45643444546474849505152535455565758596061

الإحصائيات

سورة ص
ترتيب المصحف38ترتيب النزول38
التصنيفمكيّةعدد الصفحات5.30
عدد الآيات88عدد الأجزاء0.26
عدد الأحزاب0.53عدد الأرباع2.10
ترتيب الطول39تبدأ في الجزء23
تنتهي في الجزء23عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 20/29ص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (43) الى الآية رقم (48) عدد الآيات (6)

جزاءُ صبرِ أيوبَ عليه السلام ، وبعدَ ذكرِ قصَّةِ داودَ وسليمانَ وأيوبَ مفصلاً، ذكرَ إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ وإسماعيلَ واليسعَ وذا الكِفلِ مُجملًا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (49) الى الآية رقم (61) عدد الآيات (13)

بعدَ قصصِ الأنبياءِ السَّابقينَ بَيَّنَ اللهُ جزاءَ المُتَّقينَ في جنَّاتِ النَّعيمِ، وعاقبةَ المشركينَ في نارِ الجحيمِ، ثُمَّ حوارُ أهلِ النَّارِ معَ بعضِهم البَعض.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة ص

العودة إلى الحق دون عناد/ تربية النبي ﷺ على الصبر والتذكير بالقرآن

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • تحدثت السورة عن ثلاثة أنبياء::   سؤال: هل عندما تخطئ تعود إلى الله مرة أخرى؟ أم تتكبر وتصر على رأيك؟
  • • عودة داود::   تحدثت السورة عن ثلاثة أنبياء حصلت أمامهم خصومات أو تسرّعوا في اتخاذ قراراتهم، لكنهم عادوا إلى الحق بسرعة، وهذه العودة إلى الله محمودة؛ لأن المتكبر لا يعود إلى الحق، وإذا رأى نفسه على خطأ فسوف يصر على موقفه عنادًا واستكبارًا، وفي ختام السورة نجد قصة إبليس، الذي كان رمزًا للاستكبار والعناد وعدم العودة إلى الله.
  • • عودة سليمان::   أول قصة ذكرت في السورة هي قصة داوود: ﴿وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (17)، وذات يوم اختصم أمامه خصمان، وقالا له: ﴿فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ﴾ (22)، فتعجّل داوود في الفتوى وحكم لأحدهما، لكن عودته كانت سريعة: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذٰلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـئَابٍ﴾ (24–25).
  • • عودة أيوب::   والقصة الثانية هي قصة سليمان بن داوود عليهما السلام: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَـٰنَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (30)، وترينا الآيات أيضًا سرعة إنابته: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ﴾ (31-32)، فلما رأى أن الخيل ألهته عن ذكر الله حتى غابت الشمس، قال: ﴿رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ﴾ (33)، فقرر ذبح الخيل كلها لهذا السبب. كما ترينا الآيات مشهدًا آخر من مشاهد إنابته عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ﴾ (34).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة ص».
  • • معنى الاسم ::   ص: حرف من الحروف الهجائية أو المقطعة التي ابتدأت بها 29 سورة، منها هذه السورة.
  • • سبب التسمية ::   للافتتاحها بهذا الحرف، وينطق (صاد).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة داود»؛ لاشتمالها على قصته، ولذكر اسمه فيه أكثر مما ذُكِرَ في غيرها، حيث ذُكر 5 مرات.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   العودة إلى الحق دون عناد.
  • • علمتني السورة ::   اعلم أن القرآن تذكرة لك في الدنيا: ﴿ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الخلاف لا يهدم سورَ الأخوَّةِ والحُبِّ أبدًا: ﴿إِنَّ هَـٰذَا أَخِي﴾ (23)؛ فرغمَ الخصومةِ وَصَفه بـ(أَخِي).
  • • علمتني السورة ::   أن علينا أن نقر بحقوق اﻵخرين قبل المطالبة بحقوقنا: ﴿إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي (ص)، وَقَالَ: سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة ص من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • احتوت السورة على السجدة الـ 11 من سجدات التلاوة -بحسب ترتيب المصحف- في الآية (24).
    • أول سورة من السور التي بدأت بالحروف المقطعة تبدأ بحرف واحد، وبعدها: ق بدأت بـ (ق)، والقلم بدأت بـ (ن).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • ألا نستحي من العودة إلى الحق، ولا نعاند.
    • أن نعتبر بالقرونِ الماضيةِ التي أهلكَها اللهُ: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ (3).
    • أن نصبر على أذى من آذانا: ﴿اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (17).
    • أن نتخذ وردًا من التسبيح وغيره من الأذكار في الصباح والمساء: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ (18).
    • أن نحذر اتباع الهوى؛ فهو سبب الضلال والإضلال، ونلزم العدل والحق في حكمنا: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (26).
    • أن نتدبر القرآن؛ ولا نتجاوز آيةً إلَّا وقد عَلِمنا ما فيها من العِلمِ والعملِ، وما لنا وما علينا: ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ (29).
    • أن نحذر أن ننشغل بشيء من الدنيا عن طاعة الله تعالى: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ (32).
    • ألا نتوقف عن نداء ربنا مهـما كان الألم: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ (41).
    • أن نستجيب لأوامر الله فورًا، لا كما فعل إبليس: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (73، 74).
    • ألا نسأل على دعوة الناس إلى الله أجرًا إلا من الله: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ (86).

تمرين حفظ الصفحة : 456

456

مدارسة الآية : [43] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ..

التفسير :

[43] فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله مِن زوجة وولد، وزدناه مثلهم بنين وحفدة، كل ذلك رحمة منَّا به وإكراماً له على صبره، وعبرة وذكرى لأصحاب العقول السليمة؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج وكشف الضر.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} قيل:إن اللّه تعالى أحياهم له{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} في الدنيا، وأغناه اللّه، وأعطاه مالا عظيما{ رَحْمَةً مِنَّا} بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا وآجلا.{ وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي:وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، أن اللّه تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه.

ثم بين- سبحانه- أنه بفضله وكرمه لم يكتف بمنح أيوب الشفاء من مرضه، بل أضاف إلى ذلك أن وهب له الأهل والولد فقال- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ.

والآية الكريمة معطوفة على كلام مقدر يفهم من السياق أى: استجاب أيوب لتوجيهنا، فاغتسل وشرب من الماء، فكشفنا عنه ما نزل به من بلاء، وعاد أيوب معافى، ولم نكتف بذلك بل وهبنا له أهله. ووهبنا له مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أى: بأن رزقناه بعد الشفاء أولادا كعدد الأولاد الذين كانوا معه قبل شفائه من مرضه، فصار عددهم مضاعفا.

وذلك كله رَحْمَةً مِنَّا أى من أجل رحمتنا به وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أى: ومن أجل أن يتذكر ذلك أصحاب العقول السليمة، فيصبروا على الشدائد كما صبر أيوب، ويلجئوا إلى الله- تعالى- كما لجأ، فينالوا منا الرحمة والعطاء الجزيل.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ الجمهور على أنه- تعالى- أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع له من تشتت منهم، وقيل- وإليه أميل- وهبه من كان حيا منهم، وعافاه من الأسقام، وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى بلغ عددهم عدد من مضى، ومثلهم معهم، فكان له ضعف ما كان، والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا .

ولهذا قال تعالى : ( ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ) قال الحسن وقتادة : أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم .

وقوله : ( رحمة منا ) أي : به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته ( وذكرى لأولي الألباب ) أي : لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ (43)

اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك والصواب من القول عندنا فيه في سورة الأنبياء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فتأويل الكلام: فاغتسل وشرب, ففرجنا عنه ما كان فيه من البلاء, ووهبنا له أهله, من زوجة وولد ( وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا ) له ورأفة ( وَذِكْرَى ) يقول: وتذكيرا لأولي العقول, ليعتبروا بها فيتعظوا.

وقد حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني نافع بن يزيد, عن عقيل, عن ابن شهاب, عن أنس بن مالك, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " إنَّ نَبِيَّ الله أيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلاؤهُ ثَمانِيَ عَشْرَة سَنَة, فَرَفَضَه القَرِيبُ وَالبَعِيدُ, إلا رَجُلانِ مِنْ إخْوَانِهِ كانا مِنْ أخَصّ إخْوَانِهِ بِهِ, كَانَا يَغْدُوانِ إلَيْهِ ويَرُوحانِ, فَقالَ أحَدُهُما لِصَاحِبه: تَعْلَم والله لَقَدْ أذْنَبَ أيُّوبُ ذَنْبًا ما أذْنَبَهُ أحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ, قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: ومَا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ الله فَيَكْشِفَ ما بِهِ; فَلَمَّا رَاحا إلَيْهِ لَمْ يَصْبِر الرَّجُلُ حتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ, فقَالَ أيَّوُّبُ: لا أدْرِي ما تَقُولُ, غَيرَ أنَّ الله يَعْلَمُ أنِّي كُنْتُ أمُرُّ على الرُّجُلَيْنِ يَتَنازَعانِ فَيَذْكُرَانِ الله, فَأَرْجِعَ إلى بَيْتِي فَأكفِّرُ عَنْهُما كَرَاهِيَةَ أنْ يُذْكَرَ الله إلا في حَقّ" ; قال: " وكان يَخْرُجُ إلى حاجَتِهِ, فإذَا قَضَاها أمْسَكَت امْرأُتُه بِيَدِهِ حتى يَبْلُغ فَلَما كانَ ذاتَ يَوْمٍ أبْطَأُ عَلَيْها, وأوحِيَ إلى أيُّوب في مَكانِهِ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فاسْتَبطأتَهُ, فَتَلقتهُ تَنْظُرُ, فأقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أذْهَبَ الله ما بِهِ مِنَ البَلاءِ, وَهُوَ عَلى أحْسَنِ ما كانَ . فَلَمَّا رَأتْهُ قَالَتْ: أيْ بارَكَ الله فِيكَ, هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ الله هَذَا المُبْتَلى, فوالله على ذلك ما رَأَيْتُ أحَدًا أشْبَهَ بِهِ منْكَ إذْ كانَ صحيحا؟ قال: فإنّي أنا هُوَ ، قال: وكانَ لَهُ أنْدرَانِ: أنْدَرٌ للْقَمْحِ, وأنْدَرٌ للشَّعِيرِ, فَبَعَثَ الله سَحَابَتَيْنِ, فَلَمَّا كانَتْ إحْداهُما على أنْدَرِ القَمْحِ, أفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حتى فاضَ, وأفرغَتِ الأخْرَى في أنْدَرِ الشَّعِيرِ الوَرِق حتى فاضَ .

" حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال: قال الحسن وقتادة: فأحياهم الله بأعيانهم, وزادهم مثلهم .

حدثني محمد بن عوف, قال: ثنا أبو المغيرة, قال: ثنا صفوان, قال: ثنا عبد الرحمن بن جُبَير, قال: لما ابتُلي نبيّ الله أيوب صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بماله وولده وجسده, وطُرح في مَزْبَلة, جعلت امرأته تخرج تكسب عليه ما تطعمه, فحسده الشيطان على ذلك, وكان يأتي أصحاب الخبز والشويّ الذين كانوا يتصدّقون عليها, فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم, فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها, فالناس يتقذّرون طعامكم من أجل أنها تأتيكم وتغشاكم على ذلك; وكان يلقاها إذا خرجت كالمحزون لمَا لقي أيوب, فيقول: لَجَّ صاحبك, فأبى إلا ما أتى, فوالله لو تكلم بكلمة واحدة لكشف عنه كلّ ضرّ, ولرجع إليه ماله وولده, فتجيء, فتخبر أيوب, فيقول لها: لقيك عدوّ الله فلقنك هذا الكلام; ويلك, إنما مثلك كمثل المرأة الزانية إذا جاء صديقها بشيء قبلته وأدخلته, وإن لم يأتها بشيء طردته, وأغلقت بابها عنه! لما أعطانا الله المال والولد آمنا به, وإذا قبض الذي له منا نكفر به, ونبدّل غيره ! إن أقامني الله من مرضي هذا لأجلدنَّك مئةً, قال: فلذلك قال الله: ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ )

التدبر :

وقفة
[43] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ﴾ بعد البلاء جاء العطاء، عقب كل بلاء تأتي هبة إلهية تليق بك.
وقفة
[43] من صبر على الضر فالله تعالى يثيبه ثوابًا عاجلًا وآجلًا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ﴾.
وقفة
[43] أيوب ابتلاه الله ثم تأخر فرج الله؛ فجازاه الله عن تأخر الاستجابة؛ بما هو أفضل من الشفاء في حينه ﴿ووهبنا له أهله ومثلهم معهم﴾.
وقفة
[43] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا﴾ كلما زادت أسرتك فردًا؛ فقد زاد الله لك رحمة.
وقفة
[43] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا﴾ رحمة منا لا فضلًا منك، فما ترفل فيه من نعم ليس بسبب ذكائك ولا اجتهادك، بل برحمة الله.
وقفة
[43] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا﴾ يأخذ الله منك ما تحب، فتعبده بما يحب، فيرد إليك ما أخذ منك وحبه معه، أنت تتعامل مع الشكور سبحانه.
وقفة
[43] قد يبتلي الله تعالى من يحبه من عباده؛ ليزيد في علو مقامه، ورفعة شأنه ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[43] ﴿رَحْمَةً مِّنَّا﴾ الخير الذي يملأ حياتك ليس منك إنما منه، ليس بذكائك إنما برحمته، ليس بخبرتك إنما بلطفه.
وقفة
[43، 44] بالصبر تنال أضعاف ما فقدته ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ... إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ:
  • الواو استئنافية. وهب: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. له اهله: مفعولا «وهبنا» تعدت الى الاول باللام والى الثاني بنفسها. والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَمِثْلَهُمْ:
  • معطوفة بالواو على مفعولي «وهبنا» منصوبة وعلامة نصبها الفتحة.و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى: واعطيناه له ما كان له من اهل في الدنيا واعطيناه مثل اهله في الآخرة.
  • ﴿ مَعَهُمْ:
  • ظرف مكان منصوب متعلق بمثلهم وهو مضاف يدل على الاجتماع والمصاحبة. و «هم» اعربت
  • ﴿ رَحْمَةً مِنّا:
  • مفعول له-لاجله-منصوب وعلامة نصبه الفتحة. منا: جار ومجرور متعلق بصفة لرحمة. بمعنى: ان هبتنا له كانت للرحمة له.
  • ﴿ وَذِكْرى:
  • معطوفة بالواو على «رحمة» وتعرب اعرابها. ولم تنون لانها ممنوعة من الصرف-التنوين-لانها اسم مقصور رباعي مؤنث وقدرت الفتحة على الالف للتعذر بمعنى: ولتذكير اولي الالباب.
  • ﴿ لِأُولِي الْأَلْبابِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة لذكرى وعلامة جر الاسم الياء لانه ملحق بجمع المذكر السالم. الالباب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.'

المتشابهات :

الأنبياء: 84﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
ص: 43﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     وبعد أن دفعَ اللهُ عنه الضر، واستجابَ لدعائه في نفسه؛ أجابَ دعاءَه في أهله وولده، قال تعالى:
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ ..

التفسير :

[44] وقلنا له:خذ بيدك حُزمة من الحشيش ونحوه، فاضرب بها زوجك إبراراً بيمينك، فلا تحنث؛ إذ أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى. إنا وجدنا أيوب صابراً على البلاء،

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} أي حزمة شماريخ{ فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}

قال المفسرون:وكان في مرضه وضره، قد غضب على زوجته في بعض الأمور، فحلف:لئن شفاه اللّه ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه اللّه، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها اللّه ورحمه، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، فيبر في يمينه.

{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ} أي:أيوب{ صَابِرًا} أي:ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه اللّه تعالى.{ نِعْمَ الْعَبْدُ} الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء.

{ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي:كثير الرجوع إلى اللّه، في مطالبه الدينية والدنيوية، كثير الذكر لربه والدعاء، والمحبة والتأله.

ثم بين- سبحانه- منة أخرى من المنن التي من بها على عبده أيوب فقال: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ، إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.

والجملة الكريمة معطوفة على قوله قبل ذلك: ارْكُضْ أو على وَهَبْنا بتقدير:

وقلنا له.

والضغث في اللغة: القبضة من الحشيش اختلط فيها الرطب باليابس. وقيل: هي قبضة من عيدان مختلفة يجمعها أصل واحد.

والحنث: يطلق على الإثم وعلى الخلف في اليمين.

والآية الكريمة تفيد أن أيوب- عليه السلام- قد حلف أن يضرب شيئا وأن عدم الضرب يؤدى إلى حنثه في يمينه، أى: إلى عدم وفائه فيما حلف عليه، فنهاه الله- تعالى- عن الحنث في يمينه، وأوجد له المخرج الذي يترتب عليه البر في يمينه دون أن يتأذى المضروب بأى أذى يؤلمه.

وقد ذكروا فيمن وقع عليه الضرب وسبب هذا الضرب، روايات لعل أقربها إلى الصواب، أن أيوب أرسل امرأته في حاجة له فأبطأت عليه، فأقسم أنه إذا برىء من مرضه ليضربنها مائة ضربة، وبعد شفائه رخص له ربه أن يأخذ حزمة صغيرة- وهي المعبر عنها بالضغث- وبها مائة عود، ثم يضرب بها مرة واحدة، وبذلك يكون قد جمع بين الوفاء بيمينه، وبين الرحمة بزوجته التي كانت تحسن خدمته خلال مرضه، وتقوم بواجبها نحوه خير قيام. والمعنى: وهبنا له بفضلنا ورحمتنا أهله ومثلهم معهم، وقلنا له بعد شفائه خذ بيدك حزمة صغيرة من الحشيش فيها مائة عود، فاضرب بها من حلفت أن تضربه مائة ضربة، وبذلك تكون غير حانث في يمينك.

هذا وقد تكلم العلماء عن هذه الرخصة. أهي خاصة بأيوب، أم هي عامة للناس؟.

فقال بعضهم: إذا حلف الشخص أن يضرب فلانا مائة جلدة، أو أن يضربه ضربا غير شديد، فيكفيه مثل هذا الضرب المذكور الذي جاء في الآية لأن شرع من قبلنا شرع لنا.

وقال آخرون: هذه الرخصة خاصة بأيوب- عليه السلام- ولا تنسحب إلى غيره، لأن الخطاب إليه وحده. ولأن الله- تعالى- لم يبين لنا في الآية كيفية اليمين، ولا من يقع عليه الضرب .

ثم بين- سبحانه- أنه جعل لعبده أيوب هذا المخرج لصبره وكثرة رجوعه إلى ما يرضيه- تعالى- فقال: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.

أى: إنا وجدنا عبدنا أيوب صابرا على ما أصبناه به من بلاء، ونعم العبد هو. إنه كثير الرجوع إلينا في كل أحواله.

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لنا جانبا من فضائل أيوب- عليه السلام- ومن النعم التي أنعم الله- تعالى- بها عليه جزاء صبره وطاعته لربه.

وبعد أن عرض- سبحانه- قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل. أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال، فقال- تعالى-:

وقوله : ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ) وذلك أن أيوب - عليه السلام - كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته . قيل : [ إنها ] باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة . وقيل : لغير ذلك من الأسباب . فلما شفاه الله وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله - عز وجل - أن يأخذ ضغثا - وهو : الشمراخ - فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة وقد برت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه ولهذا قال تعالى : ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه ( نعم العبد إنه أواب ) أي : رجاع منيب ولهذا قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) [ الطلاق : 2 ، 3 ]

وقد استدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها وأخذوها بمقتضاها [ ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك ، وقالوا : لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب - عليه السلام - فلذلك رخص له في ذلك ، وقد أغنى الله هذه الأمة بالكفارة ]

وقوله ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) يقول: وقلنا لأيوب: خذ بيدك ضغثا, وهو ما يجمع من شيء مثل حزمة الرُّطْبة, وكملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق; ومنه قول عوف بن الخَرِع:

وأسْــفَل مِنِّـي نَهْـدَةٌ قَـدْ رَبَطْتُهـا

وألْقَيْـتُ ضِغْثـا مِـن خَـلا متَطَيِّـبِ (1)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثني عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية عن عليّ عن ابن عباس, قوله ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) يقول: حُزْمة.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) قال: أمر أن يأخذ ضغثا من رطبة بقدر ما حلف عليه فيضرب به.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن يمان, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, في قوله ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) قال: عيدانا رطبة.

حدثنا أبو هشام الرفاعيّ, قال: ثنا يحيى, عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر, عن أبيه, عن مجاهد, عن ابن عباس ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) قال: هو الأثْل.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) .. الآية, قال: كانت امرأته قد عَرَضت له بأمر, وأرادها إبليس على شيء, فقال: لو تكلمت بكذا وكذا, وإنما حملها عليها الجزع, فحلف نبي الله: لِئن الله شفاه ليجلِدنَّها مئة جلدة; قال: فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبا, والأصل تكملة المِئَة, فضربها ضربة واحدة, فأبرّ نبيُّ الله, وخَفَّفَ الله عن أمَتِهِ, والله رحيم.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) يعني: ضِغْثا من الشجر الرَّطْب, كان حلف على يمين, فأخذ من الشجر عدد ما حلف عليه, فضرب به ضَرْبة واحدة, فبرّت يمينه, وهو اليوم في الناس يمين أيوب, من أخذ بها فهو حسن.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) قال: ضِغْثا واحدا من الكلأ فيه أكثر من مِئَة عود, فضرب به ضربة واحدة, فذلك مِئَة ضربة.

حدثني محمد بن عوف, قال: ثنا أبو المغيرة, قال: ثنا صفوان, قال: ثنا عبد الرحمن بن جُبَير ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ ) يقول: فاضرب زوجتك بالضِّغْث, لتَبرّ في يمينك التي حلفت بها عليها أن تضربها( وَلا تَحْنَثْ ) يقول: ولا تحنَثْ في يمينك.

وقوله ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ ) يقول: إنا وجدنا أيوب صابرا على البلاء, لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة الله, والدخول في معصيته ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) يقول: إنه على طاعة الله مقبل, وإلى رضاه رجَّاع.

-----------------------------

الهوامش :

(1) ‌البيت لعوف بن الخرع (مجاز القرآن لأبى عبيدة الورقة 215 - ب) ويؤيد أنه في معجم الشعراء : عوف بن عطية بن الخرع ، وكذا في التاج . قال أبو عبيدة عند تفسير قوله تعالى :" وخذ بيدك ضعثا : وهو ملء الكف من الشجر أو الحشيش والشماريخ وما أشبه ذلك ، قال عوف بن الخرع :" واسفل منى ... البيت" . وفي اللسان : وفرس نهد جسيم مشرف وقيل النهد الضخم القوى والأنثى نهدة . والخلا : الرطب من الحشيش ( مثل البرسيم ، أو هو البرسيم ) .

التدبر :

وقفة
[44] ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ حفظ الله وفاءها لزوجها، وأرشد أيوب إلى صورة يتحقق بها التعظيم لليمين، مع حفظ كرامة المؤمنة الصابرة، يشجيني لطف الله بعباده الأخفياء.
وقفة
[44] ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ نزل الوحي من أجل حماية زوجة وفية، كن وفيًّا يحفظك الله.
وقفة
[44] ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ في الآيات دليل على أن للزوج أن يضرب امرأته تأديبًا ضربًا غير مبرح؛ فأيوب عليه السلام حلف على ضرب امرأته ففعل.
وقفة
[44] ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ يستطيع سبحانه أن يغفر له يمينه دون دلالته على طريقة الإيفاء، ولكنه أرادها رحمة لعامة خلقه.
عمل
[44] تذكر يمينًا أقسمته وحاول أن تبر به؛ تعظيمًا لأمر الله ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾.
وقفة
[44] ضرب المرأة الناشز ثابت عن نبي الله أيوب عليه السلام نية وفعلًا ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾.
وقفة
[44] ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ وذلك أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثًا، وهو الشمراخ فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد برت يمينه وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه.
وقفة
[44] ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ الصابر يجعل الله ﷻ له مخرجًا حتى من يمينه، فكيف بما هو أعظم من ذلك.
عمل
[44] تذكر قضية صبرت عليها واسأل الله أن يجعل صبرك عبادة لله في ميزان حسناتك ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾.
وقفة
[44] رحمة الله بالمحسنين وعفوه عنهم إذا زلُّوا ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾.
وقفة
[44] عند المضايق يفتح لك صبرك أبوابًا من الفرج ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾.
وقفة
[44] ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ وأنت كيف وجدك الله عند البلاء؟
وقفة
[44] ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ يمن الله على العبد بأكثر مما فقد إذا صبر واحتسب.
وقفة
[44] بلاء يعقبه بلاء، يعقبه بلاء، يعقبه بلاء، لكن النتيجة: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾، فاصبر تكسب.
اسقاط
[44] ‏قال الله عز وجل عن أيوب لمَّا ابتلاه: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ يا ترى كيف سيجدنا ربنا عند البلاء؟
عمل
[44] كل بلاء ينزل بك كابده بالصبر، فإن ضعفت فتذكر شهادة: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾؛ لتهون عليك وخزات العذاب.
وقفة
[44] إذا هزتك زلازل الكروب ونهشت قلبك الأحداث فهذا هو المحك، وهو موضع اصطفاء الصابرين ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ﴾، اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين.
وقفة
[44] ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ لو لم يجد الصابر على صبره إلا ثناء الله عليه؛ لكفاه.
وقفة
[44] ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ من لم يصبر على الابتلاء؛ فإنه بئس العبد!
عمل
[44] ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ لو كان هذا الثناء من أمير أو وزير لطرت به فرحًا، فكيف وهو ثناء رب العالمين! أبشروا معشر الصابرين.
وقفة
[44] قال تعالى في الثناء على أيوب ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ فأطلق عليه: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ بكونه وجده صابرًا، وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي، فإنه: بئس العبد.
وقفة
[44] أثنى الله سبحانه على عبده أيوب أجل الثناء وأجمله لصبره ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
وقفة
[44] ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ أي ثابت في الصبر لله تعالى، ثم أثنى الله تعالى بأرقى أساليب المدح فقال: ﴿نعم العبد إنه أواب﴾.
وقفة
[44] في الوقت المناسب؛ ستأتيك الأمنيات المؤجله لترسم في قلبك فرحًا مختومًا بقوله تعالى: ﴿إنّا وجدناهٌ صابرًا نِعم العبد إنه أوّاب﴾.
وقفة
[44] ﴿نِّعْمَ الْعَبْدُ﴾ إن قلبك ليأنس لشخص قال عنه من تثق فيه: هو نعم الرجل، فكيف بمن قال عنه الجبار: نعم العبد؟!
وقفة
[44] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾، ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [العنكبوت: 58]، ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ﴾ [الكهف: 31]، ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24]، لا يزال الله (يثني) و(يمدح).
وقفة
[44] ﴿نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾ الأفضلية عند ربك تنالها بكونك كثير التوبة والإنابة والرجوع إليه
وقفة
[44] ﴿نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾ تأملوا: العبودية الحقة لله هى طريق رضاه عنا.
وقفة
[44] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ميزةٌ في نبي الله أيوب مدحه الله تعالى وأثنى عليه فيها؛ أنه كثير الرجوع والإنابة إليه.
وقفة
[44] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ذكرها الله في موضعين: في سليمان الملك، وأيوب الصابر.
وقفة
[44] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ يفرح العبد بمدح الناس، فكيف إذا مدحه الرحمن سبحانه! اللهمَّ لا تحرمنا فضلك.
عمل
[44] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ مهما ابتعدت عن الله؛ ثق تمامًا أنه سيفرح بعودتك إليه، فسبحان من لا ملجأ منه إلا إليه!
وقفة
[44] سورة ص فيها دعوة للناس للإنابة إلى الله تعالى في السراء والضراء كما أناب الأنبياء لله، في سورة ص نبي الله داوود وصفه إنه أواب، وقال عن سليمان إنه أواب، وقال عن أيوب: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، فيها دعوة للإنابة إلى الله، وأعظم إنابة إلى الله تكون بتحقيق توحيد الله، والإقبال على عبادة الله تعالى، فجاءت سورة الزمر تقرر هذا المبدأ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُون﴾ [الزمر: 54].
وقفة
[44] قال سفيان بن عيينة: «إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان عليه السلام مع العافية التي كان فيها: ﴿ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ﴾ [30]، ووجدت صفة أيوب عليه السلام مع البلاء الذي كان فيه: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، فاستوت الصفتان، وهذا معافى، وهذا مبتلى، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر، فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إليَّ من البلاء مع الصبر».

الإعراب :

  • ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ:
  • معطوفة بالواو على «اركض» وتعرب اعرابها. بيدك: جار ومجرور متعلق بخذ والكاف ضمير-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. فاضرب به: تعرب اعراب خُذْ بِيَدِكَ» لانها معطوفة عليها بالفاء. بمعنى: وخذ بيدك حزمة صغيرة من الحشيش. وحذف مفعول «اضرب» تقديره فاضرب به امرأتك. لان كتب التفسير قد ذكرت ان ايوب قد حلف ليضربن امرأته مائة سوط‍ فقال له الله تعالى خذ حزمة فيها مائة عود واضربها بها ضربة فلا تقع يمينك.
  • ﴿ وَلا تَحْنَثْ:
  • الواو سببية او تكون عاطفة بمعنى اعمل بذلك ولا تخلف يمينك. لا: ناهية جازمة. تحنث: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».وجد: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل نصب مفعول به اول. صابرا: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة وَجَدْناهُ صابِراً» في محل رفع خبر «ان» بمعنى: علمناه صابرا.
  • ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ:
  • اعربت في الآية الكريمة الثلاثين. والمخصوص بالمدح هنا مستغنى عنه لان ما قبله يدل عليه. التقدير: نعم العبد ايوب انه اواب.'

المتشابهات :

ص: 17﴿اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ
ص: 30﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ
ص: 44﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ ما مَنَّ به على أيوب عليه السلام؛ ذكرَ هنا منة أخرى، وهي أنه رخص له في تحلة يمينه، قال تعالى:
﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [45] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ ..

التفسير :

[45] واذكر -أيها الرسول- عبادنا وأنبياءنا:إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فإنهم أصحاب قوة في طاعة الله، وبصيرة في دينه.

يقول تعالى:{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا} الذين أخلصوا لنا العبادة ذكرا حسنا،{ إِبْرَاهِيمَ} الخليل{ و} ابنه{ إِسْحَاقَ وَ} ابن ابنه{ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي} أي:القوة على عبادة اللّه تعالى{ وَالْأَبْصَارَ} أي:البصيرة في دين اللّه. فوصفهم بالعلم النافع، والعمل الصالح الكثير.

أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- حال عبادنا إبراهيم وإسحاق، ويعقوب. أصحاب القوة في الطاعة، وأصحاب البصيرة المشرقة الواعية في أمور الدين.

فالأيدى مجاز مرسل عن القوة، والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة على سبيل المجاز- أيضا- ويصح أن يكون المراد بقوله: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ أى: أصحاب الأعمال الجليلة، والعلوم الشريفة، فيكون ذكر الأيدى من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، والأبصار بمعنى البصائر، لأن عن طريقها تكون العلوم النافعة.

قال صاحب الكشاف: قوله: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ يريد: أولى الأعمال والفكر، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون في الله، ولا يفكرون أفكار ذوى الديانات، ولا يستبصرون، كأن هؤلاء في حكم الزمنى- أى المرضى- الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم. والمسلوبى العقول الذين لا استبصار بهم. وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين في دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل، مع كونهم متمكنين منهما

يقول تعالى مخبرا عن فضائل عباده المرسلين وأنبيائه العابدين : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) يعني بذلك : العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة والبصيرة النافذة .

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( أولي الأيدي ) يقول : أولي القوة ) والأبصار ) يقول : الفقه في الدين .

وقال مجاهد : ( أولي الأيدي ) يعني : القوة في طاعة الله ) والأبصار ) يعني : البصر في الحق .

وقال قتادة والسدي : أعطوا قوة في العبادة وبصرا في الدين .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ (45)

اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( عِبَادِنَا ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار: ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا ) على الجماع غير ابن كثير, فإنه ذكر عنه أنه قرأه: " واذكر عبدنا " على التوحيد, كأنه يوجه الكلام إلى أن إسحاق ويعقوب من ذرّية إبراهيم, وأنهما ذُكِرا من بعده.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن عطاء, سمع ابن عباس يقرأ: " واذكر عبدنا إن إبراهيم " قال: إنما ذكر إبراهيم, ثم ذُكِر ولده بعده.

والصواب عنده من القراءة في ذلك, قراءة من قرأه على الجماع, على أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب بيان عن العباد, وترجمة عنه, لإجماع الحجة من القرّاء عليه.

وقوله ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) ويعني بالأيدي: القوّة, يقول: أهل القوّة على عبادة الله وطاعته. ويعني بالأبصار: أنهم أهل أبصار القلوب, يعني به: أولى العقول (2) للحقّ.

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم في ذلك نحوًا مما قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( أُولِي الأيْدِي ) يقول: أولي القوّة والعبادة, والأبْصَارِ يقول: الفقه في الدين.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: فضِّلوا بالقوّة والعبادة.

حدثني محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن منصور أنه قال في هذه الآية ( أُولِي الأيْدِي ) قال: القوّة.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بَزّة, عن مجاهد, في قوله ( أُولِي الأيْدِي ) قال: القوّة في أمر الله.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد ( أُولِي الأيْدِي ) قال: الأيدي: القوّة في أمر الله,( وَالأبْصَارَ ) : العقول.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: القوّة في طاعة الله,( وَالأبْصَارَ ) : قال: البصر في الحقّ.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) يقول: أعطوا قوة في العبادة, وبصرًا في الدين.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: الأيدي: القوّة في طاعة الله, والأبصار: البصر بعقولهم في دينهم.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: الأيدي: القوّة, والأبصار: العقول.

فإن قال لنا قائل: وما الأيدي من القوّة, والأيدي إنما هي جمع يد, واليد جارحة, وما العقول من الأبصار, وإنما الأبصار جمع بصر؟ قيل: إن ذلك مثل, وذلك أن باليد البطش, وبالبطش تُعرف قوّة القويّ, فلذلك قيل للقويّ: ذو يَدٍ; وأما البصر, فإنه عنى به بصر القلب, وبه تنال معرفة الأشياء, فلذلك قيل للرجل العالم بالشيء: يصير به. وقد يُمكن أن يكون عَنى بقوله (أُولِي الأَيْدِي) : أولي الأيدي عند الله بالأعمال الصالحة, فجعل الله أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا أيديا لهم عند الله تمثيلا لها باليد, تكون عند الرجل الآخر.

وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرؤه: " أولى الأيدِ" بغير ياء, وقد يُحتمل أن يكون ذلك من التأييد, وأن يكون بمعنى الأيدي, ولكنه أسقط منه الياء, كما قيل: يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ .

التدبر :

وقفة
[45] ﴿واذكر عبدنا﴾ [41]، ﴿واذكر عبادنا﴾ مع أنهم أنبياء إلا أن الله اختار لهم وصف العبودية! هل علمت قيمة الألقاب؟ فعلام تهرع لها؟
وقفة
[45] ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ الأيد: جمع يد؛ وذلك عبارة عن قوتهم في الأعمال الصالحات، وإنما عبر عن ذلك بالأيدي؛ لأن الأعمال أكثر ما تعمل بالأيدي، وأما الأبصار فعبارة عن قوة فهمهم، وكثرة علمهم؛ من قولك: أبصر الرجل إذا تبينت له الأمور.
وقفة
[45] ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ أكمل الأحوال: اجتماع القوة والبصيرة، فما تفيد القوة بغير بصيرة، وما تنفع البصيرة من غير قوة؟!
وقفة
[45] ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ توبيخ لمن قصَّر في تحصيل القوة في العبادة بالمجاهدة، والبصيرة في الدين بالتفكر والمدارسة، مع قدرته عليهما.
وقفة
[45] ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ الأيدي: القوة على إظهار الحق وتنفيذ أمر الله وإعلاء كلمته، وهذا دليل على وجوب تولية صاحب القوة، وتقديمه على الضعيف، إذا استويا في الدين.
وقفة
[45] ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ قال ابن القيم: «وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام، فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق وأكرمهم على الله تعالى (أصحاب القوة والبصيرة). القسم الثاني: عكس هؤلاء، من لا بصيرة له في الدين، ولا قوة على تنفيذ الحق، وهم أكثر هذا الخلق. القسم الثالث: من له بصيرة بالحق ومعرفة به، لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة إليه، وهذا حال المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه. القسم الرابع: من له قوة وهمة وعزيمة، لكنه ضعيف البصيرة في الدين، لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين، ولا هو موضع لها سوى القسم الأول».
وقفة
[45] من جمع الله له قوة البدن وقوة الإيمان فقد بلغ الغاية ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَاُذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ
  • هذه الآية الكريمة تعرب اعراب الآية الكريمة السابعة عشرة وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ» و إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ» اسماء معطوفة عطف بيان لعبادنا.أولي: صفة-نعت-للاسماء الثلاثة منصوبة ايضا وعلامة نصبها الياء لانها ملحقة بجمع المذكر السالم. والابصار: معطوفة بالواو على «الايدي» مجرورة مثلها بالاضافة بمعنى: اصحاب الاعمال والفكر او اصحاب القوة في الطاعة والبصائر في الدين. وعلامة جر «الابصار»: الكسرة الظاهرة على آخره.'

المتشابهات :

البقرة: 133﴿قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ
البقرة: 136﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ
البقرة: 140﴿أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ
آل عمران: 84﴿قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ
النساء: 163﴿وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا
يوسف: 38﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ
ص: 45﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     وبعد أن عرضَ اللهُ قصص ثلاثة من الأنبياء: داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل؛ أتبع ذلك بالحديث عن ثلاثة من الأنبياء على سبيل الإجمال؛ ليتأسى بهم النَّبي صلى الله عليه وسلم أيضًا في الصبر على البلاء، وهم: إبراهيم، وابنه إسحاق، وحفيده يعقوب، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عبادنا:
1- على الجمع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- عبدنا، على الإفراد، وهى قراءة ابن عباس، وابن كثير، وأهل مكة،.
الأيدى:
1- الأيدى، بالياء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- الأيد، بغير ياء، وهى قراءة عبد الله، والحسن، وعيسى، والأعمش.
3- الأيادى، جمع الجمع.

مدارسة الآية : [46] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ

التفسير :

[46] إنا خصصناهم بخاصة عظيمة، حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لها بطاعتنا، ودعوا الناس إليها، وذكَّروهم بها.

{ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} عظيمة، وخصيصة جسيمة، وهي:{ ذِكْرَى الدَّارِ} جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، والعمل لها صفوة وقتهم، والإخلاص والمراقبة للّه وصفهم الدائم، وجعلناهم ذكرى الدار يتذكر بأحوالهم المتذكر، ويعتبر بهم المعتبر، ويذكرون بأحسن الذكر.

ثم بين- سبحانه- أسباب وصفهم بتلك الأوصاف الكريمة، فقال- تعالى-: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ....

ومعنى: أَخْلَصْناهُمْ خالصين لطاعتنا وعبادتنا. والباء في قوله بِخالِصَةٍ للسببية. وخالصة اسم فاعل. والتنوين فيها للتفخيم، وهي صفة لمحذوف.

وذِكْرَى الدَّارِ بيان لها بعد إبهامها للتفخيم. أو محلها النصب بإضمار أعنى.. أو الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى: هي.

وذِكْرى مصدر مضاف لمفعوله، وتعريف الدار للعهد. أى: الدار الآخرة.

والمعنى: إنا جعلنا هؤلاء العباد- وهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب- خالصين لطاعتنا وعبادتنا، متبعين لأوامرنا ونواهينا، لا تصافهم بخصلة خالصة من كل ما لا يرضينا، وهي تذكرهم للدار الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب.

وقرأ نافع بِخالِصَةٍ بدون تنوين على الإضافة لذكرى. من إضافة الصفة إلى الموصوف. أو المصدر لفاعله إن جعلت خالصة مصدرا كالعاقبة.

أى: أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار.

( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) قال مجاهد : أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هم غيرها . وكذا قال السدي : ذكرهم للآخرة وعملهم لها .

وقال مالك بن دينار : نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها . وكذا قال عطاء الخراساني .

وقال سعيد بن جبير : يعني بالدار الجنة يقول : أخلصناها لهم بذكرهم لها وقال في رواية أخرى : ( ذكرى الدار ) عقبى الدار .

وقال قتادة : كانوا يذكرون الناس الدار الآخرة والعمل لها .

وقال ابن زيد : جعل لهم خاصة أفضل شيء في الدار الآخرة.

وقوله عَزّ وجلّ: ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ) يقول تعالى ذكره: إنا خصصناهم بخاصة: ذكر الدار.

واختلف القرّاء في قراءة قوله ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة: " بخالصة ذكرى الدار " بإضافة خالصة إلى ذكرى الدار, بمعنى: أنهم أخلصوا بخالصة الذكرى, والذكرى إذا قُرئ كذلك غير الخالصة, كما المتكبر إذا قُرئ: عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ بإضافة القلب إلى المتكبر, هو الذي له القلب وليس بالقلب. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق: ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) بتنوين قوله ( خَالِصَةً ) وردّ ذكرى عليها, على أن الدار هي الخالصة, فردّوا الذكر وهي معرفة على خالصة, وهي نكرة, كما قيل: لشرّ مآب: جهنم, فرد جهنم وهي معرفة على المآب وهي نكرة.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قَرَأَة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقد اختلف أهل التأويل, في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: إنا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدار: أي أنهم كانوا يذَكِّرون الناس الدار الآخرة, ويدعونهم إلى طاعة الله, والعمل للدار الآخرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال: بهذه أخلصهم الله, كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله.

وقال آخرون: معنى ذلك أنه أخلصهم بعملهم للآخرة وذكرهم لها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن الحسن الأزدي, قال: ثنا يحيى بن يمان, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال: بذكر الآخرة فليس لهم همّ غيرها.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال: بذكرهم الدار الآخرة, وعملهم للآخرة.

وقال آخرون: معنى ذلك: إنا أخلصناهم بأفضلِ ما في الآخرة; وهذا التأويل على قراءة من قرأه بالإضافة. وأما القولان الأوّلان فعلى تأويل قراءة من قرأه بالتنوين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " قال: بأفضل ما في الآخرة أخلصناهم به, وأعطيناهم إياه; قال: والدار: الجنة, وقرأ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ قال: الجنة, وقرأ: وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ قال: هذا كله الجنة, وقال: أخلصناهم بخير الآخرة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: خالصة عُقْبَى الدار.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن شريك, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جُبَير ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قال: عُقبى الدار.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: بخالصة أهل الدار.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن ابن أبي زائدة, عن ابن جُرَيج, قال: ثني ابن أبي نجيح, أنه سمع مجاهدا يقول: ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) هم أهل الدار; وذو الدار, كقولك: ذو الكلاع, وذو يَزَن.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يتأوّل ذلك على القراءة بالتنوين ( بِخَالِصَةٍ ) عمل في ذكر الآخرة.

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك على قراءة من قرأه بالتنوين أن يقال: معناه: إنا أخلصناهُمْ بخالصة هي ذكرى الدار الآخرة, فعملوا لها في الدنيا, فأطاعوا الله وراقبوه; وقد يدخل في وصفهم بذلك أن يكون من صفتهم أيضا الدعاء إلى الله وإلى الدار الآخرة, لأن ذلك من طاعة الله, والعمل للدار الآخرة, غير أن معنى الكلمة ما ذكرت. وأما على قراءة من قرأه بالإضافة, فأن يقال: معناه: إنا أخلصناهم بخالصة ما ذكر في الدار الآخرة; فلمَّا لم تُذْكر " في" أضيفت الذكرى إلى الدار كما قد بيَّنا قبل في معنى قوله لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وقوله بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ

------------------

الهوامش :

(2) لعل العبارة قد سقط منهما كلمة" والأبصار" . كما يفهم مما قبله ، ومما يجيء .

التدبر :

وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ في النفس أخلاق وحشية لا يروضها إلا ذكر الدار الآخرة، وفيها دسائس لا يحرقها إلا التفكر في جهنم.
عمل
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ كن في طريق الذين اصطفاهم الله، قال قتادة: «بهذه أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة».
وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ أكثر الخلق ذكرًا للآخرة الأنبياء، فمن يلونهم الأمثل فالأمثل.
وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ قال مالك بن دينار: «نزع الله تعالى من قلوبهم حب الدنيا وذكرها، وأخلصهم بحب الأخرة وذكرها»، اللهم اجعلنا على خطاهم.
وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ والمراد أنهم استغرقوا في ذكرى الدار الآخرة، وبلغوا في هذا الذكر أعلاه، إلى حيث نسوا الدنيا.
وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ تذكير الناس بالدار الآخرة والعمل لها من أعظم القربات.
وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ أي: أعطيناهم عطية خالصة من دون الناس؛ هي تذكر الدار الآخرة، أحبهم فأعطاهم أفضل عطاياه.
وقفة
[46] ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ قال مجاهد: «جعلناهم يعملون للآخرة، ليس لهم هم غيرها».
عمل
[46] لتكن الآخرة على بالك كل حين، فذلك أصفى لقلبك من علائق الدنيا، وهي من علامات الأخيار ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾.
وقفة
[46] يا له من شرف! ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾، قال قتادة: «كانوا يُذكِّرون الناس الدار الآخرة والعمل لها».
وقفة
[46] من أعظم منن الله على عبده أن يملأ قلبه من ذكر الآخرة حتى لا تفارقه، وهكذا امتن ربنا على الخليل وابنه وحفيده ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾.
تفاعل
[46] اسأل الله ألَّا يجعل الدنيا أكبر همك ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾.
وقفة
[46] يا له من شرف! قال تعالى عن خيار رسله: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾، تذكُّر الدار الآخرة والتذكير بها، والعمل لها؛ من نعم الله الخالصة على أوليائه المصطفين الأخيار.
وقفة
[46] ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ [السجدة: 14] المؤمن يتذكَّر الآخرة، فإذا رأى حرَّ الدنيا تذكر نار الآخرة، وإذا سمع باختبار الدنيا تذكر اختبار الآخرة، وهكذا شأن الأخيار ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾.
وقفة
[46، 47] الغالبية تعيش لحظتها وكأنها السرمد ولا تفكر في العواقب، ولذا مدح الله أنبياءه ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنّا أَخْلَصْناهُمْ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».اخلص: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» الضمير المتصل المبني على السكون في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. وجملة «اخلصناهم» في محل رفع خبر «ان» بمعنى: جعلناهم خالصين.
  • ﴿ بِخالِصَةٍ:
  • جار ومجرور متعلق بأخلصناهم. بمعنى: بخصلة خالصة لا شوب فيها.
  • ﴿ ذِكْرَى الدّارِ:
  • ذكرى: بدل من «خالصة» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الالف للتعذر. الدار: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اي فسر خالصة بذكرى الدار شهادة لذكرى الدار بالخلوص والصفاء. اي اخلصناهم بسبب هذه الخصلة وجعلناهم من أهل الدار الآخرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     ولَمَّا أثنى اللهُ على هؤلاء الأنبياء؛ علَّلَ هنا ما وصفهم به من فاضل الصفات وجليل المدح، قال تعالى:
﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بخالصة:
قرئ:
1- بغير تنوين، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وهشام.
2- بالتنوين، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بخالصتهم، وهى قراءة الأعمش، وطلحة.

مدارسة الآية : [47] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ

التفسير :

[47] وإنهم عندنا لمن الذين اصطفيناهم لرسالتنا، واخترناهم لطاعتنا.

{ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} الذين اصطفاهم اللّه من صفوة خلقه،{ الْأَخْيَارِ} الذين لهم كل خلق كريم، وعمل مستقيم.

ثم أثنى عليهم- سبحانه- بثناء آخر فقال: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ.

أى: وإن هؤلاء العباد، لهم عندنا ممن اصطفيناهم لحمل رسالتنا، واخترناهم لتبليغ دعوتنا. ومن العباد الأخيار. أى: الذين يفضلون على غيرهم في المناقب الحميدة، والصفات الكريمة. جمع خير- بإسكان الياء- أفعل تفضيل.

وقوله : ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) أي : لمن المختارين المجتبين الأخيار فهم أخيار مختارون .

وقوله (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ) يقول: وإن هؤلاء الذين ذكرنا عندنا لمن الذين اصطفيناهم لذكرى الآخرة الأخيار, الذين اخترناهم لطاعتنا ورسالتنا إلى خلقنا.

التدبر :

وقفة
[47] ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ استدل الهروي بهذه الآية على منزلة الصفاء، فقال: «أو حقيقتها: التأدب بآداب رسول الله باطنًا وظاهرًا، والوقوف معه حيث وقف بك، والمسير معه حيث سار بك، بحيث تجعله بمنزلة شيخك الذي قد ألقيت إليه أمرك كله سره وظاهره، واقتديت به في جميع أحوالك، ووقفت مع ما يأمرك به، فلا تخالفه ألبتة، وإذا أخبرك عن شيء أنزلته منزلة ما تراه بعينك، وإذا أخبرك عن الله بخبر أنزلته منزلة ما تسمعه من الله بأذنك».
وقفة
[47] ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ أن نكون من أهل الخير، فهذا اصطفاء من الله وانتقاء، فاحمد الله عليه.
وقفة
[47] ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ قال الرازي: «واحتج العلماء بهذه الآية في إثبات عصمة الأنبياء، قالوا: لأنه تعالى حكم عليهم بكونهم أخيارًا على الإطلاق، وهذا يعم حصول الخيرية في جميع الأفعال والصفات».

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنَّهُمْ:
  • الواو عاطفة. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسمها.
  • ﴿ عِنْدَنا:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بخبر «ان» وهو مضاف.و«نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة والظرف متعلق بالمصطفين.
  • ﴿ لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-.من المصطفين: جار ومجرور في محل رفع خبر «ان» وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. والكلمة اسم مفعول ولهذا فتحت الفاء-الحرف ما قبل الآخر
  • ﴿ الْأَخْيارِ:
  • صفة-نعت-للمصطفين مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة بمعنى لمن المختارين من ابناء جنسهم الخيرين'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ على هؤلاء الأنبياء؛ أثنى عليهم هنا بثناء آخر، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [48] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ..

التفسير :

[48] واذكر -أيها الرسول- عبادنا:إسماعيل، واليسع، وذا الكفل، بأحسن الذكر؛ إنَّ كُلّاً منهم من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال والصفات.

أي:واذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر، وأثن عليهم أحسن الثناء، فإن كلا منهم من الأخيار الذين اختارهم اللّه من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال، من الأعمال، والأخلاق، والصفات الحميدة، والخصال السديدة.

ثم أثنى- سبحانه- على عدد آخر من عباده الصالحين فقال: وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ.

وإسماعيل هو ابن إبراهيم- عليهما السلام-، ولم يذكر فيما سبق مع أبيه ومع أخيه إسحاق، ومع ابن أخيه يعقوب، اعتناء بشأنه، وللإشارة إلى عراقته في الصبر وفي تحمل الشدائد.

واليسع: هو ابن شافاط أو أخطوب: قيل استخلفه إلياس من بعده على بنى إسرائيل، ثم منحه الله- تعالى- النبوة. وكانت وفاته في حوالى سنة 840 ق. م ودفن بالسامرة.

وذا الكفل: هو ابن أيوب. بعثه الله- تعالى- بعد أبيه، وكان مقيما بالشام. والأكثرون على أنه نبي لذكره معهم.

وقيل هو رجل صالح من بنى إسرائيل. ولم يكن نبيا، وسمى بذلك لأنه تكفل لأحد أنبيائهم بالقيام بالطاعات فوفى بذلك.

والتنوين في قوله- تعالى-: وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ عوض عن المضاف إليه. أى:

وكل هؤلاء العباد الذين ذكرناهم، من أهل الخير والفضل والصلاح والصبر على الأذى.

ثم عقبت السورة الكريمة على ذلك، بعقد مقارنة بين عاقبة المؤمنين الصادقين، وعاقبة الكافرين الجاحدين، وذكرت جانبا مما يدور بين أهل النار من مجادلات.. فقال- تعالى-:

وقوله : ( واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ) قد تقدم الكلام على قصصهم وأخبارهم مستقصاة في سورة " الأنبياء " بما أغنى عن إعادته هاهنا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ (48)

يقول تعالى ذكره لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: واذكر يا محمد إسماعيل واليسع وذا الكفل, وما أبلوا في طاعة الله, فتأسَّ بهم, واسلك منهاجَهم في الصبر على ما نالك في الله, والنفاذ لبلاغ رسالته. وقد بينا قبل من أخبار إسماعيل واليسع وذا الكفل فيما مضى من كتابنا هذا ما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. والكِفْل في كلام العرب: الحظّ والجَدّ.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[48] ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ﴾ النظر في سيرة الأخيار يُعدي، ومدارسة سِيَرهم منهج تربوي لا غنى عنه لبناء الشخصية المسلمة.

الإعراب :

  • ﴿ وَاذْكُرْ:
  • الواو عاطفة. اذكر: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ إِسْماعِيلَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف للعجمة.
  • ﴿ وَالْيَسَعَ:
  • معطوفة بالواو على «اسماعيل» وتعرب اعرابها. وقد اثير خلاف وجدل حول هذه الكلمة من حيث لفظها وتعريفها وتنكيرها وطريقة قراءتها.
  • ﴿ وَذَا الْكِفْلِ:
  • الواو عاطفة. ذا: اسم معطوف على «اسماعيل» منصوب مثله وعلامة نصبه الالف لانه من الاسماء الخمسة وهو مضاف. الكفل:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة الجر الكسرة
  • ﴿ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ:
  • الواو استئنافية. كل: مبتدأ مرفوع بالضمة وحذف المضاف اليه لان اصله وكلهم فعوض التنوين عن المضاف اليه. من الاخيار: جار ومجرور متعلق بخبر «كل».'

المتشابهات :

الأنعام: 86﴿وَ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ
ص: 48﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ قصص ثلاثة من الأنبياء بشيء من التفصيل، ثم ذكرَ ثلاثة من الأنبياء على سبيل الإجمال؛ ذكرَ هنا ثلاثة آخرين من الأنبياء على سبيل الإجمال، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ ..

التفسير :

[49] هذا القرآن ذِكْر وشرف لك -أيها الرسول- ولقومك. وإن لأهل تقوى الله وطاعته لَحسنَ مصير عندنا

{ هَذَا} أي:ذكر هؤلاء الأنبياء الصفوة وذكر أوصافهم،{ ذكر} في هذا القرآن ذي الذكر، يتذكر بأحوالهم المتذكرون، ويشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة المقتدون، ويعرف ما منَّ اللّه عليهم به من الأوصاف الزكية، وما نشر لهم من الثناء بين البرية.

فهذا نوع من أنواع الذكر، وهو ذكر أهل الخير، ومن أنواع الذكر، ذزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}

أي:{ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} ربهم، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، من كل مؤمن ومؤمنة،{ لَحُسْنَ مَآبٍ} أي:لمآبا حسنا، ومرجعا مستحسنا.

قال الآلوسى: «هذا» إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بمحاسنهم «ذكر» أى:

شرف لهم ... والمراد أن في ذكر قصصهم ... شرف عظيم لهم.

أو المعنى: هذا المذكور من الآيات نوع من الذكر الذي هو القرآن، وذكر ذلك للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر، كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب، ثم يشرع في باب آخر.

ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا، وكان كيت وكيت، ويحذف على ما قيل الخبر في مثل ذلك كثيرا، وعليه هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ.. .

وقوله- تعالى-: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ بيان لما أعده لهم- سبحانه- في الآخرة من عطاء جزيل، وثواب عظيم.

والمآب: اسم مكان من آب فلان يؤوب إذا رجع، والمراد بالمتقين: كل من تحققت فيه صفة التقوى والخوف من الله- تعالى- وعلى رأسهم الأنبياء الذين اصطفاهم الله- تعالى- واختارهم لتبليغ رسالته. أى: وإن للمتقين في الآخرة لمنزل كريم يرجعون إليه في الآخرة.

فيجدون فيه ما لا عين رأت. ولا أذن سمعت. ولا خطر على قلب بشر.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: هذا ذِكْرٌ يعود إلى ما ذكره- سبحانه- في الآيات السابقة، عن هؤلاء الأنبياء من ثناء وتكريم. والذكر: الشرف والفضل.

أى: هذا الذي ذكرناه عن هؤلاء الأنبياء شرف لهم، وذكر جميل يذكرون به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقوله : ( هذا ذكر ) أي : هذا فصل فيه ذكر لمن يتذكر .

وقال السدي : يعني القرآن .

وقوله ( هَذَا ذِكْرُ ) يقول تعالى ذكره: هذا القرآن الذي أنـزلناه إليك يا محمد ذكر لك ولقومك, ذكرناك وإياهم به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( هَذَا ذِكْرُ ) قال: القرآن.

وقوله: ( وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) يقول: وإن للمتقين الذين اتقوا الله فخافوه بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه, لحسنَ مَرْجع يرجعون إليه في الآخرة, ومَصِير يصيرون إليه. ثم أخبر تعالى ذكره عن ذلك الذي وعده من حُسن المآب ما هو, فقال: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ .

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) قال: لحسن منقلب.

التدبر :

وقفة
[49] ﴿هَـٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ إذا فرغت من حديث وشرعت في آخر، فافصل بينهما بفاصل ينبئ المستمع بهذا الانتقال.
وقفة
[49] ﴿هَـٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ هذه الأخبار عنهم شرف لهم في الدنيا، لكن هذا الشرف لا يساوي شيئًا إذا قورن بطيب نعيمهم الذي ينتظرهم في الآخرة.
تفاعل
[49] ﴿وَإِنَّ لِلمُتَّقِینَ لَحُسنَ مَـَٔاب﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ هذا ذِكْرٌ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ذكر: خبر «هذا» مرفوع بالضمة. اي هذا نوع من الذكر وهو القرآن.
  • ﴿ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ:
  • الواو عاطفة. للمتقين: جار ومجرور متعلق بخبر «ان» المقدم وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. و «ان» حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. اي ان لهم مع هذا القرآن في الدنيا.
  • ﴿ لَحُسْنَ مَآبٍ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-.حسن: اسم «ان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. مآب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اي حسن مرجع'

المتشابهات :

ص: 49﴿هَـٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
القلم: 34﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ
النبإ: 31﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد قصصِ الأنبياءِ السَّابقينَ؛ بَيَّنَ اللهُ هنا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم أن ما قصه عليه من نبأ بعض المرسلين، هو تذكير لك ولقومك؛ ليشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة المقتدون، قال تعالى: ( هَذَا ذِكْرٌ ) وبَعدَ بَيانِ ذِكرِهمُ الجَميلِ في العاجِلِ؛ جاء بَيانُ أجْرِهمُ الجَزيلِ في الآجِلِ، قال تعالى:
﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ

التفسير :

[50] في جنات إقامة، مفتَّحة لهم أبوابها،

ثم فسره وفصله فقال:{ جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي:جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلا منها، من كمالها وتمام نعيمها، وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين.

{ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} أي:مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها هم ، بل هم مخدومون، وهذا دليل أيضا على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها.

ثم فصل- سبحانه- ما أعده لهم في الآخرة من تكريم فقال: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ.

والعدن في اللغة: الإقامة الدائمة في المكان. يقال: عدن فلان بمكان كذا، إذا أقام به إقامة دائمة. وجنات: بدل اشتمال من قوله: لَحُسْنَ مَآبٍ.

أى: هؤلاء المتقون أكرمناهم في الدنيا بالذكر الحسن. ونكرمهم في الآخرة بأن ندخلهم جنات عظيمة دخولا دائما مؤبدا، وقد فتحت أبوابها على سبيل التكريم لهم. والحفاوة بمقدمهم.

يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في [ الدار ] الآخرة ( لحسن مآب ) وهو : المرجع والمنقلب . ثم فسره بقوله : ( جنات عدن ) أي : جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب .

والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول : " مفتحة لهم أبوابها " أي : إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن ثواب الهباري حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الله بن مسلم - يعني : ابن هرمز - عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو [ رضي الله عنهما ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في الجنة قصرا يقال له : " عدن " حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله - أو : لا يسكنه - إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل " .

وقد ورد في [ ذكر ] أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة .

القول في تأويل قوله تعالى : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ (50)

قوله تعالى ذكره: ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) : بيان عن حسن المآب, وترجمة عنه, ومعناه: بساتينُ إقامة. وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده, وذكرنا ما فيه من الاختلاف فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقد حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, فال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) قال: سأل عمر كعبا ما عَدَن؟ قال: يا أمير المؤمنين, قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيون والصدّيقون والشهداء وأئمةُ العدل.

وقوله ( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) يعني: مفتحة لهم أبوابها; وأدخلت الألف واللام في الأبواب بدلا من الإضافة, كما قيل: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى بمعنى: هي مَأْواه, وكما قال الشاعر:

مــا وَلَــدتْكُمْ حَيَّــةُ ابْنَـة مـالِكٍ

سِـفاحا وَمـا كَـانَتْ أحـاديثَ كاذِبِ

وَلَكِــنْ نَـرَى أقْدَامَنَـا فِـي نِعَـالِكُمْ

وآنفُنَــا بيــنَ اللِّحَـى والحَوَاجِـبِ (3)

بمعنى: بين لحاكم وحواجبكم; ولو كانت الأبواب جاءت بالنصب لم يكن لحنا, وكان نصبه على توجيه المفتحة في اللفظ إلى جنات, وإن كان في المعنى للأبواب, وكان كقول الشاعر:

وَمــا قَــوْمي بثَعْلَبَـةَ بْـنِ سَـعْدٍ

وَلا بِفَـــزَارَةَ الشِّـــعْرَ الرَقابــا (4)

ثم نوِّنت مفتحة, ونصبت الأبواب.

فإن قال لنا قائل: وما في قوله ( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) من فائدة خبر حتى ذكر ذلك؟ قيل: فإن الفائدة في ذلك إخبار الله تعالى عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها إياها, بمعاناة بيد ولا جارحة, ولكن بالأمر فيما ذُكر.

كما حدثنا أحمد بن الوليد الرملي, قال: ثنا ابن نفيل, قال: ثنا ابن دعيج, عن الحسن, في قوله ( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) قال: أبواب تكلم, فتكلم: انفتحي, انغلقي.

--------------------------

الهوامش :

(3) ‌البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 281 ) على أن قوله تعالى" مفتحة لهم الأبواب" برفع الأبواب ، لأن المعنى مفتحة لهم أبوابها . والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة ومنه قوله :" فإن الجحيم هي المأوى" فالمعنى والله أعلم : مأواه . ومثله قول الشاعر :" ما ولدتكم حية ربعية .... البيتين" . فمعناه : ونرى آنفنا بين لحاكم وحواجبكم في الشبه . أ هـ . وحية ابنة مالك : قبيلة وسفاحا : زنا . واللحى : جمع لحية .

(4) البيت للحارث بن ظالم المري من قصيدة من الوافر قالها لما هرب من النعمان بن المنذر . فلحق بقريش . (انظر فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد للعيني ص 264 ) والرواية فيه"الشعر بدون ألف بعد الراء. قال : والشاهد في الشعر الرقابا" فإنه مثل" الحسن الوجه بنصب الوجه" على أنه شبيه بالمفعول به ( لأن الشعر جمع أشعر ، كثير شعر الجسد ، صفة مشبهة . أنشد الفراء البيت في معاني القرآن (الورقة 281) مع الشاهد السابق ، وقال في قوله تعالى"مفتحة لهم الأبواب" وقال : ولو قال" مفتحة لهم الأبواب" (بنصب الأبواب ) على أن تجعل المفتحة في اللفظ للجنان ، وفي المعنى للأبواب ، فيكون مثل قول الشاعر :

مــا قــومي بثعلبــة بـن سـعد

ولا بفـــزارة الشــعري رقابــا

ولم يأت الفراء في كلامه بجواب لو ... أي لكان وجها .. والخلاصة أن في لفظة" الأبواب" من قوله تعالى" مفتحة لهم الأبواب" وجهان من الإعراب : الرفع على أن نائب فاعل ، أي مفتحة لهم أبوابها . والنصب على أن نائب الفاعل ضمير راجع على الجنات ، وتنصب الأبواب على أنه شبيه بالمفعول به . وكذلك في قوله :" الشعر الرقابا" النصب فيه على أنه شبيه بالمفعول به لأنه فعله" شعر" لازم لا ينصب المفعول به وعلى رواية"الشعرى رقاباً :" تنصب رقابه على أنه تمييز . وانظر معمول اسم المفعول ومعمول الصفة المشبهة في التصريح والأشموني .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[50] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ إنما قال: (مفتحة) ولم يقل: (مفتوحة)، لأنها تُفتح لهم بالأمر لا بالمس.
تفاعل
[50] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ يا رب ارزقنا الجنة ووالدينا.
وقفة
[50] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ ما أجمل تلك اللحظة وما أبركها من ساعة! ساعة توديع الشقاء والكدر للأبد، واستقبال البهجة والسعد للأبد.
وقفة
[50] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ تأملها تجد تحتها معنىً بديعًا، فهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها بل تبقى مفتحة، بعكس أبواب النار فهي موصدة على أهلها، وفي تفتيح الأبواب إشارة إلى: ١- ذهابهم وإيابهم وتبوئهم من الجنة حيث شاؤوا. ٢- دخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف. ٣- أنها دار أمن، لا يحتاجون إلى غلق الأبواب كما في الدنيا.
وقفة
[50] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ إشراعك الباب لضيفك قبل وصوله كرم يضاف إلى كرمك.
وقفة
[50] ﴿مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ وهذا دليل أيضًا على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها.
وقفة
[50] ﴿مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ فتْحُ البابِ قبل قدومِ الضَّيفِ كرمٌ يُضافُ إلى كرمِك.

الإعراب :

  • ﴿ جَنّاتِ عَدْنٍ:
  • عطف بيان لحسن مآب منصوبة مثلها وتعرب اعرابها وعلامة نصب «جنات» الكسرة بدلا من الفتحة لانها ملحقة بجمع المؤنث السالم.بمعنى: جنات اقامة واستقرار وخلود.
  • ﴿ مُفَتَّحَةً:
  • حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة والعامل فيها ما في «للمتقين» من معنى الفعل.
  • ﴿ لَهُمُ الْأَبْوابُ:
  • اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بحال مقدمة من «الأبواب» او بما في «مفتحة» من معنى الفعل. الابواب: بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الابواب وهو من بدل الاشتمال او بدل بعض من كل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. او نائب فاعل لاسم المفعول «مفتحة» مرفوع بالضمة. وقيل نائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     ولَمَّا شَوَّقَ اللهُ إلى هذا الجزاء؛ بينه هنا، فقال تعالى:
﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [51] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ ..

التفسير :

[51]متكئين فيها على الأرائك المزيَّنات، يطلبون ما يشتهون من أنواع الفواكه الكثيرة والشراب، من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم.

{ مُتَّكِئِينَ فِيهَا} على الأرائك المزينات، والمجالس المزخرفات.{ يَدْعُونَ فِيهَا} أي:يأمرون خدامهم، أن يأتوا{ بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم، وهذا يدل على كمال النعيم، وكمال الراحة والطمأنينة، وتمام اللذة.

مُتَّكِئِينَ فِيها.. أى: في تلك الجنات. وانتصب لفظ «متكئين» على الحال من ضمير «لهم» والعامل فيه قوله مُفَتَّحَةً.

وقوله: يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ استئناف لبيان حالهم في الجنات، أو حال- أيضا- من ضمير «لهم» .

أى: أن المتقين لهم جنات عظيمة. فاتحة لهم أبوابها على سبيل التكريم ويجلسون فيها جلسة الآمن المطمئن المنعم، حيث يتكئون ويستندون على الأرائك، ويطلبون أنواعا كثيرة من الفاكهة اللذيذة، ومن الشراب الطيب، فيلبي طلبهم في الحال.

وقوله : ( متكئين فيها ) قيل : متربعين فيها على سرر تحت الحجال ( يدعون فيها بفاكهة كثيرة ) أي : مهما طلبوا وجدوا وحضر كما أرادوا . ) وشراب ) أي : من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدام ( بأكواب وأباريق وكأس من معين ) [ الواقعة : 18 ]

وقوله ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ) يقول: متكئين في جنات عدن, على سُرر يدعون فيها بفاكهة, يعني بثمار من ثمار الجنة كثيرة, وشراب من شرابها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[51] ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ اتعب هنا؛ لتتكئ هناك.
وقفة
[51] ﴿متكئين فيها﴾ ما أجمل الاتكاء بعد التعب! اللهم ارزقنا الجنة.
عمل
[51] ﴿متكئين فيها﴾ كلما أتعبتك دنياك ومنعتك من الاتكاء على سرر الراحة؛ تذكر النعيم السرمدي وطيب الاتكاء هناك، فيهون عليك كل شيء.
وقفة
[51] الاتكاء علامة الراحة التامّة وانقطاع الأشغال ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾.
وقفة
[51] ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ﴾ ما ألذها: بعد البلاء والصبر والموت والقبر والبعث والنشر والخوف والحشر ومرور الجسر.
وقفة
[51] ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ﴾ الاقتصار على ذكر الفاكهة في الطعام للإشارة إلى أن أكل أهل الجنة لمحض التفكه والتلذذ، لا أنه من جوع، وجاءت نكرة إشارة إلى كثرة أنواع الفاكهة.
وقفة
[51] كثرة الأكل في الدنيا سبيل السِمَن وكثرة العلل، بخلاف أهل الجنة فهي نعيم مستمرٌّ بلا أذى ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾.
وقفة
[51] أمر الإنسان غيره بخدمته وعدم مباشرة لشيء من الأشغال من لذات الملوك في الدنيا، وهذه اللذة لكل أفراد الجنة ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾.
عمل
[51] ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: 31]، ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾، ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: 54]، ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ [الرحمن: 76] أيها الظهور المنتصبة بين يدي الله فى الليالى سيطول اتكاؤك وراحتك فى الجنة؛ اتعب هنا لتتكئ هناك.

الإعراب :

  • ﴿ مُتَّكِئِينَ فِيها:
  • حال من المتقين منصوبة وعلامة نصبها الياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين في المفرد. فيها: جار ومجرور متعلق بمتكئين بمعنى يجلسون مرتاحين فيها.
  • ﴿ يَدْعُونَ فِيها:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فيها: جار ومجرور متعلق بيدعون. والجملة في محل نصب حال ثانية. بمعنى: متكئين فيها داعين فيها
  • ﴿ بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيدعون. كثيرة: صفة -نعت-لفاكهة مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. وشراب: معطوفة بالواو على «فاكهة» مجرورة مثلها بالكسرة.'

المتشابهات :

الكهف: 31﴿وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا
الانسان: 13﴿ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا
ص: 51﴿ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ إقامَتَهم ويُسْرَ دُخولِهم؛ وَصَفَ هنا حالَهم فيها، فقال تعالى:
﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [52] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ

التفسير :

[52] وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن.

{ وَعِنْدَهُمْ} من أزواجهم، الحور العين{ قَاصِرَاتُ} طرفهن على أزواجهن، وطرف أزواجهن عليهن، لجمالهم كلهم، ومحبة كل منهما للآخر، وعدم طموحه لغيره، وأنه لا يبغي بصاحبه بدلا، ولا عنه عوضا.{ أَتْرَابٌ} أي:على سن واحد، أعدل سن الشباب وأحسنه وألذه.

ثم يضاف إلى هذه الفاكهة والشراب، ما بينه- سبحانه- في قوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ. أى: وعندهم فضلا عن كل ما تقدم نساء ذوات حياء، قد قصرن أعينهن على أرواحهن فلا يتطلعن إلى غيرهم. لشدة محبتهن لهم. وهن متساويات في السن والجمال والأخلاق الكريمة.

فمعنى أتراب: أنهن متساويات في السن والجمال والشباب. مأخوذ من التراب. لأن التراب يمسهن في وقت واحد لاتحاد مولدهن: أو من الترائب وهي عظام الصدر المتماثلة.

( وعندهم قاصرات الطرف ) أي : عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن ) أتراب ) أي : متساويات في السن والعمر . هذا معنى قولابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والسدي .

القول في تأويل قوله تعالى : وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)

( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ )

يقول تعالى ذكره: عند هؤلاء المتقين الذين أكرمهم الله بما وصف في هذه الآية من إسكانهم جنات عدن ( قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) يعني: نساء قصرت أطرافهنّ على أزواجهنّ, فلا يردن غيرهم, ولا يمددن أعينهن إلى سواهم.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) قال: قصرن طرفهن على أزواجهن , فلا يردن غيرهم.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) قال: قصرن أبصارهنّ وقلوبهنّ وأسماعهنّ على أزواجهنّ, فلا يردن غيرهم.

وقوله ( أَتْرَابٌ ) يعني: أسنان واحدة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف بين أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ) قال: أمثال.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَتْرَابٌ ) سن واحدة.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( أَتْرَابٌ ) قال: مستويات. قال: وقال بعضهم: متواخيات لا يتباغضن, ولا يتعادين, ولا يتغايرن, ولا يتحاسدن.

التدبر :

وقفة
[52] ﴿وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ﴾ قصرت طرفها على زوجها؛ لعفتها، وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله؛ بحيث لا تطلب في الجنة سواه، ولا ترغب إلا به، هذا يدل على جمال الرجال في الجنة.
وقفة
[52] ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ (وعندهم) من أزواجهم الحور العين (قاصرات) طرفهن على أزواجهن، وطرف أزواجهن عليهن؛ لجمالهم كلهم، ومحبة كل منهما للآخر، وعدم طموحه لغيره، وأنه لا يبغي بصاحبه بدلًا، ولا عنه عوضًا.
وقفة
[52] ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾، ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصافات: 49] كل وصف له دلالاته، ما أجمل الأوصاف وعمقها مع اختصارها وكثرة معانيها!
وقفة
[52] ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ قال السُّدِّي: «قصرن أبصارهن وقلوبهن على أزواجهن، فلا يُردن غيرهم»، وكلها حققت المرأة المسلمة هذه الصفة زاد جمالها.
وقفة
[52] ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ قال ابن عاشور: «ويجوز أن يكون المعني: أنهن يقصرن أطراف أزواجهن عليهن، فلا تتوجه أنظار أزواجهن إلى غيرهن اكتفاء منهم بحسنهن، وذلك كناية عن تمام حسنهن في أنظار أزواجهن بحيث لا يتعلق استحسانهم بغيرهن، فالأطراف المقصورة أطراف أزواجهن».
وقفة
[52] ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ من أجمل صفات المرأة: أن يمتلك الحياء قلبها، فلا تتلفت كثيرًا.
وقفة
[52] ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ ما توهج سِرُّ الحب إلا باكتفاء الروح، إن القلب إذا ظَمِئَ تلفتَ الطَّرْفُ، وإذا اكتفى اتَّسَعَ معنى الحبيب.
وقفة
[52] لو كان في اطلاق النظر وتقليبه في الرجال خير للنساء لما وصف الله نساء الجنة بأنهن: ﴿قاصرات الطرف﴾.
وقفة
[52] ﴿أَتْرَابٌ﴾ متساويات في السن والجمال والشباب، فلماذا خلقهن الله على هذه الحال؟! قال القفال: «والسبب في اعتبار هذه الصفة، أنهن لما تشابهن في الصفة والسن والحلية كان الميل إليهن على السوية، وذلك يقتضي عدم الغيرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ:
  • الواو استئنافية. عند: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بخبر مقدم. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. قاصرات: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهي في الاصل صفة لمبتدإ مؤخر موصوف حذف لانه معلوم فحلت الصفة محله اي وعندهم حور قاصرات. الطرف: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ أَتْرابٌ:
  • صفة-نعت-ثانية لحور مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة. اي هن أتراب لازواجهن اي بسنهم. وعلى هذا المعنى تكون الكلمة خبر مبتدأ محذوف تقديره: هنّ أتراب. والجملة الاسمية «هن أتراب» في محل رفع صفة ثانية للموصوف المحذوف «حور».'

المتشابهات :

الصافات: 48﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ
ص: 52﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ
الرحمن: 56﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أمْرَ المَسكَنِ، وأمْرَ المأكولِ والمَشروبِ؛ وَصَفَ هنا الأزواج، قال تعالى:
﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [53] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ

التفسير :

[53] هذا النعيم هو ما توعدون به -أيها المتقون- يوم القيامة،

{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ} أيها المتقون{ لِيَوْمِ الْحِسَابِ} جزاء على أعمالكم الصالحة.

ثم بين- سبحانه- أن هذا العطاء العظيم مقابل عملهم الصالح في الدنيا فقال: هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ.

واللام في قوله لِيَوْمِ للتعليل. أى: هذا الذي ذكرناه لكم من نعيم الجنات. هو جزاء إيمانكم وعملكم الصالح من أجل يوم الحساب.

( هذا ما توعدون ليوم الحساب ) أي : هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار .

وقوله ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي يعدكم الله في الدنيا أيها المؤمنون به من الكرامة لمن أدخله الله الجنة منكم في الآخرة.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ) قال: هو في الدنيا ليوم القيامة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[53] ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ هذا من كلام الملائكة أو كلام الله لأهل الجنة، فأي بشارة وأي سعادة تنتظرنا؟!

الإعراب :

  • ﴿ هذا ما تُوعَدُونَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ما:اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا هو ما. والجملة الاسمية هو ما توعدون: في محل رفع خبر «هذا». توعدون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «توعدون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب
  • ﴿ لِيَوْمِ الْحِسابِ:
  • جار ومجرور متعلق بتوعدون. الحساب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى: لأجل يوم الحساب حذف المضاف المجرور واقيم المضاف اليه مقامه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     ولَمَّا وصفَ اللهُ نعيمَ أهل الجنة؛ بَيَّنَ هنا أن هذا العطاء العظيم مقابل عملهم الصالح في الدنيا، قال تعالى:
﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

توعدون:
وقرئ:
1- بياء الغيبة، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
2- بتاء الخطاب، على الالتفات، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [54] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ ..

التفسير :

[54]إنه لَرزقنا لكم، ليس له فناء ولا انقطاع.

{ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا} الذي أوردناه على أهل دار النعيم{ مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} أي:انقطاع، بل هو دائم مستقر في جميع الأوقات، متزايد في جميع الآنات.

وليس هذا بعظيم على الرب الكريم، الرءوف الرحيم، البر الجواد، الواسع الغني، الحميد اللطيف الرحمن، الملك الديان، الجليل الجميل المنان، ذي الفضل الباهر، والكرم المتواتر، الذي لا تحصى نعمه، ولا يحاط ببعض بره.

ثم ختم- سبحانه- جزاءهم ببيان أنه جزاء خالد لا ينقطع ولا ينقص فقال: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ.

أى: إن هذا الذي ذكرناه لكم- أيها المتقون- من الجنات وما اشتملت عليه من نعيم، هو رزقنا الدائم لكم. وليس له من نفاذ أو انقطاع أو انتقاص. يقال نفد الشيء نفادا ونفدا، إذا فنى وهلك وذهب.

ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ . أى غير مقطوع.

ثم أخبر عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا انقضاء ولا زوال ولا انتهاء فقال : ( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ) كقوله تعالى : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) [ النحل : 96 ] وكقوله ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود : 108 ] وكقوله ( لهم أجر غير ممنون ) [ فصلت : 8 ] أي : غير مقطوع وكقوله : ( أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ) [ الرعد : 35 ] والآيات في هذا كثيرة جدا .

وقوله ( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أعطينا هؤلاء المتقين في جنَّات عدن من الفاكهة الكثيرة والشراب, والقاصرات الطرف, ومكنَّاهم فيها من الوصول إلى اللّذات وما اشْتهته فيها أنفسهم لرزقنا, رزقناهم فيها كرامة منا لهم ( مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) يقول: ليس له عنهم انقطاع ولا له فناء, وذلك أنهم كلما أخذوا ثمرة من ثمار شجرة من أشجارها, فأكلوها, عادت مكانها أخرى مثلها, فذلك لهم دائم أبدا, لا ينقطع انقطاع ما كان أهل الدنيا أوتوه فى الدنيا, فانقطع بالفناء, ونَفِد بالإنفاد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) قال: رزق الجنة, كلما أخذ منه شيء عاد مثله مكانه, ورزق الدنيا له نفاد.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) : أي ما له انقطاع.

التدبر :

وقفة
[54] ﴿إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ وذلك أنهم كلما أخذوا ثمرة من ثمار شجرة من أشجارها، فأكلوها، عادت مكانها أخرى مثلها، فذلك لهم دائم أبدًا، لا ينقطع.
وقفة
[54] ﴿إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ قال السديُّ:‏ «رزق الجنة كلما أُخذ منه شيء عاد مثله مكانه, ورزق الدنيا له نفاد».
وقفة
[54] الآخذ المكثر من شيء محبوب لديه لذته ناقصة؛ لأنه يخشى فناءه، ورزق الجنة ليس له نفاد ﴿إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ هذا:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».
  • ﴿ لَرِزْقُنا:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-.رزق: خبر «ان» مرفوع وعلامة رفعه الضمة. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة بمعنى: ان هذا الذي يوعد به المتقون لعطاؤنا.
  • ﴿ ما لَهُ مِنْ نَفادٍ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع صفة-نعت-للرزق. ما:نافية لا عمل لها. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. من: حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. نفاد: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على انه مبتدأ مؤخر. بمعنى ان رزقنا هذا لا يفنى.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [54] لما قبلها :     وبعد كل ما ذُكرَ من نعيم أهل الجنة؛ ختمَ اللهُ جزاءَهم هنا ببيان أنه جزاء خالد، لا ينقطع ولا ينقص، قال تعالى:
﴿ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [55] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ

التفسير :

[55] هذا الذي سبق وصفه للمتقين. وأما المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير،

{ هَذَا} الجزاء للمتقين ما وصفناه{ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} أي:المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي{ لَشَرَّ مَآبٍ} أي:لشر مرجع ومنقلب.

وبعد هذا الحديث الذي يشرح الصدور عن المؤمنين وحسن عاقبتهم. جاء الحديث عن الكافرين وسوء مصيرهم- كما هي عادة القرآن الكريم في قرن الترغيب بالترهيب فقال- تعالى-: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ.

واسم الإشارة خبر لمبتدأ محذوف. أى الأمر هذا، أو مبتدأ محذوف الخبر أى: هذا للمؤمنين.

وجملة «وإن للطاغين لشر مآب» معطوفة على جملة «هذا» على التقديرين.

أى: الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- بالنسبة للمتقين، أما الطاغون الذين تجاوزوا الحدود في الكفر والجحود والإعراض عن الحق، فإن مرجعهم إلينا سيكون شر مرجع، بسبب إصرارهم على كفرهم.

لما ذكر تعالى مآل السعداء ثنى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال : ( هذا وإن للطاغين ) وهم : الخارجون عن طاعة الله المخالفون لرسل الله ( لشر مآب ) أي : لسوء منقلب ومرجع . ثم فسره بقوله :

القول في تأويل قوله تعالى : هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)

يعني تعالى ذكره بقوله ( هَذَا ) : الذي وصفت لهؤلاء المتقين: ثم استأنف جلّ وعزّ الخبر عن الكافرين به الذين طَغَوا عليه وبَغَوا, فقال: ( وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ) وهم الذين تمرّدوا على ربهم, فعصوا أمره مع إحسانه إليهم ( لَشَرَّ مَآبٍ ) يقول: لشرّ مرجع ومصير يصيرون إليه في الآخرة بعد خروجهم من الدنيا.

كما حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ) قال: لشرَّ مُنْقَلَب.

التدبر :

وقفة
[55] ﴿هَـٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ (هذا ذكر) بمعنى: هذا ذكر جميل في الدنيا، وشرف يذكرون به في الدنيا أبدًا (وإن للمتقين لحسن مآب) أي: لهم مع هذا الذكر الجميل في الدنيا حسن المرجع في القيامة.
وقفة
[55] ﴿هَـٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ الطغاة لهم رجعة إلى الله، والله توعدهم بهذا الرجوع المؤلم.
تفاعل
[55] ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ هذا:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره الامر هذا او مبتدأ خبره محذوف بتقدير: هذا كما ذكر.
  • ﴿ وَإِنَّ لِلطّاغِينَ:
  • الواو استئنافية. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.للطاغين: جار ومجرور متعلق بخبر «ان» المقدم وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.
  • ﴿ لَشَرَّ مَآبٍ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-.شر: اسم «ان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. مآب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اي شر مآل او مصير.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [55] لما قبلها :     وبعد أن وَصَفَ اللهُ ثوابَ المتَّقينَ؛ وصَفَ بَعدَه عِقابَ الطَّاغينَ؛ لِيَكونَ الوَعيدُ مَذكورًا عَقِيبَ الوَعدِ، والتَّرهيبُ عَقيبَ التَّرغيبِ، قال تعالى:
﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [56] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ

التفسير :

[56] وهو النار يُعذَّبون فيها، تغمرهم من جميع جوانبهم، فبئس الفراش فراشهم.

ثم فصله فقال:{ جَهَنَّمَ} التي جمع فيها كل عذاب، واشتد حرها، وانتهى قرها{ يَصْلَوْنَهَا} أي:يعذبون فيها عذابا يحيط بهم من كل وجه، لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.

{ فَبِئْسَ الْمِهَادُ} المعد لهم مسكنا ومستقرا.

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ أى: إذا كان المتقون يدخلون الجنات التي فتحت لهم أبوابها، فإن الطاغين تستقبلهم جهنم بسعيرها ولهيبها فيلقون فيها ويفترشون نارها، وبئست هي فراشا ومهادا.

( جهنم يصلونها ) أي : يدخلونها فتغمرهم من جميع جوانبهم ( فبئس المهاد )

ثم بين تعالى ذكره: ما ذلك الذي إليه ينقلبون ويصيرون في الآخرة, فقال: ( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ) فترجم عن جهنم بقوله ( لَشَرَّ مَآبٍ ) ومعنى الكلام: إن للكافرين لشرَّ مَصِير يصيرون إليه يوم القيامة, لأن مصيرهم إلى جهنم, وإليها منقلبهم بعد وفاتهم ( فَبِئْسَ الْمِهَادُ ) يقول تعالى ذكره: فبئس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم جهنم.

التدبر :

وقفة
[56] ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ ما ظنك إذا كان الفِراش الذي ينامون عليه ويستريحون من نار؟ استعذ بالله من هذا المصير.

الإعراب :

  • ﴿ جَهَنَّمَ:
  • بدل من «شر مآب» منصوبة وعلامة نصبها الفتحة ولم تنون لانها ممنوعة من الصرف للمعرفة والتأنيث.
  • ﴿ يَصْلَوْنَها:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى: يدخلونها. والجملة الفعلية في محل نصب حال من الطاغين.
  • ﴿ فَبِئْسَ الْمِهادُ:
  • الفاء استئنافية. بئس: فعل ماض جامد مبني على الفتح لانشاء الذم. المهاد: فاعل «بئس» مرفوع وعلامة رفعه الضمة.والمخصوص بالذم محذوف اي فبئس المهاد مهادهم اي فراشهم.'

المتشابهات :

البقرة: 206﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّـهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
ص: 56﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ
آل عمران: 12﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
آل عمران: 197﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
الرعد: 18﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [56] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ أن للطاغين شر مرجع ومصير؛ بَيَّنَ هنا هذا المرجع والمصير، قال تعالى:
﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [57] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ

التفسير :

[57] هذا العذاب ماء شديد الحرارة، وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه،

{ هَذَا} المهاد، هذا العذاب الشديد، والخزي والفضيحة والنكال{ فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ} ماء حار، قد اشتد حره، يشربونه فَيقَطعُ أمعاءهم.{ وَغَسَّاقٌ} وهو أكره ما يكون من الشراب، من قيح وصديد، مر المذاق، كريه الرائحة.

هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ واسم الإشارة هنا مرفوع على الابتداء، وخبره قوله حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ، وما بينهما اعتراض.

والحميم: الماء الذي بلغ النهاية في الحرارة. والغساق: صديد يسيل من أجساد أهل النار.

مأخوذ من قولهم غسق الجرح- كضرب وسمع- غسقانا إذا سال منه الصديد وما يشبهه. أى: هذا هو عذابنا الذي أعددناه لهم، يتمثل في ماء بلغ الغاية في الحرارة، وفي قيح وصديد يسيلان من أجسادهم، فليذوقوا كل ذلك جزاء كفرهم وجحودهم.

أما الحميم فهو : الحار الذي قد انتهى حره وأما الغساق فهو : ضده ، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم ولهذا قال :

وقوله ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) يقول تعالى ذكره: هذا حميم, وهو الذي قد أغلي حتى انتهى حرّه, وغساق فَلْيذوقوه; فالحميم مرفوع بهذا, وقوله ( فَلْيَذُوقُوهُ ) معناه التأخير, لأن معنى الكلام ما ذكرت, وهو: هذا حميم وغساق فليذوقوه. وقد يتجه إلى أن يكون هذا مكتفيا بقوله فليذوقوه ثم يُبْتَدأ فيقال: حميم وغَسَّاق, بمعنى: منه حميم ومنه غَسَّاق.

كما قال الشاعر:

حـتى إذا أضَـاءَ الصُّبْـحُ فـي غَلَسٍ

وَغُــودِرَ البَقْـلُ مَلْـوِيٌّ وَمَحْـصُودٌ (5)

وإذا وُجِّه إلى هذا المعنى جاز في هذا النصب والرفع. النصب: على أن يُضْمر قبلها لها ناصب, كما قال الشاعر:

زِيادَتَنـــا نُعْمــانُ لا تَحْرِمَنَّنــا

تَـقِ اللـه فِينـا والكِتـابَ الَّـذي تَتْلُو (6)

والرفع بالهاء في قوله ( فَلْيَذُوقُوهُ ) كما يقال: الليلَ فبادروه, والليلُ فبادروه.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل , قال: ثنا أسباط, عن السديّ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) قال: الحميم: الذي قد انتهى حَرُّه.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الحميم دموع أعينهم, تجمع في حياض النار فيسقونه.

وقوله ( وَغَسَّاقٌ ) اختلفت القرّاء في قراءته, فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين والشام بالتخفيف: " وَغَسَاق " وقالوا: هو اسم موضوع. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: ( وَغَسَّاقٌ ) مشددة, ووجهوه إلى أنه صفة من قولهم: غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقا: إذا سال, وقالوا: إنما معناه: أنهم يُسْقَون الحميم, وما يسيل من صديدهم.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, وإن كان التشديد في السِّين أتم عندنا في ذلك, لأن المعروف ذلك في الكلام, وإن كان الآخر غير مدفوعة صحته.

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: هو ما يسيل من جلودهم من الصديد والدم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) قال: كنا نحدث أن الغسَّاق: ما يَسِيل من بين جلده ولحمه.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: الغساق: الذي يسيل من أعينهم من دموعهم, يسقونه مع الحميم.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, قال: الغسَّاق: ما يسيل من سُرْمهم, وما يسقط من جلودهم.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد ( الغساق ) : الصديد الذي يجمع من جلودهم مما تصهرهم النار في حياض يجتمع فيها فيسقونه.

حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهميّ, قال: ثني أبي, قال: ثنا ابن لَهِيعة, قال: ثني أبو قبيل أنه سمع أبا هبيرة الزيادي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: أيّ شيء الغسَّاق؟ قالوا: الله أعلم, فقال عبد الله بن عمرو: هو القَيْح الغليظ, لو أن قطرة منه تُهَرَاق في المغرب لأنتنت أهل المشرق, ولو تُهَرَاق في المشرق لأنتنت أهل المغرب.

قال يحيى بن عثمان, قال أبي: ثنا ابن لهيعة مرة أخرى, فقال: ثنا أبو قبيل, عن عبد الله بن هبيرة, ولم يذكر لنا أبا هبيرة.

حدثنا ابن عوف, قال: ثنا أبو المغيرة, قال: ثنا صفوان, قال: ثنا أبو يحيى عطية الكلاعيّ, أن كعبا كان يقول: هل تدرون ما غسَّاق؟ قالوا: لا والله, قال: عين في جهنم يسيل إليها حُمَّةٌ كل ذات حُمَة من حية أو عقرب أو غيرها, فيستنقع فيؤتى بالآدمي, فيُغْمَس فيها غمسة واحدة, فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام. حتى يتعلق جلده في كعبيه وعقبيه, وينجر لحمه كجر الرجل ثوبه.

وقال آخرون: هو البارد الذي لا يستطاع من برده.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( وَغَسَّاقٌ ) قال: بارد لا يُسْتطاع, أو قال: برد لا يُسْتطاع.

حدثني عليّ بن عبد الأعلى, قال: ثنا المحاربيّ, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) قال: يقال: الغسَّاق: أبرد البرد, ويقول آخرون: لا بل هو أنْتَن النَّتْن.

وقال آخرون: بل هو المُنْتِن.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن المسيب, عن إبراهيم النكري, عن صالح بن حيان, عن أبيه, عن عبد الله بن بُرَيدة, قال: الغسَّاق: المنتن, وهو بالطُّخارية (7) .

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني عمرو بن الحارث, عن درّاج, عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد الخدريّ, أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " لَوْ أنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَراقُ فِي الدُّنْيا لأنْتَنَ أهْلَ الدُّنْيا " .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو ما يسيل من صديدهم, لأن ذلك هو الأغلب من معنى الغُسُوق, وإن كان للآخر وجه صحيح.

------------------

الهوامش :

(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 281 ) قال في قوله تعالى :" هذا فليذوقوه حميم وغساق" : رفعت الحميم والغساق بهذا ، مقدما ومؤخرا . والمعنى : هذا حميم وغساق فليذوقوه . وإن شئت جعلته ( حميم وغساق ) : مستأنفا ، وجعلت الكلام قبله مكتفيا ، كأنك قلت :" هذا فليذوقوه" ثم قلت : منه غساق . كقول الشاعر :" حتى إذا ... البيت) . أ هـ .

(6) هذا البيت لعبد الله بن همام السلولي ( اللسان : وفي ) يخاطب النعمان بن بشير الأنصاري ، وكان قد ولي الكوفة لمعاوية ، وكان معاوية قد زاد أناسا في أعطياتهم عشرة ، فأنفذ النعمان ، وترك بعضهم لأنهم جاءوا بكتب بعد ما فرغ من الحملة ، وكان ابن همام ممن تخلف ، فكلمه فأبى عليه : فقال ابن همام قصيدة يرفقه عليه ، ويتشفع بالأنصار ، ويمدح معاوية . وقوله" زيادتنا" منصوب بفعل محذوف يفسره الفعل المؤكد بالنون . لأنه يعمل فيما قبله ، كما قال الرضى : والفعل المؤكد يروي : لا تنسبنها ، ويروي لا تحرمننا (انظر شرح شواهد الشافية للرضي ص 497 ) .

(7) لعله يريد بالطخارية : المنسوبة إلى طخارستان ، بضم أوله ، وهو إقليم من بلاد العجم ، شرقي جرجان يريد أن لفظة"غساق" ليست عربية الأصل .

التدبر :

وقفة
[57] ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ تنويعٌ عجيبٌ لألوان العذاب، فالحميم: الماء الحار، والغساق: زمهرير جهنم، قال ابن عباس: «الغسَّاق: الزَّمْهرير البارِد الذي يُحرِق من بَرْده».

الإعراب :

  • ﴿ هذا:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره: حميم. اي هذا حميم «وهو الماء الحار» فليذوقوه. او يكون في محل رفع خبرا لمبتدإ محذوف تقديره: العذاب هذا فليذوقوه او تكون «هذا» في محل نصب مفعولا به بفعل مضمر يفسره ما بعده. اي ليذوقوا هذا فليذوقوه بمنزلة او كقوله تعالى: واياي فارهبون.
  • ﴿ فَلْيَذُوقُوهُ:
  • الفاء استئنافية تفيد التعليل واللام لام الامر. يذوقوه: فعل مضارع مجزوم بلام الامر وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ:
  • حميم: خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا حميم مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وغساق: معطوفة بالواو على «حميم» وتعرب اعرابها.بمعنى: وصديد سائل من أجساد المعذبين في النار.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [57] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عذابَ أهلَ النَّار؛ أمرَهم هنا أمرَ تهكمٍ وسخريةٍ بأن يذوقوا هذا العذاب، قال تعالى:
﴿ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وغساق:
1- بتشديد السين، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وقتادة، وابن وثاب، وطلحة، وحمزة، والكسائي، وحفص، والمفضل، وابن سعدان، وهارون، عن أبى عمر.
وقرئ:
2- بتخفيفها، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [58] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ

التفسير :

[58]ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان.

{ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} أي:من نوعه{ أَزْوَاجٌ} أي:عدة أصناف من أصناف العذاب، يعذبون بها ويخزون بها.

وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ أى: ليس عذابهم مقصورا على الحميم والغساق بل لهم أنواع أخرى من العذاب، تشبه في شكلها وفي فظاعتها وفي شدتها، الحميم والغساق.

فقوله وَآخَرُ مبتدأ، وقوله مِنْ شَكْلِهِ صفته، وقوله: أَزْواجٌ خبره.

والآية الكريمة معطوفة على الآية التي قبلها.

( وآخر من شكله أزواج ) أي : وأشياء من هذا القبيل ، الشيء وضده يعاقبون بها .

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا "

ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج به . ثم قال : " لا نعرفه إلا من حديث رشدين " كذا قال : وقد تقدم من غير حديثه ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به

وقال كعب الأحبار : غساق : عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه . رواه ابن أبي حاتم .

وقال الحسن البصري في قوله : ( وآخر من شكله أزواج ) ألوان من العذاب .

وقال غيره : كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوي إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة والمتضادة والجميع مما يعذبون به ويهانون بسببه .

وقوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) على التوحيد, بمعنى: هذا حميم وغساق فليذوقوه, وعذاب آخر من نحو الحميم ألوان وأنواع, كما يقال: لك عذاب من فلان: ضروب وأنواع; وقد يحتمل أن يكون مرادًا بالأزواج الخبر عن الحميم والغساق, وآخر من شكله, وذلك ثلاثة, فقيل أزواج, يراد أن ينعت بالأزواج تلك الأشياء الثلاثة. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: " وأخَرُ" على الجماع, وكأن من قرأ ذلك كذلك كان عنده لا يصلح أن يكون الأزواج وهي جمع نَعْتا لواحد, فلذلك جمع أخر, لتكون الأزواج نعتا لها; والعرب لا تمنع أن ينعَت الاسم إذا كان فعلا بالكثير والقليل والاثنين كما بيَّنا, فتقول: عذاب فلان أنواع, ونوعان مختلفان.

وأعجب القراءتين إليَّ أن أقرأ بها: ( وآخَرُ) على التوحيد, وإن كانت الأخرى صحيحة لاستفاضة القراءة بها في قرّاء الأمصار; وإنما اخترنا التوحيد لأنه أصحّ مخرجا في العربية, وأنه في التفسير بمعنى التوحيد. وقيل إنه الزَّمهرير.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن السديّ, عن مُرّة, عن عبد الله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال الزمهرير.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى, قال: ثنا سفيان, عن السديّ, عن مرة, عن عبد الله, بمثله.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا معاوية, عن سفيان, عن السديّ, عمن أخبره عن عبد الله بمثله, إلا أنه قال: عذاب الزمهرير.

حدثنا محمد قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, عن مرّة الهمداني, عن عبد الله بن مسعود, قال: هو الزمهرير.

حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة, عن مبارك بن فضالة, عن الحسن, قال: ذكر الله العذاب, فذكر السلاسل والأغلال, وما يكون في الدنيا, ثم قال: ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال: وآخر لم ير في الدنيا.

وأما قوله ( مِنْ شَكْلِهِ ) فإن معناه: من ضربه, ونحوه يقول الرجل للرجل: ما أنت من شكلي, بمعنى: ما أنت من ضربي بفتح الشين. وأما الشِّكْل فإنه من المرأة ما عَلَّقَتْ مما تتحسن به, وهو الدَّلُّ أيضا منها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) يقول: من نحوه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) من نحوه.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال: من كُلّ شَكْلٍ ذلك العذاب الذي سمى الله, أزواج لم يسمها الله, قال: والشَّكل: الشبيه.

وقوله ( أَزْوَاجٌ ) يعني: ألوان وأنواع.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال: ألوان من العذاب.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَزْوَاجٌ ) زوج زوج من العذاب.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أَزْوَاجٌ ) قال: أزواج من العذاب في النار.

التدبر :

وقفة
[58] ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ أنواع أخرى من العذاب، تشبه في فظاعتها الحميم والغساق، لم يذكر الله طبيعتها، ولا يعرفها أهل الدنيا، لتفاجئ أهل النار غدًا.

الإعراب :

  • ﴿ وَآخَرُ:
  • معطوفة بالواو على حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ» مرفوعة بالضمة ولم تنون لانها ممنوعة من الصرف على وزن-أفعل-او تكون خبر مبتدأ محذوف تقديره وعذاب آخر او ومذاق آخر.
  • ﴿ مِنْ شَكْلِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة-نعت-لآخر والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة اي من شكل هذا العذاب او المذوق من مثله في الشدة والفظاعة.
  • ﴿ أَزْواجٌ:
  • صفة-نعت-لآخر مرفوعة مثلها بالضمة. بمعنى: اجناس او انواع اخرى'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [58] لما قبلها :     ولَمَّا كان في النَّار ما لا يُعَدُّ مِن أنواعِ العذاب؛ زادَ اللهُ هنا في التهديد، وبالغ في الوعيد، قال تعالى:
﴿ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وآخر:
1- على الإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- وأخر، على الجمع، وهى قراءة الحسن، ومجاهد، والجحدري، وابن جبير، وعيسى، وأبى عمرو.
شكله:
1- بفتح الشين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، وهى قراءة مجاهد.

مدارسة الآية : [59] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا ..

التفسير :

[59] وعند توارد الطاغين على النار يَشْتُم بعضهم بعضاً، ويقول بعضهم لبعض:هذه جماعة عظيمة من أهل النار داخلة معكم، فيجيبون:لا مرحباً بهم، ولا اتسعت منازلهم في النار، إنهم مقاسون حرَّ النار كما قاسيناها.

وعند تواردهم على النار يشتم بعضهم بعضا، ويقول بعضهم لبعض:{ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} النار{ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ}

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما يقوله أهل النار بعضهم لبعض على سبيل الندم والتحسر والتقريع. فقال: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ، لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ.

والفوج: الجمع الكثير من الناس، والاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها. يقال:

قحم فلان نفسه في الأمر، إذا رمى نفسه فيه من غير روية.

أى: قال الكفار بعضهم لبعض بعد أن رأوا غيرهم يلقى في النار معهم، أو قالت الملائكة لهم على سبيل التقريع والتأنيب: هذا فَوْجٌ أى جمع كثير من أتباعكم وإخوانكم في الضلال. مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ أى داخل معكم النار وعلى غير اختيار منه. وإنما يساق إليها سوقا في ذلة ومهانة.

وهنا يقول زعماء الكفر: لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ أى: لا مرحبا ولا أهلا بهؤلاء الداخلين في النار معنا، لأنهم سيصلون سعيرها مثلنا، ولن يستطيعوا أن يدفعوا شيئا من حرها عنا ...

فقوله مَرْحَباً مفعول به لفعل محذوف وجوبا، والتقدير: أتوا معنا لا مرحبا بهم.

وقوله : ( هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ) هذا إخبار عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى : ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) [ الأعراف : 38 ] يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي بعدها مع الخزنة من الزبانية : ( هذا فوج مقتحم ) أي : داخل معكم ( لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ) [ أي ] لأنهم من أهل جهنم

وقوله ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ) يعني تعالى ذكره بقوله ( هَذَا فَوْجٌ ) هذا فرقة وجماعة مقتحمة معكم أيها الطاغون النار, وذلك دخول أمة من الأمم الكافرة بعد أمة;( لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) وهذا خبر من الله عن قيلِ الطاغين الذين كانوا قد دخلوا النار قبل هذا الفوج المقتحِم للفوج المقتَحم فيها عليهم, لا مرحبا بهم, ولكن الكلام اتصل فصار كأنه قول واحد, كما قيل: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ فاتصل قول فرعون بقول ملئه, وهذا كما قال تعالى ذكره مخبرا عن أهل النار: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا

ويعني بقولهم: ( لا مَرْحَبًا بِهِمْ ) لا اتسعت بهم مداخلهم, كما قال أبو الأسود:

لا مرْحَب وَاديكَ غيرُ مُضَيَّقِ (8)

وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ) في النار ( لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ .

------------------------

الهوامش:

(8) هذا شطر بيت لأبي الأسود الدؤلي ، ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 212 من مصورة جامعة القاهرة رقم ( 26059 ) قال عند قوله تعالى" لا مرحبا بهم" : تقول العرب للرجل :" لا مرحبا بك" أي لا رحبت عليك ، أي لا اتسعت . قال أبو الأسود :" لا مرحب واديك غير مضيق" . ولم أجده في ترجمته في الأغاني ، ولا في معجم ياقوت .

التدبر :

وقفة
[59] ﴿هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ﴾ وكأني ألمح أوجه الملائكة من خلفهم تدفعهم بإهانة، وتزجرهم بشدة، ليغدو دخولهم جهنم اقتحامًا، يا للذلة!
وقفة
[59] ﴿هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ الترحيب بأهل الجنة أول ما ينتظرهم، وهذه تحية أهل النار.
وقفة
[59] الجيرة السيئة والتلاوم والتلاعن والدعاء بالعذاب من زيادة عذاب النار ﴿هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾.
وقفة
[59، 60] ﴿لا مرحبًا بهم﴾، ﴿بل أنتم لا مرحبًا بكم﴾ كل الحفاوة التي نراها في أهل الباطل ببعضهم، تنقلب يوم القيامة عداوة.

الإعراب :

  • ﴿ هذا فَوْجٌ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فوج: خبر «هذا» مرفوع بالضمة. اي يقال لزعماء المشركين الداخلين النار هؤلاء جماعة مسرعون. او هذا جمع كثيف.
  • ﴿ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ:
  • صفة-نعت-لفوج مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة.مع: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بمقتحم او بفعله لانه اسم فاعل بمعنى قد اقتحم معكم يدل على الاجتماع والمصاحبة. اي هذا جمع كثيف قد اقتحم النار معكم بمعنى في صحبتكم وهو مضاف والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ لا مَرْحَباً بِهِمْ:
  • لا: حرف دال على الدعاء وهو حرف نفي وهنا يدل على دعاء السوء منهم على اتباعهم. مرحبا: منصوب على المصدر بمعنى اتيت سعة والاصل: نزلت مكانا واسعا. وقال له مرحبا اي رحب به ترحيبا. اما هنا فجاء مسبوقا بنفي فاصبح بمعنى: لا أصابوا رحبا اي سعة. بهم:جار ومجرور متعلق بلا مرحبا اي بيان للمدعو عليهم اي لا نرحب بهم.
  • ﴿ إِنَّهُمْ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد هنا التعليل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «ان».
  • ﴿ صالُوا النّارِ:
  • خبر «ان» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم وحذفت النون للاضافة. النار: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة والمضاف اسم فاعل اضيف الى معموله. اي انهم داخلون النار بسبب أعمالهم مثلنا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [59] لما قبلها :     وبعد أن وَصَفَ اللهُ مَسْكَنَ الطَّاغِينَ ومَأكولَهم؛ حكَى هنا ما يقوله أهلُ النَّار بعضهم لبعض، قال تعالى:
﴿ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [60] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا ..

التفسير :

[60] قال فوج الأتباع للطاغين:بل أنتم لا مرحباً بكم؛ لأنكم قدَّمتم لنا سكنى النار لإضلالكم لنا في الدنيا، فبئس دار الاستقرار جهنم.

{ قَالُوا} أي:الفوج المقبل المقتحم:{ بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ} أي:العذاب{ لَنَا} بدعوتكم لنا، وفتنتكم وإضلالكم وتسببكم.{ فَبِئْسَ الْقَرَارُ} قرار الجميع، قرار السوء والشر.

والجملة دعائية لا محل لها من الإعراب أى: لا أتوا مكانا رحبا بل ضيقا، وهنا يحكى القرآن رد الفوج المقتحم للنار معهم فيقول: قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ ...

أى: قال الداخلون في النار وهم الأتباع لرؤسائهم: بل أنتم الذين لا مرحبا بكم، وإنما الضيق والهلاك لكم.

أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ أى: لا مرحبا بكم لأنكم أنتم أيها الزعماء الذين تسببتم لنا دخول النار معكم، إذ دعوتمونا في الدنيا إلى الكفر فاتبعناكم، فبئس القرار والمنزل لنا ولكم جهنم.

( قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم ) أي : فيقول لهم الداخلون : ( بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا ) أي : أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير ) فبئس القرار ) أي : فبئس المنزل والمستقر والمصير .

(قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) .. حتى بلغ: ( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) قال: هؤلاء التباع يقولون للرءوس.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ ) قال: الفوج: القوم الذين يدخلون فوجا بعد فوج, وقرأ: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا التي كانت قبلها. وقوله ( إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) يقول: إنهم واردو النار وداخلوها.( قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) يقول: قال الفوج الواردون جهنم على الطاغين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم لهم: بل أنتم أيها القوم لا مرحبا بكم: أي لا اتسعت بكم أماكنكم,( أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ) يعنون: أنتم قدمتم لنا سُكنى هذا المكان, وصِليّ النار بإضلالكم إيانا, ودعائكم لنا إلى الكفر بالله, وتكذيب رسله, حتى ضللنا باتباعكم, فاستوجبنا سكنى جهنم اليوم, فذلك تقديمهم لهم ما قدموا في الدنيا من عذاب الله لهم في الآخرة

( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) يقول: فبئس المكان يُسْتَقَرُّ فيه جهنم.

التدبر :

وقفة
[60] ﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ هذا تخاصم أهل النار، ومن علاماته: دعاؤهم على بعض، فتقول خزنة النار للسادة: «هذا فوج من أتباعكم داخل النار معكم»، فتقول السادة: (لَا مَرْحَبًا بِهِمْ).
وقفة
[60] ﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ أي: دعوتمونا إلى العصيان فبئس القرار لنا ولكم، قَالُو؛ يعني الأتباع: ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابًا ضعفًا من النار.
وقفة
[60] العـلاقـة التي تبنى على سـخط الله تنقلـب في الآخـرة إلى عـداواة ﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ بَلْ أَنْتُمْ:
  • حرف اضراب للاستئناف. انتم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الفعلية المشتقة من لا مَرْحَباً بِكُمْ».والجملة الاسمية أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ» في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ لا مَرْحَباً بِكُمْ:
  • تعرب اعراب لا مَرْحَباً بِهِمْ» والقول رد الفريق على زعماء المشركين.
  • ﴿ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا:
  • ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. قدمتموه: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والواو لاشباع الميم. والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.لنا: جار ومجرور متعلق بقدمتموه. اي انتم قدمتم لنا العذاب او دخول النار والمقدم هو عمل السوء. وجملة قَدَّمْتُمُوهُ لَنا» في محل رفع خبر «انتم».
  • ﴿ فَبِئْسَ الْقَرارُ:
  • الفاء استئنافية. بئس: فعل ماض جامد مبني على الفتح لانشاء الذم. القرار: فاعل «بئس» مرفوع بالضمة والمخصوص بالذم محذوف لان ما قبله يدل عليه. اي فبئس المقر جهنم.'

المتشابهات :

ابراهيم: 29﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَ بِئْسَ الْقَرَارُ
ص: 60﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَـ بِئْسَ الْقَرَارُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     وبعد ما قالَه الطغاةُ للضعفاء؛ رَدَّ هنا الضعفاءُ على الطغاة بردِّ سبِّهم وشتْمِهم إليهم، قال تعالى:
﴿ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [61] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا ..

التفسير :

[61] قال فوج الأتباع:ربنا مَن أضلَّنا في الدنيا عن الهدى فضاعِف عذابه في النار.

ثم دعوا على المغوين لهم، فـ{ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} وقال في الآية الأخرى:{ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ}

فالجملة الكريمة تعليل لأحقية الرؤساء بدخول النار، ويقولها الأتباع على سبيل التشفي منهم. ثم يضيفون إلى ذلك قولهم: رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ.

أى: يا ربنا من كان سببا في نزول هذا العذاب بنا، فزده عذابا مضاعفا في النار، لأننا لولا هؤلاء الرؤساء وإضلالهم لنا، لما صرنا إلى هذا المصير الأليم.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- حكاية عنهم: وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً .

( قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ) كما قال - عز وجل - ( قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) [ الأعراف : 38 ] أي : لكل منكم عذاب بحسبه

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)

وهذا أيضا قول الفوج المقتحم على الطاغين, وهم كانوا أتباع الطاغين في الدنيا, يقول جل ثناؤه: وقال الأتباع: ( رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا ) يعنون: من قدم لهم في الدنيا بدعائهم إلى العمل الذي يوجب لهم النار التي ورودها, وسكنى المنـزل الذي سكنوه منها. ويعنون بقولهم ( هَذَا ) : العذاب الذي وردناه ( فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ) يقولون: فأضعف له العذاب في النار على العذاب الذي هو فيه فيها, وهذا أيضا من دعاء الأتباع للمتبوعين.

التدبر :

وقفة
[61] ﴿قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا﴾ أصبح الآن ربكم؟! وصرتم الآن تدعونه؟! وقد كنت من قبل تقولون بتكبر: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 23]؟
وقفة
[61] ﴿قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا﴾ ذهبت لغتهم الرحيمة، تلاشت ثقافتهم الإنسانية، انتهت عباراتهم المخملية.
عمل
[61] ﴿قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا﴾ لا تكن سَبَبًا في معصيةِ أحَدٍ.
وقفة
[61] ﴿فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ وليس في غيرها، لو أمكنهم أن يتصوروا عذابًا أشد من النار لدعوا به؛ ولكنهم لما ذاقوها علموا أنه لا أشد منها.
وقفة
[61] ﴿فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾، ﴿فئاتهم عذابا ضعفا من النار﴾ [الأعراف: 38] ما الفرق بينهما؟ لِمَ استخدم هنا (من) وفي الآخر (في)؟ الجواب: قولهم: ﴿عذابا ضعفا من النار﴾ [الأعراف: 38] بيان لجنس العذاب، وأنهم من جنس عذاب النار، وقولهم: ﴿عذابا ضعفا في النار﴾ بيان لمكان العذاب.

الإعراب :

  • ﴿ قالُوا رَبَّنا:
  • اعربت في الآية السابقة. رب: اي يا ربنا: منادى بأداة نداء محذوفة منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. والجملة الاسمية بعده: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ مَنْ قَدَّمَ لَنا:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وهي اسم شرط‍ جازم والجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه-جزائه-في محل رفع خبره. قدم: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لنا: جار ومجرور متعلق بقدم. وجملة قَدَّمَ لَنا هذا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ هذا:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به. اي هذا العذاب بسبب اغوائنا.
  • ﴿ فَزِدْهُ عَذاباً:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم والفاء واقعة في جواب الشرط‍.زده: فعل دعاء وتوسل بصيغة طلب مبني على السكون وحذفت الياء لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به اول. عذابا:مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ ضِعْفاً فِي النّارِ:
  • صفة-نعت-لعذاب منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة بمعنى: مضاعفا ومعناه ذا ضعف والمراد مثل عذابه فيكون عذابين.في النار: جار ومجرور متعلق بزده او بصفة محذوفة من «ضعفا».'

المتشابهات :

الأعراف: 38﴿حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ وَلَٰكِن لَّا تَعۡلَمُونَ
ص: 61﴿قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [61] لما قبلها :     وبعد ما رَدَّ به الضعفاءُ على الطغاة؛ ذكرَ اللهُ هنا دعاء الضعفاء على الطغاة، قال تعالى:
﴿ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف