، فتكره أن يفارقها، ويريد أن يتزوج فيقول: " إنّي لا أستطيع أن أقسم لك بمثل ما أقسم لها "، فتصالحه على أن يكون لها في الأيام يوم، فيتراضيان على ذلك، فيكونان على ما اصطلحا عليه.

10584- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خيرٌ"، قالت: هذا في المرأة تكون عند الرجل، فلعله أن يكون يستكبر منها، ولا يكون لها ولد ويكون لها صحبة، (11) فتقول: لا تطلقني، وأنت في حِلً من شأني. (12)

10585- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة في قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قالت: هذا الرجل يكون له امرأتان: إحداهما قد عجزت، أو هي دميمة وهو لا يستكثر منها، فتقول: لا تطلِّقني، وأنت في حلِّ من شأني.

10586- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن &; 9-272 &; المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بنحوه= غير أنه قال: فتقول: أجعلك من شأني في حل! فنـزلت هذه الآية في ذلك. (13)

10587- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، فتلك المرأة تكون عند الرجل، لا يرى منها كبير ما يحبُّ، (14) وله امرأة غيرها أحبّ إليه منها، فيؤثرها عليها. فأمره الله إذا كان ذلك، أن يقول لها: " يا هذه، إن شئت أن تقيمي على ما ترين من الأثرة، فأواسيك وأنفق عليك فأقيمي، (15) وإن كرهت خلَّيت سبيلك!"، فإن هي رضيت أن تقيم بعد أن يخيِّرها فلا جناح عليه، وهو قوله: " والصلح خيرٌ"، وهو التخيير.

10588- حدثنا الربيع بن سليمان وبحر بن نصر قالا حدثنا ابن وهب قال، حدثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنـزل الله هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السنّ، (16) فتجعل يومها لامرأة أخرى. قالت ففي ذلك أنـزلت: " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا ". (17)

10589- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سألته عن قول الله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: هي المرأة تكون مع زوجها، فيريد أن يتزوج عليها، فتصالحه من يومها على صلح. قال: فهما على ما اصطلحا عليه. فإن انتقضت به، (18) فعليه أن يعدِل عليها، أو يفارقها.

10590- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يقول ذلك.

10591- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حجاج، عن مجاهد: أنه كان يقول ذلك.

10592- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة في قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا " إلى آخر الآية، قال: يصالحها على ما رضيت دون حقها، فله ذلك ما رضيت. فإذا أنكرت، أو قالت: " غِرْت "، فلها أن يعدل عليها، أو يرضيها، أو يطلِّقها.

10593- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن محمد قال: سألت عبيدة عن قول الله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: هو الرجل تكون له امرأة قدْ خلا من سنها، (19) فتصالحه عن حقها على شيء، فهو له ما رضيت. فإذا كرهت، فلها أن يعدل عليها، أو يرضيها من حقها، أو يطلقها.

10594- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا "، فذكر نحو ذلك= إلا أنه قال: فإن سخطت، فله أن يرضيها، أو يوفيها حقَّها كله، أو يطلقها.

10595- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة قال، قال إبراهيم: إذا شاءت كانت على حقها، وإن شاءت أبت فردّت الصلح، فذاك بيدها. فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها على حقها. (20)

10596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما "، قال قال علي: تكون المرأة عند الرجل الزّمان الكثير، فتخاف أن يطلِّقها، فتصالحه على صلح ما شاء وشاءت= يبيت عندها في كذا وكذا ليلة، وعند أخرى، ما تراضيا عليه= وأن تكون نفقتها دون ما كانت. وما صالحته عليه من شيء فهو جائز.

10597- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن عبد الملك، عن أبيه، عن الحكم: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: هي المرأة تكون عند الرجل، فيريد أن يخلِّي سبيلها. فإذا خافت ذلك منه، فلا جناح عليهما أن يصطلحا بينهما صلحًا، تدع من أيامها إذا تزوج. (21)

10598- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، إلى قوله: " والصلح خير "، وهو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة، فينكح عليها المرأة الشابة، فيكره أن يفارق أم ولده، فيصالحها على عطيَّةٍ من ماله ونفسه فيطيب له ذلك الصلح.

10599- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، فقرأ حتى بلغ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ، وهذا في الرجل تكون عنده المرأة قد خَلا من سنها، وهان عليه بعض أمرها، فيقول: " إن كنت راضيةً من نفسي ومالي بدون ما كنت ترضَيْنَ به قبل اليوم!"، (22) فإن اصطلحا من ذلك على أمر، فقد أحلَّ الله لهما ذلك، وإن أبت، فإنه لا يصلح له أن يحبسها على الخَسْف. (23)

10600- حدثت عن الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار: أنّ رافع بن خديج كان تحته امرأة قد خلا من سنها، فتزوج عليها شابة، فآثر الشابة عليها. فأبت امرأته الأولى أن تقيم على ذلك، فطلقها تطليقة. حتى إذا بقي من أجلها يسير قال: إن شئت راجعتك وصبرتِ على الأثرة، وإن شئت تركتك حتى يخلو أجلك! قالت: بل راجعني وأصبر على الأثرة! فراجعها، ثم آثر عليها، فلم تصبر على الأثرة، فطلَّقها أخرى وآثر عليها الشابة. قال: فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنـزل فيه: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا ".

= قال الحسن قال، عبد الرزاق قال، معمر، وأخبرني أيوب، عن ابن سيرين عن عبيدة، بمثل حديث الزهري= وزاد فيه: فإن أضرَّ بها الثالثة، فإنّ عليه أن يوفِّيها حقها، أو يطلّقها. (24)

10601- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: قول الرجل لامرأته: " أنت كبيرة، وأنا أريد أن أستبدل امرأة شابَّة وضيئة، فقَرِّي على ولدك، فلا أقسم لك من نفسي شيئًا ". فذلك الصلح بينهما، وهو أبو السَّنابل بن بَعْكك. (25)

10602- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح: " من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، ثم ذكر نحوه= قال شبل: فقلت له: فإن كانت لك امرأة فتقسم لها ولم تقسم لهذه؟ قال: إذا صالحتْ على ذلك، (26) فليس عليه شيء.

10603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر قال: سألت عامرًا عن الرجل تكون عنده المرأة يريد أن يطلقها، فتقول: " لا تطلقني، واقسم لي يومًا، وللتي تَزَّوَّج يومين "، قال: لا بأس به، هو صلح.

10604- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير "، قال: المرأة ترى من زوجها بعض الحطّ، (27) وتكون قد كبرت، أو لا تلد، فيريد زوجها أن ينكح غيرها، فيأتيها فيقول: " إني أريد أن أنكح امرأة شابة أشبَّ منك، (28) لعلها أن تَلِدَ لي وأوثرها في الأيام والنفقة "، فإن رضيت بذلك، وإلا طلقها، فيصطلحان على ما أحبَّا.

10605- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، قال: نشوزًا عنها، غَرِضَ بها. (29) الرجل تكون له المرأتان=" أو إعراضًا "، بتركها=" فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا "، إما أن يرضيها فتحلله، وإما أن ترضِيَه فتعطِفُه على نفسها.

10606- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، يعني: البغض.

10607- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا "، فهو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة، فيتزوج عليها المرأة الشابة، فيميل إليها، وتكون أعجب إليه من الكبيرة، فيصالح الكبيرة على أن يعطيها من ماله ويقسم لها من نفسه نصيبًا معلومًا.

10608- حدثنا عمرو بن علي وزيد بن أخزم قالا حدثنا أبو داود قال، &; 9-278 &; حدثنا سليمان بن معاذ، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خشيت سَوْدة أن يطلِّقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلِّقني على نسائك، ولا تَقسم لي. ففعل، فنـزلت: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا " . (30)

* * *

واختلفت القرأة في قراءة قوله: " أن يصلحا بينهما صلحًا " (31)

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة بفتح " الياء " وتشديد " الصاد "، بمعنى: أن يتصالحا بينهما صلحًا، ثم أدغمت " التاء " في" الصاد "، فَصُيِّرتا " صادًا " مشددة. (32)

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: ( أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ) ، بضم " الياء " وتخفيف " الصاد "، بمعنى: أصلح الزوج والمرأة بينهما.

* * *

قال أبو جعفر: وأعجب القراءتين في ذلك إليَّ قراءة من قرأ: ( أن يصالحا بينهما صلحا )، (33) بفتح " الياء " وتشديد " الصاد "، بمعنى: يتصالحا. لأن " التصالح " في هذا الموضع أشهر وأوضح معنى، وأفصح وأكثرُ على ألسن العرب من " الإصلاح ". و " الإصلاح " في خلاف " الإفساد " أشهر منه في معنى " التصالح ".

فإن ظن ظان أن في قوله: " صلحًا "، دلالة على أن قراءة من قرأ ذلك (يُصْلِحَا) بضم " الياء " أولى بالصواب، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن " الصلح " اسم وليس بفعل، فيستدلّ به على أولى القراءتين بالصواب في قوله: " يصلحا بينهما صلحًا ".

* * *

القول في تأويل قوله : وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معناه: وأحضرت أنفس النساء الشح على أنصبائهن من أنفس أزواجهن وأموالهم. (34)

*ذكر من قال ذلك:

10609- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: نصيبها منه.

10610- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد= وحدثنا ابن وكيع قال، &; 9-280 &; حدثنا ابن يمان= قالا جميعًا، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: في الأيَّام.

10611- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: في الأيام والنفقة.

10612- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي وابن يمان، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: في النفقة.

10613- حدثنا ابن وكيع.. قال، حدثنا روح، عن ابن جريج، عن عطاء قال: في النفقة. (35)

10614- وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: في الأيام. (36)

10615- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: نفس المرأة على نصيبها من زوجها، من نفسه وماله.

10616- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، بمثله.

10617- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مثله.

10618- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن سعيد بن جبير: في النفقة.

10619- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس، عن سعيد بن جبير قال: في الأيام والنفقة.

10620- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير قال: في الأيام والنفقة.

10621- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: المرأة تشحُّ على مال زوجها ونفسه.

10622- حدثنا المثنى قال، أخبرنا حبّان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: جاءت المرأة حين نـزلت هذه الآية: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ، قالت: " إني أريد أن تقسم لي من نفسك "! وقد كانت رضيت أن يدَعها فلا يطلِّقها ولا يأتيها، فأنـزل الله: " وأحضرت الأنفس الشحَّ".

10623- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: تطّلع نفسها إلى زوجها وإلى نفقته. قال: وزعم أنها نـزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سودة بنت زمعة: كانت قد كبرت، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلِّقها، فاصطلحا على أن يمسكها، ويجعل يومها لعائشة، فشحَّت بمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وأحضرت نفسُ كل واحدٍ من الرجل والمرأة، الشحَّ بحقه قِبَل صاحبه.

*ذكر من قال ذلك:

10624- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد &; 9-282 &; يقول في قوله: " وأحضرت الأنفس الشح "، قال: لا تطيب نفسُه أن يعطيها شيئًا، فتحلله= ولا تطيب نفسُها أن تعطيه شيئًا من مالها، فتعطفه عليها.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: أحضرت أنفس النساء الشحَّ بأنصبائهن من أزواجهن في الأيام والنفقة.

* * *

و " الشح ": الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع: إفراط حرصِ المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها.

* * *

فتأويل الكلام: وأحضرت أنفس النساء أهواءَهن، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن، والشح بذلك على ضَرائرهن.

* * *

وبنحو ما قلنا في معنى " الشح " ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول:

10625- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وأحضرت الأنفس الشح "، والشح، هواه في الشيء يحرِص عليه.

* * *

وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، من قول من قال: " عُني بذلك: وأحضرت أنفس الرجال والنساء الشح "، على ما قاله ابن زيد= لأن مصالحة الرجل امرأته بإعطائه إياها من ماله جُعْلا على أن تصفح له عن القسم لها، غير جائزة. وذلك أنه غير معتاض عوضًا من جُعْله الذي بذله لها. والجُعل لا يصح إلا على عِوض: إما عين، وإما منفعة. والرجل متى جعل للمرأة جُعْلا على أن تصفح له عن يومها وليلتها، فلم يملك عليها عينًا ولا منفعة. وإذْ كان ذلك كذلك، كان ذلك من معاني أكل المال بالباطل. وإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا وجه لقول من قال: " عنى بذلك الرجل والمرأة ".

فإن ظن ظانّ أن ذلك إذْ كان حقًّا للمرأة، ولها المطالبة به، فللرجل افتداؤه منها بجُعل، فإن شفعة المستشفع في حصة من دارٍ اشتراها رجل من شريك له فيها حق، له المطالبة بها، فقد يجب أن يكون للمطلوب افتداءُ ذلك منه بجُعل. وفي إجماع الجميع على أن الصلح في ذلك على عِوض غيرُ جائز، إذ كان غير مُعتاض منه المطلوب في الشفعة عينًا ولا نفعًا= ما يدل على بُطول صلح الرجل امرأته على عوض، على أن تصفح عن مطالبتها إياه بالقسمة لها.

وإذا فسد ذلك، صَح أن تأويل الآية ما قلنا. وقد أبان الخبر الذي ذكرناه عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار (37) أنّ قوله: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ، الآية: نـزلت في أمر رافع بن خديج وزوجته، إذ تزوج عليها شابة، فآثر الشابَّة عليها، فأبت الكبيرة أن تَقِرَّ على الأثرة، فطلقها تطليقة وتركها. فلما قارب انقضاء عِدَّتها خيَّرها بين الفراق والرجعة والصبر على الأثرة، فاختارت الرجعة والصبر على الأثرة. فراجعها وآثر عليها، فلم تصبر، فطلقها. ففي ذلك دليل واضحٌ على أن قوله: " وأحضرت الأنفس الشح "، إنما عُني به: وأحضرت أنفس النساء الشحَّ بحقوقهن من أزواجهن، على ما وصفنا.

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله " وإن تحسنوا وتتقوا "، فإنه يعني: وإن تحسنوا، أيها الرجال، في أفعالكم إلى نسائكم، (38) إذا كرهتم منهن دَمامة أو خُلُقًا أو بعضَ ما تكرهون منهن بالصبر عليهن، وإيفائهن حقوقهن وعشرتهن بالمعروف " وتتقوا "، يقول: وتتقوا الله فيهن بترك الجَوْر منكم عليهن فيما يجب لمن كرهتموه منهن عليكم، من القسمة له، والنفقة، والعشرة بالمعروف (39) =" فإن الله كان &; 9-284 &; بما تعملون خبيرًا "، يقول: فإن الله كان بما تعلمون في أمور نسائكم، أيها الرجال، من الإحسان إليهن والعشرة بالمعروف، والجور عليهن فيما يلزمكم لهنّ ويجب=" خبيرًا "، يعني: عالمًا خابرًا، لا يخفي عليه منه شيء، بل هو به عالم، وله محصٍ عليكم، حتى يوفِّيكم جزاءَ ذلك: المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. (40)

--------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"الخوف" فيما سلف 4: 550 / ثم تفسيره بمعنى: العلم فيما سلف 8 : 298 ، 299.

وانظر تفسير"بعل" فيما سلف 4 : 526.

(2) في المطبوعة: "بعض أشياء بها" ، وهو كلام سخيف ، لم يحسن فهم ما في المخطوطة. و"الأسباب" جمع"سبب" ، وأصله الحبل ، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شيء. ثم استعمله أهل القرنين الثاني والثالث وما بعدهما بمعنى: كل ما يتصل بشيء أو يتعلق به. وقد مضى في مواضع من كلام أبي جعفر أخشى أن أكون أشرت إليها في التعليق ، ثم غابت عني الآن.

(3) انظر تفسير"النشوز" فيما سلف 3 : 475 ، 476 / 8 : 299.

(4) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف 2 : 298 ، 299 / 6 : 291 / 8: 88 ، 566.

(5) انظر تفسير"الجناح" فيما سلف ص: 163 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(6) في المطبوعة: "فليس عليه جناح" ، وهما سواء ، وأثبت ما في المخطوطة.

(7) في المخطوطة: "هذه الامرأة" وهو الأصل في إدخال التعريف على"امرأة" ، ولكنه قل في كلامهم ، وحكاه أبو علي الفارسي ، وهذا شاهده. ولم أثبته ، وتركت ما في المطبوعة ، لئلا أغرب على القارئ!!

و"خلا من سنها" ، أي: كبرت ومضى معظم عمرها. من قولهم: "خلا قرن وزمان" أي: مضى.

(8) في المطبوعة: "فيتصالحا" ، والصواب من المخطوطة.

(9) الأثر: 10580 -"عمران بن عيينة بن أبي عمران الهلالي" أخو"سفيان بن عيينة" قال ابن معين وأبو زرعة: "صالح الحديث" ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وهو صدوق. وقال أبو حاتم: "لا يحتج بحديثه لأنه يأتي بالمناكير". مترجم في التهذيب. وقد مضى في رقم: 4189 ، بمثل هذا الإسناد.

(10) في المطبوعة: "فيتزوج عليها فيصالحا على أن يجعل ..." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(11) في المطبوعة: "فلعله لا يكون تستكثر منها ، ولا يكون لها ولد ولها صحبة" ، غير ما في المخطوطة. وأثبت ما في المخطوطة ، لأنه صواب في معناه ، قوله: "يستكبر منها" أي: يرى أنها بلغت من السن والكبر مبلغًا ، يحمله على طلب الشواب. وقوله: "ولا يكون لها ولد يكون لها صحبة" ، أي: ولد يدعوه إلى صحبتها وترك مفارقتها. والذي دعا الناشر أن يصححه هو أن حديث عائشة في روايات أخرى ، تقول: "الرجل عنده المرأة ليس بمستكثر منها ، يريد أن يفارقها" ، وهو لفظ البخاري ، وكما سيأتي في الأثر التالي: 10585. ولكن ذلك ليس داعية إلى مثل هذا التغيير ، فإن المعنى الذي ذكرته ، قد جاء عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في الأثر: 10585 ، 10588 ، وهو: "في المرأة إذا دخلت في السن". فلا معنى لتغيير رواية إلا بعد التحقق من خطأ معناها ، أو صواب روايتها في مكان آخر. وانظر تخريج هذا الأثر في التعاليق التالية.

(12) الأثر: 10584 - خبر هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق متتابعة ، ومن طريق مفردة رقم: 10588.

ورواه البخاري بغير هذا اللفظ (الفتح 9 : 266) من طريق ابن سلام ، عن أبي معاوية ، عن هشام. ثم رواه بلفظ آخر (الفتح 8 : 199).

ورواه البخاري بغير هذا اللفظ (الفتح 8 : 199) من طريق محمد بن مقاتل ، عن عبد الله بن المبارك ، عن هشام عن عائشة وهو إسناد أبي جعفر رقم: 10586. ثم رواه بلفظ آخر (الفتح 9 : 266) من طريق ابن سلام ، عن أبي معاوية ، عن هشام.

ورواه مسلم (18 : 157) من طريق أبي كريب ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، ولفظه أقرب إلى اللفظ الذي أقره ناشر المطبوعة الأولى ، وذلك: "نزلت في المرأة تكون عند الرجل ، فلعله أن لا يستكثر منها ، وتكون لها صحبة وولد ، فتكره أن يفارقها" الحديث. وأخرجه البيهقي في السنن 7 : 296 بلفظ آخر.

(13) الأثران - 10585 ، 10586 - هما مكرر الأثر السالف من طريقين.

(14) في المطبوعة: "كثير ما يحب" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، فرجحت قراءتها كما أثبت.

(15) "المواساة" من"الأسوة" ، أصلها الهمزة ، فقلبت واوا تخفيفًا. وهي المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق.

(16) قولها: "دخلت في السن" ، أي: كبرت وارتفعت سنها.

(17) الأثر: 10588 -"بحر بن نصر بن سابق الخولاني" المصري ، ثقة صدوق. روى عن ابن وهب ، والشافعي ، وأسد بن موسى. روى عنه أبو جعفر الطحاوي. مترجم في التهذيب. هذا ، والإسناد في المخطوطة ، ليس فيه"بحر بن نصر" ، بل هو مفرد بذكر الربيع. ولم أجد الخبر من هذا الوجه في مكان آخر.

(18) في المطبوعة: "انتقصت به" بالصاد ، وأنا في شك لازم منها ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، فرجحت قراءتها كما أثبت ، من قولهم: "نقض الأمر بعد إبرامه ، وانتقض وتناقض" ، واستعمال"به" مع"انتقضت" عربي جيد ، كأنه يحمل معنى"خاص به" ، أي نقضه.

(19) "خلا من سنها" ، كبرت ومضى أطيب عمرها.

(20) الأثر: 10595 - هذا الأثر ساقط من المخطوطة.

(21) الأثر: 10597 -"يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الخزاعي" أبو زكرياء: ثقة. مترجم في التهذيب.

وأبوه: "عبد الملك بن حميد بن أبي غنية" وهو"ابن أبي غنية" ، مضى برقم: 8535.

(22) جواب الشرط محذوف ، لدلالة الكلام عليه ، أي: إن كنت راضية بذلك ، فذلك ، وإلا فارقتك.

(23) "على الخسف": أي على النقيصة ، وتحميلها ما تكره.

(24) الأثر: 10600 - هذا الأثر رواه الحاكم في المستدرك 2 : 308 بهذا اللفظ من طريق إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، مرفوعًا إلى رافع بن خديج. وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.

ورواه البيهقي في السنن 7 : 296 من طريق أخرى مطولا ، من طريق أبي اليمان ، عن شعيب بن أبي جمرة ، عن الزهري.

ورواه مالك في الموطأ: 548"عن ابن شهاب ، عن رافع بن خديج: أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصاري" الحديث ، وهو قريب من لفظ معمر ، عن الزهري.

وروى الشافعي خبر رافع بن خديج ، مختصرًا من طريق سفيان بن عيينة ، عن الزهري (الأم 5 : 171) .

(25) الأثر: 10601 -"أبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار القرشي" ، هو صحابي من مسلمة الفتح ، أخرج له الترمذي ، والنسائي وابن ماجه.

و"بعكك" (بفتح فسكون ففتح) على وزن"جعفر".

(26) في المطبوعة: "إذا صالحته" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(27) في المطبوعة: "بعض الجفاء" ، غير ما في المخطوطة. و"الحط" الوضع والإنزال. ويريد: بعض البخس من حقها ، والفتور في مودتها.

(28) في المطبوعة والمخطوطة: "أنسب منك" ، وهو تصحيف ، صواب قراءته ما أثبت.

(29) "غرض بها" (بالغين المفتوحة وكسر الراء): ضجر بها وملها. وفي المخطوطة والمطبوعة بالعين المهملة ، وهو خطأ صوابه ما أثبت. ثم قوله بعد ذلك: "الرجل تكون له المرأتان" ، يعني: أن ذلك في الرجل تكون له المرأتان. وهو كلام مبتدأ لا يتعلق بالفعل الذي قبله.

(30) الأثر: 10608 -"زيد بن أخزم الطائي النبهاني" الحافظ ، روى عن أبي داود الطيالسي ، ويحيى القطان ، وابن مهدي ، وأبي عامر العقدي. روى عنه الجماعة ، سوى مسلم. قال النسائي: "ثقة". ذبحه الزنج في الفتنة سنة 257. مترجم في التهذيب.

و"أخزم" بالخاء المعجمة ، والزاي. وكانا في المطبوعة: "أخرم" ، وهو خطأ. وهذا الأثر ساقط من المخطوطة.

والأثر في مسند أبي داود: 349 رقم: 2683 ، وفي الترمذي في كتاب التفسير ، والبيهقي في السنن 3 : 297 ، واتفقت روايتهم جميعًا:

" ... فقالَتْ: لا تُطَلِّقني وأمسكني ، واجعل يومي لعائشة. ففعل ، فنزلت هذه الآية: وَإن امرأةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أو إعراضًا ، الآية ، فما اصطلحا عليه من شَيءٍ فهو جائز".

فلا أدري من أين جاء هذا الاختلاف في لفظ الخبر؟ وأرجو أن لا يكون تصرفًا من ناسخ سابق.

وقال الترمذي بعقب روايته: "هذا حديث حسن صحيح غريب".

(31) في المخطوطة والمطبوعة: "أن يصالحا بينهما" بالألف ، وصواب كتابتها ما أثبت ، على رسم المصحف ، حتى يحتمل الرسم القراءتين جميعًا.

(32) هكذا رسم هذه القراءة: (أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا).

(33) في المخطوطة والمطبوعة معًا: "إلا أن يصالحا" ، زاد الناسخ"إلا" سهوًا ، وتابعه الناشر.

(34) في المطبوعة: "وأموالهن" ، والصواب من المخطوطة.

(35) الأثر: 10613 - أخشى أن يكون صواب إسناده"حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا روح" سقط منه"حدثنا أبي قال".

(36) الأثر: 10614 - هذا الأثر ساقط من المخطوطة.

(37) هو الأثر رقم: 10600.

(38) انظر تفسير"الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة.

(39) انظر تفسير"التقوى" فيما سلف من فهارس اللغة.

(40) انظر تفسير"خبير" فيما سلف من فهارس اللغة.

التدبر :

وقفة
[128] ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ فقط خافت، لم يحصل شيء، وجد لها الحل، أي حماية ورعاية هذه؟!
وقفة
[128] ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ مجرد تَوَقُّع الإعراض -وإن قلَّ- يستَوجِبُ الخوفَ في عُرْفِ المُحِبِّين.
وقفة
[128] ﴿نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: 259] النشوز: هو الارتفاع، أي كيف نرفعها من الأرض ونردها إلى مكانها من الجسد، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا﴾ أي ارتفاعا معنويًا، والمقصود به تسلطًا وظلمًا ومنه أيضًا: ﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا﴾ [المجادلة: 11]، أي ارتفعوا من الأرض وقوموا من المجلس.
وقفة
[128] من الأزواج من ينشز عن الزوجة، يترفع عليها، يعرض عنها، لا يجلس إليها، ولا يستأنس بها، ويكلمها بأنفه ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾.
وقفة
[128] الصلح أحب إلى الله سبحانه من الطلاق.
عمل
[128] أصلح أو شارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين.
وقفة
[128] استحباب المصالحة بين الزوجين عند المنازعة، وتغليب المصلحة بالتنازل عن بعض الحقوق إدامة لعقد الزوجية ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وقفة
[128] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ الساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة.
وقفة
[128] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ خير من ماذا؟! قَالَ ﷺ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. [أحمد 6/444، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح].
وقفة
[128] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ يؤخذ من عموم هذا اللفظ أن المصلح بين المتنازعين خير من استقصاء كل منهما لحقه.
وقفة
[128] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ المصلح لابد أن يصلح الله سعيه وعمله.
وقفة
[128] أصلح فالصلح خير، يمحوك من أجل غلطة، ولا يمحو الغلطة من أجلك، ثم يدعي الأخلاق وهو من طعنها في خاصرتها بخنجر الجحود ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وقفة
[128] قد يظن بعض الأزواج أنه إذا تنازل أن ذلك هضم لحقه، وأن العاقبة غير حميدة، لكن الله عز وجل الذي بيده ملكوت السماوات والأرض يقول: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وقفة
[128] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ جبلت النفوس على الشح؛ وهو عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له؛ فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا؛ أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده؛ وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك.
وقفة
[128] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ لا بد من مقاومة ضعف النفس التي لا ترغب في التنازل عن بعض حقوقها، بما قد يمنع الزوجين من الصلح، والحل بالتنازل وبذل ما يمكن بذله، والتسامح لاجل استمرار الأسرة.
وقفة
[128] إذا حصل نشوز وإعراض من أحد الزوجين فخير طريق للصلح ترغيبه بالإحسان والتقوى ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا﴾.
وقفة
[128] ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ لا يعطل الصلح بين المتخاصمين، ولا يطيل الخصومة، إلا الشح، فكل خصم يصيح: حقي! حقي!
عمل
[128] احذر من مطاوعة النفس على الشح والطمع، وقم بتربيتها على الإيثار والسماحة ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾.
وقفة
[128] ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ اســم الله (الـخبـيـر): الذى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ:
  • الواو: استئنافية. إن: حرف شرط جازم كسر آخره لالتقاء الساكنين. امرأة: فاعل مرفوع بالضمة لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده. خافت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي.
  • ﴿ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً:
  • جار ومجرور و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. نشوزا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى ضربا و «مِنْ بَعْلِها» متعلق بخافت أو بحال لأنه صفة مقدمة من نشوزا.
  • ﴿ أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ:
  • أو: حرف عطف. إعراضا: معطوفة على «نُشُوزاً» منصوبة مثلها. فلا: الفاء واقعة في جواب الشرط. لا: نافية للجنس تعمل عمل «إن». جناح: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. وجملة «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ عَلَيْهِما:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «لا» المحذوف وجوبا تقديره: كائن. الميم: حرف عماد والالف علامة التثنية.
  • ﴿ أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما:
  • أن حرف مصدرية ونصب. يصلحا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الافعال الخمسة والالف: الف الاثنين في محل رفع فاعل و «إِنِ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. بينهما: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بيصلحا. والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم: حرف عماد. والألف علامة التثنية وحذف المفعول اختصارا أي الحال. أو يكون بينهما هو مفعول «يُصْلِحا» بمعنى أن يصلحا وصلهما.
  • ﴿ صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ:
  • صلحا: في معنى المصدر: مفعول مطلق منصوب بالفتحة. والصلح: الواو: اعتراضية. الصلح: مبتدأ مرفوع بالضمة وخير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وأصله: أخير حذفت ألفه لأنه أبلغ والجملة الاسمية «الصُّلْحُ خَيْرٌ» اعتراضية لا محل لها. أو يكون «بَيْنَهُما» هو المفعول بمعنى وصلهما..
  • ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ:
  • الواو: اعتراضية أيضا والجملة بعدها: اعتراضية لا محل لها. أحضرت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. الأنفس: نائب فاعل مرفوع بالضمة. الشح: مفعول به منصوب بالفتحة والمعنى: أنّ الشحّ جعل حاضرا لها أي وجبلت الأنفس على الشح.
  • ﴿ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا:
  • الواو: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. تحسنوا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل محل رفع فاعل والالف فارقة. وتتقوا: معطوفة بالواو على «تُحْسِنُوا» وتعرب مثلها.
  • ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية «كان خبيرا» في محل رفع خبر «إن». وجملة «فإنّ الله كان خبيرا» جواب الشرط مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً:
  • جار ومجرور متعلق بخبير. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. تعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. خبيرا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة وجملة «تَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به أي بما تعملونه. '

المتشابهات :

النساء: 128﴿وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
النساء: 135﴿وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها -وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا). قالت: الرجل تكون عنده المرأة، ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حِلِّ فنزلت هذه الآية في ذلك. ولفظ ابن ماجه: عن عائشة أنها قالت: نزلت هذه الآيةوَالصُّلْحُ خَيْرٌ) في رجل كانت تحته امرأة قد طالت صحبتها. وولدت منه أولادًا. فأراد أن يستبدل بها فراضته على أن تقيم عنده ولا يقسم لها. 2 - أخرج أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا ابن أُختي كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفَرِقت أن يفارقها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا رسول الله، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها. قالت: نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها أراه قالوَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا). 3 - وأخرج الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل فنزلتفَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين الأحاديث المتقدمة جميعاً أو بعضها على اختلاف بينهم كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال الطبريإذا علمت المرأة من زوجها استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها أَثَرَة عليها، وارتفاعًا بها عنها، إما لبغضة وإما لكراهة منه بعض أشياء بها، إما دمامتها، وإما سنها وكبرها أو غير ذلك من أمورها فلا جناح على المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها، أن يصلحا بينهما صلحاً وهو أن تترك له يومها، أو تضع عنه بعض الواجب لها من حق عليه، تستعطفه بذلك، وتستديم المقام في حباله والتمسك بالعقد الذي بينها وبينه من النكاح، والصلح بترك بعض الحق استدامة للحرمة، وتماسكاً بعقد النكاح خير من طلب الفرقة والطلاق) اهـ. وقال ابن كثير نحواً من قول الطبري وزادوكذا فسرها ابن عبَّاسٍ وعبيدة السلماني ومجاهد ابن جبر والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطية العوفي ومكحول والحسن والحكم بن عتبة وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة ولا أعلم في ذلك خلافاً أن المراد بهذه الآية هذا والله أعلم) اهـ.وهذا الكلام المتقدم يتفق بحمد الله مع ما رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - في الحديث الأول، وإذا اجتمع في سبب النزول صحة سنده، وموافقته لسياق الآيات، صحت رئاسته، واستقامت قوامته.أما ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - وأن الآية نزلت في سودة حين أراد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فراقها فقد تبين من دراسة سنده أنه غير محفوظ.وأما ما رواه الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في شأن سودة أيضاً فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - من قولها الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها ويريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حلِّ. فنزلت الآية وذلك لصحة سنده وموافقته للفظ الآية وتصريحه بالنزول والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [128] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل في الآية (34) الإجراءاتِ التي يُعالِجُ بها النشوزَ والإعراضَ من جانبِ الزوجة؛ بَيَّنَ اللهُ هنا الاجراءاتِ التي يُعالِجُ بها النشوزَ والإعراضَ من جانبِ الزوجِ، ثم رغب اللهُ عز وجل هنا في بقاء الرابطة الزوجية بقدر المستطاع، قال تعالى:
﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

القراءات :

الشح:
وقرئ:
الشح، بكسر الشين، وهى لغة، وهى قراءة العدوى.

مدارسة الآية : [129] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ..

التفسير :

[129] ولن تقدروا -أيها الرجال- على تحقيق العدل التام بين النساء في المحبة وميل القلب، مهما بذلتم في ذلك من الجهد، فلا تعرضوا عن المرغوب عنها كل الإعراض، فتتركوها كالمرأة التي ليست بذات زوج ولا هي مطلقة فتأثموا. وإن تصلحوا أعمالكم فتعدلوا في قَسْمكم بين زو

يخبر تعالى:أن الأزواج لا يستطيعون وليس في قدرتهم العدل التام بين النساء، وذلك لأن العدل يستلزم وجود المحبة على السواء، والداعي على السواء، والميل في القلب إليهن على السواء، ثم العمل بمقتضى ذلك. وهذا متعذر غير ممكن، فلذلك عفا الله عما لا يستطاع، ونهى عما هو ممكن بقوله:{ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ْ} أي:لا تميلوا ميلا كثيرا بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة، بل افعلوا ما هو باستطاعتكم من العدل. فالنفقة والكسوة والقسم ونحوها عليكم أن تعدلوا بينهن فيها، بخلاف الحب والوطء ونحو ذلك، فإن الزوجة إذا ترك زوجها ما يجب لها، صارت كالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح وتستعد للتزوج، ولا ذات زوج يقوم بحقوقها.{ وَإِنْ تُصْلِحُوا ْ} ما بينكم وبين زوجاتكم، بإجبار أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس، احتسابا وقياما بحق الزوجة، وتصلحوا أيضا فيما بينكم وبين الناس، وتصلحوا أيضا بين الناس فيما تنازعوا فيه، وهذا يستلزم الحث على كل طريق يوصل إلى الصلح مطلقا كما تقدم.{ وَتَتَّقُوا ْ} الله بفعل المأمور وترك المحظور، والصبر على المقدور.{ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ْ} يغفر ما صدر منكم من الذنوب والتقصير في الحق الواجب، ويرحمكم كما عطفتم على أزواجكم ورحمتموهن.

ثم بين- سبحانه- أن تحقيق العدالة الكاملة في الحياة الزوجية غير ممكن فقال- تعالى- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ.

والخطاب هنا للرجال الذين يتزوجون بأكثر من زوجة.

والمعنى: ولن تستطيعوا- أيها الرجال- أن تعدلوا بين زوجاتكم المتعددات عدلا كاملا في المحبة وفي الميل القلبي وفي غير ذلك من الأمور التي تختلف باختلاف تآلف النفوس وتنافرها.

ولو أنكم حرصتم على العدل الكامل في مثل هذه الأمور النفسية لما استطعتم، لأن الميل النفسي لا يملكه الإنسان ولا يستطيع التحكم فيه.

قال ابن كثير: نزلت هذه الآية في عائشة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها أكثر من غيرها. وقد روى الترمذي وأبو داود وغيرهما عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل. ثم يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك. فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعنى القلب .

وقوله فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ إرشاد من الله- تعالى- للرجال إلى ما يجب عليهم نحو نسائهم المتعددات اللائي ليس في استطاعتهم التسوية بينهن في الميل القلبي.

أى: إذا ثبت أنكم لن تستطيعوا أن تعدلوا بينهن عدلا كاملا من جميع الوجوه ولو حرصتم على هذا العدل أتم الحرص. إذا ثبت ذلك فلا تميلوا كل الميل إلى إحداهن بأن تبالغوا في إرضائها والإقبال عليها حتى تصير الأخرى التي ملتم عنها وهجرتموها كالمعلقة أى كالمرأة التي لا هي بذات زوج فتنال منه حقوقها الزوجية ولا هي بمطلقة فترجو من الله أن يرزقها بالزوج الذي يكرمها. وإنما الواجب عليكم- يا معشر الرجال- أن تجاهدوا أنفسكم حتى تصلوا إلى الحق المستطاع من العدل بين الزوجات.

فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما- أى لم يعدل بينهما فيما يمكنه العدل فيه- جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط» .

وعن مجاهد قال: «كانوا يسوون بين الضرائر حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه» .

وقوله كُلَّ الْمَيْلِ نصب لفظ كل على المصدرية لأنها على حسب ما تضاف إليه من مصدر أو ظرف أو غيره.

وقوله فَتَذَرُوها منصوب بإضمار أن في جواب النهى. أو مجزوم عطفا على الفعل قبله.

والجملة الكريمة توبيخ للأزواج الذين لا يعدلون بين نسائهم.

قال القرطبي: وقوله فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أى: لا هي مطلقة ولا ذات زوج. وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء، لأنه لا على الأرض استقر ولا على ما علق عليه انحمل، وهذا مطرد في قولهم في المثل: (ارض من المركب بالتعليق) . وفي حديث أم زرع: زوجي العشنق- أى الطويل الممتد القامة- إن أنطق أطلق. وإن أسكت أعلق- أى أهمل وأترك حتى لكأننى بدون زوج- .

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.

أى: وإن تصلحوا أعمالكم- أيها الناس- فتعدلوا في قسمتكم بين أزواجكم وتعاشروهن بالمعروف، وتتقوا الله وتراقبوه فيهن، وتتوبوا إلى الله توبة نصوحا مما حدث منكم من ظلم لهن.

إن تفعلوا ذلك يغفر الله لكم ذنوبكم ويتفضل عليكم برحمته وإحسانه.

هذا وقد ادعى بعض الذين لم يفهموا تعاليم الإسلام فهما سليما أن هذه الآية بضمها إلى قوله- تعالى- في مطلع هذه السورة فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً يكون منع تعدد الزوجات جائزا شرعا، لأن الله تعالى- قد بين في الآية التي معنا وهي قوله وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا أن العدل بين الزوجات المتعددات غير مستطاع، وبين في الآية الأخرى وهي قوله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أن الجمع بين النساء غير جائز إلا عند الوثوق من العدل بينهن، وبما أن العدل بينهن غير مستطاع بنص الآية التي معنا، إذا فالجمع بين النساء غير جائز، وعلى الرجل أن يكتفى بواحدة.

وللرد على هذه الدعوى نقول: إن العدل الذي أخبر الله عنه غير مستطاع، هو العدل الذي يتعلق بالتسوية بين الزوجات في الحب القلبي، والميل النفسي، والتجاوب العاطفى، إذ من المعلوم أن هذه الأمور النفسية لا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيها. فأنت- مثلا- تجلس في مجلس فيه أشخاص متعددون لا تعرفهم فتحس بارتياح لبعضهم وبنفور من بعضهم مع أنك لم يسبق لك أن اختلطت بواحد منهم، وما ذلك إلا لأن الميول القلبية يعجز الإنسان عن التحكم فيها.

أما العدل الذي جعله الله شرطا في جواز الجمع بين الزوجات فهو العدل الذي يتعلق بالتسوية فيما يقدر عليه الإنسان ويملكه مثل التسوية بينهن في النفقة والكسوة والسكنى والمبيت.

وغير ذلك من الأمور التي يقدر عليها.

وبهذا نرى أن موضوع الآية التي معنا يتعلق بالعدل النفسي وهو أمر غير مستطاع كما جاء في الحديث الشريف: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» .

وأما موضوع الآية التي في صدر السورة وهي قوله- تعالى- فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً فيتعلق بالعدل الظاهري الذي يقدر عليه الإنسان مثل التسوية في النفقة وغير ذلك مما يقدر عليه الإنسان.

ومع هذا، فالآية التي معنا لم تطالب الرجل بالعدالة المطلقة الكاملة بين زوجاته بأن يسوى بينهن في كل شيء، لأن العدل بهذا المعنى غير مستطاع للمكلف ولو حرص على إقامته وبالغ في ذلك. وإنما الآية الكريمة طالبته بالممكن منه فكأنها تقول: إنكم- أيها الرجال- لن تستطيعوا أن تعدلوا العدل المطلق الكامل بين زوجاتكم في القسم والنفقة والتعهد والنظر والمؤانسة والمحبة وغير ذلك مما لا يكاد يحصر وَلَوْ حَرَصْتُمْ على هذا العدل الكامل أتم الحرص لما استطعتموه، ولذلك لم يكلفكم الله به، إذ التكليف الشرعي إنما يكون بما في الوسع والطاقة، وإذا كان الأمر كذلك فاجتهدوا ما استطعتم في العدل بين زوجاتكم، ولا تميلوا كل الميل إلى واحدة منهن وتهملوا الأخرى إهمالا يجعلها كأنها لا هي ذات زوج ولا هي مطلقة.

فإن العجز عن العدل المطلق الكامل لا يمنع تكليفكم بما دون ذلك من المراتب التي تقدرون عليها قالوا: ما لا يدرك كله لا يترك كله.

وبهذا نرى أن الآيتين الكريمتين تدعوان المسلم إلى العدل بين زوجاته بالقدر الذي يستطيعه بدون تقصير أو جور، وأنهما بانضمام معناهما لا تمنعان تعدد الزوجات كما ادعى المدعون.

وقوله تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) أي : لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه ، فإنه وإن حصل القسم الصوري : ليلة وليلة ، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع ، كما قاله ابن عباس ، وعبيدة السلماني ، ومجاهد ، والحسن البصري ، والضحاك بن مزاحم .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة قال : نزلت هذه الآية : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) في عائشة . يعني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني : القلب .

لفظ أبي داود ، وهذا إسناد صحيح ، لكن قال الترمذي : رواه حماد بن زيد وغير واحد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة مرسلا قال : وهذا أصح .

وقوله ( فلا تميلوا كل الميل ) أي : فإذا ملتم إلى واحدة منهم فلا تبالغوا في الميل بالكلية ( فتذروها كالمعلقة ) أي : فتبقى هذه الأخرى معلقة .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : معناه لا ذات زوج ولا مطلقة .

وقد قال أبو داود الطيالسي : أنبأنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط " .

وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث همام بن يحيى ، عن قتادة ، به . وقال الترمذي : إنما أسنده همام ، ورواه عن قتادة - قال : " كان يقال " . ولا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همام .

وقوله : ( وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) أي : وإن أصلحتم في أموركم ، وقسمتم بالعدل فيما تملكون ، واتقيتم الله في جميع الأحوال ، غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض .

القول في تأويل قوله : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء "، لن تطيقوا، أيها الرجال، أن تسوُّوا بين نسائكم وأزواجكم في حُبِّهن بقلوبكم حتى تعدِلوا بينهنّ في ذلك، فلا يكون في قلوبكم لبعضهن من المحبة إلا مثلُ ما لصواحبها، لأن ذلك مما لا تملكونه، وليس إليكم=" ولو حرصتم "، يقول: ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك، كما:-

10626 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، قال: واجبٌ، أن لا تستطيعوا العدل بينهن.

* * *

=" فلا تميلوا كلَّ الميل "، يقول: فلا تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منهن كلَّ الميل، حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق: في القسم لهن، والنفقة عليهن، والعشرة بالمعروف (41) = " فتذروها كالمعلقة " يقول: فتذروا التي هي سوى التي ملتم بأهوائكم إليها=" كالمعلقة "، يعني: كالتي لا هي ذات زوج، ولا هي أيِّمٌ.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ما قلنا في قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ".

10627 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، قال: بنفسه في الحب والجماع.

10628- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن يونس، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، قال: بنفسه.

10629- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن أشعث وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سألته عن قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، فقال: في الجماع

10630- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: في الحب والجماع.

10631 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل، عن عمرو، عن الحسن: في الحب.

10632 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: في الحب والجماع.

10633- حدثنا الحسن بن يحيى قال، قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة في قوله: " ولن تستطيعوا أن &; 9-286 &; تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، قال: في المودة، كأنه يعني الحبّ.

10634- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، يقول: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهن ولو حرصت.

10635 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة= وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة= قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم أمَّا قلبي فلا أملك! وأما سِوَى ذلك، فأرجو أن أعدل!

10636 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، يعني: في الحب والجماع.

10637- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية= وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب= قالا جميعًا، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قَسْمِي فيما أملك، فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أملك. (42)

10638 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة قال: نـزلت هذه الآية في عائشة: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء " .

10639 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك، قال: في الشهوة والجماع.

10640 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: في الجماع.

10641 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال، قال سفيان في قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، قال: في الحب والجماع.

10642- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، قال: ما يكون من بدنه وقلبه، فذلك شيء لا يستطيع يَمْلكه. (43)

* * *

ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: " فلا تميلوا كلَّ الميل ".

10643 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن محمد قال: قلت لعبيدة: " فلا تميلوا كل الميل "، قال: بنفسه.

10644- حدثنا سفيان قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة، مثله.

10645 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة: " فلا تميلوا كل الميل "، قال هشام: أظنه قال: في الحب والجماع.

10646- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة في قوله: " كل الميل "، قال: بنفسه.

10647 - حدثنا بحر بن نصر الخولاني قال، حدثنا بشر بن بكر قال، أخبرنا الأوزاعي، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن قول الله: " فلا تميلوا كل الميل "، قال: بنفسه. (44)

10648 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: " فلا تميلوا كل الميل "، قال: في الغشيان والقَسْم. (45)

10649 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فلا تميلوا كل الميل "، لا تعمَّدوا الإساءة.

10650 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

10651- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد: " فلا تميلوا كل الميل "، قال: يتعمد أن يسيء ويظلم. (46)

10652 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

10653- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " فلا تميلوا كل الميل "، قال: هذا في العمل في مبيته عندها، وفيما تصيب من خيره.

10654 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فلا تميلوا كل الميل "، يقول: يميل عليها، فلا ينفق عليها، ولا يقسم لها يومًا.

10655 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: " فلا تميلوا كل الميل "، قال: يتعمد الإساءة، يقول: " لا تميلوا كل الميل "، قال: بلغني أنه الجماع.

10656 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذه قِسْمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك! (47)

10657- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله. (48)

10658 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نَهيك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له امرأتان يَميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أحدُ شِقَّيه ساقط. (49)

* * *

ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: " فتذروها كالمعلقة ".

10659 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فتذروها كالمعلقة "، قال: تذروها لا هي أيّم، ولا هي ذات زوج. (50)

10660- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن أشعث، عن جعفر &; 9-291 &; ، عن سعيد بن جبير: " فتذروها كالمعلقة "، قال: لا أيِّمًا ولا ذات بعل.

10661 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن مبارك، عن الحسن: " فتذروها كالمعلقة "، قال: لا مطلقة ولا ذات بعل.

10662- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن، مثله.

10663 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فتذروها كالمعلقة "، أي كالمحبوسة، أو كالمسجونة.

10664- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " فتذروها كالمعلقة "، قال: كالمسجونة. (51)

10665 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله: " فتذروها كالمعلقة "، يقول: لا مطلقة ولا ذات بعل.

10666- حدثني المثنى قال، حدثني إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله: " فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة "، لا مطلقة ولا ذات بعل. (52)

10667- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد: " فتذروها كالمعلقة "، قال: لا أيما ولا ذات بعل.

&; 9-292 &;

10668 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح: " فتذروها كالمعلقة "، ليست بأيم ولا ذات زوج.

10669- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي وأبو خالد وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك، قال: لا تدعها كأنها ليس لها زوج.

10670- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فتذروها كالمعلقة "، قال: لا أيِّمًا ولا ذات بعل.

10671 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فتذروها كالمعلقة "، قال: " المعلقة "، التي ليست بمُخَلاة ونفسها فتبتغي لها، وليست متهيئة كهيئة المرأة من زوجها، لا هي عند زوجها، ولا مفارقة، فتبتغي لنفسها. فتلك " المعلقة ".

* * *

قال أبو جعفر: وإنما أمر الله جل ثناؤه بقوله: " فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة "، الرجالَ بالعدل بين أزواجهن فيما استطاعوا فيه العدل بينهن من القسمة بينهن، والنفقة، وترك الجور في ذلك بإرسال إحداهن على الأخرى فيما فرض عليهم العدلَ بينهن فيه، إذ كان قد صفح لهم عمَا لا يطيقون العدلَ فيه بينهنّ مما في القلوب من المحبة والهوى.

* * *

القول في تأويل قوله : وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وإن تصلحوا " أعمالكم، أيها الناس، فتعدلوا في قسمكم بين أزواجكم، وما فرض الله لهن عليكم من النفقة والعشرة بالمعروف، فلا تجوروا في ذلك=" وتتقوا "، يقول: وتتقوا الله في الميل الذي نهاكم عنه، بأن تميلوا لإحداهن على الأخرى، فتظلموها حقها مما أوجبَه الله لها عليكم=" فإن الله كان غفورًا "، يقول: فإن الله يستر عليكم ما سلف منكم من ميلكم وجوركم عليهن قبل ذلك، بتركه عقوبتكم عليه، ويغطِّي ذلك عليكم بعفوه عنكم ما مضى منكم في ذلك قبل=" رحيمًا "، يقول: وكان رحيمًا بكم، إذ تاب عليكم، فقبل توبَتكم من الذي سلف منكم من جوركم في ذلك عليهن، وفي ترخيصه لكم الصلح بينكم وبينهن، بصفحهن عن حقوقهن لكم من القَسْم على أن لا يطلَّقن. (53)

----------------

الهوامش :

(41) انظر تفسير"الميل" فيما سلف 8 : 212.

(42) الأثر: 10637 - هذا الأثر رواه أبو داود في سننه 2 : 326 رقم: 2134 من طريق حماد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد (الخطمي) ، عن عائشة ، وانظر التعليق على الأثر رقم: 10657.

ورواه من هذه الطريق أيضا مرفوعا ، النسائي في السنن 7 : 63 ، 64.

وبه أيضًا ، ابن ماجه من سننه 1 : 634 ، رقم: 1971.

وبه أيضًا ، الترمذي في سننه (باب ما جاء في التسوية بين الضرائر).

ورواه البيهقي في السنن الكبرى 7 : 298.

وسيرويه أبو جعفر بإسنادين آخرين ، أحدهما من طريق حماد بن زيد مرسلا ، وهو رقم: 10656 ، مع اختلاف يسير في اللفظ.

والآخر ، من طريق عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة ، مرفوعًا ، كما في السنن الأربعة ، وهو رقم: 10657.

وأشار إليه الحافظ في الفتح (9 : 274) وقال: "وقد روى الأربعة ، وصححه ابن حبان والحاكم". وقال الترمذي بعقبه: "حديث عائشة ، هكذا رواه غير واحد: عن حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم= ورواه حماد بن زيد وغير واحد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم= وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة". وزاد الطبري هنا طريقين في روايته مرسلا: ابن علية ، عن أيوب= وعبد الوهاب ، عن أيوب.

ثم قال الترمذي ومعنى قوله: "لا تلمني فيما تملك ولا أملك"= إنما يعني به الحب والمودة ، كذا فسره بعض أهل العلم".

وقال أبو داود في سننه: "يعني القلب".

(43) حذفت"أن" ، وسياقه"لا تستطيع أن تملكه". وحذف"أن" قبل المضارع ، جائز صحيح ، كثير في كلام العرب ، وكثير في كلام القدماء من العلماء والكتاب.

(44) الأثر: 10647 -"بحر بن نصر الخولاني" ، مضى قريبًا برقم: 10588. وهذا الأثر ساقط من المخطوطة.

(45) الأثر: 10648 -"سهل بن يوسف الأنماطي" ، ثقة ، من شيوخ أحمد. مترجم في التهذيب ، وقد مضى في الأسانيد: 2966 ، 3260 ، 4876 ، 8765.

(46) الأثر: 10651 -"محمد بن بكر بن عثمان البرساني" ، ثقة. مضى برقم: 5438.

(47) الأثر: 10656 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 10637.

(48) الأثر: 10657 -"عبد الله بن يزيد" هو: رضيع عائشة. روى عن عائشة. وعنه أبو قلابة الجرمي. ذكره ابن حبان في الثقات. وكان في المطبوعة والمخطوطة"عبد الله بن زيد" ، وهو خطأ كما سترى.

هذا وقد جاء في سنن أبي داود وحدها"عبد الله بن يزيد الخطمي" ، والآخرون لم يقولوا: "الخطمي" ، اقتصروا على اسمه وحده. وهذا هو الصواب ، فإن"عبد الله بن يزيد بن زيد الخطمي" ، لم يذكر في تراجمه أنه روى عن عائشة ، ولا أن أبا قلابة الجرمي قد روى عنه.

والذي يروي عن عائشة: عبد الله بن يزيد ، رضيع عائشة. وقد نص الحافظ ابن حجر في ترجمته في التهذيب (6 : 80) أنه له عند الأربعة: "اللهم هذا قسمي فيما أملك" ، فثبت على اليقين ، أن الذي في النسخ المطبوعة من سنن أبي داود ، خطأ محض ، وأن الصواب حذف"الخطمي" من إسنادها. والله الموفق للصواب. كتبه محمود محمد شاكر.

(49) الأثر: 10658 - هذا الأثر ، رواه أبو داود الطيالسي عن همام ، في مسنده: 322 رقم: 2454 ، باختلاف يسير في لفظه.

ورواه أبو داود في السنن 2 : 326 ، رقم: 2133 ، من طريق أبي الوليد الطيالسي ، عن همام ، ولفظه: "وشقه مائل".

ورواه النسائي 7 : 63 ، من طريق عمرو بن علي ، عن عبد الرحمن ، عن همام ، ولفظه: "أحد شقيه مائل".

ورواه ابن ماجه في سننه 1 : 633 رقم: 1969 ، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، بلفظ الطبري.

ورواه الترمذي في السنن ، في باب (ما جاء في التسوية بين الضرائر) ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن همام.

ورواه البيهقي 7 : 297 من طرق.

قال الترمذي: "وإنما أسند هذا الحديث همام بن يحيى ، عن قتادة. ورواه هشام الدستوائي عن قتادة ، قال: "كان يقال". ولا نعرف هذا الحديث مرفوعًا إلا من حديث همام".

(50) في المطبوعة: "ولا ذات روج" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(51) في المخطوطة ، "كالمسجونة ، كالمحبوسة" ، ووضع فوق الأولى حرف (ط) وفوق الأخرى (كذا) ، ولا أدري ما الذي أراد باستشكاله هذا. أما المطبوعة ، فقد حذفت"كالمحبوسة" واقتصرت على واحدة ، وكأنه ظن أنه أراد حذف التي عليها (ط) ، وإبقاء الأخرى ، ولعله أصاب ، فتركت ما في المطبوعة على حاله.

وأراد بقوله: "المسجونة" و"المحبوسة" ، أن زوجها سجنها ، أو حبسها فلم يرسلها ، ولم يسرحها بالطلاق.

(52) الأثر: 10666 - عبد الرحمن بن سعد: هو: "عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الرازي". روى عن أبيه ، وأبي خيثمة ، وعمرو بن أبي قيس الرازي ، وأبي جعفر الرازي. ثقة. مترجم في التهذيب.

(53) انظر تفسير"التقوى" و"غفور" ، و"رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

التدبر :

وقفة
[129] عن ابن سيرين في الذي له امرأتان: «يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى».
وقفة
[129] ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ﴾ معناه: العدل التام الكامل في الأقوال، والأفعال، والمحبة، وغير ذلك، فرفع الله ذلك عن عباده؛ فإنهم لا يستطيعون.
وقفة
[129] ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ قال الحسن وابن جریر: في المحبة.
تفاعل
[129] سل الله تعالى أن يرزقك الإنصاف والعدل، ودرب نفسك على ذلك ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾.
وقفة
[129] ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ لا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور؛ فتمنعوها حقها من غير رضا منها، واعدلوا ما استطعتم؛ فإن عجزكم عن حقيقة العدل لا يمنع عن تكليفكم بما دونها من المراتب التى تستطيعونها.
وقفة
[129] ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ في هذه الآية إشارة إلى المبادرة في الحسم وإصلاح الشأن: إما بالوفاق أو الفراق، بعد أن تتخذ الوسائل المشروعة، ولعل ذلك لا يقف عند مسألة الزوجية، بل يتعداه إلى أمور كثيرة من شأنها أن تعتقد المشكلات، أو تنشئها إن لم تكن موجودة، فاللائق في الأحوال التي لا يسوغ فيها التروي أن تحسم الأمور ولا تظل معلقة، ليعرف كل طرف ما له وما عليه؛ ولئلا يبقى في النفوس أثر يزداد مع الأيام سوءً.
وقفة
[129] ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ أوجب الله تعالى العدل بين الزوجات؛ خاصة في الأمور المادية التي هي في مقدور الأزواج، وتسامح الشرع حين يتعذر العدل في الأمور المعنوية، كالحب والميل القلبي.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا:
  • الواو: استئنافية. لن: حرف نفي ونصب واستقبال. تستطيعوا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف فارقة.
  • ﴿ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. تعدلوا: تعرب إعراب «تَسْتَطِيعُوا». بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بتعدلوا. النساء: مضاف اليه مجرور بالكسرة. و «أَنْ وما تلاها» بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «تستطيع» أي العدل بين النساء.
  • ﴿ وَلَوْ حَرَصْتُمْ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم. حرصتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَلا تَمِيلُوا:
  • الفاء: واقعة في جواب «لَوْ» لا: ناهية جازمة. تميلوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون: الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «فَلا تَمِيلُوا» جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ كُلَّ الْمَيْلِ:
  • كل: مفعول مطلق أو نائب عن المصدر المضاف اليه لبيان نوعه منصوب بالفتحة. الميل: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ فَتَذَرُوها:
  • معطوفة بالفاء على «تَمِيلُوا» وتعرب إعرابها ويجوز أن تكون الفاء سببية ونصب الفعل جوابا على النهي.
  • ﴿ كَالْمُعَلَّقَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بتذروها أو تكون الكاف اسما بمعنى «مثل» فتكون في محل نصب حالا والمعلّقة مضافا اليه. وقيل في معنى المعلّقة من النساء: التي فقد زوجها أو ليس لها زوج ولا مطلقة.
  • ﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً:
  • تعرب إعراب «وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ ... خَبِيراً الواردة في الآية الكريمة السابقة. رحيما: صفة لغفورا منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 23﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
النساء: 106﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
النساء: 129﴿وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَـ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
الأحزاب: 24﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [129] لما قبلها :     وبعد الترغيب في بقاء الرابطة الزوجية؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن تحقيق العدالة الكاملة بين الزوجات في المحبة وفي الميل القلبي غير ممكن، فعلى الرجل أن يعمل بقدر المستطاع، -أما العدل بين الزوجات في المأكل والملبس والمسكن والمبيت فهو واجب-، قال تعالى:
﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

القراءات :

فتذروها كالمعلقة:
وقرئ:
1- فتذروها كالمسجونة، وهى قراءة أبى.
2- فتذروها كأنها معلقة، وهى قراءة عبد الله.

مدارسة الآية : [130] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ ..

التفسير :

[130] وإن وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته، فإن الله تعالى يغني كُلّاً منهما من فضله وسَعَته؛ فإنه سبحانه وتعالى واسع الفضل والمنة، حكيم فيما يقضي به بين عباده.

هذه الحالة الثالثة بين الزوجين، إذا تعذر الاتفاق فإنه لا بأس بالفراق، فقال:{ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ْ} أي:بطلاق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك{ يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا ْ} من الزوجين{ مِنْ سَعَتِهِ ْ} أي:من فضله وإحسانه الواسع الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله وإن انقطع نصيبها من زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعل الله يرزقها زوجا خيرا منه،{ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا ْ} أي:كثير الفضل واسع الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه. ولكنه مع ذلك{ حَكِيمًا ْ} أي:يعطي بحكمة، ويمنع لحكمة. فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من إحسانه، بسبب من العبد لا يستحق معه الإحسان، حرمه عدلا وحكمة.

وبعد أن رغب- سبحانه- في الصلح بين الزوجين وحض عليه، وأمر الأزواج بالعدل بين الزوجات بالقدر الذي يستطيعونه، عقب ذلك ببيان أن التفرقة بينهما جائزة إذا لم يكن منها بد.

لأن التفرقة مع الإحسان خير من المعاشرة السيئة فقال- تعالى- وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً.

وإن عز الصلح بين الزوجين واختارا الفراق تخوفا من ترك حقوق الله التي أوجبها على كل واحد منهما يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا منهما مِنْ سَعَتِهِ أى يجعل كل واحد منهما مستغنيا عن الآخر وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً أى: وكان الله- تعالى- وما يزال واسعا أى واسع الغنى والرحمة والفضل حَكِيماً في جميع أفعاله وأحكامه.

وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وضعت أحكم الأسس للحياة الزوجية السليمة، وعالجت أمراضها بالعلاج الشافي الحكيم، فقد أمرت الرجال بأن يؤدوا للنساء حقوقهن، وأن يعاشروهن بالمعروف، وأن على الزوجين إذا ما دب بينهما خلاف أن يعالجاه فيما بينهما بالتصالح والتسامح، وإذا اقتضى الأمر أن يتنازل أحدهما للآخر عن جانب من حقوقه فليفعل من أجل الإبقاء على الحياة الزوجية. وأن الرجل لا يستطيع أن يعدل عدلا مطلقا كاملا بين زوجاته، ولكن هذا لا يمنعه من العدل بينهن بالقدر الذي يستطيعه بدون تقصير أو ميل مع الهوى، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور. وأنه إذا استحال الصلح وتنافرت الطباع، وساءت العشرة كان الفراق بينهما أجدى، إذ الفراق مع الإحسان خير من الإمساك مع المعاشرة السيئة التي عز معها الإصلاح والوفاق والتقارب بين القلوب.

وبعد أن بين- سبحانه- ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين ووسائل علاج أدوائها.. بعد كل ذلك بين- سبحانه- أن كل شيء في ملكه وتحت سلطانه، فعلى الناس أن يخشوه ويراقبوه ويشتغلوا بعبادته فقال- تعالى-:

ثم قال تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ) وهذه هي الحالة الثالثة ، وهي حالة الفراق ، وقد أخبر تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه ، بأن يعوضه بها من هو خير له منها ، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه : ( وكان الله واسعا حكيما ) أي : واسع الفضل عظيم المن ، حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه .

القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أبت المرأة التي قد نشز عليها زوجها= إذ أعرض عنها بالميل منه إلى ضرّتها لجمالها أو شبابها، أو غير ذلك مما تميل النفوس له إليها (54) = الصلحَ بصفحها لزوجها عن يومها وليلتها، (55) وطلبت حقَّها منه من القسم والنفقة، وما أوجب الله لها عليه= وأبى الزوج الأخذَ عليها بالإحسان الذي ندبه الله إليه بقوله: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ، وإلحاقَها في القسم لها والنفقة والعشرة بالتي هو إليها مائل، (56) فتفرقا &; 9-294 &; بطلاق الزوج إياها=" يُغْنِ الله كلا من سعته "، يقول: يغن الله الزوجَ والمرأة المطلقة من سعة فضله. أما هذه، فبزوج هو أصلح لها من المطلِّق الأول، أو برزق أوسع وعصمة. وأما هذا، فبرزق واسع وزوجة هي أصلح له من المطلقة، (57) أو عفة=" وكان الله واسعًا "، يعني: وكان الله واسعًا لهما، في رزقه إياهما وغيرهما من خلقه (58) =" حكيمًا "، فيما قضى بينه وبينها من الفرقة والطلاق، وسائر المعاني التي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الآيات وغيرها، وفي غير ذلك من أحكامه وتدبيره وقضاياه في خلقه. (59)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10672- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته "، قال: الطلاق. (60)

10673 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

------------------------

الهوامش :

(54) في المطبوعة: "أو أعرض عنها ... مما تميل النفوس به إليها" ، غير"إذ" ، و"له" ، وهما نص المخطوطة ، وهو الصواب. ويعني: مما تميل النفوس من أجله إلى هذه المرأة التي وصف.

(55) في المطبوعة والمخطوطة: "الصلح لصفحها" والصواب ما أثبت ، وقوله: "الصلح" منصوب ، مفعول به لقوله: "فإن أبت المرأة ... الصلح" ، هكذا السياق.

(56) قوله: "وإلحاقها" معطوف في السياق على قوله: "وأبى الزوج الأخذ عليها بالإحسان ... وإلحاقها ...".

(57) انظر تفسير"السعة" فيما سلف ص: 121.

وقوله: "أو عفة" يعني: فبرزق واسع ... أو بعفة.

(58) انظر تفسير"واسع" فيما سلف 2 : 537 / 5 : 516 ، 575 / 6: 517.

(59) انظر تفسير"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(60) في المطبوعة: "قال: الطلاق ، يغني الله كلا من سعته" ، وليس ذلك كله في المخطوطة بل سقط منها بقية الخبر. فاقتصرت على ما جاء في الدر المنثور 2 : 234 ، عن مجاهد وهو: "قال: الطلاق" ، كما أثبته.

التدبر :

وقفة
[130] إن تفرق الزوجان فليحسنا الظن بالله؛ فقد وعدهم بالغنى وسعة الرزق.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ هذه أرق كلمة يمكن أن تسمعها المطلقة، ويكفي أنها مواساة من الرب اللطيف لعبده المنكسر الضعيف.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ كل شيء فقدته، فارقه مع اليقين بالعوض، وسيغنيك الله عنه من سعته.
عمل
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ لا تشعر بالضيق ولو فقدت أنفس الأشياء الغالية في حياتك، فقد يأخذ الفقد يدك إلى السعة.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ لا حرج على الزوجين في الفراق إذا تعذرت العِشْرة بينهما.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ كل شئ تفقده يرحل منك، يضيع من يدك، فارقه بهذا اليقين سيغنيك الله عنه من سعته.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ الفــراق مـؤلـم بين الأحــبـاب، لكن الفضل واسع من الوهاب.
عمل
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ لا تشعر بالضيق إذا فارقت أغلى ما تملك، فأنت تمضي في طريق فيه سعة وراحة لك.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ سعة الله شملت (الطليقين المتفرقين)؛ فلن تضيق على (المتآخيين).
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ إنها أرق كلمة يمكن أن تسمعها مطلقة، يكفي أنها من الله.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ لا تكره الفراق دائمًا، فقد يكون (الفراق) بوابة (الغنى).
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ حين نشعر بالاختناق نندفع نحو التنفس نحو الهواء .. نحو السعة الرحيبة.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ ليست كل علاقة تنتهي خسارة وفقدا إنها سعة الحياة الغنية بالفرص والتجارب الجديدة.
وقفة
[130] الطلاق ليس شرًّا كله! فأحيانًا فرجًا وسعةً وهناءً ﻷحد للزوجين أو كلاهم، لذا جعله الله سببًا لغناهما ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾.
وقفة
[130] النهاية: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ قد تكون أفضل بكثير من الاستمرار في حياة بلا معنى ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [129].
وقفة
[130] حين تنظر للنهايات: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا﴾ باعتبارها بدايات: ﴿يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾.
لمسة
[130] مع أن السورة تهتم بالنساء نلاحظ أنها لم تتحدث عن الطلاق، ولما أشارت إلى الطلاق لم تقل الطلاق باللفظ؛ وإنما قالت: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ)، هذه هي الإشارة الوحيدة للطلاق.
وقفة
[130] ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ ليس في دساتير الفراق وأعراف الانفصال ألطف من هذا المعنى، وأرقُّ من هذا السِّلوان، فلا الحياةُ تتوقَّف، ولا إكرامُ الله لعبادهِ بمنقطع، فاللهم أكرمنا بطاعتك يا رب.
تفاعل
[130] ﴿يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ سَل الله من فضله.
وقفة
[130] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ وَاسِعًا﴾ مما وسعه الواسع: (الحياة)؛ فلن تضيق.
وقفة
[130] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ مما وسعه الواسع: (الحياة)؛ فلن تضيق الحياة على مؤمن.
وقفة
[130] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ سعة تُغنيك وأكثر مما تتصور، تكفيك وأكبر مما تتخيل، تسع أحلامك، آمالك، تطلعاتك، أمنياتك، اسأل الله ما تريد وأكثر.
تفاعل
[130] تذكر أمرًا ضاق عليك، وادع الله تعالى بصفتيه: (الواسع) و(الحكيم) أن يفرجه لك ﴿وَكَانَ اللَّـهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقا:
  • الواو: حرف عطف. إن: حرف شرط جازم. يتفرقا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الافعال الخمسة والالف ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ يُغْنِ اللَّهُ:
  • يغن: فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بإن وعلامة جزمه: حذف آخره حرف العلة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة «يُغْنِ اللَّهُ» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ:
  • كلا: مفعول به منصوب بالفتحة وتعني: كل واحد منها. من سعته: جار ومجرور متعلق بيغني والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ واسِعاً حَكِيماً:
  • خبران «لكان» منصوبان بالفتحة ويجوز إعراب «حَكِيماً» صفة لواسعا. '

المتشابهات :

النساء: 130﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّـهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا
الطلاق: 7﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [130] لما قبلها :     وبعد أن ذَكَرَ اللهُ عز وجل جوازَ الصُّلح إن أراد الزَّوجانِ ذلك، ذكَر هنا جوازَ المفارَقةِ إنْ رغِبَا فيها، ووعَد أن يُغنيَ كلَّ واحدٍ منهما من سَعتِه، قال تعالى:
﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [131] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا ..

التفسير :

[131] ولله ملك ما في السموات وما في الأرض وما بينهما. ولقد عهدنا إلى الذين أُعطوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى، وعهدنا إليكم كذلك -يا أمة محمد- بتقوى الله تعالى، والقيام بأمره واجتناب نهيه، وبيَّنَّا لكم أنكم إن تجحدوا وحدانية الله تعالى وشرعه فإنه

يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير، وتصرفه بأنواع التصريف قدرا وشرعا، فتصرفه الشرعي أن وصى الأولين والآخرين أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي، وتشريع الأحكام، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب، والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب، ولهذا قال:{ وَإِنْ تَكْفُرُوا ْ} بأن تتركوا تقوى الله، وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم، ولا تضرون الله شيئا ولا تنقصون ملكه، وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر، مطيعون له خاضعون لأمره. ولهذا رتب على ذلك قوله:{ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ْ} له الجود الكامل والإحسان الشامل الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها الإنفاق ولا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، لو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض أولهم وآخرهم، فسأل كل [واحد] منهم ما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه شيئا، ذلك بأنه جواد واجد ماجد، عطاؤه كلام وعذابه كلام، إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه أنه كامل الأوصاف، إذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه، لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال، بل له كل صفة كمال، ومن تلك الصفة كمالها، ومن تمام غناه أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا في ملكه ولا ظهيرا، ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه. ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع أحوالهم وشئونهم إليه وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة، فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة وأغناهم وأقناهم، ومَنَّ عليهم بلطفه وهداهم. وأما الحميد فهو من أسماء الله تعالى الجليلة الدال على أنه [هو] المستحق لكل حمد ومحبة وثناء وإكرام، وذلك لما اتصف به من صفات الحمد، التي هي صفة الجمال والجلال، ولما أنعم به على خلقه من النِّعم الجزال، فهو المحمود على كل حال. وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين{ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ْ}!! فإنه غني محمود، فله كمال من غناه، وكمال من حمده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.

قال ابن جرير، قوله وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعنى بذلك- سبحانه- ولله ملك جميع ما حوته السموات السبع والأرضون السبع من الأشياء كلها. وإنما ذكر- جل ثناؤه ذلك بعقب قوله وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ تنبيها منه لخلقه على موضع الرهبة عند فراق أحدهم زوجه ليفزعوا إليه عند الجزع من الحاجة والفاقة والوحشة بفراق سكنه، وتذكيرا منه له أنه الذي له الأشياء كلها. وأن من كان له ملك جميع الأشياء فغير متعذر عليه أن يغنيه ويغنى كل ذي فاقة وحاجة ويؤنس كل ذي وحشة فالجملة الكريمة مستأنفة لبيان مظاهر قدرته ورحمته بعباده. والخطاب في قوله: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ والمراد بالذين أُوتُوا الْكِتابَ: اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم. والمراد بالكتاب: جنس الكتب الإلهية.

وقوله: وَإِيَّاكُمْ معطوف على الموصول. وقوله مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بأوتوا أو بوصينا وقوله: أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ أن مصدرية في محل جر بتقدير حرف الجر.

والمعنى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من الأمم السابقة وَإِيَّاكُمْ أى:

وصينا كلا منهم ومنكم بتقوى الله. أى بمراقبته وخشيته وتنفيذ أوامره والبعد عن نواهيه.

وقوله: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ معطوف على وصينا بتقدير قلنا. أى وصيناهم ووصيناكم بتقوى الله، وقلنا لكم ولهم: إن تكفروا فاعلموا أنه- سبحانه- هو مالك الملك والملكوت ولن يضره كفركم ومعاصيكم، كما أنه- سبحانه- لن ينفعه شكركم وتقواكم، وإنما وصاكم وإياهم بما وصى لرحمته بكم لا لحاجته إليكم. كما قال- تعالى- في آية أخرى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ.

ويرى صاحب الكشاف أن قوله- تعالى- وَإِنْ تَكْفُرُوا عطف على اتقوا، فقد قال:

وقوله: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عطف على اتقوا. لأن المعنى:

أمرناهم وأمرناكم بالتقوى، وقلنا لهم ولكم: إن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض. والمعنى: إن لله الخلق كله وهو خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها، فحقه أن يكون مطاعا في خلقه غير معصى. يتقون عقابه ويرجون ثوابه. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من الأمم السابقة ووصيناكم أن اتقوا الله. يعنى: أنها وصية قديمة ما زال يوصى الله بها عباده، لستم بها مخصوصين: لأنهم بالتقوى يسعدون عنده، وبها ينالون النجاة في العاقبة. وقلنا لهم ولكم: وإن تكفروا فإن لله في سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه .

وجواب الشرط في قوله «وإن تكفروا محذوف، والتقدير: إن تكفرا بما وصاكم به فلن يضره كفركم فإنه- سبحانه- له ما في السموات وما في الأرض ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله:

وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً أى: وكان الله وما زال غنيا عن خلقه وعن عبادتهم، مستحقا لأن يحمده الحامدون لكثرة نعمه عليهم فالجملة الكريمة تذييل مقرر لما قبله.

يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض ، وأنه الحاكم فيهما ; ولهذا قال : ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم ) أي : وصيناكم بما وصيناهم به ، من تقوى الله ، عز وجل ، بعبادته وحده لا شريك له .

ثم قال : ( وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض [ وكان الله غنيا حميدا ] ) كما قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لقومه : ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) [ إبراهيم : 8 ] ، وقال ( فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ) [ التغابن : 6 ] أي : غني عن عباده ، ( حميد ) أي : محمود في جميع ما يقدره ويشرعه .

القول في تأويل قوله : وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولله جميع مُلْك ما حوته السموات السبع والأرَضون السبع من الأشياء كلها. وإنما ذكر جل ثناؤه ذلك بعقب قوله: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ ، تنبيهًا منه خلقَه على موضع الرغبة عند فراق أحدهم زوجته، ليفزعوا إليه عند الجزع من الحاجة والفاقة والوَحْشة بفراق سَكنه وزوجته= وتذكيرًا منه له أنه الذي له الأشياء كلها، وأن من كان له ملك جميع الأشياء، فغير متعذّر عليه أن يغنيَه وكلَّ ذي فاقة وحاجة، ويؤنس كلَّ ذي وحشة.

* * *

ثم رجع جل ثناؤه إلى عذل من سعى في أمر بني أبيرق وتوبيخهم، ووعيدِ من فعل ما فعل المرتدّ منهم، فقال (61) " وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ"، يقول: ولقد أمرنا أهل الكتاب، وهم أهل التوراة والإنجيل=" وإياكم "، يقول: وأمرناكم وقلنا لكم ولهم: " اتقوا الله "، يقول: احذروا الله أن تعصوه وتخالفوا أمره ونهيه (62) =" وإن تكفروا "، يقول: وإن تجحدوا وصيته إياكم، أيها المؤمنون، فتخالفوها=" فإنّ لله ما في السماوات وما في الأرض "، يقول: فإنكم لا تضرُّون بخلافكم وصيته غير أنفسكم، ولا تَعْدُون في كفركم ذلك أن تكونوا أمثالَ اليهود والنصارى، في نـزول عقوبته بكم، وحلول غضبه عليكم، كما حلَّ بهم إذ بدَّلوا عهده ونقضوا ميثاقه، فغيَّر بهم ما كانوا فيه من خَفض &; 9-296 &; العيش وأمن السِّرب، (63) وجعل منهم القردة والخنازير. وذلك أن له ملك جميع ما حوته السموات والأرض، لا يمتنع عليه شيء أراده بجميعه وبشيء منه، من إعزاز من أراد إعزازه، وإذلال من أراد إذلاله، وغير ذلك من الأمور كلها، لأن الخلق خلقه، بهم إليه الفاقة والحاجة، وبه قواهم وبقاؤهم، وهلاكهم وفناؤهم= وهو " الغني" الذي لا حاجة تحلّ به إلى شيء، ولا فاقة تنـزل به تضطرُّه إليكم، أيها الناس، ولا إلى غيركم (64) =" والحميدُ" الذي استوجب عليكم أيها الخلق الحمدَ بصنائعه الحميدة إليكم، وآلائه الجميلة لديكم. (65) فاستديموا ذلك، أيها الناس، باتقائه، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به وينهاكم عنه، كما:

10674 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، أخبرنا سيف، عن أبي روق، عن علي رضي الله عنه: " وكان الله غنيًّا حميدًا "، قال: غنيًّا عن خلقه=" حميدًا "، قال: مستحمدًا إليهم.

---------------------

الهوامش :

(61) انظر تفسير الآيات السالفة ، من الآية: 105 - 116.

(62) انظر تفسير"وصى" فيما سلف 3 : 93-96: 405 / 8 : 30 ، 68 وانظر مقالته في"أن" مع"وصى" فيما سلف 3 : 94 ، 95.

(63) في المطبوعة: "وأمن الشرب" بالشين المعجمة ، وهو خطأ صرف ، وهو في المخطوطة على الصواب. و"السرب" (بكسر السين وسكون الراء): النفس والمال والأهل والولد. يقال: "أصبح فلان آمنًا في سربه" أي في نفسه وأهله وماله وولده. وتفتح السين ، فيقال: "أصبح آمنًا في سربه" ، أي: في مذهبه ووجهه حيث سار وتوجه.

و"خفض العيش": لينه وخصبه.

(64) انظر تفسير"الغني" فيما سلف 5 : 521 ، 570.

(65) انظر تفسير"حميد" فيما سلف 5 : 570.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[131] ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ﴾ الوصية الجامعة للخلق جميعًا أولهم وآخرهم هي الأمر بتقوى الله تعالى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
لمسة
[131] ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ﴾ ذكر ربنا تعالى أمره لأهل الكتاب بالتقوى ثم عطف المسلمين عليهم، ولم يقل: (ولقد وصينا المؤمنين أن اتقوا الله)؛ ليشمل كل مؤمن منذ بدء الخلق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالإخبار بأن الله تعالى أوصى الذين أوتوا الكتاب من قبل مقصود منه إلهاب هِمم المسلمين وحثُّهم على بلوغ تقوى الله تعالى؛ لئلا تفضلهم الأمم التي من قبلهم من أهل الكتاب، وبديهي أن الإنسان إن وُضِع ميزان التفاضل لا يقبل أن يسبقه أحد إلى خير أبدًا.
وقفة
[131] ﴿وَإِن تَكْفُرُوا﴾ المراد أن الله لا تنفعه طاعات الطائعين ولا تضره ذنوب المذنبين، فذكر بعد ذلك قوله: ﴿فَإِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، والغرض منه تقرير أن الله غني لذاته عن كل مخلوقاته.
وقفة
[131] ﴿وَكَانَ اللَّـهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ من كمال غناه افتقار العالم وسؤالهم إياه جميع حوائجهم، فقام تعالى بتلك المطالب، وأغناهم وأقناهم، ومن عليهم بلطفه وهداهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ:
  • الواو: استئنافية. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. في السموات: جار ومجرور متعلق بصلة موصول محذوفة تقديرها: والله ما استقر أو ما هو مستقر في السموات.
  • ﴿ وَما فِي الْأَرْضِ:
  • معطوفة بالواو على «ما فِي السَّماواتِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا:
  • الواو: استئنافية. لقد: اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. وصّينا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم للتعظيم و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى أمرنا.
  • ﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. أوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والالف: فارقة. وجملة «أُوتُوا» صلة الموصول. الكتاب: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بوصينا أو بأوتوا. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَإِيَّاكُمْ:
  • الواو: عاطفة. إيا: ضمير منفصل مبني على السكون معطوف على «الَّذِينَ» في محل نصب لأن التقدير: ووصيناكم. الكاف: حرف خطاب. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ:
  • أي بأن: حرف مصدري حركت نونها بالكسر لالتقاء الساكنين. اتقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لان مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. والجملة من «أَنِ» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف الجر المقدر «الباء». والجار والمجرور متعلق بالفعل «وصى» وجملة «اتَّقُوا» صلة «أَنِ» لا محل لها. ويجوز أن تكون «أَنِ» مفسرة. لان التوصية في معنى القول والجملة بعدها تفسيرية لا محل لها.
  • ﴿ وَإِنْ تَكْفُرُوا:
  • الواو: عاطفة. وما بعدها: معطوفة على «اتَّقُوا» لان المعنى: أمرناهم وأمرناكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا فإن الله له ما في السموات وما في الأرض. تكفروا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. والجملة وما تلاها: في محل نصب مفعول به «مقول القول» للفعل المقدر.
  • ﴿ فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. وما بعدها. جملة: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. والجملة: سبق إعرابها.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ غَنِيًّا حَمِيداً:
  • خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة. حميدا: صفة- نعت- لغنيا ويجوز أن يعرب خبرا ثانيا لكان منصوبا بالفتحة ايضا. '

المتشابهات :

آل عمران: 109﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
آل عمران: 129﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ
النساء: 126﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا
النساء: 131﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ
النساء: 132﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
النجم: 31﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا
البقرة: 284﴿ وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ
لقمان: 26﴿ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [131] لما قبلها :     لمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل أنَّه يُغْني كلًّا مِن سَعتِه وأنَّه واسعٌ؛ فَسَّرَ ذلك بأنَّه مالكُ السماواتِ والأرضِ، لا يَصعب عليه غِنَى أَحدٍ، ولا التوسعةُ عليه، قال تعالى:
﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [132] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا ..

التفسير :

[132] ولله ملك ما في هذا الكون من الكائنات، وكفى به سبحانه قائماً بشؤون خلقه حافظاً لها.

ثم كرر إحاطة ملكه لما في السماوات وما في الأرض، وأنه على كل شيء وكيل، أي:عالم قائم بتدبير الأشياء على وجه الحكمة، فإن ذلك من تمام الوكالة، فإن الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه، والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره، وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة، فما نقص من ذلك فهو لنقص بالوكيل، والله تعالى منزه عن كل نقص.

ثم أكد- سبحانه- هيمنته على هذا الكون وملكيته له فقال: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا.

أى: ولله- تعالى- وحده ما في السموات وما في الأرض ملكا وتصرفا وإيجادا وإعداما.

وإحياء وإماتة. وكفى بالله- تعالى- وكيلا في تدبير أمور خلقه، وحفظه لمصالحهم.

والوكيل هو القيم والكفيل بالأمر الذي يوكل إليه. وقد ذكر- سبحانه- في هاتين الآيتين ملكيته لما في السموات وما في الأرض ثلاث مرات، تأكيدا لعظم سلطانه وقدرته وسعة غناه ورحمته، حتى ترسخ في نفوس الناس تقواه وخشيته.

قال القرطبي: فإن قال قائل: ما فائدة هذا التكرار؟ فعنه جوابان:

أحدهما: أنه كرر تأكيدا ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وأنه غنى عن العالمين.

الجواب الثاني: أنه كرر لفوائد: فأخبر في الأول أن الله- تعالى- يغنى كلا من سعته لأن له ما في السموات وما في الأرض فلا تنفد خزائنه. ثم قال: أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى وإن تكفروا فإنه غنى عنكم لأن له ما في السموات والأرض. ثم أعلم في الثالث بحفظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا، لأن له ما في السموات وما في الأرض ... .

وقوله : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ) أي : هو القائم على كل نفس بما كسبت ، الرقيب الشهيد على كل شيء .

القول في تأويل قوله : وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (132)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولله ملك جميع ما حوته السموات والأرض، وهو القيِّم بجمعيه، والحافظ لذلك كله، لا يعزب عنه علم شيء منه، ولا يؤوده حفظه وتدبيره، كما:-

10675 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: " وكفى بالله وكيلا "، قال: حفيظًا. (66)

* * *

فإن قال قائل: وما وجه تكرار قوله: " ولله ما في السماوات وما في الأرض " في آيتين، إحداهما في إثر الأخرى؟

قيل: كرّر ذلك، لاختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض في الآيتين. وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين: ذكرُ حاجته إلى بارئه، وغنى بارئه عنه - وفي الأخرى: حفظ بارئه إياه، وعلمه به وتدبيره. (67)

فإن قال: أفلا قيل: " وكان الله غنيًّا حميدًا ، وكفى بالله وكيلا "؟

قيل: إن الذي في الآية التي قال فيها: وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ، مما صلح أن يختم ما ختم به من وصف الله بالغنى وأنه محمود، ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه معه بالحفظ والتدبير. فلذلك كرّر قوله: " ولله ما في السماوات وما في الأرض " .

-------------------

الهوامش :

(66) انظر تفسير"الوكيل" فيما سلف 7 : 405 / 8 : 566 / 9 : 193.

(67) في المطبوعة: "حفظ بارئه إياه به ، وعلمه به وتدبيره" ، والصواب كله من المخطوطة.

التدبر :

وقفة
[132] قام بحفظ خلقه وتدبير أمور ما في السماوات وما في الأرض، ويشمل هذا من يعقل ومن لا يعقل، فكيف لا يتوكل الخلق عليه؟!
وقفة
[132] ﴿وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ قولوا لأغنى رجل في العالم: أنت أحد ممتلكات الله.
لمسة
[132] الآية السابقة فيها إشارة إلى إغناء الله تعالى كُلًّا عن صاحبه؛ فناسب أن تبدأ هذه الآية بإظهار ملكوت الله سبحانه وتعالى: ﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾، فمن له ما في السموات وما في الأرض قادر على أن يغني كل أحد من سعته، وهذا كناية عن عظيم سلطانه واستحقاقه للتقوى.
لمسة
[132] ﴿وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ تقديم شبه الجملة (لله) أي له وحده قصرًا وحصرًا، أسلوب قصر أفاد الحصر والتخصيص والتوكيد، فلا شيء في هذا إلا لله.
اسقاط
[132] ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ هذا ملكه، وهذا وعده، فكيف نطلب غيره أن يكون متوليًا أمورنا؟!
وقفة
[132] ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ إذا فوض العبد أمره إلى ربه وتوكل عليه حق التوكل، تيسر له كل عسير، وتنزلت عليه البركات، ودفعت عنه الكربات، ويكفي في أثر التوكل أنك ترى العبد الضعيف الذي فوَّض أمره إلى سيده سبحانه وتعالى، قد قام بأعمال عظيمة يعجز عنها كثير من الرجال.
تفاعل
[132] ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾.
وقفة
[132] قال الله في خمس مواضع في القرآن: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾، هل امتلأت قلوبنا فعلًا بحقيقة هذا المعنى ونحن نعارك تصاريف الحياة؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ:
  • الواو: استئنافية. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. في السموات: جار ومجرور متعلق بصلة موصول محذوفة تقديرها: ولله ما استقر في السموات.
  • ﴿ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى:
  • معطوفة بالواو على «ما فِي السَّماواتِ» وتعرب إعرابها. وكفى: الواو: استئنافية. كفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر.
  • ﴿ بِاللَّهِ وَكِيلًا:
  • الباء: حرف جر زائد. الله لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم لفظا مرفوع محلا على انه فاعل «كَفى» وكيلا تمييز منصوب بالفتحة المنونة '

المتشابهات :

النساء: 81﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
النساء: 132﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
النساء: 171﴿مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
الأحزاب: 3﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
الأحزاب: 48﴿وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [132] لما قبلها :     وبعد أن ذكر اللهُ عز وجل أنه مالك السماواتِ والأرضِ مرتين، أعاد هنا لزيادة التوكيد، قال تعالى:
﴿ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [133] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ..

التفسير :

[133] إن يشأ الله يُهلكُّم أيها الناس، ويأت بقوم آخرين غيركم. وكان الله على ذلك قديراً.

أي:هو الغني الحميد الذي له القدرة الكاملة والمشيئة النافذة فيكم{ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ْ} غيركم هم أطوع لله منكم وخير منكم، وفي هذا تهديد للناس على إقامتهم على كفرهم وإعراضهم عن ربهم، فإن الله لا يعبأ بهم شيئا إن لم يطيعوه، ولكنه يمهل ويملي ولا يهمل.

وقوله- تعالى- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً تقرير لما سبق بيانه من عظيم سلطانه وغناه وقدرته.

أى: إن يشأ الله يفنكم ويهلككم أيها الناس- ويأت مكانكم بقوم آخرين، وكان الله وما زال على إفنائكم وإيجاد غيركم بليغ القدرة، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء. لكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك لا لعجز منه. ولكن لأن حكمته اقتضت بقاءكم، ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وليجازى كل إنسان على حسب عمله.

قال الجمل: (ومفعول المشيئة محذوف يدل عليه مضمون الجزاء. أى: إن يشأ إفناءكم وإيجاد آخرين يذهبكم- يعنى: أن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولعدم تعلق مشيئته المبنية على الحكم البالغة بإفنائكم لا لعجزه- سبحانه- وقيل: هو خطاب لمن عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب. أى: يشأ يمتكم ويأت بأناس آخرين يوالونه. فمعناه هو معنى قوله- تعالى- وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ. ويروى أنه لما نزلت ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان الفارسي وقال:

«إنهم قوم هذا» . يريد أبناء فارس .

فالآية الكريمة تقرير لغناه وقدرته- سبحانه- وتهديد لمن كفر به وعصاه.

وقوله : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا ) أي : هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه ، وكما قال [ تعالى ] ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] . وقال بعض السلف : ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره ! وقال تعالى : ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد . وما ذلك على الله بعزيز ) [ إبراهيم : 19 ، 20 ] أي : ما هو عليه بممتنع .

القول في تأويل قوله : إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن يشأ الله، أيها الناس، =" يذهبكم "، أي: يذهبكم بإهلاككم وإفنائكم=" ويأت بآخرين "، يقول: ويأت بناس آخرين غيركم لمؤازرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونصرته=" وكان الله على ذلك قديرًا "، يقول: وكان الله على إهلاككم وإفنائكم واستبدال آخرين غيركم بكم=" قديرًا "، يعني: ذا قدرة على ذلك. (68)

* * *

وإنما وبخ جل ثناؤه بهذه الآيات، الخائنين الذين خانوا الدِّرع التي وصفنا شأنها، الذين ذكرهم الله في قوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [سورة النساء: 105] = وحذر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم، وأن يفعلوا فعل المرتدِّ منهم في ارتداده ولحاقه بالمشركين = وعرَّفهم أن من فعل فعله منهم، فلن يضر إلا نفسه، ولن يوبق برِدَّته غير نفسه، لأنه المحتاج -مع جميع ما في السموات وما في الأرض- إلى الله، والله الغني عنهم. ثم توعَّدهم في قوله: " إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين "، بالهلاك والاستئصال، إن هم فعلوا فعل ابن أبيرق طُعْمة المرتدِّ (69) = وباستبدال آخرين غيرهم بهم، لنصرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبته ومؤازرته على دينه، كما قال في الآية الأخرى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ، [سورة محمد: 38] .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لما نـزلت، ضرب بيده على ظهر سَلْمان فقال: " هم قوم هذا "، يعني عجم الفرس= كذلك:-

10676- حُدِّثت عن عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. (70)

* * *

وقال قتادة في ذلك بما:-

10677 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله " إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرًا "، قادرٌ واللهِ ربُّنا على ذلك: أن يهلك من يشاء من خلقه، ويأتي بآخرين من بعدهم.

-----------------

الهوامش :

(68) انظر تفسير"القدير" فيما سلف 1 : 361 / 2 : 484 ، 504.

(69) "طعمة" هو اسم"ابن أبيرق" كما سلف في الأثر رقم: 10416.

(70) الأثر: 10676 -"عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي". متكلم فيه. مترجم في التهذيب.

و"سهيل بن أبي صالح". متكلم فيه. مترجم في التهذيب.

و"أبوه: "ذكوان السمان" ، "أبو صالح" ، ثقة ثبت في حديثه عن أبي هريرة. مترجم في التهذيب ، مضى برقم: 304 ، 3226 ، 5387.

وهذا الأثر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 6 : 67 ، ونسبه لابن جرير ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.

وسيأتي بأسانيد أخرى في تفسير"سورة محمد" ، في آخرها 26 : 42 (بولاق) سنتكلم عنها هناك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[133] لما فُتِحَت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فبكى أبو الدرداء فسئل: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى.

الإعراب :

  • ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ:
  • إن: حرف شرط جازم. يشأ: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. يذهبكم: فعل مضارع فعل الشرط وجزاؤه مجزوم بان وعلامة جزمه سكون آخره وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديرة هو. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور وجملة «يُذْهِبْكُمْ» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ أَيُّهَا النَّاسُ:
  • أي: اسم منادى بأداة نداء محذوفة تقديرها يا مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الناس: بدل من «أي» مرفوع بالضمة على لفظ «أي».
  • ﴿ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ:
  • ويأت: معطوفة بالواو على «يذهب» مجزومة مثلها وعلامة جزم الفعل حذف آخره حرف العلة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بآخرين: جار ومجرور متعلق بيأتي وعلامة جرّ الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن حركة المفرد.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ عَلى:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة. على: حرف جر والجار والمجرور متعلق بخبر «كانَ».
  • ﴿ ذلِكَ قَدِيراً:
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بعلى. اللام: للبعد. والكاف: حرف خطاب. قديرا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة. '

المتشابهات :

النساء: 133﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا
الأنعام: 133﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ
ابراهيم: 19﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
فاطر: 16﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [133] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل عظيم سلطانه وغناه وقدرته؛ هَدَّدَ وخَوَّفَ هنا بقدرتِه على إهلاكِنا إنْ عصيناه ثُمَّ يأتي بآخرينَ يطيعُونه، قال تعالى:
﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [134] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ..

التفسير :

[134] من يرغب منكم -أيها الناس- في ثواب الدنيا ويعرض عن الآخرة، فعند الله وحده ثواب الدنيا والآخرة، فليطلب من الله وحده خيري الدنيا والآخرة، فهو الذي يملكهما. وكان الله سميعاً لأقوال عباده، بصيراً بنياتهم وأعمالهم، وسيجازيهم على ذلك.

ثم أخبر أن مَن كانت همته وإرادته دنية غير متجاوزة ثواب الدنيا، وليس له إرادة في الآخرة فإنه قد قصر سعيه ونظره، ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها، فإنه تعالى هو المالك لكل شيء الذي عنده ثواب الدنيا والآخرة، فليطلبا منه ويستعان به عليهما، فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ولا تدرك الأمور الدينية والدنيوية إلا بالاستعانة به، والافتقار إليه على الدوام. وله الحكمة تعالى في توفيق من يوفقه، وخذلان من يخذله وفي عطائه ومنعه، ولهذا قال:{ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ْ}

ثم حرض- سبحانه- الناس على أن يقصدوا بعملهم وجه الله، وأن يجعلوا مقصدهم الأعظم الفوز بنعيم الآخرة فقال- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً.

والمراد بثواب الدنيا: خيراتها التي تعود على طالبها بالنفع الدنيوي.

والمراد بثواب الآخرة: الجزاء الحسن الذي أعده الله- تعالى- لعباده الصالحين.

والمعنى: من كان يريد ثواب الدنيا كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة والمنافع الدنيوية، فأخبره وأعلمه يا محمد أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة. فلماذا قصر الطلب على المنافع الدنيوية مع أن ثواب الآخرة أجزل وأبقى؟ وهلا اقتدى بمن قالوا في دعائهم: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً؟

وجزاء الشرط محذوف بتقدير الإعلام والإخبار. أى: من كان يريد ثواب الدنيا فأعلمه وأخبره أن عند الله ثواب الدارين فماله لا يطلب ذلك أو يطلب الأشرف وهو ثواب الآخرة فإن من جاهد- مثلا- جهادا خالصا لم تفته المنافع الدنيوية، وله بجانب ذلك في الآخرة ما هو أنفع وأعظم وأبقى. فقد روى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان همه الآخرة جمع الله- تعالى شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له» .

ويرى صاحب البحر المحيط أن جواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه فقد قال: والذي يظهر أن جواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه. والتقدير: من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه وليطلب الثوابين فعند الله ثواب الدنيا والآخرة.

ثم قال: وقال الراغب وقوله فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تبكيت للإنسان حيث اقتصر على أحد السؤالين مع كون المسئول مالكا للثوابين، وحث على أن يطلب منه- تعالى- ما هو أكمل وأفضل من مطلوبه. فمن طلب خسيسا مع أنه يمكنه أن يطلب نفيسا فهو دنيء الهمة. وقيل: الآية وعيد للمنافقين الذين لا يريدون بالجهاد غير الغنيمة .

وما عبر عنه صاحب البحر المحيط بقوله: وقيل: الآية وعيد للمنافقين، قد رجحه ابن جرير واختاره فقد قال ما ملخصه: قوله مَنْ كانَ يُرِيدُ أى: ممن أظهر الإيمان من أهل النفاق.

ثَوابَ الدُّنْيا يعنى عرض الدنيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعنى: أن جزاءه في الدنيا منها هو ما يصيب من المغنم. وأما ثوابه في الآخرة فنار جهنم .

والذي نراه أولى أن الآية الكريمة تخاطب الناس عامة، فتبين لهم أن خير الدنيا بيد الله وخير الآخرة أيضا بيد الله، فإن اتقوه نالوا الخيرين، وتنبههم إلى أن من الواجب عليهم ألا يشغلهم طلب خير الدنيا عن طلب خير الآخرة. بل عليهم أن يقدموا ثواب الآخرة على ثواب الدنيا.

عملا بقوله- تعالى- في آية أخرى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا. ولا نرى مقتضيا لتخصيص الآية بالمنافقين كما- يرى ابن جرير- رحمه الله.

وقوله- تعالى- وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً تذييل قصد به حض الناس على الإخلاص في أقوالهم وأعمالهم.

أى: وكان الله- تعالى- سميعا لكل ما يجهر به الناس ويسرونه، بصيرا بأحوالهم الظاهرة والخفية، وسيجازيهم بما يستحقونه من ثواب أو عقاب، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

ثم وجه- سبحانه- بعد ذلك نداءين متتاليين إلى المؤمنين أمرهم فيهما بالمداومة على التمسك بفضيلة العدل في جميع الظروف والأحوال، وبالثبات على الإيمان الحق الذي ينالون به ثواب الله ورضاه، وتوعد الذين ينحرفون عن طريق الحق بسوء العاقبة فقال- تعالى-:

وقوله : ( من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ) أي : يا من ليس همه إلا الدنيا ، اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة ، وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك ، كما قال تعالى : ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق . ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . أولئك لهم نصيب مما كسبوا [ والله سريع الحساب ] ) [ البقرة : 200 - 202 ] ، وقال تعالى : ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه [ ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ] ) [ الشورى : 20 ] ، وقال تعالى : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا . ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا . كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا . انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] ) [ الإسراء : 18 - 21 ] .

وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الآية : ( من كان يريد ثواب الدنيا ) أي : من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك ، ( فعند الله ثواب الدنيا ) وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها مع المسلمين . وقوله : ( والآخرة ) أي : وعند الله ثواب الآخرة ، وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم . وجعلها كقوله : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها [ نوف إليهم أعمالهم فيها ] وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) [ هود : 15 ، 16 ] .

ولا شك أن هذه الآية معناها ظاهر ، وأما تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر ; فإن قوله ( فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ) ظاهر في حضور الخير في الدنيا والآخرة ، أي : بيده هذا وهذا ، فلا يقتصرن قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط ، بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة ، فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع ، وهو الله الذي لا إله إلا هو ، الذي قد قسم السعادة والشقاوة في الدنيا والآخرة بين الناس ، وعدل بينهم فيما علمه فيهم ، ممن يستحق هذا ، وممن يستحق هذا ; ولهذا قال : ( وكان الله سميعا بصيرا )

القول في تأويل قوله : مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " من كان يريد "، ممن أظهرَ الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل النفاق، (71) الذين يستبطنون الكفر وهم مع ذلك يظهرون الإيمان=" ثواب الدنيا "، يعني: عَرَض الدنيا، (72) بإظهارهِ مَا أظهر من الإيمان بلسانه. (73) =" فعند الله ثواب الدنيا "، يعني: جزاؤه في الدنيا منها وثوابه فيها، وهو ما يصيبُ من المغنم إذا شَهِد مع النبي مشهدًا، (74) وأمنُه على نفسه وذريته وماله، وما أشبه ذلك. وأما ثوابه في الآخرة، فنارُ جهنم.

* * *

فمعنى الآية: من كان من العاملين في الدنيا من المنافقين يريد بعمله ثوابَ الدنيا وجزاءَها من عمله، فإن الله مجازيه به جزاءَه في الدنيا من الدنيا، (75) وجزاءه في الآخرة من الآخرة من العقاب والنكال. وذلك أن الله قادر على ذلك كله، وهو مالك جميعه، كما قال في الآية الأخرى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة هود: 15-16] .

* * *

وإنما عنى بذلك جل ثناؤه: الذين تَتَيَّعُوا في أمر بني أبيرق، (76) والذين وصفهم في قوله: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [سورة النساء: 107، 108] ، ومن كان من نظرائهم في أفعالهم ونفاقهم.

* * *

وقوله: " وكان الله سميعًا بصيرًا "، يعني: وكان الله سميعًا لما يقول هؤلاء المنافقون الذين يريدون ثواب الدنيا بأعمالهم، وإظهارهم للمؤمنين ما يظهرون لهم إذا لَقُوا المؤمنين، وقولهم لهم: "آمنًا " (77) =" بصيرًا "، يعني: وكان ذا بصر بهم وبما هم عليه منطوون للمؤمنين، (78) فيما يكتمونه ولا يبدونه لهم من الغش والغِلّ الذي في صدورهم لهم. (79)

* * *

---------------

الهوامش :

(71) في المطبوعة: "لمحمد صلى الله عليه وسلم" ، والصواب من المخطوطة.

(72) انظر تفسير"ثواب" فيما سلف 2 : 458 / 7 : 262 ، 304 ، 490.

(73) في المطبوعة: "بإظهار" بغير هاء ، وأثبت ما في المخطوطة.

(74) في المطبوعة: "وثوابه فيها هو ..." ، وأثبت ما في المخطوطة.

(75) قوله: "مجازيه به" ، كان في المخطوطة: "مجازيه بها" ، وفي المطبوعة ، حذف"بها" ، والصواب ما أثبت.

(76) في المطبوعة: "الذين سعوا في أمر بني أبيرق" ، وفي المخطوطة ، كما كتبتها غير منقوطة. يقال: "تتيع فلان في الأمر وتتايع": إذا أسرع إليه وتهافت فيه من غير فكر ولا روية. ولا يكون ذلك إلا في الشر ، لا يقال في الخير. والذي في المطبوعة صواب في المعنى والسياق والخبر ، ولكني تبعت رسم المخطوطة ، فهو موافق أيضًا لسياق قصتهم.

(77) انظر تفسير"سميع" فيما سلف 6 : 363 ، والمراجع هناك.

(78) انظر تفسير"بصير" فيما سلف 6 : 283 ، والمراجع هناك.

(79) في المطبوعة ، حذف"لهم" من آخر هذه الجملة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[134] قال أبو حامد الغزالي: «من طلب الدنيا بالدين خسرهما جميعًا، ومن ترك الدنيا للدين ربحها جميعًا!».
وقفة
[134] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ﴾ أي: الذي له الكمال المطلق، ﴿ثَوَابُ الدُّنْيَا﴾: الخسيسة الفانية، ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ أي: النفيسة الباقية؛ فليطلبها منه؛ فإنه يعطي من أراد ما شاء، ومن علت همته عن ذلك فأقبل بقلبه إليه، وقصر همه عليه فلم يطلب إلا الباقي؛ جمع سبحانه وتعالى له بينهما؛ كمن يجاهد لله خالصًا؛ فإنه يجمع له بين الأجر والمغنم.
وقفة
[134] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ يقال: من آثر آخرته على دنياه ربحهما معًا، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معًا !
وقفة
[134] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ لا تعتمد فيما ترجو من ثواب الدنيا والآخرة إلا على الله؛ لأنه هو الذي بيده كل الأمور سبحانه.
وقفة
[134] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ كل ما تريده من خير الدنيا والآخرة فهو بيد الله، وهو بأمره؛ فلا تسأله من غيره.
وقفة
[134] ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [123] القرآن لا يقيم للأماني وزنًا، وإنما للإرادات المورثة للعمل ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
عمل
[134] لا تجعل الدنيا أكبر همك ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ كانَ يُرِيدُ:
  • من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يُرِيدُ» في محل نصب خبر «كانَ».
  • ﴿ ثَوابَ الدُّنْيا:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الدنيا: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء للتعذر.
  • ﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. عند: ظرف مكان منصوب بالفتحة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. وشبه الجملة «عند الله» متعلق بخبر مقدم في محل رفع. ثواب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الدنيا: سبق إعرابها. والآخرة: معطوفة بالواو على «الدُّنْيا» مجرورة مثلها وعلامة جرّها: الكسرة الظاهرة. وجملة «فَعِنْدَ وما تلاها» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. وجملتا فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض مبني على الفتح. الله: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة. سميعا: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة بصيرا صفة لسميعا. ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لكان. '

المتشابهات :

النساء: 134﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
هود: 15﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
الإسراء: 18﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
فاطر: 10﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا
الشورى: 20﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
الشورى: 20﴿فِي حَرۡثِهِۦۖ وَ مَّن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [134] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل عظيمَ سلطانه وغناه وقدرته؛ نبَّهَ الناسَ هنا إلى أنَّ خيرَ الدُّنيا بيده، وخير الآخرة أيضًا، فإنِ اتَّقَوه نالُوا الخَيْرَيْنِ، قال تعالى:
﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف