2274647484950515253

الإحصائيات

سورة هود
ترتيب المصحف11ترتيب النزول52
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.00
عدد الآيات123عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.90
ترتيب الطول8تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء12عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 5/29آلر: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (46) الى الآية رقم (49) عدد الآيات (4)

لَمَّا نادى نوحٌ عليه السلام: ربِّ إنَّك وعَدْتني أنْ تنجِّيني وأهلي من الغرقِ، ردَّ اللهُ عليه: إنَّهُ ليسَ مِن أهلِكَ الَّذينَ وعَدتُكَ أَنْ أُنجِّيهُم مَعَكَ، فيعْتذرُ نوحٌ عليه السلام لِربِّهِ، ثُمَّ النُّزول منَ السَّفِينةِ إلى الأَرضِ، ثُمَّ أمره ﷺ

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (50) الى الآية رقم (53) عدد الآيات (4)

القصَّةُ الثانيةُ: قِصَّةُ هودٍ عليه السلام معَ قومِه عادٍ، يدعوهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ، وإلى الاستغفارِ والتوبةِ، فيردُّوا: لنْ نتركَ عبادةَ آلهتِنا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة هود

الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف/ التوازن (أو: الثبات على الحق دون تهور أو ركون)

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • السورة تقدم 7 نماذج من الأنبياء الكرام::   في ظل هذه الأجواء تنزل سورة "هود" لتقول: اثبتوا واستمروا في الدعوة. نزلت بهدف : تثبيت النبي ﷺ والذين معه على الحق. نزلت تنادي: الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف.
  • • سورة هود شيبت النبي ﷺ::   ذكرت السورة 7 نماذج من الأنبياء الكرام، وصبرهم على ما لاقوه من أقوامهم، كل منهم يواجه الجاهلية الضالة ويتلقى الإعراض والتكذيب والسخرية والاستهزاء والتهديد والإيذاء، وهم: نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، شعيب، موسى. وهم الأنبياء أنفسهم الذين ذُكروا في سورة الشعراء والعنكبوت (لكن ليس بنفس هذا الترتيب). وأيضًا نفس الأنبياء الذين ذكروا في سورة الأعراف إلا إبراهيم (وبنفس ترتيب هود). وكأنها تقول للنبي ﷺ وأصحابه: هذا ما حدث للأنبياء قبلكم، أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم، ومع هذا ثبتوا وصبروا واستمروا؛ فاثبتوا واصبروا واستمروا مثلهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «هود».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله هود عليه السلام، أرسله الله إلى عاد في الأحقاف التي تقع جنوب الجزيزة العربية بين عُمان وحضر موت.
  • • سبب التسمية ::   لتكرار اسمه فيها خمس مرات، ولأنه ما حكي عنه فيها أطول مما حكي عنه في غيرها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات الشدائد والمحن.
  • • علمتني السورة ::   أن التوحيد أول الواجبات: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العبرة بالأحسن، لا بالأكثر! فالله لم يقل: (أكثر عملًا)، بل قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن أقارن بين خاتمة المجرمين والمؤمنين، فقد وجدت الكافرين في النار، ليس لهم أولياء يدفعون عنهم العذاب الأليم، أما المؤمنون فـ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (23)، فالفريق الأول (الكفار) مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني (المؤمنون) كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (24).
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْت»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كَوِّرَتْ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة هود من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عَنْ كَعْب الأحبار قَالَ: «فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ الْأَنْعَامُ، وَخَاتِمَتُهَا هُودٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة هود من السور الخمس التي شيبت النبي صلى الله عليه وسلم (حديث: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» سبق قبل قليل).
    • سورة هود احتوت على أطول قصة لنوح في القرآن الكريم، وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور، ولا سورة الأعراف على طولها، ولا سورة نوح التي أفردت لقصته.
    • سورة هود تشبه سورة الأعراف من حيث الموضوع؛ فكلتاهما تتناولان قصة التوحيد في مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ من خلال قصص الأنبياء، ولكن تبقى لكل سورة أسلوبها الخاص؛ فمثلًا نجد سورة الأعراف ركزت وفصلت كثيرًا في قصة موسى خاصة مع بني إسرائيل في ما يقارب من 70 آية من السورة، بينما قصة موسى ذكرت في 4 آيات من سورة هود، ونجد سورة هود فصلت أكثر في قصة نوح من سورة الأعراف.
    • سورة هود وسورة النحل تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نصبر ونستمر في الدعوة إلى الله رغم كل الظروف، دون أي تهور أو ركون.
    • أن نستغفر الله دومًا ونتوب إليه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، فإذا تم هذا كان العيشُ الهانئ في الدنيا: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، والتكريم في الآخرة: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ (3).
    • أن نراقب الله في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (5).
    • أن نجتهد في طلب الرزق، متيقنين أن الله هو الرزاق: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (6).
    • ألا نتكبر إذا أصابنا الخير بعد الشر؛ بل نشكر الله تعالى على نعمه: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ (10).
    • أن نراجع مشروعاتنا في الحياة؛ هل سننتفع بها في الآخرة؟: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (16).
    • أن نعمل أعمالًا صالحة تشهد لنا بها الأشهاد يوم القيامة: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ (18).
    • أن نتقي ظلم أنفسنا بالمعاصي، أو ظلم غيرنا بإضلالهم: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (18، 19).
    • أن نصلي ركعتين، ثم ندعو الله ونتضرع إليه أن يرزقنا الإخبات إليه (أي: التواضع والتسليم له): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ (23).
    • ألا نحتقر أحدًا في دعوتنا لمكانته الاجتماعية أو المادية: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (27).
    • أن نحتسب في تعليم المسلمين ودعوتهم إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـه﴾ (29).
    • أن نكثر من زيارة الضعفاء، ونقدّم لهم الهدايا والعطايا: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ﴾ (30).
    • ألا نيأس إذا قَلَّ من يسمع نصحنا، أو كَثُرَ مخالفونا؛ فإنَّ الأنبياء قد أفنوا أعمارهم الطويلة في الدعوة، ولم يستجب لبعضهم إلا القليل: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (40).
    • أن نُذَكِّر من حولنا بنعم الله تعالى عليهم وإحسانه لهم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه﴾ (61).
    • أن نلقي السلام، وأن نرد بأحسن منه، فضيوف إبراهيم عليه السلام حين دخلوا سلموا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا﴾ (69)، وهو رد: ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ هم حيـَّوه بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث، ورد عليهم بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت، فكان رد إبراهيم عليه السلام بأحسن من تحيتهم.
    • أن نتم الكيل والوزن، ولا نبخس الناس أشياءهم: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نفتش في أنفسنا: هل ظلمنا أحدًا في عرض، أو مال، أو غيره، ثم نردّ الحقوق لأهلها: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (85).
    • أن نبتعد عن الظلم والظالمين: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (113).
    • أن نحافظ على أداء الصلوات أول وقتها مع الجماعة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ (114).
    • أن ننكر على أهل البدع أو المجاهرين بالمعاصي بأسلوب حكيم: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ (116).

تمرين حفظ الصفحة : 227

227

مدارسة الآية : [46] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ ..

التفسير :

[46] قال الله:يا نوح إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم؛ وذلك بسبب كفره، وعملِه عملاً غير صالح، وإني أنهاك أن تسألني أمراً لا علم لك به، إني أعظك لئلا تكون من الجاهلين في مسألتك إياي عن ذلك.

فـ{ قَالَ} الله له:{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الذين وعدتك بإنجائهم{ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} أي:هذا الدعاء الذي دعوتبه، لنجاة كافر, لا يؤمن بالله ولا رسوله.

{ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي:ما لا تعلم عاقبته،ومآله، وهل يكون خيرا، أو غير خير.

{ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أي:أني أعظك وعظا تكون به من الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين.

وقوله- سبحانه- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.. رد من الله- تعالى- على نوح فيما طلبه منه.

أى: قال الله- تعالى- مجيبا لنوح- عليه السلام- فيما سأله إياه: يا نوح إن ابنك هذا لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأن مدار الأهلية مبنى على القرابة الدينية، وقد انقطعت بالكفر، فلا علاقة بين مسلم وكافر.

أو ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم، بل هو ممن سبق عليه القول بسبب كفره.

فالمراد نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده، وليس المراد نفى أن يكون من صلبه، لأن ظاهر الآية يدل على أنه ابنه من صلبه، ومن قال بغير ذلك فقوله ساقط ولا يلتفت إليه، لخلوه عن الدليل.

قال ابن كثير: وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلا أنه ليس بابنه، وإنما كان ابن زنية.

وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، ثم قال: وقوله:

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أى: الذين وعدتك بنجاتهم.

وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن الله- تعالى- أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة .

وجملة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لنفى الأهلية.

وقد قرأ الجمهور (عمل) بفتح الميم وتنوين اللام- على أنه مصدر مبالغة في ذمه حتى لكأنه هو نفس العمل غير الصالح وأصل الكلام إنه ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف للمبالغة بجعله عين عمله الفاسد لمداومته عليه.

وقرأ الكسائي ويعقوب عَمَلٌ بوزن فرح بصيغة الفعل الماضي- أى: إنه عمل عملا غير صالح وهو الكفر والعصيان، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه.

قال صاحب الكشاف وقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لانتفاء كونه من أهله.

وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد في المنصب وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك .

وقال الفخر الرازي: هذه الآية تدل على أن العبرة بقرابة الدين لا بقرابة النسب، فإن في هذه الصورة كانت قرابة النسب حاصلة من أقوى الوجوه، ولكن لما انتفت قرابة الدين، لا جرم نفاه الله- تعالى- بأبلغ الألفاظ وهو: قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ .

والفاء في قوله: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. للتفريع.

أى: ما دمت قد وقفت على حقيقة الحال، فلا تلتمس منى ملتمسا لا تعلم على وجه اليقين، أصواب هو أم غير صواب، بل عليك أن تتثبت من صحة ما تطلبه، قبل أن تقدم على طلبه.

وجملة إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ تأكيد لما قبلها، ونهى له عن مثل هذا السؤال في المستقبل، بعد أن أعلمه بحقيقة حال ابنه.

أى: إنى أنهاك يا نوح عن أن تكون من القوم الجاهلين، الذين يسألون عن أشياء لا يتحققون وجه الصواب فيها.

( قال يانوح إنه ليس من أهلك ) أي : الذين وعدت إنجاءهم ; لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك; ولهذا قال : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) [ هود : 40 ] ، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا ، عليه السلام .

وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن زنية ، ويحكى القول بأنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد ، والحسن ، وعبيد بن عمير ، وأبي جعفر الباقر ، وابن جريج ، واحتج بعضهم بقوله : ( إنه عمل غير صالح ) وبقوله : ( فخانتاهما ) [ التحريم : 10 ] ، فممن قاله الحسن البصري ، احتج بهاتين الآيتين . وبعضهم يقول : كان ابن امرأته . وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن ، أو أراد أنه نسب إليه مجازا ، لكونه كان ربيبا عنده ، فالله أعلم .

وقال ابن عباس ، وغير واحد من السلف : ما زنت امرأة نبي قط ، قال : وقوله : ( إنه ليس من أهلك ) أي : الذين وعدتك نجاتهم .

وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه; ولهذا قال تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) إلى قوله ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) [ النور : 11 - 15 ] .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة وغيره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية . قال عكرمة : في بعض الحروف : " إنه عمل عملا غير صالح " ، والخيانة تكون على غير باب .

وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك ، فقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : " إنه عمل غير صالح " ، وسمعته يقول : ( ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) ولا يبالي ( إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر : 53 ] .

وقال أحمد أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا هارون النحوي ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة أن رسول الله قرأها : " إنه عمل غير صالح " .

أعاده أحمد أيضا في مسنده .

أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر - والله أعلم - أنها أسماء بنت يزيد ، فإنها تكنى بذلك أيضا .

وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة قال : سمعت ابن عباس - سئل - وهو إلى جنب الكعبة - عن قول الله : ( فخانتاهما ) [ التحريم : 10 ] ، قال : أما وإنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدل على الأضياف . ثم قرأ : ( إنه عمل غير صالح ) قال ابن عيينة : وأخبرني عمار الدهني أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال : كان ابن نوح ، إن الله لا يكذب! قال تعالى : ( ونادى نوح ابنه ) قال : وقال بعض العلماء : ما فجرت امرأة نبي قط .

وكذا روي عن مجاهد أيضا ، وعكرمة ، والضحاك ، وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج ، وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ، وهو الصواب [ الذي ] لا شك فيه .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: قال الله يا نوح إن الذي غرقته فأهلكته الذي تذكر أنه من أهلك ليس من أهلك.

* * *

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (ليس من أهلك) .

فقال بعضهم: معناه: ليس من ولدك ، هو من غيرك. وقالوا: كان ذلك من حِنْثٍ. (1)

*ذكر من قال ذلك:

18208- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله: (إنه ليس من أهلك)، قال: لم يكن ابنه.

18209- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، قال: ابن امرأته.

18210- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم ، [عن] الحسن قال: لا والله ، ما هو بابنه. (2)

18211-. . . . قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، قال: هذه بلغة طيّ لم يكن ابنه، كان ابن امرأته.

18212- حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم، عن عوف، ومنصور، عن الحسن في قوله: (إنه ليس من أهلك) ، قال: لم يكن ابنه. وكان يقرؤها: ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (3)

18213- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كنت عند الحسن فقال: " نادى نوح ابنه "، لعمْر الله ما هو ابنه ! قال: قلت : يا أبا سعيد يقول: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، وتقول: ليس بابنه؟ قال: أفرأيت قوله: (إنه ليس من أهلك) ؟ قال: قلت إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، (4) ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه. قال: إن أهل الكتاب يكذبون.

18214- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: سمعت الحسن يقرأ هذه الآية: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)، فقال عند ذلك: والله ما كان ابنه . ثم قرأ هذه الآية: فَخَانَتَاهُمَا ، [ سورة التحريم: 10] قال سعيد: فذكرت ذلك لقتادة، قال: ما كان ينبغي له أن يحلف.

18215- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : (فلا تسألن ما ليس لك به علم) ، قال: تبيّن لنوح أنه ليس بابنه.

18216- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلا تسألن ما ليس لك به علم) ، قال: بين الله لنوح أنه ليس بابنه.

18217- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد مثله.

18218- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

قال ابن جريج في قوله: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، قال: ناداه وهو يحسبه أنه ابنه وكان وُلد على فراشه

18219- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبي جعفر: (إنه ليس من أهلك) ، قال: لو كان من أهله لنجا. (5)

18220- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع عبيد بن عمير يقول: نرى أن ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش "، من أجل ابن نوح.

18221- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن قال: لا والله ما هو بابنه.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: (ليس من أهلك) الذين وعدتك أن أنجيهم.

*ذكر من قال ذلك:

18222- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي عامر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، قال: هو ابنه.

18223- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان قال ، حدثنا أبو عامر، عن الضحاك قال: قال ابن عباس: هو ابنه، ما بغت امرأة نبيٍّ قطُّ.

18224- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا الثوري، عن أبي عامر الهمدانيّ، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس قال، ما بغت امرأة نبي قط. قال: وقوله: (إنه ليس من أهلك)، الذين وعدتك أن أنجيهم معك.

18225- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: هو ابنه: غير أنه خالفه في العمل والنية ، قال عكرمة في بعض الحروف: (إِنَّهُ عَمِلَ عَمَلا غَيْرَ صَالِحٍ) ، والخيانة تكون على غير بابٍ.

18226- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، كان عكرمة يقول: كان ابنه، ولكن كان مخالفًا له في النية والعمل، فمن ثم قيل له: (إنه ليس من أهلك).

18227- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري وابن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قتة قال: سمعت ابن عباس يُسْأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى: فَخَانَتَاهُمَا ، [سورة التحريم: 10] ، قال: أما إنه لم يكن بالزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل ، على الأضياف. ثم قرأ: (إنه عملٌ خير صالح) ، قال ابن عيينة: وأخبرني عمار الدُّهني : أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كانَ ابن نوح، إن الله لا يكذب! قال: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرَأة نبيٍّ قط.

18228- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير قال: قال الله ، وهو الصادق، وهو ابنه: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ .

18229- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبن يمان، عن سعيد، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس قال: ما بَغَت امرأة نبي قط.

18230- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، قال: سألت أبا بشر عن قوله: (إنه ليس من أهلك)، قال: ليس من أهل دينك، وليس ممن وعدتك أن أنجيهم ، قال يعقوب: قال هشيم: كان عامة ما كان يحدِّثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير.

18231- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن عبيد، عن يعقوب بن قيس قال: أتى سعيد بن جبير رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله، الذي ذكر الله في كتابه " ابن نوح " أبنُه هو؟ قال: نعم، والله إن نبيَّ الله أمره أن يركب معه في السفينة فعصى، فقال: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ، قال: ( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) ، لمعصية نبي الله.

18232- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير : أنه جاء إليه رجل فسأله . فقال: أرأيتك ابن نُوح أبنه؟ فسبَّحَ طويلا ثم قال: لا إله إلا الله، يحدِّث الله محمدًا: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول ليس منه ؟ ولكن خالفه في العمل، فليس منه من لم يؤمن.

18233- حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة في قوله: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، قال: أشهد أنه ابنه، قال الله: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ .

18234- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا هو ابنه.

18235- حدثني فضالة بن الفضل الكوفي قال، قال بزيع: سأل رجل الضحاك عن ابن نوح ، فقال: ألا تعجبون إلى هذا الأحمق ! يسألني عن ابن نوح، وهو ابن نوح كما قال الله: قال نوح لابنه. (6)

18236- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا عبيد، عن الضحاك أنه قرأ: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، وقوله: (ليس من أهلك) ، قال: يقول: ليس هو من أهلك. قال: يقول: ليس هو من أهل ولايتك، ولا ممن وعدتك أن أنجى من أهلك ، (إنه عمل غير صالح) ، قال: يقول كان عمله في شرك.

18237- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك قال، هو والله ابنه لصُلْبه.

18238- حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ليس من أهلك) ، قال: ليس من أهل دينك، ولا ممن وعدتك أن أنجيه، وكان ابنه لصلبه.

18239- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) ، يقول: ليس ممن وعدناه النجاة.

18240- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إنه ليس من أهلك) ، يقول: ليس من أهل ولايتك، ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك ، (إنه عمل غير صالح) ، يقول: كان عمله في شرك.

18241- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا خالد بن حيان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون، وثابت بن الحجاج قالا هو ابنه ، ولد على فراشه.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، لأنه كان لدينك مخالفًا ، وبي كافرًا ، وكان ابنه لأن الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه فقال: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ، وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر. وليس في قوله: (إنه ليس من أهلك) ، دلالةٌ على أنه ليس بابنه، إذ كان قوله: (ليس من أهلك) ، محتملا من المعنى ما ذكرنا، ومحتملا أنه ليس من أهل دينك، ثم يحذف " الدين " فيقال: (إنه ليس من أهلك)، كما قيل: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ، [سورة يوسف: 82] .

* * *

وأما قوله: (إنه عمل غير صالح) ، فإن القراء اختلفت في قراءته.

فقرأته عامة قراء الأمصار: ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) بتنوين " عمل " ورفع " غير ".

* * *

واختلف الذين قرءوا ذلك كذلك في تأويله.

فقال بعضهم: معناه: إن مسألتك إياي هذه عمل غير صالح.

*ذكر من قال ذلك:

18242- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (إنه عمل غير صالح) ، قال: إن مسألتك إياي هذه عملٌ غير صالح.

18243- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (إنه عمل غير صالح) ، أي سوء (7) ، (فلا تسألن ما ليس لك به علم).

18244- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إنه عمل غير صالح) ، يقول: سؤالك عما ليس لك به علم.

18245- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن مجاهد قوله: (إنه عمل غير صالح) ، قال: سؤالك إياي، عمل غير صالح ، (فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ).

* * *

وقال آخرون: بل معناه: إن الذي ذكرت أنّه ابنك فسألتني أن أنجيه ، عملٌ غير صالح، أي : أنه لغير رشدة . وقالوا: " الهاء "، في قوله: " إنه " عائدة على " الابن ".

*ذكر من قال ذلك:

18246- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن أنه قرأ: ( عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) ، قال: ما هو والله بابنه. (8)

* * *

وروي عن جماعة من السلف أنهم قرءوا ذلك: (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ) ، على وجه الخبر عن الفعل الماضي، وغير منصوبة. وممن روي عنه أنه قرأ ذلك كذلك ، ابنُ عباس.

18247- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قتة، عن ابن عباس أنه قرأ: (عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ) .

* * *

ووجَّهوا تأويل ذلك إلى ما:-

18248- حدثنا به ابن وكيع قال ، حدثنا غندر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ)، قال: كان مخالفًا في النية والعمل.

* * *

قال أبو جعفر: ، ولا نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد من قراء الأمصار ، إلا بعض المتأخرين، واعتلَّ في ذلك بخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك ، غيرِ صحيح السند. وذلك حديث روي عن شهر بن حوشب، فمرة يقول : " عن أم سلمة "، ومرة يقول : " عن أسماء بنت يزيد " ، ولا نعلم أبنت يزيد [يريد] ؟ (9) ولا نعلم لشهر سماعًا يصح عن أمّ سلمة. (10)

* * *

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار، وذلك رفع (عَمَلٌ) بالتنوين، ورفع (غَيْرُ)، يعني: إن سؤالك إياي ما تسألنيه في أبنك ، المخالفِ دينَك ، الموالي أهل الشرك بي من النجاة من الهلاك، وقد مضت إجابتي إياك في دعائك: لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، ما قد مضى من غير استثناء أحد منهم ، (11) عملٌ غير صالح، لأنَّه مسألة منك إليّ أن لا أفعل ما قد تقدّم مني القول بأني أفعله ، في إجابتي مسألتك إياي فعله. فذلك هو العمل غير الصالح.

* * *

وقوله: ( لا تسألن ما ليس لك به علم) ، نهيٌ من الله تعالى ذكرهُ نبيه نوحًا أن يسأله أسباب أفعاله التي قد طوى علمها عنه وعن غيره من البشر. يقول له تعالى ذكره: إني يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهلكته، فلا تسألن بعدها عما قد طويتُ علمه عنك من أسباب أفعالي، وليس لك به علم ، " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " في مسألتك إياي عن ذلك.

* * *

وكان ابن زيد يقول في قوله: (إني أعظك أن تكون من الجاهلين)، ما:-

18249- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) ، أنْ تبلغ الجهالة بك أن لا أفي لك بوعد وعدتك ، حتى تسألني ما ليس لك به علم ، وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

* * *

واختلفت القراء في قراءة قوله: (فلا تسألن ما ليس لك به علم) ، فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار ( فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم ) ، بكسر النون وتخفيفها ، ونحْوًا بكسرها إلى الدلالة على " الياء " التي هي كناية اسم الله [في] : فلا تسألني. (12)

وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض أهل الشام: ( فَلا تَسْأَلَنَّ ) ، بتشديد النون وفتحها بمعنى: فلا تسألنَّ يا نوح ما ليس لك به علم.

* * *

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، تخفيفُ النون وكسرها، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب المستعمل بينهم.

----------------------

الهوامش :

(1) " الحنث " (بكسر الحاء وسكون النون ) ، الذنب والمعصية . وفي الحديث " يكثر فيهم أولاد الحنث " ، أي : أولاد الزنا . ويروى " الخبث " ( بالخاء مضمومة والثاء ) ، من " الخبث " ، وهو الفساد والفجور . وفي الحديث : " إذا كثر الخبث كان كذا وكذا " ، أي : الفسق والفجور . وفي الحديث " أنه أتى برجل مخدج سقيم ، وجد مع أمة يخبث بها " ، أي : يزني بها . ويقال : " هو ابن خبثة " ، لابن الزنية ، ولد لغير رشدة .

(2) الأثر : 18210 - كان في المطبوعة : " عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم الحسن " ، وهو كلام لا معنى له ، وخاصة بعد تصرفه في نص المخطوطة ، لأنه لم يفهم معنى هذا الإسناد ، إذ كان فيها : " عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم الحسن " ، وهذا أيضًا فاسد ، يصلحه ما زدته بين القوسين، فإن " ابن علية " يروي عن " سعيد بن أبي عروبة " ، و " ابن أبي عروبة " روى عن " الحسن البصري ".

(3) الأثر : 18212 - انظر ما سيأتي رقم : 18246 .

(4) في المخطوطة : " إنه ليس من أهلي " ، وفوقها حرف ( ط ) دلالة على الخطأ .

(5) الأثر : 18219 - " ثوير " ، هو " ثوير بن أبي فاختة " ، ضعيف ، مضى مرارًا ، آخرها برقم : 9833 . وكان في المطبوعة : " ثور " ، والصواب من المخطوطة .

(6) الأثر : 18235 - " فضالة بن الفضل بن فضالة التميمي الطهوي الكوفي " ، شيخ الطبري ، صدوق ربما أخطأ . مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3 / 2 / 79 .

و" بزيع " هو اللحام ، أبو حازم ، وهو "بزيع بن عبد الله " سمع الضحاك . كان أبو نعيم يتكلم فيه ، وضعفه النسائي وغيره . وقال ابن عدي : " إنما أنكروا عليه ما يحكيه عن الضحاك من التفسير ولا يتابع عليه " . مترجم في الكبير 1 / 2 / 130 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 420 ، ولسان الميزان 2 : 12 ، وميزان الاعتدال 1 : 143 . وهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة في آخر الخبر : " كما قال الله ، قال نوح لابنه " ، والآية : " ونادى نوح ابنه " ، وأخشى أن يكون أراد : " قال نوح لابنه : يا بني اركب معنا " .

(7) أخشى أن يكون الصواب : " أي سؤالك إياي " ، ولكن هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة .

(8) الأثر : 18246 - انظر ما سلف رقم : 18212 .

(9) في المطبوعة : " ولا نعلم لبنت يزيد ، ولا نعلم لشهر . . . " ، وفي المخطوطة مثله ، إلا أن فيها : " أبنت يريد " ، ورأيت أن أبا جعفر أراد ما أثبت ، بهذه الزيادة بين القوسين ، وكأنه يقول : إنه يقول مرة " أم سلمة " ومرة " أسماء بنت يزيد " ، ولا نعلم أهي التي يريد بقوله : " أم سلمة " ، أم غيرها ، وانظر التعليق التالي .

(10) . . . حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد ، أو " أم سلمة " ، لم يذكر أبو جعفر إسناده ، وسأفصل القول فيه في هذا الموضع ، فإن أبا جعفر لم يوف الأمر حقه ، ولم يبينه بيانًا شافيًا .

1 - وهذا الحديث ، رواه أحمد في مسنده في ثلاثة مواضع 6 : 454 ، 459 ، 460 ، كلها من طريق : حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، عن " أسماء بنت يزيد " ، والطريق الأولى والثالثة ، مطولة ، فيها قراءة آية سورة الزمر : 53

{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلاَ يُبَالِي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .

2 - ومن هذه الطريق نفسها ، رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص : 226 ، رقم : 1631 ، مقتصرًا على الآية الأولى ، " شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية " .

3 - ورواه أبو داود في سننه 4 : 47 ، من طريقين ، رقم : 3982 ، 3983 . الأولى : حماد ، عن ثابت ، عن شهر ، عن أسماء بنت يزيد .

الثانية : عبد العزيز بن المختار ، عن ثابت ، عن شهر قال : سألت أم سلمة : كيف كان رسول الله يقرأ هذه الآية ؟

4 - ورواه الترمذي في " القراءات " ، من طريق عبد الله بن حفص ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة .

وقال : وقد روي هذا الحديث أيضًا عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد .

5 - ورواه أبو نعيم في الحلية 8 : 301 ، من طريق محمد بن ثابت البناني ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة . " وقال : حديث مشهور من حديث ثابت " ، وانظر رقم ( 8 ) ، فإن الطيالسي جعله من حديث أم سلمة أم المؤمنين .

6 - ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 249 ، مقتصرًا على آية " سورة الزمر " ، التي ذكرتها في رقم : 1 ، من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شهر ، عن أسماء بنت يزيد ، ثم قال : " هذا حديث غريب عال ، ولم أذكر في كتابي هذا عن شهر ، غير هذا الحديث الواحد " .

7 - ورواه أحمد في مسنده 6 : 294 ، 322 ، من طريق هارون النحوي ، عن ثابت البناني ، عن أبيه ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ( وذلك في مسند أم سلمة أم المؤمنين . ( وظني أن أبا جعفر ذهب إلى أن شهرًا دلس في هذا الحديث ، فلا يعلم أأراد " أسماء بنت يزيد الأنصارية " ، أم " أم سلمة " أم المؤمنين ، ولذلك قال بعد : "ولا نعلم لشهر سماعًا يصح عن أم سلمة " ، ولا شك أن الطبري عنى هنا " أم سلمة " أم المؤمنين ." وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية " ، هي مولاة " شهر بن حوشب " ، وكنيتها " أم سلمة " ، فلذلك صرح باسمها مرة ، وكناها أخرى ، وهذا لا يضر . و" شهر بن حوشب " ، كان أروى الناس عن مولاته " أم سلمة " ، "أسماء بنت يزيد " وقال أحمد : " ما أحسن حديثه " ، ووثقه ، وقال : " روى عن أسماء أحاديث حسانًا " .وقال الترمذي ، بعد أن ساق الخبر ، " وسمعت عبد بن حميد يقول : أسماء بنت يزيد ، هي أم سلمة الأنصارية ، كلا الحديثين عندي واحد . وقال روى شهر بن حوشب غير حديث عنه أم سلمة الأنصارية ، وهي أسماء بنت يزيد . وقد روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو هذا " وسنذكر حديث عائشة بعد . ومع ذلك ، فرواية شهر بن حوشب ، عن " أم سلمة " أم المؤمنين قد ذكر البخاري في الكبير 2 / 2 / 259 ، فقال : " سمع أم سلمة " ، ولم يزد ، ولم يذكر " أسماء بنت يزيد " ، ومن أجل ذلك خشيت أن يكون البخاري أراد " أم سلمة ، " أسماء بنت يزيد " ، لا أم المؤمنين . وأما ابن أبي حاتم 2 / 1 / 382 فذكر أنه : " روى عن أم سلمة ، وأسماء بنت يزيد " ، ففرق ، ودل التفريق على أنه أراد " أم سلمة " ، أم المؤمنين . صرح الحافظ ابن حجر في ترجمته ، بسماعه عن " أم سلمة " أم المؤمنين . وروايته عن أم المؤمنين جائزة ، فإن " أم سلمة " زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفيت على الصحيح سنة 61 أو سنة : 62 . وشهر بن حوشب عاش ثمانين سنة ، ومات سنة 100 ، ويقال سنة 111 ، أو سنة 112 . فسماعه منها لا ينقضه شيء من شبهة العمر . أما الرواية ، فقد صحح العلماء أنه روى عنها . فرد الطبري روايته بأنه لا يعلم له سماعًا عن أم المؤمنين، لا يقوم على شيء ، فقد عرف ذلك غيره . بيد أن الحافظ بن حجر ، نقل في ترجمة " شهر بن حوشب " ، فذكر عن صالح بن محمد ، بعد توثيقه شهرًا ، وأنه لم يوقف له على كذب ، ثم قال : "ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في القراءات ، لا يأتي بها غيره " . وقد كان شهر قارئا ، ذكر ذلك الطبري نفسه ، حتى قال أيوب بن أبي حسين : " ما رأيت أحدًا أقرأ لكتاب الله منه " ، فإن يكن في حديث شهر شيء ، فإنما هو غرابة خبره ، وهذا لا يضر إذا صح الإسناد . ولكن يبقى الإشكال من ناحية أخرى ، رواية أحمد من طريق هارون النحوي ، عن ثابت البناني نفسه ( كما في رقم 7 ) ، والذي رواه الطيالسي رقم ( 8 ) من طريق محمد بن ثابت ، عن ثابت ، يضم إليه رقم ( 5 ) من رواية أبي نعيم ، ويضم إليها ، الطريق الثانية من رقم ( 3 ) ، ثم رقم ( 4 ) من رواية الترمذي ، وإن كان قد نقل عن " عبد بن حميد " ، أنهما واحد . كما سلف . ورواية هذه الأخبار كلها تدور على " ثابت البناني ، عن شهر " ، فكأن ثابتًا البناني ، رواه عن شهر عن : أم سلمة أسماء بنت يزيد ، وعنه عن أم سلمة أم المؤمنين ، فهما حديثان لا شك في ذلك ، لا كما قال " عبد بن حميد " ، ولكن هل روى ذلك أحد عن أم سلمة أم المؤمنين ، غير شهر بن حوشب ؟ لا أدري . فإذا صح أن شهرًا قد انفرد به عن أم المؤمنين ، فهل وقع الخطأ في ترك الفصل بينهما ، من ثابت أم من الذي يليه ؟ لا أدري أيضًا . وإذا كانا حديثًا واحدًا ، فكيف وقع التفريق في المسانيد ، فجعل حديثين ، وكيف وقع هذا التفريق ؟ ولم وقع ؟ ألمجرد الشبهة من قبل الكنية " أم سلمة " ؟ هذا موضع يحتاج إلى تفصيل دقيق . وهذا ، فيما أظن ، هو الذي جعل أبا جعفر الطبري ، يشكك في رواية الخبر ، لاختلاطه ، ولكنه علله بغير علة الاختلاط والاضطراب كما رأيت .

* * * وأما حديث عائشة ، الموافق لحديث أم سلمة ، في هذه القراءة ، فقد رواه البخاري في الكبير 1 / 1 / 286 ، 287 ، من طريق إبراهيم بن الزبرقان ، عن أبي روق ، عن محمد بن جحادة ، عن أبيه ، عن عائشة ، ثم رواه أيضًا منها 1 / 2 / 251 .ورواه الحاكم في المستدرك من هذه الطريق نفسها ، وقال الذهبي تعليقا عليه " إسناده مظلم " . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 155 ، وقال : " رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه حميد بن الأزرق ، ولم أعرفه . وبقية رجاله ثقات " . والكلام في حديث عائشة يطول ، ففي رواية محمد بن جحادة الإيامي ، عن أبيه ، كلام ليس هذا موضع تحقيقه .

(11) السياق : " إن سؤالك إياي . . . عمل غير صالح " ، فقوله " عمل " ، خبر " إن " في صدر الجملة .

(12) في المخطوطة والمطبوعة : " كناية اسم الله فلا تسألن " وبنون مفردة في آخرها . والصواب ، إن شاء الله ، ما أثبت ، بزيادة " في " ، وزيادة الياء في " تسألني " .

التدبر :

وقفة
[46] ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ قال الجمهور: ليس من أهل دينك، ولا ولايتك، فهو على حذف مضاف، وهذا يدل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من حكم النسب.
وقفة
[46] ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ رابطة التوحيد والعبودية لله أسمى وأوثق من رابطة القرابة والدم.
وقفة
[46] ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ وجود نموذج الاقتداء لا يعني بالضرورة لزوم الاهتداء.
وقفة
[46] ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ الدِّين أوثق العُرى، وأقوى من كل قُربى.
وقفة
[46] تعزية: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾، في هذه الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم؛ وإن كانوا صالحين.
وقفة
[46] قال مقاتل: «صديق موافق خير من ولد مخالف!»، ألم تسمع قول الله: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾؟
وقفة
[46] ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ لا يملك الأنبياء الشفاعة لمن كفر بالله؛ حتَّى لو كانوا أبناءهم.
وقفة
[46] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ وهذا بلاء من نوع آخر: أن يبتلى الإنسان من أهله وقرابته؛ فيرى منهم جفاء، وليعلم أن هذا بلاء يحتاج إلى صبر.
وقفة
[46] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ الأخوة والصلة الباقية والممتدة والمعتبرة هي أخوة العقيدة، وإلا فهي ليست بشيء ولو كانت لأقرب قريب.
وقفة
[46] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ ما أجمل لطف الله بعبده! فقد أخرج الكافر من جملة أهله حتى يصونه من الخزي به.
وقفة
[46] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ هي تعزية وتسلية لكل صالح فاضل محتسب، له قريبٌ منتكسٌ في زُمرة الملحدين أو التغريبيين.
وقفة
[46] ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ قيلت لنوح بعد موت ولده وفوات صلاحه، فليس للآباء الإستشهاد بهذه الآية على فساد أولادهم وعدم دعوتهم.
لمسة
[46] ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ عبّر بالمصدر، يعني تحول (ابنك) كله إلى (كتلة عمل غير صالح)، لو قال: (عمِل) كان مرة واحدة، الاسم آكد عمومًا من الفعل في التعبير، تحول الذات إلى مصدر، العرب عادة إذا كان الشخص مكثرًا في شيء فيصفونه بالمصدر مبالغة، فيقولون: (هو رجل صَوْم) يعني كثير الصيام، لا يفطر إلا نادرًا.
وقفة
[46] ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي: ما لا تعلم عاقبته ومآله، وهل يكون خيرًا، أو غير خير.
وقفة
[46] ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ في هود سؤال واحد جاء اللفظ: (فلا تسألنِ) بحذف الياء، ﴿فلا تسألني عن شيء﴾ [الكهف: 70] في الكهف، ثلاثة أسئلة جاء اللفظ: ﴿فلا تسألني﴾ [الكهف: 70] بإثبات الياء، والزيادة في المبني تدل على الزيادة المعنى.
وقفة
[46] بعد تسعمائة وخمسين سنة في الدعوة لله ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، يقول الله له: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، فمهما بلغ الإنسان من الدعوة فلا ينفي الجهل عن نفسه, فالآية تربي المؤمن على تجريد النفس من الجهل.
لمسة
[46] ﴿تَسْأَلْنِ﴾ غير مرسومة بالياء، نوح أشار إلى طلبه إشارة، ولم يصرِّح فأشار ربه قال: (لا تَسْأَلْنِ).
وقفة
[46] ﴿أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ يعني لئلا تكون من الجاهلين.

الإعراب :

  • ﴿ قال يا نوح:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. يا: أداة نداء. نوح: منادى مبني على الضم في محل نصب.
  • ﴿ إنّه ليس من أهلك:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\". ليس: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح من أخوات \"كان\" واسمها ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. من أهل: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"ليس\" والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وجملة \"ليس من أهلك\" في محل رفع خبر \"إن\" وحذف النعت لدلالة المنعوت -الموصوف- عليه. أي ليس من أهلك الناجين.
  • ﴿ إنّه عمل غير صالح:
  • أعرب: جعلت ذاته عملًا غير صالح مبالغة في ذمّه. عمل: خبر \"إنّ\" مرفوع بالضمة. غير: صفة -نعت- لعمل مرفوعة مثلها بالضمة. صالح: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ فلا تسألنِ:
  • الفاء استئنافية للتعليل. لا: ناهية جازمة. تسألنِ: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه السكون. النون للوقاية. والياء المحذوفة اختصارًا ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به والكسرة دالة على الياء.
  • ﴿ ما ليس لك به علم:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لتسأل أي فلا تطلب إليّ. ليس: أعربت. لك: جار ومجرور متعلق بخبر \"ليس\" المقدم. به: جار ومجرور في محل نصب حال مقدم من علم. علم: اسم \"ليس\" مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إنّي أعظك:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"إنّ\". أعظك: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة \"أعظك\" في محل رفع خبر \"إن\" ليس لك به علم\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ أنْ تكون من الجاهلين:
  • الجملة بتأويل مصدر في محل نصب مفعول لأجله أي كراهة أن تكون أو لئلَّا تكون من الجاهلين. أن: حرف مصدرية ونصب والجملة \"صلة أن\". تكون: فعل مضارع منصوب بأنْ وعلامة نصبه الفتحة واسم \"تكون\" الفعل الناقص ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. من الجاهلين: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"تكون\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

هود: 46﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
الكهف: 70﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     ولَمَّا نادى نوحٌ عليه السلام : ربِّ إنَّك وعَدْتني أنْ تنجِّيني وأهلي من الغرقِ، ردَّ اللهُ عز وجل عليه هنا: إنَّهُ ليسَ مِن أهلِكَ الَّذينَ وعَدتُكَ أَنْ أُنجِّيهُم مَعَكَ، قال تعالى:
﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عمل غير صالح:
وقرئ:
على أنه فعل، نصب «غير صالح» ، وهى قراءة على، وأنس، وابن عباس، وعائشة.
فلا تسألن:
قرئ:
1- تسألن، بتشديد النون مكسورة، وهى قراءة الصاحبين.
2- تسألنى، بتشديد النون مكسورة، وإثبات الياء، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة، وزيد بن على.
3- تسألن، بتشديد النون مفتوحة، وهى قراءة ابن عباس.
4- تسالنى، من غير همز، من سال يسال، وهى قراءة الحسن، وابن أبى مليكة.
5- تسألن، بالهمز وإسكان اللام وكسر النون وتخفيفا، وأثبت الياء فى الوصل ورش وأبو عمرو، وحذفها الباقون، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [47] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ..

التفسير :

[47] قال نوح:يا رب إني أعتصم وأستجير بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإن لم تغفر لي ذنبي، وترحمني برحمتك، أكن من الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا.

فحينئذ ندم نوح، عليه السلام، ندامة شديدة، على ما صدر منه, و{ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين، ودل هذا على أن نوحا، عليه السلام، لم يكن عنده علم، بأن سؤاله لربه، في نجاة ابنه محرم، داخل في قوله{ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} بل تعارض عنده الأمران، وظن دخوله في قوله:{ وَأَهْلَكَ}

وبعد ذلك تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم، والمراجعة فيهم.

وهنا بين الله- تعالى- أن نوحا- عليه السلام- قد تنبه إلى ما أرشده إليه ربه، فبادر بطلب العفو والصفح منه- سبحانه- فقال: قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ...

أى: قال نوح- عليه السلام- ملتمسا الصفح من ربه: رب إنى أستجير بك، وأحتمى بجنابك من أن أسألك شيئا بعد الآن، ليس عندي علم صحيح بأنه جائز ولائق وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط منى من قول، وما صدر عنى من فعل.

وَتَرْحَمْنِي برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء.

أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا أنفسهم بالاحتجاب عن علمك وحكمتك.

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم ، عن إنابة نوح عليه السلام بالتوبة إليه من زلَّته ، في مسألته التي سألَها ربَّه في ابنه : (قال ربّ إني أعوذ بك) ، أي : أستجير بك أن أتكلف مسألتك ما ليس لي به علم، (13) مما قد استأثرت بعلمه ، وطويت علمه عن خلقك، فاغفر لي زلتي في مسألتي إياك ما سألتك في ابني، وإن أنت لم تغفرها لي وترحمني فتنقذني من غضبك ، (أكن من الخاسرين) ، يقول: من الذين غبنوا أنفسهم حظوظَها وهلكوا. (14)

---------------------

الهوامش :

(13) انظر تفسير " عاذ " فيما سلف 13 : 332 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(14) انظر تفسير " الخسران " فيما سلف من فهارس اللغة ( خسر ) .

التدبر :

وقفة
[47] ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ دل هذا على أن نوحًا لم يكن يعلم أن سؤاله لربه في نجاة ابنه حرام، وأنه داخل في قوله: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [37]، بل تعارض عنده الأمران، وظن دخول ابنه في قوله (وأهلك)، ثم تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم.
عمل
[47] راجع أدعيتك التي اعتدت عليها تحسبًا أن يكون فيها خطأ ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وقفة
[47] من دروس قصة نوح في سورة هود: 1- البيئة الصالحة قد ينتج منها ولد غير صالح فالمسؤولية فردية. 2- لا تنفع الشفاعة لأقرب المقربين إذا لم يأذن الله بها ولم يرض عن المشفوع له. 3- التسليم والإقرار بعلم الله وبجهل الإنسان ولو كان نبيًا مرسلًا ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾.
وقفة
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين.
وقفة
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ طلب المغفرة ابتداء، ثم أعقبها بطلب الرحمة؛ لأنَّه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلًا للرحمة.
وقفة
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الخسارة الحقيقية في الحرمان من الرحمة والمغفرة، وليس في إبرام صفقة خاسرة.
عمل
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الاستغفار حاجة كل مخلوق حتى الأنبياء! والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله ويتوب إليه في المجلس أكثر من سبعين مرة! فلنقتدِ بهداهم.
وقفة
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قدَّم الرحمة على المغفرة؛ لأن طلب الرحمة مرقاة إلى طلب المغفرة، من نال الرحمة له أن يطلب المغفرة؛ لأن رحمته وسعت كل شيء، فكل مغفور له مرحوم، كيف يغفر لهم وهو لم يرحمهم؟!
وقفة
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾: نوح عليه السلام لم يعص الله تعالى فجاءت الآية خالية من التوكيد، ﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]: آدم عصى ربه تعالى فؤكدت الآية، ﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 149]: بنو إسرائيل أشركوا في الله فجاء توكيدات كثيرة.
وقفة
[47] بعد 950 سَنَةً من الدَّعوةِ قَالَ: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، لم يُعوِّلْ عَلى عمَلِهِ الصَّالحِ إنَّمَا عوَّلَ عَلَى مَغفِرةِ اللهِ وَرَحْمتِه.
وقفة
[47] في دعاء نوح: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وهل يوجد خسارة أعظم من عدم ظفرك بمغفرة الله ورحمته؟!
وقفة
[47] كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار كتابًا قال فيه: «قولوا كما قال أبوكم آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، وقولوا كما قال نوح: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وقولوا كما قال موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ [القصص: 16]».
تفاعل
[47] ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الخاسرين.

الإعراب :

  • ﴿ قال ربّ:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هوأي نوح. رب: منادى بأداة نداء محذوفة التقدير: يا رب: وهو مضاف منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفًا والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنّي أعوذ بك:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- أعوذ: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره. أنا: بك: جار ومجرور متعلق بأعوذ وقيل الباء حرف زائد وهو باء الصفة والاتصال واللصوق وموضعها: نصب لأنها قد حلت محل مفعول. وجملة \"أعوذ بك\" في محل رفع خبر \"إنّ\" و \"إنّ\" حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم \"إنّ\".
  • ﴿ أن أسألك:
  • الجملة: بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر تقديره من. والجار والمجرور متعلق بأعوذ. وجملة \"أسألك\" صلة حرف مصدري لا محل لها. أنْ: حرف مصدري ناصب أسأل فعل مضارع منصوب بأنْ وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ما ليس لي به علم:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة.
  • ﴿ وإلّا تغفر لي وترحمني:
  • الواو: استئنافية. إلّا: مكونة من \"إنْ\" حرف شرط جازم و \"لا\" نافية لا عمل لها. تغفر: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإنْ وعلامة جزمه: السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. لي: جار ومجرور متعلق بتغفر. وترحمني: معطوفة بالواو على \"تغفر\" وتعرب إعرابها والنون للوقاية والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أكن من الخاسرين:
  • الجملة: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الإعراب. أكن: فعل مضارع ناقص جواب الشرط مجزوم بإنْ وعلامة جزمه سكون آخره واسمها ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنا وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. من الخاسرين: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"أكن\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد ومفعول اسم الفاعل \"الخاسرين\" محذوف تقديره غفرانك. '

المتشابهات :

الأعراف: 23﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
هود: 47﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولَمَّا عاتبَ اللهُ عز وجل نبيَّه نوحًا عليه السلام ؛ بادر نوح عليه السلام بطلب العفو والصفح من الله، قال تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [48] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ ..

التفسير :

[48] قال الله:يا نوح اهبط من السفينة إلى الأرض بأمن وسلامة منَّا وخيراتٍ ونعمٍ دائمة عليك وعلى أمم ممن معك. وهناك أمم وجماعات من أهل الشقاء سنمتعهم في الحياة الدنيا، إلى أن يبلغوا آجالهم، ثم ينالهم منا العذاب الموجع يوم القيامة.

{ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} من الآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها معه، فبارك الله في الجميع، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها.

{ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} في الدنيا{ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي:هذا الإنجاء، ليس بمانع لنا من أن من كفر بعد ذلك، أحللنا به العقاب، وإن متعوا قليلا، فسيؤخذون بعد ذلك.

ثم بشر- سبحانه- نبيه نوحا- عليه السلام- بقبول توبته فقال: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا، وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ...

والسلام: التحية المقرونة بالأمان والاطمئنان، وأصله السلامة، والباء فيه للمصاحبة والبركات. جمع بركة وهي ثبوت الخير ونماؤه وزيادته، واشتقاقها من البرك، وهو صدر البعير. يقال: برك البعير إذا ألقى بركه أى صدره على الأرض وثبت. ومنه البركة لثبوت الماء فيها.

والأمم: جمع أمة، وهي الجماعة الكثيرة من الناس، يجمعها نسب واحد أو لغة واحدة، أو موطن واحد.

أى: قال الله- تعالى- مبشرا نوحا- عليه السلام- بقبول توبته: يا نوح اهبط من السفينة مصحوبا منا بالأمان مما تكره، وبالخيرات النامية والنعم الثابتة عليك، وعلى أمم متشعبة ومتفرعة وناشئة من الأمم المؤمنة التي ستهبط معك، بعد أن أنجاكم الله- تعالى-

بفضله ورحمته من العذاب، الذي حل بالكافرين من قومك.

وكان مقتضى الظاهر أن يقال: قال يا نوح اهبط بسلام.. ولكن جاء التعبير بقيل، مسايرة للتعبيرات السابقة في أجزاء القصة، مثل قوله- سبحانه- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.. وقوله: وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وقوله اهْبِطْ بِسَلامٍ.. فيه إشارة إلى أنه كان قبل الهبوط في ضيافة الله ورعايته، وأنه لولا عناية الله به وبمن معه من المؤمنين، لما نجت السفينة من ذلك الطوفان العظيم.

والتعبير بقوله مِنَّا لزيادة التكريم، وتأكيد السلام. أى: انزل بسلام ناشئ من عندنا، وليس من عند غيرنا لأن كل سلام من غيرنا لا قيمة له بجانب سلامنا.

وقوله عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ متعلق بسلام وبركات.

وفي هذا إشارة إلى أنه- سبحانه- سيجعل من ذرية نوح ومن ذرية من معه من المؤمنين، أمما كثيرة تكون محل كرامة الله وأمانه وبركاته.

وقوله- سبحانه- وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ كلام مستأنف مسوق للاحتراز والتحذير من سوء عاقبة المخالفة لأمر الله.

أى: أن الأمم التي تكون من نسلك ومن نسل أتباعك يا نوح على قسمين: قسم منهم له منا السلام، وعليه البركات بسبب إيمانه وعمله الصالح.

وقسم آخر سنمتعه في الدنيا وبالكثير من زينتها وخيراتها، ثم يصيبه يوم القيامة عذاب أليم بسبب جحوده لنعمنا، وعصيانه لرسلنا.

فعلى كل عاقل أن يجتهد في أن يكون من القسم الأول، وأن يتجنب القسم الثاني.

يخبر تعالى عما قيل لنوح ، عليه السلام ، حين أرست السفينة على الجودي ، من السلام عليه ، وعلى من معه من المؤمنين ، وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة ، كما قال محمد بن كعب : دخل في هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة .

وقال محمد بن إسحاق : ولما أراد أن يكف الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض ، فسكن الماء ، وانسدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السماء ،

يقول الله تعالى : ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ) [ ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ] ) فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر ، وكان استواء الفلك على الجودي ، فيما يزعم أهل التوراة ، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ، وفي أول يوم من الشهر العاشر ، رئي رءوس الجبال . فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما ، فتح نوح كوة الفلك التي ركب فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما صنع الماء ، فلم يرجع إليه . فأرسل الحمامة فرجعت إليه ، لم تجد لرجليها موضعا ، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها . ثم مضى سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له . فرجعت حين أمست ، وفي فيها ورق زيتون فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض . ثم مكث سبعة أيام ، فلم ترجع ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين ، برز وجه الأرض ، وظهر اليبس وكشف نوح غطاء الفلك ورأى وجه الأرض ، وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ، في سبع وعشرين ليلة منه ( قيل يا نوح اهبط بسلام منا ) [ وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ] ) [ إلى آخر ] الآية .

القول في تأويل قوله تعالى : قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: يا نوح، اهبط من الفلك إلى الأرض (15)

(بسلام منا) ، يقول: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا (16) ، (وبركات عليك) ، يقول: وببركات عليك (17) ، (وعلى أمم ممن معك) ، يقول: وعلى قرون تجيء من ذرية من معك من ولدك. فهؤلاء المؤمنون من ذرية نوح الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وبارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم. ثم أخبر تعالى ذكره نوحًا عما هو فاعل بأهل الشقاء من ذريته، فقال له: (وأمم) ، يقول: وقرون وجماعة (18) ، (سنمتعهم) في الحياة في الدنيا ، يقول: نرزقهم فيها ما يتمتعون به إلى أن يبلغوا آجالهم (19) ، (ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، يقول: ثم نذيقهم إذا وردوا علينا عذابًا مؤلمًا موجعًا. (20)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18250- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) ، إلى آخر الآية، قال: دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.

18251- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك)، قال: دخل في الإسلام كل مؤمن ومؤمنة، وفي الشرك كل كافر وكافرة. (21)

18252- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك ، قراءةً عن ابن جريج: (وعلى أمم ممن معك) ، يعني : ممن لم يولد. قد قضى البركات لمن سبق له في علم الله وقضائه السعادة ، (وأمم سنمتعهم) ، من سبق له في علم الله وقضائه الشِّقوة. (22)

18253- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج بنحوه ، إلا أنه قال: (وأمم سنمتعهم) ، متاع الحياة الدنيا، ممن قد سبق له في علم الله وقضائه الشقوة. قال: ولم يهلك الوَلَد يوم غرق قوم نُوح بذنب آبائهم ، كالطير والسباع، ولكن جاء أجلهم مع الغرق.

18254- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم) ، قال: هبطوا والله عنهم راض، هبطوا بسلام من الله. كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر، ثم أخرج منهم نسلا بعد ذلك أممًا، منهم من رحم، ومنهم من عذب. وقرأ: (وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم) ، وذلك إنما افترقت الأمم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت.

18255- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) ، الآية، يقول: بركات عليك وعلى أمم ممن معك لم يولدوا، أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة ، (وأمم سنمتعهم) ، يعني: متاع الحياة الدنيا ، (ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة.

18256- حدثني المثني قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن: أنه كان إذا قرأ " سورة هود "، فأتى على: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك) ، حتى ختم الآية، قال الحسن: فأنجى الله نوحًا والذين آمنوا، وهلك المتمتعون ! حتى ذكر الأنبياء كل ذلك يقول: أنجاه الله وهلك المتمتعون.

18257- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال: بعد الرحمة.

18258- حدثنا العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، اخبرنا عبد الله بن شوذب قال، سمعت داود بن أبي هند يحدث ، عن الحسن : أنه أتى على هذه الآية: (اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال: فكان ذلك حين بعث الله عادًا، فأرسل إليهم هودًا، فصدقه مصدقون ، وكذبه مكذبون ، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجّى الله هودًا والذين آمنوا معه، وأهلك الله المتمتعين، ثم بعث الله ثمود، فبعث إليهم صالحًا، فصدقه مصدقون وكذبه مكذبون، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجى الله صالحًا والذين آمنوا معه وأهلك الله المتمتعين. ثم استقرأ الأنبياء نبيًّا نبيًّا ، على نحو من هذا.

-------------------------

الهوامش :

(15) انظر تفسير " الهبوط " فيما سلف 12 : 329 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(16) انظر تفسير " السلام " فيما سلف من فهارس اللغة ( سلم ) .

(17) في المطبوعة والمخطوطة : " وبركات عليه " ، مرة أخرى ، ولم يفسرها أيضًا ، فإن لم يكن سقط من التفسير شيء ، فالصواب ما أثبت بزيادة الباء ، دلالة على العطف على ما قبله .

(18) انظر تفسير " الأمة " فيما سلف ص : 252 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(19) انظر تفسير " المتاع " فيما سلف من فهارس اللغة ( متع ) .

(20) انظر تفسير " المس " فيما سلف ص : 256 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(21) في المطبوعة : " دخل في السلام " ، غير ما في المخطوطة ، وأساء .

(22) في المطبوعة " الشقاوة " ، وأثبت ما في المخطوطة ، هنا وفي سائر المواضع الآتية .

التدبر :

وقفة
[48] ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا﴾ إذا أحاطك الله منه بسلام فَسَتَنْجو من جميع الأهوال ولو كانت مثل الطوفان.
لمسة
[48] ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ﴾ قدَّم السلام على البركات؛ لأن السلام أهم، السلام مقابل الهبوط، الهبوط بدون سلام قد يغرق، النجاة هي الأهم، ثم البركات الخيرات تأتي فيما بعد، بعد الهبوط والاستقرار، ثم إن السلام عليه والبركات عليه وعلى أمم.
وقفة
[48] في هذه الآية مناسبة لطيفة لما قبلها، قبلها قال: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)، ثم قال: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ﴾، كأنما هي بشارة منه سبحانه وتعالى يطمئنه بأنه لم يغضب عليه، ويبشِّره بالمغفرة والرحمة.
وقفة
[48] ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فبارك الله في الجميع حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها.
وقفة
[48] ﴿بِسَلَامٍ مِّنَّا﴾ إشارة إلى أن كل سلام من عند غير الله لا قيمة له بجوار سلام الله.
وقفة
[48] ﴿وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الناس منذ الأزل فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
عمل
[48] ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ لا تنخَدِعْ بمن يتمتَّعُ الآنَ برغدِ العيشِ، فكم من متمتِّعٍ تنتظِرُه (ثُمَّ).
تفاعل
[48] ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ قيل يا نوح:
  • فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح والجملة الفعلية التالية: في محل رفع نائب فاعل. يا: أداة نداء. نوح: منادى مبني على الضم في محل نصب. بمعنى: قال الله يا نوح.
  • ﴿ اهبط بسلام منا:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع نائب فاعل. اهبط: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت: أي اهبط من السفينة. بسلام: جار ومجرور متعلق بحال من الضمير التقدير: اهبط من السفينة سالمًا محفوظًا أو مسلمًا عليك مكرما. والباء للمصاحبة أي مع سلام منا. منا: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"سلام\".
  • ﴿ وبركات عليك:
  • معطوفة بالواو على \"بسلام منا\" وتعرب إعرابها. أي ومباركًا عليك.
  • ﴿ وعلى أمم ممن معك:
  • الواو عاطفة. على أمم: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور الذي قبله. ممن: مكونة من \"من\" التبعيضية البيانية حرف جر أو هي لابتداء الغاية بتقدير: على أمم ناشئة ممن معك و \"مْن\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة في محل نصب على الظرفية وهو مضاف والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة وشبه الجملة متعلق بصلة الموصول المحذوفة. التقدير: ممن استقر أو هو مستقر معك.
  • ﴿ وأمم سنمتعهم:
  • الواو عاطفة. أمم: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة والخبر محذوف تقديره ممن معك وإنما حذف الخبر لأن القول \"ممّن معك\" يدل عليه. السين: حرف استقبال تسويف - للقريب: نمتع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة \"سنمتعهم\" في محل رفع صفة لأمم.
  • ﴿ ثم يمسهم:
  • ثم: عاطفة. يمس: فعل مضارع مرفوع بالضمة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ منا عذاب أليم:
  • جار ومجرور متعلق بيمس. عذاب: فاعل مرفوع بالضمة. أليم: صفة -نعت- لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     ولَمَّا وصلت السفينة إلى جبل الْجُودِيِّ؛ أمر اللهُ عز وجل نبيَّه نوحًا عليه السلام بالنزول من السفينة إلى الأرض، قال تعالى:
﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا ..

التفسير :

[49] تلك القصة التي قصصناها عليك -أيها الرسول- عن نوح وقومه هي من أخبار الغيب السالفة، نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك مِن قبل هذا البيان، فاصبر على تكذيب قومك وإيذائهم لك، كما صبر الأنبياء من قبل، إن العاقبة الطيبة في الدنيا والآخرة للمتقين الذين

قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما قص عليه هذه القصة المبسوطة، التي لا يعلمها إلا من منَّ عليه برسالته.

{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} فيقولوا:إنه كان يعلمها.

فاحمد الله، واشكره، واصبر على ما أنت عليه، من الدين القويم، والصراط المستقيم، والدعوة إلى الله{ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} الذين يتقون الشرك وسائر المعاصي، فستكون لك العاقبة على قومك، كما كانت لنوح على قومه.

ثم اختتم الله- تعالى- قصة نوح- عليه السلام- مع قومه في هذه السورة، بقوله:

تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.

واسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى ما قصة الله- تعالى- من قصة نوح مع قومه في هذه السورة.

والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر الهام. والغيب: مصدر غاب، وهو مالا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل.

أى: تلك القصة التي قصصناها عليك يا محمد بهذا الأسلوب الحكيم، من أخبار الغيب الماضية، التي لا يعلم دقائقها وتفاصيلها أحد سوانا.

ونحن نُوحِيها إِلَيْكَ ونعرفك بها عن طريق وحينا الصادق الأمين.

وهذه القصة وأمثالها ما كُنْتَ تَعْلَمُها أنت يا محمد، وما كان يعلمها قَوْمُكَ أيضا، بهذه الصورة الصادقة الحكيمة، الخالية من الأساطير والأكاذيب.

مِنْ قَبْلِ هذا الوقت الذي أوحيناها إليك فيه.

وما دام الأمر كذلك فَاصْبِرْ صبرا جميلا على تبليغ رسالتك، وعلى أذى قومك كما صبر أخوك نوح من قبل.

وجملة إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ تعليل للأمر بالصبر.

والعاقبة: الحالة التي تعقب حالة قبلها، وقد شاعت عند الإطلاق في حالة الخير كما في قوله- تعالى- وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى. وأل فيها للجنس، واللام في قوله لِلْمُتَّقِينَ للاختصاص.

أى: إن العاقبة الحسنة الطيبة في الدنيا والآخرة، للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضى الله- تعالى-، وليست لغيرهم ممن استحبوا العمى على الهدى.

والآية الكريمة تعقيب حكيم على قصة نوح- عليه السلام- قصد به الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم والموعظة، والتسلية.

فالامتنان نراه في قوله- تعالى- ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا.

والموعظة نراها في قوله- سبحانه- فَاصْبِرْ.

والتسلية نراها في قوله- عز وجل- إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.

وبعد، فهذه قصة نوح- عليه السلام- كما وردت في هذه السورة الكريمة، ومن العبر والعظات والهدايات والحقائق التي نأخذها منها ما يأتى:

1- الدلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-، فقد أخبرنا عن قصة نوح- عليه السلام- مع قومه، وعن غيرها من القصص، التي هي من أنباء الغيب، والتي لا يعلم حقيقتها وتفاصيلها أحد سوى الله- عز وجل-.

2- أن نوحا- عليه السلام- قد سلك في دعوته إلى الله- تعالى- أحسن الأساليب وأحكمها، فقد دعا قومه إلى عبادة الله- تعالى- وحده في الليل وفي النهار. وفي السر وفي العلانية، وأقام لهم ألوانا من الأدلة على صدقه، ورغبهم في الإيمان بشتى ألوان الترغيب، وحذرهم من الكفر بشتى أنواع التحذير، وصبر على أذاهم صبرا جميلا، ورد على سفاهاتهم وأقوالهم بمنطق سليم، أبطل به حججهم.. مما جعلهم يكفون عن مناقشته، ويلجئون إلى التحدي والتعنت.

وما أحوج الدعاة إلى الله- عز وجل- إلى التماس العبرة والعظة من قصة نوح مع قومه.

3- أن النسب مهما شرف وعظم لن ينفع صاحبه عند الله، إلا إذا كان معه الإيمان والعمل الصالح، وأن الإيمان والصلاح ليسا مرتبطين بالوراثة والأنساب لأنه لو كان الأمر كذلك لكانت ذرية نوح ومن معه من المؤمنين الذين نجوا معه في السفينة. كلها من المؤمنين الصالحين، مع أن المشاهد غير ذلك.

ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال- ما ملخصه- عند تفسيره لقوله- تعالى- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ..: «وفي هذه الآية تسلية للآباء في فساد أبنائهم وإن كان الآباء صالحين» ، فقد روى أن ابنا لمالك بن أنس ارتكب أمرا لا يليق بمسلم، فعلم بذلك مالك فقال: «الأدب أدب الله، لا أدب الآباء والأمهات، والخير خير الله، لا خير الآباء والأمهات..» .

4- أن سؤال نوح- عليه السلام- ما سأله لابنه لم يكن- كما قال صاحب المنار معصية لله- تعالى- خالف فيها أمره أو نهيه، وإنما كان خطأ في اجتهاد رأى بنية صالحة.

وإنما عدها الله- تعالى- ذنبا له لأنها كانت دون مقام العلم الصحيح اللائق بمنزلته من ربه، هبطت بضعفه البشرى، وما غرس في الفطرة من الرحمة والرأفة بالأولاد إلى اتباع الظن، ومثل هذا الاجتهاد لم يعصم منه الأنبياء، فيقعون فيه أحيانا ليشعروا بحاجتهم إلى تأديب ربهم وتكميله إياهم آنا بعد آن، بما يصعدون به في معارج العرفان» .

5- إن القرآن في إيراده للقصص والأخبار، لا يهتم إلا بإبراز النافع المفيد منها، أما ما عدا ذلك مما لا فائدة من ذكره، فيهمل القرآن الحديث عنه.

فمثلا في قصة نوح- عليه السلام- هنا، لم يتعرض القرآن لبيان المدة التي قضاها نوح في صنع السفينة. ولا لبيان طول السفينة وعرضها وارتفاعها، ولا لتفاصيل الأنواع التي حملها معه في السفينة، ولا لبيان الفترة التي عاشها نوح ومن معه فيها.

ولا لبيان المكان الذي هبط فيه نوح بعد أن استوت السفينة على الجودي.. ولا لبيان الزمان الذي استغرقه الطوفان فوق الأرض.

وما ورد في ذلك من أقوال وأخبار، أكثرها من الإسرائيليات التي لا يؤيدها دليل من الشرع أو العقل.

ومن المسائل التي تكلم عنها كثير من العلماء، وذهبوا بشأنها مذاهب شتى مسألة الطوفان.

وقد أصدر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده- رحمه الله- فتوى في هذا الشأن، ملخصها كما يقول صاحب المنار: أن ظواهر القرآن والأحاديث أن الطوفان كان عاما شاملا لقوم نوح الذين لم يكن في الأرض غيرهم فيجب اعتقاده، ولكنه لا يقتضى أن يكون عاما للأرض، إذ لا دليل على أنهم كانوا يملؤون الأرض.

وهذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن، ولذلك لم يبينها بنص قطعى، فنحن نقول بما تقدم إنه ظاهر النصوص، ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية، فإن أثبت العلم خلافه لا يضرنا، لأنه لا ينقض نصا قطعيا عندنا) .

6- أن سنة الله- تعالى- في خلقه لا تتخلف ولا تتبدل وهي أن العاقبة للمتقين، مهما طال الصراع بين الحق والباطل، وبين الأخيار والأشرار.

فلقد لبث نوح- عليه السلام- في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وقد لقى خلال تلك المدة الطويلة ما لقى من الأذى ... ولكن كانت النتيجة في النهاية نجاته ومن معه من المؤمنين، وإغراق أعدائه بالطوفان العظيم.

ولقد أفاض صاحب الظلال- رحمه الله- وهو يتحدث عن هذا المعنى فقال ما ملخصه:

«ثم نقف الوقفة الأخيرة مع قصة نوح، لنرى قيمة الحفنة المسلمة في ميزان الله- سبحانه-.

إن حفنة من المسلمين من أتباع نوح- عليه السلام- تذكر بعض الروايات، أنهم اثنا عشر، هم كانوا حصيلة دعوة نوح في ألف سنة إلا خمسين عاما.

إن هذه الحفنة- وهي ثمرة ذلك العمر الطويل والجهد الطويل-، قد استحقت أن يغير الله لها المألوف من ظواهر هذا الكون، وأن يجرى لها ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء ...

وأن يجعل هذه الحفنة وحدها هي وارثة الأرض بعد ذلك، وبذرة العمران فيها.

وهذه هي عبرة الحادث الكونى العظيم.

إنه لا ينبغي لأحد يواجه الجاهلية بالإسلام، أن يظن أن الله تاركه للجاهلية وهو يدعو إلى إفراد الله- سبحانه- بالربوبية. كما أنه لا ينبغي له أن يقيس قوته الذاتية إلى قوى الجاهلية فيظن أن الله تاركه لهذه القوى، وهو عبده الذي يستنصر به حين يغلب فيدعوه:

(أنى مغلوب فانتصر) .

إن القوى في حقيقتها ليست متكافئة ولا متقاربة.. إن الجاهلية تملك قواها.. ولكن الداعي إلى الله يستند إلى قوة الله. والله يملك أن يسخر له بعض القوى الكونية- حينما يشاء وكيفما يشاء-، وأيسر هذه القوى يدمر قوى الجاهلية من حيث لا تحتسب!!.

والذين يسلكون السبيل إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا واجبهم كاملا، ثم يتركوا الأمور لله في طمأنينة وثقة. وعند ما يغلبون عليهم أن يلجئوا إلى الناصر المعين، وأن يجأروا إليه وحده كما جأر عبده الصالح نوح: فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.

ثم عليهم أن ينتظروا فرج الله القريب، وانتظار الفرج من الله عبادة، فهم على هذا الانتظار مأجورون.. والعاقبة للمتقين» .

ثم تابعت السورة الكريمة حديثها عن قصة هود- عليه السلام- مع قومه، بعد حديثها عن قصة نوح- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-:

يقول تعالى لنبيه [ ورسوله محمد ] صلى الله عليه وسلم . هذه القصة وأشباهها ( من أنباء الغيب ) يعني : من أخبار الغيوب السالفة نوحيها إليك على وجهها [ وجليتها ] ، كأنك شاهدها ، ( نوحيها إليك ) أي : نعلمك بها وحيا منا إليك ، ( ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) أي : لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها ، حتى يقول من يكذبك : إنك تعلمتها منه ، بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح ، كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك ، فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك وأذاهم لك ، فإنا سننصرك ونحوطك بعنايتنا ، ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة ، كما فعلنا [ بإخوانك ] بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم ، ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا [ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ] ) [ غافر : 51 ، 52 ] ، وقال تعالى : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون [ وإن جندنا لهم الغالبون ] ) [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقال تعالى : ( فاصبر إن العاقبة للمتقين ) .

القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمّد صلى الله عليه وسلم: هذه القصة التي أنبأتك بها من قصة نوح وخبره وخبر قومه ، (من أنباء الغيب) ، يقول: هي من أخبار الغيب التي لم تشهدها فتعلمها (23) ، (نوحيها إليك) ، يقول: نوحيها إليك نحن ، فنعرفكها ، (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) ، الوحي الذي نوحيه إليك، ، (فاصبر ) ، على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته ، وما تلقى من مشركي قومك، كما صبر نوح ، (إن العاقبة للمتقين) ، يقول: إن الخير من عواقب الأمور لمن اتقى الله ، (24) فأدَّى فرائضه، واجتنب معاصيه ، فهم الفائزون بما يؤمِّلون من النعيم في الآخرة ، والظفر في الدنيا بالطلبة، كما كانت عاقبة نوح إذ صبر لأمر الله ، أنْ نجَّاه من الهلكة مع من آمن به ، وأعطاه في الآخرة ما أعطاه من الكرامة، وغرَّق المكذبين به فأهلكهم جميعهم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18259- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا)، القرآن، وما كان عَلم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وقومه ما صنع نوحٌ وقومه، لولا ما بيَّن الله في كتابه.

-----------------------

الهوامش :

(23) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف من فهارس اللغة ( نبأ) .

(24) انظر تفسير " العاقبة " فيما سلف ص : 153 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[49] ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ كما صبر نوح عليه السلام فكانت العاقبة له، كذلك تكون العاقبة لك على قومك.
وقفة
[49] ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ في آيات سورة هود خبر نوح عليه السلام وهو أول الرسل، وقد ثنّى الله ذكره في القرآن، فهو من أولي العزم، ولأوليته في القيام بأمر الله مزية، وهو أطول الأنبياء مكابدة في الدعوة، وهذا الموضع أبسط مواضع ذكره في القرآن.
عمل
[49] اقرأ قصة نوح عليه السلام واستخرج منها ثلاث فوائد ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[49] ﴿نُوحِيهَا إِلَيْكَ﴾ أي نحن الذين أخبرناك بها ليست جهة أخرى وهذ تأكيد آخر.
وقفة
[49] ﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا﴾ نفاها بـ (ما)، لم يقل: (لم تكن تعلمها)، (ما) آكد من (لم) لغة، توكيد في النفي لأنه قطعًا ما كان يعلمها.
وقفة
[49] ﴿مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ﴾ (أنت) توكيد للفاعل، هذا زيادة في التوكيد؛ لأن الأمر في الغيب ما أحد علّمه.
وقفة
[49] ﴿وَلَا قَوْمُكَ﴾ جاء بـ (لا) زيادة في التوكيد، تفيد القطع بعدم علمه هو وعلمهم هم على سبيل الاجتماع أو الإفراد.
وقفة
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ إنَّ من سنة الله تعالى؛ أنَّ الأعمال العظيمة لا تتم ولا ينجح صاحبها إلا بالثبات والاستمرار!
وقفة
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ مَن تذكَّر حلاوة العاقبة؛ نسي مرارة الصبر.
وقفة
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ لماذا الصبر؟! قال ابن عاشور: لأن داعي الصبر قائم، وهو أن العاقبة الحسنة ستكون من نصيب المتقين، فستكون لك وللمؤمنين معك، واللام في (لِلْمُتَّقِينَ) للاختصاص والملك، فيقتضي امتلاك المتقين لجنس العاقبة الحسنة، فهي ثابتة لهم لا تفوتهم، ومنتفية عن أضدادهم من غير المتقين.
وقفة
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ جربنا وجرب المجربون؛ فلم نر شيئًا أنفع وجدانًا ولا أضر فقدانًا من الصبر، تداوي به الأمور.
عمل
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ذكر له صبر نوح هذه المدة الطويلة ٩٥٠ عامًا، فكانت العاقبة الحسنى؛ فأنت أيضًا اصبر حتى تنال العاقبة المحمودة.
وقفة
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الصبر عاقبته النصر والظفر والفرح والسرور.
وقفة
[49] ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [115]، لا تقوى ولا إحسان إلا بالصبر، وفي قصة يوسف عليه السلام تجد الصبر والإحسان والتقوى.
عمل
[49] إذا أحسست بفتور في الدعوة، أو نالك أذى في سبيلها، أو تسلل اليأس لقلبك؛ فتذكر هذا الوعد والسلوان والوصية الربانية ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[49] الصبر والتقوى هما سببا الانتصار على من ظلمك ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
وقفة
[49] موعود الله سبحانه يأتي غالبًا في أواخر الأمور؛ بعد أن يتحقق الاختبار والابتلاء ﴿فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ إن العاقبة للمتقين حقيقة لا تتبدل!
وقفة
[49] ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ حقيقة لا تتبدل.
وقفة
[49] ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (لِلْمُتَّقِينَ) وليس للصابرين، فالمتقون يشملون الصابرين وزيادة، لاحظ لما قال: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ ... وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ ... وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ .. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ ... وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، الصابرين هم قسم من المتقين، هو وصف واحد من أوصاف المتقين، لذلك في كل القرآن لا تجد العاقبة للمؤمنين، ولا العاقبة للصابرين، إنما (للمتقين) أعمُّ تشمل صفات أشمل، لا بد أن يكون متقيًا.
وقفة
[49] إذا كانت العبرة بالنتائج وبمن يضحك آخرًا فإن: ﴿الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ تلك من أنباء الغيب:
  • تلك: اسم إشارة مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والإشارة إلى قصة نوح. من أنباء: جار ومجرور في محل رفع خبر \"تلك\". الغيب: مضاف إليه مجرور بالكسرة. و \"من\" للتبعيض بمعنى: تلك القصة بعض أنباء الغيب.
  • ﴿ نوحيها إليك:
  • في محل رفع خبر ثانٍ لتلك. نوحي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن و\"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. إليك: جار ومجرور متعلق بنوحي.
  • ﴿ ما كنت تعلمها:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر ثالث لتلك. ما: نافية لا عمل لها. كنت: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع اسم \"كان\". تعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة \"تعلمها\" في محل نصب خبر \"كان\".
  • ﴿ أنت ولا قومك:
  • أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع بدل من الضمير في \"كنت\" أو توكيد له. أو توكيد للفاعل المستتر في \"تعلمها\" الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. قومك: معطوفة على فاعل \"تعلمها\" مرفوعة وعلامة رفعها: الضمة. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ من قبل هذا:
  • جار ومجرور متعلق بتعلمها: هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي من قبل هذا العلم.
  • ﴿ فاصبر:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت أي فاصبر على تبليغ الرسالة وأذى قومك. والفاء استئنافية.
  • ﴿ إنّ العاقبة للمتقين:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. العاقبة: اسم \"إنّ\" منصوب بالفتحة. للمتقين: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر \"إنّ\" وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

هود: 49﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا
آل عمران: 44﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ
يوسف: 102﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل قصةَ نوح عليه السلام بهذا التفصيل؛ بَيَّنَ هنا أن هذه التفاصيل التي ذكرناها من الأخبار التي كانت غائبة عن الخلق، ثُمَّ أمرَ نبيَّه محمد r بالصَّبرِ كمَا صبرَ نوحٌ عليه السلام ، قال تعالى:
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ ..

التفسير :

[50] وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، قال لهم:يا قوم اعبدوا الله وحده، ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جلَّ وعلا، فأخلِصوا له العبادة، فما أنتم إلا كاذبون في إشراككم بالله.

إلى آخر القصةأي:{ و} أرسلنا{ إِلَى عَادٍ} وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف, من أرض اليمن،{ أَخَاهُمْ} في النسب{ هُودًا} ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم بصدقه.

فـ{ قَالَ} لهم{ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} أي:أمرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عما هم عليه، من عبادة غير الله، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره, وتجويزهم لذلك، ووضح لهم وجوب عبادة الله، وفساد عبادة ما سواه.

تلك هي قصة هود- عليه السلام- مع قومه كما حكتها هذه السورة، وقد وردت قصته معهم في سور أخرى منها: سورة الأعراف، والشعراء، والأحقاف.

وينتهى نسب هود إلى نوح- عليهما السلام- فهو- كما قال بعض المؤرخين-:

هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح) .

وقومه هم قبيلة عاد- نسبة إلى أبيهم الذي كان يسمى بهذا الاسم-، وكانت مساكنهم بالأحقاف- جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل-، وهذا المكان يسمى الآن بالربع الخالي جنوب الجزيرة العربية.

وكان قوم هود- عليه السلام- يعبدون الأصنام، فأرسله الله إليهم لهدايتهم.

ويقال إن هودا- عليه السلام- قد أرسله الله إلى عاد الأولى، أما عاد الثانية فهم قوم صالح، وبينهما زهاء مائة سنة.

وقوله- سبحانه-: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ... معطوف على قصة نوح التي سبق الحديث عنها.

أى: وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا، فقال لهم ما قاله كل نبي لقومه: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ.

ووصفه- سبحانه- بأنه أَخاهُمْ لأنه من قبيلتهم في النسب، أو لأنه أخوهم في الإنسانية وناداهم بقوله: يا قَوْمِ زيادة في التلطف معهم، استجلابا لقلوبهم، وترضية لنفوسهم، وجملة ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ في معنى العلة لما قبله.

أى: أنا آمركم بعبادة الله وحده، لأنه ليس هناك إله آخر يستحق العبادة سواه، فهو الذي خلقكم ورزقكم، وهو الذي يحييكم ويميتكم.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ.

والافتراء: الكذب المتعمد الذي لا شبهة لصاحبه في النطق به.

أى: ما أنتم إلا متعمدون للكذب في جعلكم الألوهية لغير الله- تعالى-.

يقول تعالى "و" لقد أرسلنا "إلى عاد أخاهم هودا" آمرا لهم بعبادة الله وحده لا شريك له ناهيا لهم عن الأوثان التي افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة.

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ (50)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هودًا، فقال لهم: " يا قوم اعبدوا الله " وحده لا شريك له ، دون ما تعبدون من دونه من الآلهة والأوثان.(ما لكم إله غيره) ، يقول: ليس لكم معبود يستحق العبادة عليكم غيره، فأخلصوا له العبادة وأفردوه بالألوهة ، (إن أنتم إلا مفترون)، يقول: ما أنتم في إشراككم معه الآلهة والأوثان إلا أهل فرية مكذبون، تختلقون الباطل، لأنه لا إله سواه. (25)

-----------------------

الهوامش :

(25) انظر تفسير " الافتراء " فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى) .

التدبر :

وقفة
[50] ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ﴾ ناداهم بـ: (يَا قَوْمِ) يستعطفهم ليسمعوا قوله ويلينوا له، وهذا شأن الداعية أن يأتي بالقول اللين للسامعين، الكلمة الطيبة والحنان واللين في القول أحيانًا يفتح القلوب أكثر من القول نفسه، ولذلك في الغالب أنه يقول: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾ أخاهم يعني منهم، إلا في شعيب عليه السلام أُرسل إلى قومين إلى مدين وإلى أصحاب الأيكة، لما يذكر مدين يقول: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ [84]؛ لأنه منهم، ولما يذكر أصحاب الأيكة ما يذكر (أَخَاهُمْ) لأنه ليس منهم.
وقفة
[50] يجب أن نجعل التوحيد أساس الدعوة إلى الله، وأن نخاطب فيه القلب، وأن نتكلم بلسان الشرع ونستعمل حجج القرآن، تدبر دعوات الرسل: ﴿اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾.
وقفة
[50] ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ (من) الاستغراقية بمعنى: ليس هنالك إله مطلقًا ألبتَّة، نفي للجنس عمومًا، ولو قال: (ما لكم إله غيره) تحتمل أنه ليس هناك إله واحد، بل إنما أكثر من إله.
وقفة
[50] ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ المفترون في العصر الحديث! يعكف سكان إحدى بلدات ولاية راجستان في الهند على عبادة الجرذان، وتقديم الطعام والرعاية لأعداد كبيرة منها تصل إلى عشرين ألف جرذ، وذلك في معبد خاص أنشئ لهذه الغاية، واسمه (كارنيماتا).

الإعراب :

  • ﴿ وإلى عاد أخاهم هودًا:
  • معطوفة بالواو على \"أرسلنا نوحًا إلى قومه الواردة في الآية الكريمة الخامسة والعشرين. أخا: مفعول به منصوب بأرسلنا وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. التقدير: وأرسلنا إلى بني عاد أخاهم هودًا. هودًا: عطف بيان من \"أخاهم\" منصوب مثله بالفتحة المنونة لأنه اسم ثلاثي أوسطه ساكن. ولهذا السبب انصرف الاسم.
  • ﴿ قال يا قوم:
  • أي فقال لهم. قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. يا: أداة نداء. قوم: منادى مضاف منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء المحذوفة تخفيفًا والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة والكسرة دالة عليها.
  • ﴿ اعبدوا الله:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- اعبدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله: لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ ما لكم من إله غيره:
  • ما: نافية لا عمل لها. لكم: جار ومجرور والميم علامة جمع الذكور والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم: من: حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. إله. اسم مجرور للتعظيم لفظًا مرفوع محلًّا لأنه مبتدأ مؤخر. غيره: بدل أو -نعت- لإله على المحل لا على اللفظ مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنْ أنتم إلّا مفترون:
  • إنْ: بمعنى \"ما\" حرف مهمل لأنه مخفف، حرف نفي. أنتم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. مفترون: خبر \"أنتم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. و \"الّا\" أداة حصر لا عمل لها. بمعنى إلّا كاذبون لعبادتكم غيره. '

المتشابهات :

الأعراف: 65﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ
هود: 50﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     القصَّةُ الثانيةُ: قِصَّةُ هودٍ عليه السلام معَ قومِه عادٍ، وبدأت بثلاثة نداءات متتالية من هود عليه السلام إلى قومه: 1- النداء الأول: يأمرهم فيه بعبادةِ اللهِ وحدَهُ، قال تعالى:
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

غيره:
وقرئ:
بالخفض، وهى قراءة الكسائي.
يا قوم:
وقرئ:
بضم الميم، وهى قراءة ابن محيصن.

مدارسة الآية : [51] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ..

التفسير :

[51] يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله وترك عبادة الأوثان أجراً، ما أجري على دعوتي لكم إلا على الله الذي خلقني، أفلا تعقلون فتميِّزوا بين الحق والباطل؟

ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال{ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي:غرامة من أموالكم، على ما دعوتكم إليه، فتقولوا:هذا يريد أن يأخذ أموالنا، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا.

{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ما أدعوكم إليه، وأنه موجب لقبوله، منتف المانع عن رده.

ثم بين لهم بعد ذلك أنه لا يريد منهم جزاء ولا شكورا في مقابل دعوته إياهم إلى الحق فقال: يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي....

وفطرني: أى خلقني وأبدعنى على غير مثال سابق، يقال: فطر الأمر. أى: ابتدأه وأنشأه. وفطر الله الخلق: أى خلقهم وأوجدهم. وأصل الفطر: الشق، ثم استعمل في الخلق والإنشاء مجازا.

والمعنى: ويا قوم لا أريد منكم على ما أدعوكم إليه أجرا منكم، وإنما أجرى تكفل به الله الذي خلقني بقدرته، فهو وحده الذي أطلب منه الأجر والعطاء.

ومقصده من هذا القول، إزالته ما عسى أن يكون قد حاك في نفوسهم، من أنه ما دعاهم إلى ما دعاهم إليه، إلا لأنه رجل يبتغى منهم الأجر الذي يجعله موسرا فيهم..

والهمزة في قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ للاستفهام الإنكارى، وهي داخلة على محذوف.

أى: أتجهلون ما هو واضح من الأمور، فلا تعقلون أن أجر الناصحين المخلصين، إنما هو من الله- تعالى- رب العالمين ورازقهم.

وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله إنما يبغي ثوابه من الله الذي فطره أفلا تعقلون من يدعوكم إلي ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير أجرة.

القول في تأويل قوله تعالى : يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هود لقومه: يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله وخلع الأوثان والبراءة منها، جزاءً وثوابًا ، (إن أجري إلا على الذي فطرني)، يقول: إن ثوابي وجزائي على نصيحتي لكم، ودعائكم إلى الله، إلا على الذي خلقني (26) ، (أفلا تعقلون) ، يقول: أفلا تعقلون أني لو كنت ابتغي بدعايتكم إلى الله غير النصيحة لكم ، وطلب الحظ لكم في الدنيا والآخرة ، لالتمست منكم على ذلك بعض أعراض الدنيا ، وطلبت منكم الأجر والثواب؟

* * *

18260- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إن أجري إلا على الذي فطرني)، أي خلقني

--------------------------

الهوامش :

(26) انظر تفسير " فطر " فيما سلف 11 : 283 ، 284 ، 487 .

التدبر :

وقفة
[51] ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ عفة الداعية وتنزهه عما في أيدي الناس أقرب للقبول منه.
وقفة
[51] ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ ما دامت النصيحة مشوبة بالمطامع فهي بمعزل عن اختراق قلوب الخلق.
وقفة
[51] ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ كثيرون يظنون أن الأجر هو المال فحسب، بينما هو كلُّ منفعة دنيوية، مادية أو معنوية، من مالٍ أو منصب أو سُمعة أو مكانة، فليتفقَّد طالب العلم والداعيةُ قلبَه وإخلاصه.
وقفة
[51] ﴿لا أسألكم عليه أجرًا﴾ لعل هناك من يظن أن هذا مشوب بمطمع؛ فهو نفاه ابتداء.
وقفة
[51] ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا﴾ [29] في قصة نوح، وفي غيرها: ﴿لا أسألكم عليه أجرًا﴾؛ لأن في قصة نوح وقع بعدها ﴿خزائن﴾ [31]، ولفظ المال بالخزائن أليق.
وقفة
[51] ﴿أفلا تعقلون﴾ عقلًا هذا المخلص ينبغي أن يُتَّبع لأنه صادق، والذي يحق أن يُعبَد هو الذي فطر الخلق، دعاهم لحكم عقلي، من الذي يستحق العبادة؟ ما قال الله، لكن ذكر أمرًا يدعو إلى قبوله (الَّذِي فَطَرَنِي)، هذا ألطف تعقيب.

الإعراب :

  • ﴿ يا قومِ لا أسألكم عليه أجرًا:
  • يا قوم: أعربت في الآية السابقة. لا: نافية لا عمل لها. أسأل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول والميم علامة جمع الذكور. عليه: جار ومجرور متعلق بأسأل. أجرًا: مفعول به ثانٍ منصوب بالفتحة أي على تبليغ الرسالة.
  • ﴿ أنْ أجري:
  • إنْ: نافية بمعنى \"ما\" مهملة لأنها مخففة. أجري: اسم مبتدأ مرفوع بالضمة المقدّرة على ما قبل الياء والياء ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إلّا على الذي فطرني:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. على: حرف جر. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ. فطرني: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود على لفظ الجلالة لأن التقدير: على الله الذي فطرني أي خلقني. النون للوقاية والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة \"فطرني\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ أفلا تعقلون:
  • الهمزة: حرف توبيخ بلفظ استفهام. الفاء: زائدة -تزيينية- لا: نافية لا عمل لها. تعقلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

هود: 29﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ
الأنعام: 90﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ
هود: 51﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي
الشورى: 23﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     2- النداء الثاني: يبين لهم فيه أنه لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا في مقابل دعوتهم إلى الحق؛ حتى لا يُتهم بأنه يريد منفعةً لنفسه، قال تعالى:
﴿ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [52] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ ..

التفسير :

[52] ويا قوم اطلبوا مغفرة الله بالإيمان به، ثم توبوا إليه من ذنوبكم، فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعاً كثيراً، فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم، ولا تُعرضوا عما دعوتكم إليه مصرِّين على إجرامكم.

{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} عما مضى منكم{ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى.

فإنكم إذا فعلتم ذلك{ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها.

{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا:{ من أشد منا قوة} ؟ ، فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم.

{ وَلَا تَتَوَلَّوْا} عنه، أي:عن ربكم{ مُجْرِمِينَ} أي:مستكبرين عن عبادته، متجرئين على محارمه.

ثم أرشدهم إلى ما يؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم، وحذرهم من سوء عاقبة البطر والأشر فقال: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.

والاستغفار: طلب المغفرة من الله- تعالى- وعدم المؤاخذة على الخطايا:

والتوبة: العزم على الإقلاع عن الذنب، مع الندم على ما حصل منه في الماضي.

أى: ويا قوم استغفروا ربكم مما فرط منكم من شرك وعصيان، ثم عودوا إليه بالتوبة الصادقة النصوح.

وثم هنا للترتيب الرتبى، لأن الإقلاع عن الذنب مع المداومة على ذلك: مقدم على طلب المغفرة.

وجملة يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً جواب الأمر في قوله اسْتَغْفِرُوا.

والمراد بالسماء هنا السحاب أو المطر، تسمية للشيء باسم مصدره.

ومدرارا: مأخوذ من الدر أى: سيلان اللبن وكثرته. ثم استعير للمطر الغزير يقال:

درت السماء بالمطر تدر وتدر درا.. إذا كثر نزول المطر منها.

وهو حال من السماء، ولم يؤنث مع أنه حال من مؤنث، باعتبار أن المراد بالسماء هنا المطر أو السحاب.

والمعنى: أن هودا- عليه السلام- قال لقومه يا قوم اعبدوا الله واستغفروه وتوبوا إليه..

فإنكم إن فعلتم ذلك أرسل الله- تعالى- عليكم المطر غزيرا متتابعا في أوقات حاجتكم إليه لتشربوا منه وتسقوا به دوابكم وزروعكم.

وجملة وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ معطوفة على ما قبلها.

أى: وأيضا إن فعلتم ذلك زادكم الله- تعالى- عزا إلى عزكم، وشدة إلى شدتكم التي عرفتم بها، ووهبكم الأموال الطائلة، والذرية الكثيرة.

قال الآلوسى: «رغبهم- عليه السلام- بكثرة المطر، وزيادة القوة، لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات. وقيل: حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين، فوعدهم هود على الاستغفار والتوبة كثرة الأمطار، ومضاعفة القوة بالتناسل ... » .

ثم حذرهم من مقابلة نعم الله بالكفر والجحود فقال: وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ. والتولي:

هو الإعراض عن الشيء بإصرار وعناد.

أى: ولا تتولوا عما دعوتكم إليه وأنتم مصرون على ما أنتم عليه من إجرام وجحود وعناد.

وإلى هنا يكون هود- عليه السلام- قد وضح لقومه دعوته، ورغبهم في الاستجابة لها، وحذرهم من الإعراض عنها، وناداهم بلفظ- يا قوم- ثلاث مرات، توددا إليهم، وتذكيرا لهم بآصرة القرابة التي تجمعهم وإياه. لعل ذلك يستثير مشاعرهم، ويحقق اطمئنانهم إليه، فإن الرائد لا يكذب أهله.

ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ، وبالتوبة عما يستقبلون [ من الأعمال السابقة ] ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه ، وسهل عليه أمره وحفظ [ عليه ] شأنه [ وقوته ] ; ولهذا قال : ( يرسل السماء عليكم مدرارا ) [ نوح : 11 ] ، و [ كما جاء ] وفي الحديث : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هود لقومه: (ويا قوم استغفروا ربكم) ، يقول: آمنوا به حتى يغفر لكم ذنوبكم.

* * *

، والاستغفار: هو الإيمان بالله في هذا الموضع، لأن هودًا صلى الله عليه وسلم إنما دعا قومه إلى توحيد الله ليغفر لهم ذنوبهم، كما قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [سورة نوح : 3 : 4]

* * *

وقوله: (ثم توبوا إليه) ، يقول: ثم توبوا إلى الله من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الإيمان به ، (يرسل السماء عليكم مدرارا) ، يقول: فإنكم إن آمنتم بالله وتبتم من كفركم به، أرسل قَطْر السماء عليكم يدرَّ لكم الغيثَ في وقت حاجتكم إليه، وتحَيَا بلادكم من الجدب والقَحط. (27)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18261- حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (مدرارا) ، يقول: يتبع بعضها بعضا.

18262- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (يرسل السماء عليكم مدرارًا) قال: يدر ذلك عليهم قطرًا ومطرًا.

* * *

وأما قوله: (ويزدكم قوة إلى قوتكم) ، فإن مجاهدًا كان يقول في ذلك ما:-

18263- حدثني به محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ويزدكم قوة إلى قوتكم) ، قال: شدة إلى شدتكم

18264- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، وإسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ،

18265- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد، فذكر مثله.

18266- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ويزدكم قوة إلى قوّتكم) ، قال: جعل لهم قوة، فلو أنهم أطاعوه زادهم قوة إلى قوتهم. وذكر لنا أنه إنما قيل لهم: (ويزدكم قوة إلى قوتكم) ، قال: إنه قد كان انقطع النسل عنهم سنين، فقال هود لهم: إن آمنتم بالله أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد، لأن ذلك من القوة.

* * *

وقوله: (ولا تتولوا مجرمين) ، يقول: ولا تدبروا عما أدعوكم إليه من توحيد الله، والبراءة من الأوثان والأصنام ، (مجرمين) ، يعني : كافرين بالله. (28)

-------------------------

الهوامش :

(27) انظر تفسير " مدرار " فيما سلف 11 : 263 .

(28) انظر تفسير " التولي " و " الإجرام " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) ، (جرم ) .

التدبر :

لمسة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ﴾ تكرار (يَا قَوْمِ) وهم قومه، يذكرهم لعلهم يستجيبون وتلين قلوبهم، لأنه يخاف عليهم من عاقبة أمرهم إن استمروا على هذا.
عمل
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ استغفر ربك تجد معنى السعادة.
عمل
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ قال لقمان لابنه: يا بني عوِّد لسانك (اللهمَّ اغفر لي)؛ فإن لله ساعات لا يردُّ فيها سائلًا !
تفاعل
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ استغفر الله الآن، استغفر الله.
عمل
[52] استغفر الله سبعين مرة ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾.
وقفة
[52] قال شعيب لقومه: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [90] وقال هود: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ وقال نوح: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [3]، أعلم الخلق بالله يصفون لكم الدواء.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ قال لقمان لابنه: «يا بني عوِّد لسانك (اللهمَّ اغفر لي)؛ فإن لله ساعات لا يردُّ فيها سائلًا».
عمل
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ لا تمل من التوبة حتى وإن تكرر الذنب؛ أليس كلما اتسخ ثوبك غسلته؟! كذلك كلما أذنبت استغفر ربك!
عمل
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ أستغفر الله وأتوب إليه؛ الزمها يُبارك لك في رزقك وقوَّتك.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴾ استغفارك يستمطر الغيمة في السماء البعيدة، فكيف بسحب الخيرات حولك!
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ في الآية دليل على أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار، والمراد بالتوبة هنا الرجوع عن الكفر، ثم عن الذنوب؛ لأن التوبة من الذنوب لا تصح إلا بعد الإيمان.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَسْقِي فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الاِسْتِغْفَارِ حَتَّى رَجَعَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّذِى يُسْتَنْزَلُ بِهِ الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح: 10، 11]».
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ الإيمان يزيد الحياة ولا ينقصها ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾ فضل الاستغفار والتوبة، وأنهما سبب إنزال المطر وزيادة الذرية والأموال.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾ لما عرف قوم عاد بالقوة؛ رغبهم نبيهم بالترغيب الموافق لحالهم، وهذه من أساليب الدعوة.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾ الاستغفار جالب للغيث والمطر والخيرات، يزيد في صحة الجسم وقوته.
عمل
[52] تسلَّح بسلاح الاستغفار للوقاية والانتصار على عدوِّك ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقفة
[52] الاستغفار طريق موصل إلى قوتين حسِّية ومعنوية ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقفة
[52] الاستغفار من أعظم أسباب الثبات والأمن من الانتكاسات ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقفة
[52] الذنوب أقفال الرحمات، والاستغفار مفاتيحها ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقفة
[52] ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ الآية علقت إرسال الأمطار, وازدياد القوة على تحقيق الاستغفار وكثرته, فالنتيجة: أن الاستغفار من وسائل الاستقرار.
وقفة
[52] الاستغفار من أعظم المثبتات على الحق والجالبات للرزق ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾.
لمسة
[52] ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ قدم الاستغفار على التوبة؛ لأن الاستغفار يكون من الذنوب، التوبة مرحلة بعدها، أن تعزم على ألا تعود إلى ما سبق، ومن شروط التوبة الندم وعدم العودة.
عمل
[52] ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ لا ترفعْ يدك بالدُّعاء وأنت مُمْسِكٌ المعصية بيدك الأخرى، استغفر بصدق.
وقفة
[52] ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾ قدم إنزال الغيث على زيادة القوة؛ لأن زيادة الغيث من أسباب القوة، لأنه لما يصير عنده مال تصير له قوة.
وقفة
[52] يظنون أن تطبيق دولة للشرع يضعفها ويهوي باقتصادها، وقد وعد هود قومه إذا طبقوا ذلك بقوة ورخاء ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقفة
[52] ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾ الاستغفار عافية إلى عافية.
وقفة
[52] من أهم أسباب وقوع المشكلات: ضعف القلب، وأقوى دواء للحماية منها والنجاة إذا وقعت؛ لزوم الاستغفار بإخلاص وصبر ويقين: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ويا قوم:
  • معطوفة بالواو على \"يا قوم\" الواردة في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها.
  • ﴿ استغفروا ربكم:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ربكم: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالإضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ ثم توبوا إليه:
  • ثم: عاطفة. توبوا: معطوفة على \"استغفروا\" وتعرب إعرابها. إليه: جار ومجرور متعلق بتوبوا.
  • ﴿ يرسل السماء عليكم مدرارًا:
  • يرسل: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب الأمر وعلامة جزمه السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. السماء: أي المطر مفعول به منصوب بالفتحة. عليكم: جار ومجرور متعلق بيرسل والميم علامة جمع الذكور. مدرارًا حال منصوب بالفتحة أي كثيرة الدّرّ.
  • ﴿ ويزدكم قوة إلى قوتكم:
  • ويزدكم: معطوفة بالواو على \"يرسل\" وتعرب إعرابها. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة الذكور. قوة: تمييز منصوب بالفتحة. إلى قوتكم: جار ومجرور متعلق بيزدكم. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ ولا تتولّوا مجرمين:
  • الواو استئنافية. لا: ناهية جازمة. تتولّوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مجرمين: حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. بمعنى: ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه وأنتم مجرمون أي مصرون أو مصرّين على إجرامكم وآثامكم. ويجوز أن يكون الجار والمجرور \"إلى قوتكم\" متعلقًا بحال من الضمير بمعنى مع قوتكم. '

المتشابهات :

هود: 3﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا
هود: 52﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا
هود: 90﴿وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
هود: 61﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     3- النداء الثالث: يدعوهم إلى الاستغفارِ والتوبةِ، قال تعالى:
﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [53] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا ..

التفسير :

[53] قالوا:يا هود ما جئتنا بحجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه، وما نحن بتاركي آلهتنا التي نعبدها من أجل قولك، وما نحن بمصدِّقين لك فيما تدَّعيه.

فـ{ قَالُوا} رادين لقوله:{ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة، تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه، إلا وبعث الله على يديه، من الآيات ما يؤمن على مثله البشر.

ولو لم يكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود، عليه السلام، من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة، على صدقه.

بل أهل العقول، وأولو الألباب، يرون أن هذه الآية، أكبر من مجرد الخوارق، التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. ومن آياته، وبيناته الدالة على صدقه، أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه، ويناديهم، ويعجزهم، ويقول لهم:{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ}

{ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة، ويريدون إطفاء ما معه من النور، بأي طريق كان، وهو غير مكترث منهم، ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.

وقولهم:{ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أي:لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك، الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم،{ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} وهذا تأييس منهم لنبيهم، هود عليه السلام, في إيمانهم، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون.

ولكن قوم هود- عليه السلام- قابلوا كل ذلك بالتطاول عليه، والسخرية منه فقالوا:

قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ...

والبينة: ما يتبين به الحق من الباطل. أى: قالوا له يا هود إنك لم تجئنا بحجة تقنعنا بأنك على الحق فيما تدعو إليه، وترضى نفوسنا وطباعنا وعاداتنا.

ثم أضافوا إلى ذلك قولهم: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ.

أى: وما نحن بتاركي آلهتنا بسبب قولك لنا الخالي عن الدليل: اتركوا عبادتها واجعلوا عبادتكم لله وحده.

ثم أكدوا إصرارهم على كفرهم بقولهم وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ أى: بمستجيبين لك ومصدقين.

ثم أضافوا إلى إصرارهم هذا استخفافا به وبما يدعو إليه فقالوا: «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ... » .

ومعنى اعتراك: أصابك ومسك. يقال عراه الأمر واعتراه أى أصابه، وأصله من قولهم:

عراه يعروه، أى: غشيه وأصابه. ومنه قول الشاعر:

وإنى لتعرونى لذكراك هزة ... أى: تصيبني.

أى: ما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمتبعين، بل عليك أن تيأس يأسا تاما من استجابتنا لك، وحالتك التي نراها بأعيننا تجعلنا نقول لك: إن سبك لآلهتنا جعل بعضها- لا كلها- يتسلط عليك، ويوجه قدرته نحوك، فيصيبك بالجنون والهذيان والأمراض.

ولم يقولوا: «اعتراك آلهتنا بسوء» بل قالوا: بَعْضُ آلِهَتِنا تهديدا له وإشارة إلى أنه لو تصدت له جميع الآلهة لأهلكته إهلاكا.

وهكذا نراهم قد ردوا على نبيهم ومرشدهم بأربعة ردود، تدرجوا فيها من السيئ إلى الأسوأ، ومن القبيح إلى الأقبح.. مما يدل على توغلهم في الطغيان، وبلوغهم النهاية في العناد والكفر والجحود.

قال صاحب الكشاف ما ملخصه: «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء..» .

أى: مسك بجنون لسبك إياها، وصدك عنها، وعداوتك لها، مكافأة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء، فمن ثم صرت تتكلم بكلام المجانين وتهذى بهذيان المبرسمين.

ثم قال. وقد دلت ردودهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاة غلاظ الأكباد، لا يبالون بالبهت، ولا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد.

وهذا الأخير دال على جهل مفرط، وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم ... » .

والآن وبعد أن استمع هود- عليه السلام- إلى ردودهم القبيحة ماذا كان موقفه منهم؟

لقد كان موقفه منهم: موقف المتبرئ من شركهم، والمتحدى لطغيانهم والمعتمد على الله- تعالى- وحده في الانتصار عليهم، ولقد حكى القرآن رده عليهم فقال:

يخبر تعالى [ إخبارا عن قوم هود ] أنهم قالوا لنبيهم : ( ما جئتنا ببينة ) أي : بحجة [ ولا دلالة ] [ ولا ] وبرهان على ما تدعيه ، ( وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ) أي : بمجرد قولك : " اتركوهم " نتركهم ، ( وما نحن لك بمؤمنين ) [ أي ] بمصدقين

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم هود لهود، يا هود ما أتيتنا ببيان ولا برهان على ما تقول، فنسلم لك، ونقر بأنك صادق فيما تدعونا إليه من توحيد الله والإقرار بنبوتك ، (وما نحن بتاركي آلهتنا) ، يقول: وما نحن بتاركي آلهتنا ، يعني : لقولك: أو من أجل قولك.(ما نحن لك بمؤمنين) ، يقول: قالوا: وما نحن لك بما تدعي من النبوة والرسالة من الله إلينا بمصدِّقين.

* * *

--------------------------------------------------------

التدبر :

وقفة
[53] ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ يطالبون نبيهم ببينة, وكل ما حولهم بينات تدل على الله لكن القلب لا يراها, فاللهم لا تعم أبصارنا.
لمسة
[53] ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ سميت بينة؛ لأنها بينت الحق من الباطل، وكم تظهر لقوم دلائل الحق وآياته المبهرات! لكنها لا تُجدي نفعًا؛ لأن القلب قد مات.
وقفة
[53] ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ اللسان الذي حاجوا به شرع الله هو: بينة تدلهم على الله لو كانوا يتفكرون.
وقفة
[53] ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾كل ما حولك بينات تدل على الله لكن القلب لا يراها.
وقفة
[53] الهوى يُعمي عن رؤية الدليل، ومهما بلغ وضوحًا فإن النفس تراه ضعيفًا وربما لا تراه ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ﴾.
وقفة
[53] ﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين﴾ هكذا يتدرجون في إبطال الشريعة، يجردونها عن قداستها، ثم ينفون نسبتها لله، ثم يعارضوها بإهواء، فتؤول الشريعة عندهم مجرد (أقوال).
وقفة
[53] ﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين﴾ (ما جئتنا ببينة) أصحاب الهوى ينكرون الحجة التي لا توافق هواهم.
وقفة
[53] يصفون أحكام الله بـ (الآراء) حتى تسهل مصادمتها وردها: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ﴾ جعلوه قولًا له ورأيًا، وهم يعلمون أنه قول الله ووحيه.
لمسة
[53] قدّم الجار والمجرور: ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ نخصُّك بعدم الإيمان تحديدًا للتخصيص والحصر.

الإعراب :

  • ﴿ قالوا يا هود ما:
  • قالوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. يا: أداة نداء. هود: منادى مبني على الضم في محل نصب. ما: نافية لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ جئتنا ببينة:
  • فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. ببينة: جار ومجرور متعلق بجئتنا. أي بحجة أو برهان.
  • ﴿ وما نحن:
  • الواو عاطفة. ما: نافية بمنزلة \"ليس\". نحن: ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع اسم \"ما\" أي ولسنا.
  • ﴿ بتاركي آلهتنا:
  • الباء حرف جر زائد لتأكيد النفي. تاركي: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًّا لأنه خبر \"ما\" وعلامة النصب والجر الياء لأنه جمع مذكر سالم وحذفت النون للإضافة. آلهة: مضاف إليه مجرور بالكسرة و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ عن قولك:
  • جار ومجرور في محل نصب حال من الضمير في \"تاركي آلهتنا\" بتقدير: وما نترك آلهتنا صادرين في ذلك عن قولك. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة أو تكون \"عن\" للتعليل بمعنى لأجل قولك أو لقولك.
  • ﴿ وما نحن له بمؤمنين:
  • معطوفة بالواو على \"وما نحن بتاركي\" وتعرب إعرابها. وثبتت النون في \"مؤمنين\" لعدم إضافتها. لك: جار ومجرور متعلق بمؤمنين. '

المتشابهات :

الأعراف: 132﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
هود: 53﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     وبعد كل هذه النداءات الثلاثة وهذا الترغيب؛ قابل قوم هود كل هذا بالإصرار على الكفر، فقالوا: «لنْ نتركَ عبادةَ آلهتِنا»، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف