338474849505152535455

الإحصائيات

سورة الحج
ترتيب المصحف22ترتيب النزول103
التصنيفمكيّةعدد الصفحات10.00
عدد الآيات78عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول20تبدأ في الجزء17
تنتهي في الجزء17عدد السجدات2
فاتحتهافاتحتها
النداء: 3/10يا أيها الناس: 2/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (47) الى الآية رقم (51) عدد الآيات (5)

= وبدلًا من أن يسيرُوا فى الأرضِ فيتَّعظُوا، طلبُوا نزولَ العذابِ تكذيبًا له واستهزاءً به، فبَيَّنَ اللهُ أنه يُمهِلُ الظالمَ ثُمَّ يأخذُه، ثُمَّ أمرَ نبيَّه ﷺ أن يُديمَ لهم التخويفَ والإنذارَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (52) الى الآية رقم (55) عدد الآيات (4)

بعدَ تسليةِ النَّبي ﷺ وأمرِه بالإنذارِ، بَيَّنَ اللهُ هنا حفظَه لكتابِه، وأن ما يُلقيه الشيطانُ في قراءتِه ﷺ هو اختبارٌ للمنافقينَ والكافرينَ، وسيظلُّ الكفارُ في شكٍّ من القرآنِ حتَّى تقومَ القيامةُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحج

الحج أبرز مظهر للتوحيد في الأرض وأشبهها بالبعث

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا يتوجه الناس جميعًا إلى الله وحده بالعبادة؟:   ومع بدايتها تذكرك السورة بأن حياتك رحلة سفر تمر بمحطات متعددة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ...﴾ (5). • العمر رحلة، كما هو الحج رحلة. • سورة الحج رسالة لك: أن حياتك رحلة سفر، كما أن الحج رحلة سفر. • سورة الحج رسالة إلى الناس جميعًا أن يتوجهوا إلى الله وحده لا شريك له بالعبادة كلها. • سورة الحج رسالة إلى الناس جميعًا أن يحجوا إلى الله بقلوبهم وبأبدانهم (وليس فقط حج البدن إلى مكة).
  • • بين سورة الحج وسورة الأنبياء::   والسورة تجيب: لأنه وحده هو الذي خلق، ووحده هو الذي ملك، ووحده هو الذي أحيا، ووحده هو الذي يميت، ووحده هو الذي يرزق، ووحده هو الذي يبعث الناس يوم القيامة. هل عندكم من شركاء بهذه الصفات أو ببعضها؟ لا أحد، إذًا فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله رب العالمين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الحج».
  • • معنى الاسم ::   الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنها اشتملت على الدعوة إلى الحج على لسان ‏إبراهيم ‏عليه ‏السلام.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الحج أبرز مظهر للتوحيد في الأرض، وأشبهها بالبعث.
  • • علمتني السورة ::   تذكر يوم القيامة والاستعداد له: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن هناك ارتباطًا عكسيًا بين العلمِ والجَدَلِ، كلَّما قلَّ العلمُ زادَ الجدالُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   ألا أكون أقل خلق الله في التسبيح والسجود له سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «مَا حَفِظْتُ سُورَةَ يُوسُفَ وَسُورَةَ الْحَجِّ إِلَّا مِنْ عُمَرَ بنِ الخطابِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وكَانَ يَقْرَؤُهُمَا قِرَاءَةً بَطِيئَةً».
    • عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ».
    • عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ, وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ عَلَى السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الحج من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي سميت باسم ركن من أركان الإسلام.
    • اختصت سورة الحج باحتوائها على سجدتين من سجدات التلاوة: السجدة السادسة والسابعة -بحسب ترتيب المصحف-، في الآيتين (18)، (77).
    • قال الغَزْنَوِيُّ: وهي من أعاجيب السور، نزلت ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، مكيًا ومدنيًا، سلميًا وحربيًا، ناسخًا ومنسوخًا، محكمًا ومُتَشَابهًا.
    • احتوت السورة على الآية التي أذن فيها الله للمسلمين بالقتال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (39).
    • ذُكِرَ في أواخر السورة 7 آيات متواليات، في آخر كل آية منها اسمان من أسماء الله الحسنى، وهي في قوله تعالى: ﴿... وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ... إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ... وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ... وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) ... إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) ... وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) ... إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (59-65).
    • وهذا أمر لم يأت في القرآن سوى في هذا الموضع.
    • يمتاز أسلوب السورة -في مجموعه- بالقوة والعنف، والشدة والرهبة، والإنذار والتحذير، وغرس التقوى في القلوب بأسلوب تخشع له النفوس.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستعد ليوم القيامة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (1).
    • أن نسَأل الله تعالى الأمن يوم الفزع: ﴿أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (1).
    • أن نحذر من الجدال في دين الله بدون علم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ (3).
    • أن نستعيذ بالله من أن ترد إلى أرذل العمر: ﴿وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ (5).
    • أن نحذر من علامة المنافق: عبادة وقت الرخاء، وردة وقت الابتلاء: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ﴾ (11).
    • أن نحذر من صرف الدعاء لغير الله تعالى؛ فهذا هو الضلال البعيد: ﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ (12).
    • أن نسجد سجود التلاوة عند قراءة هذه الآية مستشعرين أنه ليس كل الناس يسجدون هذا السجود: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ﴾ (18).
    • أن نجتهد ألاّ نتكلم إلا بكلامٍ طيب: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (24).
    • أن نبادر بالحج، ولا نسوف: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا ...﴾ (27).
    • أن نعظم حرمات الله، وأكل ما أحل من النعم واجتناب ما يعبد من دون الله واجتناب قول الزور: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (30).
    • أن نحذر الناس من الشرك بالله، ونبين لهم خطورته:‏ ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (31).
    • ألا نتسخط مما يحصل لنا من مصائب، بل نصبر ابتغاء وجه ربنا، ونحتسب ثوابه، ونرتقب أجره: ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ﴾ (35).
    • أن ندعو لإخواننا المستضعفين من المسلمين في أرجاء المعمورة: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (39).
    • أن نحذر أمراضَ القلوبِ؛ كالكبرِ، والحقدِ، والحسدِ، وغيرِها: ﴿لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ (53).
    • أن نهجر رفقاء السوء، وأماكن المعصية؛ محتسبين ذلك من أبواب الهجرة إلى الله: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (58).
    • أن نتأمل بعد صلاة الفجر قدرة الله في دخول النهار في الليل: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (61).
    • أن نطيل الركوع والسجود، فإن الله سبحانه يحب ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ (77).

تمرين حفظ الصفحة : 338

338

مدارسة الآية : [47] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ ..

التفسير :

[47] ويستعجلك -أيها الرسول- كفار قريش -لشدة جهلهم- بالعذاب الذي أنذرتهم به لمَّا أصروا على الكفر، ولن يخلف الله ما وعدهم به من العذاب فلا بدَّ من وقوعه، وقد عجَّل لهم في الدنيا ذلك في يوم «بدر». وإن يوماً من الأيام عند الله -وهو يوم القيامة- كألف سنة مما

أي:يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب، لجهلهم، وظلمهم، وعنادهم، وتعجيزا لله، وتكذيبا لرسله، ولن يخلف الله وعده، فما وعدهم به من العذاب، لابد من وقوعه، ولا يمنعهم منه مانع، وأما عجلته، والمبادرة فيه، فليس ذلك إليك يا محمد، ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم إيانا. فإن أمامهم يوم القيامة، الذي يجمع فيه أولهم وآخرهم، ويجازون بأعمالهم، ويقع بهم العذاب الدائم الأليم، ولهذا قال:{ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} من طوله، وشدته، وهوله، فسواء أصابهم عذاب في الدنيا، أم تأخر عنهم العذاب، فإن هذا اليوم، لا بد أن يدركهم.

ويحتمل أن المراد:أن الله حليم، ولو استعجلوا العذاب، فإن يوما عنده كألف سنة مما تعدون، فالمدة، وإن تطاولتموها، واستبطأتم فيها نزول العذاب، فإن الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم.

ثم أكد- سبحانه- انطماس بصائرهم، حيث بين أنهم بدل أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، استعجلوا العذاب فقال: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

أى: أن هؤلاء الطغاة بدل أن يسيروا في الأرض فيعتبروا ويتعظوا، أخذوا يطلبون منك- أيها الرسول الكريم- نزول العذاب عاجلا، على سبيل الاستهزاء بك والاستخفاف بما هددناهم به، ويقولون لك: متى هو؟.

فالجملة الكريمة وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ خبرية في اللفظ، استفهامية في المعنى.

وقوله- سبحانه-: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ جملة حالية جيء بها لتهديدهم على استعجالهم العذاب، أى: والحال أن الله- تعالى- لن يخلف ما وعدهم به من العذاب، بل هو منجزه في الوقت الذي يريده هو وليس الذي يريدونه هم.

وقوله- سبحانه-: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ جملة مستأنفة سيقت لبيان أن حساب الأزمان في تقدير الله- تعالى- يخالف ما يقدره البشر.

أى: دعهم- أيها الرسول الكريم- يستعجلون العذاب، فذلك دأب الظالمين في كل حين، وسبيل الجاهلين في كل زمان، وأعلمهم أن الله- تعالى- لن يخلف وعده إياهم به في الوقت المحدد لذلك، وإن يوما عنده- تعالى- كألف سنة مما يعده هؤلاء في دنياهم، وسيأتيهم هذا اليوم الذي يطول عليهم طولا شديدا، لما يرون فيه من عذاب مهين.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال ابن عباس ومجاهد: يعنى من الأيام التي خلق فيها السموات والأرض. وقال عكرمة: يعنى من أيام الآخرة، أعلمهم الله إذ استعجلوه بالعذاب في أيام قصيرة أنه يأتيهم به في أيام طويلة.

وقال الفراء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة.

وقيل المعنى: وإن يوما في الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سنى الدنيا فيها خوف وشدة.. .

يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه : ( ويستعجلونك بالعذاب ) أي : هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر ، كما قال [ الله ] تعالى : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ] ، ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) .

وقوله : ( ولن يخلف الله وعده ) أي : الذي قد وعد ، من إقامة الساعة والانتقام من أعدائه ، والإكرام لأوليائه .

قال الأصمعي : كنت عند أبي عمرو بن العلاء ، فجاء عمرو بن عبيد ، فقال : يا أبا عمرو ، وهل يخلف الله الميعاد؟ فقال : لا . فذكر آية وعيد ، فقال له : أمن العجم أنت؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما ، وعن الإيعاد كرما ، أوما سمعت قول الشاعر :

لا يرهب ابن العم مني سطوتي ولا أختتي من سطوة المتهدد فإني وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

وقوله : ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) أي : هو تعالى لا يعجل ، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه ، لعلمه بأنه على الانتقام قادر ، وأنه لا يفوته شيء ، وإن أجل وأنظر وأملى; ولهذا قال بعد هذا :

يقول تعالى ذكره: ويستعجلونك يا محمد مشركو قومك بما تعدهم من عذاب الله على شركهم به وتكذيبهم إياك فيما أتيتهم به من عند الله في الدنيا, ولن يخلف الله وعده الذي وعدك فيهم من إحلال عذابه ونقمته بهم في عاجل الدنيا. ففعل ذلك, ووفى لهم بما وعدهم, فقتلهم يوم بدر.

واختلف أهل التأويل في اليوم الذي قال جلّ ثناؤه: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) أي يوم هو؟ فقال بعضهم: هو من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) قال: من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ )... الآية, قال: هي مثل قوله في ( الم تَنْـزِيلُ ) سواء, هو هو الآية.

وقال آخرون: بل هو من أيام الآخرة.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن سماك, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة

حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: ثنا سعيد الجريري, عن أبي نضرة عن سمير بن نهار, قال: قال أبو هريرة: يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم. قلت: وما نصف يوم؟ قال: أو ما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قال: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ).

حدثنا ابن بشار, قال: ثني عبد الرحمن, قال: ثنا أبو عوانة, عن أبي بشر, عن مجاهد: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ) قال: من أيام الآخرة.

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن سماك, عن عكرمة, أنه قال في هذه الآية: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) قال: هذه أيام الآخرة. وفي قوله: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال: يوم القيامة، وقرأ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا .

وقد اختلف في وجه صرف الكلام من الخبر عن استعجال الذين استعجلوا العذاب إلى الخبر عن طول اليوم عند الله, فقال بعضهم: إن القوم استعجلوا العذاب في الدنيا, فأنـزل الله: ( وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ) في أن ينـزل ما وعدهم من العذاب في الدنيا. وإن يوما عند ربك من عذابهم في الدنيا والآخرة كألف سنة مما تعدّون في الدنيا.

وقال آخرون: قيل ذلك كذلك إعلاما من الله مستعجليه العذاب أنه لا يعجل, ولكنه يمهل إلى أجل أجَّله, وأن البطيء عندهم قريب عنده, فقال لهم: مقدار اليوم عندي ألف سنة مما تعدّون أنتم أيها القوم من أيامكم, وهو عندكم بطيء وهو عندي قريب.

وقال آخرون: معنى ذلك: وإن يوما من الثقل وما يخاف كألف سنة.

والقول الثاني عندي أشبه بالحقّ في ذلك; وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن استعجال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب, ثم أخبر عن مبلغ قدر اليوم عنده, ثم أتبع ذلك قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالمة، تركه معاجلتهم بالعذاب, فبين بذلك أنه عنى بقوله: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) نفي العجلة عن نفسه، ووصفها بالأناة والانتظار، وإذ كان ذلك كذلك, كان تأويل الكلام: وإن يوما من الأيام التي عند الله يوم القيامة, يوم واحد كألف سنة من عددكم, وليس ذلك عنده ببعيد، وهو عندكم بعيد، فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته حتى يبلغ غاية مدّته.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[47] ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ وليس: (واستعجلوك بالعذاب)، مع أن الاستعجال منهم تمَّ وانتهى في الماضي؛ إشارة إلى تكرارهم الاستعجال، مبالغة منهم في الاستهزاء بالمسلمين، وقد أكَّد حرصهم على تعجيل العذاب بزيادة الباء في قوله: (بِالْعَذَابِ).
وقفة
[47] ﴿وَيَستَعجِلونَكَ بِالعَذابِ﴾ أتعجب لحالهم فى استعجال العذاب، أمن جهل أم قلوب غافلة؟ أظن أن هذا الاستعجال هو من فرط ظلمة قلوبهم.
تفاعل
[47] ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ﴾ قل: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» [مسلم 486].
وقفة
[47] ﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ﴾ الله لا يخلف وعده، فلا بد منه وهو آت، لكن يأتي به الله في الوقت الذي يريد لا الوقت الذي نريد، وبما تقتضيه حكمته لا ما تقتضيه آمالنا.
وقفة
[47] ﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ﴾ الوعد هنا هو الوعيد، والكريم لا يخلف وعده، لكنه قد يخلف وعيده؛ لأن الله قد يهدي من توعده وأنذر ، ومن هنا قال شاعر العرب: وإنِّـــي وإنْ أوعَـــدْتُهُ أو وَعَـــــــدْتُهُ ... لَمُخْلِـــفُ إيْعَــــادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدي
عمل
[47] ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ لا يُوجَدُ أصْدَقُ وأتَمُّ من وعد الله لك، فقدْ وعد الله عِبادَه بِقَبُول التَّوبةِ والمَغفِرةِ والرَّحْمَةِ؛ فسارِعْ إلى التَّوبة.
وقفة
[47] ﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ ما الذي ألجأ الجليل للتأكيد؟ إنها رحمته بالقلوب الضعيفة المحتاجة إلى تثبيت، وشفقته للروح المضطربة، فيمدها بجرعة يقين.
وقفة
[47] ما أطول العذاب، وما أطول النعيم! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ» قَالَ: وَتَلَا: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [أحمد 2/519، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا إسناد ضعيف].
وقفة
[47] الله عز وجل خلق السموات والأرض في ستة آيام، والله يقول: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾، هل معناه أن الله خلقها في 6000 يوم؟ الجواب: ذهب أكثر المفسرين إلى أن الأيام هي من أيام الدنيا كما ذكر ذلك ابن عطية، وقيل: المراد الأوقات والمراد أزمنة متتابعة كالأيام.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ:
  • الواو: استئنافية. يستعجلونك: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل الكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. بالعذاب: جار ومجرور متعلق بيستعجلونك. بمعنى: بالمتوعد به من العذاب الآجل والعاجل.
  • ﴿ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ:
  • الواو: عاطفة. لن: حرف نفي ونصب واستقبال.يخلف: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ‍ الجلالة:فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ وَعْدَهُ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ وَإِنَّ يَوْماً:
  • الواو عاطفة. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. يوما:اسم «إن» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ:
  • ظرف مكان-مفعول فيه-متعلق بصفة محذوفة من «يوما» وهو مضاف. ربك: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كَأَلْفِ سَنَةٍ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» يفيد التشبيه مبني على الفتح في محل رفع خبر «إن» ألف: مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف و «سنة» مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ مِمّا تَعُدُّونَ:
  • أصلها: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. تعدون: تعرب إعراب «يستعجلون» وجملة «تعدون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد ضمير منصوب محلا مفعول به. التقدير: مما تعدونه.'

المتشابهات :

الرعد: 6﴿وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ
الحج: 47﴿وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ
العنكبوت: 53﴿وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ
العنكبوت: 54﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     وبعد توبيخ مشركي مكة الذين لم يتعظُوا بما حدث للأمم السابقة مع علمهم بما حدث لهم؛ أكدَ اللهُ هنا انطماس بصائرهم، فبَيَّنَ أنهم بدلًا من أن يسيرُوا في الأرضِ فيتَّعظُوا، راحوا يستعجلون نزولَ العذابِ؛ تكذيبًا واستهزاءً، قال تعالى:
﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تعدون:
قرئ:
1- بياء الغيبة، وهى قراءة الأخوين، وابن كثير.
2- بتاء الخطاب، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [48] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا ..

التفسير :

[48] وكثير من القرى كانت ظالمة بإصرار أهلها على الكفر، فأمهلْتُهم ولم أعاجلهم بالعقوبة فاغتروا، ثم أخَذْتُهم بعذابي في الدنيا، وإليَّ مرجعهم بعد هلاكهم، فأعذبهم بما يستحقون.

{ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} أي:أمهلتها مدة طويلة{ وَهِيَ ظَالِمَةٌ} أي:مع ظلمهم، فلم يكن مبادرتهم بالظلم، موجبا لمبادرتنا بالعقوبة،{ ثُمَّ أَخَذْتُهَا} بالعذاب{ وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي:مع عذابها في الدنيا، سترجع إلى الله، فيعذبها بذنوبها، فليحذر هؤلاء الظالمون من حلول عقاب الله، ولا يغتروا بالإمهال.

ثم أكد- سبحانه- أن إملاءه للظالمين، سيعقبه العذاب الأليم، فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ.

أى: وكثير من القرى الظالمة أمهلت عقوبة أهلها إلى أجل مسمى، ثم أخذتها بعد ذلك أخذا شديدا، جعلهم في قراهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها، وسيرجعون إلينا فيجدون عذابا أشد وأبقى، إذ أن مصيرهم إلىّ لا إلى غيرى.

( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير )

قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ، خمسمائة عام " .

ورواه الترمذي والنسائي ، من حديث الثوري ، عن محمد بن عمرو ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح . وقد رواه ابن جرير ، عن أبي هريرة موقوفا ، فقال :

حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن سمير بن نهار قال : قال أبو هريرة : يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم . قلت : وما نصف يوم؟ قال : أوما تقرأ القرآن؟ . قلت : بلى . قال : ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) .

وقال أبو داود في آخر كتاب الملاحم من سننه : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، عن شريح بن عبيد ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها ، أن يؤخرهم نصف يوم " . قيل لسعد : وما نصف يوم؟ قال : خمسمائة سنة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) قال : من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض .

رواه ابن جرير ، عن ابن بشار ، عن ابن مهدي . وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، ونص عليه أحمد بن حنبل في كتاب " الرد على الجهمية " .

وقال مجاهد : هذه الآية كقوله : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) [ السجدة : 5 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عارم محمد بن الفضل حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن عتيق ، عن محمد بن سيرين ، عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال : إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) وجعل أجل الدنيا ستة أيام ، وجعل الساعة في اليوم السابع ، ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) ، فقد مضت الستة الأيام ، وأنتم في اليوم السابع . فمثل ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها ، في أية لحظة ولدت كان تماما .

وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة

القول في تأويل قوله تعالى : { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة } يقول تعالى ذكره : { وكأين من قرية أمليت لها } يقول : أمهلتهم وأخرت عذابهم , وهم بالله مشركون ولأمره مخالفون - وذلك كان ظلمهم الذي وصفهم الله به جل ثناؤه - فلم أعجل بعذابهم .ثم أخذتها

يقول : ثم أخذتها بالعذاب , فعذبتها في الدنيا بإحلال عقوبتنا بهم .وإلي المصير

يقول : وإلي مصيرهم أيضا بعد هلاكهم , فيلقون من العذاب حينئذ ما لا انقطاع له ; يقول تعالى ذكره : فكذلك حال مستعجليك بالعذاب من مشركي قومك , وإن أمليت لهم إلى آجالهم التي أجلتها لهم , فإني آخذهم بالعذاب فقاتلهم بالسيف ثم إلي مصيرهم بعد ذلك فموجعهم إذن عقوبة على ما قدموا من آثامهم .

التدبر :

وقفة
[48] ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ فلم يكن مبادرتهم بالظلم موجبًا لمبادرتنا بالعقوبة.
وقفة
[48] ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ استدراج الظالم حتى يتمادى في ظلمه سُنَّة إلهية.
وقفة
[48] ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ لما استعجل المشركون العذاب، أخبرهم الله أن مقدار اليوم عنده ألف سنة، ثم أخبرهم عن إملائه لكثير من القرى الظالمة، وعدم معاجلتهم بالعذاب، لينفي بذلك العجلة عن نفسه سبحانه، ويبين أنه حليم لا يعجل بالعقوبة.
عمل
[48] ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا﴾ إيَّاكَ أن تُغضِب من يفعل هذا بقرى مليئةٍ بأناسٍ مثلك.
وقفة
[48] إذا نزل في أمةٍ بلاء عظيم فبسبب ظلم عظيم طال عليه الأمد فلم يُرفع، فاستحق أن يُقلع ﴿وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الخامسة والأربعين والواو في «وكأين» عاطفة. أمليت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية أَمْلَيْتُ لَها» في محل رفع خبر «كأين».لها: جار ومجرور متعلق بأمليت. ثم: حرف عطف. أخذت: معطوفة على «أمليت» وتعرب إعرابها. بمعنى: وكم من أهل قرية أمهلتها وهي ظالمة حتى ترجع الى جادة الصواب ثم أخذتها بعد التأكد من عدم سلوكها مسلك الصلاح و «ها» في «أخذتها» ضمير الغائبة مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ:
  • الواو استئنافية. إلي: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم.المصير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

الحج: 45﴿فَـ كَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا
الحج: 48﴿وَ كَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ
محمد: 13﴿وَ كَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ
الطلاق: 8﴿وَ كَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     وبعد التَّعجب مِن استعجالِ المشركين نزول العذابِ، مع ما شاهَدوا مِن إهلاكِ أمثالِهم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن إملاءه للظالمين سيعقبه العذاب الأليم، قال تعالى:
﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ..

التفسير :

[49] قل -أيها الرسول-:يا أيها الناس ما أنا إلا منذر لكم مبلِّغ عن الله رسالته.ً.

يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الناس جميعا، بأنه رسول الله حقا، مبشرا للمؤمنين بثواب الله، منذرا للكافرين والظالمين من عقابه، وقوله:{ مُبِينٌ} أي:بين الإنذار، وهو التخويف مع الإعلام بالمخوف، وذلك لأنه أقام البراهين الساطعة على صدق ما أنذرهم به

وبعد هذا العرض لمصارع الغابرين وبيان سنة الله- تعالى- في المكذبين، يأمر- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرشد الناس إلى مصيرهم فيقول: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس، إن وظيفتي أن أنذركم وأخوفكم من عذاب الله، بدون التباس أو غموض.

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الكفار وقوع العذاب ، واستعجلوه به : ( قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) أي : إنما أرسلني الله إليكم نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد ، وليس إلي من حسابكم من شيء ، أمركم إلى الله ، إن شاء عجل لكم العذاب ، وإن شاء أخره عنكم ، وإن شاء تاب على من يتوب إليه ، وإن شاء أضل من كتب عليه الشقاوة ، وهو الفعال لما يشاء ويريد ويختار ، [ و ] ( لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ) [ الرعد : 41 ] و ( إنما أنا لكم نذير مبين )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك الذين يجادلونك في الله بغير علم, اتباعا منهم لكل شيطان مريد: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أنذركم عقاب الله أن ينـزل بكم في الدنيا، وعذابه في الآخرة أن تصلوه مبين: يقول: أبين لكم إنذاري ذلك وأظهره، لتنيبوا من شرككم وتحذروا ما أنذركم من ذلك، لا أملك لكم غير ذلك, فأما تعجيل العقاب وتأخيره الذي تستعجلونني به، فإلى الله ليس ذلك إليّ، ولا أقدر عليه؛ ثم وصف نذارته وبشارته, ولم يجر للبشارة ذكر, ولما ذكرت النذارة على عمل علم أن البشارة على خلافه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[49] ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ لم اقتصر على النذارة في الخطاب دون البشارة؟! والجواب: لأن الخطاب هنا موجه إلى من استعجل العذاب، بأني أنذركم دون أن يكون لي دخل في إتيان ما توعدون به من العذاب حتى تستعجلوني به.
عمل
[49] كن داعيًا إلى الله تعـالى؛ محذرًا من عقوبته، مبينًا للنـاس دينهم ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ:
  • يا: أداة نداء. اي: منادى مبني على الضم في محل نصب. و «ها» زائدة للتنبيه. الناس: بدل من «أي» مرفوع بالضمة على لفظ‍ «أي» لا محلها. والنداء موجه للمشركين.
  • ﴿ إِنَّما أَنَا:
  • إنما: كافة ومكفوفة. انا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ والميم علامة جمع الذكور.نذير: خبر المبتدأ «أنا» مرفوع بالضمة. مبين: صفة-نعت-لنذير مرفوعة مثلها بالضمة. والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به لقل'

المتشابهات :

الأعراف: 158﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
يونس: 104﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ
يونس: 108﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ
الحج: 49﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     ولَمَّا كان الاستِعجالُ لا يُطلَبُ مِنَ الرَّسولِ، وإنَّما يُطلَبُ مِنَ المُرسِلِ، إن شاء عَجَّلَ العذاب، وإن شاء أخره؛ أمَرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم هنا أن يبين لهم أن وظيفته هي أن ينذرهم ويخوفهم من عذاب الله، قال تعالى:
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم ..

التفسير :

[50]فالذين آمنوا بالله ورسوله، واستقر ذلك في قلوبهم، وعملوا الأعمال الصالحة، لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة يستر بها ما صدر عنهم من معصية، ورزق حسن لا ينقطع وهو الجنة.

تفسير الآيتين 50 و51:ـ

ثم ذكر تفصيل النذارة والبشارة فقال:{ فَالَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم إيمانا صحيحا صادقا{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم{ في جنات النعيم} أي:الجنات التي يتنعم بها بأنواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح والصور والأصوات والتنعم برؤية الرب الكريم وسماع كلامه{ والذين كفروا} أي:جحدوا نعمة ربهم وكذبوا رسله وآياته فأولئك أصحاب الجحيم أي:الملازمون لها، المصاحبون لها في كل أوقاتهم، فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من عقابها.

فَالَّذِينَ آمَنُوا وعملوا الأعمال الصالحات لهم من ربهم مغفرة واسعة، ورزق كريم، لا انقطاع معه ولا امتناع.

( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : آمنت قلوبهم وصدقوا إيمانهم بأعمالهم ، ( لهم مغفرة ورزق كريم ) أي : مغفرة لما سلف من سيئاتهم ، ومجازاة حسنة على القليل من حسناتهم .

[ و ] قال محمد بن كعب القرظي : إذا سمعت الله تعالى يقول : ( ورزق كريم ) فهو الجنة .

فقال: والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات منكم أيها الناس ومن غيركم ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) يقول: لهم من الله ستر ذنوبهم التي سلفت منهم في الدنيا عليهم في الآخرة ( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) يقول: ورزق حسن في الجنة.

كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قوله: ( فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) قال: الجنة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

تفاعل
[50] ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[50] ﴿فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم﴾ مغفرة لما سلف من سيئاتهم، ومجازاة حسنة على القليل من حسناتهم.
وقفة
[50] ﴿فَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ﴾ ماذا يحتاج الحاج في قلبه؟ يحتاج التوحيد الصادق، وتعظيم الله الذي يثمر عملاً صالحًا.
وقفة
[50] ﴿فَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ﴾ تُرزق الرزق الكريم بإيمانك وعملك الصالح.
وقفة
[50] ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ وصفه بالكريم يجمع وفرته وصفاءَه من المكدرات.
وقفة
[50] ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ الرزق الكريم يجمع بين أمرين: وفرته، وصفائه من المنصات، والرزق نوعان: ما هو حاصل لهم في الدنيا، فالمؤمنون متمتعون به لرضاهم عن ربهم، وأعظمه الحاصل في الآخرة بدخول الجنة.

الإعراب :

  • ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الفاء: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ:
  • معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب إعرابها.الصالحات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» لهم: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. والميم علامة جمع الذكور. مغفرة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. بمعنى: لهم عند الله مغفرة.
  • ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:
  • معطوفة بالواو على «مغفرة» مرفوعة مثلها بالضمة. كريم:صفة-نعت-لرزق مرفوعة بالضمة أيضا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     وبعد بيان أن وظيفة الرسول هي الإنذار؛ بَيَّنَ اللهُ هنا حالَ من آمن ورجع عمَّا هو عليه من الكفر، قال تعالى:
﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [51] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ..

التفسير :

[51]والذين اجتهدوا في الكيد لإبطال آيات القرآن بالتكذيب مُشاقين مغالبين، أولئك هم أهل النار الموقدة، يدخلونها ويبقون فيها أبداً.

تفسير الآيتين 50 و51:ـ

ثم ذكر تفصيل النذارة والبشارة فقال:{ فَالَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم إيمانا صحيحا صادقا{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم{ في جنات النعيم} أي:الجنات التي يتنعم بها بأنواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح والصور والأصوات والتنعم برؤية الرب الكريم وسماع كلامه{ والذين كفروا} أي:جحدوا نعمة ربهم وكذبوا رسله وآياته فأولئك أصحاب الجحيم أي:الملازمون لها، المصاحبون لها في كل أوقاتهم، فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من عقابها.

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أى: والذين بذلوا كل جهودهم في إبطال آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسلنا، وأسرعوا في تكذيبها وغالبوا المؤمنين وعارضوهم ليظهروهم بمظهر العاجز عن الدفاع عن دينهم وعن عقيدتهم.

أُولئِكَ الموصوفون بهذا السعى الأثيم أَصْحابُ الْجَحِيمِ أى: الملازمون للنار المتأججة ملازمة المالك لما يملكه.

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك الى الحديث عن فضل الله- تعالى- على أنبيائه ورسله حيث عصمهم من كيد الشيطان ووسوسته وحفظ دعوتهم من تكذيب المكذبين، وعبث العابثين.. فقال- تعالى-:

وقوله : ( والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) : قال مجاهد : يثبطون الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا قال عبد الله بن الزبير : مثبطين .

وقال ابن عباس : ( معاجزين ) : مراغمين .

( أولئك أصحاب الجحيم ) : وهي النار الحارة الموجعة الشديد عذابها ونكالها ، أجارنا الله منها .

قال الله تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل : 88 ] .

وقوله: ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) يقول: والذين عملوا في حججنا فصدّوا عن اتباع رسولنا، والإقرار بكتابنا الذي أنـزلناه، وقال في آياتنا فأدخلت فيه في كما يقال: سعى فلان في أمر فلان.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (مُعاجِزينَ) فقال بعضهم: معناه: مشاقين.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن يوسف, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا حجاج, عن عثمان بن عطاء, عن أبيه, عن ابن عباس, أنه قرأها: (معاجزين) في كل القرآن, يعني بألف, وقال: مشاقين.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ( فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) قال: كذبوا بآيات الله فظنوا أنهم يعجزون الله, ولن يعجزوه.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.

وهذان الوجهان من التأويل في ذلك على قراءة من قرأه: ( فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) بالألف, وهي قراءة عامة قرّاء المدينة والكوفة. وأما بعض قرّاء أهل مكة والبصرة، فإنه قرأه: " مُعَجِّزِينَ" بتشديد الجيم بغير ألف, بمعنى أنهم عجزوا الناس وثبطوهم عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالقرآن.

*ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: " مُعَجِّزِينَ" قال: مبطِّئين يبطِّئون الناس عن اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, متقاربتا المعنى; وذلك أن من عجز عن آيات الله، فقد عاجز الله, ومن معاجزة الله التعجيز عن آيات الله، والعمل بمعاصيه وخلاف أمره، وكان من صفة القوم الذين أنـزل الله هذه الآيات فيهم أنهم كانوا يبطِّئون الناس عن الإيمان بالله، واتباع رسوله، ويغالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, يحسبون أنهم يعجزونه ويغلبونه, وقد ضمن الله له نصره عليهم, فكان ذلك معاجزتهم الله. فإذ كان ذلك كذلك, فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك.

وأما المعاجزة فإنها المفاعلة من العجز, ومعناه: مغالبة اثنين، أحدهما صاحبه أيهما يعجزه فيغلبه الآخر ويقهره.

وأما التعجيز: فإنه التضعيف وهو التفعيل من العجز.وقوله: ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان جهنم يوم القيامة وأهلها الذين هم أهلها.

التدبر :

وقفة
[51] ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ كم يتسابق اليوم أقوام ويتفننون في التشكيك في القرآن وبث الشبهات وسَوْق المجادلات، للوصول إلى إبطال تأثيره في الناس! وهيهات.
لمسة
[51] ﴿سَعَوْا﴾ السَّعْيُ: الْمَشْيُ الشَّدِيدُ، وقد وصف القرآن شدة حرص الكافرين وسعيهم الدؤوب لتكذيب القرآن بهيأة الساعي في طريق يسابق غيره للوصول إلى غاية.
وقفة
[51] ﴿وَالَّذينَ سَعَوا في آياتِنا مُعاجِزينَ أُولئِكَ أَصحابُ الجَحيمِ﴾ يجتهد ويجتهد، والعاقبة جحيمًا، سلم يا رب.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا:
  • معطوفة بالواو على «الذين آمنوا» وتعرب إعرابها. وعلامة بناء الفعل «سعوا» الفتحة أو الضمة المقدرة للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة.
  • ﴿ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ:
  • جار ومجرور متعلق «بسعوا».نا: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. معاجزين: أي مسابقين: حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: والذين سعوا لإبطال آياتنا مسابقين محاولين تعجيز المؤمنين. وحذف مفعول «معاجزين» اسم الفاعل لأنه مفهوم من سياق القول بتقدير: معاجزين المؤمنين الذين يسعون لإثبات آياتنا.
  • ﴿ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. أصحاب:خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الجحيم: مضاف اليه مجرورة بالاضافةوعلامة جره الكسرة ويجوز أن يكون «أصحاب» خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم والجملة الاسمية «هم أصحاب الجحيم» في محل رفع خبر المبتدأ «أولئك» والكاف في «أولئك» حرف خطاب.'

المتشابهات :

سبإ: 38﴿ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
الحج: 51﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
سبإ: 5﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ حالَ من آمن ورجع عمَّا هو عليه من الكفر؛ بَيَّنَ هنا حال الذين ظلُّوا متمسكين بكفرهم، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

معاجزين:
قرئ:
1- معجزين، بالتشديد، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، والجحدري، وأبى السمال، والزعفراني.
2- بألف، وهى قراءة باقى السبعة.
3- معجزين، بسكون العين وتخفيف الزاى، من «أعجز» ، وهى قراءة ابن الزبير.

مدارسة الآية : [52] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن ..

التفسير :

[52] وما أرسلنا مِن قبلك -أيها الرسول- من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ ما أُرسِل به من الآيات ألقى الشيطان في قراءته الوساوس والشبهات؛ ليصدَّ الناس عن اتباع ما يقرؤه ويتلوه، لكن الله يبطل كيد الشيطان، فيزيل وساوسه، ويثبت آياته الواضحات. والله عليم بما كان ويك

يخبر تعالى بحكمته البالغة، واختياره لعباده، وأن الله ما أرسل قبل محمد ( مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى ) أي:قرأ قراءته، التي يذكر بها الناس، ويأمرهم وينهاهم، ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) أي:في قراءته، من طرقه ومكايده، ما هو مناقض لتلك القراءة، مع أن الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله، وحفظ وحيه أن يشتبه، أو يختلط بغيره. ولكن هذا الإلقاء من الشيطان، غير مستقر ولا مستمر، وإنما هو عارض يعرض، ثم يزول، وللعوارض أحكام، ولهذا قال:( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) أي:يزيله ويذهبه ويبطله، ويبين أنه ليس من آياته، و ( يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) أي:يتقنها، ويحررها، ويحفظها، فتبقى خالصة من مخالطة إلقاء الشيطان، ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ ) أي:كامل القوة والاقتدار، فبكمال قوته، يحفظ وحيه، ويزيل ما تلقيه الشياطين، ( حَكِيمٌ ) يضع الأشياء مواضعها، فمن كمال حكمته، مكن الشياطين من الإلقاء المذكور، ليحصل ما ذكره بقوله:

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا.

ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.

ثم قال- رحمه الله-: قال ابن أبى حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة سورة النجم، فلما بلغ هذا الموضع: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى.

قال: فألقى الشيطان على لسانه: «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى» .

قالوا: - أى المشركون-: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ.. .

وجمع- سبحانه- بين الرسول والنبي، لأن المقصود بالرسول من بعث بكتاب، وبالنبي من بعث بغير كتاب، أو المقصود بالرسول من بعث بشرع جديد، وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله.

ولفظة تَمَنَّى هنا: فسره العلماء بتفسيرين:

أولهما: أنه من التّمنّى، بمعنى محبة الشيء، وشدة الرغبة في الحصول عليه، ومفعول «ألقى» محذوف والمراد بإلقاء الشيطان في أمنيته: محاولته صرف الناس عن دعوة الحق، عن طريق إلقاء الأباطيل في نفوسهم، وتثبيتهم على ما هم فيه من ضلال.

والمعنى: وما أرسلنا من قبلك- يا محمد- من رسول ولا نبي، إلا إذا تمنى هداية قومه إلى الدين الحق الذي جاءهم به من عند ربه، ألقى الشيطان الوساوس والشبهات في طريق أمنيته لكي لا تتحقق هذه الأمنية، بأن يوهم الشيطان الناس بأن هذا الرسول أو النبي ساحر أو مجنون، أو غير ذلك من الصفات القبيحة التي برأ الله- تعالى- منها رسله وأنبياءه.

قال- تعالى-: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ .

والآية الكريمة على هذا التفسير واضحة المعنى، ويؤيدها الواقع، إذ أن كل رسول أو نبي بعثه الله- تعالى- كان حريصا على هداية قومه، وكان يتمنى أن يؤمنوا جميعا، بل إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كاد يهلك نفسه هما وغما بسبب إصرار قومه على الكفر.

قال- تعالى-: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً .

إلا أن قوم كل رسول أو نبي منهم من آمن به. ومنهم من أعرض عنه بسبب إغراء الشيطان لهم، وإيهامهم بأن ما هم عليه من ضلال هو عين الهدى.

وإلى هذا التفسير أشار صاحب الكشاف بقوله: «قوله- تعالى-: مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ دليل بين على تغاير الرسول والنبي. والفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله.

والسبب في نزول هذه الآية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أعرض عنه قومه وشاقوه، وخالفته عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به: تمنى لفرط ضجره من إعراضهم، ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم، لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم .

أما التفسير الثاني للفظ تَمَنَّى فهو أنه بمعنى قرأ وتلا. ومنه قول حسان بن ثابت، في رثاء عثمان بن عفان رضى الله عنه:

تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقى حمام المقادر

أى: قرأ وتلا كتاب الله في أول الليل. وفي آخر الليل وافاه أجله.

ومفعول أَلْقَى على هذا المعنى محذوف- أيضا- والمراد بما يلقيه الشيطان في قراءته:

ما يلقيه في معناها من أكاذيب وأباطيل، ليصد الناس عن اتباع ما يقرؤه الرسول وما يتلوه، وليس المراد أنه يلقى فيها ما ليس منها بالزيادة أو بالنقص، فإن ذلك محال بالنسبة لكتاب الله- تعالى- الذي تكفل- سبحانه- بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ .

والمعنى: وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول الكريم- من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ شيئا مما أنزلناه عليه، ألقى الشيطان في معنى قراءته الشبه والأباطيل، ليصد الناس عن اتباع ما يتلوه عليهم هذا الرسول أو النبي.

قال الآلوسى- رحمه الله-: والمعنى: وما أرسلنا من قبلك رسولا ولا نبيا، إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات، ألقى الشيطان الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه، ليجادلوه بالباطل، ويردوا ما جاء به، كما قال- تعالى- ... وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ ... . وقال- سبحانه-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً.. .

وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول صلّى الله عليه وسلّم حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ: إن محمدا يحل ذبيحة نفسه ويحرم ما ذبحه الله. وكقولهم عند سماع قراءته لقوله- تعالى- إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. حَصَبُ جَهَنَّمَ.. إن عيسى قد عبد من دون الله، وكذلك الملائكة قد عبدوا من دون الله. .

والآية الكريمة لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ على هذا التفسير- أيضا- واضحة المعنى، إذ المراد بما يلقيه الشيطان في قراءة الرسول أو النبي، تلك الشبه والأباطيل التي يلقيها في عقول الضالين، فيجعلهم يؤولونها تأويلا سقيما ويفهمونها فهما خاطئا.

وقوله- تعالى-: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ بيان لسنته- سبحانه- التي لا تتخلف في إحقاق الحق. وإبطال الباطل.

وقوله فَيَنْسَخُ من النسخ بمعنى الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظل إذا أزالته.

أى: فيزيل- سبحانه- بمقتضى قدرته وحكمته ما ألقاه الشيطان في القلوب التي شاء الله- تعالى- لها الإيمان والثبات على الحق ثم يحكم- سبحانه- آياته بأن يجعلها متقنة، لا تقبل الرد، ولا تحتمل الشك في كونها من عنده- عز وجل- والله عليم بجميع شئون خلقه، حكيم في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته.

قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا . ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة " النجم " فلما بلغ هذا الموضع : ( أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى ) قال : فألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلى . وإن شفاعتهن ترتجى " . قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم . فسجد وسجدوا ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ] )

رواه ابن جرير ، عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة ، به نحوه ، وهو مرسل ، وقد رواه البزار في مسنده ، عن يوسف بن حماد ، عن أمية بن خالد ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب ، الشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة سورة " النجم " ، حتى انتهى إلى : ( أفرأيتم اللات والعزى ) ، وذكر بقيته . ثم قال البزار : لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد ، تفرد بوصله أمية بن خالد ، وهو ثقة مشهور . وإنما يروى هذا من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .

ثم رواه ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية ، وعن السدي ، مرسلا . وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس ، مرسلا أيضا .

وقال قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم [ يصلي ] عند المقام إذ نعس ، فألقى الشيطان على لسانه " وإن شفاعتها لترتجى . وإنها لمع الغرانيق العلى " ، فحفظها المشركون . وأجرى الشيطان أن نبي الله قد قرأها ، فزلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول [ ولا نبي إلا إذا تمنى ] ) الآية ، فدحر الله الشيطان .

ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : أنزلت سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنه ضلالهم ، فكان يتمنى هداهم ، فلما أنزل الله سورة " النجم " قال : ( أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى ) ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت ، فقال : " وإنهن لهن الغرانيق العلى . وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى " . وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة ، وزلت بها ألسنتهم ، وتباشروا بها ، وقالوا : إن محمدا ، قد رجع إلى دينه الأول ، ودين قومه . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم [ آخر النجم ] ، سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك . غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا ، فرفع على كفه ترابا فسجد عليه . فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود ، لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الآية التي ألقى الشيطان في مسامع المشركين فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السورة ، فسجدوا لتعظيم آلهتهم . ففشت تلك الكلمة في الناس ، وأظهرها الشيطان ، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين ، عثمان بن مظعون وأصحابه ، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ، وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ، وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان ، وأحكم الله آياته ، وحفظه من الفرية ، وقال [ تعالى ] : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) ، فلما بين الله قضاءه ، وبرأه من سجع الشيطان ، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم المسلمين ، واشتدوا عليهم . وهذا أيضا مرسل .

وفي تفسير ابن جرير عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، نحوه . وقد رواه الإمام أبو بكر البيهقي في كتابه " دلائل النبوة " فلم يجز به موسى بن عقبة ، ساقه في مغازيه بنحوه ، قال : وقد روينا عن ابن إسحاق هذه القصة .

قلت : وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا ، وكلها مرسلات ومنقطعات ، فالله أعلم . وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلام ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهما بنحو من ذلك ، ثم سأل هاهنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه؟ ثم حكى أجوبة عن الناس ، من ألطفها : أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك ، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كذلك في نفس الأمر ، بل إنما كان من صنيع الشيطان لا من رسول الرحمن صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته . وقد تعرض القاضي عياض ، رحمه الله ، في كتاب " الشفاء " لهذا ، وأجاب بما حاصله .

وقوله : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) ، هذا فيه تسلية له ، صلوات الله وسلامه عليه ، أي : لا يهيدنك ذلك ، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء .

قال البخاري : قال ابن عباس : ( في أمنيته ) إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ، فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إذا تمنى [ ألقى الشيطان في أمنيته ) ، يقول : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه .

وقال مجاهد : ( إذا تمنى ) ] يعني : إذا قال .

ويقال : ( أمنيته ) : قراءته ، ( إلا أماني ) [ البقرة : 78 ] ، يقولون ولا يكتبون .

قال البغوي : وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : ( تمنى ) أي : تلا وقرأ كتاب الله ، ( ألقى الشيطان في أمنيته ) أي : في تلاوته ، قال الشاعر في عثمان حين قتل :

تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر

وقال الضحاك : ( إذا تمنى ) : إذا تلا .

قال ابن جرير : هذا القول أشبه بتأويل الكلام .

وقوله : ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) ، حقيقة النسخ لغة : الإزالة والرفع .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان .

وقال الضحاك : نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان ، وأحكم الله آياته .

وقوله : ( والله عليم ) ، [ أي : بما يكون من الأمور والحوادث ، لا تخفى عليه خافية ] ، ( حكيم ) أي : في تقديره وخلقه وأمره ، له الحكمة التامة والحجة البالغة;

قيل: إن السبب الذي من أجله أنـزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن الشيطان كان ألقي على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنـزل الله عليه من القرآن ما لم ينـزله الله عليه, فاشتدّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتمَّ به, فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناد من أندية قريش كثير أهله, فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه, فأنـزل الله عليه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى إذا بلغ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرانقة العلى, وإن شفاعتهنّ لترجى, فتكلم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد في آخر السورة, وسجد القوم جميعا معه, ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه, وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود. فرضوا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، وهو الذي يخلق ويرزق, ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده, إذ جعلت لها نصيبا, فنحن معك، قالا فلما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام، فعرض عليه السورة; فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افْتَرَيْتُ عَلى الله، وَقُلْتُ عَلى الله ما لَمْ يَقُلْ، فأوحى الله إليه: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ... إلى قوله: ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا . فما زال مغموما مهموما حتى نـزلت عليه: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ). قال: فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم, فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلينا، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن زياد المدني, عن محمد بن كعب القرظي قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قَومه عنه, وشقّ عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله, تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه. وكان يسرّه, مع حبه وحرصه عليهم, أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم, حين حدّث بذلك نفسه، وتمنى وأحبه, فأنـزل الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى فلما انتهى إلى قول الله: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ألقى الشيطان على لسانه, لما كان يحدّث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه، تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن ترتضى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرّهم, وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم, فأصاخوا له, والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم, ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل؛ فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لأمره, وسجد من في المسجد من المشركين، من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم, فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة, فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع, فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها. ثم تفرّق الناس من المسجد, وخرجت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم, يقولون: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر, وقد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهنّ ترتضى، وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقيل: أسلمت قريش. فنهضت منهم رجال, وتخلَّف آخرون. وأتى جبرائيل النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله, وقلت ما لم يُقل لك، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك, وخاف من الله خوفا كبيرا فأنـزل الله تبارك وتعالى عليه وكانَ بِهِ رَحِيما يعزّيه ويخفض عليه الأمر، ويخبره أنه لم يكن قبله رسول ولا نبيّ تمنى كما تمنى ولا حبّ كما أحبّ إلا والشيطان قد ألقى في أمنيته، كما ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم, فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته, أي فأنت كبعض الأنبياء والرسل، فأنـزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... الآية، فأذهب الله عن نبيه الحزن, وأمنه من الذي كان يخاف, ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم، أنها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهنّ ترتضى. يقول الله حين ذكر اللات والعُزَّى ومناة الثالثة الأخرى, إلى قوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى , أي فكيف تمنع شفاعة آلهتكم عنده؛ فلما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقى على لسان نبيه, قالت قريش: ندم محمد على ما كان من منـزلة آلهتكم عند الله, فغير ذلك وجاء بغيره، وكان ذلك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسوله قد وقعا في فم كل مشرك, فازدادوا شرّا إلى ما كانوا عليه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, قال: سمعت داود, عن أبي العالية, قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان, فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك, فإنه يأتيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك، قال: فألقى الشيطان في أمنيته, فنـزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى قال: فأجرى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى, وشفاعتهن ترجى, مثلهن لا يُنسى؛ قال: فسجد النبيّ حين قرأها, وسجد معه المسلمون والمشركون؛ فلما علم الذي أجرى على لسانه, كبر ذلك عليه, فأنـزل الله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى قوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو الوليد, قال: ثنا حماد بن سلمة, عن داود بن أبي هند, عن أبي العالية قال: قالت قريش: يا محمد إنما يجالسك الفقراء والمساكين وضعفاء الناس, فلو ذكرت آلهتنا بخير لجالسناك فإن الناس يأتونك من الآفاق، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم; فلما انتهى على هذه الآية أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى فألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانقة العلى, وشفاعتهن ترتجى؛ فلما فرغ منها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم و والمسلمون والمشركون, إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص, أخذ كفا من تراب وسجد عليه; وقال: قد أن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير حتى بلغ الذين بالحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن قريشا قد أسلمت, فاشتدّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقى الشيطان على لسانه, فأنـزل الله ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى آخر الآية.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, قال: لما نـزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن لترتجى. فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال المشركون: أنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه, فأنـزل الله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ .

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنى عبد الصمد, قال: ثنا شعبة, قال: ثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبير قال: لما نـزلت: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى ثم ذكر نحوه.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) إلى قوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) وذلك أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي, إذ نـزلت عليه قصة آلهة العرب, فجعل يتلوها; فسمعه المشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه, فبينما هو يتلوها وهو يقول: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ألقى الشيطان: إن تلك الغرانيق العلى, منها الشفاعة ترتجى. فجعل يتلوها, فنـزل جبرائيل عليه السلام فنسخها, ثم قال له: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) إلى قوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي )... الآية; أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة, أنـزل الله عليه في آلهة العرب, فجعل يتلو اللات والعزّى ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكة نبيّ الله يذكر آلهتهم, ففرحوا بذلك, ودنوا يستمعون, فألقى الشيطان في تلاوة النبيّ صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى, منها الشفاعة ترتجى، فقرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك, فأنـزل الله عليه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَى وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, أنه سئل عن قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ )... الآية, قال ابن شهاب: ثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ عليهم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ، فلما بلغ أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى قال: إن شفاعتهن ترتجى. وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه المشركون الذين في قلوبهم مرض, فسلموا عليه, وفرحوا بذلك, فقال لهم: إنما ذلك من الشيطان. فأنـزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ )... حتى بلغ: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ).

فتأويل الكلام: ولم يرسل يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم، ولا نبيّ محدث ليس بمرسل, إلا إذا تمنى.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله تمنى في هذا الموضع, وقد ذكرت قول جماعة ممن قال: ذلك التمني من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من محبته، مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون, ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث.

*ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( إِذَا تَمَنَّى ) قال: إذا قال.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.

حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِلا إِذَا تَمَنَّى ) يعني بالتمني: التلاوة والقراءة.

وهذا القول أشبه بتأويل الكلام, بدلالة قوله: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) على ذلك; لأن الآيات التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها, لا شك أنها آيات تنـزيله, فمعلوم أن الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.

فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلا إذا تلا كتاب الله, وقرأ, أو حدّث وتكلم, ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، أو في حديثه الذي حدث وتكلم ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) يقول تعالى: فيذهب الله ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله.

كما حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) فيبطل الله ما ألقى الشيطان.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم, وأحكم الله آياته.

وقوله: ( ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) يقول:

ثم يخلص الله آيات كتابه من الباطل الذي ألقى الشيطان على لسان نبيه ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) بما يحدث في خلقه من حدث, لا يخفى عليه منه شيء (حَكِيمٌ) في تدبيره إياهم وصرفه لهم فيما شاء وأحَبّ.

التدبر :

وقفة
[52] ﴿إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ قال الآلوسي: «ألقى الشيطان الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل، وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول ﷺ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: 3]: إن محمدًا يحل ذبيحة نفسه ويحرم ما ذبحه الله، وكقولهم عند سماع قراءته لقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: 98]: إن عيسی قد عبد من دون الله، وكذلك الملائكة قد عبدوا من دون الله».
وقفة
[52] ﴿من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى﴾ أي: قرأ وتلا، سميت التلاوة تمني؛ لأن التالي إذا مر بآية رحمة تمناها؛ وإذا مر بآية عذاب تمنى النجاة.
وقفة
[52] ﴿إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ الأمنية تحتمل معانِ منها: 1- الأمنية هنا بمعناها المعروف، وهو أن النبي يتمنى أن يؤمن الناس جميعًا، ويتبعوه إلى الدين الحق، ولكن الشيطان يلقي في نفوس الناس الشهوات والشبهات والعقبات والعراقيل، فيصدهم عن ذكر الله تعالى. 2- أن الأمنية بمعنى (قرأ)، فيلقي الشيطان شبهاته بأن هذا سحر وكهانة وشعر، فيصد الناس عن الإيمان والتصديق به، لكن الله يحكم آياته وينسخ أقوال الشيطان.
تفاعل
[52] ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[52] ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّـهُ آيَاتِهِ﴾ حفظ الله لكتابه من التبديل والتحريف وصرف مكايد أعوان الشيطان عنه.

الإعراب :

  • ﴿ وَما أَرْسَلْنا:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. أرسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأرسلنا. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. من:حرف جر زائد. رسول: اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به لأرسلنا.
  • ﴿ وَلا نَبِيٍّ:
  • الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. نبي: معطوف على «رسول» ويعرب إعرابه.
  • ﴿ إِلاّ إِذا تَمَنّى:
  • إلاّ: حرف تحقيق بعد النفي. اذا: ظرفية شرطية غير جازمة متعلقة بالجواب. تمنى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملة «تمنى» في محل جر مضاف اليه لوقوعها بعد «اذا» الظرفية.
  • ﴿ أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الإعراب. ألقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة. في أمنيته: جار ومجرور متعلق بألقى والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: اذا قرأ دس الشيطان في قراءته أشياء ليست من الوحي فيسبق بها لسانه. أي وسوس اليه في تلاوته التي تلاها فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط‍.ومفعول «ألقى» محذوف بتقدير: ألقى أشياء في تلاوته.
  • ﴿ فَيَنْسَخُ اللهُ:
  • الفاء: استئنافية. ينسخ: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بمعنى «فيبطل الله
  • ﴿ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ:
  • أي ما يدسه الشيطان. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يلقي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة. والجملة الفعلية يُلْقِي الشَّيْطانُ» صلة الموصول لا محل لها. والعائد ضمير منصوب محلا مفعول به. التقدير: ما يلقيه الشيطان.
  • ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ:
  • ثم: حرف عطف. يحكم الله: تعرب إعراب «ينسخ الله» آياته: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة بمعنى ثم يثبت الله آياته.
  • ﴿ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
  • الواو: اعتراضية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. حكيم: صفة- نعت-لعليم أو خبر ثان للمبتدإ. أي خبر بعد خبر مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

الأنبياء: 25﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
الحج: 52﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ولا نَبِيٍّ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا رَأى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَوَلِّيَ قَوْمِهِ عَنْهُ، وشَقَّ عَلَيْهِ ما رَأى مِن مُباعَدَتِهِمْ عَمّا جاءَهم بِهِ؛ تَمَنّى في نَفْسِهِ أنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى ما يُقارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمِهِ، وذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلى إيمانِهِمْ. فَجَلَسَ ذاتَ يَوْمٍ في نادٍ مِن أنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٍ أهْلُهُ، وأحَبَّ يَوْمَئِذٍ ألّا يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى شَيْءٌ يَنْفِرُوا عَنْهُ، وتَمَنّى ذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى سُورَةَ ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾، فَقَرَأها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى بَلَغَ: ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى (١٩) ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى (٢٠)) . ألْقى الشَّيْطانُ عَلى لِسانِهِ لَمّا كانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ ويَتَمَنّاهُ: ”تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وإنَّ شَفاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجى“ . فَلَمّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا، ومَضى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في قِراءَتِهِ، فَقَرَأ السُّورَةَ كُلَّها، وسَجَدَ في آخِرِ السُّورَةِ، فَسَجَدَ المُسْلِمُونَ بِسُجُودِهِ، وسَجَدَ جَمِيعُ مَن في المَسْجِدِ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَبْقَ في المَسْجِدِ مُؤْمِنٌ ولا كافِرٌ إلّا سَجَدَ، إلّا الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ وأبُو أُحَيْحَةَ سَعِيدُ بْنُ العاصِ، فَإنَّهُما أخَذا حَفْنَةً مِنَ البَطْحاءِ ورَفَعاها إلى جَبْهَتَيْهِما وسَجَدا عَلَيْها؛ لِأنَّهُما كانا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَمْ يَسْتَطِيعا السُّجُودَ، وتَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ وقَدْ سَرَّهم ما سَمِعُوا، وقالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنا بِأحْسَنِ الذِّكْرِ. وقالُوا: قَدْ عَرَفْنا أنَّ اللَّهَ يُحْيِي ويُمِيتُ، ويَخْلُقُ ويَرْزُقُ، ولَكِنَّ آلِهَتَنا هَذِهِ تَشْفَعُ لَنا عِنْدَهُ، فَإذْ جَعَلَ لَها مُحَمَّدٌ نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَهُ. فَلَمّا أمْسى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: ما صَنَعْتَ ؟ تَلَوْتَ عَلى النّاسِ ما لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقُلْتَ ما لَمْ أقُلْ لَكَ ؟ فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُزْنًا شَدِيدًا، وخافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَبِيرًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلى ما ذَكَرَ مِن مَنزِلَةِ آلِهَتِنا عِنْدَ اللَّهِ. فازْدادُوا شَرًّا إلى ما كانُوا عَلَيْهِ.أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ الحارِثِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَيّانَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو يَحْيى الرّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَهْلٌ العَسْكَرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى، عَنْ عُثْمانَ بْنِ الأسْوَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى (١٩) ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى (٢٠)﴾ . فَألْقى الشَّيْطانُ عَلى لِسانِهِ: ”تِلْكَ الغَرانِيقُ العُلى، وشَفاعَتُهُنَّ تُرْتَجى“ . فَفَرِحَ المُشْرِكُونَ بِذَلِكَ، وقالُوا: قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنا. فَجاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَ: ”اعْرِضْ عَلَيَّ“ . فَلَمّا عَرَضَ عَلَيْهِ قالَ: أمّا هَذا فَلَمْ آتِكَ بِهِ، هَذا مِنَ الشَّيْطانِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ( وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ولا نَبِيٍّ إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     وبعد أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بالإنذارِ، بَيَّنَ اللهُ هنا حفظَه لكتابِه مما يليقه الشَّيطانُ من الشُّبَه والوَساوس؛ لصد الناس عنه، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [53] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ..

التفسير :

[53] وما كان هذا الفعل مِنَ الشيطان إلا ليجعله الله اختباراً للذين في قلوبهم شك ونفاق، ولقساة القلوب من المشركين الذين لا يؤثِّر فيهم زجر. وإن الظالمين مِن هؤلاء وأولئك في عداوة شديدة لله ورسوله وخلافٍ للحق بعيد عن الصواب.

{ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} لطائفتين من الناس، لا يبالي الله بهم، وهم الذين{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي:ضعف وعدم إيمان تام وتصديق جازم، فيؤثر في قلوبهم أدنى شبهة تطرأ عليها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، داخلهم الريب والشك، فصار فتنة لهم.{ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} أي:الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله، ولهذا قال:{ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي:مشاقة لله، ومعاندة للحق، ومخالفة له، بعيد من الصواب، فما يلقيه الشيطان، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين، فيظهر به ما في قلوبهم، من الخبث الكامن فيها ، وأما الطائفة الثالثة، فإنه يكون رحمة في حقها

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن الحكمة في إلقاء الشيطان لشبهه وضلالته هي امتحان الناس فقال: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ....

أى: فعل ما فعل- سبحانه- ليجعل ما يلقيه الشيطان من تلك الشبه في القلوب فتنة واختبارا وامتحانا، للذين في قلوبهم مرض، أى: شك وارتياب، وهم المنافقون، وللذين قست قلوبهم، وهم الكافرون المجاهرون بالجحود والعناد.

فقوله- تعالى-: لِيَجْعَلَ.. متعلق ب أَلْقَى أى: ألقى الشيطان في أمنية الرسل والأنبياء ليجعل الله- تعالى- ذلك الإلقاء فتنة للذين في قلوبهم مرض.

ومعنى كونه فتنة لهم: أنه سبب لتماديهم في الضلال، وفي إصرارهم على الفسوق والعصيان.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الفريقين فقال: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ، وهم من في قلوبهم مرض، ومن قست قلوبهم لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أى لفي خلاف للحق شديد. بسبب نفاقهم وكفرهم.

" ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد " فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم المسلمين واشتدوا عليهم وهذا أيضا مرسل وفي تفسير ابن جرير عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه دلائل النبوة فلم يجز به موسى بن عقبة ساقه من مغازيه بنحوه قال وقد رواه عن أبي إسحاق هذه القصة " قلت "وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا وكلها مرسلات ومنقطعات والله أعلم وقد ساقها البغوي في تفسره مجموعة من كلام ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما بنحو من ذلك ثم سأل ههنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله صلاة الله وسلامه عليه ثم حكى أجوبة عن الناس من ألطفها أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك في نفس الأمر بل.

إنما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الرحمن والله أعلم.

وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته وقد تعرض القاضي عياض رحمه الله في كتاب الشفاء لهذا وأجاب بما حاصله أنها كذلك لثبوتها وقوله " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " هذا فيه تسلية من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أي لا يهيدنك فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء قال البخاري قال ابن عباس " في أمنيته " إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان " ثم يحكم الله آياته " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " يقول إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه وقال مجاهد " إذا تمنى " يعني إذا قال يقال أمنيته قراءته " إلا أماني " يقرءون ولا يكتبون قال البغوي وأكثر المفسرين قالوا معنى قوله " تمنى " أي تلا وقرأ كتاب الله " ألقى الشيطان في أمنيته " أي في تلاوته قال الشاعر في عثمان حين قتل: تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر وقال الضحاك " إذا تمنى " إذا تلا قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام وقوله " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " حقيقة النسخ لغة:الإزالة والرفع قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان وقال الضحاك نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وقوله " والله عليم " أي بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية " حكيم " أي في تقديره وخلقه وأمره له الحكمة التامة والحجة البالغة ولهذا قال " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض " أي شك وشرك وكفر ونفاق كالمشركين حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله وإنما كان من الشيطان قال ابن جريج " الذين في قلوبهم مرض " هم المنافقون " والقاسية قلوبهم " هم المشركون وقال مقاتل بن حيان هم اليهود " وإن الظالمين لفي شقاق بعيد " أي في ضلال ومخالفة وعناد بعيد أي من الحق والصواب.

يقول تعالى ذكره: فينسخ الله ما يلقي الشيطان, ثُم يُحكم الله آياته, كي يجعل ما يلقي الشيطان في أمنية نبيه من الباطل, كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن لترتجى فتنة يقول: اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق، وذلك الشكّ في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن لا يعيب الله آلهة المشركين, فألقى الشيطان في أمنيته, فقال: إن الآلهة التي تدعي أن شفاعتها لترتجى وإنها للغرانيق العلى. فنسخ الله ذلك, وأحكم الله آياته: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى حتى بلغ مِنْ سُلْطَانٍ قال قتادة: لما ألقى الشيطان ما ألقى, قال المشركون: قد ذكر الله آلهتهم بخير، ففرحوا بذلك, فذكر قوله: ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ).

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, بنحوه.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, في قوله: ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) يقول: وللذين قست (1) قلوبهم عن الإيمان بالله, فلا تلين ولا ترعوي, وهم المشركون بالله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: ( وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ) قال: المشركون.

وقوله: ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) يقول تعالى ذكره: وإن مشركي قومك يا محمد لفي خلاف الله في أمره, بعيد من الحق.

------------------------

الهوامش:

(1) قوله : " وللذين قست " : عطف على مفهوم من السياق ، أي للذين في قلوبهم مرض ، والذين قست قلوبهم .

التدبر :

عمل
[53] احرص على تخليص قلبك من الشهوات والشبهات بالذكر وطلب العلم؛ فإن بقاءها فيه سببٌ للافتتان عن دين الله، ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾.
وقفة
[53] ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ أي: محنة، وبلية، وشك، ونفاق، ﴿وَالقاسِيَةِ﴾ يعني: الجافية ﴿قُلوبُهُمْ﴾ عن قبول الحق؛ وهم المشركون؛ وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك.
وقفة
[53] القلب القاسي مسرح لكل فتنة ﴿ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم﴾.
عمل
[53] ﴿لِيَجعَلَ ما يُلقِي الشَّيطانُ فِتنَةً لِلَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ وَالقاسِيَةِ قُلوبُهُم وَإِنَّ الظّالِمينَ لَفي شِقاقٍ بَعيدٍ﴾ أكثر القلوب تأثرًا بالفتنة القلوب المريضة والقلوب القاسية؛ فاحرص على رقة قلبك.
عمل
[53] ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ احذر أمراضَ القلوبِ؛ كالكبرِ، والحقدِ، والحسدِ، وغيرِها.
عمل
[53] تذكر خلال الأسبوع الماضي كم تركت من واجب شرعي! وكم وقع منك من معصية! ثم أكثر من الاستغفار؛ حتى لا تتمادى في غفلتك وقسوة قلبك ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾.
عمل
[53] حدد ثلاثة أسباب تحس أنها ترقق قلبك، ثم اعمل بها ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾.
وقفة
[53] أهمية العناية بأعمال القلوب؛ كالمحبة، والخشية، والتعظيم، وغيرها ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾.
وقفة
[53] النفاق وقسوة القلوب مرضان قاتلان ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾.
تفاعل
[53] ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[53، 54] جعل الله القلوب ثلاثة أقسام: قاسية، وذات مرض، ومؤمنة مخبتة.

الإعراب :

  • ﴿ لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ:
  • للام لام التعليل وهي: حرف جر. يجعل: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما يلقي الشيطان: أعربت في الآية الكريمة السابقة. وجملة «يجعل وما بعدها» صلة أن المضمرة لا محل لها و «أن» المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بيحكم الله.
  • ﴿ فِتْنَةً لِلَّذِينَ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. للذين: جار ومجرور متعلق بصفة لفتنة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام.
  • ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:
  • الجملة الاسمية: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. في قلوب: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. مرض: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. ويجوز أن يكون الجار والمجرور فِي قُلُوبِهِمْ» متعلقا بفعل مضمر تقديره: استقر. والجملة الفعلية «استقر في قلوبهم مرض» صلة الموصول لا محل لها. أي مرض الشك أو النفاق. وعلى هذا التقدير تكون كلمة «مرض» فاعل لفعل المقدر.
  • ﴿ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ:
  • الواو عاطفة. القاسية: معطوفة على «الذين» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة والكلمة اسم فاعل. قلوب: فاعل لاسم الفاعل مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. والقاسية قلوبهم: هم المشركون المكذبون.
  • ﴿ وَإِنَّ الظّالِمِينَ:
  • الواو استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.الظالمين: اسم «إنّ» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: وانّ هؤلاء المنافقين والمشركين وأصله: وأنهم فوضع الظاهر موضع الضمير حكما عليهم بالظلم.
  • ﴿ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-في شقاق: جار ومجرور في محل رفع خبر «إنّ» بعيد: صفة-نعت-لشقاق مجرورة مثلها. بمعنى:لفي شقاق بعيد عن الحق.'

المتشابهات :

البقرة: 176﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
الحج: 53﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
فصلت: 52﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
ابراهيم: 3﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ
الشورى: 18﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ
ق: 27﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ تمكين الشَّيطانِ مِن إلقاءِ الشُّبَه والوَساوس؛ بَيَّنَ هنا أن الحكمة في ذلك، وهي: 1- اختبار وامتحان للذين في قلوبهم مرض، قال تعالى:
﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [54] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ ..

التفسير :

[54] وليعلم أهل العلم الذين يفرقون بعلمهم بين الحق والباطل أن القرآن الكريم هو الحق النازل من عند الله عليك أيها الرسول، لا شبهة فيه، ولا سبيل للشيطان إليه، فيزداد به إيمانهم، وتخضع له قلوبهم. وإن الله لهادي الذين آمنوا به وبرسوله إلى طريق الحق الواضح، وه

{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} لأن الله منحهم من العلم، ما به يعرفون الحق من الباطل، والرشد من الغي، فيميزون بين الأمرين، الحق المستقر، الذي يحكمه الله، والباطل العارض الذي ينسخه الله، بما على كل منهما من الشواهد، وليعلموا أن الله حكيم، يقيض بعض أنواع الابتلاء، ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة،{ فَيُؤْمِنُوا بِهِ} بسبب ذلك، ويزداد إيمانهم عند دفع المعارض والشبه.

{ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي:تخشع وتخضع، وتسلم لحكمته، وهذا من هدايته إياهم،{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا} بسبب إيمانهم{ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} علم بالحق، وعمل بمقتضاه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهذا النوع من تثبيت الله لعبده.

وهذه الآيات، فيها بيان أن للرسول صلى الله عليه وسلم أسوة بإخوانه المرسلين، لما وقع منه عند قراءته صلى الله عليه وسلم:{ والنجم} فلما بلغ{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} ألقى الشيطان في قراءته:"تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى "فحصل بذلك للرسول حزن وللناس فتنة، كما ذكر الله، فأنزل الله هذه الآيات.

ثم بين- سبحانه- حكمة أخرى لما فعله الشيطان من إلقاء الشبه والوساوس في القلوب فقال:

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ، فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ.

والضمير في أَنَّهُ يعود إلى ما جاء به الرسل والأنبياء من عند ربهم.

أى: وفعل ما فعل- سبحانه- أيضا، ليعلم العلماء من عباده، الذين حبب- سبحانه- إليهم الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، أن ما جاء به الرسل والأنبياء هو الحق الثابت من ربك، فيزدادوا إيمانا به فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ أى: فتخضع وتسكن وتطمئن إليه نفوسهم.

ووَ إِنَّ اللَّهَ- تعالى- لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا به وصدقوا أنبياءه ورسله إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يوصلهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

هذا، وقد أبطل العلماء- قديما وحديثا- قصة الغرانيق، ومن العلماء القدماء الذين تصدوا لهذا الإبطال الإمام الفخر الرازي، فقد قال ما ملخصه: قصة الغرانيق باطلة عند أهل التحقيق، واستدلوا على بطلانها بالقرآن والسنة والمعقول.

أما القرآن فمن وجوه منها قوله- تعالى-: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ » وقوله- سبحانه-: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، وقوله- عز وجل-: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ.. .

وأما السنة، فقد قال الإمام البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ سورة «والنجم» وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق. وروى هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها ألبتة حديث الغرانيق.

وأما المعقول فمن وجوه منها: أن من جوز على الرسول صلّى الله عليه وسلّم تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه صلّى الله عليه وسلّم كان نفى الأوثان.

ومنها: أننا لو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه.. فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحى وبين الزيادة فيه.

فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة. أكثر ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكرها. لكنهم ما بلغوا حد التواتر. وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة .

وقال بعض العلماء ما ملخصه: اعلم أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعا، ودلالة القرآن على بطلانها، لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج به، وصرح بعد ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب.

والحاصل: أن القرآن دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإلقاء على لسانه صلّى الله عليه وسلّم شرعا ولو على سبيل السهو.

والذي يظهر لنا أنه الصواب: هو أن ما يلقيه الشيطان في قراءة النبي: الشكوك والوساوس المانعة من تصديقها وقبولها، كإلقائه عليهم أنها سحر أو شعر أو أساطير الأولين..

والدليل على هذا المعنى: أن الله- تعالى- بين أن الحكمة في الإلقاء المذكور امتحان الخلق، لأنه قال: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ... ثم قال: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ... فهذا يدل على أن الشيطان يلقى عليهم، أن الذي يقرؤه النبي ليس بحق، فيصدقه الأشقياء، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم، ويعلمون أنه الحق لا الكذب، كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه ... » .

ثم بين- سبحانه- أن الكافرين سيستمرون على شكهم في القرآن حتى تأتيهم الساعة، وأنه- تعالى- سيحكم بين الناس يوم القيامة، فيجازى الذين أساءوا بما عملوا. ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى. فقال- عز وجل-:

( وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به ) أي : وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذي يفرقون به بين الحق والباطل ، المؤمنون بالله ورسوله ، أن ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك ، الذي أنزله بعلمه وحفظه وحرسه أن يختلط به غيره ، بل هو كتاب حكيم ، ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] .

وقوله : ( فيؤمنوا به ) أي : يصدقوه وينقادوا له ، ( فتخبت له قلوبهم ) أي : تخضع وتذل ، ( وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) أي : في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه ، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه ، وفي الآخرة يهديهم [ إلى ] الصراط المستقيم ، الموصل إلى درجات الجنات ، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات .

يقول تعالى ذكره: وكي يعلم أهل العلم بالله أن الذي أنـزله الله من آياته التي أحكمها لرسوله، ونسخ ما ألقى الشيطان فيه, أنه الحق من عند ربك يا محمد. يقول: فيصدّقوا به.يقول: فتخضع للقرآن قلوبهم, وتذعن بالتصديق به والإقرار بما فيه.

وإن الله لمرشد الذين آمنوا بالله ورسوله إلى الحقّ القاصد والحقِّ الواضح, بنسخ ما ألقى الشيطان في أمنية رسوله, فلا يضرّهم كيد الشيطان، وإلقاؤه الباطل على لسان نبيهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:- حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) قال: يعني القرآن.

التدبر :

وقفة
[54] ﴿وقال الذين أوتوا العلم﴾ [القصص: 80]، ﴿ويرى الذين أوتوا العلم﴾ [سبأ: 6]، ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم﴾ لأهل العلم مكانة خاصة عند الله، يجب أن يكونوا عندنا كذلك.
وقفة
[54] ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم﴾ فمن كان بالله أعلم كان له أتقى وأخضع.
وقفة
[54] ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ الحق كلما جودل أهله ظهرت حججه، وأسفرت وجوهه، ووضحت براهينه، وغمرت لججه؛ كما قال تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: 26]، ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ لما ظهر لهم من صحته بما ظهر من ضعف تلك الشبه، ﴿فَتُخْبِتَ﴾ أي: تطمئن وتخضع ﴿لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ وتسكن به قلوبهم؛ فإن الله جعل فيها السكينة.
وقفة
[54] ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الإيمان ثمرة للعلم، والخشوع والخضوع لأوامر الله ثمرة للإيمان.
وقفة
[54] ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ما كان سبب فتنة الذين في قلوبهم مرض من المنافقين، والقاسية قلوبهم من المشركين، هو نفسه ما جعله الله سبب تثبيت المؤمنين وخضوع قلوب المتقين.
وقفة
[54] ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم﴾ الإيمان ثمرة العلم.
وقفة
[54] من أوتي العلم النافع عرف كيف يفرق بين الحق والباطل ومن آمن بالله ورسوله حفظه وهداه إلى صراط مستقيم: ﴿وَلِيَعلَمَ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَيُؤمِنوا بِهِ فَتُخبِتَ لَهُ قُلوبُهُم وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذينَ آمَنوا إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾.
وقفة
[54] ﴿أوتوا العلم﴾، ﴿مما عُلِّمت﴾ [الكهف: 66]، ﴿وعلَّمناه﴾ [الكهف: 65]؛ لا تغتر بعلمك، إنما هو شيء أوتيته وعُلمته، ليس لك منه شيء.
وقفة
[54] ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [34]، ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ كيف لو تمثلها الحاج وغيره في حجه وحياته؟!
تفاعل
[54] ﴿وَإِنَّ اللَّـهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ:
  • معطوفة بالواو على «ليجعل» وتعرب إعرابها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أُوتُوا الْعِلْمَ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. أوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم المقدر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. العلم: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «أن» الحق: خبرها مرفوع بالضمة. من ربك: جار ومجرور متعلق بصفة للحق والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. و «أنّ» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «يعلم» بمعنى: أن هذا القرآن هو الحق من ربك.
  • ﴿ فَيُؤْمِنُوا بِهِ:
  • الفاء سببية. يؤمنوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. به: جار ومجرور متعلق بيؤمنوا. وجملة «يؤمنوا به» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ:
  • الفاء عاطفة. تخبت: بمعنى تخضع: معطوفة على «يؤمنوا» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة. له: جار ومجرور متعلق بتخبت. قلوب: فاعل مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَإِنَّ اللهَ:
  • الواو استئنافية. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «إن» منصوب للتعظيم بالفتحة
  • ﴿ لَهادِ الَّذِينَ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-هاد: خبر «إن» مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة اختصارا للوصل وبقيت الكسرة دالة عليها.الذين: اسم موصول في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ آمَنُوا:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وأصل «هاد» بالتنوين. والذين: مفعول أول لاسم الفاعل «هاد».وبعد حذف التنوين أضيف الى مفعوله.
  • ﴿ إِلى صِراطٍ‍ مُسْتَقِيمٍ:
  • جار ومجرور قام مقام المفعول الثاني لاسم الفاعل «هاد» على الأصل أو هو متعلق بهاد أو بفعله. مستقيم: صفة-نعت- لصراط‍ مجرور مثله وعلامة جره الكسرة.'

المتشابهات :

الحج: 54﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
البقرة: 26﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ
البقرة: 144﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [54] لما قبلها :     2- ليعلم المؤمنين أن ما جاء به الرسل هو الحق؛ فيزدادوا إيمانًا، قال تعالى:
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [55] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي ..

التفسير :

[55] ولا يزال الكافرون المكذبون في شك مما جئتَهم به من القرآن إلى أن تأتيهم الساعة فجأة، وهم على تكذيبهم، أو يأتيهم عذاب يوم لا خير فيه لهم، وهو يوم القيامة.

يخبر تعالى عن حالة الكفار، وأنهم لا يزالون في شك مما جئتهم به يا محمد، لعنادهم، وإعراضهم، وأنهم لا يبرحون مستمرين على هذه الحال{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} أي:مفاجأة{ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} أي:لا خير فيه، وهو يوم القيامة، فإذا جاءتهم الساعة، أو أتاهم ذلك اليوم، علم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، وندموا حيث لا ينفعهم الندم، وأبلسوا وأيسوا من كل خير، وودوا لو آمنوا بالرسول واتخذوا معه سبيلا، ففي هذا تحذيرهم من إقامتهم على مريتهم وفريتهم.

قال الجمل: «لما ذكر- سبحانه- حال الكافرين أولا، ثم حال المؤمنين ثانيا، عاد إلى شرح حال الكافرين، فهو رجوع لقوله: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ والمرية بالكسر والضم. لغتان مشهورتان .

والضمير في قوله: مِنْهُ يعود إلى القرآن الكريم، أو إلى ما جاء به الرسول من عند ربه، وقيل إلى ما ألقاه الشيطان.

وقد رجح ابن جرير كونه للقرآن فقال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:

هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن لك من ذكر قوله: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.. أقرب منه من ذكر قوله فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ.. .

والمعنى ولا يزال الذين كفروا في شك وريب مما أوحاه الله إليك من قرآن، بسبب قسوة قلوبهم، واستيلاء الجحود والعناد على نفوسهم.

وسيستمرون على هذه الحال حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ أى: القيامة بَغْتَةً أى: فجأة أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ أى: لا مثل له في هوله وشدة عذابه ولا يوم بعده، إذ كل يوم يلد ما بعده عن الأيام إلا هذا اليوم وهو يوم القيامة فإنه لا يوم بعده.

قال ابن كثير: «وقوله: أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال مجاهد: قال أبى بن كعب: هو يوم بدر.

وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير.

وفي رواية عن عكرمة ومجاهد هو يوم القيامة لا ليلة له، وكذا قال الضحاك والحسن.

وهذا القول هو الصحيح، وإن كان يوم بدر من جملة ما أو عدوا به، لكن هذا هو المراد، ولهذا قال: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ كقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .

يقول تعالى مخبرا عن الكفار : أنهم لا يزالون في مرية ، أي : في شك وريب من هذا القرآن ، قاله ابن جريج ، واختاره ابن جرير .

وقال سعيد بن جبير ، وابن زيد : ( منه ) أي : مما ألقى الشيطان .

( حتى تأتيهم الساعة بغتة ) : قال مجاهد : فجأة . وقال قتادة : ( بغتة ) ، بغت [ القوم ] أمر الله ، وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم ، فلا تغتروا بالله ، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون .

وقوله : ( أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) : قال مجاهد : قال أبي بن كعب : هو يوم بدر ، وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، وقتادة وغير واحد . واختاره ابن جرير .

وقال عكرمة ، ومجاهد [ في رواية عنهما ] : هو يوم القيامة لا ليلة له . وكذا قال الضحاك ، والحسن البصري .

وهذا القول هو الصحيح ، وإن كان يوم بدر من جملة ما أوعدوا به ، لكن هذا هو المراد; ولهذا قال

يقول تعالى ذكره: ولا يزال الذين كفرا بالله في شكّ.

ثم اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: منه من ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن لترتجى.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير: ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ منه) من قوله: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن ترتجى.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ) قال: مما جاء به إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة.

وقال آخرون: بل هي من ذكر سجود النبيّ صلى الله عليه وسلم في النجم.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الصمد, قال: ثنا شعبة, قال: ثنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير: ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ) قال: في مرية من سجودك.

وقال آخرون: بل هي من ذكر القرآن.

*ذكر من قال ذلك:- حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج: ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ) قال: من القرآن.

وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب, قول من قال: هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أقرب منه من ذكر قوله: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ والهاء من قوله " أنه " من ذكر القرآن, فإلحاق الهاء في قوله: ( فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ) بالهاء من قوله: أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أولى من إلحاقها بما التي في قوله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ مع بُعد ما بينهما.

وقوله: ( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ ) يقول: لا يزال هؤلاء الكفار في شك من أمر هذا القرآن إلى أن تأتيهم الساعة (بَغْتَةً) وهي ساعة حشر الناس لموقف الحساب بغتة, يقول: فجأة.

واختلف أهل التأويل في هذا اليوم أيّ يوم هو؟ فقال بعضهم: هو يوم القيامة.

*ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, قال: ثنا شيخ من أهل خراسان من الأزد يكنى أبا ساسان, قال: سألت الضحاك, عن قوله: ( عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) قال: عذاب يوم لا ليلة بعده.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو تميلة, عن أبي حمزة, عن جابر, عن عكرمة. أن يوم القيامة لا ليلة له.

وقال آخرون: بل عني به يوم بدر. وقالوا: إنما قيل له يوم عقيم, أنهم لم ينظروا إلى الليل, فكان لهم عقيما.

*ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن ليث, عن مجاهد, قال: ( عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) يوم بدر.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج: ( أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) قال ابن جريج: يوم ليس فيه ليلة, لم يناظروا إلى الليل. قال مجاهد: عذاب يوم عظيم.

قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو تُمَيلة, عن أبي حمزة, عن جابر, قال: قال مجاهد: يوم بدر.

حدثني أبو السائب, قال: ثنا أبو إدريس, قال: أخبرنا الأعمش, عن رجل, عن سعيد بن جُبير, في قوله: ( عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) قال: يوم بدر.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, قوله: ( عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) قال: هو يوم بدر. ذكره عن أبي بن كعب.

حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: ( عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) قال: هو يوم بدر. عن أبيّ بن كعب.

وهذا القول الثاني أولى بتأويل الآية، لأنه لا وجه لأن يقال: لا يزالون في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة, أو تأتيهم الساعة; وذلك أن الساعة هي يوم القيامة, فإن كان اليوم العقيم أيضا هو يوم القيامة فإنما معناه ما قلنا من تكرير ذكر الساعة مرّتين باختلاف الألفاظ, وذلك ما لا معنى له. فإذ كان ذلك كذلك, فأولى التأويلين به أصحهما معنى وأشبههما بالمعروف في الخطاب, وهو ما ذكرنا. في معناه.

فتأويل الكلام إذن: ولا يزال الذين كفروا في مرية منه, حتى تأتيهم الساعة بغتة فيصيروا إلى العذاب العقيم, أو يأتيهم عذاب يوم عقيم له، فلا ينظرون فيه إلى الليل ولا يؤخروا فيه إلى المساء, لكنهم يقتلون قبل المساء.

التدبر :

وقفة
[55] ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ يعني يوم بدر، ووصفه بالعقيم لأنه لا ليلة لهم بعده، ولا يوم؛ لأنهم يقتلون فيه.
وقفة
[55] ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ سيظل الكافرون في جدال وشك من هذا القرآن، بسبب ما طبعه الكفر على قلوبهم، ولن يفيقوا حتى تأتيهم الساعة، أو يأتيهم الموت.
وقفة
[55] ﴿حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ قال قتادة: «بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون».
وقفة
[55] ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ من أسماء يوم القيامة: اليوم العقيم، وسمي بذلك لأنه اليوم الذي لا يوم مثله، ولا يوم بعده.
وقفة
[55] العجوز العقيم التي لا ولد لها، والريح العقيم التي لا بركة فيها ولا منفعة، ويوم القيامة عقيم لأنه ليس بعده يوم مثله.
تفاعل
[55] ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا يَزالُ الَّذِينَ:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. يزال: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع اسم «يزال» والجملة الفعلية بعده: صلة الموصول لا محل لها. والفعل «يزال» فعل ناقص من أخوات «كان».
  • ﴿ كَفَرُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ:
  • أي في شك: جار ومجرور متعلق بخبر «يزال» منه: جار ومجرور متعلق بمرية أو بصفة محذوفة منها
  • ﴿ حَتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ:
  • حرف غاية وجر بمعنى: إلى أن: تأتي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وعلامة نصبه الفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الساعة: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الإعراب. و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بلا يزال.
  • ﴿ بَغْتَةً:
  • مصدر في موضع الحال. بتقدير: حتى تباغتهم القيامة بغتة وعلامة نصب الكلمة «بغتة» الفتحة المنونة.
  • ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ:
  • أو: حرف عطف-للتخيير. يأتيهم عذاب: معطوفة على تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ يَوْمٍ عَقِيمٍ:
  • مضاف اليه مجرور بالكسرة. عقيم: صفة-نعت-ليوم مجرورة مثلها بمعنى: لا يعقبه يوم آخر.'

المتشابهات :

الرعد: 31﴿أَفَلَمۡ يَاْيۡ‍َٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ
الحج: 55﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [55] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ حالَ الكافِرينَ أوَّلًا، ثمَّ حالَ المؤمنين ثانيًا؛ عاد إلى شرْحِ حالِ الكافرينَ مرَّةً أخرى، قال تعالى:
﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف