48516171819202122

الإحصائيات

سورة الشورى
ترتيب المصحف42ترتيب النزول62
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.30
عدد الآيات53عدد الأجزاء0.34
عدد الأحزاب0.67عدد الأرباع2.70
ترتيب الطول34تبدأ في الجزء25
تنتهي في الجزء25عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 23/29الحواميم: 3/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (16) الى الآية رقم (19) عدد الآيات (4)

= وبَيَّنَ بطلانَ حجةِ المجادلينَ في دينِ اللهِ، ثُمَّ بيانُ أصلِ الحججِ الصحيحةِ (القرآن)، واستعجالُ المشركينَ ليومِ القيامةِ استهزاءً به.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (20) الى الآية رقم (22) عدد الآيات (3)

لمَّا بَيَّنَ أنَّ الرزقَ ليس إلَّا في يدِه، أتبعَهَ بما يزهدُ في طلبِ رزقِ الدُّنيا ويرغبُ في رزقِ الآخرةِ، ثُمَّ بَيَّنَ سببَ ضلالِ المشركينَ، ثُمَّ ذكرَ جزاءَ الظالمينَ وأتبعَهُ بجزاءِ المؤمنينَ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الشورى

التحذير من الفرقة والأمر بالشورى

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • نعم للاختلاف، لا للخلاف::   بدأت السورة ببيان وحدة الوحي بين جميع الأنبياء (المنهج واحد): ﴿حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (1-3). ثم الحديث عن عظمة الله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (4، 5). تحدثت السورة عن الاختلاف بواقعية: فقررّت أنّ الأصل في الناس أنهم سيختلفون: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (7). ثم تأتي الآية المحورية: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (8)، فبينت: أن جمع الشمل من آثار الرحمة، وأن الفرقة من آثار العذاب. ثم بينت الواجب في حال الاختلاف: وهو التحاكم إلى الله وشرعه، قوله تعالى: ﴿وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء فَحُكْمُهُ إِلَى ٱلله﴾ (10). ثم تحدّثت عن الفرقة وحذرت منها بشدة: ﴿أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ﴾ (13). وعابت على من وقع فيها من الأمم السابقة: ﴿وَمَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ (14). ثم الأمر بالاستقامة: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ (15).
  • • السّورة تقرّر:   أن الاختلاف أمر طبيعي ومنطقي؛ لأنه من المستحيل أن يجتمع الناس على رأي واحد في كلِّ المسائل، لكن المرفوض هو الفرقة والنّزاع، (لاحظ تكرر كلمة الفرقة في السورة 4 مرات). والحل لضمان الاجتماع عند تعدد الآراء والاختلاف هو: الشورى، التي إن حافظنا عليها في كل أمور حياتنا، في بيوتنا ومع أولادنا، وفي شركاتنا ومؤسساتنا، حافظنا على أمتنا من التفرق كما جرى مع الأمم السابقة. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   ‏«الشورى»، و«حم عسق»، و«عسق».
  • • معنى الاسم ::   ‏الشورى: التشاور وتبادل الآراء لمعرفة الصواب منها، واستشاره: طلب منه المشورة.
  • • سبب التسمية ::   سميت «الشورى»؛ لوصف المؤمنين بالتشاور في أمورهم في الآية (38)، و«حم عسق»، و«عسق»؛ لافتتاح السورة بها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الشورى في كل الأمور العامة والخاصة، في بيوتنا ومع أولادنا، وفي شركاتنا، ومؤسساتنا.
  • • علمتني السورة ::   أن الاختلاف أمر طبيعي ومنطقي، لكن المرفوض هو الفرقة والنّزاع.
  • • علمتني السورة ::   عدم التفرق في الدين: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   الاستقامة على شرع الله، وعدم اتباع الأهواء في الدين: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ».قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة الشورى) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الشورى من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة الشورى) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الشورى هي السورة الثالثة من الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • سورة الشورى وسورة مريم هما السورتان الوحيدتان اللتان ابتدأتا بخمسة حروف تهجٍ: ﴿حم عسق﴾، ﴿كهيعص﴾. • سورة الشورى احتوت على آية تعتبر أصلًا في باب الأسماء والصفات، وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (11)، فكثيرًا ما يستدل العلماء بهذه الآية في إثبات صفات الله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل.
    • سورة الشورى أكثر سورة ورد فيها لفظ (الوحي) بالمعنى الشرعي، وهو إعلام الله تعالى لرسله بالرسالة، فقد ورد فيها هذا اللفظ 6 مرات على النحو التالي: أوحينا (3 مرات)، يُوحِي (مرتان)، وحي (مرة واحدة).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نطبق الشورى دائمًا، في كل الأمور العامة والخاصة، في بيوتنا ومع أولادنا، وفي شركاتنا، ومؤسساتنا.
    • أن نستغفر لأنفسنا ولأهل الأرض من المؤمنين والمؤمنات اقتداءً بالملائـكة: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ﴾ (5).
    • أن نرجع إلى القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (10).
    • أن نرضى بما قسم الله لنا؛ فالله أعلم بحالنا: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ (12).
    • أن نحسن العمل؛ فالله يعلم ما نخفي وما نعلن: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (25).
    • أن نتذكر مصيبة وقعت لنا، ثم نكثر من الاستغفار مستحضرين قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ (30).
    • أن نحذر الجدال في آيات الله بغير علم: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ﴾ (35).
    • أن نجعل عفونا عن المسيء من شكر الله الذي أقدرنا على أن نأخذ حقنا، ونسأله أجره الذي وعدنا به في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ﴾ (40).
    • أن نسأل الله أن يثبتنا على دينه، فالهداية والضلال بيده: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ﴾ (44).
    أن نسارع بالامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه، وأن نتوب قبل فوات الأوان، ولا نسوف: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّـهِ ۚ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ﴾ (47).

تمرين حفظ الصفحة : 485

485

مدارسة الآية : [16] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن ..

التفسير :

[16] والذين يجادلون في دين الله الذي أرسلتُ به محمداً -صلى الله عليه وسلم-، مِن بعد ما استجاب الناس له وأسلموا، حجتهم ومجادلتهم باطلة ذاهبة عند ربهم، وعليهم من الله غضب في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد، وهو النار.

وهذا تقرير لقوله:لا حجة بيننا وبينكم، فأخبر هنا أن{ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} بالحجج الباطلة، والشبه المتناقضة{ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} أي:من بعد ما استجاب للّه أولو الألباب والعقول، لما بين لهم من الآيات القاطعة، والبراهين الساطعة، فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين{ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} أي:باطلة مدفوعة{ عِنْدَ رَبِّهِمْ} لأنها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق، فهو باطل.

{ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} لعصيانهم وإعراضهم عن حجج اللّه وبيناته وتكذيبها.{ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هو أثر غضب اللّه عليهم، فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الذين يجادلون بالباطل فقال: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ، حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

وقوله: داحِضَةٌ من الدحض بمعنى الزلل والزوال. وأصله: الطين الذي لا تستقر عليه الأقدام. يقال: دحضت رجل فلان، إذا زلت وزلقت.

أى: والذين يخاصمون في الله. أى: في دينه وشريعته، مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ أى:

من بعد أن استجاب العقلاء من الناس لهذا الدين الحق، واتبعوا رسوله.

حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أى: حجة هؤلاء المجادلين بالباطل، زائلة وزاهقة وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ لا يقادر قدره من ربهم وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ يوم القيامة.

ثم بين- سبحانه- حال الكافرين والمؤمنين بالنسبة ليوم القيامة، كما بين جانبا من فضله على عباده، ومن رحمته بهم، فقال- تعالى-:

يقول تعالى - متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به - : ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له ) أي : يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ، ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى ، ( حجتهم داحضة عند ربهم ) أي : باطلة عند الله ، ( وعليهم غضب ) أي : منه ، ( ولهم عذاب شديد ) أي : يوم القيامة .

قال ابن عباس ، ومجاهد : جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ؛ ليصدوهم عن الهدى ، وطمعوا أن تعود الجاهلية .

وقال قتادة : هم اليهود والنصارى ، قالوا لهم : ديننا خير من دينكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم ، وأولى بالله منكم . وقد كذبوا في ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)

يقول تعالى ذكره: والذين يخاصمون في دين الله الذي ابتعث به نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بعد ما استجاب له الناس, فدخلوا فيه من الذين أورثوا الكتاب ( حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ) يقول: خصومتهم التي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربهم ( وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ) يقول: وعليهم من الله غضب, ولهم في الآخرة عذاب شديد, وهو عذاب النار.

وذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في دينهم, وطمعوا أن يصدوهم عنه, ويردوهم عن الإسلام إلى الكفر.

* ذكر الرواية عمن ذكر ذلك عنه:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) قال: هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين, ويصدّونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا لله. وقال: هم أهل الضلالة كان استجيب لهم على ضلالتهم, وهم يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ) قال: طمع رجال بأن تعود الجاهلية.

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد, أنه قال في هذه الآية ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ) قال: بعد ما دخل الناس في الإسلام.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) قال: هم اليهود والنصارى, قالوا: كتابنا قبل كتابكم, ونبينا قبل نبيكم, ونحن خير منكم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ )..... الآية, قال: هم اليهود والنصارى حاجوا أصحاب نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقالوا: كتابنا قبل كتابكم, ونبينا قبل نبيكم, ونحن أولى بالله منكم.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ ).... إلى آخر الآية, قال: نهاه عن الخصومة.

التدبر :

وقفة
[16] ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ استجاب الناس لله ولا زالوا يقطعون الطريق.
وقفة
[16] ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ فيها أكبر برهان على أن من آمن بالله ورسوله إيمانًا تامًّا، وعلم مراد الرسول ﷺ قطعًا، تيقن ثبوت جميع ما أخبر به، وعلم أن ما عارض ذلك فهو باطل، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال.
تفاعل
[16] ﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ:
  • الواو استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يحاجون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. بمعنى: يجادلون.
  • ﴿ فِي اللهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بيحاجون. بمعنى: في دين الله أي يخاصمون في دينه.
  • ﴿ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ:
  • جار ومجرور متعلق بيحاجون. ما: مصدرية.استجيب: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. له: جار ومجرور متعلق باستجيب. وجملة اُسْتُجِيبَ لَهُ» صلة الحرف المصدري لا محل لها من الإعراب. و «ما» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة. بمعنى من بعد استجابة الناس له ودخولهم في الإسلام.
  • ﴿ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «الذين».حجة:مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.داحضة: أي باطلة: خبر «حجتهم» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بداحضة وهو مضاف.رب: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ:
  • الواو عاطفة. على: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. غضب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ:
  • معطوفة بالواو على عَلَيْهِمْ غَضَبٌ» وتعرب إعرابها.شديد: صفة لعذاب مرفوعة مثله بالضمة.'

المتشابهات :

النحل: 106﴿وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَـ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
الشورى: 16﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريق الدعوة إلى هذا الدين؛ بَيَّنَ هنا بطلانَ حجةِ المجادلينَ في دينِ اللهِ، ثُمَّ بَيَّنَ سوء عاقبتهم، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [17] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ..

التفسير :

[17] الله الذي أنزل القرآن وسائر الكتب المنزلة بالصدق، وأنزل الميزان وهو العدل؛ ليحكم بين الناس بالإنصاف. وأي شيء يدريك ويُعْلمك لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب؟

لما ذكر تعالى أن حججه واضحة بينة، بحيث استجاب لها كل من فيه خير، ذكر أصلها وقاعدتها، بل جميع الحجج التي أوصلها إلى العباد، فقال:{ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} فالكتاب هو هذا القرآن العظيم، نزل بالحق، واشتمل على الحق والصدق واليقين، وكله آيات بينات، وأدلة واضحات، على جميع المطالب الإلهية والعقائد الدينية، فجاء بأحسن المسائل وأوضح الدلائل.

وأما الميزان، فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح، فكل الدلائل العقلية، من الآيات الآفاقية والنفسية، والاعتبارات الشرعية، والمناسبات والعلل، والأحكام والحكم، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده، ليزنوا به ما اشتبه من الأمور، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله، مما خرج عن هذين الأمرين عن الكتاب والميزان مما قيل إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات، فإنه باطل متناقض، قد فسدت أصوله، وانهدمت مبانيه وفروعه، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها، والفرق بين الحجج والشبه، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة، والألفاظ المموهة، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد، فإنه ليس من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان، فوفاقه وخلافه سيان.

ثم قال تعالى مخوفا للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها، فقال:{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} أي:ليس بمعلوم بعدها، ولا متى تقوم، فهي في كل وقت متوقع وقوعها، مخوف وجبتها.

والمراد بالكتاب في قوله- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ جنسه أى: جميع الكتب السماوية التي أنزلها على أنبيائه.

والمراد بالميزان: العدل والقسط الذي تضمنته شريعته- عز وجل-، وأمر الناس بإقامته بينهم في أمور معاشهم.

وتسمية العدل بالميزان من باب تسمية الشيء باسم آلته، لأن الميزان آلة الإنصاف والقسط بين الناس في معاملاتهم.

قال- تعالى-: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ .

وقال- سبحانه-: الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ.

أى: الله- تعالى- هو وحده الذي أنزل جميع الكتب السماوية لهداية الناس ومنفعتهم، وقد أنزلها- سبحانه- ملتبسة بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، وأنزل كذلك شريعته العادلة ليتحاكم إليها الناس في قضاياهم ومعاملاتهم.

وقوله- تعالى-: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ إرشاد إلى أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله- تعالى-:.

أى: إن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله- تعالى- وحده، وأى شيء يجعلك عالما بوقتها إذا كان مرد علمها إلى الله وحده، ومع ذلك لعل وقت قيامها قريب.

وقال: قَرِيبٌ ولم يقل قريبة، لأن تأنيث الساعة غير حقيقى، أو لأن لفظ فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، كما في قوله- تعالى-: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً .

ثم قال : ( الله الذي أنزل الكتاب بالحق ) يعني : الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه ( والميزان ) ، وهو : العدل والإنصاف ، قاله مجاهد ، وقتادة . وهذه كقوله تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) [ الحديد : 25 ] وقوله : ( والسماء رفعها ووضع الميزان . ألا تطغوا في الميزان . وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) [ الرحمن : 7 - 9 ] .

وقوله : ( وما يدريك لعل الساعة قريب ) فيه ترغيب فيها ، وترهيب منها ، وتزهيد في الدنيا .

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)

يقول تعالى ذكره: (اللَّهُ الَّذِي أَنْـزَلَ) هذا(الْكِتَابَ) يعني القرآن ( بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) يقول: وأنـزل الميزان وهو العدل, ليقضي بين الناس بالإنصاف, ويحكم فيهم بحكم الله الذي أمر به في كتابه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثنا الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( أَنـزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) قال: العدل.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( الَّذِي أَنـزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) قال: الميزان: العدل.

وقوله: ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء يدريك ويعلمك, لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب .

التدبر :

وقفة
[17] ﴿اللَّهُ الَّذي أَنزَلَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ ومن غيره سبحانه سيكون كتابه الحق؟! لا أحد.
وقفة
[17] بيان بعض الحكمة في إنزال الكتاب -أي القرآن- والميزان؛ وهو أن يحكم الناس بالقسط ﴿اللَّـهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾.
وقفة
[17] ﴿اللَّـهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ فإن قيل: ما وجه اتصال ذكر الكتاب والميزان بذكر الساعة؟ فالجواب أن الساعة يوم الجزاء والحساب؛ فكأنه قال: اعدلوا وافعلوا الصواب قبل اليوم الذي تحاسبون فيه على أعمالكم.
وقفة
[17] ﴿اللَّـهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ عاملوا الخلق بما عاملكم به الله، فالزموا الحق، واقضوا بين الناس بالعدل؛ قبل أن يفاجئكم يوم تحاسبون فيه، وتوزّن فيه أعمالكم.
وقفة
[17] قال يحيى بن سلام: «بلغني أن كل شيء في القرآن: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ فقد أدراه إياه وعلمه، وكل شيء قال: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ فهو مما لم يعلمه».
عمل
[17] اعمل عملًا يدل على إيمانك بقرب الساعة ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾.
عمل
[17] ﴿وَما يُدريكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَريبٌ﴾ ولهذا فاعمل.

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ الَّذِي:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو.والجملة الاسمية «هو الذي» في محل رفع خبر لفظ‍ الجلالة.
  • ﴿ أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. أنزل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي الله سبحانه. الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أي جنس الكتاب. بالحق: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الكتاب أو مصدر «مفعول مطلق» محذوف. بتقدير: أنزل الكتاب إنزالا متلبسا بالحق مقترنا به بعيدا من الباطل. أو يكون المعنى: ومعه الحق.
  • ﴿ وَالْمِيزانَ:
  • معطوفة بالواو على «الكتاب» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.أي وأنزل الميزان أي العدل في كتبه المنزلة.
  • ﴿ وَما يُدْرِيكَ:
  • الواو استئنافية. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يدريك: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو يعود على «ما» والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وجملة «يدريك» في محل رفع خبر «ما».
  • ﴿ لَعَلَّ السّاعَةَ:
  • حرف مشبه بالفعل. الساعة: اسم «لعل» منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ قَرِيبٌ:
  • خبر «لعل» مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وجاء الخبر مذكرا لاسم «لعل» المؤنث على تأويل البعث فلذلك قيل «قريب» او لعل مجيء الساعة قريب. او هي شيء قريب.'

المتشابهات :

الأحزاب: 63﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّـهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا
الشورى: 17﴿اللَّـهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ مَن يُحاجُّ في دينِ الإسلامِ؛ صَرَّح هنا بأنَّه تعالى هو الَّذي أنزَل الكِتابَ، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ..

التفسير :

[18] يستعجل بمجيء الساعة الذين لا يؤمنون بها؛ تهكماً واستهزاءً، والذين آمنوا بها خائفون من قيامها، ويعلمون أنها الحق الذي لا شك فيه. ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة لفي ضلال بعيد عن الحق.

{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} عنادا وتكذيبا، وتعجيزا لربهم.{ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} أي:خائفون، لإيمانهم بها، وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالأعمال، وخوفهم، لمعرفتهم بربهم، أن لا تكون أعمالهم منجية لهم ولا مسعدة، ولهذا قال:{ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه{ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ} أي:بعد ما امتروا فيها، ماروا الرسل وأتباعهم بإثباتها فهم في شقاق بعيد، أي:معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب، بل في غاية البعد عن الحق، وأيُّ بعد أبعد ممن كذب بالدار التي هي الدار على الحقيقة، وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد، وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله وفضله وإنما هذه الدار بالنسبة إليها، كراكب قال في ظل شجرة ثم رحل وتركها، وهي دار عبور وممر، لا محل استقرار.

فصدقوا بالدار المضمحلة الفانية، حيث رأوها وشاهدوها، وكذبوا بالدار الآخرة، التي تواترت بالإخبار عنها الكتب الإلهية، والرسل الكرام وأتباعهم، الذين هم أكمل الخلق عقولا، وأغزرهم علما، وأعظمهم فطنة وفهما.

وقوله- تعالى-: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها.. بيان لموقف الكافرين والمؤمنين من الساعة.

أى: يستعجل الكافرون قيام الساعة، استعجال استهزاء واستخفاف لجهلهم وانطماس بصائرهم، أما الذين آمنوا بالله واليوم الآخر. فهم خائفون مشفقون من قيامها، لما فيها من أهوال وحساب وثواب وعقاب، ولأنهم لا يدرون ما الذي سيفعله الله- تعالى- بهم.

فقوله- تعالى- مُشْفِقُونَ من الإشفاق، وهو عناية مشوبة بخوف، لأن المشفق يحب المشفق عليه، ويخاف ما يلحقه. فإذا عدى بحرف «من» فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدى بحرف «في» فمعنى العناية فيه أظهر.

وقوله- سبحانه- وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ تأكيد لإيمان المؤمنين بها، ومدح لهم على هذا الإيمان.

أى: أن المؤمنين وجلون من الساعة لما فيها من حساب.. ومع ذلك فهم لصدق يقينهم يعتقدون أنها آتية لا ريب فيها، ويستعدون لاستقبالها بالإيمان العميق، وبالعمل الصالح الذي يرضى الله- تعالى-.

ثم وبخ- سبحانه- الذين يشكون في البعث والنشور فقال: أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.

وقوله: يُمارُونَ من المماراة بمعنى المجادلة والمخاصمة. يقال: مارى فلان في الشيء يمارى مراء ومماراة، إذا خاصم وجادل.

أى: ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة خصام شك وريبة، لفي ضلال بعيد عن الحق، وفي ذهول شديد عن الصواب، لأن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها شيء، ولأن حكمته قد اقتضت أن يجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.

وقوله : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ) أي : يقولون : ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) [ سبأ : 29 ] ، وإنما يقولون ذلك تكذيبا واستبعادا ، وكفرا وعنادا ، ( والذين آمنوا مشفقون منها ) أي : خائفون وجلون من وقوعها ( ويعلمون أنها الحق ) أي : كائنة لا محالة ، فهم مستعدون لها عاملون من أجلها .

وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر ، في الصحاح والحسان ، والسنن والمسانيد ، وفي بعض ألفاظه ; أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصوت جهوري ، وهو في بعض أسفاره فناداه فقال : يا محمد . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من صوته " هاؤم " . فقال : متى الساعة ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ويحك ، إنها كائنة ، فما أعددت لها ؟ " فقال : حب الله ورسوله . فقال : " أنت مع من أحببت .

فقوله في الحديث : " المرء مع من أحب " ، هذا متواتر لا محالة ، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة ، بل أمره بالاستعداد لها .

وقوله : ( ألا إن الذين يمارون في الساعة ) أي : يحاجون في وجودها ويدفعون وقوعها ، ( لفي ضلال بعيد ) أي : في جهل بين ; لأن الذي خلق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى ، كما قال : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] .

( يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا ): يقول: يستعجلك يا محمد بمجيئها الذين لا يوقنون بمجيئها, ظنا منهم أنها غير جائية ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا ) يقول: والذين صدّقوا بمجيئها, ووعد الله إياهم الحشر فيها,( مُشْفِقُونَ مِنْهَا ) يقول: وَجِلون من مجيئها, خائفون من قيامها, لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها( وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ) يقول: ويوقنون أن مجيئها الحقّ اليقين, لا يمترون في مجيئها( أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ ) يقول تعالى ذكره: ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة ويجادلون فيه ( لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) يقول: لفي جَور عن طريق الهدى, وزيغ عن سبيل الحقّ والرشاد, بعيد من الصواب.

التدبر :

وقفة
[18] ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ أي: خائفون لإيمانهم بها، وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالأعمال، وخوفهم لمعرفتهم بربهم أن لا تكون أعمالهم منجية لهم ولا مسعدة.
وقفة
[18] ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ من العجيب أن يأمن المسيء ويخاف المحسن، أن يأمن ابن سلول وهو في الدرك الأسفل من النار، ويخاف ابن الخطاب وهو المبشَّر بالجنة.
وقفة
[18] ما سبب خوف المؤمنين من الساعة؟ ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ أي: خائفون لإيمانهم بها، وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالأعمال، وخوفهم لمعرفتهم بربهم ألَّا تكون أعمالهم منجية لهم ولا مسعدة.
وقفة
[18] ﴿يَستَعجِلُ بِهَا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِها وَالَّذينَ آمَنوا مُشفِقونَ مِنها وَيَعلَمونَ أَنَّهَا الحَقُّ﴾ يستعجلونها من فرط جهلهم واستكبارهم، بينما المؤمن مشفق على نفسه.
وقفة
[18] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ خوف المؤمن من أهوال يوم القيامة يعين على الاستعداد لها.

الإعراب :

  • ﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة وقد عدي الى مفعوله بالباء. بها: جار ومجرور متعلق بيستعجل.
  • ﴿ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بها: جار ومجرور متعلق بلا يؤمنون. وجملة لا يُؤْمِنُونَ بِها» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والالف فارقة والجملة صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ مُشْفِقُونَ مِنْها:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. منها: جار ومجرور متعلق بمشفقون. بمعنى:والمؤمنون خائفون من مجيء الساعة اي القيامة.
  • ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ:
  • الواو: عاطفة. يعلمون: اعربت في «يؤمنون».أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «أن» الحق: خبرها مرفوع بالضمة. و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يعلمون».
  • ﴿ أَلا إِنَّ الَّذِينَ:
  • الواو: عاطفة. يعلمون: اعربت في «يؤمنون».أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «أن» الحق: خبرها مرفوع بالضمة. و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يعلمون».
  • ﴿ أَلا إِنَّ الَّذِينَ:
  • حرف تنبيه للتوكيد. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها.
  • ﴿ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ:
  • تعرب اعراب يُؤْمِنُونَ بِها» بمعنى: يجادلون في قيام الساعة. حذف المضاف المجرور وأقيم المضاف اليه مقامه.
  • ﴿ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ
  • : اللام: لام التوكيد «المزحلقة» في ضلال: جار ومجرور متعلق بخبر «إن» و «بعيد» صفة-نعت-لضلال مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. اي لفي ضلال بعيد من الحق.'

المتشابهات :

البقرة: 176﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
الحج: 53﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
فصلت: 52﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
ابراهيم: 3﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ
الشورى: 18﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ
ق: 27﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ الساعة؛ ذكرَ هنا موقف المشركين منها، وهو: الاستعجال والاستهزاء والإنكار، قال تعالى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وبعد أن بَيَّنَ اللهُ حالَ المشركين في شأنها؛ ذكرَ هنا حالَ المؤمنين بها، قال تعالى:
﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن ..

التفسير :

[19] الله لطيف بعباده، يوسِّع الرزق على مَن يشاء، ويضيِّقه على مَن يشاء وَفْق حكمته سبحانه، وهو القوي الذي له القوة كلها، العزيز في انتقامه من أهل معاصيه.

يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه:الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده -وخصوصا المؤمنين- إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون.

فمن لطفه بعبده المؤمن، أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه.

ومن لطفه أن أمر المؤمنين، بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض.

ومن لطفه، أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا:{ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} بحسب اقتضاء حكمته ولطفه{ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء.

ثم بين- سبحانه- أنه رءوف رحيم بعباده فقال: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ أى: حفى بهم، عطوف عليهم، يفيض عليهم جميعا من صنوف بره ما لا تحصيه العقول، ومن مظاهر ذلك أنه لا يعاجلهم بالعقوبة، مع مجاهرتهم بمعصيته، وأنه يرزقهم جميعا مع أن أكثرهم لا يشكرونه على نعمه.

وقوله يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ أى: يبسط رزقه ويوسعه لمن يشاء من خلقه وَهُوَ سبحانه الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ أى: وهو العظيم القوة الغالب على كل من سواه.

يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم ، لا ينسى أحدا منهم ، سواء في رزقه البر والفاجر ، كقوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] ولها نظائر كثيرة .

وقوله : ( يرزق من يشاء ) أي : يوسع على من يشاء ، ( وهو القوي العزيز ) أي : لا يعجزه شيء .

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)

يقول تعالى ذكره: الله ذو لطف بعباده, يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء منهم.(وَهُوَ الْقَوِيُّ) الذي لا يغلبه ذو أيد لشدته, ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه بقدرته (الْعَزِيزُ) في انتقامه إذا انتقم من أهل معاصيه.

التدبر :

وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ حينما تشعرُ أنَّ المنافذَ كلَّها مُغلقةٌ ستعرفُ معنى (اللطيف) الذي يوصلُ إليك برَّه من المنفَذِ المستحيلِ.
عمل
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ استشعرها في صُبحك ومساءك، وعافيتك وبلاءك، ففي اليقين بها تمام راحتك.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ لو جمعتَ كل لطف الناس بك وعلى رأسهم الوالدان؛ فلن يساوي ذلك قطرة في بحر لطف اﷲ بك، فاقصده في حاجتك.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ ما زال يحفظك في فراشك، ويكلؤك في نومك، ويطعمك، ويسقيك، ويجود عليك، ويعطيك، مهما أوغلت في الذنوب واستكثرت من السيئات.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ يسوق الخير العظيم بطرق خفية لا تخطر لك على بال، فتفاءل.
وقفة
[19]‏ ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ كافية (لاطمئنان) قلبك.
وقفة
[19]‏ ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ اللطيف الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر والخبايا، وهو الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ لطيف في تدبيره شئونك، في إمهالك حين تذنب، في تزيين الهدى لك، في غرس الرضا بقضائه في نفسك، لطفه يغمر حياتك.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ لطف الله بعباده حيث يوسع الرزق على من يكون خيرًا له، ويضيِّق على من يكون التضييق خيرًا له.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ أوصى ابن قدامة رحمه الله أحد إخوانه قائلًا: واعلم أن من هو في البحر -على اللوح- ليس بأحوج إلى الله وإلى لطفه ممن هو في بيته بين أهله وماله، فإذا حققت هذا في قلبك فاعتمد على الله اعتماد الغريق الذي لا يعلم له سبب نجاة غير الله.
وقفة
[19] ﴿اللهُ لطيفٌ بعباده﴾ آية جمعتْ كلَّ معاني الرحمة الإلهية، فكل حُزن سيعقبُه فَرَح، وكل مَرض سيعقبه شفاء، وكلُّ هَمِّ من ورائه حكمة.
وقفة
[19] ﴿اللهُ لطيفٌ بعباده﴾ كل جراح الدنيا وآلامها ومتاعبها وأحزانها؛ يطفئها اليقين بهذه الآية.
وقفة
[19] ﴿الله لطيفٌ بعباده﴾ هل بعدها من رجاء؟!
وقفة
[19] ﴿الله لطيفٌ بعباده﴾ مهما قست عليك الظروف، فالله اللطيف سينسيك بلطفه مرارة الألم، يا رب عاملنا بلطفك ورحمتك.
وقفة
[19] ﴿ٱللَّهُ لَطِیفُۢ بِعِبَادِهِ﴾ ومن لطفه أنه قد يبتليك ببعض المصائب ليطهرك، ويقربك، ويعيدك إليه.
وقفة
[19] ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ قال ابن القيم: «من رحمة الله بعباده المؤمنين أن نغَّص عليهم الدنيا وكدَّرها؛ لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، وليرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم».
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ ومن لطفه أن قيَّض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة، ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصيةٍ صرفها عنه، وقَدَر عليه رزقه، ولهذا قال هنا: ﴿يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾.
وقفة
[19] في غَمْرة ذُهولٍ قد تُصور لك الحياة أنَّك المكسور الذي لن يجبر أبدًا، ثم تُهدى لفؤادك رسائل مِن السماء تنتشلك من ضيق الأرض ﴿إن الأمر كُله لله﴾ [آل عمران: 154]، ﴿سيجعل الله بعد عسر يسرا﴾ [الطلاق: 7]، ﴿الله لطيف بعباده﴾، فلو أذن الله للقرآن أن يجبر قلبك أبقاك على حال كأنك لم تخذل ولم تكسر قبله أبدًا.
وقفة
[19] إن كانت الحياة درسًا فأفضل عنوان لها: ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾ لطيف بهم كلهم؛ لكنَّه يرزق من يشاء، يمنعك بعض الرزق وهو في ذلك يلطف بك.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾ من لطف الله بعبده أن ييسر له فعل الطاعات.
وقفة
[19] ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء﴾ استهلت هذه الآية باسمه اللطيف، ثم تحدثت عن الرزق، وفيها نكتة بديعة وهي: أن عطاءه لطف، ومنعه لطف.
وقفة
[19] ﴿الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ من يَشَاءُ﴾ وأما رزق القلوب من العلم والإيمان, ومحبة الله وخشيته ورجائه، ونحو ذلك فلا يعطيها إلا من يحب.
وقفة
[19] ﴿الله لطيف بعباده يرزق من يشاء﴾ من لطفه سبحانه بعباده أن يقدّر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم، فقد يريدون شيئًا وغيره أصلح.
وقفة
[19] ﴿الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ من يَشَاءُ﴾ لطيفٌ بهم كلهم لكنّه يرزقُ من يشاء، قد يمنعك بعضَ الرزق وهو في ذلك يلطفُ بك.
وقفة
[19] اللطيف هو البَرُّ بعباده، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم من مصالحهم من حيث لا يحتسبون ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ اللطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا يئس من الخلق وتوكل عليه ورجع إليه، فحينئذ يقبله ويقبل عليه، وقيل: «اللطيف الذي ينشر من عباده المناقب ويستر عليهم المثالب»؛ وقيل: «هو الذي يقبل القليل ويبذل الجزيل»، وقيل: «هو الذي يجبر الكسير وييسر العسير»، وقيل: «هو الذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه»، وقيل: «هو الذي لا يرد سائله ويوئس آمله»، وقيل: «هو الذي يعفو عمن يهفو»، وقيل: «هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه».
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ ذكر الله صفة القوة؛ كي لا يتوهم أحد أن رزق الله عن عجز أو قِلَّة أو بُخل؛ خزائنه لا تنفذ.
وقفة
[19] ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ لطفك ولينك مع الناس دليل قوتك وكمالك.
وقفة
[19] ﴿الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ من يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ﴾ وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحًا ... وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ
وقفة
[19] ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ﴾ ومن لطف الله بعبده: أن يجعل رزقه حلالًا في راحة وقناعة، يحصل به المقصود، ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل، بل يعينه على ذلك ويفرغه ويريح خاطره وأعضاءه.
وقفة
[19] ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ قـد ينظُر الله إليك من فوق سبع سمـاوات نـظـرة رضـا؛ فـتـطـيـب بها أوجـاعٌك، وكـأنها لـم تكُن.
عمل
[19] تفكر في نفسك وسجل ثلاثة مظاهر للطف الله تعالى بك ﴿اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾.
تفاعل
[19] ﴿يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[19] عُطف ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ على صفة: ﴿لَطِيفٌ﴾، أو على جملة: ﴿يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾، وهو تمجيد لله تعالى بهاتين الصفتين، ويفيد الاحتراس من توهم أن لطفه عن عجز أو مصانعة؛ فإنه قوي عزيز لا يَعجز ولا يصانِع، أو عن توهم أن رزقه لمن يشاء عن شحٍّ أو قِلَّةٍ؛ فإنه القويُّ، والقوي تنتفي عنه أسباب الشحِّ، والعزيز ينتفي عنه سبب الفقر؛ فرزقه لمن يشاء بما يشاء منوط لحكمة عَلِمها في أحوال خلقه عامة وخاصة.

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.لطيف: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بعباده: جار ومجرور متعلق بلطيف والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر ثان للفظ‍ الجلالة.يرزق: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على لفظ‍ الجلالة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء: تعرب اعراب «يرزق» وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وحذف مفعولها بمعنى: من يشاء رزقه
  • ﴿ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ:
  • الواو عاطفة. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. القوي العزيز: خبران اي خبر بعد خبر للمبتدإ «هو» مرفوعان بالضمة. ويجوز أن تكون كلمة «العزيز» صفة'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ أنه أنزلَ عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرقين في الدين استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم؛ أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم في عماية من أمرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [20] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ ..

التفسير :

[20] من كان يريد بعمله ثواب الآخرة فأدى حقوق الله وأنفق في الدعوة إلى الدين، نزد له في عمله الحسن، فنضاعف له ثواب الحسنة إلى عشر أمثالها إلى ما شاء الله من الزيادة، ومن كان يريد بعمله الدنيا وحدها، نؤته منها ما قسمناه له، وليس له في الآخرة شيء من الثواب.

ثم قال تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} أي:أجرها وثوابها، فآمن بها وصدق، وسعى لها سعيها{ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} بأن نضاعف عمله وجزاءه أضعافا كثيرة، كما قال تعالى:{ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} ومع ذلك، فنصيبه من الدنيا لا بد أن يأتيه.

{ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} بأن:كانت الدنيا هي مقصوده وغاية مطلوبه، فلم يقدم لآخرته، ولا رجا ثوابها، ولم يخش عقابها.{ نُؤْتِهِ مِنْهَا} نصيبه الذي قسم له،{ وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} قد حرم الجنة ونعيمها، واستحق النار وجحيمها.

وهذه الآية، شبيهة بقوله تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} إلى آخر الآيات.

ثم حكى- تعالى- سنته التي لا تتخلف فقال: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ.

والحرث في الأصل: مصدر بمعنى إلقاء البذور في الأرض، لتنبت ما ينفع الناس من زرع.

والمراد به ثمرات الأعمال ونتائجها، تشبيها لها بثمرات البذور.

والمعنى: من كان يريد من الناس بأعماله ثواب الآخرة، ورضا الله- تعالى- ضاعف الله- عز وجل- له الأجر والثواب والعطاء.

وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا أى: ومن كان يريد بعمله شهوات الدنيا نؤته منها،ما قدرناه له من حطامها وزخارفها.

وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أى: وليس له في الآخرة نصيب من خيراتها الباقية، ونعيمها الدائم.

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً .

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى توبيخ المشركين على إصرارهم على كفرهم، وقارنت بين مصيرهم السيئ، وبين المصير الطيب الذي وعد الله به المؤمنين.. فقال- تعالى-:

ثم قال : ( من كان يريد حرث الآخرة ) أي : عمل الآخرة ( نزد له في حرثه ) أي : نقويه ونعينه على ما هو بصدده ، ونكثر نماءه ، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى ما يشاء الله ( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ) أي : ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا ، وليس له إلى الآخرة همة ألبتة بالكلية ، حرمه الله الآخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها ، وإن لم يشأ لم يحصل له لا هذه ولا هذه ، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة .

والدليل على هذا أن هذه الآية هاهنا مقيدة بالآية التي في " سبحان " وهي قوله تعالى : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) [ الإسراء : 18 - 21 ] .

وقال الثوري ، عن مغيرة ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب [ رضي الله عنه ] قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة ، والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له في الآخرة من نصيب " .

( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نـزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الآخرة نـزد له في حرثه: يقول: نـزد له في عمله الحسن, فنجعل له بالواحدة عشرا, إلى ما شاء ربنا من الزيادة ( وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ) يقول: ومن كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى لا للآخرة, نؤته منها ما قسمنا له منها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نـزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ )... إلى ( وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) قال: يقول: من كان إنما يعمل للدنيا نؤته منها.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نـزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا ) .... الآية, يقول: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلا النار, ولم نـزده بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا قد فرغ منه وقسم له.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نـزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) قال: من كان يريد الآخرة وعملها نـزد له في عمله ( وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا )... إلى آخر الآية, قال: من أراد الدنيا وعملها آتيناه منها, ولم نجعل له في الآخرة من نصيب, الحرث العمل, من عمل للآخرة أعطاه الله, ومن عمل للدنيا أعطاه الله.

حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نـزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) قال: من كان يريد عمل الآخرة نـزد له في عمله.

وقوله: ( وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) قال: للكافر عذاب أليم.

التدبر :

وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾ عملُ الآخرةِ يحتاجُ لتعبٍ وصبرٍ كما يفعلُه (حارث الأرض) بزرعِه.
وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ والمراد: من كان يعمل للآخرة فإن الله يزيد له الجزاء فالحسنة بعشر أمثالها, ومن لطائف الآية: أن من جد في حرثه طاب زرعه.
لمسة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ ولم يذكر أنه يعطيه الدنيا أم لا، تنبيهًا على أن الدنيا أخسُّ من أن يُقرن ذكرها بذكر الآخرة.
وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ الدنيا مزرعة لدار خالدًا فيها أبدًا، ما تزرعه اليوم سوف تحصده غدًا.
وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ للعمل للآخرة حسابات آخرى! السعي له مبارك، والثواب يضاعف ويُنال معه خير الدنيا.
وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ المعنى: أي من طلب بما رزقناه حرثًا لآخرته، فأدى حقوق الله، وأنفق في إعزاز الدين؛ فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرًا إلى سبعمائة فأكثر.
وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ قال قتادة: «إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا».
وقفة
[20] والله ما صدق أحد في طلب الآخرة في عمله إلا كانت ثمرته أعظم من عمله، تأمل قوله: (نَزِدْ) ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾.
تفاعل
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
عمل
[20] اغرس في قلبك أمنية لعمل صالح عظيم، واجتهد في تحقيقها حتى يزيدك الله أعمالًا صالحة أخرى ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾.
وقفة
[20] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ كم من (تغريدة) هي من حرث اﻵخرة!
وقفة
[20] من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيبًا في الآخرة إلا النار، ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئًا، إلا رزقًا قد فُرغ منه وقُسِم له: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾.
وقفة
[20] بيان وجوب إصلاح النيات؛ فإن مدار العمل قبولًا ورفضًا بحسبها ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾.
لمسة
[20] ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ قال في مريد حرث الدنيا: (نُؤْتِهِ مِنْهَا)، و(من) للتبعيض، فالمعنى أنه يعطيه بعض ما يطلبه، لا كله؛ لذا لا يشبع طالب دنيا أبدًا.
تفاعل
[20] ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[20] خطر إيثار الدنيا على الآخرة ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾.
وقفة
[20] ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ إذا واظب طالب الدنيا على طلبها، ازداد حبه لها، واشتد ميله إليها، حتى يطرد حب الآخرة من قلبه، فلا يبقى لصاحبه في الآخرة أدني نصيب.
وقفة
[20] ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ الآخرة ثواب غائب مؤجَّل، والدنيا ثواب حاضر معجل، والناس يرون الحاضر خيرًا من الغائب، فبيَّن الله أن الآخرة وإن كانت غيبًا إلا أنها تتجه نحو الزيادة والدوام، فكانت أفضل وأكمل، والدنيا وإن كانت حاضرة إلا أنها تتجه نحو النقصان والبطلان، فكانت أخس وأرذل، وعلى العاقل أن يختار.
وقفة
[20] ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ لا بد في البابين من حرث، والحرث معناه مشقة البذر والسُّقيا والحصاد، وهذا مصداق قوله ﷺ: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا». [مسلم 223].

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ كانَ:
  • اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر «من» كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن. واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» يريد:فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. حرث: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الآخرة:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى: من كان يريد ثواب الآخرة سمى سبحانه ما يعمله العامل مما يبغي به الفائدة والزكاء حرثا على المجاز.
  • ﴿ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ:
  • فعل مضارع جواب الشرط‍ «جزاؤه» مجزوم بمن وعلامة جزمه: سكون آخره وحذفت ياؤه تخفيفا ولالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. وقد عدي الفعل الى مفعوله باللام اي نزده منه. له: جار ومجرور متعلق بنزد. في حرثه: جار ومجرور متعلق بنزد والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. وعلامة جر المضاف اليه «الدنيا» الكسرة المقدرة على الالف للتعذر وعلامة جزم الفعل «نؤته» حذف آخره-حرف العلة-والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها.له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. والجار والمجرور فِي الْآخِرَةِ» متعلق بحال من «نصيب» من: حرف جر زائد لتأكيد النفي. نصيب: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر.'

المتشابهات :

النساء: 134﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
هود: 15﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
الإسراء: 18﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
فاطر: 10﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا
الشورى: 20﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَ
الشورى: 20﴿حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أنَّ الرِّزقَ ليس إلَّا في يَدِ اللهِ تعالى؛ أتْبَعَه بما يرغبُ في طَلَبِ رزقِ الآخرةِ، ويُزَهِّدُ في طَلَبِ رزقِ الدُّنيا، قال تعالى:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [21] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم ..

التفسير :

[21] بل ألهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم، ابتدعوا لهم من الدين والشرك ما لم يأذن به الله؟ ولولا قضاء الله وقدره بإمهالهم، وأن لا يعجل لهم العذاب في الدنيا، لقضي بينهم بتعجيل العذاب لهم. وإن الكافرين بالله لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع.

يخبر تعالى أن المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركون هم وإياهم في الكفر وأعماله، من شياطين الإنس، الدعاة إلى الكفر{ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} من الشرك والبدع، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضته أهواؤهم.

مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله، فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وأباؤهم على الكفر.

{ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي:لولا الأجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين الطوائف المختلفة، وأنه سيؤخرهم إليه، لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق وإهلاك المبطل، لأن المقتضي للإهلاك موجود، ولكن أمامهم العذاب الأليم في الآخرة، هؤلاء وكل ظالم.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أى: ألهم، والميم صلة الهمزة للتقريع.

وهذا متصل بقوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وقوله- تعالى-:

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ. كانوا لا يؤمنون به، فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله؟ وإذا استحال هذا فالله لم يشرع الشرك، فمن أين يدينون به .

فالآية الكريمة تنكر عليهم شركهم بأبلغ أسلوب، وتؤنبهم على جهالتهم حيث أشركوا بالله- تعالى-: دون أن يكون عندهم دليل أو ما يشبه الدليل على صحة ما وقعوا فيه من باطل.

والمراد بكلمة الفصل في قوله- تعالى-: وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ما تفضل به- سبحانه- من تأخير العذاب الماحق عنهم.

أى: ولولا حكمنا بتأخير العذاب عنهم- فضلا منا وكرما- لقضى الأمر بين هؤلاء الكافرين وبين المؤمنين، بأن أهلكنا الكافرين واستأصلنا شأفتهم في الدنيا، ولكن شاء ربك أن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة.

وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة، بسبب إصرارهم على ظلمهم وموتهم على الكفر والشرك.

وقوله : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) أي : هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس ، من تحريم ما حرموا عليهم ، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وتحليل الميتة والدم والقمار ، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة ، التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم ، من التحليل والتحريم ، والعبادات الباطلة ، والأقوال الفاسدة .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه في النار " لأنه أول من سيب السوائب . وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة ، وهو أول من فعل هذه الأشياء ، وهو الذي حمل قريشا على عبادة الأصنام ، لعنه الله وقبحه ; ولهذا قال تعالى : ( ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم ) أي : لعوجلوا بالعقوبة ، لولا ما تقدم من الإنظار إلى يوم المعاد ، ( وإن الظالمين لهم عذاب أليم ) أي : شديد موجع في جهنم وبئس المصير .

القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)

يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم ( شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه ( وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: ولولا السابق من الله في أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا, وأنه مضى من قيله إنهم مؤخرون بالعقوبة إلى قيام الساعة, لفرغ من الحكم بينكم وبينهم بتعجيله العذاب لهم في الدنيا, ولكن لهم في الآخرة من العذاب الأليم, كما قال جلّ ثناؤه: ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: وإن الكافرين بالله لهم يوم القيامة عذاب مؤلم مُوجع.

التدبر :

وقفة
[21] ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّـهُ﴾ التحليل والتحريم حق لله وحده! قال ابن كثير: «أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرّموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة».
عمل
[21] احذرْ من البِدَعِ؛ فإنَّها تجلب غضبَ اللهِ ﴿شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّـهُ﴾.
تفاعل
[21] ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[21] الهلاك والعذاب والبعد لكل ظالم: ﴿وإن الظالمين لهم عذاب أليم﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ:
  • معنى الهمزة التقرير والتقريع بلفظ‍ استفهام. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. شركاء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن-فعلاء-بمعنى شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وقيل: أوثانهم.و«أم» هي «أم» المنقطعة وليست المتصلة.
  • ﴿ شَرَعُوا لَهُمْ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع صفة-نعت-لشركاء. وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. لهم: اعربت. والجار والمجرور «لهم» متعلق بشرعوا. اي سنوا لهم.
  • ﴿ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما».ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لم: حرف نفي وجزم وقلب.
  • ﴿ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ:
  • فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره. به:جار ومجرور متعلق بيأذن. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بمعنى: سنوا لهم دينا لم يعلم به الله؟ وقدم الجار والمجرور مِنَ الدِّينِ» على اسم الموصول «ما» الذي محله الحال منه لأن «من» حرف جر بياني بتقدير:سنوا لهم شيئا حالة كونه من الدين لم يعلم به الله.
  • ﴿ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظّالِمِينَ:
  • اعربت في الآية الكريمة الرابعة عشرة. الفصل: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. الظالمين: اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد بمعنى ولولا كلمة القضاء السابق بتأجيل العذاب لقضي بين الكافرين والمؤمنين او بين المشركين وشركائهم بإهلاك اباطيلهم.
  • ﴿ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «إن» لهم عذاب:تعرب اعراب لَهُمْ شُرَكاءُ» اليم: صفة-نعت-لعذاب مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة.'

المتشابهات :

ابراهيم: 22﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
الشورى: 21﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ أنَّه شَرَع للنَّاسِ ما وصَّى به رسله؛ أخَذَ يُنكِرُ هنا ما شَرَع غَيرُه تعالى، قال تعالى:
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وإن الظالمين:
1- بكسر همزة «إن» ، على الاستئناف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتحها، عطفا على كلمة «الفصل» ، وهى قراءة الأعرج، ومسلم بن جندب.

مدارسة الآية : [22] :الشورى     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا ..

التفسير :

[22] ترى -أيها الرسول- الكافرين يوم القيامة خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمال خبيثة، والعذاب نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة. والذين آمنوا بالله وأطاعوه في بساتين الجنات وقصورها ونعيم الآخرة، لهم ما تشتهيه أنفسهم عند ربهم، ذلك الذي أعطاه ا

وفي ذلك اليوم{ تَرَى الظَّالِمِينَ} أنفسهم بالكفر والمعاصي{ مُشْفِقِينَ} أي:خائفين وجلين{ مِمَّا كَسَبُوا} أن يعاقبوا عليه.

ولما كان الخائف قد يقع به ما أشفق منه وخافه، وقد لا يقع، أخبر أنه{ وَاقِعٌ بِهِمْ} العقاب الذي خافوه، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب، من غير معارض، من توبة ولا غيرها، ووصلوا موضعا فات فيه الإنظار والإمهال.

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به،{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يشمل كل عمل صالح من أعمال القلوب، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فهؤلاء{ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} أي:الروضات المضافة إلى الجنات، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه، فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة، وما فيها من الأنهارالمتدفقة، والفياض المعشبة، والمناظر الحسنة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة، والأصوات الشجية المطربة، والاجتماع بكل حبيب، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب، رياض لا تزداد على طول المدى إلا حسنا وبهاء، ولا يزداد أهلها إلا اشتياقا إلى لذاتها وودادا،{ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ} فيها، أي:في الجنات، فمهما أرادوا فهو حاصل، ومهما طلبوا حصل، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.{ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى، والتنعم بقربه في دار كرامته؟

ثم صور- سبحانه- أحوالهم السيئة يوم القيامة تصويرا مؤثرا فقال: تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ.

أى: ترى- أيها العاقل- هؤلاء الظالمين يوم القيامة مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا أى خائفين خوفا شديدا، بسبب ما اكتسبوه في الدنيا من سيئات على رأسها الكفر، وهذا الذعر الشديد لن ينفعهم، فإن العذاب واقع بهم لا محالة، سواء أخافوا أم لم يخافوا.

وقوله- تعالى-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ.. بيان للثواب العظيم الذي أعده الله- تعالى- لعباده المؤمنين.

والروضات: جمع روضة، وهو أشرف بقاع الجنة وأطيبها وأعلاها.

أى: هذا هو مصير الظالمين يوم القيامة، أما الذين آمنوا وعملوا في دنياهم الأعمال الصالحات، فهم يوم القيامة يكونون في أشرف بقاع الجنات وأطيبها وأسماها منزلة، حالة كونهم لهم ما يشاءون من خيرات عند ربهم.

ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ أى: الذي أعطيناه للمؤمنين من خيرات، هو الفضل الكبير الذي لا يعادله فضل، ولا يماثله كرم.

ثم قال تعالى : ( ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا ) أي : في عرصات القيامة ، ( وهو واقع بهم ) أي : الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة ، هذا حالهم يوم معادهم ، وهم في هذا الخوف والوجل ، ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ) فأين هذا من هذا : أين من هو في العرصات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ، ممن هو في روضات الجنات ، فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ ، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

قال : الحسن بن عرفة : حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري عن أبي طيبة ، قال : إن الشرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول : ما أمطركم ؟ قال : فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرتهم ، حتى إن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أترابا .

رواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، به .

ولهذا قال تعالى : ( ذلك هو الفضل الكبير ) أي : الفوز العظيم ، والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة .

القول في تأويل قوله تعالى : تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة ( مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا ) يقول: وَجِلين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة.( وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ) يقول: والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم, وهم ذائقوه لا محالة.

وقوله: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ) يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الآخرة. ويعني بالروضات: جمع روضة, وهي المكان الذي يكثر نبته, ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض; ومنه قول أبي النجم.

والنَّغــضَ مِثْـلَ الأجْـرَبِ المُدَّجَّـلِ

حَــدائِقَ الـرَّوْضِ التـي لَـمْ تُحْـلَلِ (1)

يعني بالروض: جمع روضة. وإنما عنى جل ثناؤه بذلك: الخبر عما هم فيه من السرور والنعيم.

كما: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ) إلى آخر الآية. قال في رياض الجنة ونعيمها.

وقوله: ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الآخرة ما تشتهيه أنفسهم, وتلذّه أعينهم, ذلك هوالفوز الكبير, يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم, وهذه الكرامة في الآخرة: هو الفضل من الله عليهم, الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض.

------------------------

الهوامش:

(1) هذان بيتان من مشطور الرجز ، لأبي النجم الفضل بن قدامة العجلي والأرجوزة بتمامها في مجلة المجمع العلمي ( مجلد 8 : 472 ) وروى البيت الأول منهما وفسره ابن قتيبة في كتابه ( المعاني الكبير ، طبع الهند 332 - 333) والنغض من أسماء الظليم ، لأنه يحرك رأسه إذا عدا . والمدجل : المهنوء بالقطران . وشبهه بالأجرب ، لأنه قد أسن وذهب ريشه من أرفاغه . وفي ( اللسان : دجل) : شدة طلي الجرب بالقطران . والمدجل : المهنوء بالقطران . ونغض برأسه ينغض نغضا : حركه . وإنما سمي الظليم نغضا ، لأنه إذا عجل في مشيته ارتفع وانخفض . ا هـ . والنغض منصوب بالفعل" راعت" في البيت قبله ، أي راقبته ونظرت إليه . والحدائق : جمع حديقة ، وهي القطعة من الزرع ؛ وكل بستان كان عليه حائط فهو حديقة . وما لم يكن عليه حائط ، لم يقل له حديقة . وقال الزجاج : الحدائق البساتين والشجر الملتف . وحدائق الروض : ما أعشب منه والتف . يقال : روضة بني فلان ما هي إلا حديقة . وإذا لم يكن فيها عشب فهي روضة ( اللسان : حدق ) ونصب قوله حدائق بقوله" تبقلت من أول التبقل" وهو بيت في أول الأرجوزة . والتي لم تحال : التي لم توطأ ولم ترعها الحيوانات ، فيقل نبتها .

التدبر :

وقفة
[22] ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ ما الفرق بين: (واقع بهم) و(واقع عليهم)؟ الجواب: التعبير بـ (واقع بهم) متضمن معنى: محيط بهم بحيث لا ينجو منهم أحد، بخلاف التعبير بـ (واقع عليهم) فلا يدل على الإحاطة بهم وإهلاكهم جميعًا، والله أعلم.
وقفة
[22] يجمع الله ﷻ على الظالم العذاب النفسي والبدني؛ الخوف من العذاب ثم العذاب الواقع به ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾.
وقفة
[22] ﴿تَرَى الظّالِمينَ مُشفِقينَ مِمّا كَسَبوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِم﴾ وقتها لا تراجع ولا إمهال.
وقفة
[22] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ۖ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ من لطائف هذا الوجه أنه جاء على الترتيب المعهود في الحصول في الخارج؛ فإن الضيف أو الوافد ينزل أول قدومه في منزل إكرام، ثم يحضر إليه القرى، ثم يخالطه رب المنزل ويقترب منه.
وقفة
[22] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ۖ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ اليوم ينقلب إشفاق المؤمنين من الساعة اطمئنانًا، وينقلب استعجال المشركين للساعة واطمئنانهم إشفاقًا، فشتان بين العاقبتين!
تفاعل
[22] ﴿فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ۖ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[22] ﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ يكفي في نعيم الجنة أن أي شيء تريده يكون، افتح قوسًا في عقلك املأه بالخيالات الجميلة ثم: لا تغلق القوس أبدًا.

الإعراب :

  • ﴿ تَرَى:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: انت.
  • ﴿ الظّالِمِينَ مُشْفِقِينَ:
  • منصوبتان الاولى مفعول «ترى» لأنها بمعنى: تبصر وتعرف والثانية على الحال. بمعنى خائفين وعلامة نصبهما الياء لأنهما جمعا مذكر سالمان والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ مِمّا كَسَبُوا:
  • اصلها: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. كسبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كسبوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: مما كسبوه بمعنى: ترى الظالمين في الآخرة خائفين مما اقترفوه من السيئات. والجار والمجرور متعلق بمشفقين.
  • ﴿ وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. واقع:خبر «هو» مرفوع بالضمة. بهم: الباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بواقع بمعنى ووباله واصل اليهم.
  • ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب لأنه معطوف على منصوب اي على «الظالمين» بمعنى: وترى الذين آمنوا منعمين. ويجوز أن تكون الواو استئنافية والاسم الموصول في محل رفع مبتدأ وخبره فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ» آمنوا: تعرب اعراب «كسبوا».
  • ﴿ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ:
  • معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب اعرابها.الصالحات: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. بمعنى الاعمال الصالحات وهي من الصفات التي جرت مجرى الاسماء
  • ﴿ فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة بتقدير: منعمين في روضات الجنات. الجنات: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب حال ثانية على تقدير:وترى الذين آمنوا ..... او في محل رفع خبر ثان للاسم الموصول «الذين» في حالة اعرابه مبتدأ. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يشاءون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يشاءون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والراجع الى الموصول ساقط‍ لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير: ما يشاءونه
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيشاءون وهو مضاف. رب: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ثان. الفضل: خبر «هو» مرفوع بالضمة والجملة الاسمية هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» في محل رفع خبر «ذلك».الكبير: صفة-نعت- للفضل مرفوع بالضمة. ويجوز أن يكون «هو» ضمير فصل او عماد للتوكيد فتكون «الفضل» خبر «ذلك» ولكن الوجه الاول من الاعراب هو الاصح خشية لبس اعراب «الفضل» بدلا من اسم الاشارة لأنه معرف بأل.'

المتشابهات :

فاطر: 32﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ
الشورى: 22﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     وبعد تهديد الظالمين بالعذاب الأليم في الآخرة؛ بَيَّنَ اللهُ هنا حالَهم عندما يصيبهم هذا العذاب في الآخرة، ثم بَيَّنَ حال المؤمنين في الجنات، قال تعالى:
﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف