279103104105106107108109110

الإحصائيات

سورة النحل
ترتيب المصحف16ترتيب النزول70
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.50
عدد الآيات128عدد الأجزاء0.75
عدد الأحزاب1.50عدد الأرباع6.00
ترتيب الطول9تبدأ في الجزء14
تنتهي في الجزء14عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 3/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (103) الى الآية رقم (105) عدد الآيات (3)

الشُّبْهةُ الثانيةُ: أنَّ مُحَمَّدًا تلقّى القرآنَ من بعضِ أهلِ الكتابِ، والردُّ عليهم: كيفَ ولسانُ المُعلِّمِ المزعومِ أعْجميٌ والقرآنُ عربيٌ؟!

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (106) الى الآية رقم (110) عدد الآيات (5)

بعدَ الردِّ على الشُبهتين السابقتين بَيَّنَ اللهُ هنا جزاءَ من كَفَرَ باللهِ بعدَ إيمانِه، وحُكمَ من أُكِرَه على قولِ كلمةِ الكفرِ بلسانِه، وقلبُه مليءٌ بالإيمانِ، ثُمَّ ذَكَرَ حالَ المستضعفينَ في مكَّةَ الَّذينَ عذبَهم المشْركونَ حتَّى نطقُوا بكلمةِ الكُ

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النحل

التعرف على نعم الله وشكره عليها

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هي سورة النعم تخاطب قارئها قائلة::   فسورة النحل هي أَكْثَرُ سُورَةٍ نُوِّهَ فِيهَا بِالنِّعَمِ، وَهِيَ أَكْثَرُ سُورَةٍ تَكَرَّرَتْ فِيهَا مُفْرَدَةُ (نِعْمَة) وَمُشْتَقَّاتُهَا.
  • • سورة إبراهيم وسورة النحل::   انظر لنعم الله تعالى في الكون، من النعم الأساسيّة (ضروريّات الحياة) إلى النعم الخفيّة التي يغفل عنها الكثير وينساها، وحتى التي يجهلها، كل أنواع النعم. ثم تعرض السورة النعم وتناديك وتذكرك وتنبهك: المنعم هو الله، احذر من سوء استخدام النعم، اشكر الله عليها ووظفها فيما خلقت له.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النحل».
  • • معنى الاسم ::   النحل: حشرة صغيرة تربى للحصول على العسل.
  • • سبب التسمية ::   قال البعض: لذكر لفظ النحل فيها في الآية (68)، ولم يذكر في سورة أخرى غيرها
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة النِّعَم»؛ لكثرة ذكر النعم فيها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   التفكر في نعم الله الكثيرة علينا.
  • • علمتني السورة ::   أنّ الوحي قرآنًا وسنة هو الرُّوح الذي تحيا به النفوس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أنّ نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ما نعرف منها وما لا نعرف: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (18)، فلو أننا قضينا حياتنا في عدّها ما أحصيناها، فكيف بشكرها؟
  • • علمتني السورة ::   أن العاقل من يعتبر ويتعظ بما حل بالضالين المكذبين، كيف آل أمرهم إلى الدمار والخراب والعذاب والهلاك: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النحل من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عن عَبْدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:‏ «مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعَ لِحَلاَلٍ وَحَرَامٍ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏﴿‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏ ...‏‏﴾».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة النحل احتوت على السجدة الثالثة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم، في الآية (49).
    • سورة النحل وسورة هود تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
    • سورة النحل تشبه سورة إبراهيم في التركيز على موضوع تعدد نعم الله على عباده، ولكن سورة النحل أكثر تفصيلًا للموضوع لطولها.
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقرأ سورة النحل، ثم نتبّع النعم المذكورة فيها، ونكتبها بالقلم في ورقة.
    • أن نتفكّر في نعم الله، وفي كيفية توظيف كل هذه النعم في طاعة الله.
    • أن نتذكر من فقد أحد هذه النعم، ونحن نردد: (الحمد لله الذي أنعم علينا بهذه النعمة).
    • أن نقتدي بإبراهيم عليه السلام الشاكر لأنعم الله عليه.
    • ألا ننسى قول: "الحمد لله" عندما نرتدي ملابسنا الشتوية: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ (5).
    • أن نتأمل وسائل النقل الحديثة كالسيارات والطائرات، وندرك سعة معاني كلام الله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (8).
    • أن نحذر السخـرية، أو الاستـهزاء بالدعاة إلى الله، والعلماء المصلحين: ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ (34).
    • أن نبلِّغ الناس مسألة نافعة اقتداء بالأنبياء، وسيرًا على نهجهم: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (35).
    • ألا نحمل أنفسنا ما لا تطيق, علينا النصح فقط, والله أعلم بقلوب عباده ومن يستحق القرب منه: ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ (37).
    • ألا تيأس؛ ليس بين الضيق والفرج إلا كلمة (كن) فيكون الفرج ويزول الضيق: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (40).
    • أن نتذكر نعمة أنعم الله بها علينا، ثم ننسب الفضل فيها لله وحده: " الحمد لله، الله أنعم علينا بكذا": ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ﴾ (53).
    • أن نحسن معاملة بناتنا وأخواتنا، ونظهر البشر لمقدمهن: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (58).
    • أن نتفكر -ونحن نشرب اللبن- كيف تدرج اللبن من برسيم في المزرعة إلى مصنع في بطن الحيوان، حتى صار مشروبًا لذيذًا على المائدة، ثم نحمد الله على نعمه: ﴿لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ﴾ (66).
    • أن نحذر الحسد؛ فإن الله تعالى هو الذي فاضل بين الناس في أرزاقهم وعقولهم: ﴿وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ (71).
    • أن نستخدم ضرب المثل في نصحنا ودعوتنا؛ لتقريب الأمور: ﴿وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا ...﴾ (76).
    • أن نتخَيل لو تعطَّلَت إحدَى النِّعَمِ، ثُمَّ نشْكُر اللهَ عليها: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (78).
    • أن نشكر نعمة الله علينا بالسكن، ونتصدق بصدقة نساعد بها فقيرًا في دفع إيجار مسكنه: ﴿وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ (80). • أن نستعذ بالله من الشيطان الرجيم، لنقرأ القرآن بقلب حاضر وبتدبر وتفكر: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ (98).
    • أن نهتم كثيرًا بتعـلم اللـغة العـربية؛ لأنـها تـوصل إلى فــهم القرآن: ﴿وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ (103).
    • أن نحرص على اتباع المنهج لا اتباع الأشخاص: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ (123).

تمرين حفظ الصفحة : 279

279

مدارسة الآية : [103] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا ..

التفسير :

[103] ولقد نعلم أن المشركين يقولون:إن النبي يتلقى القرآن مِن بشر مِن بني آدم. كذبوا؛ فإن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- أعجمي لا يُفصح، والقرآن عربي غاية في الوضوح والبيان.

يخبر تعالى عن قيل المشركين المكذبين لرسوله{ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ} هذا الكتاب الذي جاء به{ بَشَرٌ} وذلك البشر الذي يشيرون إليه أعجمي اللسان{ وَهَذَا} القرآن{ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} هل هذا القول ممكن؟ أو له حظ من الاحتمال؟ ولكن الكاذب يكذب ولا يفكر فيما يؤول إليه كذبه، فيكون في قوله من التناقض والفساد ما يوجب رده بمجرد تصوره.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك مقولة أخرى من مقولات المشركين فقال- تعالى-:

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ....

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: يقول- تعالى- مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء: إن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمى كان بياعا يبيع عند الصفا، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمى اللسان لا يعرف إلا اليسير من العربية.

وعن عكرمة وقتادة كان اسم ذلك الرجل «يعيش» ، وعن ابن عباس كان اسمه «بلعام» ، وكان أعجمى اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله هذه الآية .

والمعنى: ولقد نعلم- أيها الرسول الكريم- علما مستمرا لا يعزب عنه شيء مما يقوله المشركون في شأنك، من أنك تتعلم القرآن من واحد من البشر.

قال الآلوسى: وإنما لم يصرح القرآن باسم من زعموا أنه يعلمه- عليه الصلاة والسلام- مع أنه أدخل في ظهور كذبهم، للإيذان بأن مدار خطئهم، ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين، بل من البشر كائنا من كان، مع كونه صلى الله عليه وسلم معدنا لعلوم الأولين والآخرين .

وقوله- تعالى-: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ رد عليهم فيما زعموه وافتروه.

والمراد باللسان هنا: الكلام الذي يتكلم به الشخص، واللغة التي ينطق بها.

وقوله: يُلْحِدُونَ من الإلحاد بمعنى الميل. يقال لحد وألحد، إذا مال عن القصد، وسمى الملحد بذلك، لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها.

والأعجمي: نسبة إلى الأعجم: وهو الذي لا يفصح في كلامه سواء أكان من العرب أم من العجم. وزيدت فيه ياء النسب على سبيل التوكيد.

والمعنى: لقد كذبتم- أيها المشركون- كذبا شنيعا صريحا، حيث زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه القرآن بشر، مع أن لغة هذا الإنسان الذي زعمتم أنه يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم لغة أعجمية، ولغة هذا القرآن لغة عربية في أعلى درجات البلاغة والفصاحة، فقد أعجزكم بفصاحته وبلاغته، وتحداكم وأنتم أهل اللسن والبيان أن تأتوا بسورة من مثله.

فخبروني بربكم، من أين للأعجمى أن يذوق بلاغة هذا التنزيل وما حواه من العلوم، فضلا عن أن ينطق به، فضلا عن أن يكون معلما له!!.

يقول تعالى مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت : أن محمدا إنما يعلمه - هذا الذي يتلوه علينا من القرآن - بشر ، ويشيرون إلى رجل أعجمي - كان بين أظهرهم - غلام لبعض بطون قريش ، وكان بياعا يبيع عند الصفا ، فربما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية ، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يرد جواب الخطاب فيما لا بد منه ; فلهذا قال الله تعالى رادا عليهم في افترائهم ذلك : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) يعني : القرآن أي : فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة - التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على نبي أرسل - كيف يتعلم من رجل أعجمي ؟ ! لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل .

قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني - يقال له جبر - عبد لبعض بني الحضرمي ، [ فكانوا يقولون : والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني غلام بني الحضرمي ] فأنزل الله : ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )

وكذا قال عبد الله بن كثير . وعن عكرمة وقتادة : كان اسمه يعيش .

وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مسلم بن عبد الله الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم قينا بمكة ، وكان اسمه بلغام ، وكان أعجمي اللسان ، وكان المشركون يرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل عليه ويخرج من عنده ، قالوا : إنما يعلمه بلغام ، فأنزل الله هذه الآية : ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .

وقال الضحاك بن مزاحم : هو سلمان الفارسي ، وهذا القول ضعيف ; لأن هذه الآية مكية ، وسلمان إنما أسلم بالمدينة . وقال عبيد الله بن مسلم : كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابا لهما بلسانهما ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بهما ، فيقوم فيسمع منهما ، فقال المشركون : يتعلم منهما ، فأنزل الله هذه الآية .

وقال الزهري ، عن سعيد بن المسيب : الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتد بعد ذلك عن الإسلام ، وافترى هذه المقالة ، قبحه الله .

يقول تعالى ذكره: ولقد نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلا منهم: إنما يعلم محمدا هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم، وما هو من عند الله ، يقول الله تعالى ذكره مكذّبهم في قيلهم ذلك: ألا تعلمون كذب ما تقولون ، إن لسان الذي تلحدون إليه: يقول: تميلون إليه بأنه يعلم محمدا أعجميّ ، وذلك أنهم فيما ذُكر كانوا يزعمون أن الذي يعلِّم محمدا هذا القرآن عبد روميّ، فلذلك قال تعالى ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) يقول: وهذا القرآن لسان عربيّ مبين.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في اسم الذي كان المشركون يزعمون أنه يعلِّم محمدا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن من البشر، فقال بعضهم: كان اسمه بَلْعام، وكان قَينا بمكة نصرانيا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني أحمد بن محمد الطُّوسِيّ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا إبراهيم بن طَهْمان، عن مسلم بن عبد الله المَلائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم قينا بمكة، وكان أعجميّ اللسان، وكان اسمه بَلْعام، فكان المشركون يَرَوْن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يدخل عليه ، وحين يخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلِّمه بلعام ، فأنـزل الله تعالى ذكره ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ).

وقال آخرون: اسمه يعيش.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب، عن عكرمة، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم، يقرئ غلامًا لبني المغيرة أعجميا ، قال سفيان: أراه يقال له: يَعِيش ، قال: فذلك قوله ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) وقد قالت قريش: إنما يعلمه بشر، عبد لبني الحَضْرميّ يقال له يعيش، قال الله تعالى: ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) وكان يعيش يقرأ الكُتُب.

وقال آخرون: بل كان اسمه جَبْر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيرًا ما يجلس عند المَرْوَة إلى غلام نصراني يقال له جَبْر، عبد لبني بياضة الحَضْرَمِيّ، فكانوا يقولون: والله ما يعلِّم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جَبْرٌ النصرانيُّ غلام الحضرميّ ، فأنـزل الله تعالى في قولهم ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) .

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد الله بن كثير: كانوا يقولون: إنما يعلمه نصرانيّ على المَرْوة، ويعلم محمدا رُوميّ يقولون اسمه جَبْر وكان صاحب كُتُب عبد لابن الحضرميّ، قال الله تعالى ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ).

وقال آخرون: بل كانا غلامين اسم أحدهما يسار والآخر جَبْر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حُصَيْن، عن عبد الله بن مسلم الحضرميّ: أنه كان لهم عبدان من أهل عير اليمن، وكانا طفلين، وكان يُقال لأحدهما يسار ، والآخر جبر، فكانا يقرآن التوراة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما جلس إليهما، فقال كفار قريش: إنما يجلس إليهما يتعلم منهما، فأنـزل الله تعالى ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ).

حدثني المثنى، قال: ثنا معن بن أسد، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن حصين، عن عبد الله بن مسلم الحضرميّ، نحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن حصين، عن عبد الله بن مسلم، قال: كان لنا غلامان فكان يقرآن كتابًا لهما بلسانهما، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يمرّ عليهما، فيقوم يستمع منهما، فقال المشركون: يتعلم منهما، فأنـزل الله تعالى ما كذّبهم به، فقال: ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )

وقال آخرون: بل كان ذلك سَلْمان الفارسي.

* ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ) كانوا يقولون: إنما يعلِّمه سَلْمان الفارسي.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) قال: قول كفار قريش: إنما يعلِّم محمدا عبدُ ابن الحضرميّ، وهو صاحب كتاب، يقول الله: ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ).

وقيل: إن الذي قال ذلك رجل كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ عن الإسلام.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن الذي ذكر الله إنما يعلمه بشر ، إنما افتتن إنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَمِيعٌ عَلِيمٌ أو عَزِيزٌ حَكِيمٌ وغير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: أعزيز حكيم، أو سميع عليم، أو عزيز عليم؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ ذلك كتبت فهو كذلك ، ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا يكل ذلك إليّ، فأكتب ما شئت ، وهو الذي ذكر في سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.

واختلف القرّاء في قراءة قوله ( يُلْحِدُونَ ) فقرأته عامَّة قرّاء المدينة والبصرة ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ ) بضم الياء من ألحد يلحد إلحادا، بمعنى يعترضون ، ويعدلون إليه ، ويعرجون إليه ، من قول الشاعر:

قُـدْنِيَ مِـنْ نَصْـرِ الخـبَيْبَيْنِ قَـدِي

لَيْسَ أمــيرِي بالشَّــحيحِ المُلْحِــدِ (1)

وقرأ ذلك عامَّة قرّاء أهل الكوفة: (لِسَانُ الَّذِي يَلْحِدُونَ إلَيْهِ) بفتح الياء، يعني: يميلون إليه، من لحد فلان إلى هذا الأمر يلحد لحدا ولحودا ، وهما عندي لغتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب فيهما الصواب. وقيل ( وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) يعني: القرآن كما تقول العرب لقصيدة من الشعر يعرضها الشاعر: هذا لسان فلان، تريد قصيدته ؛ كما قال الشاعر:

لِســانُ السُّــوءِ تُهْدِيهــا إلَيْنَــا

وحِــنْتَ وَمــا حَسِـبْتُكَ أنْ تَحِينـا

يعني باللسان القصيدة والكلمة (2) .

------------------------

الهوامش:

(1) قدني: اسم فعل بمعنى كفى. والخبيبين: مثنى مصغر. وهما عبد الله بن الزبير وأخوه مصعب أو هما خبيب بن عبد الله بن الزبير وأحد إخوته من بني عبد الله بن الزبير، وهم حمزة وثابت وعبادة وقيس وعامر وموسى. وقيل إن لفظ الخبيبين جمع خبيب، يريد خبيبا ومن معه. أو يريد أنصار عبد الله بن الزبير، وكان يلقب أبا خبيب. والملحد: قال صاحب المصباح: من ألحد في الحرم بالألف: إذا استحل حرمته وانتهكها. وألحد إلحاداً: جادل ومارى. ولحد ( بلا ألف ) بمعنى: جار وظلم. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (1 : 368) "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي" أي يعدلون إليه. ويقال: ألحد فلان: أي جار. وأعجمي: أضيف إلى أعجم اللسان. والبيتان من مشطور الرجز، وهما لحميد الأرقط ( انظر خزانة البغدادي 2 : 453 ) .

(2) في (اللسان : لسن): اللسان: جارحة الكلام، وقد يكني بها عن الكلمة فيؤنث حينئذ قال أعشى باهلة: إني "أتتني لسان لا أسر بها". قال ابن برى: اللسان هنا: الرسالة والمقالة. وقد يذكر على معنى الكلام، قال الحطيئة: "ندمت على لسان فات مني". وحان يحين حينا: هلك. وشاهد المؤلف في البيت: أن اللسان قد يحيي، مؤنثا بمعنى الكلمة والقصيدة.

التدبر :

عمل
[103] ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ شارك في بعض المواقع الالكترونية، أو برامج الاتصال للدفاع عن الدين وأهله.
وقفة
[103] ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ قال ابن كثير: ويشيرون إلى رجل أعجمي کان بياعًا يبيع عند الصفا، وربما كان النبي ﷺ يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف إلا اليسير من العربية.
وقفة
[103] ذكر القرآن نص شبهتهم على الناس بقولهم: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ فلا جديد في شبه المتأخرين.
عمل
[103] ﴿لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ تعـلم اللـغة العـربية عبـادة؛ لأنـها تـوصل إلى فــهم القرآن الكريم، فاجتهد في تعلمها.
وقفة
[103] محاولة إسقاط هيبة النص القرآني في نفوس الناس، قديمة قدم الرسالة، تأمل قوله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾.
وقفة
[103] ﴿لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ أخبروني بربکم: من أين للأعجمي أن يتذوق بلاغة هذا القرآن وما حواه من العلوم، فضلًا عن أن ينطق به، فضلًا عن أن يكون معلمًا له؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ:
  • الواو: استئنافية. اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق لوروده بعد لام التأكيد. نعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.
  • ﴿ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أن» ويقولون أي يدّعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة يقولون في محل رفع خبر «أنّ» و «أنّ» مع اسمها وخبرها بتأويل مصد سدّ مسدّ مفعولي «نعلم».
  • ﴿ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ:
  • إنما: كافة ومكفوفة أو أداة حصر لا عمل لها. يعلمه:فعل مضارع مرفوع بالضمة والهاء ضمير الغائب مبني على الضم في محل نصب مفعول به. بشر: فاعل مرفوع بالضمة. بمعنى: يدعون أن الذي يلقّن محمدا رجل من البشر. ويجوز أن تكون «إنما» مكونة من «إنّ» الحرف المشبه بالفعل و «ما» الاسم الموصول بمعنى «الذي» في محل نصب اسم «إنّ» والجملة الفعلية من «يعلمه» مع فاعلها الضمير المستتر جوازا صلة الموصول لا محل لها وبشر خبر «إنّ» والاعراب الأول أوجه وأصوب.
  • ﴿ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ:
  • الجملة: استئنافية لا محل لها وهي جواب لقولهم إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ» بمعنى فاتهم أن لسان الذي يميلون إليه أعجمي لا يحسن التعبير أي لغته اعجمية غير واضحة. لسان: مبتدأ مرفوع بالضمة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة و «يلحدون» صلة الموصول لا محل لها وتعرب اعراب «يقولون».اليه: جار ومجرور متعلق بيلحدون. أعجمي: خبر المبتدأ مرفوع بالضم.
  • ﴿ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ:
  • الواو: عاطفة. هذا: الهاء للتنبيه. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ والاشارة الى القرآن أي وهذا القرآن. لسان: خبر «هذا» مرفوع بالضمة. عربي مبين: صفتان-نعتان- للسان مرفوعتان بالضمة. أي بمعنى: وهذا القرآن ذو بيان وفصاحة. '

المتشابهات :

الأنعام: 33﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ
الحجر: 97﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
النحل: 103﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو نَصْرٍ أحْمَدُ بْنُ إبْراهِيمَ المُزَكِّي، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدانَ الزّاهِدُ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو هِشامٍ الرِّفاعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ فُضَيْلٍ، قالَ: حَدَّثَنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ قالَ: كانَ لَنا غُلامانِ نَصْرانِيّانِ مِن أهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ، اسْمُ أحَدِهِما يَسارٌ والآخَرُ جَبْرٌ، وكانا صَيْقَلَيْنِ يَقْرَآنِ كُتُبًا لَهم بِلِسانِهِما، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمُرُّ بِهِما فَيَسْمَعُ قِراءَتَهُما، فَكانَ المُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: يَتَعَلَّمُ مِنهُما. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فَأكْذَبَهم فَقالَ: ﴿لِّسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [103] لما قبلها :     الشُّبْهةُ الثانيةُ: أنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم تلقّى القرآنَ من بعضِ أهلِ الكتابِ، والردُّ عليهم: كيفَ ولسانُ المُعلِّمِ المزعومِ أعْجميٌ والقرآنُ عربيٌّ؟! قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لسان الذي:
وقرئ:
اللسان الذي، بتعريف «لسان» بأل، و «الذي» صفته، وهى قراءة الحسن.
يلحدون:
قرئ:
1- بفتح الياء، من «لحد» ثلاثيا، وهى قراءة حمزة، والكسائي، وعبد الله بن طلحة، والسلمى، والأعمش، ومجاهد.
2- بضم الياء، من «ألحد» ، وألحد ولحد، بمعنى، وهى قراءة باقى السبعة، وابن القعقاع.

مدارسة الآية : [104] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ..

التفسير :

[104] إن الكفار الذين لا يصدقون بالقرآن لا يوفقهم الله لإصابة الحق، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم موجع.

{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} الدالة دلالة صريحة على الحق المبين فيردونها ولا يقبلونها،{ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ} حيث جاءهم الهدى فردوه فعوقبوا بحرمانه وخذلان الله لهم.{ وَلَهُمْ} في الآخرة{ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

ثم هدد- سبحانه- المعرضين عن آياته بقوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ الدالة على وحدانيته- سبحانه- وعلى صدق نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عنه.

لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ إلى طريق الحق في الدنيا، بسبب زيغهم وعنادهم وإيثارهم الغي على الرشد. وَلَهُمْ في الآخرة عذاب أليم جزاء إصرارهم على الباطل، وإعراضهم عن الآيات التي لو تأملوها واستجابوا لها لاهتدوا إلى الصراط المستقيم.

يخبر تعالى أنه لا يهدي من أعرض عن ذكره وتغافل عما أنزله على رسوله ، ولم يكن له قصد إلى الإيمان بما جاء من عند الله ، فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله إلى الإيمان بآياته وما أرسل به رسله في الدنيا ، ولهم عذاب أليم موجع في الآخرة .

يقول تعالى إن الذين لا يؤمنون بحجج الله وأدلته ، فيصدّقون بما دلَّت عليه لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ يقول: لا يوفقهم الله لإصابة الحقّ ، ولا يهديهم لسبيل الرشد في الدنيا، ولهم في الآخرة وعند الله إذا وردوا عليه يوم القيامة عذاب مؤلم موجع. ثم أخبر تعالى ذكره المشركين الذين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما أنت مفتر، أنهم هم أهل الفرية والكذب، لا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون به، وبرأ من ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: إنما يتخرّص الكذب ، ويتقوّل الباطل، الذين لا يصدّقون بحجج الله وإعلامه ، لأنهم لا يرجون على الصدق ثوابا ، ولا يخافون على الكذب عقابا، فهم أهل الإفك وافتراء الكذب، لا من كان راجيا من الله على الصدق الثواب الجزيل، وخائفا على الكذب العقاب الأليم. وقوله ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) يقول: والذين لا يؤمنون بآيات الله هم أهل الكذب لا المؤمنون.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[104] ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّـهُ﴾ إضلال الله تعالى لمن اختار الضلالة أكيد.
وقفة
[104] ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّـهُ﴾ قارن بين نموذجين: كان أبو جهل وأبو سفيان كافرين، وكان أبو سفيان أطول مدة في الكفر من أبي جهل، ولكن أبا جهل كان يخلط كفره بأذى النبي ﷺ، وكان أبو سفيان مقتصرًا على الانتصار لقومه ودفع المسلمين عن أن يغلبوهم، فحرم الله أبا جهل الهداية فمات كافرًا، وهدى أبا سفيان فأصبح من خيرة المؤمنين، وتشرف بمصاهرة النبي ﷺ.
وقفة
[104] أعظم مآلات الذنوب: نقص الإيمان كلية أو ذهاب بعضه، تأمل هذا في موضعين في النحل: ﴿ولا تتخذوا أيمانكم دخلًا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها﴾ [94]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّـهُ﴾، فهذا المآل قدم في كلا الموضعين على غيره من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
تفاعل
[104] ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إنّ» والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «بآيات» جار ومجرور متعلق بيؤمنون. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ:
  • الجملة: في محل رفع خبر «إنّ».لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم وحركت الميم بالضم للاشباع أو لالتقاء الساكنين. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة أي لا يهديهم الى سبيل النجاة.
  • ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
  • الواو: استئنافية. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. عذاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. اليم:صفة-نعت-لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [104] لما قبلها :     وبعد الردِّ على الشُبهتين السابقتين؛ هدَّدَهم اللهُ هنا، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [105] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ ..

التفسير :

[105] إنما يختلق الكذبَ مَن لا يؤمن بالله وآياته، وأولئك هم الكاذبون في قولهم ذلك. أما محمد -صلى الله عليه وسلم- المؤمن بربه الخاضعُ له فمحال أن يكذب على الله، ويقولَ عليه ما لم يقله.

{ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ} أي:إنما يصدر افتراه الكذب من{ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} كالمعاندين لرسوله من بعد ما جاءتهم البينات،{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} أي:الكذب منحصر فيهم وعليهم أولى بأن يطلق من غيرهم. وأما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بآيات الله الخاضع لربه فمحال أن يكذب على الله ويتقول عليه ما لم يقل، فأعداؤه رموه بالكذب الذي هو وصفهم، فأظهر الله خزيهم وبين فضائحهم، فله تعالى الحمد.

ثم بين- سبحانه- أن افتراء الكذب لا يصدر عن المؤمنين فضلا عن الرسول الأمين، وإنما يصدر عن الكافرين فقال- تعالى-: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ أى: يختلقه ويخترعه الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ الدالة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له، وعلى صدق رسله، وعلى صحة البعث يوم القيامة، لأن عدم إيمانهم بذلك يجعلهم لا يخافون عقابا، ولا يرجون ثوابا. وَأُولئِكَ الكافرون بما يجب الإيمان به هُمُ الْكاذِبُونَ في قولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه بشر، وفي قولهم إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ وفي غير ذلك من أقوالهم الباطلة، التي حاربوا بها دعوة الحق.

قال بعض العلماء: ولا يخفى ما في الحصر بعد القصر من العناية بمقامه- صلوات الله عليه-، وقد كان أصدق الناس وأبرهم.. بحيث كانوا يلقبونه بالصادق الأمين.

ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان فقال له- من بين ما قال-: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ويكذب على الله- تعالى-.

وفي هذه الآية دلالة على أن الكذب من أكبر الكبائر، وأفحش الفواحش. والدليل عليه أن كلمة «إنما» للحصر.

وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هل يكذب المؤمن؟ قال: «لا، ثم قرأ هذه الآية .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حكم من أكره على النطق بكلمة الكفر، وحكم من استحب الكفر على الإيمان فقال- تعالى-:

ثم أخبر تعالى أن رسوله ليس بمفتر ولا كذاب ; لأنه ( إنما يفتري الكذب ) على الله وعلى رسوله شرار الخلق ، ( الذين لا يؤمنون بآيات الله ) من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس . والرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفا بالصدق في قومه ، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا بالأمين محمد ; ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيما قال له : " أوكنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا ، فقال : هرقل فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله - عز وجل - " .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[105] ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ ردّ على قولهم: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ [101]؛ يعني: إنما يليق الكذب بمن لا يؤمن؛ لأنه لا يخاف الله، وأما من يؤمن بالله فلا يكذب عليه.
وقفة
[105] ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ قال القشيري: وهذا من لطائف المعاريض؛ إذ لما وصفوه عليه السلام بالافتراء، أنار الحق سبحانه طريقه في الجواب، فقال: لست أنت المفتري، إن المفتري من كذب معبوده وجهل توحيده.
وقفة
[105] ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ سمعتك الطيبة مفتاح القبول؟ لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن صفة رسول الله، كان فيما قال: «هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟» قال: لا، فقال هرقل: «لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ».
وقفة
[105] تعلم كيف تفحم أعداءك لتبرئ ساحتك، وكيف تقلب الطاولة عليهم بالحجة والبرهان، بالتعريض أولًا ثم التصريح: ﴿وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. يفتري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. بمعنى «يختلق». الكذب: مفعول به مقدما منصوب بالفتحة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة.الواو استئنافية. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب.
  • ﴿ هُمُ الْكاذِبُونَ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «أولئك».هم: ضمير رفع منفصل-ضمير الغائبين-مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وحركت الميم بالضم للإشباع أو لالتقاء الساكنين. الكاذبون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [105] لما قبلها :     ولَمَّا طعنَ المشركون في القرآن بأنه مُفتَرًى من عند محمد صلى الله عليه وسلم؛ أثبَتَ اللهُ عز وجل لهم ما قَذَفوا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو بَريءٌ منه، فبَيَّنَ أن افتراء الكذب لا يصدر عن المؤمنين فضلًا عن الرسول الصادق الأمين، وإنما يصدر عن الكافرين، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [106] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ ..

التفسير :

[106] إنما يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدَّ بعد إيمانه، فعليهم غضبٌ من الله، إلا مَن أُرغم على النطق بالكفر، فنطق به خوفاً من الهلاك، وقلبه ثابت على الإيمان، فلا لوم عليه، لكن مَن نطق بالكفر واطمأن قلبه إليه، فعليهم غضب شديد من الله، ولهم عذاب عظيم

يخبر تعالى عن شناعة حال{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} فعمى بعد ما أبصر ورجع إلى الضلال بعد ما اهتدى، وشرح صدره بالكفر راضيا به مطمئنا أن لهم الغضب الشديد من الرب الرحيم الذي إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وغضب عليهم كل شيء،{ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي:في غاية الشدة مع أنه دائم أبدا.

ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ...

روايات منها قول الآلوسى: روى أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه: ياسرا، وسمية، على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين ... ثم قتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول شهيدين في الإسلام. وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل يا رسول الله: إن عمارا قد كفر.

فقال صلى الله عليه وسلم: «كلا، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه» .

فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال له: «مالك، إن عادوا فعد لهم بما قلت» . وفي رواية أنه قال له: «كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان قال صلى الله عليه وسلم إن عادوا فعد» . فنزلت هذه الآية..

ثم قال الآلوسى: والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه، وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازا للدين ولو تيقن القتل، كما فعل ياسر وسمية، وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة، بل هو كالقتل في الغزو كما صرحوا به. .

و «من» في قوله مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مبتدأ أو شرطية، والخبر أو جواب الشرط محذوف والتقدير: فعليه غضب من الله، أو فله عذاب شديد، ويدل عليهما قوله- تعالى- بعد ذلك: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ.

والمعنى: من كفر بالله- تعالى- من بعد إيمانه بوحدانيته- سبحانه- وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه بسبب هذا الكفر يكون قد ضل ضلالا بعيدا، يستحق من أجله العذاب المهين.

وقوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ استثناء متصل من الجملة السابقة أى:

إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر، والحال أن قلبه مطمئن بالإيمان، ثابت عليه، متمكن منه.. فإنه في هذه الحالة لا يكون ممن يستحقون عقوبة المرتد.

قال بعض العلماء: وأما قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فهو استثناء متصل من «من» لأن الكفر أعم من أن يكون اعتقادا فقط، أو قولا فقط، أو اعتقادا وقولا ...

وأصل الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد به هنا: السكون والثبات على الإيمان بعد الانزعاج الحاصل بسبب الإكراه.. .

وقوله: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ بيان لسوء مصير من استحب الكفر على الإيمان باختياره ورضاه.

و «من» في قوله مَنْ شَرَحَ شرطية، وجوابها فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ.

أى: حكم من تلفظ بكلمة الكفر مكرها أنه لا يعتبر مرتدا، ولكن حكم من طابت نفوسهم بالكفر، وانشرحت له صدورهم، واعتقدوا صحته، أنهم عليهم من الله- تعالى- غضب شديد لا يعلم مقداره إلا هو، ولهم يوم القيامة عذاب عظيم الهول، يتناسب مع عظيم جرمهم.

هذا، وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأخبار التي حكت ما تعرض له المسلمون الأولون من فتن وآلام. فقال ما ملخصه: ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالى إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال- رضى الله عنه- يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله، فيأبى عليهم وهو يقول: أحد، أحد، ويقول:

والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها .

أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر ، وشرح صدره بالكفر واطمأن به : أنه قد غضب عليه ؛ لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه ، وأن لهم عذابا عظيما في الدار الآخرة ; لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ، ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق ، فطبع على قلوبهم فلا يعقلون بها شيئا ينفعهم وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها ، ولا أغنت عنهم شيئا ، فهم غافلون عما يراد بهم .

( لا جرم ) أي : لا بد ولا عجب أن من هذه صفته ، ( أنهم في الآخرة هم الخاسرون ) أي : الذين خسروا أنفسهم وأهاليهم يوم القيامة .

وأما قوله : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرها لما ناله من ضرب وأذى ، وقلبه يأبى ما يقول ، وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله .

وقد روى العوفي عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله هذه الآية . وهكذا قال الشعبي ، وأبو مالك وقتادة .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة [ بن ] محمد بن عمار بن ياسر قال : أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئنا بالإيمان قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن عادوا فعد " .

ورواه البيهقي بأبسط من ذلك ، وفيه أنه سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير ، وأنه قال : يا رسول الله ، ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير . قال : " كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئنا بالإيمان . فقال : " إن عادوا فعد " . وفي ذلك أنزل الله : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .

ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن يوالي المكره على الكفر ؛ إبقاء لمهجته ، ويجوز له أن يستقتل ، كما كان بلال - رضي الله عنه - يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل ، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول : أحد ، أحد . ويقول : والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها - رضي الله عنه وأرضاه - . وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ فيقول : نعم . فيقول : أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول : لا أسمع . فلم يزل يقطعه إربا إربا وهو ثابت على ذلك .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن عكرمة ، أن عليا - رضي الله عنه - حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تعذبوا بعذاب الله " . وكنت قاتلهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من بدل دينه فاقتلوه " فبلغ ذلك عليا فقال : ويح أم ابن عباس . رواه البخاري .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي بردة قال : قدم على أبي موسى معاذ بن جبل باليمن ، فإذا رجل عنده ، قال : ما هذا ؟ قال رجل كان يهوديا فأسلم ، ثم تهود ، ونحن نريده على الإسلام منذ - قال : أحسب - شهرين فقال : والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه ، فضربت عنقه . فقال : قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه - أو قال : من بدل دينه فاقتلوه .

وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر .

والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ، ولو أفضى إلى قتله ، كما قال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة : أنه أسرته الروم ، فجاءوا به إلى ملكهم ، فقال له : تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي ، فقال له : لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب ، على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت ! فقال : إذا أقتلك ، قال : أنت وذاك ، فأمر به فصلب ، وأمر الرماة فرموه قريبا من يديه ورجليه ، وهو يعرض عليه دين النصرانية ، فيأبى ثم أمر به فأنزل ، ثم أمر بقدر - وفي رواية ببقرة من نحاس - فأحميت ، وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر ، فإذا هو عظام تلوح ، وعرض عليه فأبى ، فأمر به أن يلقى فيها ، فرفع في البكرة ليلقى فيها ، فبكى فطمع فيه ودعاه فقال له : إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة ، تلقى في هذه القدر الساعة في الله ، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله . وفي بعض الروايات : أنه سجنه ومنع عنه الطعام والشراب أياما ، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير ، فلم يقربه ، ثم استدعاه فقال : ما منعك أن تأكل ؟ فقال : أما إنه قد حل لي ، ولكن لم أكن لأشمتك في ، فقال له الملك : فقبل رأسي وأنا أطلقك ، فقال : وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال : نعم . فقبل رأسه ، فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده ، فلما رجع قال عمر بن الخطاب : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقام فقبل رأسه .

اختلف أهل العربية في العامل في " مَنْ" من قوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ) ومن قوله ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) ، فقال بعض نحويي البصرة: صار قوله ( فَعَلَيْهِمْ) خبرًا لقوله ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) ، وقوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ) فأخبر لهم بخبر واحد، وكان ذلك يدلّ على المعنى. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هذان جزءان اجتمعا، أحدهما منعقد بالآخر، فجوابهما واحد كقول القائل: من يأتنا فمن يحسن نكرمه، بمعنى: من يحسن ممن يأتنا نكرمه. قال : وكذلك كلّ جزاءين اجتمعا الثاني منعقد بالأوّل، فالجواب لهما واحد . وقال آخر من أهل البصرة: بل قوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ) مرفوع بالردّ على الذين في قوله إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ومعنى الكلام عنده: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره من هؤلاء وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، وهذا قول لا وجه له . وذلك أن معنى الكلام لو كان كما قال قائل هذا القول، لكان الله تعالى ذكره قد أخرج ممن افترى الكذب في هذه الآية الذين وُلدوا على الكفر وأقاموا عليه ، ولم يؤمنوا قطّ، وخصّ به الذين قد كانوا آمنوا في حال، ثم راجعوا الكفر بعد الإيمان ، والتنـزيل يدلّ على أنه لم يخصص بذلك هؤلاء دون سائر المشركين الذين كانوا على الشرك مقيمين، وذلك أنه تعالى أخبر خبر قوم منهم أضافوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم افتراء الكذب، فقال: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَـزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وكذّب جميع المشركين بافترائهم على الله وأخبر أنهم أحق بهذه الصفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، ولو كان الذين عنوا بهذه الآية هم الذين كفروا بالله من بعد إيمانهم، وجب أن يكون القائلون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما أنت مفتر حين بدّل الله آية مكان آية، كانوا هم الذين كفروا بالله بعد الإيمان خاصة دون غيرهم من سائر المشركين ، لأن هذه في سياق الخبر عنهم، وذلك قول إن قاله قائل ، فبين فساده مع خروجه عن تأويل جميع أهل العلم بالتأويل.

والصواب من القول في ذلك عندي أن الرافع لمن الأولى والثانية، قوله ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ) والعرب تفعل ذلك في حروف الجزاء إذا استأنفت أحدهما على آخر.

وذكر أن هذه الآية نـزلت في عمار بن ياسر وقوم كانوا أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم، فثبت على الإسلام بعضهم ، وافتتن بعض.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) ... إلى آخر الآية ، وذلك أن المشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذّبوه، ثم تركوه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي لقي من قريش ، والذي قال: فأنـزل الله تعالى ذكره عذره ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ) ... إلى قوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) قال: ذُكِر لنا أنها نـزلت في عمار بن ياسر، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون وقالوا: اكفر بمحمد ، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره، فأنـزل لله تعالى ذكره ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) : أي من أتى الكفر على اختيار واستحباب، ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ تَجدُ قَلْبَكَ؟ قال: مطمئنا بالإيمان. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فإنْ عادُوا فَعُدْ".

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) قال: نـزلت في عمار بن ياسر.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي ، قال: لما عذّب الأعبد أعطوهم ما سألوا إلا خباب بن الأرت، كانوا يضجعونه على الرضف فلم يستقلوا منه شيئا.

فتأويل الكلام إذن: من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره على الكفر ، فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئنّ بالإيمان، موقن بحقيقته ، صحيح عليه عزمه ، غير مفسوح الصدر بالكفر ، لكن من شرح بالكفر صدرا فاختاره وآثره على الإيمان ، وباح به طائعا، فعليهم غضب من الله ، ولهم عذاب عظيم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك ورد الخبر ، عن ابن عباس.

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ) فأخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم ، فأما من أكره فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[106] ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ ﷺ، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟»، قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟»، قَالَ: مُطْمَئِنًا بِالإِيمَانِ، قَالَ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ»، فنزلت هذه الآية.
وقفة
[106] ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ قال الآلوسي: «والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه، وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازًا للدين ولو تيقن القتل، كما فعل ياسر وسمية، وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة، بل هو كالقتل في الغزو کما صرحوا به» .
وقفة
[106] ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ المرتدون استوجبوا غضب الله وعذابه؛ لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وحرموا من هداية الله، وطبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وجعلوا من الغافلين عما يراد بهم من العذاب الشديد يوم القيامة.
وقفة
[106] ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ مهما استولى الظالم بظلمه على مال المظلوم وجسده وحريته فسيعجز عن اﻻستيلاء على قلبه.
وقفة
[106] ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ من أكره على الكفر، وأجبر عليه وقلبه مطمئن بالإيمان راغب فيه؛ فإنه لا حرج عليه، ولا إثم.
وقفة
[106] ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل؛ أنه أعظم أجرًا عند الله ممن اختار الرخصة.
وقفة
[106] ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ لن تجد في قلبك اطمئنانًا، إلا إذا ارتوى بنبع الإيمان!
وقفة
[106] ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ يشعر بالقلق لفراغ قلبه من الإيمان.
وقفة
[106] ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ يطمئن القلب حين يُعمر بالإيمان، صدقني لا داعي لدورات: (كيف تكون سعيدًا).
وقفة
[106] ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ يطمئن قلبك عندما تعمره بالإيمان، وأسهل طريق له تدبر آيات القرآن.
وقفة
[106] ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ الترخيص للمُسْتكره بالنطق بالكفر ظاهرًا مع اطمئنان القلب بالإيمان.
وقفة
[106] ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ حين يسكن قلبك الإيمان؛ تغلق عنه أبواب الهموم والأحزان، ويرضى بأقدار الرحمن.
وقفة
[106] ﴿وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به؛ أنه قد غضب عليه؛ لعلمهم بالإيمان، ثم عدولهم عنه.
وقفة
[106] ﴿وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ انشراح الصدر وراحة النفس بالرأي لا تجعل منه حقًا، فقد يكفر الإنسان وهو مطمئن، ويؤمن وهو كاره.
تفاعل
[106] ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل من «الكاذبون» الواردة في الآية الكريمة السابقة لأن «من» تكون مفردة وتكون جمعا على اللفظ‍ والمعنى وهنا جاءت مفردة لفظا وجمعا معنى. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بكفر و «كفر» فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة كَفَرَ بِاللهِ» صلة الموصول لا محل لها. ويجوز أن تكون مَنْ كَفَرَ» بدلا من الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ» الواردة في الآية الكريمة السابقة فتجعل جملة وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ» اعتراضية بين البدل والمبدل منه. المعنى: انما يفتري الكذب من كفر بالله. من بعد: جار ومجرور متعلق بكفر. ايمانه: مضاف إليه مجرور بالكسرة والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ:
  • إلاّ: أداة استثناء. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلاّ. أكره: أي أجبر: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «اكره» صلة الموصول لا محل لها. بمعنى إلا من أجبر على الكفر ويجوز أن يكون«من» في مَنْ كَفَرَ» اسم شرط‍ جازما في محل رفع مبتدأ وجواب الشرط‍ محذوفا لأن جواب مَنْ شَرَحَ» دال عليه بتقدير: من كفر بالله فعليهم غضب الاّ من اكره ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب
  • ﴿ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ:
  • بمعنى: فقال كلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالايمان. الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. قلبه:مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. مطمئن: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بالايمان: جار ومجرور متعلق بمطمئن.
  • ﴿ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً:
  • معنى ولكن من اتسع صدره للكفر فقبله .. الواو للاستدراك. لكن: حرف مخفف من «لكن» مهمل لا عمل له. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. شرح:فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالكفر: جار ومجرور متعلق بشرح صدرا تمييز منصوب بالفتحة. والجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر «من».
  • ﴿ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن. الفاء: واقعة في جواب الشرط‍.عليهم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. غضب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. من الله: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من غضب.
  • ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ:
  • معطوفة بالواو على «عليهم غضب» وتعرب إعرابها.عظيم: صفة-نعت-لعذاب-مرفوعة بالضمة. '

المتشابهات :

النحل: 106﴿وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَـ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
الشورى: 16﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ أخَذُوهُ وأباهُ ياسِرًا، وأُمَّهُ سُمَيَّةَ، وصُهَيْبًا، وبِلالًا، وخَبّابًا، وسالِمًا، فَعَذَّبُوهم، فَأمّا سُمَيَّةُ فَإنَّها رُبِطَتْ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ، ووُجِئَ قُبُلُها بِحَرْبَةٍ، وقِيلَ لَها: إنَّكِ أسْلَمْتِ مِن أجْلِ الرِّجالِ. فَقُتِلَتْ، وقُتِلَ زَوْجُها ياسِرٌ، وهُما أوَّلُ قَتِيلَيْنِ قُتِلا في الإسْلامِ. وأمّا عَمّارٌ فَإنَّهُ أعْطاهم ما أرادُوا بِلِسانِهِ مُكْرَهًا، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأنَّ عَمّارًا كَفَرَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”كَلّا، إنَّ عَمّارًا مُلِئَ إيمانًا مِن قَرْنِهِ إلى قَدَمِهِ، واخْتَلَطَ الإيمانُ بِلَحْمِهِ ودَمِهِ“ . فَأتى عَمّارٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو يَبْكِي، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ ويَقُولُ: ”إنْ عادُوا لَكَ فَحَدِّثْهم بِما قُلْتَ“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.وقالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في ناسٍ مِن أهْلِ مَكَّةَ آمَنُوا، فَكَتَبَ إلَيْهِمُ المُسْلِمُونَ بِالمَدِينَةِ أنْ هاجِرُوا؛ فَإنّا لا نَراكم مِنّا حَتّى تُهاجِرُوا إلَيْنا. فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ المَدِينَةَ، فَأدْرَكَتْهم قُرَيْشٌ بِالطَّرِيقِ فَفَتَنُوهم مُكْرَهِينَ. فَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [106] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل أن قريشًا كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوَّلوا عليه الأقاويل؛ بَيَّنَ اللهُ هنا جزاءَ من كَفَرَ باللهِ بعد إيمانِه متبعًا ما يروجه الكفار، وذلك تقديمًا لمنافع الدنيا ومصالحها على أمر الآخرة، وحُكمَ من أُكِرَه على قولِ كلمةِ الكفرِ بلسانِه، وقلبُه مليءٌ بالإيمانِ، قال تعالى:
﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [107] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا ..

التفسير :

[107]وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتَها، وتفضيلِهم إياها على الآخرة وثوابِها، وأن الله لا يوفِّق الكافرين للحق والصواب.

تفسير الآيتين 107 و 108:ـ

و{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} حيث ارتدوا على أدبارهم طمعا في شيء من حطام الدنيا، ورغبة فيه وزهدا في خير الآخرة، فلما اختاروا الكفر على الإيمان منعهم الله الهداية فلم يهدهم لأن الكفر وصفهم، فطبع على قلوبهم فلا يدخلها خير، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا ينفذ منها ما ينفعهم ويصل إلى قلوبهم. فشملتهم الغفلة وأحاط بهم الخذلان، وحرموا رحمة الله التي وسعت كل شيء، وذلك أنها أتتهم فردوها، وعرضت عليهم فلم يقبلوها.

وقوله- سبحانه-: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ بيان للأسباب التي جعلتهم محل غضب الله ونقمته.

واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى كفرهم بعد إيمانهم، أو إلى ما توعدهم الله- تعالى- به من غضب عليهم، وعذاب عظيم لهم.

أى: ذلك الذي جعلهم يرتدون عن دينهم، ويكونون محل غضب الله ونقمته، من أسبابه أنهم آثروا الحياة الدنيا وشهواتها على الآخرة وما فيها من ثواب.

وَأَنَّ اللَّهَ- تعالى- لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ إلى الصراط المستقيم، لأنهم حين زاغوا عن الحق أزاغ الله قلوبهم.

لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق.

يقول تعالى ذكره: حلّ بهؤلاء المشركين غضب الله ، ووجب لهم العذاب العظيم، من أجل أنهم اختاروا زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة، ولأن الله لا يوفق القوم الذين يجحدون آياته مع إصرارهم على جحودها.

التدبر :

عمل
[107] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ زُر المقبرة، وتذكر أول ليلة لك في القبر.
وقفة
[107] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ آثر وتكلف الحب؛ فالدنيا أحقر من أن تحب لذاتها، وفيها هموم كثيرة، وتقلبات عجيبة، فلا يدوم لها حال، فكيف تستحب الدنيا على حساب الآخرة؟!
وقفة
[107] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ كان محمد بن أحمد المعروف بابن رزقويه يقول مخاطبًا تلامذته: «والله ما أحب الحياة في الدنيا لكسب ولا تجارة، ولكن لذكر الله، ولقراءتي عليكم الحديث».
وقفة
[107] الأمم السابقة كذبت الرسل وكفرت بالله بسبب حبهم للدنيا وزينتها، قال الله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾؛ فضيعوا آخرتهم وما أخذوا شيئًا من الدنيا.
وقفة
[107] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا.
وقفة
[107] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ الاستسلام للنفس في تتبع الملذات الدنيوية سببٌ للانحراف.
وقفة
[107] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ الله سبحانه وتعالى جعل استحباب الدنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخسران.
تفاعل
[107] ﴿وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. والاشارة الى الوعيد وأن الغضب والعذاب يلحقانهم بسبب استجابتهم الدنيا على الآخرة واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم. الباء: حرف جر. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «أنّ» وحركت الميم بالضم للاشباع أو لالتقاء الساكنين و «أنّ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بخبر «ذلك» بتقدير ذلك الغضب والعذاب وقعا عليهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة. استحبوا: أي آثروا واختاروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «استحبوا» في محل رفع خبر أنّ.
  • ﴿ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الدنيا: صفة -نعت-للحياة منصوبة بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. على الآخرة:جار ومجرور متعلق باستحبوا أو بفعل محذوف تقديره وفضلوها على الآخرة.
  • ﴿ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ:
  • الواو: عاطفة. أنّ: اعربت. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «أن» منصوب للتعظيم بالفتحة. لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. القوم: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة الكافرين صفة-نعت-للقوم منصوبة مثلها وعلامة نصبها: الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. وجملة لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» في محل رفع خبر أنّ '

المتشابهات :

البقرة: 264﴿لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
التوبة: 37﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّـهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
المائدة: 67﴿وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
النحل: 107﴿ٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّـهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [107] لما قبلها :     وبعد أن توعدَ اللهُ عز وجل المرتدين بالغضب والعذاب؛ ذكرَ هنا الأسباب التي جعلتهم محل غضب الله وعذابه، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [108] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى ..

التفسير :

[108] أولئك هم الذين ختم الله على قلوبهم بالكفر وإيثار الدنيا على الآخرة، فلا يصل إليها نور الهداية، وأصمَّ سمعهم عن آيات الله فلا يسمعونها سماع تدبُّر، وأعمى أبصارهم فلا يرون البراهين الدالة على ألوهية الله، وأولئك هم الغافلون عمَّا أعدَّ الله لهم من الع

تفسير الآيتين 107 و 108:ـ

و{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} حيث ارتدوا على أدبارهم طمعا في شيء من حطام الدنيا، ورغبة فيه وزهدا في خير الآخرة، فلما اختاروا الكفر على الإيمان منعهم الله الهداية فلم يهدهم لأن الكفر وصفهم، فطبع على قلوبهم فلا يدخلها خير، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا ينفذ منها ما ينفعهم ويصل إلى قلوبهم. فشملتهم الغفلة وأحاط بهم الخذلان، وحرموا رحمة الله التي وسعت كل شيء، وذلك أنها أتتهم فردوها، وعرضت عليهم فلم يقبلوها.

ثم أضاف- سبحانه- إلى رذائلهم رذيلة أخرى فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ.

والطبع: الختم والوسم بطابع ونحوه على الشيء، لكي لا يخرج منه ما هو بداخله، ولا يدخل فيه ما هو خارج عنه. أى: أولئك الذين شرحوا صدورهم بالكفر، وطابوا به نفسا، قد طبع الله تعالى على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، فصارت ممنوعة من وصول الحق إليها، وعاجزة عن الانتفاع به، وأولئك هم الكاملون في الغفلة والبلاهة، إذ لا غفلة أشد من غفلة المعرض عن عاقبة أمره، ولا بلاهة أفدح من بلاهة من آثر الفانية على الباقية.

فطبع على قلوبهم فهم لا يعقلون بها شيئا ينفعهم وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها ولا أغنت عنهم شيئا فهم غافلون عما يراد بهم.

يقول تعالى ذكره: هؤلاء المشركون الذين وصفت لكم صفتهم في هذه الآيات أيها الناس، هم القوم الذين طبع الله على قلوبهم، فختم عليها بطابعه، فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصمّ أسماعهم فلا يسمعون داعي الله إلى الهدى، وأعمى أبصارهم فلا يبصرون بها حجج الله إبصار معتبر ومتعظ ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) يقول: وهؤلاء الذين جعل الله فيهم هذه الأفعال هم الساهون ، عما أعدّ الله لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم.

التدبر :

وقفة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ الطبع هو التغطية على الشيء للتأكد من ألا يدخله شيء، والطبع على القلوب يحجب عنها نور الهدى والإيمان.
وقفة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ من معاني الطبع جعل الشيء سجية وطبيعة، والطبع على قلوب الغافلين يكون بجعل الإعراض عن الإيمان والهدى طبيعة هذه القلوب، فلا تهتدي أبدًا ولا تلين.
وقفة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ في تقديم السمع على البصر دليل على فضيلة السمع وشدة تأثيره، فحافظ على جمال عباراتك؛ فهي أشد تأثيرًا من جمال هيأتك.
لمسة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ الترتيب مهم! من الأعلى أهمية إلى الأدنى؛ لأن القلب هو الأهم في أمر الإيمان، ثم السمع أهم من البصر، ثم تأتي منزلة الأبصار في المنزلة الأدنى في حصول الاعتبار.
لمسة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ في هذا الترتيب إشارة خطورة القلب، حيث بدأ به.
لمسة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ قال مجاهد: الران أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الأقفال، والأقفال أشد ذلك.
وقفة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ أَي: عَن فَهمِ الْمَوَاعِظِ، ﴿وَسَمْعِهِمْ﴾ عَن كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى، ﴿وَأَبْصَارِهِمْ﴾ عَنِ النَّظَرِ فِي الآيَاتِ، ﴿وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُون﴾ عَمَّا يُرَادُ بِهِم.
وقفة
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ من علامات الغفلة: عدم تتبع المواعظ والذكر ومحاولة الانتفاع بها.
تفاعل
[108] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ الَّذِينَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر أولئك والأفصح أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره. هم الذين والجملة «هم الذين» في محل رفع خبر أولئك. خشية التباس اعراب «الذين» بدلا من اسم الاشارة.
  • ﴿ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. طبع: أي: ختم: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. على قلوب: جار ومجرور متعلق بطبع و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أي أغلق قلوبهم ومنعهم عن الفهم
  • ﴿ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «قلوبهم» وتعربان إعرابها.
  • ﴿ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ:
  • معطوفة بالواو على «أولئك هم الذين» وتعرب إعرابها و «الغافلون» خبر هم مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 7﴿ خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
النحل: 108﴿أُوْلَٰٓئِكَ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [108] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل أنه لا يهدي القوم الكافرين؛ بَيَّنَ هنا أنهم لن يهتدوا لأنهم اختاروا الضلالة، فطبعَ اللهُ على قلوبهم، فلا يصل إليها الإيمان، وعلى سمعهم وأبصارهم فلا يهتدون بهما، قال تعالى:
﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [109] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ ..

التفسير :

[109] حقّاً أنهم في الآخرة هم الخاسرون الهالكون، الذين صرفوا حياتهم إلى ما فيه عذابهم وهلاكهم.

{ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم يوم القيامة وفاتهم النعيم المقيم وحصلوا على العذاب الأليم.

وهذا بخلاف من أكره على الكفر وأجبر عليه، وقلبه مطمئن بالإيمان؛ راغب فيه فإنه لا حرج عليه ولا إثم، ويجوز له النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها.

ودل ذلك على أن كلام المكره على الطلاق أو العتاق أو البيع أو الشراء أو سائر العقود أنه لا عبرة به، ولا يترتب عليه حكم شرعي، لأنه إذا لم يعاقب على كلمة الكفر إذا أكره عليها فغيرها من باب أولى وأحرى.

ثم ختم- سبحانه- الآيات الكريمة بالحكم العادل عليهم فقال: لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

أى: لا شك ولا محالة في أن هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان سيكونون يوم القيامة من القوم الخاسرين لأنهم لم يقدموا في دنياهم ما ينفعهم في أخراهم.

وكلمة «لا جرم» قد وردت في القرآن في خمسة مواضع، متلوة في كل موضع بأن واسمها، وليس بعدها فعل. وجمهور النحاة على أن هذه الكلمة مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر، ومعناها بعد التركيب معنى الفعل: حق، أو ثبت، أو ما يشبه ذلك، أى: حق وثبت كونهم في الآخرة من الخاسرين.

والذي يتدبر هذه الآيات، يراها قد توعدت المرتدين عن دينهم بألوان من العقوبات المغلظة، لقد توعدتهم بغضب الله- تعالى- وبعذابه العظيم، وبعدم هدايتهم إلى طريق الحق، وبالطبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وبالغفلة التي ليس بعدها غفلة، وبالخسران الذي لا شك فيه يوم القيامة، نعوذ بالله- تعالى- من ذلك.

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر لطفه ورأفته لقوم هاجروا من بعد ما فتنوا، فقال- تعالى-:

لا جرم أي لا بد ولا عجب أن من هذه صفته "أنهم في الآخرة هم الخاسرون" أي الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

وقوله ( لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الهالكون، الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من كرامة الله تعالى.

التدبر :

وقفة
[109] ﴿لَاجَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ الخاسرون هم الذين خسروا الجنة ولو ربحوا الدنيا بأسرها.
تفاعل
[109] ﴿لَاجَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الخاسرين.

الإعراب :

  • ﴿ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أنّ».في الآخرة: جار ومجرور متعلق بخبر «أنّ».
  • ﴿ هُمُ الْخاسِرُونَ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «أنّ».هم: ضمير رفع منفصل-ضمير الغائبين مبني على السكون في محل رفع مبتدأ حرك آخره بالضم للاشباع أو لالتقاء الساكنين. الخاسرون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

هود: 22﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
النحل: 109﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [109] لما قبلها :     وبعد بيان أن هؤلاء المرتدين محرومون من الهداية بسبب اختيارهم الضلالة وتفضيلها على الهدى؛ جاء هنا أن هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإِيمان سيكونون يوم القيامة من القوم الخاسرين، فمن خسر آخرته فماذا ربح! قال تعالى:
﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [110] :النحل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ ..

التفسير :

[110] ثم إن ربك للمستضعفين في «مكة» الذين عذَّبهم المشركون، حتى وافقوهم على ما هم عليه ظاهراً، ففتنوهم بالتلفظ بما يرضيهم، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، ولمَّا أمكنهم الخلاص هاجروا إلى «المدينة»، ثم جاهدوا في سبيل الله، وصبروا على مشاق التكاليف، إن ربك -من بعد

أي:ثم إن ربك الذي ربى عباده المخلصين بلطفه وإحسانه لغفور رحيم لمن هاجر في سبيله، وخلى دياره وأمواله طلبا لمرضاة الله، وفتن على دينه ليرجع إلى الكفر، فثبت على الإيمان، وتخلص ما معه من اليقين، ثم جاهد أعداء الله ليدخلهم في دين الله بلسانه ويده، وصبر على هذه العبادات الشاقة على أكثر الناس.فهذه أكبرالأسباب التي تنال بها أعظم العطايا وأفضل المواهب، وهي مغفرة الله للذنوب صغارها وكبارها المتضمن ذلك زوال كل أمر مكروه، ورحمته العظيمة التي بها صلحت أحوالهم واستقامت أمور دينهم ودنياهم

وقوله- سبحانه-: مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا أى: عذبوا وأوذوا من أجل أن يرتدوا إلى الكفر.

وأصل الفتن: إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ثم استعمل في الاختبار والامتحان بالمحن والشدائد، وبالمنح واللطائف، لما فيه من إظهار الحال والحقيقة، وأكثر ما تستعمل الفتنة في الامتحان والمحن وعليه يحمل بعضهم تفسير الفتنة بالمحنة.

والمراد بهؤلاء الذين هاجروا من بعد ما فتنوا- كما يقول ابن كثير- جماعة كانوا مستضعفين بمكة، مهانين في قومهم، فوافقوهم على الفتنة، ثم إنهم أمكنهم الخلاص بالهجرة، فتركوا بلادهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه، وانتظموا في سلك المؤمنين، وجاهدوا معهم الكافرين، وصبروا.. .

والمعنى: «ثم إن ربك» - أيها الرسول الكريم- تكفل بالولاية والمغفرة لهؤلاء الذين هاجروا من دار الكفر إلى دار الإسلام، من بعد أن عذبهم المشركون لكي يرتدوا عن دينهم.

قال الآلوسى: وقرأ ابن عامر مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا بالبناء للفاعل، وهو ضمير المشركين عند غير واحد، أى: عذبوا المؤمنين، كالحضرمى، أكره مولاه «جبرا» حتى ارتد، ثم أسلما وهاجرا.. .

وقوله- تعالى-: ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا أى جاهدوا المشركين حتى تكون كلمة الله هي العليا، وصبروا على البلاء والأذى طلبا لرضا الله- تعالى-.

والضمير في قوله: مِنْ بَعْدِها يعود إلى ما سبق ذكره من الهجرة والفتنة والجهاد والصبر. أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد هذه الأفعال لكثير المغفرة والرحمة لهم، جزاء هجرتهم وجهادهم وصبرهم على الأذى.

هؤلاء صنف آخر كانوا مستضعفين بمكة ، مهانين في قومهم قد واتوهم على الفتنة ، ثم إنهم أمكنهم الخلاص بالهجرة ، فتركوا بلادهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه ، وانتظموا في سلك المؤمنين ، وجاهدوا معهم الكافرين ، وصبروا ، فأخبر الله تعالى أنه ) من بعدها ) أي : تلك الفعلة ، وهي الإجابة إلى الفتنة لغفور لهم ، رحيم بهم يوم معادهم .

يقول تعالى ذكره: ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم ، من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك بأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم ، ومما يعبدون من دون الله ، وصبروا على جهادهم ( إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول: إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور ، يقول: لذو ستر على ما كان منهم من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم ، وهم لغيرها مضمرون ، وللإيمان معتقدون ، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى الله وتوبتهم .

وذكر عن بعض أهل التأويل أن هذه الآية نـزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا تخلَّفوا بمكة بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فاشتدّ المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم ، فأيسوا من التوبة ، فأنـزل الله فيهم هذه الآية : فهاجروا ولحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو عاصم ، قال ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ قال ناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، أن هاجروا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة ، فأدركتهم قريش بالطريق ، ففتنوهم وكفروا مكرهين ، ففيهم نـزلت هذه الآية.

حدثني القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه.

قال ابن جريج: قال الله تعالى ذكره: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ثم نسخ واستثنى ، فقال: ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ).

حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ذكر لنا أنه لما أنـزل الله أن أهل مكة لا يُقبل منهم إسلام حتى يهاجروا ، كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة ؛ فلما جاءهم ذلك تبايعوا بينهم على أن يخرجوا ، فإن لحق بهم المشركون ، من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله ، فخرجوا فأدركهم المشركون ، فقاتلوهم ، فمنهم من قُتِل ، ومنهم من نجا ، فأنـزل الله تعالى ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ) ... الآية.

حدثنا أحمد بن منصور ، قال ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال ثنا محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم ، وقُتِل بعض ، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ، وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنـزلت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... إلى آخر الآية ؛ قال: وكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين هذه الآية لا عذر لهم ، قال: فخرجوا فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة ، فنـزلت هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ... إلى آخر الآية ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فخرجوا وأيسوا من كلّ خير ، ثم نـزلت فيهم ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) فكتبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجا ، فخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، ثم نجا من نجا ، وقُتِل من قُتِل.

حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: نـزلت هذه الآية في عمَّار ابن ياسر وعياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا ).

وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية في شأن ابن أبي سرح.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري، قالا في سورة النحل مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ثم نسخ واستثنى من ذلك، فقال ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزلَّه الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُقتل يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو (3) فأجاره النبيّ صلى الله عليه وسلم.

------------------------

الهوامش:

(3) أبو عمرو: يريد عثمان بن عفان رحمه الله، وكان أخا عبد الله بن سعد من الرضاعة، قاله ابن إسحاق في السيرة.

التدبر :

وقفة
[110] ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أفضل العطايا: المغفرة والرحمة، من هاجر في سبيل الله طلبًا لمرضاة الله، وفتن على دينه ليرجع إلى الكفر، فثبت على الحق، ثم جاهد أعداء دينه بلسانه ويده، وصبر على كل هذا، استحق أعظم العطايا وأفضل الهدايا: المغفرة والرحمة.
وقفة
[110] ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ كَتَبَ الله المغفرة والرحمة للذين آمنوا، وهاجروا من بعد ما فتنوا، وصبروا على الجهاد.
وقفة
[110] ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ قال ابن تيمية: «لابد أن يقع العبد في الذنوب التي تفتِنه، بل قد يقع فيما يفتنه عن الدين».
عمل
[110] ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ استخرج ثلاث فوائد من الآية.
وقفة
[110] ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (غفور رحيم) تكرر في النحل 4 مرات، لا يمكن لأحد أن يشكر نعم الله حق شكرها، ولا بد من تقصير فتفتح أبواب المغفرة والرحمة.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ:
  • ثم: حرف عطف. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.ربك: اسم «إنّ» منصوب بالفتحة والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لِلَّذِينَ هاجَرُوا:
  • جار ومجرور متعلق بغفور. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام. هاجروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «هاجروا» صلة الموصول لا محل لها. أي هاجروا من مكة إلى المدينة. وفي القول دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك.
  • ﴿ مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا:
  • بمعنى من بعد فتنتهم أي من بعد ما امتحنوا وابتلوا في دينهم بالعذاب والاكراه على الكفر. ويجوز أن يكون المعنى هنا: من بعد ما عذبوا. من بعد: جار ومجرور متعلق بهاجروا. ما: مصدرية.و«فتنوا» فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة و «ما» وما بعدها:بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة. وجملة «فتنوا» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا:
  • الجملتان: معطوفتان بحر في العطف على جملة «هاجروا» وتعربان إعرابها.
  • ﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها:
  • إنّ ربك: بدل من إِنَّ رَبَّكَ» الأولى وتعرب إعرابها وكررت للتأكيد. من بعد: جار ومجرور متعلق بغفور و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أي من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر.
  • ﴿ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • اللام: لام الابتداء-المزحلقة-للتوكيد. غفور رحيم:خبرا «إنّ» مرفوعان بالضمة. '

المتشابهات :

الأعراف: 153﴿ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
النحل: 110﴿ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
النحل: 119﴿ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِن بَعْدِ ما فُتِنُوا﴾ قالَ قَتادَةُ: ذُكِرَ لَنا أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ لا يُقْبَلُ مِنهم إسْلامٌ حَتّى يُهاجِرُوا كَتَبَ بِها أهْلُ المَدِينَةِ إلى أصْحابِهِمْ مِن أهْلِ مَكَّةَ، فَلَمّا جاءَهم ذَلِكَ خَرَجُوا، فَلَحِقَهُمُ المُشْرِكُونَ فَرَدُّوهم. فَنَزَلَتْ: ﴿الم (١) أحَسِبَ النّاسُ أن يُتْرَكُوا أن يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ (٢)) . فَكَتَبُوا بِها إلَيْهِمْ، فَتَبايَعُوا بَيْنَهم عَلى أنْ يَخْرُجُوا، فَإنْ لَحِقَ بِهِمُ المُشْرِكُونَ مِن أهْلِ مَكَّةَ قاتَلُوهم حَتّى يَنْجُوا أوْ يَلْحَقُوا بِاللَّهِ، فَأدْرَكَهُمُ المُشْرِكُونَ فَقاتَلُوهم، فَمِنهم مَن قُتِلَ ومِنهم مَن نَجا. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ( ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِن بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وصَبَرُوا﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [110] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ عز وجل حالَ مَن كَفَرَ باللهِ بعد إيمانِه، وحالَ من أُكِرَه على قولِ كلمةِ الكفرِ بلسانِه، وقلبُه مليءٌ بالإيمانِ؛ ذكَرَ هنا حالَ من هاجرَ مِن بعدِ ما فُتِنَ، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فتنوا:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل، وهى قراءة ابن عامر.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف