ترتيب المصحف | 13 | ترتيب النزول | 96 |
---|---|---|---|
التصنيف | مدنيّة | عدد الصفحات | 6.20 |
عدد الآيات | 43 | عدد الأجزاء | 0.35 |
عدد الأحزاب | 0.70 | عدد الأرباع | 2.70 |
ترتيب الطول | 32 | تبدأ في الجزء | 13 |
تنتهي في الجزء | 13 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 7/29 | آلمر: 1/1 |
بعدَ ما سبقَ من الأدِلَّةِ بَيَّنَ اللهُ هنا أن دعوتَه هى الدَّعوةُ الحقُّ، وما عداها باطلٌ، وبيانُ سجودِ المخلوقاتِ للهِ، ثُمَّ ضربُ المثلِ للمؤمنِ والكافرِ والإيمانِ والكفرِ، بالبصيرِ والأعمى والنورِ والظلماتِ.
قريبًا إن شاء الله
مثلانِ آخرانِ للحقِّ (الإيمانِ) والباطلِ (الكفرِ): فالأوَّلُ في بقائِه كالماءِ النَّازلِ من السماءِ فينفعُ الأرضَ، وكالمعدنِ الذي يُنْتفَعُ به، والثاني في فنائِه كرغوةِ السَّيلِ، والطَّافي فوقَ المعدنِ المُذابِ.
قريبًا إن شاء الله
التفسير :
أي:لله وحده{ دَعْوَةُ الْحَقِّ} وهي:عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى، أي:هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء، والخوف، والرجاء، والحب، والرغبة، والرهبة، والإنابة؛ لأن ألوهيته هي الحق، وألوهية غيره باطلة{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} من الأوثان والأنداد التي جعلوها شركاء لله.
{ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ} أي:لمن يدعوها ويعبدها بشيء قليل ولا كثير لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة{ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} الذي لا تناله كفاه لبعده،{ لِيَبْلُغَ} ببسط كفيه إلى الماء{ فَاهُ} فإنه عطشان ومن شدة عطشه يتناول بيده، ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه، فلا يصل إليه.
كذلك الكفار الذين يدعون معه آلهة لا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعونهم في أشد الأوقات إليهم حاجة لأنهم فقراء كما أن من دعوهم فقراء، لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير.
{ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} لبطلان ما يدعون من دون الله، فبطلت عباداتهم ودعاؤهم؛ لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها، ولما كان الله تعالى هو الملك الحق المبين، كانت عبادته حقًّا متصلة النفع لصاحبها في الدنيا والآخرة.
وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن الأمثلة؛ فإن ذلك تشبيه بأمر محال، فكما أن هذا محال، فالمشبه به محال، والتعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى:{ إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}
ثم بين- سبحانه- أن دعوته هي الدعوة الحق، وما عداها فهو باطل ضائع فقال:
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أى: له وحده- سبحانه- الدعوة الحق المطابقة للواقع، لأنه هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو الحقيق بالعبادة والالتجاء.
فإضافة الدعوة إلى الحق من إضافة الموصوف إلى صفته، وفي هذه الإضافة إيذان بملابستها للحق، واختصاصها به، وأنها بمعزل عن الباطل.
ومعنى كونها له: أنه- سبحانه- شرعها وأمر بها.
قال الشوكانى: قوله: «له دعوة الحق» إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة. أى:
الدعوة الملابسة للحق، المختصة به التي لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه.
وقيل: الحق هو الله- تعالى- والمعنى: أنه لله- تعالى- دعوة المدعو الحق وهو الذي يسمع فيجيب.
وقيل: المراد بدعوة الحق هاهنا كلمة التوحيد والإخلاص والمعنى: لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له العبادة.
وقيل: دعوة الحق، دعاؤه- سبحانه- عند الخوف، فإنه لا يدعى فيه سواه، كما قال- تعالى- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ.
وقيل: الدعوة الحق، أى العبادة الحق فإن عبادة الله هي الحق والصدق» .
ثم بين- سبحانه- حال- من يعبد غيره فقال: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ.
والمراد بالموصول «والذين» الأصنام التي يعبدها المشركون من دون الله.
والضمير في يدعون، للمشركين، ورابط الصلة ضمير نصب محذوف أى: يدعونهم.
والمعنى: لله- تعالى- العبادة الحق، والتضرع الحق النافع، أما الأصنام التي يعبدها هؤلاء المشركون من غير الله. فإنها لا تجيبهم إلى شيء يطلبونه منها، إلا كإجابة الماء لشخص بسط كفيه إليه من بعيد، طالبا منه أن يبلغ فمه وما الماء ببالغ فم هذا الشخص الأحمق، لأن الماء لا يحس ولا يسمع نداء من يناديه.
والمقصود من الجملة الكريمة نفى استجابة الأصنام لما يطلبه المشركون منها نفيا قاطعا، حيث شبه- سبحانه- حال هذه الآلهة الباطلة عند ما يطلب المشركون منها ما هم في حاجة إليه، بحال إنسان عطشان ولكنه غبى أحمق لأنه يمد يده إلى الماء طالبا منه أن يصل إلى فمه دون أن يتحرك هو إليه. فلا يصل إليه شيء من الماء لأن الماء لا يسمع نداء من يناديه.
ففي هذه الجملة الكريمة تصوير بليغ لخيبة وجهالة من يتوجه بالعبادة والدعاء لغير الله- تعالى-.
وأجرى- سبحانه- على الأصنام ضمير العقلاء في قوله لا يَسْتَجِيبُونَ مجاراة للاستعمال الشائع عند المشركين، لأنهم يعاملون الأصنام معاملة العقلاء.
ونكر شيئا في قوله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ للتحقير. والمراد أنهم لا يستجيبون لهم أية استجابة حتى ولو كانت شيئا تافها.
والاستثناء في قوله إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ ... من أعم الأحوال.
أى: لا تستجيب الأصنام لمن طلب منها شيئا، إلا استجابة كاستجابة الماء لملهوف بسط كفيه إليه يطلب منه أن يدخل فمه، والماء لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب طلبه ولو مكث على ذلك طوال حياته.
والضمير «هو» في قوله «وما هو ببالغه» للماء، والهاء في «ببالغه» للفم: أى: وما الماء ببالغ فم هذا الباسط لكفيه.
وقيل الضمير «هو» للباسط، والهاء للماء، أى: وما الباسط لكفيه ببالغ الماء فمه.
قال القرطبي: «وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذي يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه، قاله مجاهد.
الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه، لكذب ظنه وفساد توهمه. قاله ابن عباس.
الثالث: انه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه، فلا يجد في كفه شيئا منه .
وقد ضربت العرب مثلا لمن سعى فيما لا يدركه، بالقبض على الماء كما قال الشاعر:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء، خانته فروج الأصابع
وقوله- سبحانه- وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أى: وما عبادة الكافرين للأصنام، والتجائوهم إليها في طلب الحاجات، إلا في ضياع وخسران لأن هذه الآلهة الباطلة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، فضلا عن أن تملك ذلك لغيرها.
قال علي بن أبى طالب ، رضي الله عنه : ( له دعوة الحق ) قال : التوحيد . رواه ابن جرير .
وقال ابن عباس ، وقتادة ، ومالك عن محمد بن المنكدر : ( له دعوة الحق ) [ قال ] لا إله إلا الله .
( والذين يدعون من دونه ) أي : ومثل الذين يعبدون آلهة غير الله . ( كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ) قال علي بن أبي طالب : كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده ، وهو لا يناله أبدا بيده ، فكيف يبلغ فاه ؟ .
وقال مجاهد : ( كباسط كفيه ) يدعو الماء بلسانه ، ويشير إليه [ بيده ] فلا يأتيه أبدا .
وقيل : المراد كقابض يده على الماء ، فإنه لا يحكم منه على شيء ، كما قال الشاعر :
فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
وقال الآخر :
فأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد
ومعنى الكلام : أن هذا الذي يبسط يده إلى الماء ، إما قابضا وإما متناولا له من بعد ، كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه ، الذي جعله محلا للشرب ، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره ، لا ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ولا في الآخرة; ولهذا قال : ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق, و " الدعوة " هي" الحق " كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: وَلَدَارُ الآخِرَةِ [سورة يوسف: 109]، وقد بينا ذلك فيما مضى. (1)
وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله .
* * *
وبنحو الذي قلنا تأوله أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20280- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: (دعوة الحق) ، قال: لا إله إلا الله .
20281- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (له دعوة الحق) قال: شهادة أن لا إله إلا الله .
20282- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه: (له دعوة الحق) قال: التوحيد . (2)
20283- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله .
20284- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس, في قوله: (له دعوة الحق) قال: لا إله إلا الله .
20285- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (له دعوة الحق) : لا إله إلا الله ليست تنبغي لأحد غيره, لا ينبغي أن يقال: فلان إله بني فلان .
* * *
وقوله: (والذين يدعون من دونه) يقول تعالى ذكره: والآلهة التي يَدْعونها المشركون أربابًا وآلهة .
* * *
وقوله (من دونه) يقول: من دون الله.
* * *
وإنما عنى بقوله: (من دونه) الآلهة أنها مقصِّرة عنه, وأنَّها لا تكون إلهًا, ولا يجوز أن يكون إلهًا إلا الله الواحد القهار، (3) ومنه قول الشاعر: (4)
أتُوعِـــدُنِي وَرَاء بَنِــي رِيَــاحٍ?
كَــذَبْتَ لَتَقْصُــرَنّ يَــدَاكَ دُونِـي (5)
يعني: لتقصرنَّ يداك عني .
* * *
وقوله: (لا يستجيبون لهم بشيء ) يقول: لا تجيب هذه الآلهة التي يدعوها هؤلاء المشركون آلهةً بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرٍّ (إلا كباسط كفيه إلى الماء) ، يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء بسطُه إياهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء, ولكن ليرتفع إليه بدعائه إياه وإشارته إليه وقبضه عليه .
* * *
والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء، (6) قال بعضهم: (7)
فــإنِّي وإيَّــاكُمْ وَشَــوْقًا إلَيْكُــمُ
كَقَــابِضِ مَــاءٍ لَـمْ تَسِـقْهُ أَنَامِلُـه (8)
يعني بذلك: أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء, لأن القابض على الماء لا شيء في يده . وقال آخر: (9)
فَـأَصْبَحْتُ مِمَّـا كـانَ بَيْنِـي وبَيْنهَـا
مِـنَ الـوُدِّ مِثْـلَ القَـابِضِ المَاءَ بِاليَد (10)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20286- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه, في قوله: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه . (11)
20287- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده, ولا يأتيه أبدًا .
20288- ... قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: أخبرني الأعرج, عن مجاهد: (ليبلغ فاه) يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه, كذلك لا يستجيب من هو دونه .
20289- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (كباسط كفيه إلى الماء) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده, فلا يأتيه أبدًا .
20290- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد
20291- ... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .
20292- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج. عن ابن جريج, عن مجاهد مثل حديث الحسن عن حجاج قال ابن جريج: وقال الأعرج عن مجاهد: (ليبلغ فاه) قال: يدعوه لأن يأتيه وما هو بآتيه, فكذلك لا يستجيب مَنْ دونه .
20293- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) وليس ببالغه حتى يتمزَّع عنقه ويهلك عطشًا قال الله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) هذا مثل ضربه الله ; أي هذا الذي يدعو من دون الله هذا الوثنَ وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبدًا ولا يسُوق إليه خيرًا ولا يدفع عنه سوءًا حتى يأتيه الموت, كمثل هذا الذي بسط ذارعيه إلى الماء ليبلغ فاه ولا يبلغ فاه ولا يصل إليه ذلك حتى يموت عطشًا .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناول خياله فيه, وما هو ببالغ ذلك .
*ذكر من قال ذلك:
20294- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) ، فقال: هذا مثل المشرك مع الله غيرَهُ, فمثله كمثل الرَّجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد, فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه .
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:
20295- حدثني به محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) إلى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) يقول: مثل الأوثان والذين يعبدون من دون الله، (12) كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كَرَبه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه, يقول الله: لا تستجيب الآلهة ولا تنفع الذين يعبدونها حتى يبلغ كفّا هذا فاه, وما هما ببالغتين فاه أبدًا .
20296- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) قال: لا ينفعونهم بشيء إلا كما ينفع هذا بكفيه, يعني بَسْطَهما إلى ما لا ينالُ أبدًا .
* * *
وقال آخرون: في ذلك ما:
20297- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) وليس الماء ببالغ فاه ما قام باسطًا كفيه لا يقبضهما(وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) . قال: هذا مثلٌ ضربه الله لمن اتخذ من دون الله إلهًا أنه غير نافعه, ولا يدفع عنه سوءًا حتى يموت على ذلك .
* * *
وقوله: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) يقول: وما دعاء من كفر بالله ما يدعو من الأوثان والآلهة(إلا في ضلال)، يقول: إلا في غير استقامة ولا هدًى, لأنه يشرك بالله .
----------------------
الهوامش :
(1) انظر ما سلف ص : 294 ، 295 .
(2) الأثر : 20282 - مضى هذا الإسناد الهالك مرارًا آخرها رقم : 20273 .
(3) انظر تفسير" دون" في فهارس اللغة ( دون ) .
(4) هو جرير .
(5) ديوانه 577 ، والنقائض : 31 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 326 والأضداد لابن الأنباري : 58 ، وسيأتي التفسير قريبًا 13 : 130 ( بولاق ) وغيرها كثير ، يهجو فضالة من بني عرين .
(6) قالوا في المثل : كالقابض على الماء" ، انظر أمثال الميداني 2 : 80 ، وجمهرة الأمثال : 164 .
(7) هو ضابئ بن الحارث البرجمي .
(8) من قصيدته التي قالها في السجن ، وكان أعد حديدة يريد أن يغتال بها عثمان بن عفان رضي الله عنه وشعره في خزانة الأدب 4 : 80 ، وفي طبقات فحول الشعراء : 145 ، وتاريخ الطبري 5 : 137 / 7 : 213 ، والبيت في الخزانة ، وفي اللسان ( وسق ) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 327 ، وغريب القرآن لابن قتيبة : 226 . وقوله :" لم تسقه" ، من" وسقت الشيء أسقه وسقًا" ، إذا حملته .
(9) هو الأحوص بن محمد الأنصاري .
(10) الزهرة : 183 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 327 ، وقبله :
فوَانـدَمِي إذْ لـم أَعُـجْ , إذ تقـولُ لِي
تقــدَّمْ فَشَـيِّعنا إلـى ضَحْـوةِ الغَـدِ
ووراية الزهرة :
سِـوَى ذِكْرهـا , كالقـابضَ الماءَ باليدِ
* وهي رواية جيدة جدًا ، خير مما روى أبو عبيدة والطبري .
(11) الأثر : 20286 - هذا أيضًا هو الإسناد الهالك الذي مضى برقم : 20282 .
(12) في المطبوعة والمخطوطة :" مثل الأثان الذين يعبدون" ، وهو لا يستقيم إلا كما كتبته .
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 14 | ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾ |
---|
غافر: 20 | ﴿وَاللَّـهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ۖ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ |
---|
الزخرف: 86 | ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ |
---|
أسباب النزول :
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
كباسط كفيه:
وقرئ:
بتنوين «باسط» .
التفسير :
أي:جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها خاضعة لربها، تسجد له{ طَوْعًا وَكَرْهًا} فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع اختيارا كالمؤمنين، والكره لمن يستكبر عن عبادة ربه، وحاله وفطرته تكذبه في ذلك،{ وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} أي:ويسجد له ظلال المخلوقات أول النهار وآخره وسجود كل شيء بحسب حاله كما قال تعالى:{ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها كان هو الإله حقا المعبود المحمود حقا وإلاهية غيره باطلة، ولهذا ذكر بطلانها
ثم بين- سبحانه- أن هذا الكون كله خاضع له- عز وجل- فقال: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ.
والمراد بالسجود له- سبحانه-: الانقياد والخضوع لعظمته.
وظلالهم: جمع ظل وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور.
والغدو: جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
والآصال: جمع أصيل وهو ما بين العصر وغروب الشمس.
والمعنى: ولله- تعالى- وحده يخضع وينقاد جميع من في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن وغيرهم.
وقوله «طوعا وكرها» منصوبان على الحال من «من» ، أى: أن جميعهم يسجدون لله، وينقادون لعظمته، حال كونهم طائعين وراضين بهذا السجود والانقياد، وحال كونهم كارهين وغير راضين به، لأنهم لا يستطيعون الخروج على حكمه لا في الإيجاد ولا في الإعدام ولا في الصحة ولا في المرض، ولا في الغنى ولا في الفقر ... فهم خاضعون لأمره شاءوا أم أبوا.
ويستوي في هذا الخضوع المؤمن والكافر، إلا أن المؤمن خاضع عن طواعية بذاته وبظاهره وبباطنه لله- تعالى-.
أما الكافر فهو خاضع لله- تعالى- بذاته، ومتمرد وجاحد وفاسق عن أمر ربه بظاهره، والضمير في قوله- سبحانه- وَظِلالُهُمْ يعود على مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
أى: لله- تعالى- يخضع من في السموات والأرض طوعا وكرها ويخضع له- أيضا- بالغدو والآصال ظلال من له ظل منهم، لأن هذه الظلال لازمة لأصحابها والكل تحت قهره ومشيئته في الامتداد والتقلص والحركة والسكون.
قال- تعالى- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ .
وقال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ، وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ .
ثم وجه- سبحانه- عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم أسئلة تهكمية إلى هؤلاء المشركين المجادلين في ذات الله- تعالى- وفي صفاته، وساق لهم أمثلة للحق وللباطل، وبين لهم حسن عاقبة المستجيبين لدعوة الحق، وسوء عاقبة المعرضين عنها فقال- تعالى-:
يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ، ودان له كل شيء . ولهذا يسجد له كل شيء طوعا من المؤمنين ، وكرها من المشركين ، ( وظلالهم بالغدو ) أي : البكر والآصال ، وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ، كما قال تعالى : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) [ النحل : 48 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعًا, فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْهًا حين يُكْرَهون على السُّجود . كما:-
20298- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) ، فأما المؤمن فيسجد طائعًا, وأما الكافر فيسجد كارهًا .
20299- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان قال: كان ربيع بن خُثيم إذا تلا هذه الآية: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) قال: بلى يا رَبَّاه .
20300- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا) قال: من دخل طائعًا، هذا طوعًا(وكرهًا) من لم يدخل إلا بالسَّيف .
* * *
وقوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) يقول: ويسجد أيضًا ظلالُ كل من سجد طوعًا وكرهًا بالغُدُوات والعَشَايا. (13) وذلك أن ظلَّ كلٍّ شخص فإنه يفيء بالعشيّ، كما قال جل ثناؤه أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ، [سورة النحل:48]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20301- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) ، يعني: حين يفيء ظلُّ أحدهم عن يمينه أو شماله .
20302- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن سفيان قال في تفسير مجاهد: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال: ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع, وظلُّ الكافر يسجد طوعًا وهو كاره . (14)
20304- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وظلالهم بالغدوّ والآصال) قال: ذُكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له, وقرأ: سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [سورة النحل:48]. قال: تلك الظلال تسجد لله .
* * *
و " الآصال ": جمع أصُلٍ, و " الأصُل ": جمع " أصيلٍ"، و " الأصيل ": هو العشيُّ, وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، (15) قال أبو ذؤيب:
لَعَمْـرِي لأَنْـتَ البَيْـتُ أُكْـرِمَ أَهْلَـهُ
وَأَقْعُــدُ فِــي أَفْيَائِــهِ بِالأصَـائِلِ (16)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله :مَنْ رَبُّ السموات والأرض ومدبِّرها, فإنهم سيقولون الله . وأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول: " الله ", فقال له: قل، يا محمد: ربُّها، الذي خلقها وأنشأها, هو الذي لا تصلح العبادة إلا له, وهو الله . ثم قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفاتخذتم من دون رب السموات والأرض أولياء لا تملك لأنفسها نفعًا تجلبه إلى نفسها, ولا ضرًّا تدفعه عنها, وهي إذ لم تملك ذلك لأنفسها, فمِنْ مِلْكه لغيرها أبعدُ فعبدتموها, وتركتم عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الأشياء كلها . ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلا فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ .
--------------------------
الهوامش :
(13) انظر تفسير" الغدو" فيما سلف 13 : 354 .
(14) قوله :" يسجد طوعًا وهو كاره" ، يعني أن الظل ، وهو من خلق الله المتعبد له ، يسجد طوعًا ، وصاحب الظل كاره للسجود ، وهو الكافر ، أعاذنا الله وإياك .
(15) انظر تفسير" الآصال" فيما سلف 13 : 354 ، 355 .
(16) ديوانه : 141 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 239 ، 328 ، والإنصاف : 304 ، 305 ، والخزانة 2 : 489 ، 564 ، واللسان ( أصل ) . وللنحاة فيه لجاجة كثيرة .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 15 | ﴿ وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ |
---|
النحل: 49 | ﴿ وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي:قل لهؤلاء المشركين به أوثانا وأندادا يحبونها كما يحبون الله، ويبذلون لها أنواع التقربات والعبادات:أفتاهت عقولكم حتى اتخذتم من دونه أولياء تتولونهم بالعبادة وليسوا بأهل لذلك؟
فإنهم{ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} وتتركون ولاية من هو كامل الأسماء والصفات، المالك للأحياء والأموات، الذي بيده الخلق والتدبير والنفع والضر؟
فما تستوي عبادة الله وحده، وعبادة المشركين به، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات والنور.
فإن كان عندهم شك واشتباه، وجعلوا له شركاء زعموا أنهم خلقوا كخلقه وفعلوا كفعله، فأزلْ عنهم هذا الاشتباه واللبس بالبرهان الدال على توحد الإله بالوحدانية، فقل لهم:{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإنه من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه.
ومن المحال أيضا أن يوجد من دون خالق، فتعين أن لها إلها خالقا لا شريك له في خلقه لأنه الواحد القهار، فإنه لا توجد الوحدة والقهر إلا لله وحده، فالمخلوقات وكل مخلوق فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر قاهر أعلى منه، حتى ينتهي القهر للواحد القهار، فالقهر والتوحيد متلازمان متعينان لله وحده، فتبين بالدليل العقلي القاهر، أن ما يدعى من دون الله ليس له شيء من خلق المخلوقات وبذلك كانت عبادته باطلة.
قال الفخر الرازي: «اعلم أنه- تعالى- لما بين أن كل من في السموات والأرض ساجد له، عاد إلى الرد على عبدة الأصنام فقال: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ.
ولما كان هذا الجواب جوابا يقر به المسئول ويعترف به ولا ينكره، أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الذاكر لهذا الجواب تنبيها على أنهم لا ينكرونه ألبتة ... ».
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين، من رب هذه الأجرام العظيمة العلوية والسفلية؟
فإذا ما أبوا الرد عليك عنادا وصلفا، فجابههم بالحقيقة التي لا يستطيعون إنكارها، وهي أن الله وحده هو رب هذه الأجرام، لأنه هو خالقها وموجدها على غير مثال سابق.
وقوله- سبحانه- قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا أمر ثالث منه- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم لإفحامهم وتبكيتهم.
فالهمزة للاستفهام التوبيخي، والفاء للعطف على مقدر بعد الهمزة.
والمعنى: أعلمتم حق العلم أن الله- تعالى- هو الخالق للسموات والأرض، فتركتم عبادته- سبحانه- واتخذتم من دونه «أولياء» أى نصراء عاجزين، لا يملكون لأنفسهم- فضلا عن أن يملكوا لغيرهم- نفعا يجلبونه لها، ولا ضرا يدفعونه عنها.
وجملة «لا يملكون» صفة لأولياء، والمقصود بها تنبيه السامعين للنظر في تلك الصفة، فإنهم إن أحسنوا التفكير في هؤلاء الأولياء، أيقنوا أنهم أحقر من أن يلتفت إليهم، فضلا عن أن يطلبوا منهم شيئا.
ثم أمره- سبحانه- للمرة الرابعة أن يبرهن لهم على بطلان معتقداتهم عن طريق ما هو مشاهد بالحواس فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ.
أى: قل لهم- أيضا- أيها الرسول الكريم: كما أنه لا يستوي في عرف كل عاقل الأعمى والبصير، والظلمات والنور، فكذلك لا يستوي الكفر والإيمان، فإن الكفر انطماس في البصيرة، وظلمات في القلب، أما الإيمان فهو نور في القلب وإشراق في النفس.
فالمراد بالأعمى الكافر وبالبصير المؤمن، كما أن المراد بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان.
وعبر القرآن الكريم في جانب الظلمات بصيغة الجمع، وفي جانب النور بصيغة الإفراد، لأن النور واحد ومن نتائجه الكشف والظهور. وتعدد أسبابه لا يغير حقيقته.
أما الظلمة فإنها متنوعة بتنوع أسبابها، فهناك ظلمة الليل، وهناك ظلمة السجون، وهناك ظلمة القبور، وهناك ظلمة العقول التي كان من نتائجها تعدد أنواع الكفر والضلال، كما هو الحال في شأن اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الذين انحرفوا عن طريق الحق.
ثم انتقل- سبحانه- إلى التهكم بهم عن طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم، وإهمالا لشأنهم فقال- تعالى-: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ....
وأم هنا بمعنى بل، والاستفهام للإنكار.
أى: إنهم ما اتخذوا لله- تعالى- شركاء يخلقون مثل خلق الله- تعالى- حتى نقول إن ما خلقوه تشابه مع خلقه- تعالى- فنلتمس لهم شيئا من العذر، ولكنهم اتخذوا معه- سبحانه آلهة أخرى «لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ... » .
فالجملة الكريمة تنعى عليهم جهلهم. حيث عبدوا من دون الله مخلوقا مثلهم، وتنفى أى عذر يعتذرون به يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
وقوله: «كخلقه» في معنى المفعول المطلق. أى: خلقوا خلقا شبيها بما خلقه الله- تعالى-. وجملة «فتشابه» معطوفة على جملة «خلقوا» .
ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم للمرة الخامسة بأن يقذفهم بالحق الذي يدفع باطلهم فقال- تعالى- قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.
أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم-: الله- تعالى- هو الخالق لكل شيء في هذا الكون، وهو- سبحانه- الواحد الأحد الفرد الصمد، القهار لكل ما سواه، والغالب لكل من غالبه.
يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو; لأنهم معترفون أنه هو الذي خلق السموات والأرض ، وهو ربها ومدبرها ، وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم ، وأولئك الآلهة لا تملك لنفسها ولا لعابديها بطريق الأولى ( نفعا ولا ضرا ) أي : لا تحصل منفعة ، ولا تدفع مضرة . فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع الله ، ومن عبد الله وحده لا شريك له ، وهو على نور من ربه ؟ ولهذا قال : ( قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) أي : أجعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق ، فخلقوا كخلقه ، فتشابه الخلق عليهم ، فلا يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره ؟ أي : ليس الأمر كذلك ، فإنه لا يشابهه شيء ولا يماثله ، ولا ند له ولا عدل له ، ولا وزير له ، ولا ولد ولا صاحبة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم يعترفون أنها مخلوقة له عبيد له ، كما كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . وكما أخبر تعالى عنهم في قوله : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [ الزمر : 3 ] فأنكر تعالى ذلك عليهم ، حيث اعتقدوا ذلك ، وهو تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) [ سبأ : 23 ] ، ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) [ النجم : 26 ] وقال : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) [ مريم : 93 - 95 ] فإذا كان الجميع عبيدا ، فلم يعبد بعضهم بعضا بلا دليل ولا برهان ، بل بمجرد الرأي والاختراع والابتداع ؟ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك ، وتنهاهم عن عبادة من سوى الله ، فكذبوهم وخالفوهم ، فحقت عليهم كلمة العذاب لا محالة ، ( ولا يظلم ربك أحدا ) [ الكهف : 49 ] .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عَبدُوا من دون الله الذي بيده نفعهم وضرهم ما لا ينفع ولا يضرُّ: (هل يستوي الأعمى) الذي لا يُبصر شيئًا ولا يهتدي لمحجة يسلكها إلا بأن يُهدى و " البصير " الذي يهدي الأعمى لمحجة الطريق الذي لا يُبصر؟ إنهما لا شك لغير مستويين. يقول: فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يُبصر الحق فيتبعه ويعرف الهدى فيسلكه، وأنتم أيها المشركون الذين لا تعرفون حقا ولا تبصرون رَشَدًا .
* * *
وقوله: (أم هل تستوي الظلمات والنور) ، يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظلماتُ التي لا تُرَى فيها المحجة فتُسْلَك ولا يرى فيها السبيل فيُرْكَب والنور الذي تبصر به الأشياء ويجلو ضوءه الظّلام؟ يقول: إن هذين لا شك لغير مستويين, فكذلك الكفر بالله, إنما صاحبه منه في حَيرة يضرب أبدًا في غمرة لا يرجع منه إلى حقيقة, والإيمان بالله صاحبه منه في ضياء يعمل على علم بربه، ومعرفةٍ منه بأن له مثيبًا يثيبه على إحسانه ومعاقبًا يعاقبه على إساءته ورازقًا يرزقه ونافعًا ينفعه .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20305- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) ، أما(الأعمى والبصير) فالكافر والمؤمن وأما(الظلمات والنور) فالهدى والضلالة .
* * *
وقوله: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أخَلَق أوثانُكم التي اتخذتموها أولياء من دون الله خلقًا كخلق الله، فاشتبه عليكم أمرُها فيما خَلقت وخَلَق الله فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك, أم إنما بكم الجهل والذهابُ عن الصواب؟ فإنه لا يشكل على ذي عقل أنّ عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهلٌ, وأن العبادة إنما تصلح للذي يُرْجَى نفعه وُيخْشَى ضَرَّه, كما أن ذلك غير مشكل خطؤه وجهلُ فاعله, كذلك لا يشكل جهل من أشرك في عبادة من يرزقه ويكفله ويَمُونه، من لا يقدِرُ له على ضررّ ولا نفع .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20306- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه) حملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان .
20307- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله .
20308- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) ، خلقوا كخلقه, فحملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان .
20309- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .
20310- ... قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) ضُرِبت مثلا .
* * *
وقوله: (قل الله خالق كل شيء) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرُّوا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئًا, فاللهُ خالقكم وخالق أوثانكم وخالق كل شيء, (17) فما وجه إشراككم ما لا يخلق ولا يضرّ؟
* * *
وقوله: (وهو الواحد القهار) ، يقول: وهو الفرد الذي لا ثاني له (18) (القهار) ، الذي يستحق الألوهة والعبادة, لا الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع . (19)
----------------------
الهوامش :
(17) في المطبوعة والمخطوطة :" وخلق كل شيء" ، والذي أثبت أجود .
(18) انظر تفسير" الواحد" فيما سلف 3 : 265 ، 266 / 16 : 104 .
(19) انظر تفسير" القهار" فيما سلف ص : 104 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأنعام: 102 | ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ |
---|
غافر: 62 | ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ |
---|
الرعد: 16 | ﴿قُلِ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ |
---|
الزمر: 62 | ﴿اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
يستوى:
قرئ:
1- بالياء، وهى قراءة الأخوين، وأبى بكر.
2- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
التفسير :
شبّه تعالى الهدى الذي أنزله على رسوله لحياة القلوب والأرواح، بالماء الذي أنزله لحياة الأشباح، وشبّه ما في الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطر إليه العباد، بما في المطر من النفع العام الضروري، وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها بالأودية التي تسيل فيها السيول، فواد كبير يسع ماء كثيرا، كقلب كبير يسع علما كثيرا، وواد صغير يأخذ ماء قليلا، كقلب صغير، يسع علما قليلا، وهكذا.
وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات عند وصول الحق إليها، بالزبد الذي يعلو الماء ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها، وأنها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له حتى تذهب وتضمحل، ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية الخالصة.
كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرهها، ويجاهدها بالبراهين الصادقة، والإرادات الجازمة، حتى تذهب وتضمحل ويبقى القلب خالصا صافيا ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق وإيثاره، والرغبة فيه، فالباطل يذهب ويمحقه الحق{ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} وقال هنا:{ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} ليتضح الحق من الباطل والهدى والضلال.
ثم ضرب- سبحانه- مثلين للحق هما الماء الصافي والجوهر النقي اللذان ينتفع بهما، ومثلين للباطل هما زبد الماء وزبد الجوهر اللذان لا نفع فيهما فقال- تعالى- أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً.
والأودية: جمع واد وهو الموضع المتسع الممتد من الأرض الذي يسيل فيه الماء بكثرة.
والسيل: الماء الجاري في تلك الأودية.
والزبد: هو الغثاء الذي يعلو على وجه الماء عند اشتداد حركته واضطرابه أو ما يعلو القدر عند الغليان ويسمى بالرغوة والوضر والخبث لعدم فائدته، ورابيا: من الربو بمعنى العلو والارتفاع.
والمعنى: أنزل الله- تعالى- من السماء ماء كثيرا، ومطرا مدرارا، فسالت أودية بقدرها، أى: فسالت المياه في الأودية بسبب هذا الإنزال، بمقدارها الذي حدده الله- تعالى- واقتضته حكمته في نفع الناس.
أو بمقدارها قلة وكثرة، بحسب صغر الأودية وكبرها، واتساعها وضيقها «فاحتمل السيل زبدا رابيا» أى فحمل الماء السائل في الأودية بكثرة وقوة، غثاء عاليا مرتفعا فوق الماء طافيا عليه، لا نفع فيه ولا فائدة منه.
وإلى هنا يكون قد انتهى المثل الأول، حيث شبه- سبحانه- الحق وأهله في الثبات والنفع بالماء الصافي الذي ينزل من السماء فتمتلئ به الأودية ويبقى محل انتفاع الناس به إلى الوقت المحدد في علم الله- تعالى-.
وشبه الباطل وشيعته في الاضمحلال وعدم النفع، بزبد السيل المنتفخ المرتفع فوق سطح الماء، فإنه مهما علا وارتفع فإنه سرعان ما يضمحل ويفنى وينسلخ عن المنفعة والفائدة.
ثم ابتدأ- سبحانه- في ضرب المثل الثاني فقال: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ.
و «من» في قوله «ومما يوقدون» لابتداء الغاية، وما موصولة، ويوقدون من الإيقاد وهو جعل الحطب وما يشبهه في النار ليزيد اشتعالها.
والجملة في محل رفع خبر مقدم، وقوله «زبد» مبتدأ مؤخر.
والحلية: ما يتحلى به الإنسان من الذهب والفضة وغيرهما.
والمتاع: ما يتمتع به في حياته من الأوانى والآلات المتخذة من الحديد والرصاص وأشباههما.
والضمير في قوله «مثله» يعود إلى الزبد في قوله- تعالى- زَبَداً رابِياً.
وقد قرأ حمزة والكسائي وحفص «يوقدون» وقرأ الباقون توقدون بالتاء.
والضمير للناس، وأضمر مع عدم سبق ذكره لظهوره.
والمعنى: وشبيه بالمثل السابق في خروج الزبد والخبث وطرحه بعيدا عن الأشياء النافعة، ما توقدون عليه النار من المعادن والجواهر، لكي تستخرجوا منها ما ينفعكم من الحلي والأمتعة المتنوعة، فإنكم في مثل هذه الحالة، تبقون على النقي النافع منها، وتطرحون الزبد والخبث الذي يلفظه الكير، والذي هو مثل زبد السيل في عدم النفع.
فقد شبه- سبحانه- في هذا المثل الثاني الحق وأهله في البقاء والنفع بالمعادن النافعة الباقية، وشبه الباطل وحزبه في الفناء وعدم النفع بخبث الحديد الذي يطرحه كير الحداد، ويهمله الناس.
ثم بين- سبحانه- المقصود من ضرب هذه الأمثال فقال: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ.
أى: مثل ذلك البيان البديع، يضرب الله الأمثلة للحق وللباطل إذا اجتمعا بأن يبين بأنه لا ثبات للباطل- مهما علا وانتفخ- مع وجود الحق، كما أنه لا ثبات للزبد مع الماء الصافي، ولا مع المعادن النقية.
والكلام على حذف مضاف والتقدير: يضرب الله مثل الحق ومثل الباطل.
وسر الحذف: الإنباء عن كمال التماثل بين الممثل والممثل به، حتى لكأن المثل المضروب هو عين الحق وعين الباطل.
ثم شرع- سبحانه- في تقسيم المثل فقال: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.
أى: فأما الزبد الذي لفظه السيل والحديد فيذهب «جفاء» مرميا به، مطروحا بعيدا، لأنه لا نفع فيه.
يقال: جفأ الماء بالزبد، إذا قذفه ورمى به، وجفأت الريح الغيم، إذا مزقته وفرقته، والجفاء بمعنى الغثاء.
وأما ما ينفع الناس من الماء الصافي، والمعدن النقي الخالي من الخبث «فيمكث في الأرض» أى فيبقى فيها لينتفع الناس به.
وبدأ- سبحانه- بالزبد في البيان فقال فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ مع أنه متأخر في الكلام السابق لأن الزبد هو الظاهر المنظور أولا لأعين الناس، أما الجوهر فهو مستتر خلفه لأنه هو الباقي النافع.
أو لأنه جرت العادة في التقسيم أن يبدأ بالمتأخر كما في قوله- تعالى- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ .
وقوله كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ تفخيم لشأن هذا التمثيل الذي اشتملت عليه الآية الكريمة.
أى: مثل ذلك البيان البديع الذي اشتملت عليه الآية الكريمة يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون، فيحملهم هذا التفكير على الإيمان الحق، وحسن التمييز بين الخير والشر، والمعروف والمنكر، والحق والباطل.
قال الإمام الشوكانى: «هذان مثلان ضربهما الله- تعالى- في هذه الآية للحق وللباطل يقول: إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله- تعالى- سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله.
كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء، وكخبث هذه الأجسام، فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه، فهذا مثل الباطل.
وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المراعى فيمكث في الأرض، وكذلك الصافي من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصا لا شوب فيه، وهو مثل الحق.
وقال الزجاج: فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعا بها.
ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذي يذهب جفاء، وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به» .
اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه ، والباطل في اضمحلاله وفنائه ، فقال تعالى : ( أنزل من السماء ماء ) أي : مطرا ، ( فسالت أودية بقدرها ) أي : أخذ كل واد بحسبه ، فهذا كبير وسع كثيرا من الماء ، وهذا صغير فوسع بقدره ، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها ، فمنها ما يسع علما كثيرا ، ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ، ( فاحتمل السيل زبدا رابيا ) أي : فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه ، هذا مثل ، وقوله : ( ومما يوقدون عليه في النار ) هذا هو المثل الثاني ، وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة ( ابتغاء حلية ) أي : ليجعل حلية أو نحاسا أو حديدا ، فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه ، كما يعلو ذلك زبد منه . ( كذلك يضرب الله الحق والباطل ) أي : إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له ، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ، ولا مع الذهب ونحوه مما يسبك في النار ، بل يذهب ويضمحل; ولهذا قال : ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) أي : لا ينتفع به ، بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي ، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح . وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب ، لا يرجع منه شيء ، ولا يبقى إلا الماء وذلك الذهب ونحوه ينتفع به; ولهذا قال : ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) كما قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] .
قال بعض السلف : كنت إذا قرأت مثلا من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي; لأن الله تعالى يقول : ( وما يعقلها إلا العالمون )
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله تعالى : ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) هذا مثل ضربه الله ، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ، فأما الشك فلا ينفع معه العمل ، وأما اليقين فينفع الله به أهله . وهو قوله : ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) [ وهو الشك ] ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) وهو اليقين ، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار; فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : قوله : ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ) يقول : احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة ( ومما يوقدون عليه في النار ) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد ، فللنحاس والحديد خبث ، فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء ، فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة ، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت . فجعل ذاك مثل العمل الصالح يبقى لأهله ، والعمل السيئ يضمحل عن أهله ، كما يذهب هذا الزبد ، فكذلك الهدى والحق جاءا من عند الله ، فمن عمل بالحق كان له ، ويبقى كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض . وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار فتأكل خبثه ، ويخرج جيده فينتفع به . كذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة ، وأقيم الناس ، وعرضت الأعمال ، فيزيغ الباطل ويهلك ، وينتفع أهل الحق بالحق .
وكذلك روي في تفسيرها عن مجاهد ، والحسن البصري ، وعطاء ، وقتادة ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقد ضرب الله ، سبحانه وتعالى ، في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين ناريا ومائيا ، وهما قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ) الآية [ البقرة : 17 ] ، ثم قال : ( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ) الآية [ البقرة : 19 ] . وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور مثلين ، أحدهما : قوله : ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ) [ النور : 39 ] الآية ، والسراب إنما يكون في شدة الحر; ولهذا جاء في الصحيحين : " فيقال لليهود يوم القيامة : فما تريدون ؟ فيقولون : أي ربنا ، عطشنا فاسقنا . فيقال : ألا تردون ؟ فيردون النار فإذا هي كالسراب يحطم بعضها بعضا " .
ثم قال في المثل الآخر : ( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ) الآية [ النور : 40 ] . وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضا ، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس ، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت طائفة منها [ أخرى ] إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " .
فهذا مثل مائي ، وقال في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " مثلي ومثلكم ، كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها " . قال : " فذلكم مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار ، هلم عن النار [ هلم عن النار ، هلم ] فتغلبوني فتقتحمون فيها " . وأخرجاه في الصحيحين أيضا فهذا مثل ناري .
قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، والإيمان به والكفر.
يقول تعالى ذكره: مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله، مثل ماء أنـزله الله من السماء إلى الأرض(فسالت أوديةٌ بقدرها) ، يقول: فاحتملته الأودية بملئها، الكبير بكبره، والصغير بصغره(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) ، يقول: فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنـزله الله من السماء، زبدًا عاليًا فوق السيل .
فهذا أحدُ مثلي الحقّ والباطل, فالحق هو الماءُ الباقي الذي أنـزله الله من السماء, والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل .
والمثل الآخر: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية) يقول جل ثناؤه: ومثلٌ آخر للحقّ والباطل, مثل فضة أو ذهب يوقد عليها الناس في النار طلب حلية يتخذونها أو متاع, وذلك من النحاس والرصاص والحديد, يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به، (زبد مثله) ، يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبد مثله, يعني: مثل زبد السَّيل لا ينتفع به ويذهب باطلا كما لا ينتفع بزبد السَّيل ويذهب باطلا .
* * *
ورفع " الزبد " بقوله: (ومما يوقدون عليه في النار) .
* * *
ومعنى الكلام: ومما يوقدون عليه في النار زبدٌ مثلُ زبد السيل في بطول زبده, وبقاء خالص الذهب والفضة .
يقول الله تعالى: (كذلك يضرب الله الحق والباطل) ، يقول: كما مثَّل الله مثلَ الإيمان والكفر، (20) في بُطُول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله، بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة, كذلك يمثل الله الحق والباطل (فأما الزبد فيذهب جُفَاء) يقول: فأما الزبد الذي علا السيل والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها, فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به، وتعلُّقه بالأشجار وجوانب الوادي(وأما ما ينفع الناس) من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس, فالماء يمكثُ في الأرض فتشربه, والذهب والفضة تمكث للناس(كذلك يضرب الله الأمثال) يقول: كما مثَّل هذا المثل للإيمان والكفر, كذلك يمثل الأمثال .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20311- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها, فأما الشك فلا ينفع معه العمل, وأما اليقين فينفع الله به أهله, وهو قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء) ، وهو الشك(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهو اليقين, كما يُجْعل الحَلْيُ في النار فيؤخذ خالصُه ويترك خَبَثُه في النار, فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .
20312- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) ، يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودِمْنة، (ومما يوقدون عليه في النار) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد, وللنحاس والحديد خَبَث, فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء . فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة, وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت . فجعل ذلك مثل العمل الصالح يبقى لأهله, والعمل السيءُ يضمحل عن أهله, كما يذهب هذا الزبد, فكذلك الهدى والحق جاء من عند الله, فمن عمل بالحق كان له، وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن تجعل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النّار فتأكل خبَثَه, فيخرج جيّده فينتفع به.
فكذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة، وأقيم الناس, وعرضت الأعمال, فيزيغ الباطل ويهلك, وينتفع أهل الحق بالحق, ثم قال: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حِلْية أو متاع زبدٌ مثله).
20313- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية) إلى: (أو متاع زبد مثله) ، فقال: ابتغاء حلية الذهب والفضة, أو متاع الصُّفْر والحديد . قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصُّفْر والحديد فخلص خالصه. قال: (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، كذلك بقاء الحق لأهله فانتفعوا به .
20314- حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) ، قال: ما أطاقت ملأها(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) قال: انقضى الكلام, ثم استقبل فقال: (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) قال: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه(زبد مثله) قال: خَبَثُ ذلك مثل زَبَد السيل . قال: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وأما الزبد فيذهب جفاء، قال: فذلك مثل الحق والباطل .
20315- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: أنه سمعه يقول: فذكر نحوه وزاد فيه، قال: قال ابن جريج: قال مجاهد قوله: (فأما الزبد فيذهب جفاء) قال: جمودًا في الأرض,(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، يعني الماء. وهما مثلان: مثل الحق والباطل .
20316- حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (زبدًا رابيًا) السيل مثل خَبَث الحديد والحلية(فيذهب جفاء) جمودًا في الأرض (ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) ، الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه . وقوله: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، إنما هما مثلان للحق والباطل .
20317- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد
20318- ... قال، وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: ( فسالت أودية بقدرها) قال: بملئها(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) ، قال: الزبد: السيل(ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) ، قال: خبث الحديد والحلية(فأما الزبد فيذهب جفاء) قال: جمودًا في الأرض(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) قال: الماء وهما مثلان للحق والباطل .
20319- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) ، الصغير بصغره، والكبير بكبره(فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) أي عاليًا(ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء) و " الجفاء ": ما يتعلق بالشجر(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) . هذه ثلاثة أمثال ضربَها الله في مثلٍ واحد. يقول: كما اضمحلّ هذا الزبد فصار جُفاءً لا ينتفع به ولا تُرْجى بركته, كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله كما اضمحل هذا الزبد, وكما مكث هذا الماء في الأرض, فأمرعت هذه الأرض وأخرجت نباتها, كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض, فأخرج الله به ما أخرج من النبات قوله: (ومما يوقدون عليه في النار) الآية, كما يبقى خالص الذهب والفضة حين أدخل النار وذهب خَبَثه, كذلك يبقى الحق لأهله قوله: (أو متاع زبد مثله) ، يقول: هذا الحديد والصُّفْر الذي ينتفع به فيه منافع. يقول: كما يبقى خالص هذا الحديد وهذا الصُّفر حين أدخل النار وذهب خَبَثه, كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما .
20320- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (فسالت أودية بقدرها) ، الكبير بقدره، والصغير بقدره(زبدًا رابيًا) قال: ربا فوق الماء الزبد" ومما يوقدون عليه في النار " قال: هو الذهب إذا أدخل النار بقي صَفْوه ونُفِيَ ما كان من كَدَره. وهذا مثل ضربه الله . للحق والباطل(فأما الزبد فيذهب جفاء) ، يتعلق بالشجر فلا يكون شيئًا. هذا مثل الباطل(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، وهذا يخرج النبات. وهو مثل الحق(أو متاع زبد مثله) قال: " المتاع "، الصُّفْر والحديد .
20321- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف قال: بلغني في قوله: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) قال: إنما هو مثل ضربه الله للحق والباطل(فسالت أودية بقدرها) الصغير على قدره, والكبير على قدره, وما بينهما على قدره (فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) يقول: عظيمًا, وحيث استقرَّ الماءُ يذهب الزبد جفاءً فتطير به الريح فلا يكون شيئًا, ويبقى صريح الماء الذي ينفع الناس، منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم(أو متاع زبد مثله) ، ومثل الزبد كلّ شيء يوقد عليه في النار الذهب والفضة والنحاس والحديد, فيذهب خَبَثُه ويبقى ما ينفع في أيديهم, والخبث والزَّبد مثل الباطل, والذي ينفع الناس مما تحصَّل في أيديهم مما ينفعهم المال الذي في أيديهم .
20322- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " قال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل . فقرأ: (أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا) هذا الزبد لا ينفع(أو متاع زبد مثله) ، هذا لا ينفع أيضًا قال: وبقي الماءُ في الأرض فنفع الناس, وبقي الحَلْيُ الذي صلح من هذا, فانتفع الناس به(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) ، وقال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل .
20323- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (أودية بقدرها) قال: الصغير بصغره, والكبير بكبره .
20324- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء: ضرب الله مثلا للحق والباطل, فضرب مثل الحق كمثل السيل الذي يمكث في الأرض, وضرب مثل الباطل كمثل الزبد الذي لا ينفع الناس .
* * *
وعنى بقوله: (رابيًا) ، عاليًا منتفخًا, من قولهم: رَبَا الشيء يَرْبُو رُبُوًا فهو رابٍ, ومنه قيل للنَّشْز من الأرض كهيئة الأكمة: " رابية " ، ومنه قول الله تعالى: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ . [سورة الحج5/سورة فصلت39]. (21)
* * *
وقيل للنحاس والرصاص والحديد في هذا الموضع " المتاع "، لأنه يستمتع به, وكل ما يتمتع به الناس فهو " متاع " ، (22)
كما قال الشاعر: (23)
تَمَتَّــعْ يــا مُشَــعَّثُ إنَّ شَــيْئًا
سَــبَقْتَ بِـهِ المَمَـاتَ هُـوَ المَتَـاعُ (24)
* * *
وأما الجفاء فإني:
20325- حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القِدْرُ, وذلك إذا غلت فانصبَّ زَبدها, أو سَكنَت فلا يبقى منه شيءٌ . (25)
* * *
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة، أن معنى قوله: (فيذهب جفاء) تنشِفهُ الأرض, وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى في معنى نشف," وانجفى الوادي" (26)
، إذا جاء بذلك الغثاء," وغَثَى الوادي فهو يَغْثَى غَثْيًا وغَثَيَانًا " (27) وذكر عن العرب أنها تقول: " جفأتُ القدر أجفؤها "، إذا أخرجتَ جُفَاءها, وهو الزبد الذي يعلوها و " أجفأتها إجفاء " لغة . قال: وقالوا: " جفأت الرجل جَفْأً": صرعته .
وقيل: (فيذهب جفاء) بمعنى " جفأ ", لأنه مصدر من قول القائل: " جفأ الوادي غُثاءه, فخرج مخرج الاسم، وهو مصدر, كذلك تفعل العرب في مصدر كلّ ما كان من فعل شيء اجتمع بعضُه إلى بعض كـ" القُمَاش والدُّقاق والحُطام والغُثَاء ", تخرجه على مذهب الاسم, كما فعلت ذلك في قولهم: " أعطيتُه عَطاء ", بمعنى الإعطاء, ولو أريد من " القماش " ، المصدر على الصحة لقيل: " قد قمشه قَمْشًا " .
--------------------------
الهوامش :
(20) في المطبوعة :" كما مثل الله الإيمان .." ، حذف ما أثبته من المخطوطة .
(21) انظر تفسير" ربا" فيما سلف 6 : 7 .
(22) انظر تفسير" المتاع" فيما سلف 15 : 146 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(23) هو المشعث العامري ، وبهذا البيت سمي" مشعثًا" .
(24) الأصمعيات رقم : 48 ، ومعجم الشعراء : 475 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 328 ، واللسان ( متع ) ، وهي أبيات جياد ، يقول بعد البيت :
بــإصْر يَــتَّرِكْنِي الحــيُّ يومًـا
رَهينــةَ دَارِهــمْ , وَهُــمُ سِـرَاعُ
وجــاءَتْ جَيْــأَلٌ وَأبُــو بَنِيهَـا
أَحَـــمُّ المَــأْقِيَيْنِ بِــهِ خُمَــاعُ
فظَــلاَّ ينْبِشــانِ الــتُّرْبَ عنِّـي
ومــا أنَـا وَيْـبَ غـيْرِك والسِّـباعُ
يقول : ليأتيني الأجل ، فيتركني أهلي دفينًا في ديارهم ، ثم يسرعون الرحيل . ثم تأتي" جيأل" ، وهي أنثى الضباع ، ويأتي ذكرها ، أسود مأق العين ، يخمع ويعرج ، فينبشان الترب عني ، ولا دفع عندي لما يفعلان .
(25) هذا نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 329 .
(26) هذا نص لا شبيه له في كتب اللغة في مادة ( جفا ) ، ولا في مادة ( جفأ ) ، وبين أنه أراد" جفا وأجفى" المعتل الآخر ، لا المهموز ، ولا أدري من قاله .
(27) هذا أيضًا لا أدري من قاله قبل زمان أبي جعفر ، إلا أن صاحب اللسان ذكر مثله عن ابن جني ، والمعروف عند أهل اللغة :" غثا الوادي يغثو" .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الرعد: 17 | ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ ﴾ |
---|
ابراهيم: 25 | ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ |
---|
النور: 35 | ﴿يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
بقدرها:
قرئ:
1- بفتح الدال، وهى قراءة الجمهور.
2- بسكونها، وهى قراءة الأشهب العقيلي، وزيد بن على، وأبى عمرو.
يوقدون:
1- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة حمزة، والكسائي، وحفص، وابن محيصن، ومجاهد، وطلحة، ويحيى.
وقرئ:
2- بالتاء، على الخطاب، هى قراءة باقى السبعة، والحسن، وأبى جعفر، والأعرج.
التفسير :
لما بيّن تعالى الحق من الباطل ذكر أن الناس على قسمين:مستجيب لربه، فذكر ثوابه، وغير مستجيب فذكر عقابه فقال:{ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ} أي:انقادت قلوبهم للعلم والإيمان وجوارحهم للأمر والنهي، وصاروا موافقين لربهم فيما يريده منهم، فلهم{ الْحُسْنَى} أي:الحالة الحسنة والثواب الحسن.
فلهم من الصفات أجلها ومن المناقب أفضلها ومن الثواب العاجل والآجل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،{ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} بعد ما ضرب لهم الأمثال وبين لهم الحق، لهم الحالة غير الحسنة، فـ{ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} من ذهب وفضة وغيرها،{ وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم وأنى لهم ذلك؟"
{ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه من عمل سيئ وما ضيعوه من حقوق الله وحقوق عباده قد كتب ذلك وسطر عليهم وقالوا:{ يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}{ و} بعد هذا الحساب السيئ{ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} الجامعة لكل عذاب، من الجوع الشديد، والعطش الوجيع، والنار الحامية والزقوم والزمهرير، والضريع وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب{ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} أي:المقر والمسكن مسكنهم.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك عاقبة أهل الحق، وعاقبة أهل الباطل فقال- تعالى-:
لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ....
أى: للمؤمنين الصادقين، الذين أطاعوا ربهم في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه، المثوبة الحسنى، وهي الجنة.
فالحسنى يصح أن تكون صفة لموصوف محذوف، ويصح أن تكون مبتدأ مؤخرا، وخبره «للذين استجابوا لربهم» .
«والذين لم يستجيبوا له» - سبحانه- ولم ينقادوا لأمره أو نهيه وهم الكفار «لو أن لهم ما في الأرض جميعا» من أصناف الأموال، ولهم أيضا «مثله معه لافتدوا به» أى لهان عليهم- مع نفاسته وكثرته- أن يقدموه فداء لأنفسهم من عذاب يوم القيامة.
فالضمير في قوله «ومثله معه» يعود إلى ما في الأرض جميعا من أصناف الأموال وفي ذلك ما فيه من تهويل ما يلقونه من عذاب أليم جزاء كفرهم وجحودهم.
ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم فقال: «أولئك لهم سوء الحساب» أى: أولئك الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحساب السيئ الذي لا رحمة معه، ولا تساهل فيه.
«ومأواهم جهنم» ، أى: ومرجعهم الذي يرجعون إليه جهنم. «وبئس المهاد» أى:
وبئس المستقر الذي يستقرون فيه.
والمخصوص بالذم محذوف أى: مهادهم أو جهنم.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت أوضح الأدلة وأحكمها على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وبينت حسن عاقبة المؤمنين، وسوء عاقبة المكذبين ...
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أنه لا يستوي الأعمى والبصير، ومدح أولى الألباب بما هم أهله من مدح، وذم أضدادهم بما يستحقون من ذم، فقال- تعالى-:
يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال : ( للذين استجابوا لربهم ) أي : أطاعوا الله ورسوله ، وانقادوا لأوامره ، وصدقوا أخباره الماضية والآتية ، فلهم ) الحسنى ) وهو الجزاء الحسن كما قال تعالى مخبرا عن ذي القرنين أنه قال : ( قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ) [ الكهف : 87 ، 88 ] وقال تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] .
وقوله : ( والذين لم يستجيبوا له ) أي لم : يطيعوا الله ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا ) أي : في الدار الآخرة ، لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتدوا به ، ولكن لا يتقبل منهم; لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفا ولا عدلا ( أولئك لهم سوء الحساب ) أي : في الدار الآخرة ، أي : يناقشون على النقير والقطمير ، والجليل والحقير ، ومن نوقش الحساب عذب; ولهذا قال : ( ومأواهم جهنم وبئس المهاد )
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله, (28) فإن لهم الحسنى, وهي الجنة، (29) كذلك:-
20326- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (للذين استجابوا لربهم الحسنى) وهي الجنة .
* * *
وقوله: (والذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به) ، يقول تعالى ذكره: وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته، (30) ولم يطيعوه فيما أمرهم به, ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم, فلو أن لهم ما في الأرض جميعًا من شيء ومثله معه ملكًا لهم، ثم قُبِل مثل ذلك منهم، وقبل منهم بدلا من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضًا، (31) لافتدوا به أنفسهم منه, يقول الله: (أولئك لهم سوء الحساب) ، يقول: هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب، يقول: لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها, فلا يغفر لهم منها شيئا, ولكن يعذبهم على جميعها . كما:-
20327- حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا عون, عن فرقد السبخي قال: قال لنا شهر بن حوشب: (سوء الحساب) أن لا يتجاوز لهم عن شيء . (32)
20328- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثني الحجاج بن أبي عثمان قال: حدثني فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما " سوء الحساب "؟ قلت: لا ! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء . (33)
* * *
وقوله: (ومأواهم جهنم) يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم (34) (وبئس المهاد) ، يقول: وبئس الفراش والوطاءُ جهنمُ التي هي مأواهم يوم القيامة . (35)
------------------------
الهوامش:
(28) انظر تفسير" الاستجابة" فيما سلف 13 : 465 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(29) انظر تفسير" الحسنى" فيما سلف 9 : 96 / 14 : 291 .
(30) في المطبوعة :" لم يستجيبوا له" ، وأثبت ما في المخطوطة .
(31) كانت هذه العبارة في المطبوعة هكذا :" ثم مثل ذلك ، وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب" ، وكان في المخطوطة هكذا :" ثم قبل مثل ذلك ، وقبل ذلك منهم بدلا من العذاب" . وهما عبارتان مختلفتان هالكتان ، والصواب الذي رجحته هو ما أثبت .
(32) الأثر : 20327 -" الحسن بن عرفة العبدي البغدادي" ، شيخ الطبري ، ثقة مضى برقم : 9373 ، 12851 ، 15766 .
و" يونس بن محمد بن مسلم البغدادي" ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 5090 ، 12549
و" عون" ، كأنه يعني :" عون بن سلام القرشي الكوفي" ، ثقة مترجم في التهذيب .
وأما" فرقد السبخي" ، فهو" فرقد بن يعقوب السبخي" ،" أبو يعقوب" ، كان ضعيفًا منكر الحديث ، لأنه لم يكن صاحب حديث ، وليس بثقة مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 131 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 81 ، وميزان الاعتدال 2 : 327 .
(33) الأثر : 20328 -" فرقد السبخي" ، ليس بثقة ، مضى برقم : 20327 ، وسيأتي هذا الخبر بإسناد آخر رقم : 20334 .
(34) انظر تفسير" المأوى" فيما سلف 15 : 26 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(35) انظر تفسير" المهاد" فيما سلف 12 : 435 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
المائدة: 36 | ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ |
---|
الرعد: 18 | ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ ﴾ |
---|
الزمر: 47 | ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء