39578798081828384

الإحصائيات

سورة القصص
ترتيب المصحف28ترتيب النزول49
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.00
عدد الآيات88عدد الأجزاء0.56
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول14تبدأ في الجزء20
تنتهي في الجزء20عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 14/29طسم: 2/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (78) الى الآية رقم (81) عدد الآيات (4)

قارونُ يغتَرُّ بمالِه وينسِبُ الفضلَ لنفسِهِ لا للهِ، ثُمَّ يخرجُ على قومِهِ في زينتِهِ، ويتمنَى البعضُ مِثْلَ ما أُوتِىَ قارونُ، فيخسفُ اللهُ به وبدارِهِ الأرضَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (82) الى الآية رقم (84) عدد الآيات (3)

تَعَجُّبُ الذينَ تمنُّوا أن يكونُوا مِثلَ قارونَ ممَّا حلَّ به، وبيانُ أن نعيمَ الآخرةِ للمتَّقينَ المتواضعينَ، ومضاعفةُ الحسناتِ لا السيئاتِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة القصص

الدعوة إلى التوحيد، وبيان أن إرادة الله وحده هي النافذة/ الثقة بوعد الله/ عاقبة الطغيان والفساد

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة القصص؟:   المحور الأساسي في سورة القصص هو قصة موسى عليه السلام. هل ذكرت السورة كل جوانب قصة موسى عليه السلام؟ الجواب: لا، بل ركزت على جوانب محددة من قصته: مولده، رميه في البحر، نشأته في قصر فرعون، خروجه من مصر إلى مدين وزواجه، ثم عودته إلى بلده بعد عشر سنين، وانتصاره على فرعون. سورة القصص هي السورة الوحيدة في القرآن التي ركّزت على مولد موسى ونشأته وخروجه إلى مدين، بينما لم تركز على بني إسرائيل ومشاكلهم مع موسى كما في باقي السور، فلماذا؟ تعالوا نتعرف على وقت نزول السورة لعلنا نجد الجواب. وقت نزول السورة: نزلت السورة وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه من مكة إلى المدينة حزينًا لفراق بلده، فأراد الله أن يطمئن قلبه بأنه سيرده إلي مكة مرة أخرى؛ فقص عليه قصة موسى عليه السلام، منذ مولده وفراقه لأمه، ثم عودته إليها. نزلت السورة تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك ستعود إلي مكة يا رسول الله منتصرًا بعد أن خرجت منها متخفيًا.
  • • في أول السورة وعد، وفي آخرها وعد::   فتأمل العلاقة بينهما: 1- الأول: وعد الله لأم موسى في أول السورة: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾ (7). 2- الثاني: وعد الله للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر السورة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾ (85). عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قَالَ: إِلَى مَكَّةَ. (البخاري 4773). ونلاحظ استعمال نفس الكلمة في الوعدين: (راد). وكأن المعنى: يا محمد إن الذي صدق وعده مع موسى وأمه، سيعيدك إلى مكة فاتحًا منتصرًا. فهدف سورة القصص هو الثقة بوعد الله، واليقين بأنه متحقق لا محالة، مهما طالت المدة أو صعبت الظروف.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «القصص».
  • • معنى الاسم ::   قصَّ علىَّ خبرَه: أورده، والقصَص: الخبر المقصوص، والقِصص: جمع قِصَّة.
  • • سبب التسمية ::   لورود هذا اللفظ (القصص) في الآية (25)؛ ولأن ‏الله ‏ذكر ‏فيها ‏قصة ‏موسى ‏مفصلة ‏موضحة ‏من ‏حين ‏ولادته ‏إلى ‏حين ‏رسالته.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة طسم» تسمية للسورة بما افتتحت به، و«سورة موسى»؛ لذكر ‏قصته ‏فيها ‏مفصلة.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الثقة بوعد الله، وأنه متحقق لا محالة، مهما طالت المدة أو صعبت الظروف.
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم ومستمر.
  • • علمتني السورة ::   أن العاقبة للحق وأهله، وأن إرادة الله وحده هي النافذة.
  • • علمتني السورة ::   اليقين في الله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ ، أم تخاف على ابنها من فرعون تلقي به في البحر؟!
رابعًا : فضل السورة :
  • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة القصص من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة القصص من (الطواسين أو الطواسيم)، وهي ثلاث سور نزلت متتالية، ووضعت في المصحف متتالية أيضًا، وهي: الشعراء، النمل، القصص، وسميت بذلك؛ لأنها افتتحت بالحروف المقطعة طسم (في الشعراء والقصص)، وطس (في النمل)، ويكاد يكون منهاجها واحدًا، في سلوك مسلك العظة والعبرة، عن طريق قصص الغابرين، وجميعها افتتحت بذكر قصة موسى عليه السلام، وكذلك جميعها اختتم بالتهديد والوعيد للمعاندين والمخالفين.
    • قصة موسى عليه السلام ذكرت في كثير من سور القرآن (تكرر اسم موسى 136 مرة في 34 سورة، وأكثر السور التي ذكرت قصته بالتفصيل: الأعراف، طه، القصص)، ولكن نجد أنها في سورة القصص ركزت على قصة سيدنا موسى من مولده إلى بعثته، وذكرت تفاصيل لم تذكر في سواها: كقتله المصري، وخروجه إلى مدين، وزواجه من بنت الرجل الصالح، وفصلت أكثر في محنة ميلاده ونشأته في قصر فرعون.
    • احتوت سورة القصص على آية تدل على فصيح القرآن الكريم وإعجازه، وهي: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (7)؛ لأنها اشتملت على: أَمرْين ونهيين وخبرين وبشارتين؛ أما الأمران فهما: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، و﴿فَأَلْقِيهِ﴾، وأما النهيان فهما: ﴿وَلَا تَخَافِي﴾، و﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾، وأما الخبران فهما: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ﴾، و﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾، وأما البشارتان فهما: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، و﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن تمتلأ قلوبنا بهذا العمل القلبي العظيم: اليقين والثقة في الله.
    • ألا نخاف علو الظالم وقوته؛ فلله إرادة سيمليها على كونه إملاءًا، وسينتهي الفساد، وسيعلو الحق، وسيأتي التمكين: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ... وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (4-6).
    • ألا نستعجل النصر؛ قال الله عن بني إسرائيل: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواَ﴾ (5)، ولم يأتِ النصر إلا بعد أربعين سنة.
    • أن نستخدم الحيلة المشروعة للتخلص من ظلم الظالم: ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ (12).
    • أن نصلح بين اثنين متخاصمين: ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ...﴾ (15).
    • أن نلجأ إلى الله دومًا: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (21).
    • أن نفعل الخير ونمضي؛ لا ننتظر الجزاء من الناس: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ (24).
    • أن نكافئ شخصًا أحسن إلينا؛ فإن هذا من دأب الصالحين: ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ (25).
    • أن نستعن بمن يعيننا على القيام بدعوتنا ممن يملك المواصفات المناسبة: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾ (34).
    • أن نحذر من اتباع الهوى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ﴾ (50).
    • أن نعرض عن اللغو: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ (55).
    • أن نحذر الظلم؛ فإنه من أسباب هلاك الأمم السابقة: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ (59).
    • ألا يشغلنا طعام ولا لباس ولا مسكن في الدنيا عن الآخرة: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ (60).
    • أن نحسن سريرتنا؛ فإن الله يعلم ما في الصدور: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (69).
    • أن نرضى بما قسم الله لنا: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (82).

تمرين حفظ الصفحة : 395

395

مدارسة الآية : [78] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ..

التفسير :

[78] قال قارون لقومه الذين وعظوه:إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة، أولم يعلم قارون أن الله قد أهلك مِن قبله من الأمم مَن هو أشد منه بطشاً، وأكثر جمعاً للأموال؟ ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون؛ لعلم الله تعالى بها، إنما يُسْألون سؤال توبيخ و

فـ{ قَالَ} قارون -رادا لنصيحتهم، كافرا بنعمة ربه-:{ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}

أي:إنما أدركت هذه الأموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب، وحذقي، أو على علم من اللّه بحالي، يعلم أني أهل لذلك، فلم تنصحوني على ما أعطاني للّه تعالى؟ قال تعالى مبينا أن عطاءه، ليس دليلا على حسن حالة المعطي:{ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} فما المانع من إهلاك قارون، مع مُضِيِّ عادتنا وسنتنا بإهلاك من هو مثله وأعظم، إذ فعل ما يوجب الهلاك؟.

{ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} بل يعاقبهم اللّه، ويعذبهم على ما يعلمه منهم، فهم، وإن أثبتوا لأنفسهم حالة حسنة، وشهدوا لها بالنجاة، فليس قولهم مقبولا، وليس ذلك دافعا عنهم من العذاب شيئا، لأن ذنوبهم غير خفية، فإنكارهم لا محل له، فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه، وعدم قبول نصيحة قومه، فرحا بطرا قد أعجبته نفسه، وغره ما أوتيه من الأموال.

ولكن قارون قابل هذه النصائح، بالغرور وبالإصرار على الفساد والجحود فقال كما حكى القرآن عنه إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي.

أى: قال قارون في الرد على ناصحيه: إن هذا المال الكثير الذي تحت يدي، إنما أوتيته بسبب علمي وجدي واجتهادي.. فكيف تطلبون منى أن أتصرف بمقتضى نصائحكم؟ لا. لن أتبع تلك النصائح التي وجهتموها إلى، فإن هذا المال مالي ولا شأن لكم بتصرفى فيه، كما أنه لا شأن لكم بتصرفاتى الخاصة، ولا بسلوكى في حياتي التي أملكها.

وهذا القول يدل على أن قارون، كان قد بلغ الذروة في الغرور والطغيان وجحود النعمة.

ولذا جاءه التهديد المصحوب بالسخرية منه ومن كنوزه، في قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً.

والمقصود بهذا الاستفهام التعجيب من حاله، والتأنيب له على جهله وغروره.

أى: أبلغ الغرور والجهل بقارون أنه يزعم أن هذا المال الذي بين يديه جمعه بمعرفته واجتهاده، مع أنه يعلم- حق العلم عن طريق التوراة وغيرها، أن الله- تعالى- قد أهلك من قبله. من أهل القرون السابقة عليه من هو أشد منه في القوة، وأكثر منه في جمع المال واكتنازه.

فالمقصود بالجملة الكريمة تهديده وتوبيخه على غروره وبطره.

وقوله- سبحانه-: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ جملة حالية. أى: والحال أنه لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون سؤال استعتاب واستعلام، لأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء. وإنما يسألون- كما جاء في قوله- تعالى- فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ- سؤال توبيخ وإفضاح.

فالمراد بالنفي في قوله- سبحانه- وَلا يُسْئَلُ.. سؤال الاستعلام والاستعتاب، والمراد بالإثبات في قوله: فَلَنَسْئَلَنَّ أو في قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ سؤال التقريع والتوبيخ.

أو نقول: إن في يوم القيامة مواقف، فالمجرمون قد يسألون في موقف، ولا يسألون في موقف آخر، وبذلك يمكن الجمع بين الآيات التي تنفى السؤال والآيات التي تثبته.

يقول تعالى مخبرا عن جواب قارون لقومه ، حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) أي : أنا لا أفتقر إلى ما تقولون ، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ، ولمحبته لي فتقديره : إنما أعطيته لعلم الله في أني أهل له ، وهذا كقوله تعالى : ( فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم ) [ الزمر : 49 ] أي : على علم من الله بي ، وكقوله تعالى : ( ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ) [ فصلت : 50 ] أي : هذا أستحقه .

وقد روي عن بعضهم أنه أراد : ( إنما أوتيته على علم عندي ) أي : إنه كان يعاني علم الكيمياء : وهذا القول ضعيف ; لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل ; لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله عز وجل ، قال الله : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) [ الحج : 73 ] ، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يقول الله تعالى : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة " . وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل ، فكيف بمن يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى ، هذا زور ومحال ، وجهل وضلال . وإنما يقدرون على الصبغ في الصورة الظاهرة ، وهو كذب وزغل وتمويه ، وترويج أنه صحيح في نفس الأمر ، وليس كذلك قطعا لا محالة ، ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاناها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفاكون فأما ما يجريه الله تعالى من خرق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبا أو فضة أو نحو ذلك ، فهذا أمر لا ينكره مسلم ، ولا يرده مؤمن ، ولكن هذا ليس من قبيل الصناعات وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسموات ، واختياره وفعله ، كما روي عن حيوة بن شريح المصري ، رحمه الله ، أنه سأله سائل ، فلم يكن عنده ما يعطيه ، ورأى ضرورته ، فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في كفه ، ثم ألقاها إلى ذلك السائل فإذا هي ذهب أحمر . والأحاديث والآثار [ في هذا ] كثيرة جدا يطول ذكرها .

وقال بعضهم : إن قارون كان يعلم الاسم الأعظم ، فدعا الله به ، فتمول بسببه ، والصحيح المعنى الأول ; ولهذا قال الله تعالى - رادا عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ) أي : قد كان من هو أكثر منه مالا وما كان ذلك عن محبة منا له ، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم ; ولهذا قال : ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) أي : لكثرة ذنوبهم .

قال قتادة : ( على علم عندي ) : على خير عندي .

وقال السدي : على علم أني أهل لذلك .

وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فإنه قال في قوله : ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) قال : لولا رضا الله عني ، ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال ، وقرأ ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) [ وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه يقول : لولا أنه يستحق ذلك لما أعطي ] .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)

يقول تعالى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيتُ هذه الكنوز على فضل علم عندي, علمه الله مني, فرضي بذلك عني, وفضلني بهذا المال عليكم, لعلمه بفضلي عليكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) قال: على خُبْرٍ عندي.

قال: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا, وقرأ: ( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ) ... الآية.

وقد قيل: إن معنى قوله: ( عِنْدِي ) بمعنى: أرى, كأنه قال: إنما أوتيته لفضل علمي, فيما أرى.

وقوله: ( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ) يقول جل ثناؤه: أو لم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه, فاستحقّ بذلك أن يُؤتى ما أُوتي من الكنوز, أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشا, وأكثر جمعا للأموال ; ولو كان الله يؤتي الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده, ولرضاه عنه, لم يكن يهلك من اهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالا لأن من كان الله عنه راضيا, فمحال أن يهلكه الله, وهو عنه راضٍ, وإنما يهلك من كان عليه ساخطا.

وقوله: ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) قيل: إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا سفيان, عن عمر, عن قَتادة ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) قال: يُدْخلون النار بغير حساب.

وقيل: معنى ذلك: أن الملائكة لا تسأل عنهم, لأنهم يعرفونهم بسيماهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) كقوله: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ زرقا سود الوجوه, والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم.

وقيل معنى ذلك: ولا يسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الأمم الماضية المجرمون فيم أهلكوا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) قال: عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا؟ فالهاء والميم في قوله: ( عَنْ ذُنُوبِهِمُ ) على هذا التأويل لمن الذي في قوله: ( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً ) وعلى التأويل الأول الذي قاله مجاهد وقَتادة للمجرمين, وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى؛ لأن الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب, لا مؤمن ولا كافر. فإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أنه لا معنى لخصوص المجرمين, لو كانت الهاء والميم اللتان في قوله: ( عَنْ ذُنُوبِهِمُ ) لمن الذي في قوله: ( مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً ) من دون المؤمنين, يعني لأنه غير مسئول عن ذلك مؤمن ولا كافر, إلا الذين ركبوه واكتسبوه.

التدبر :

وقفة
[78] ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ ما لاحظ أحد نفسه إلا هلك.
وقفة
[78] أيها الطالب! إن أوتيت حفظًا وذكاءً، فانتبه، فقد قال قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ فخسف به، والمؤمن حقًّا حاله حال المعترفين بالنعمة، كما قال صاحب الجنة: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّـهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ﴾ [الكهف: 39 ]، قال بعض السلف: «من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده، فليقل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله».
عمل
[78] عندما تتقلب بالنعم فانسب الفضل لربك، وحافظ على قلبك من أن يُوحي إليك الشيطان: أن ما أنت فيه لمزية فيك؛ فقد هلك قارون بذلك: ﴿قال إنما أوتيته على علم عندي﴾.
وقفة
[78] قارن بين قول قارون: ﴿قالَ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندي﴾، وبين قول ذى القرنين: ﴿قالَ ما مَكَّنّي فيهِ رَبّي خَيرٌ﴾ [الكهف: ٩٥]؛ ستتعرف على الفرق بينهما.
وقفة
[78] ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ ألم يقف على ما يفيده العلم، ولم يعلم ما فعل الله تعالى بمن هو أشد منه قوة حسًّا أو معنى، وأكثر مالًا أو جماعة يحوطونه ويخدمونه؛ حتى لا يغتر بما اغتر به.
عمل
[78] ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ إيَّاكَ أن تفخرَ على النَّاسِ بما آتاكَ اللهُ، وتنسِبُ الفضلَ لنفسِكَ فيه.
عمل
[78] احذر من طغيانِ أنا، ولي، وعندي، قال إبليس: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف: 12]، وقال فرعونُ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: 51]، وقال قارونُ: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾.
وقفة
[78] الاغترار بالنفس يؤدي للمهالك، فهذا قارون قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾، والنتيجة: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [81].
وقفة
[78] إذا وفقك الله؛ فقل إنما هو فضل الله علي، ولا تقل: كنت شابًّا طموحًا تغلبت على جميع الصعاب بعزيمة وإصرار وذكاء، وتنسى فضل الله عليك، فعلها من هو أنجح منا في الدنيا وهلك، قال قارون: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾.
وقفة
[78] خمسُ آياتٍ تختصر أمراض القلوب: الحسد: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ [الأعراف: 12]، الاستبداد: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ [غافر: 29]، الجحود: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾، الاستكبار: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: 51]، الغرور: ﴿ما أظن أن تبيد هذه أبدًا﴾ [الكهف: 35].
وقفة
[78] الحذر من طغيان هذه الألفاظ ﴿أنا، عندي، لي﴾، فقد ابتلي بها إبليس: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ [الأعراف: 12]، وفرعون: ﴿لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: 51]، وقارون: ﴿عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾.
وقفة
[78] ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ كل ما في الإنسان من خير ونِعَم، فهو من الله خلقًا وتقديرًا.
تفاعل
[78] ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ استعذ بالله الآن من عقابه.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي قارون.
  • ﴿ إِنَّما أُوتِيتُهُ:
  • انما: كافة ومكفوفة. أو تكون بمعنى: انّ الذي أوتيته.ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسمها. أوتيته: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. وجملة «أوتيته» صلة الموصول لا محل لها. أي انما أوتيت هذا المال أو هذا الغنى.
  • ﴿ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي:
  • جار ومجرور متعلق بخبر أَنَّ» عندي: ظرف مكان متعلق بصفة-نعت-لعلم أو متعلق بحال من نائب الفاعل في أُوتِيتُهُ» منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء. والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة. أو يكون المعنى عن علم في ظني أي هو في ظني ورأيي أوتيته على علم.
  • ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ:
  • الهمزة همزة انكار وتعجب بلفظ‍ استفهام. الواو عاطفة على فعل مضمر. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يعلم: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي قارون بمعنى: ألم يعلم هذا الدعي المغتر أو المغرور.
  • ﴿ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ:
  • أنّ حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. قد: حرف تحقيق. أهلك: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «قد أهلك وما بعدها» في محل رفع خبر أَنَّ» و أَنَّ» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي يَعْلَمْ».
  • ﴿ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ:
  • من قبله: جار ومجرور متعلق بأهلك والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. من القرون أي من أهل القرون: جار ومجرور متعلق بأهلك أو بحال محذوفة من المفعول مِنْ».
  • ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل أَهْلَكَ» هو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. أشد: خبر هُوَ» مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-لأنه على وزن«أفعل» صيغة مبالغة وبوزن الفعل والجملة الاسمية هُوَ أَشَدُّ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بمعنى: من هم أشد. لأن مِنْ» مفردة اللفظ‍ مجموع المعنى.
  • ﴿ مِنْهُ قُوَّةً:
  • منه: جار ومجرور متعلق بأشد. قوة: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَأَكْثَرُ جَمْعاً:
  • معطوفة بالواو على أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً» وتعرب اعرابها. أي واكثر جمعا للمال أو أكثر جماعة وعددا.
  • ﴿ وَلا يُسْئَلُ:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. يسأل: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة.
  • ﴿ عَنْ ذُنُوبِهِمُ:
  • جار ومجرور متعلق بيسأل. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ الْمُجْرِمُونَ:
  • نائب فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. بمعنى: لا يسألون عن ذنوبهم لأن الله عليم بجرائمهم مطلع عليها.'

المتشابهات :

القصص: 78﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ
الزمر: 49﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [78] لما قبلها :     ولَمَّا نصحوه بهذه النصائح؛ قابلَ قارونُ هذه النصائح بالغرور، ونسبَ الفضلَ لنفسِهِ لا للهِ، قال تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يسأل:
1- مبنيا المفعول، و «المجرمون» رفع به، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- لا تسأل، بالتاء والجزم، و «المجرمين» بالنصب، وهى قراءة ابن محيصن.

مدارسة الآية : [79] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ..

التفسير :

[79] فخرج قارون على قومه في زينته، مريداً بذلك إظهار عظمته وكثرة أمواله، وحين رآه الذين يريدون زينة الحياة الدنيا قالوا:يا ليت لنا مثل ما أُعطي قارون من المال والزينة والجاه، إن قارون لذو نصيب عظيم من الدنيا.

{ فَخَرَجَ} ذات يوم{ فِي زِينَتِهِ} أي:بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه، قد كان له من الأموال ما كان، وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه، وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة، جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها، فرمقته في تلك الحالة العيون، وملأت بِزَّتُهُ القلوب، واختلبت زينته النفوس، فانقسم فيه الناظرون قسمين، كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة.

فـ{ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي:الذين تعلقت إرادتهم فيها، وصارت منتهى رغبتهم، ليس لهم إرادة في سواها،{ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} من الدنيا ومتاعها وزهرتها{ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} وصدقوا إنه لذو حظ عظيم، لو كان الأمر منتهيا إلى رغباتهم، وأنه ليس وراء الدنيا، دار أخرى، فإنه قد أعطي منها ما به غاية التنعمبنعيم الدنيا، واقتدر بذلك على جميع مطالبه، فصار هذا الحظ العظيم، بحسب همتهم، وإن همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها، لَمِنْ أدنى الهمم وأسفلها وأدناها، وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية والمطالب الغالية.

ثم حكى القرآن بعد ذلك مظهرا آخر من مظاهر غرور قارون وبطره فقال: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ والجملة الكريمة معطوفة على قوله قبل ذلك قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي وما بينهما اعتراض. والزينة: اسم ما يتزين به الإنسان من حلى أو ثياب أو ما يشبههما.

أى: قال ما قال قارون على سبيل الفخر والخيلاء، ولم يكتف بهذا القول بل خرج على قومه في زينة عظيمة. وأبهة فخمة، فيها ما فيها من ألوان الرياش والخدم.

وقد ذكر بعض المفسرين روايات متعددة، في زينته التي خرج فيها، رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها، ويكفى أن نعلم أنها زينة فخمة، لأنه لم يرد نص في تفاصيلها.

وأمام هذه الزينة الفخمة التي خرج فيها قارون، انقسم الناس إلى فريقين، فريق استهوته هذه الزينة، وتمنى أن يكون له مثلها، وقد عبر القرآن عن هذا الفريق بقوله:

قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

أى: خرج قارون على قومه في زينته، فما كان من الذين يريدون الحياة الدنيا وزخارفها من قومه، إلا أن قالوا على سبيل التمني والانبهار.. يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون من مال وزينة ورياش، إنه لذو حظ عظيم، ونصيب ضخم، من متاع الدنيا وزينتها.

هكذا قال الذين يريدون الحياة الدنيا. وهم الفريق الأول من قوم قارون. أما الفريق الثاني المتمثل في أصحاب الإيمان القوى، والعلم النافع، فقد قابلوا أصحاب هذا القول بالزجر والتعنيف، وقد حكى القرآن ذلك عنهم فقال: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ، ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ.

يقول تعالى مخبرا عن قارون : إنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة ، وتجمل باهر ، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه ، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخرفها وزينتها ، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي ، قالوا : ( يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ) أي : ذو حظ وافر من الدنيا .

القول في تأويل قوله تعالى : فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)

يقول تعالى ذكره: فخرج قارون على قومه في زينته, وهي فيما ذكر ثياب الأرجوان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا طلحة بن عمرو, عن أبي الزبير, &; 19-528 &; عن جابر ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: في القرمز.

قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: في ثياب حمر.

حدثنا ابن وكيع, قال ثنا أبو خالد الأحمر, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: على براذين بيض, عليها سروج الأرجوان, عليهم المعصفرات.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: عليه ثوبان معصفران.

وقال ابن جُرَيج: على بغلة شهباء عليها الأرجوان, وثلاث مائة جارية على البغال الشهب, عليهن ثياب حمر.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثني أبي ويحيى بن يمان, عن مبارك, عن الحسن ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: في ثياب حمر وصفر.

حدثنا ابن المثني, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن سماك, أنه سمع إبراهيم النخعي, قال في هذه الآية ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: في ثياب حمر.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا شعبة, عن سماك, عن إبراهيم النخعيّ, مثله.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا غندر, قال: ثنا شعبة, عن سماك, عن إبراهيم مثله.

حدثنا محمد بن عمرو بن علي المقدمي, قال: ثنا إسماعيل بن حكيم, قال: دخلنا على مالك بن دينار عشية, وإذا هو في ذكر قارون, قال: وإذا رجل من جيرانه عليه ثياب معصفرة, قال: فقال مالك: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: في ثياب مثل ثياب هذا.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ): ذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة, عليهم وعلى دوابهم الأرجوان.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) قال: خرج في سبعين ألفا, عليهم المعصفرات, فيما كان أبي يذكر &; 19-629 &; لنا.

( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ) يقول تعالى ذكره: قال الذين يريدون زينة الحياة الدنيا من قوم قارون: يا ليتنا أُعطينا مثل ما أعطي قارون من زينتها( إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) يقول: إن قارون لذو نصيب من الدنيا.

التدبر :

وقفة
[79] ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِه﴾ِ أهل الدنيا يخرجون بزينتهم، لإبهار الضعفاء، العزة بالقرآن ألا نلتفت إليهم.
وقفة
[79] ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ في الحشود والاحتفالات تحضر شياطين الكبر والفخر، لا بد من كفاح مرير لإخضاع النفس للتواضع فيها.
وقفة
[79] ﴿فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ في زينَتِهِ﴾ الإبهار المبالغ فيه والمتعمد هو من وسائل سلب العقول والقلوب.
لمسة
[79] ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ تقول: (خرجت إلى ضيوفي)، و(خرجت إلى المسجد)، فتُعدّي الفعل خرجت بحرف الجر (إلى)، ولكن القرآن جعل خروج قارون إلى قومه متعديًا بحرف الجر (على): ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِه﴾، فما المعنى الذي أفاده حرف الجر (على)؟ عد الفعل (خرج) بحرف الجر (على)؛ ليصور لك هيئة خروج قارون، فقد خرج على هيئة متكبِّرِ متعالٍ، وهذا المعنى أفاده حرف الجر (على) الذي يدل على الاستعلاء.
وقفة
[79] إنما ينخدع بمظاهر الناس في فسادهم من أراد الدنيا ونسي الآخرة ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
وقفة
[79] الفتنة أسرع إلى قلوب الماديين أبناء الدنيا ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
وقفة
[79] ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ إذا نقص في القلب إرادة الآخرة امتلأ بإرادة الدنيا.
وقفة
[79] ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ هما کفتا ميزان في كل قلب، إذا خفت في القلب كفة (إرادة) الآخرة؛ رجحت كفة (إرادة) الدنيا وغلبت.
وقفة
[79] ﴿قالَ الَّذينَ يُريدونَ الحَياةَ الدُّنيا يا لَيتَ لَنا مِثلَ ما أوتِيَ قارونُ إِنَّهُ لَذو حَظٍّ عَظيمٍ﴾ وبالفعل أتت تلك الزينة المبهرة بنتائجها المرجوة.
وقفة
[79] ﴿يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ لابد للقلب من أحد الإرادتين: إما الدنيا وإما الآخرة, فإذا نقص في القلب إرادة الآخرة امتلأ بإرادة الدنيا.
وقفة
[79] ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ سبب هذه اﻷمنية: عين أصابها عمى عن نعمتها، وبصر حاد فيما عند غيرها.
وقفة
[79] ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ المظهر الخارجي كثيرًا ما يجذب البعض ونادرًا ما يتم التدقيق بالمضمون إلا بعد فوات الآوان.
وقفة
[79] قال قوم قارون: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾، سيادة البشر والجشع المالي: جعلهم طبقتين إحداهما تستغل واﻷخرى تحقد.
وقفة
[79] لما خرج قارون في زينته فتن قومه، فافتتنوا فقالوا: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾، فكل من تسبب في فتنة غيره وزعزعة إيمانه فهو من ورثة قارون.
وقفة
[79] قال أصحاب قارون: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾، ثم عندما نزل به الخسف قالوا: ﴿لولا أن مَنّ اللهُ علينا لخسف بنا﴾ [82]، لا تحزن على عدم استجابة الله لك في أمرٍ قد يضرك مستقبلًا، ولا تستطيعه، وخيرة الله دومًا أفضل من آمانينا.
وقفة
[79] المفتونون بالدنيا قالوا: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾، والمتخاذلون قالوا: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ [البقرة: 249]، كلا الفئتين كانتا من أهل الإيمان -في أحد قولي المفسرين- لكنه الإيمان الناقص الذي لا يثبت في أوقات المحن, وسرعان ما ينقلب عند أول ابتلاء.
وقفة
[79، 80] قارون ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾، والذين آمنوا قالوا: ﴿ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾، لأن قارون زينته خارجية في مظهره، والمؤمنون زينتهم داخلية في قلوبهم، فما كانت زينته في قلبه لم يفتنه ما يراه من زينة.

الإعراب :

  • ﴿ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ:
  • الفاء استئنافية. خرج: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. على قومه: جار ومجرور متعلق بخرج والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فِي زِينَتِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من ضمير «خرج» والجار فِي» للمصاحبة بمعنى مع زينته أو بزينته والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ قالَ الَّذِينَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا:
  • الجملة صلة الموصول لا محل لها. يريدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الحياة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الدنيا: صفة-نعت- للحياة منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أي يطلبون الحياة الدنيا.
  • ﴿ يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ:
  • أداة نداء والمنادى محذوف هنا بتقدير: يا هؤلاء. أو تكون الدُّنْيا» حرف تنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل. لنا: جار ومجرور متعلق بخبر لَيْتَ» المقدم. مثل: اسم لَيْتَ» منصوب بالفتحة وهو مضاف. و لَيْتَ»: حرف يفيد التمني كما أن «لعلّ» يفيد الرجاء.
  • ﴿ ما أُوتِيَ قارُونُ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أوتي: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. قارون: نائب فاعل مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والتعريف. وجملة أُوتِيَ قارُونُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: ما أوتيه قارون. أي غبطوه وتمنوا أن يكون لهم مثل ما عنده. والتمني: هو طلب شيء محبوب لا يرجى حصوله.
  • ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ‍ عَظِيمٍ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب اسم «ان» لذو: اللام لام التوكيد-المزحلقة-ذو: خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. حظ‍: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. عظيم: صفة-نعت-لحظ‍ مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.'

المتشابهات :

مريم: 11﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ
القصص: 79﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [79] لما قبلها :     وبعد ما قاله قارونُ على سبيل الفخر والخيلاء، رافضًا نصائح قومِه بكل غرور؛ لم يكتف بما قال، بل خرجَ على قومه في زينة عظيمة، مريدًا بذلك التعالي على الناس، قال تعالى:
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [80] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ..

التفسير :

[80] وقال الذين أوتوا العلم بالله وشرعه وعرفوا حقائق الأمور للذين قالوا:يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون:ويلكم اتقوا الله وأطيعوه، ثوابُ الله لمن آمن به وبرسله، وعمل الأعمال الصالحة، خيرٌ مما أوتي قارون، ولا يَتَقَبَّل هذه النصيحة ويوفَّق إليها ويعمل بها إل

{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} الذين عرفوا حقائق الأشياء، ونظروا إلى باطن الدنيا، حين نظرأولئك إلى ظاهرها:{ وَيْلَكُمْ} متوجعين مما تمنوا لأنفسهم، راثين لحالهم، منكرين لمقالهم:{ ثَوَابُ اللَّهِ} العاجل، من لذة العبادة ومحبته، والإنابة إليه، والإقبال عليه. والآجل من الجنة وما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين{ خَيْرٌ} من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه، فهذه حقيقة الأمر، ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الأعلى على الأدنى، فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له{ إِلَّا الصَّابِرُونَ} الذين حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها، أن تشغلهم عن ربهم، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب اللّه على الدنيا الفانية.

وكلمة وَيْلَكُمْ أصلها الدعاء بالهلاك، وهي منصوبة بمقدر. أى: ألزمكم الله الويل.

ثم استعملت في الزجر والتعنيف والحض على ترك ما هو قبيح، وهذا الاستعمال هو المراد هنا.

أى: وقال الذين أوتوا العلم النافع من قوم قارون. لمن يريدون الحياة الدنيا: كفوا عن قولكم هذا، واتركوا الرغبة في أن تكونوا مثله، فإن ثَوابُ اللَّهِ في الآخرة خَيْرٌ مما تمنيتموه، وهذا الثواب إنما هو لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فلا تتمنوا عرض الدنيا الزائل.

وهذه المثوبة العظمى التي أعدها الله- تعالى- لمن آمن وعمل صالحا وَلا يُلَقَّاها أى: لا يظفر بها، ولا يوفق للعمل لها إِلَّا الصَّابِرُونَ على طاعة الله- تعالى- وعلى ترك المعاصي والشهوات.

قال صاحب الكشاف: والراجع في وَلا يُلَقَّاها للكلمة التي تكلم بها العلماء، أو للثواب، لأنه في معنى المثوبة أو الجنة، أو للسيرة والطريقة وهي الإيمان والعمل الصالح .

فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم : ( ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ) أي : جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون .

[ كما في الحديث الصحيح : يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [ السجدة : 17 ] .

وقوله : ( ولا يلقاها إلا الصابرون ) : قال السدي : وما يلقى الجنة إلا الصابرون . كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم . قال ابن جرير : وما يلقى هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا ، الراغبون في الدار الآخرة . وكأنه جعل ذلك مقطوعا من كلام أولئك ، وجعله من كلام الله عز وجل وإخباره بذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ (80)

يقول تعالى ذكره: وقال الذين أوتوا العلم بالله, حين رأوا قارون خارجا عليهم في زينته, للذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: ويلكم اتقوا الله وأطيعوه, فثواب الله وجزاؤه لمن آمن به وبرسله, وعمل بما جاءت به رسله من صالحات الأعمال في الآخرة, خير مما أوتي قارون من زينته وماله لقارون. وقوله: ( وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ ) يقول: ولا يلقاها: أي ولا يوفَّق لقيل هذه الكلمة, وهي قوله: ( ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ) والهاء والألف كناية عن الكلمة. وقال: ( إِلا الصَّابِرُونَ ) يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا, وآثروا ما عند الله من جزيل ثوابه على صالحات الأعمال على لذّات الدنيا وشهواتها, فجدّوا في طاعة الله, ورفضوا الحياة الدنيا.

التدبر :

وقفة
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أي: بأحوال الدنيا والآخرة كما ينبغي، وإنما لم يوصفوا بإرادة ثواب الآخرة تنبيها على أن العلم بأحوال النشأتين يقتضي الإعراض عن الأولى والإقبال على الأخرى حتما، وأن تمني المتمنين ليس إلا لعدم علمهم بهما كما ينبغي.
عمل
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [الحج: 54]، ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [سبأ: 6] لأهل العلم مكانة خاصة عند الله، يجب أن يكونوا عندنا كذلك.
وقفة
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أهل العلم هم أهل الحكمة والنجاة من الفتن؛ لأن العلم يوجه صاحبه إلى الصواب.
وقفة
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ بقدر ما أوتوا من العلم؛ يكون زهدهم في الدنيا.
وقفة
[80] العلم النافع يزيل الغبش عند الفتن: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ﴾، إيثار ثواب الآجل على العاجل حالة العلماء؛ فمن كان هكذا فهو عالمِ، ومن آثر العاجل على الآجل فليس بعالمِ.
وقفة
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ إيثار ثواب الآجل على العاجل: حالةُ العلماء، فمن كان هكذا فهو عالم، ومَن آثر العاجل على الآجل فليس بعالم!
وقفة
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ ما أجمل العلم! يربي على النظر للمستقبل ويرفع الهمم.
وقفة
[80] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ انظر إلى هذا المنطق الحكيم الذي خاطب به الذين أوتوا العلم أولئك الذيت تطلعت قلوبهم إلى مال قارون، فقد ذكروا لهم الثواب الأعظم وقدموا لهم الأجر على الطلب، فلم يقولوا لهم (ويلكم من آمن وعمل صالحاً فإن له ثوابًا عظيمًا)؛ بل قدَّموا الثواب فقالوا: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، وهذا التقديم للأجر غايته تمكين هذا الأمر في ذهن السامعين، فهذا الثواب مطمع للنفس تستشرف إليه وتتشوق لمرآه.
وقفة
[80] إلى كل من كثر علمه وقل عمله؛ قال أعظم القائلين جل وعز: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾.
وقفة
[80] الفتنة إذا أقبلت لا يعلمها إلا العلماء، فإذا أدبرت عرفها كل الناس ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾.
عمل
[80] ﴿وَقالَ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوابُ اللَّهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا وَلا يُلَقّاها إِلَّا الصّابِرونَ﴾ تسلح بالعلم، فهو منجاة لك من الانزلاق فى هاوية اتباع الطغاة والظالمين.
عمل
[80] انصح من تعرف ممن يغترون بالمظاهر أن متاع الدنيا زائل، وذكَّرهم بقصة قارون ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾.
عمل
[80] ﴿أوتوا العلم﴾، ﴿مما عُلِّمت﴾ [الكهف: 66]، ﴿وعلَّمناه﴾ [الكهف: 65]؛ لا تغتر بعلمك، إنما هو شيء أوتيته وعُلمته، ليس لك منه شيء.
وقفة
[80] الزاهدون في الدنيا قالوا: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾, المجاهدون قالوا: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، وكلا الفئتين ثبتت في أصعب المواقف التي يزل عندها الإيمان، وهما موطنان: عند ملاقاة المال والمطمع, وعند ملاقاة الأعداء.
عمل
[80] قال المؤمنون من قوم قارون: ﴿ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، افرح بثواب الله فرح قارون بماله.
عمل
[80] ﴿ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ ثق تمامًا؛ لن تتلذذ بإيمانك وعملك الصالح ما لم تزين حياتك بـالصبر.
وقفة
[80] ﴿ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون﴾ ثواب الله خير من مفاتن هذه الحياة, ولا يلقاه إلا الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها، الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون، وعندما يعلم الله منهم الصبر يرفعهم إلى تلك الدرجة.
وقفة
[80] ﴿وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ كأن الصابرين من طينة مختلفة عن باقي البشر، فكل حلة تزين الانسان وتسمو به وترفعه تزينوا بها.
وقفة
[80] ﴿وَلا يُلَقّاها إِلَّا الصّابِرونَ﴾ نعم، فالأمر ليس بالهين يقينًا، ويلزمه جهاد وصبر.
وقفة
[80] ﴿وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّٰبِرُونَ﴾ يوفق الله أهل الصبر للثبات وقت فتن الشبهات والشهوات.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ الَّذِينَ:
  • الواو عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أُوتُوا الْعِلْمَ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أوتوا:فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهرة على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. وسميت فارقة لأنها تفرق بين واو العلة وواو الجماعة في الأفعال. العلم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
  • ﴿ وَيْلَكُمْ:
  • مصدر لا فعل له منصوب على المفعولية المطلقة وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور. أصله: الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع معناه تحسر وهلك. وقيل ان الويل: هو واد في جهنم. والويل والويح: مصدران إن أضيفا وجب نصبهما على المفعولية المطلقة وإلا جاز النصب والرفع على الابتداء.
  • ﴿ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. خير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وأصله: أخير. وحذفت الألف لأن حذفها أفصح.
  • ﴿ لِمَنْ آمَنَ:
  • اللام: حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر. آمن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة آمَنَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَعَمِلَ صالِحاً:
  • معطوفة بالواو على آمَنَ» وتعرب إعرابها. صالحا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى وعمل عملا صالحا. فحذف المصدر الواقع موقع المفعول «عملا» وحلت الصفة محله.
  • ﴿ وَلا يُلَقّاها:
  • الواو حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. لا: نافية لا عمل لها. يلقاها: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم بمعنى: ولا يلقن هذه الحكمة أو الكلمة التي تكلم بها العلماء أو الثواب لأنه في معنى. المثوبة أو تعود «ها» الى السيرة والطريقة وهي الايمان والعمل الصالح.
  • ﴿ إِلاَّ الصّابِرُونَ:
  • الاّ: أداة حصر لا عمل لها. الصابرون: نائب فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.'

المتشابهات :

النحل: 27﴿وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ
القصص: 80﴿وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
الروم: 56﴿وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [80] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ ما قاله الفريق الأول من قوم قارون، وهم الذين يريدون الحياة الدنيا؛ ذكرَ هنا ما قاله الفريق الثاني، وهم الذين أوتوا العلم، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [81] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا ..

التفسير :

[81] فخسفنا بقارون وبداره الأرض، فما كان له من جند ينصرونه من دون الله، وما كان ممتنعاً من الله إذا أحلَّ به نقمته.

فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازَّيَّنَتْت الدنيا عنده، وكثر بها إعجابه، بغته العذاب{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} جزاء من جنس عمله، فكما رفع نفسه على عباد اللّه، أنزله اللّه أسفل سافلين، هو وما اغتر به، من داره وأثاثه، ومتاعه.

{ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} أي:جماعة، وعصبة، وخدم، وجنود{ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} أي:جاءه العذاب، فما نصر ولا انتصر.

ثم جاءت بعد ذلك العقوبة لقارون، بعد أن تجاوز الحدود في البغي والفخر والإفساد في الأرض. وقد حكى سبحانه- هذه العقوبة في قوله: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ.

وقوله- تعالى- فَخَسَفْنا من الخسف وهو النزول في الأرض، يقال: خسف المكان خسفا- من باب ضرب- إذا غار في الأرض. ويقال: خسف القمر، إذا ذهب ضوؤه، وخسف الله بفلان الأرض، إذا غيبه فيها.

قال ابن كثير لما ذكر الله- تعالى- اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه وبغيه عليهم، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض، كما ثبت في الصحيح- عند البخاري من حديث الزهري عن سالم- أن أباه حدثه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة» .

أى. تمادى قارون في بغيه، ولم يستمع لنصح الناصحين، فغيبناه في الأرض هو وداره، وأذهبناهما فيها إذهابا تاما.

فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أى: فما كان لقارون من جماعة أو عصبة تنصره من عذاب الله، بأن تدفعه عنه، أو ترحمه منه.

وَما كانَ قارون مِنَ المُنْتَصِرِينَ بل كان من الأذلين الذين تلقوا عقوبة الله- تعالى- باستسلام وخضوع وخنوع، دون أن يستطيع هو أو قومه رد عقوبة الله- تعالى-.

لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته ، وفخره على قومه وبغيه عليهم ، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض ، كما ثبت في الصحيح - عند البخاري من حديث الزهري ، عن سالم - أن أباه حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " .

ثم رواه من حديث جرير بن زيد ، عن سالم عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص ، حدثنا الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينا رجل فيمن كان قبلكم ، خرج في بردين أخضرين يختال فيهما ، أمر الله الأرض فأخذته ، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة " . تفرد به أحمد ، وإسناده حسن .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا أبو معلى بن منصور ، أخبرني محمد بن مسلم ، سمعت زيادا النميري يحدث عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينا رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما ، فأمر الله الأرض فأخذته ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " .

وقد ذكر [ الحافظ ] محمد بن المنذر - شكر - في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال : رأيت شابا في مسجد نجران ، فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله ، فقال : ما لك تنظر إلي ؟ فقلت : أعجب من جمالك وكمالك . فقال : إن الله ليعجب مني . قال : فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر ، فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب .

وقد ذكر أن هلاك قارون كان عن دعوة نبي الله موسى عليه السلام واختلف في سببه ، فعن ابن عباس والسدي : أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل ، وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله ، فتقول : يا موسى ، إنك فعلت بي كذا وكذا . فلما قالت في الملأ ذلك لموسى عليه السلام ، أرعد من الفرق ، وأقبل عليها وصلى ركعتين ثم قال : أنشدك بالله الذي فرق البحر ، وأنجاكم من فرعون ، وفعل كذا و [ فعل ] كذا ، لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت : أما إذ نشدتني فإن قارون أعطاني كذا وكذا ، على أن أقول لك ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه . فعند ذلك خر موسى لله عز وجل ساجدا ، وسأل الله في قارون . فأوحى الله إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه ، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك .

وقيل : إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك ، وهو راكب على البغال الشهب ، وعليه وعلى خدمه الثياب الأرجوان الصبغة ، فمر في جحفله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام ، وهو يذكرهم بأيام الله . فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوه الناس حوله ، ينظرون إلى ما هو فيه . فدعاه موسى عليه السلام ، وقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا موسى ، أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة ، فلقد فضلت عليك بالدنيا ، ولئن شئت لتخرجن ، فلتدعون علي وأدعو عليك . فخرج وخرج قارون في قومه ، فقال موسى : تدعو أو أدعو أنا ؟ قال : بل أنا أدعو . فدعا قارون فلم يجب له ، ثم قال موسى : أدعو ؟ قال : نعم . فقال موسى : اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم ، فأوحى الله إليه أني قد فعلت ، فقال موسى : يا أرض ، خذيهم . فأخذتهم إلى أقدامهم . ثم قال : خذيهم . فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم إلى مناكبهم . ثم قال : أقبلي بكنوزهم وأموالهم . قال : فأقبلت بها حتى نظروا إليها . ثم أشار موسى بيده فقال : اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض .

وعن ابن عباس أنه قال : خسف بهم إلى الأرض السابعة .

وقال قتادة : ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة .

وقد ذكر هاهنا إسرائيليات [ غريبة ] أضربنا عنها صفحا .

وقوله : ( فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ) أي : ما أغنى عنه ماله ، وما جمعه ، ولا خدمه و [ لا ] حشمه . ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله [ به ] ، ولا كان هو في نفسه منتصرا لنفسه ، فلا ناصر له [ لا ] من نفسه ، ولا من غيره .

القول في تأويل قوله تعالى : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)

يقول تعالى ذكره: فخسفنا بقارون وأهل داره. وقيل: وبداره, لأنه ذكر أن موسى إذ أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه, وأخذ من كان معه من جلسائه في داره, وكانوا جماعة جلوسا معه, وهم على مثل الذي هو عليه من النفاق والمؤازرة على أذى موسى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا الأعمش, عن المنهال بن عمرو, عن عبد الله بن الحارث, عن ابن عباس, قال: لما نـزلت الزكاة أتى قارون موسى, فصالحه على كلّ ألف دينار دينارا, وكلّ ألف شيء شيئا, أو قال: وكلّ ألف شاة شاة " الطبريّ يشكّ" قال: ثم أتى بيته فحسبه فوجده كثيرا, فجمع بني إسرائيل, فقال: يا بني إسرائيل، إن موسى قد أمركم بكلّ شيء فأطعتموه, وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم, فقالوا: أنت كبيرنا وأنت سيدنا, فمرنا بما شئت, فقال: آمركم &; 19-630 &; أن تجيئوا بفلانة البغي, فتجعلوا لها جعلا فتقذفه بنفسها, فدعوها فجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها, ثم أتى موسى, فقال لموسى: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم ولتنهاهم, فخرج إليهم وهم في براح من الأرض, فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده, ومن افترى جلدناه, ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة, ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموت, أو رجمناه حتى يموت " الطبري يشكّ" فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة. قال: ادعوها, فإن قالت, فهو كما قالت; فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة, قالت: يا لبيك, قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا وكذبوا, ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي; فوثب, فسجد وهو بينهم, فأوحى الله إليه: مُر الأرض بما شئت, قال: يا أرض خذيهم! فأخذتهم إلى أقدامهم. ثم قال: يا أرض خذيهم, فأخذتهم إلى ركبهم. ثم قال: يا أرض خذيهم, فأخذتهم إلى حقيهم (1) ثم قال: يا أرض خذيهم, فأخذتهم إلى أعناقهم؛ قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى, ويتضرّعون إليه. قال: يا أرض خذيهم, فانطبقت عليهم, فأوحى الله إليه: يا موسى, يقول لك عبادي: يا موسى, يا موسى فلا ترحمهم؟ أما لو إياي دعوا, لوجدوني قريبا مجيبا; قال: فذلك قول الله: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ وكانت زينته أنه خرج على دوابّ شقر عليها سروج حمر, عليهم ثياب مصبغة بالبهرمان (2) .

قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ... إلى قوله: وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ يا محمد تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن المنهال, عن رجل, عن ابن عباس قال: لما أمر الله موسى بالزكاة, قال: رموه بالزنا, فجزع من ذلك, فأرسلوا إلى امرأة كانت قد أعطوها حكمها, على أن ترميه بنفسها; فلما جاءت عظم عليها, وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل, وأنـزل التوراة على موسى إلا صدقتِ. قالت: إذ قد استحلفتني, فإني أشهد أنك بريء, وأنك رسول الله, فخرّ ساجدا يبكي, فأوحى الله تبارك وتعالى: ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض, فمُرها بما شئت, فقال: خذيهم, فأخذتهم إلى ما شاء الله, فقالوا: يا موسى, يا موسى، فقال: خذيهم, فأخذتهم إلى ما شاء الله, فقالوا: يا موسى, يا موسى، فخسفتهم. قال: وأصاب بني إسرائيل بعد ذلك شدة وجوع شديد, فأتوا موسى, فقالوا: ادع لنا ربك; قال: فدعا لهم, فأوحى الله إليه: يا موسى, أتكلمني في قوم قد أظلم ما بيني وبينهم خطاياهم, وقد دعوك فلم تجبهم, أما إياي لو دعوا لأجبتهم.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن الأعمش, عن المنهال, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ) قال: قيل للأرض خذيهم, فأخذتهم إلى أعقابهم; ثم قيل لها: خذيهم, فأخذتهم إلى ركبهم; ثم قيل لها: خذيهم, فأخذتهم إلى أحقائهم; ثم قيل لها: خذيهم, فأخذتهم إلى أعناقهم ; ثم قيل لها: خذيهم, فخسف بهم, فذلك قوله: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ).

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد, عن الأعمش, عن المنهال, عن سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, في قوله: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى قال: كان ابن عمه, وكان موسى يقضي في ناحية بني إسرائيل, وقارون في ناحية, قال: فدعا بغية كانت في بني إسرائيل, فجعل لها جعلا على أن ترمي موسى بنفسها, فتركته إذا كان يوم تجتمع فيه بنو إسرائيل إلى موسى, أتاه قارون فقال: يا موسى ما حد من سرق؟ قال: أن تنقطع يده, قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم ; قال. فما حد من زنى؟ قال: أن يرجم, قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم; قال: فإنك قد فعلت, قال: ويلك بمن؟ قال: بفلانة، فدعاها موسى, فقال: أنشدك بالذي أنـزل التوراة, أصدق قارون؟ قالت: اللهمّ إذ نشدتني, فإني أشهد أنك برئ, وانك رسول الله, وأن عدو الله قارون جعل لي جعلا على أن أرميك بنفسي; قال: فوثب موسى, فخر ساجدا لله, فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك, فقد أمرت الأرض أن تطيعك, فقال موسى: يا أرض خذيهم, فأخذتهم حتى بلغوا الحقو, قال: يا موسى; قال: خذيهم, فأخذتهم حتى بلغوا الصدور, قال: يا موسى, قال: خذيهم, قال: فذهبوا. قال: فأوحى الله إليه يا موسى: استغاث بك فلم تغثه, أما لو استغاث بي لأجبته ولأغثته.

حدثنا بشر بن هلال الصوّاف, قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعيّ, قال: ثنا عليّ بن زيد بن جدعان, قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار, ودخل المقصورة; فلما خرج منها,جلس وتساند عليها, وجلسنا إليه, فذكر سليمان بن داود قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ... إلى قوله: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ثم سكت عن ذكر سليمان, فقال: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ,( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي قال: وعادى موسى, وكان مؤذيا له, وكان موسى يصفح عنه ويعفو, للقرابة, حتى بنى دارا, وجعل باب داره من ذهب, وضرب على جدرانه صفائح الذهب, وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون, فيطعمهم الطعام, ويحدّثونه ويضحكونه, فلم تدعه شقوته والبلاء, حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا, مشهورة بالسب, فأرسل إليها فجاءته, فقال لها: هل لك أن أموّلك وأعطيك, وأخلطك في نسائي, على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي, فتقولي: يا قارون, ألا تنهى عني موسى، قالت: بلى. فلما جلس قارون, وجاء الملأ من بني إسرائيل, أرسل إليها, فجاءت فقامت بين يديه, فقلب الله قلبها, وأحدث لها توبة, فقالت في نفسها: لأن أحدث اليوم توبة, أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأكذّب عدو الله له. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أموّلك وأعطيك, وأخلطك بنسائي, على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي, فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى, فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأكذب عدو الله; فلما تكلمت بهذا الكلام, سقط في يدي قارون, ونكس رأسه, وسكت الملأ وعرف أنه قد وقع في هلكة, وشاع كلامها في الناس, حتى بلغ موسى; فلما بلغ موسى اشتدّ غضبه, فتوضأ من الماء, وصلى وبكى, وقال: يا ربّ عدوك لي مؤذ, أراد فضيحتي وشيني, يا ربّ سلطني عليه. فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك. فجاء موسى إلى قارون; فلما دخل عليه, عرف الشرّ في وجه موسى له, فقال: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم, قال: فاضطربت داره, وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين, وجعل يقول: يا موسى, فأخذتهم إلى ركبهم, وهو يتضرّع إلى موسى: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم, قال فاضطربت داره وساخت وخُسف بقارون وأصحابه إلى سررهم, وهو يتضرّع إلى موسى: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم, فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى صلى الله عليه وسلم: يا موسى ما أفظك، أما وعزّتي لو إياي نادى لأجبته.

حدثني بشر بن هلال, قال: ثنا جعفر بن سليمان, عن أبي عمران الجوني, قال: بلغني أنه قيل لموسى: لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبدا.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي, وعبد الحميد الحماني, عن سفيان, عن الأغر بن الصباح, عن خليفة بن حصين, قال عبد الحميد, عن أبي نصر, عن ابن عباس, ولم يذكر ابن مهدي أبا نصر ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ) قال: الأرض السابعة.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: بلغنا أنه يخسف به كلّ يوم مائة قامة, ولا يبلغ أسفل الأرض إلى يوم القيامة, فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا زيد بن حبان, عن جعفر بن سليمان, قال: سمعت مالك بن دينار, قال: بلغني أن قارون يخسف به كلّ يوم مائة قامة.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ) ذكر لما أنه يخسف به كلّ يوم قامة, وأنه يتجلجل فيها, لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.

وقوله: ( فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يقول: فلم يكن له جند يرجع إليهم, ولا فئة ينصرونه لما نـزل به من سخطه, بل تبرءوا منه.

(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) يقول: ولا كان هو ممن ينتصر من الله إذا أحل به نقمته، فيمتنع لقوته منها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة: ( فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ ) أي جند ينصرونه, وما عنده منعة يمتنع بها من الله.

وقد بيَّنا معنى الفئة فيما مضى وأنها الجماعة من الناس, وأصلها الجماعة التي يفيء إليها الرجل عند الحاجة إليهم, للعون على العدوّ, ثم تستعمل ذلك العرب في كل جماعة كانت عونا للرجل, وظهرا له; ومنه قول خفاف:

فَلَـــمْ أَرَ مِثْلَهُــمْ حَيًّــا لَقَاحًــا

وَجَــدّكَ بيــنَ نَاضِحَــةٍ وَحَجْـرِ

أشَــدَّ عــلى صُـرُوفِ الدَّهْـرِ آدًا

وأكـــبرَ منهُــمُ فِئَــةً بِصَــبْرِ (3)

------------------------

الهوامش:

(1) الحقو: معقد الإزار. جمعه: أحق، وأحقاء، وحقي (بشد الياء) وحقاء (اللسان: حقا).

(2) البهرمان، بفتح الباء والراء: العصفر أو ضرب منه (اللسان: بهرم).

(3) البيتان من شعر خفاف بن ندبة، وهما من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (183ب) قال عند قوله تعالى: (فما كان له من فئة) أي من أعوان وظهر، قال خفاف: فلم أر مثلهم حيًّا لقاحًا..." البيتين. وفي (اللسان: لقح): وحي لقاح: لم يدينوا للملوك، ولم يملكوا، ولم يصبهم في الجاهلية سباء، وقال ثعلب: الحي اللقاح: مشتق من لقاح الناقة، لأن الناقة إذا لقحت لم تطاوع الفحل. وناضحة بالضاد: لعله تحريف ناصحة، وهي كما في معجم البلدان: ماء لمعاوية بن حزن بنجد. وحجر (بفتح فسكون): قصبة اليمامة. والآد والأيد: القوة. والفئة: الجماعة من الناس، وهو من الكلمات الثنائية الوضع.

التدبر :

وقفة
[81] ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ عُوقِب بنقيض قصده؛ طلَبَ العلوَّ فهوى به طلبُه إلى تخُوم الأرض.
تفاعل
[81] ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[81] الاغترار بالنفس يؤدي للمهالك، فهذا قارون قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ [78]، والنتيجة: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾.
وقفة
[81] ﴿فَخَسَفنا بِهِ وَبِدارِهِ الأَرضَ﴾ إنها فقط، كن فيكون.

الإعراب :

  • ﴿ فَخَسَفْنا بِهِ:
  • الفاء سببية. خسف: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. به: جار ومجرور متعلق بخسفنا. أي بقارون.
  • ﴿ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ:
  • معطوفة بالواو على الضمير في بِهِ» مجرورة وعلامة جرها الكسرة والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة. والأرض: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ فَما كانَ لَهُ:
  • الفاء استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. له: جار ومجرور متعلق بخبر كانَ» مقدم.
  • ﴿ مِنْ فِئَةٍ:
  • حرف جر زائد لتوكيد النفي. فئة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه اسم كانَ» أي جماعة بمعنى أعوان أو انصار.
  • ﴿ يَنْصُرُونَهُ:
  • الجملة الفعلية: في محل جر صفة-نعت-لفئة على اللفظ‍ وفي محل رفع على المحل وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ مِنْ دُونِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من فئة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ:
  • الواو عاطفة. ما كان: أعربتا. واسم كان ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من المنتصرين: جار ومجرور متعلق بخبر كانَ» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد أي من المنتقمين من موسى.'

المتشابهات :

الكهف: 43﴿ وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا
القصص: 81﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [81] لما قبلها :     وبعد أن تجاوزَ قارونُ الحدودَ في البغي، والفخر، والإفساد في الأرض، وكثُرَ إعجابه بالدنيا؛ جاءت هنا العقوبة، خسفَ اللهُ به وبدارِهِ الأرضَ، قال تعالى:
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [82] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ ..

التفسير :

[82] وصار الذين تمنوا حاله بالأمس يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم:إن الله يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده، ويضيِّق على مَن يشاء منهم، لولا أن الله منَّ علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا لَخسف بنا كما فعل بقارون، ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرو

{ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ} أي:الذين يريدون الحياة الدنيا، الذين قالوا:{ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}{ يَقُولُونَ} متوجعين ومعتبرين، وخائفين من وقوع العذاب بهم:{ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} أي:يضيق الرزق على من يشاء، فعلمنا حينئذ أن بسطه لقارون، ليس دليلا على خير فيه، وأننا غالطون في قولنا:{ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} و{ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} فلم يعاقبنا على ما قلنا، فلولا فضله ومنته{ لَخَسَفَ بِنَا} فصار هلاك قارون عقوبة له، وعبرة وموعظة لغيره، حتى إن الذين غبطوه، سمعت كيف ندموا، وتغير فكرهم الأول.

{ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أي:لا في الدنيا ولا في الآخرة.

ثم- بين- سبحانه- ما قاله الذين كانوا يتمنون أن يكونوا مثل قارون فقال- تعالى-: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ، لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا، وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ.

ولفظ «وى» اسم فعل بمعنى أعجب، ويكون- أيضا- للتحسر والتندم، وكان الرجل من العرب إذا أراد أن يظهر ندمه وحسرته على أمر فائت يقول: وى.

وقد يدخل هذا اللفظ على حرف «كأن» المشددة- كما في الآية- وعلى المخففة.

قال الجمل ما ملخصه قوله: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ في هذا اللفظ مذاهب: أحدها: أن وى كلمة برأسها، وهي اسم فعل معناها أعجب، أى: أنا، والكاف للتعليل، وأن وما في حيزها مجرورة بها، أى: أعجب لأن الله- تعالى- يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.. وقياس هذا القول أن يوقف على «وى» وحدها، وقد فعل ذلك الكسائي.

الثاني: أن كأن هنا للتشبيه إلا أنه ذهب معناه وصارت للخبر واليقين، وهذا- أيضا يناسبه الوقف على وى.

الثالث: أن «ويك» كلمة برأسها، والكاف حرف خطاب، و «أن» معمولة لمحذوف.

أى: أعلم أن الله يبسط.. وهذا يناسب الوقف على ويك وقد فعله أبو عمرو.

الرابع: أن أصل الكلمة ويلك، فحذفت اللام وهذا يناسب الوقف على الكاف- أيضا- كما فعل أبو عمرو.

الخامس: أن وَيْكَأَنَّ كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها: ألم تر.. ولم يرسم في القرآن إلا وَيْكَأَنَّ ويكأنه متصلة في الموضعين.. ووصل هذه الكلمة عند القراءة لا خلاف بينهم فيه.

والمعنى: وبعد أن خسف الله- تعالى- الأرض بقارون ومعه داره، أصبح الذين تمنوا أن يكونوا مثله بِالْأَمْسِ أى: منذ زمان قريب، عند ما خرج عليهم في زينته، أصبحوا يقولون بعد أن رأوا هلاكه: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ أى: صاروا يقولون ما أعجب قدرة الله- تعالى- في إعطائه الرزق لمن يشاء من عباده وفي منعه عمن يشاء منهم، وما أحكمها في تصريف الأمور، وما أشد غفلتنا عند ما تمنينا أن نكون مثل قارون، وما أكثر ندمنا على ذلك.

لولا أن الله- تعالى- قد منّ علينا، بفضله وكرمه لخسف بنا الأرض كما خسفها بقارون وبداره.

وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ أى: ما أعظم حكمة الله- تعالى- في إهلاكه للقوم الكافرين، وفي إمهاله لهم ثم يأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر.

وقوله تعالى : ( وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ) أي : الذين لما رأوه في زينته قالوا ( يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ) ، فلما خسف به أصبحوا يقولون : ( ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ) أي : ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه [ وعن عباده ] ; فإن الله يعطي ويمنع ، ويضيق ويوسع ، ويخفض ويرفع ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة . وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم ، كما قسم أرزاقكم وإن الله يعطي المال من يحب ، ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب " .

( لولا أن من الله علينا لخسف بنا ) أي : لولا لطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا ، كما خسف به ، لأنا وددنا أن نكون مثله .

( ويكأنه لا يفلح الكافرون ) يعنون : أنه كان كافرا ، ولا يفلح الكافر عند الله ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .

وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى [ هاهنا ] : ( ويكأن ) ، فقال بعضهم : معناها : " ويلك اعلم أن " ، ولكن خففت فقيل : " ويك " ، ودل فتح " أن " على حذف " اعلم " . وهذا القول ضعفه ابن جرير ، والظاهر أنه قوي ، ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة " ويكأن " . والكتابة أمر وضعي اصطلاحي ، والمرجع إلى اللفظ العربي ، والله أعلم .

وقيل : معناها : ويكأن ، أي : ألم تر أن . قاله قتادة . وقيل : معناها " وي كأن " ، ففصلها وجعل حرف " وي " للتعجب أو للتنبيه ، و " كأن " بمعنى " أظن وأحسب " . قال ابن جرير : وأقوى الأقوال في هذا قول قتادة : إنها بمعنى : ألم تر أن ، واستشهد بقول الشاعر :

سالتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي ، وقد جئتماني بنكر ويكأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضر

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)

يقول تعالى ذكره: وأصبح الذين تمنَّوا مكانه بالأمس من الدنيا, وغناه وكثرة ماله, وما بسط له منها بالأمس, يعني قبل أن ينـزل به ما نـزل من سخط الله وعقابه, يقولون: ويكأنّ الله ...

اختلف في معنى ( وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ) فأما قَتادة, فإنه رُوي عنه في ذلك قولان: أحدهما ما:

حدثنا به ابن بشار, قال: ثنا محمد بن خالد بن عثمة, قال: ثنا سعيد بن بشير, عن قَتادة, قال في قوله: ( وَيْكَأَنَّهُ ) قال: ألم تر أنه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَيْكَأَنَّهُ ) أولا ترى أنه.

وحدثني إسماعيل بن المتوكل الأشجعي, قال: ثنا محمد بن كثير, قال: ثني معمر, عن قَتادة ( وَيْكَأَنَّهُ ) قال: ألم تر أنه.

والقول الآخر: ما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, في قوله: ( وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ) قال: أو لم يعلم أن الله ( وَيْكَأَنَّهُ ) أو لا يعلم أنه.

وتأول هذا التأويل الذي ذكرناه عن قَتادة في ذلك أيضا بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة, واستشهد لصحة تأويله ذلك كذلك, بقول الشاعر:

ســـألَتانِي الطَّــلاقَ أنْ رأتــانِي

قَــلَّ مــالي, قَــدْ جِئْتُمـا بِنُكْـرِ

وَيْكـأن مَـنْ يَكُـنْ لَـهُ نشـب يُـحْ

بَـبْ وَمـن يَفْتَقِـرْ يعِش عَيْشَ ضَـرّ (4)

وقال بعض نحويي الكوفة: " ويكأنّ" في كلام العرب: تقرير, كقول الرجل: أما ترى إلى صُنع الله وإحسانه، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابننا؟ فقال: ويكأنه وراء البيت. معناه: أما ترينه وراء البيت؟ قال: وقد يذهب بها بعض النحويين إلى أنها كلمتان, يريد: ويك أنه, كأنه أراد: ويلك, فحذف اللام, فتجعل " أن " مفتوحة بفعل مضمر, كأنه قال: ويلك اعلم أنه وراء البيت, فأضمر " اعلم ".

قال: ولم نجد العرب تعمل الظن مضمرا, ولا العلم وأشباهه في " أن " , وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين, أو في آخر الكلمة, فلما أضمر جرى مجرى المتأخر; ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن يقول: يا هذا أنك قائم, ويا هذا أن قمت, يريد: علمت, أو أعلم, أو ظننت, أو أظنّ، وأما حذف اللام من قولك: ويلك حتى تصير: ويك, فقد تقوله:العرب, لكثرتها في الكلام, قال عنترة:

وَلَقَـدْ شَـفَى نَفْسِـي وَأَبْـرَأَ سُـقْمَها

قَـوْلُ الفَـوَارِسِ وَيْـكَ عَنْـتَرَ أَقْـدِمِ (5)

قال: وقال آخرون: إن معنى قوله: ( وَيْكَأَنَّ ): " وي" منفصلة من كأنّ, كقولك للرجل: وَيْ أما ترى ما بين يديك؟ فقال: " وي" ثم استأنف, كأن الله يبسط الرزق, وهي تعجب, وكأنّ في معنى الظنّ والعلم, فهذا وجه يستقيم. قال: ولم تكتبها العرب منفصلة, ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة, وقد يجوز أن تكون كَثُر بها الكلام, فوصلت بما ليست منه .

وقال آخر منهم: إن " ويْ": تنبيه, وكأنّ حرفٌ آخر غيره, بمعنى: لعل الأمر كذا, وأظنّ الأمر كذا, لأن كأنّ بمنـزلة أظنّ وأحسب وأعلم.

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة: القول الذي ذكرنا عن قَتادة, من أن معناه: ألم تر, ألم تعلم, للشاهد الذي ذكرنا فيه من قول الشاعر, والرواية عن العرب; وأن " ويكأنّ" في خطّ المصحف حرف واحد. ومتى وجه ذلك إلى غير التأويل الذي ذكرنا عن قَتادة, فإنه يصير حرفين, وذلك أنه إن وجه إلى قول من تأوّله بمعنى: ويلك اعلم أن الله؛ وجب أن يفصل " ويك " من " أن " , وذلك خلاف خط جميع المصاحف, مع فساده في العربية, لما ذكرنا. وإن وجه إلى قول من يقول: " وي" بمعنى التنبيه, ثم استأنف الكلام بكأن, وجب أن يفصل " وي" من " كأن " , وذلك أيضا خلاف خطوط المصاحف كلها (6) .

فإذا كان ذلك حرفا واحدا, فالصواب من التأويل: ما قاله قَتادة, وإذ كان ذلك هو الصواب, فتأويل الكلام: وأصبح الذين تمنوا مكان قارون وموضعه من الدنيا بالأمس, يقولون لما عاينوا ما أحلّ الله به من نقمته: ألم تريا هذا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده, فيوسع عليه, لا لفضل منـزلته عنده, ولا لكرامته عليه, كما كان بسط من ذلك لقارون, لا لفضله ولا لكرامته عليه ( وَيَقْدِرُ ) يقول: ويضيق على من يشاء من خلقه ذلك, ويقتر عليه, لا لهوانه, ولا لسخطه عمله.

وقوله: ( لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ) يقول: لولا أن تفضل علينا, فصرف عنا ما كنا نتمناه بالأمس ( لَخَسَفَ بِنَا ).

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى شيبة: " لخُسِفَ بِنَا " بضم الخاء, وكسر السين وذُكر عن شيبة والحسن: ( لَخَسَفَ بِنَا ) بفتح الخاء والسين, بمعنى: لخسف الله بنا.

وقوله: ( وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) يقول: ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون, فَتُنجِح طلباتهم.

-----------------------

الهوامش :

(4) البيتان لزيد بن عمرو بن نفيل (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 3: 95-97) وقبلهما بيت ثالث وهو:

تَلْـكَ عرْسَايَ تَنْطِقَـانِ عَـلَى عَـمْـ

ـدٍ إلـى الْيَــوْمِ قَـوْل زُورٍ وَهِـتْر

الشاعر ينكر حال زوجيه معه بعد أن كبر وافتقر. وفي البيت الثاني: "أن رأتا مالي قليلا..." إلخ والعرس: الزوجة. والهتر بفتح الهاء: مصدر هتر يهتره هترا من باب نصر:إذا مزق عرضه. وبكسر الهاء: الكذب، والداهية، والأمر العجب. والسقط من الكلام، والخطأ فيه. وبالضم: ذهاب العقل من كبر، أو مرض، أو حزن. والنكر: الأمر القبيح المنكر. والنشب: المال الأصيل، من الناطق والصامت. والشاهد في قوله: "ويكأنه" فقد اختلف فيها البصريون والكوفيون أهي كلمة واحدة أم كلمتان؟ فقال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: (ويكأنه لا يفلح الكافرون) وعن قوله: (ويكأن الله) فزعم أنها: "وي" مفصولة من "كأن". والمعنى على أن القوم انتبهوا، فتكلموا على قدر علمهم، أو نبهوا، فقيل لهم: أما يشبه أن هذا عندكم هكذا؟ وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة الورقة 243): "ويكأن..." في كلام العرب تقرير كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله؟ وأنشدني: "ويكأن من يكن..." البيت. وأخبرني شيخ من أهل البصرة قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك، ويلك؟ فقال: "ويكأنه وراء البيت، معناه أما ترينه وراء البيت... إلى آخر ما نقله عنه المؤلف. قلت: والذي قاله الخليل وسيبويه من حيث اللفظ أقرب إلى الصواب، لأن الكلمة مركبة من ثلاثة أشياء: وي، والكاف وأن. والذي قال الفراء من جهة المعنى حسن واضح.

(5) البيت لعنترة بن عمرو بن شداد العبسي، من معلقته (مختار الشعر الجاهلي بشعر مصطفى السقا ص 379) قال شارحه: يريد أن تعويل أصحابه عليه، والتجاءهم إليه شفى نفسه، ونفى غمه. اه. ووي: كلمة يقولها المتعجب من شيء، وهي بدائية ثنائية الوضع. لأنها من أسماء الأصوات ثم صارت اسم فعل وقد تدخلها كاف الخطاب، وقد يزيدون عليها لامًا، فتصير ويل أو الحاء، فتصير ويح، وتستعمل الأولى في الإِنذار بالشر، والثانية في الإِشعار بالرحمة، فيقال ويلك، وويحك، وويسك وويبك: مثل ويلك. وروايته البيت هنا كروايته في معاني القرآن للفراء (ص 243) فقد نقله في كلامه الذي نقله المؤلف، وذكر فيه هذا الشاهد، وفي مختار الشعر قيل: الفوارس: في موضع: قول الفوارس وهما بمعنى.

(6) قلت: العجب من المؤلف على إمامته وعلو كعبه في العلم كيف يجعل رسم المصاحف دليلا على المعنى، مع أن المصاحف مختلفة رسمها اختلافًا بينًا، وليس لاختلاف المعاني أي دخل في ذلك الرسم، وإنما وجد إلى أسباب أخرى.

التدبر :

تفاعل
[82] ﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[82] ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾ يقولها المؤمن الذي عرف مقدار عمله وعظمة ربه.
وقفة
[82] ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾ أحيانًا نقول أقوالًا، ليس بيننا وبين الخسف بسببها إلا عظم منة الله علينا.
وقفة
[82] ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾ يقولها المؤمن الذي عرف مقدار عمله وعظمة ربه, فالمؤمن يسير بين تعظيم الرب والاعتراف بالذنب.
وقفة
[82] ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾ لو كان الله قد أجاب دعاءهم بإعطائهم مثل ما أوتي قارون؛ لكانوا قد هلكوا معه، لكن عدم إجابتهم لما يحبون كان سبب نجاتهم مما يكرهون.
وقفة
[82] ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾، ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به﴾ [10]، كانوا يرجون أن تستجاب دعوتهم، فإذا الخير في غير ذلك، فلا تجزع إن لم تستجب دعوتك، فقد يكون في ذلك هلاكك.
وقفة
[82] لما خسف بقارون قال من تمنى حاله: ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾، وهم بالأمس يتضرعون: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [79]، قف متأملًا متدبرًا: كم دعوة حزنت على عدم استجابة الله لك إياها؟ بل قد يسيء البعض بربه الظن، فيخالطه شك أو ريبة أو قنوط! وما علم المسكين أن خيرة الله خير من خيرته لنفسه، كما صرف الشر عن أصحاب قارون، ولكن: ﴿وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [80].
وقفة
[82] العلماء هم أحد المخارج من الفتن فلما نصح العلماء الذين تمنوا مثلما أُوتي قارون وانتصحوا نجوا: ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا﴾.
وقفة
[82] ﴿لَولا أَن مَنَّ اللَّهُ عَلَينا لَخَسَفَ بِنا وَيكَأَنَّهُ لا يُفلِحُ الكافِرونَ﴾ نعم، هو محض فضل من الله تعالى.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ:
  • الواو استئنافية. أصبح: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع اسم أَصْبَحَ» والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ:
  • فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مكانه: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بالأمس: جار ومجرور متعلق بتمنوا وعلامة جره الكسرة بمعنى: تمنوا أن يكونوا مثله أي تمنوا منزلته.
  • ﴿ يَقُولُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب خبر أَصْبَحَ» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ وَيْكَأَنَّ اللهَ:
  • اسم فعل مضارع بمعنى «أتعجب» وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. كأن: حرف مشبه بالفعل يفيد التشبيه من أخوات وَيْكَأَنَّ» وقيل: أصلها «ويك» أدخل عليها وَيْكَأَنَّ» فصار المعنى ألم تر و «ويك» كلمة مثل «ويح» و «ويل» والكاف حرف خطاب. وقيل: هي على تقدير: أن تكون الكاف حرف خطاب ضمت الى «وي» التي هي كلمة تنبيه. الله: اسم «كأن» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ يَبْسُطُ‍ الرِّزْقَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «كأن» يبسط‍: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الرزق: مفعول به منصوب بيبسط‍ وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ لِمَنْ يَشاءُ:
  • اللام: حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيبسط‍ و يَشاءُ» تعرب إعراب يَبْسُطُ‍» وجملة يَشاءُ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد «الراجع» الى الموصول ضمير محذوف اختصارا منصوب المحل بيشاء لأنه مفعول به. التقدير: لمن يشاؤه أو لمن يشاء رزقه.
  • ﴿ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ:
  • جار ومجرور متعلق بيشاء أو بحال محذوفة من الاسم الموصول لِمَنْ» بتقدير حالة كونهم من عباده والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة ويقدر: معطوفة بالواو على يَبْسُطُ‍» وتعرب إعرابها. بمعنى: ويقتر أو ويضيفه على من يشاء من عباده بحكمه منه.
  • ﴿ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ:
  • حرف شرط‍ غير جازم-حرف امتناع لوجود-أن:حرف مصدري. من: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. و وَيْكَأَنَّ» المصدرية وما بعدها: بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ وخبره محذوف بمعنى: لولا من الله علينا كائن برحمته لخسف بنا. وجملة مَنَّ اللهُ» صلة وَيْكَأَنَّ» المصدرية لا محل لها من الاعراب. وجملة «من الله مع الخبر المحذوف» ابتدائية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا:
  • جار ومجرور متعلق بمن. اللام واقعة في جواب لَوْلا».خسف: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بنا: جار ومجرور متعلق بخسف. وجملة «خسف بنا» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَيْكَأَنَّهُ:
  • سبق إعرابها. وثمة وجوه أخرى لإعرابها هنا وفي هذا القول الكريم. من هذه الوجوه التي قال بها أئمة اللغة وتطرقت اليها كتب التفسير اذكر هنا أهمها توخيا للفائدة فقد قيل: وي: كلمة تنبه على الخطأ والتندم.ومعناه أن القوم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم في قولهم يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ» وتندموا ثم قالوا» كأنه لا يفلح الكافرون» أي ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح. وهو مذهب سيبويه والخليل. وحكى الفراء أنّ اعرابية قالت لزوجها: أين ابنك؟ فقال: وي كأنه وراء البيت. وعند الكوفيين أنّ «ويك» بمعنى وَيْلَكَ» وأنّ المعنى: ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون. ويجوز أن تكون الكاف حرف خطاب مضمومة إلى «وي» كقوله: ويك عنتر أقدم. وأنه بمعنى لأنه واللام لبيان المقول لأجله هذا القول أو لأنه لا يفلح الكافرون. كأنّ ذلك وهو الخسف بقارون. ومن الناس من يقف على «وي» ويبتدئ بكأنّه. ومنهم من يقف على ويك» وقيل: الكاف للتعليل بتقدير: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون. والهاء في «كأنه» ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «كأن».
  • ﴿ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «كأن» لا: نافية لا عمل لها. يفلح: فعل مضارع مرفوع بالضمة والكافرون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

القصص: 82﴿يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا
العنكبوت: 62﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
سبإ: 39﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [82] لما قبلها :     ولَمَّا خسفَ اللهُ به وبدارِهِ الأرضَ؛ صار هلاكه عبرة وموعظة لغيره، حتى أن الذين كانوا يتمنون أن يكونوا مثله، ندموا وتغير فكرهم الأول، قال تعالى:
﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لولا أن من:
وقرئ:
لولا من، بحذف «أن» ، وهى قراءة الأعمش.
لخسف:
1- مبنيا للفاعل، وهى قراءة حفص، وعصمة، وأبان عن عاصم، وابن أبى حماد عن أبى بكر.
وقرئ:
2- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
3- لانخسف، وهى قراءة ابن مسعود، وطلحة، والأعمش.

مدارسة الآية : [83] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ ..

التفسير :

[83] تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبراً عن الحق في الأرض ولا فساداً فيها. والعاقبة المحمودة -وهي الجنة- لمن اتقى عذاب الله وعمل الطاعات، وترك المحرمات.

لما ذكر تعالى، قارون وما أوتيه من الدنيا، وما صار إليه عاقبة أمره، وأن أهل العلم قالوا:{ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} رغب تعالى في الدار الآخرة، وأخبر بالسبب الموصل إليها فقال:{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ} التي أخبر اللّه بها في كتبه وأخبرت [بها] رسله، التي [قد] جمعت كل نعيم، واندفع عنها كل مكدر ومنغص،{ نَجْعَلُهَا} دارا وقرارا{ لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} أي:ليس لهم إرادة، فكيف العمل للعلو في الأرض على عباد اللّه، والتكبر عليهم وعلى الحق{ وَلَا فَسَادًا} وهذا شامل لجميع المعاصي، فإذا كانوا لا إرادة لهم في العلو في الأرض والإفساد، لزم من ذلك، أن تكون إرادتهم مصروفة إلى اللّه، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع لعباد اللّه، والانقياد للحق والعمل الصالح.

وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة، ولهذا قال:{ وَالْعَاقِبَةُ} أي حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر، لمن اتقى اللّه تعالى، وغيرهم -وإن حصل لها بعض الظهور والراحة- فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب. وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة، أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد، ليس لهم في الدار الآخرة، نصيب، ولا لهم منها نصيب

ثم ختم- سبحانه- قصة قارون ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً.

واسم الإشارة تِلْكَ مبتدأ، والدار الآخرة صفة له، ونجعلها.. خبره، وجاءت الإشارة بهذه الصيغة المفيدة للبعد، للإشعار بعظم هذه الدار وعلو شأنها.

أى: تلك الدار الآخرة وما فيها من جنات ونعيم، نجعلها خالصة لعبادنا الذين لا يريدون بأقوالهم ولا بأفعالهم عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ أى: تطاولا وتعاليا فيها وَلا فَساداً أى: ظلما أو بغيا أو عدوانا على أحد.

وَالْعاقِبَةُ الطيبة الحسنة، إنما هي لِلْمُتَّقِينَ الذين صانوا أنفسهم عن كل سوء وقبيح.

يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين ، الذين لا يريدون علوا في الأرض ، أي : ترفعا على خلق الله وتعاظما عليهم وتجبرا بهم ، ولا فسادا فيهم . كما قال عكرمة : العلو : التجبر .

وقال سعيد بن جبير : العلو : البغي .

وقال سفيان بن سعيد الثوري ، عن منصور ، عن مسلم البطين : العلو في الأرض : التكبر بغير حق . والفساد : أخذ المال بغير حق .

وقال ابن جريج : ( لا يريدون علوا في الأرض ) تعظما وتجبرا ، ( ولا فسادا ) : عملا بالمعاصي .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن أشعث السمان ، عن أبى سلام الأعرج ، عن علي قال : إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه ، فيدخل في قوله : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) .

وهذا محمول على ما إذا أراد [ بذلك ] الفخر [ والتطاول ] على غيره ; فإن ذلك مذموم ، كما ثبت في الصحيح ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ أنه قال ] إنه أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد " ، وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمل فهذا لا بأس به ، فقد ثبت أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أحب أن يكون ردائي حسنا ونعلي حسنة ، أفمن الكبر ذلك ؟ فقال : " لا إن الله جميل يحب الجمال " .

القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)

يقول تعالى ذكره: تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرا عن الحقّ في الأرض وتجبرا عنه ولا فسادا. يقول: ولا ظلم الناس بغير حقّ, وعملا بمعاصي الله فيها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا عبد الله بن المبارك, عن زياد بن أبي زياد, قال: سمعت عكرمة يقول: ( لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا ) قال: العلو: التجبر.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن مسلم البطين ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا ) قال: العلو: التكبر في الحقّ, والفساد: الأخذ بغير الحق.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن مسلم البطين: ( لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ ) قال: التكبر في الأرض بغير الحقّ( وَلا فَسَادًا ) أخذ المال بغير حق.

قال: ثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن حُبَير: ( لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ ) قال: البغي.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: ( لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ ) قال: تعظُّما وتجبرا( وَلا فَسَادًا ): عملا بالمعاصي.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن أشعث السمان, عن أبي سلمان الأعرج, عن عليّ رضي الله عنه قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه, فيدخل في قوله: ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).

وقوله: ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) يقول تعالى ذكره: والجنة للمتقين, وهم الذين اتقوا معاصي الله, وأدّوا فرائضه.

وبنحو الذي قلنا في معنى العاقبة قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة: ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) أي الجنة للمتقين.

التدبر :

وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ نصيبُكَ في الآخرةِ يحدده حجمُ تواضعِكَ هنا.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ يملك عقلًا راجحًا من ملك زمام نفسه، ولم يلتفت للفانية، ووضع نصب عينيه الباقية.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ بقدر تواضعك يكون نصيبك في الآخرة.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن تيمية: «لأن الناس من جنس واحد؛ فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ظلم».
وقفة
[83] لأننا من تراب وكلنا أبناء آدم لم يجعل الله للمتكبر مكان في الآخرة، قال الله تعالى: ﴿تِلكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوًّا فِي الأَرضِ﴾، ولأنه من أراد أن يعلو على غيره ظلم الناس.
وقفة
[83] التفوق والتميز والجماهيرية والشعبية تعبيرات عصرية عن العلو في الأرض ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ بقدر تواضعك يكون نصيبك في الآخرة.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أصل الذنوب البغي على الخلق والتكبر على الحق والطغيان في العمل.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ربط الله الكِبر بالفساد لأنهما في الجُرم سواء؛ فزوال الكبر زوالٌ للخراب.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ تواضعك سبب لدخول الجنة.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ مكانك في الآخرة بقدر مقاومتك المخلصة لنزعات الرغبة في الارتفاع والعلو على الناس.
وقفة
[83] ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ العلو والكبر في الأرض ونشر الفساد عاقبته الهلاك والخسران.
وقفة
[83] بمقدار كِبْر الإنسان في الدنيا يكون خفضه في الآخرة ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[83] على المؤمن أن يكون صافي السريرة، صادق النية، يتمثل قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
عمل
[83] اجلس مع عامل فقير، وتعرف إلى حاجته، وتصدق عليه ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
عمل
[83] استعذ بالله من العلو على الناس، والإفساد في الأرض ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[83] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلق ويتمثل بقول ربه سبحانه: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[83] أراد الله علو الحق وتواضع الخلق، وبمقدار علو الخلق على الحق يكون الفساد والظلم والطغيان ﴿لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا﴾.
وقفة
[83] ﴿والعاقبة للمتقين﴾ قبل أن ننتظر العاقبة، لنسأل: أين تحقيق التقوى على الوجه الصحيح؟ فالعاقبة المحمودة في النهاية هي للمؤمنين المتقين في الدنيا والآخرة.
وقفة
[83] ﴿والعاقبة للمتقين﴾ ليس شرطًا أن يرى المتقون عاقبتهم، بل يكفي انتصار عقيدتهم وعلو مبادئهم وبقاء أفكارهم؛ وإن غابوا أو غُيِّبوا.
وقفة
[83] ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ مع دلالتها على أن نهاية المتقين مشرقة، إلا أن فيها إشارة إلى أن بدايتهم قد تكون محرقة.

الإعراب :

  • ﴿ تِلْكَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. أو تكون الكلمة مبنية على الفتح في محل رفع.
  • ﴿ الدّارُ الْآخِرَةُ:
  • بدل من اسم الاشارة مرفوعة بالضمة الظاهرة. الآخرة: صفة-نعت-للدار مرفوعة مثلها بالضمة.
  • ﴿ نَجْعَلُها:
  • الجملة الفعلية وما بعدها في محل رفع خبر المبتدأ. نجعل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لِلَّذِينَ:
  • اللام: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بنجعلها أو هو في مقام المفعول الثاني.
  • ﴿ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.لا: نافية لا عمل لها. يريدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. علوا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أي بمعنى: لا يريدون تكبرا.
  • ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً:
  • جار ومجرور متعلق بلا يرون. الواو عاطفة.لا: زائدة لتأكيد النفي. فسادا: معطوفة على عُلُوًّا» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.
  • ﴿ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ:
  • الواو استئنافية. العاقبة: مبتدأ مرفوع بالضمة.للمتقين: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

الأعراف: 128﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
القصص: 83﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
هود: 49﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
طه: 132﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [83] لما قبلها :     وبعد نهاية قصة قارون ببيان ما حدث له ولداره من الخَسف؛ انتقل الحديث هنا إلى دار أخرى لا تخسف، دار خالدة، دار النعيم المستمر، وهي معدة للذين حالهم بضد حال قارون، قال تعالى:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [84] :القصص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ ..

التفسير :

[84] من جاء يوم القيامة بإخلاص التوحيد لله وبالأعمال الصالحة وَفْق ما شرع الله، فله أجر عظيم خير من ذلك، وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم، ومن جاء بالأعمال السيئة، فلا يُجْزى الذين عملوا السيئات على أعمالهم إلا بما كانوا يعملون.

يخبر تعالى عن مضاعفة فضله، وتمام عدله فقال:{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} شرط فيها أن يأتي بها العامل، لأنه قد يعملها، ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه أو يبطلها، فهذا لم يجيء بالحسنة، والحسنة:اسم جنس يشمل جميع ما أمر اللّه به ورسوله، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله تعالى وحقعباده،{ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [أي:أعظم وأجل، وفي الآية الأخرى{ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}]

هذا التضعيف للحسنة، لا بد منه، وقد يقترن بذلك من الأسباب ما تزيد به المضاعفة، كما قال تعالى:{ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} بحسب حال العامل وعمله، ونفعه ومحله ومكانه،{ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} وهي كل ما نهى الشارع عنه، نَهْيَ تحريم.{ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} كقوله تعالى:{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}

مَنْ جاءَ في دنياه بِالْحَسَنَةِ أى بالأعمال الحسنة فَلَهُ في مقابلها عندنا بفضلنا وإحساننا خَيْرٌ مِنْها أى: فله عندنا خير مما جاء به من حسنات، بأن نضاعفها، وتثيبه عليها ثوابا عظيما لا يعلم مقداره أحد.

وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ، فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا الأعمال السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: فلا يجزون إلا الجزاء الذي يناسب أعمالهم في القبح والسوء.

وهكذا يسوق لنا القرآن في قصصه العبر والعظات، لقوم يتذكرون، فمن قصة قارون نرى أن كفران النعم يؤدى إلى زوالها، وأن الغرور والبغي والتفاخر كل ذلك يؤدى إلى الهلاك، وأن خير الناس من يبتغى فيما آتاه الله من نعم ثواب الآخرة، دون أن يهمل نصيبه من الدنيا، وأن العاقل هو من يستجيب لنصح الناصحين، وأن الناس في كل زمان ومكان، منهم الذين يريدون زينة الحياة الدنيا، ومنهم الأخيار الأبرار الذين يفضلون ثواب الآخرة، على متع الحياة الدنيا، وأن العاقبة الحسنة قد جعلها- سبحانه- لعباده المتقين، وأنه- سبحانه- يجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، ببشارة النبي صلّى الله عليه وسلم، وبتثبيت قلبه، وبأمره بالمضي في تبليغ رسالة ربه بدون خوف أو وجل.. فقال- تعالى-:

وقال : ( من جاء بالحسنة ) أي : يوم القيامة ( فله خير منها ) أي : ثواب الله خير من حسنة العبد ، فكيف والله يضاعفه أضعافا كثيرة فهذا مقام الفضل .

ثم قال : ( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ) ، كما قال في الآية الأخرى : ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) [ النمل : 90 ] وهذا مقام الفصل والعدل .

القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)

يقول تعالى ذكره: من جاء الله يوم القيامة بإخلاص التوحيد, فله خير, وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم, ومن جاء بالسيئة, وهى الشرك بالله.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد قال ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) أي: له منها حظّ خير, والحسنة: الإخلاص, والسيئة: الشرك.

وقد بيَّنا ذلك باختلاف المختلفين, ودللنا على الصواب من القول فيه.

وقوله: ( فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ) يقول: فلا يثاب الذين عملوا السيئات على أعمالهم السيئة ( إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يقول: إلا جزاء ما كانوا يعملون.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[84] ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ المعاملة مع الله: قدم معروف واحد يأتيك عشر أمثاله، والمعاملة مع البشر: معروفك إن لم ينسى يجحد.
وقفة
[84] ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ إذا أمعنت النظر بين شطري الصورتين: صورة مكتسب الحسنة وصورة مقترف السيئة لرأيت أن البيان القرآني اختار فعل: ﴿عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ بعد قوله: ﴿مَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ﴾؛ لما في هذا التعبير: ﴿عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ من التنبيه على أن عملهم هو عِلّة جزائهم، ولما في هذا التعبير من استهجان لهذا العمل الذميم، ولما فيه من تبغيض السيئة إلى قلوب السامعين من المؤمنين.
وقفة
[84] فضل الله تعالى ورحمته أن ضاعف الحسنات, ولم يضاعف السيئات ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[84] سعة رحمة الله وعدله بمضاعفة الحسنات للمؤمن وعدم مضاعفة السيئات للكافر ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ:
  • من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه-جزائه-في محل رفع خبره. جاء: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على مَنْ» وجملة جاءَ بِالْحَسَنَةِ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بالحسنة: جار ومجرور متعلق بجاء بمعنى «من جاء بالفعلة الحسنة» فحذف الموصوف المجرور «الفعلة» وحلت الصفة محله.
  • ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها:
  • الجملة الاسمية جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن. الفاء واقعة في جواب الشرط‍.له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. خبر: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. منها: جار ومجرور متعلق بخير. بمعنى: جعلنا ثوابها أو أجرها أفضل منها.
  • ﴿ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ:
  • معطوفة بالواو على مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ فَلا يُجْزَى:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط‍.لا: نافية لا عمل لها. يجزى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والجملة «فلا يجزى مع نائب الفاعل» جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل. عملوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. السيئات: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والجملة الفعلية عَمِلُوا السَّيِّئاتِ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ إِلاّ ما كانُوا:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى الا جزاء ما كانوا يعملون. فحذف المفعول المضاف «جزاء» وحل محله المضاف اليه ما» كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. وأصل عبارة الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ» بمعنى: ومن جاء بالسيئة فلا يجزون الا ما كانوا يعملون. فوضع الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ» موضع الضمير لأن في اسناد عمل السيئة اليهم بتكرار «السيئة».
  • ﴿ يَعْمَلُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وجملة كانُوا يَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: ما كانوا يعملونه.'

المتشابهات :

الأنعام: 61﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
النمل: 89﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ
القصص: 84﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [84] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ الجنة؛ بَيَّنَ هنا فضله ورحمته وعدله بين عباده بمضاعفة الحسنات وعدم مضاعفة السيئات، قال تعالى:
﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف