30839404142434445464748495051

الإحصائيات

سورة مريم
ترتيب المصحف19ترتيب النزول44
التصنيفمكيّةعدد الصفحات7.30
عدد الآيات98عدد الأجزاء0.30
عدد الأحزاب0.65عدد الأرباع2.60
ترتيب الطول27تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 10/29كهيعص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (39) الى الآية رقم (40) عدد الآيات (2)

أ= ثُمَّ أَمَرَ نبيَّه ﷺ بإنذارِهم يومَ النَّدامةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (41) الى الآية رقم (45) عدد الآيات (5)

القصَّةُ الثالثةُ: قصَّةُ إبراهيمَ عليه السلام ومناقشتُه لأبيهِ آزرَ في عبادةِ الأصنامِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (46) الى الآية رقم (50) عدد الآيات (5)

آزرُ يقابلُ الوعظَ الرقيقَ بالتهديدِ بالضربِ بالحجارةِ، فيقرِّرُ إبراهيمُ عليه السلام الهجرةَ إلى بلادِ الشامِ، فوهَبَ اللهُ له إسحاقَ ويعقوبَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الرابع

من الآية رقم (51) الى الآية رقم (51) عدد الآيات (1)

القصَّةُ الرابعةُ: قصَّةُ موسى عليه السلام ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة مريم

رحمة الله بعباده/ توريث الدين للأبناء/ إثبات الوحدانية ونفي الولد والشريك وإثبات الوحي والبعث/ سورة المواهب

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هي مريم؟:   مريم هي أم نبي الله عيسى. وهي أفضل نساء العالمين (من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة) بالقرآن والسنة. في القرآن: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42[، فقوله تعالى: «اصطفاك» أي: اختارك واجتباك وفضلك. وفي السنة: • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عن ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَيِّداتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرْيَمَ بنتِ عِمْرَانَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيجَةُ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» . • فترتيب أفضل النساء: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية.
  • • لماذا مريم هنا؟:   السورة مليئة بالأنبياء الرجال، فقد ذُكر فيها: إبراهيم وزكريا ويحيي وموسى وعيسى وغيرهم، فلماذا سميت باسم المرأة الوحيدة التي ذُكرت فيها؟ وكأن الله يقول لنا: إن المرأة قد تصل مثل الرجل، وأن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا، ولكي يعرف الجميع دور المرأة الخطير، وقدرة المرأة علي الوصول إلي الله والسبق إلي الله سبحانه وتعالي.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «مريم».
  • • معنى الاسم ::   هي مريم بنت عمران عليها السلام أم نبي الله عيسى عليه السلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنه بسطت فيها قصة مريم وولادتها عيسى من غير أب، ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت بعد ذلك في المدينة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ل«سورة كهيعص»؛ لافتتاح السورة بها، وتقرأ هكذا: (كاف ها يا عين صاد).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تنزيه الله تعالى عن الولد والشريك وإثبات وحدانيته تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا.
  • • علمتني السورة ::   على قدر البلاء يكون العطاء، مريم ابتلاها الله بأمر شديد، ولكن العاقبة أنها أصبحت أم نبي، ومن سيدات أهل الجنة.
  • • علمتني السورة ::   أن الصمت علاج ودواء، إذا كنتَ مُحاطًا بأهل القيل والقال: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة مريم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أكثر سورة تكرر فيها اسم (الرحمن)، تكرر 16 مرة.
    • احتوت السورة على السجدة الخامسة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم.
    • هي أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- يُذكَر فيها لفظ (كلا) في آيتين منها (79، 82)، وذكر هذا اللفظ في السورة يدل على أنها مكية.
    • سورة مريم هي السورة التي قرأ جعفر بن أبي طالب صدرها على النجاشي فأسلم، وهذا أثناء الهجرة للحبشة.
    • جرت عادة السور التي تبدأ بالحروف المقطعة (وهي: 29 سورة) أن يأتي الحديث عن القرآن الكريم بعد الأحرف المقطعة مباشرة؛ إلا أربع سور، وهي: مريم والعنكبوت والروم والقلم.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم كل من حولنا: الكبير والصغير، القريب والبعيد، الذكر والأنثى.
    • أن نورث أبناءنا حب الدين، وأهمية العمل للدين.
    • ألا نيأس؛ فالسورة بدأت بقصة زكريا عليه السلام وقدرة الله في إعطائه الولد بعد أن شاب رأسه وعقمت امرأته، فلا نيأس بعد ذلك أبدًا.
    • أن نلجأ إلى الله بالدعاء دائمًا: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ... فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾ (2-5).
    • ألا نعلّق قلوبنا بالأسباب ونغفل عن المسبِّب؛ فقد يجعل الله من المستحيل ممكنًا، ومن الممكن مستحيلًا: ﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ (9).
    • أن نكثِر من ذكر الله تعالى في الصباح والمساء: ﴿فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (11).
    • أن نأخذ بالأسباب، مع علمنا بأن الرزق من عند الله وحده: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ (25).
    • ألا نتعجلَ في إصدارِ الأحكامِ على النَّاسِ، فلعلَّ هناك ما يَخفَى علينا: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (27).
    • ألا نقنط أبدًا، ففي الوقت المناسب يُنزل الله على عبده الصابر أنوار الفرَج شريطة أن يُديم الثناء على الله: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (30).
    • ألا نأنف من أخذ العلم عمن صغر سِنُّه، أو قلت درجته عنا: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ (43).
    • أن نعتزل أماكن الفساد والشر، ولا نتساهل في ذلك: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ (48).
    • أن نحرص على الصدق في أقوالنا، وأفعالنا، ومواعيدنا، وعهودنا؛ فهذا من أخلاق الأنبياء: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ (54).
    • أن نأمر إخواننا وأهل بيتنا بالصلاة والصدقة، ونذكرهم بأدائها في وقتها: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (55).
    • أن نسارع بالتوبة وعمل الصالحات إذا وقعنا في معصية الله: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ (59-60).
    • أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم؛ فقد ثبت ورودنا لها، لكن لم يثبت لنا النجاة منها: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ (71).
    • أن نكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فهي من الباقيات الصالحات: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ (76).
    • ألا نقول إلا ما يرضي الله سبحانه، ونتذكر قول الله تعالى: ﴿كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ (79).
    • أن ندعو الله تعالى أن يحشرنا في زمرة المتقين: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا﴾ (85).
    • أن نتذكر أننا سنأتي الله يوم القيامة فرادى؛ ونعمل لذلك اليوم: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ (95).
    • أن نحمد الله على الأول، ونجتهد بالثاني، لنكسب الثالث: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ (96).

تمرين حفظ الصفحة : 308

308

مدارسة الآية : [39] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ..

التفسير :

[39] وأنذر -أيها الرسول- الناس يوم الندامة حين يُقضى الأمر، ويُجَاءُ بالموت كأنَّه كبش أملح، فيُذْبَح، ويُفصل بين الخلق، فيصير أهل الإيمان إلى الجنة، وأهل الكفر إلى النار، وهم اليوم في هذه الدنيا في غفلة عمَّا أُنذروا به، فهم لا يصدقون، ولا يعملون العمل ا

تفسير الآيتين 39 و 40:ـ

الإنذار هو:الإعلام بالمخوف على وجه الترهيب، والإخبار بصفاته، وأحق ما ينذر به ويخوف به العباد، يوم الحسرة حين يقضى الأمر، فيجمع الأولون والآخرون في موقف واحد، ويسألون عن أعمالهم،.فمن آمن بالله، واتبع رسله، سعد سعادة لا يشقى بعدها،.ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة بعدها، وخسر نفسه وأهله،. فحينئذ يتحسر، ويندم ندامة تتقطع منها القلوب، وتنصدع منها الأفئدة، وأي:حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع، ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا؟! فهذا قدامهم، والحال أنهم في الدنيا في غفلة عن هذا الأمر العظيم لا يخطر بقلوبهم، ولو خطر فعلى سبيل الغفلة، قد عمتهم الغفلة، وشملتهم السكرة، فهم لا يؤمنون بالله، ولا يتبعون رسله، قد ألهتهم دنياهم، وحالت بينهم وبين الإيمان شهواتهم المنقضية الفانية.

فالدنيا وما فيها، من أولها إلى آخرها، ستذهب عن أهلها، ويذهبون عنها، وسيرث الله الأرض ومن عليها، ويرجعهم إليه، فيجازيهم بما عملوا فيها، وما خسروا فيها أو ربحوا، فمن فعل خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.

ثم أمر الله- تعالى- نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بأن يخوف المشركين من أهوال يوم القيامة، فقال: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

والإنذار: الإعلام بالمخوف منه على وجه الترهيب والتحذير، وأشد ما يخوف به يوم القيامة.

والحسرة: أشد الندم على الأمر الذي فات وانقضى ولا يمكن تداركه.

أى: وأنذر- أيها الرسول الكريم- المشركين، وخوفهم من أهوال يوم القيامة، يوم يتحسر الظالمون على تفريطهم في طاعة الله، ولكن هذا التحسر لن ينفعهم، لأن حكم الله قد نفذ فيهم وقضى الأمر بنجاة المؤمنين، وبعذاب الفاسقين، وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.

وقوله: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ حال من الضمير المنصوب في أَنْذِرْهُمْ.

أى: أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها إلى الإنذار وهي الغفلة وعدم الإيمان.

هذا، وقد جاء في الحديث الصحيح ما يدل على أن المراد بقوله- تعالى- إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ.

أى: ذبح الموت. فقد روى البخاري عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى مناد: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم. هذا الموت وكلهم قد رآه. ثم ينادى يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم. هذا الموت وكلهم قد رآه. فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. ثم قرأ صلّى الله عليه وسلّم وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .

ثم قال تعالى : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) أي : أنذر الخلائق يوم الحسرة ، ( إذ قضي الأمر ) أي : فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلدا فيه ، ( وهم ) أي : اليوم ) في غفلة ) عما أنذروا به ) وهم لا يؤمنون ) أي : لا يصدقون به .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ قال : " فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم هذا الموت " . قال : " فيقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت " قال : " فيؤمر به فيذبح " قال : " ويقال : يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت " قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة ) وأشار بيده قال : " أهل الدنيا في غفلة الدنيا " .

هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الأعمش ، به . ولفظهما قريب من ذلك . وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة : حدثني أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا ، مثله . وفي سنن ابن ماجه وغيره ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة بنحوه وهو في الصحيحين عن ابن عمر . ورواه ابن جريج قال : قال ابن عباس : فذكر من قبله نحوه . ورواه أيضا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه : يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - في قصة ذكرها ، قال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا ، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة قال : ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن من الله عليكم . . .

وقال السدي ، عن زياد ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادى : يا أهل النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم ، إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادى : يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين ، ويا أهل النار ، هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرح ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقة ماتوا فذلك قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) يقول : إذا ذبح الموت . رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) قال : يوم القيامة ، وقرأ : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) [ الزمر : 56 ]

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر يا محمد هؤلاء المشركين بالله يوم حسرتهم وندمهم، على ما فرّطوا في جنب الله، وأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان بالله من النار، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم، والحياة التي لا موت بعدها، فيا لها حسرةً وندامة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن سَلَمة بن كُهَيل، قال: ثنا أبو الزعراء، عن عبد الله في قصة ذكرها، قال: " ما من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعدّه الله لهم لو آمنوا، فيقال لهم: لو آمنتم وعملتم صالحا كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة، فتأخذهم الحسرة، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال: لولا أن منّ الله عليكم ".

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُجاءُ بالمَوْتِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُوقَفُ بينَ الجَنَّةِ والنَّار كأنَّه كَبْشٌ أمْلَح،ُ قال: فَيُقَالُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرئِبُّونَ وَيَنْظُرُون، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، فَيُقَالُ: يا أهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فيقُولُونَ نَعَمْ هَذَا المَوْتُ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، قال: فَيَقُول: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ ، قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) وأشار بيده في الدنيا ".

حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: " يُنَادَى: يَا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُونَ، فَيَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُنَادَى: يا أهْلَ النَّار فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ، فَيُقالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ المَوْتَ ؟ قال: فَيَقُولُونَ: لا قال: فَيُجَاءُ بِالمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُقالُ: هَذَا المَوْتُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ، قالَ: ثُمَّ يُنَادِي يا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ"، قال: ثم قرأ ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ).

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: يصور الله الموت في صورة كبش أملح، فيذبح، قال: فييأس أهل النار من الموت، فلا يرجونه، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار، وفيها أيضًا الفزع الأكبر، ويأمل أهل الجنة الموت، فلا يخشونه، وأمنوا الموت ، وهو الفزع الأكبر، لأنهم يخلدون في الجنة، قال ابن جريج: يحشر أهل النار حين يذبح الموت والفريقان ينظرون، فذلك قوله ( إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ) قال: ذبح الموت ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ).

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبيه أنه أخبره أنه سمع عبيد بن عمير في قصصه يقول: يؤْتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: يوم القيامة، وقرأ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ .

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذّره عباده. وقوله ( إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ) يقول: إذ فُرِغَ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها، بذبح الموت.

وقوله ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ) يقول: وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم، من تخليده إياهم في جهنم، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم ( وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) يقول تعالى ذكره: وهم لا يصدقون بالقيامة والبعث، ومجازاة الله إياهم على سيئ أعمالهم، بما أخبر أنه مجازيهم به.

التدبر :

وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ عندما يفقد أحدنا عزيزًا عليه، شخصًا، مالًا ... إلخ؛ فإنه غالبًا يصاب بحالة من الحزن والهم، فكيف بمن يخسر الدنيا والآخرة!
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ الباب عندما لا يزال مفتوحًا بإمكانك دخوله في أي وقت، لكن سيأتي وقت فيغلق تمامًا، وما من أحد سيفتحه لك.
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ حين تُغلق صحف العمل، ويبدأ الحساب، تتحسر النفوس!
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ من أسماء يوم القيامة يوم الحسرة، لكثرة المتحسرين فيه على ما فاتهم من الثواب وحل بهم من العذاب، فكأن الله خصص هذا اليوم للحسرة، وإن كان يوم فرحة للصالحين.
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ من أسماء يوم القيامة يوم الحسرة، لكثرة المتحسرين فيه على ما فاتهم من الثواب وحل بهم من العذاب، فكأن الله خصص هذا اليوم للحسرة، وإن كان يوم فرحة للصالحين.
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ هذه حسرة أهل الجنة، فكيف بأهل النار؟!
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ»، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا. [مسلم: 2849].
لمسة
[39] ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ ما الفرق بين الحسرة والندامة؟ (الحسرة) هي أشد الندم والتلهف على ما فات، حتى ينقطع الإنسان عن أن يفعل شيئًا، والحسير هو المنقطع في القرآن: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًأ وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: 4]، أي منقطع، كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه، (الندم) قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك: ﴿قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة: 31]، والندم له درجات أيضًا.
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرهُم يَومَ الحَسرَةِ إِذ قُضِيَ الأَمرُ وَهُم في غَفلَةٍ وَهُم لا يُؤمِنونَ﴾ المتأمل فى الآية الكريمة يجد كلمات تنم عن تهديد ووعيد شديد اللهجة، ولكن هناك قلوب لاهية غافلة لا تصلها رسالات الله.
وقفة
[39] ﴿وَأَنذِرهُم يَومَ الحَسرَةِ إِذ قُضِيَ الأَمرُ وَهُم في غَفلَةٍ وَهُم لا يُؤمِنونَ﴾ يوم حسرتهم وندمهم على ما فرطوا في جنب الله، وحسرتهم يوم أورثت مساكنهم من أهل الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له، وحسرتهم يوم أدخلوا من النار، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم، والحياة التي لا موت بعدها، فيا لها من حسرة وندامة.
عمل
[39] أهل الغفلة في الدنيا هم أهل الحسرة يوم القيامة؛ فاحذر أن تكون منهم ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
عمل
[39] ﴿لاهيةً قُلوبهم﴾ [الأنبياء: 3]، ﴿وهم في غفلة﴾ لن نُمهل إن جاء الأجل، وبلغت التراق، وقلوبنا في غمرة ﴿بل تأتيهم بغتة فتبهتُهم﴾ [الأنبياء: 40]؛ فـلنتأهّب.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ:
  • الواو: عاطفة. أنذر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. يوم: مفعول فيه-ظرف زمان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بأنذر. الحسرة: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. يوم يتحسر المسيء على اساءته والمحسن على قلة إحسانه. أي وأنذرهم خبر ذلك اليوم.
  • ﴿ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ:
  • بمعنى فزع من الحساب وقضي الأمر. إذ: اسم مبني على السكون في محل نصب بدل من يوم الحسرة. قضي: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الأمر: نائب فاعل مرفوع بالضمة. وجملة قُضِيَ الْأَمْرُ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ:
  • بمعنى وهم غافلون عن إنذارك. الواو حالية والجملة بعده في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. في غفلة: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
  • معطوفة بالواو على هُمْ فِي غَفْلَةٍ» وتعرب إعرابها. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية لا يُؤْمِنُونَ» في محل رفع خبر «هم» بمعنى: وأنذرهم على هذه الحال غافلين غير مؤمنين. ويجوز أن تكون الواو في وَأَنْذِرْهُمْ» اعتراضية وجملة «أنذرهم» اعتراضية لا محل لها وتكون وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ» في هذه الحالة متعلقة بقوله «في ضلال مبين» الواردة في الآية الكريمة السابقة. '

المتشابهات :

مريم: 39﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
الأنبياء: 1﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     ولَمَّا وصفهم اللهُ عز و جل بالضلال؛ أَمَرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم هنا أن ينذرَهم يومَ النَّدامةِ، قال تعالى:
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ ..

التفسير :

[40] إنا نحن الوارثون للأرض ومَن عليها بفنائهم وبقائنا بعدهم وحُكْمنا فيهم، وإلينا مصيرهم وحسابهم، فنجازيهم على أعمالهم.

تفسير الآيتين 39 و 40:ـ

الإنذار هو:الإعلام بالمخوف على وجه الترهيب، والإخبار بصفاته، وأحق ما ينذر به ويخوف به العباد، يوم الحسرة حين يقضى الأمر، فيجمع الأولون والآخرون في موقف واحد، ويسألون عن أعمالهم،.فمن آمن بالله، واتبع رسله، سعد سعادة لا يشقى بعدها،.ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة بعدها، وخسر نفسه وأهله،. فحينئذ يتحسر، ويندم ندامة تتقطع منها القلوب، وتنصدع منها الأفئدة، وأي:حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع، ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا؟! فهذا قدامهم، والحال أنهم في الدنيا في غفلة عن هذا الأمر العظيم لا يخطر بقلوبهم، ولو خطر فعلى سبيل الغفلة، قد عمتهم الغفلة، وشملتهم السكرة، فهم لا يؤمنون بالله، ولا يتبعون رسله، قد ألهتهم دنياهم، وحالت بينهم وبين الإيمان شهواتهم المنقضية الفانية.

فالدنيا وما فيها، من أولها إلى آخرها، ستذهب عن أهلها، ويذهبون عنها، وسيرث الله الأرض ومن عليها، ويرجعهم إليه، فيجازيهم بما عملوا فيها، وما خسروا فيها أو ربحوا، فمن فعل خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال قدرته، وشمول ملكه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها.. أى: إنا نحن وحدنا الذين نميت جميع الخلائق الساكنين بالأرض، فلا يبقى لأحد غيرنا من سلطان عليهم أو عليها، وهؤلاء الخلائق جميعا وَإِلَيْنا وحدنا يُرْجَعُونَ يوم القيامة، فنحاسبهم على أعمالهم.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ.

وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن جانب من قصة زكريا ويحيى، وعن قصة مريم وعيسى، حديثا يهدى إلى الرشد، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم، ويقذف بحقه على باطل المبطلين فيدمغه فإذا هو زاهق.

ثم أوردت السورة الكريمة القصة الثالثة وهي قصة إبراهيم- عليه السلام- وما دار بينه وبين أبيه من حوار. قال- تعالى-:

وقوله : ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف ، وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو ، تعالى وتقدس ولا أحد يدعي ملكا ولا تصرفا ، بل هو الوارث لجميع خلقه ، الباقي بعدهم ، الحاكم فيهم ، فلا تظلم نفس شيئا ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة .

قال ابن أبي حاتم : ذكر هدبة بن خالد القيسي : حدثنا حزم بن أبي حزم القطعي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة : أما بعد ، فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت ، فجعل مصيرهم إليه ، وقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على خلقه : أنه يرث الأرض ومن عليها ، وإليه يرجعون .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يحزنك تكذيب هؤلاء المشركين لك يا محمد فيما أتيتهم به من الحق، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير جميع الخلق غيرهم، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من الناس، بفنائهم منها، وبقائها لا مالك لها غيرنا، ثم علينا جزاء كل عامل منهم بعمله، عند مرجعه إلينا، المحسن منهم بإحسانه، والمسيء بإساءته.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[40] ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ أتيت إلى الدنيا وبيدك شهادة وفاتك، ففيم طول الأمل؟!
عمل
[40] ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ ازهد في ما ستورثه لغيرك غدًا، واستثمره قبل أن تفقده في تعمير قبرك وزيادة أجرك، حتى يرثه في نهاية الأمر الوارث سبحانه.
وقفة
[40] ﴿وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ كل الطرق التي يهربون فيها؛ نهايتها بوابات تؤديهم إليه.
وقفة
[41] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ الصديق: الكثير الصدق القائم عليه، وقيل: من صدق الله في وحدانيته، وصدق أنبياءه ورسله، وصدق بالبعث، وقام بالأوامر فعمل بها؛ فهو الصديق.

الإعراب :

  • ﴿ إِنّا نَحْنُ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن».نحن: ضمير رفع منفصل جمع أنا من غير لفظه توكيد «نا» ويجوز أن تكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ نَرِثُ الْأَرْضَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «إنّ» أو خبر «نحن» والجملة الاسمية «نحن نرث الأرض» في محل رفع خبر «إنّ» ويجوز أن تكون «نحن» لا محل لها أي فاصلة عند البصريين وعمادا عند الكوفيين بمعنى يعتمد عليها في الاهتداء الى التفريق بين الخبر والنعت. نرث: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. الأرض: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَمَنْ عَلَيْها:
  • الواو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على «الأرض».عليها: جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره استقر. وجملة «استقر عليها» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ:
  • الواو استئنافية. إلينا: جار ومجرور متعلق بيرجعون. يرجعون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. بمعنى: فلا يبقى سوانا والينا يرجعون. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     وبعد أن أمرَ اللهُ عز و جل نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن ينذرَ الكافرين بيوم القيامة؛ بَيَّنَ هنا أن جميع الخلائق راجعون له يوم القيامة، وسيجازي كلَّ نفسٍ بما عملت، قال تعالى:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يرجعون:
1- بالياء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتاء، من فوق، وهى قراءة الأعرج.
3- بالياء، مبنيا للفاعل، وهى قراءة السلمى، وابن أبى إسحاق، وعيسى.

مدارسة الآية : [41] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ ..

التفسير :

[41] واذكر -أيها الرسول- لقومك في هذا القرآن قصة إبراهيم -عليه السلام- إنه كان عظيم الصدق، ومِن أرفع أنبياء الله تعالى منزلة.

تفسير الآيتين 41 و42:ـ

أجل الكتب وأفضلها وأعلاها، هذا الكتاب المبين، والذكر الحكيم، فإن ذكر فيه الأخبار، كانت أصدق الأخبار وأحقها، وإن ذكر فيه الأمر والنهي، كانت أجل الأوامر والنواهي، وأعدلها وأقسطها، وإن ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد، كان أصدق الأنباء وأحقها وأدلها على الحكمة والعدل والفضل،. وإن ذكر فيه الأنبياء والمرسلون، كان المذكور فيه، أكمل من غيره وأفضل، ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الأنبياء، الذين فضلهم على غيرهم، ورفع قدرهم، وأعلى أمرهم، بسبب ما قاموا به، من عبادة الله ومحبته، والإنابة إليه، والقيام بحقوقه، وحقوق العباد، ودعوة الخلق إلى الله، والصبر على ذلك، والمقامات الفاخرة، والمنازل العالية،. فذكر الله في هذه السورة جملة من الأنبياء، يأمر الله رسوله أن يذكرهم، لأن في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم، وبيان فضله وإحسانه إليهم،. وفيه الحث على الإيمان بهم ومحبتهم، والاقتداء بهم، فقال:{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ْ} جمع الله له بين الصديقية والنبوة.

فالصديق:كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به،.وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب، المؤثر فيه، الموجب لليقين، والعمل الصالح الكامل،. وإبراهيم عليه السلام، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد، واجتهد في دعوة أبيه، مهما أمكنه، وذكر الله مراجعته إياه، فقال:{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ْ} مهجنا له عبادة الأوثان:{ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ْ} أي:لم تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال، الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: «اعلم أن الغرض من هذه السورة، بيان التوحيد والنبوة والحشر، والمنكرون للتوحيد فريقان: فريق أثبت معبودا غير الله حيا عاقلا وهم النصارى ومن على شاكلتهم، وفريق أثبت معبودا من الجماد ليس بحي ولا عاقل، وهم عبدة الأوثان.

والفريقان وإن اشتركا في الضلال إلا أن ضلال الفريق الثاني أعظم. ولما بين- سبحانه- ضلال الفريق الأول- وهم النصارى-، أتبعه بذكر الفريق الثاني، وهم عبدة الأوثان قوم إبراهيم- عليه السلام- وإبراهيم- عليه السلام- هو من أولى العزم من الرسل، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي وصفه الله- تعالى- بجملة من الصفات الكريمة، منها قوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ .

أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس في هذا القرآن قصة أبيهم إبراهيم- عليه السلام-، لكي يعتبروا ويتعظوا ويقتدوا بهذا النبي الكريم في قوة إيمانه، وصفاء يقينه وجميل أخلاقه.

وقوله: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر في قوله:

وَاذْكُرْ.

والصديق: صيغة مبالغة من الصدق. أى: إنه كان ملازما للصدق في كل أقواله وأفعاله وأحواله، كما كان نبيا من أولى العزم، الذين فضلهم الله على غيرهم من الرسل الكرام.

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر في الكتاب إبراهيم واتله على قومك هؤلاء الذين يعبدون الأصنام ، واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته ، ويدعون أنهم على ملته ، وهو كان صديقا نبيا - مع أبيه -

يقول تعالى ذكره لنبيه: (واذْكُرْ) يا محمد في كتاب الله (إِبراهيمِ) خليل الرحمن، فاقصص على هؤلاء المشركين قصصه وقصص أبيه، ( إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا ) يقول: كان من أهل الصدق في حديثه وأخباره ومواعيده لا يكذب، والصدّيق هو الفعيل من الصدق.

وقد بيَّنا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (نَبِيًّا) يقول: كان الله قد نبأه وأوحى إليه.

التدبر :

عمل
[41] قصة إبراهيم في دعوته مع أبيه مليئة بالفوائد، حاول أن تدونها في عدة نقاطٍ، وأرسلها لمن حولك ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾.
وقفة
[41] ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ قال القشيري: «هو الصادق في أقواله وأعماله وأحواله»، قل: «اللهم اجعلنا منهم».
وقفة
[41] قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ في إبراهيم وإدريس، وفى موسي: ﴿رسولا نبيا﴾ [51]، وفى إسماعيل: ﴿صادق الوعد﴾ [54]، ما وجه تخصيص كل منهم بما وصف به وكل منهم كذلك؟ جوابه: أما إبراهيم عليه السلام فلعل المبالغة في صدقه لنفى ما توهم منه في الثلاثة التي ورى بها، وهي: (إنى سقيم) ولسارة: (هي أختي)، و(فعله كبيرهم)، وأما موسى عليه السلام؛ فلأنه أخلص نفسه لله في منابذة فرعون مع ملكه وجبروته وفى غير ذلك، وأما إسماعيل عليه السلام: فلصدق قوله: ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ [الصافات: 102]، ووفى بوعده فصدق في قوله.

الإعراب :

  • ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ:
  • الواو استئنافية. اذكر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. في الكتاب: جار ومجرور متعلق باذكر أي في القرآن. ابراهيم: مفعول به منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف «التنوين» على العلمية والعجمة.
  • ﴿ إِنَّهُ كانَ:
  • الجملة المؤولة من «إنّ» واسمها وخبرها اعتراضية لا محل لها لأنها وقعت بين المبدل منه «ابراهيم» وبدله الوارد في الآية الكريمة التالية. إنه: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إنّ» والجملة الفعلية «كان» مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر إنّ. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ صِدِّيقاً نَبِيًّا:
  • خبر «كان» منصوب بالفتحة. نبيا: صفة-نعت-لصديقا منصوب مثله بالفتحة. ويجوز أن يكون خبرا ثانيا على التتابع لكان. و«صديقا» بمعنى: ملازما للصدق كثير التصديق وهو من أبنية المبالغة والمراد فرط‍ صدقه وكثرة ما صدق به من آيات الله وكتبه ورسله. '

المتشابهات :

مريم: 41﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
مريم: 56﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     وبعد قصَّة زكريا عليه السلام ثم قصَّة عيسى عليه السلام؛ ذكرَ اللهُ عز و جل هنا القصَّة الثالثة في هذه السورة: قصَّة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [42] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ..

التفسير :

[42] إذ قال لأبيه آزر:يا أبت لأي شيء تعبد من الأصنام ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يدفع عنك شيئاً من دون الله؟

تفسير الآيتين 41 و42:ـ

أجل الكتب وأفضلها وأعلاها، هذا الكتاب المبين، والذكر الحكيم، فإن ذكر فيه الأخبار، كانت أصدق الأخبار وأحقها، وإن ذكر فيه الأمر والنهي، كانت أجل الأوامر والنواهي، وأعدلها وأقسطها، وإن ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد، كان أصدق الأنباء وأحقها وأدلها على الحكمة والعدل والفضل،. وإن ذكر فيه الأنبياء والمرسلون، كان المذكور فيه، أكمل من غيره وأفضل، ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الأنبياء، الذين فضلهم على غيرهم، ورفع قدرهم، وأعلى أمرهم، بسبب ما قاموا به، من عبادة الله ومحبته، والإنابة إليه، والقيام بحقوقه، وحقوق العباد، ودعوة الخلق إلى الله، والصبر على ذلك، والمقامات الفاخرة، والمنازل العالية،. فذكر الله في هذه السورة جملة من الأنبياء، يأمر الله رسوله أن يذكرهم، لأن في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم، وبيان فضله وإحسانه إليهم،. وفيه الحث على الإيمان بهم ومحبتهم، والاقتداء بهم، فقال:{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ْ} جمع الله له بين الصديقية والنبوة.

فالصديق:كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به،.وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب، المؤثر فيه، الموجب لليقين، والعمل الصالح الكامل،. وإبراهيم عليه السلام، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد، واجتهد في دعوة أبيه، مهما أمكنه، وذكر الله مراجعته إياه، فقال:{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ْ} مهجنا له عبادة الأوثان:{ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ْ} أي:لم تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال، الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى.

ثم بين- سبحانه- مظاهر صدقه وإخلاصه لدعوة الحق فقال: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً.

والظرف إِذْ بدل اشتمال من إِبْراهِيمَ وجملة إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا معترضة بين البدل والمبدل منه لتعظيم شأنه- عليه السلام-.

والتاء في قوله يا أَبَتِ

عوض عن ياء المتكلم، إذ الأصل با أبى، وناداه بهذا الوصف دون أن يذكر اسمه: زيادة في احترامه واستمالة قلبه للحق.

أى: واذكر خبر إبراهيم وقت أن قال لأبيه آزر مستعطفا إياه: يا أبت لماذا تعبد شيئا لا يسمع من يناديه. ولا يبصر من يقف أمامه، ولا يغنى عنك شيئا من الإغناء، لأنه لا يملك لنفسه- فضلا عن غيره- نفعا ولا ضرا.

كيف نهاه عن عبادة الأصنام فقال : ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) أي : لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررا .

وقوله ( إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ) يقول: اذكره حين قال لأبيه ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ) يقول: ما تصنع بعبادة الوَثَن الذي لا يسمع ( وَلا يُبْصِرُ) شيئا(وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ) يقول: ولا يدفع عنك ضرّ شيء، إنما هو صورة مصوّرة لا تضرّ ولا تنفع ، يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك، وإذا نـزل بك ضرّ دفع عنك.

واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله (يا أبَتِ) فكان بعض نحوييّ أهل البصرة يقول: إذا وقفت عليها قلت: يا أبه، وهي هاء زيدت نحو قولك: يا أمه، ثم يقال: يا أم إذا وصل، ولكنه لما كان الأب على حرفين، كان كأنه قد أُخِلّ به، فصارت الهاء لازمة، وصارت الياء كأنها بعدها، فلذلك قالوا: يا أبة أقبل، وجعل التاء للتأنيث، ويجوز الترخيم من أيا أب أقبل، لأنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموما، نحو قول العرب: يا ربّ اغفر لي، وتقف في القرآن: يا أبة في الكتاب.

وقد يقف بعض العرب على الهاء بالتاء. وقال بعض نحويي الكوفة: الهاء مع أبة وأمة هاء وقف، كثرت في كلامهم حتى صارت كهاء التأنيث، وأدخلوا عليها الإضافة، فمن طلب الإضافة، فهي بالتاء لا غير، لأنك تطلب بعدها الياء، ولا تكون الهاء حينئذ إلا تاء، كقولك: يا أبت لا غير، ومن قال: يا أبه، فهو الذي يقف بالهاء، لأنه لا يطلب بعدها ياء; ومن قال: يا أبتا، فإنه يقف عليها بالتاء، ويجوز بالهاء; فأما بالتاء، فلطلب ألف الندبة، فصارت الهاء تاء لذلك، والوقف بالهاء بعيد، إلا فيمن قال: " يا أميمةَ ناصبِ (1)

" فجعل هذه الفتحة من فتحة الترخيم، وكأن هذا طرف الاسم ، قال: وهذا بعيد.

------------------------

الهوامش:

(1) هذا جزء من بيت للنابغة ( سبق الاستشهاد به في 14 : 21 ) وهو :

كِــلِيني لِهَــمٍّ يَـا أُمَيْمَـةَ نـاصِبِ

ولَيْــلٍ أُقَاسِــيهِ بَطِـيءُ الكَـوَاكِبِ

.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[42] ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾ دلت الآية على استحقاق المعبود الوصف بالسمع والبصر على الكمال، دون أدنى نقصان، وكذلك قدرته -وحده دون غيره- على الضر والنفع.
وقفة
[42] ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾ كل الخلق ليس لهم قدرة ذاتية إلا ما خولهم الله إياه، فمن علق قلبه بمخلوق، أو توهم نفعًا أو ضرًا منه، فقد ضاهى عبدة الأصنام.
وقفة
[42] ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾ لا تعارض بين إنكار المنكر، وحُسن الأسلوب.
وقفة
[42] ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾ تستطيع أن تُنكر المنكر، وأنت في قمة الأدب.

الإعراب :

  • ﴿ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ:
  • إذ: اسم مبني على السكون في محل نصب بدل من «ابراهيم» ويجوز أن يكون ظرفا للزمان بمعنى «حين» مبنيا على السكون في محل نصب متعلقا بكان أو بصديقا نبيا: أي بمعنى كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لأبيه: جار ومجرور متعلق بقال وعلامة جر الاسم الياء لأنه من الاسماء الخمسة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة قالَ لِأَبِيهِ» في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد إذ.
  • ﴿ يا أَبَتِ:
  • يا: أداة نداء. أبت: منادى منصوب مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة وقد أبدلت الياء تاء مكسورة ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه عند قولنا يا أبتي والاسم منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة.
  • ﴿ لِمَ تَعْبُدُ:
  • اللام حرف جر و «ما» اسم استفهام مبني على السكون في محل جر باللام وقد سقطت ألف «ما» لأنها مسبوقة بحرف جر. تعبد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ ما لا يَسْمَعُ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لا: نافية لا عمل لها. يسمع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة لا يَسْمَعُ» صلة الموصول لا محل لها ويجوز أن تكون «ما» في محل نصب صفة-نعت-لمفعول «تعبد» المحذوف. والمفعول في لا يَسْمَعُ» محذوف قيل إنه منسي غير منوي ليس به استماع ولا إبصار.
  • ﴿ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على لا يَسْمَعُ» وتعربان إعرابها و «لا» المكررة مرتين زائدة للتوكيد-توكيد» النفي- وعلامة رفع «يغني» الضمة المقدرة على الياء للثقل.
  • ﴿ عَنْكَ شَيْئاً:
  • جار ومجرور متعلق بيغني. شيئا: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: لا يدفع عنك شيئا. ويجوز أن تكون «شيئا» نائبة عن المصدر- المفعول المطلق-بتقدير لا يغني عنك اغناء شيئا أو شيئا من الاغناء. والجار والمجرور «عنك» في مقام المفعول به المقدم بمعنى لا ينفعك أي لا يدفع عنك شيئا. '

المتشابهات :

مريم: 42﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ
الأنبياء: 52﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ
الشعراء: 70﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ
الصافات: 85﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ عز و جل على إبراهيم عليه السلام، ذكرَ هنا حوارَه مع أبيه آزر، فقد ناداه أربع نداءات: النداء الأول: دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه أن يترك عبادةَ الأصنامِ، قال تعالى:
﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [43] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي ..

التفسير :

[43] يا أبت، إن الله أعطاني من العلم ما لم يعطك، فاقبل مني، واتبعني إلى ما أدعوك إليه، أرشدك إلى الطريق السوي الذي لا تضلُّ فيه.

{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ْ} أي:يا أبت لا تحقرني وتقول:إني ابنك، وإن عندك ما ليس عندي، بل قد أعطاني الله من العلم ما لم يعطك، والمقصود من هذا قوله:{ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ْ} أي:مستقيما معتدلا، وهو:عبادة الله وحده لا شريك له، وطاعته في جميع الأحوال،.وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل:"يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل "أو "ليس عندك من العلم شيء "وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علما، وأن الذي وصل إلي لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها.

ثم دعاه إلى اتباع الحق بألطف أسلوب فقال: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ النافع الذي علمني الله- تعالى- إياه ما لَمْ يَأْتِكَ أنت، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، فَاتَّبِعْنِي فيما أدعوك إليه أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أى: أهدك إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا اضطراب.

( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ) : يقول : فإن كنت من صلبك وترى أني أصغر منك ، لأني ولدك ، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت ولا اطلعت عليه ولا جاءك بعد ، ( فاتبعني أهدك صراطا سويا ) أي : طريقا مستقيما موصلا إلى نيل المطلوب ، والنجاة من المرهوب .

يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه: يا أبت إني قد آتاني الله من العلم ما لم يؤتك فاتبعني: يقول: فاقبل مني نصيحتي ( أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ) يقول: أبصرك هدى الطريق المستوي الذي لا تضلّ فيه إن لزمته، وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه.

التدبر :

وقفة
[43] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ لم يقل: (إنك جاهل لا علم عندك)، بل عدل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة تدل على هذا المعنى؛ بر الوالدين.
وقفة
[43] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ما لا يخفى؛ فإنه لم يقل: «يا أبت أنا عالم وأنت جاهل»، أو «ليس عندك من العلم شيء»، وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علمًا، وأن الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك.
عمل
[43] لا تأنف من أخذ العلم عمن صغر سِنُّه، أو قلت درجته عنك ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾.
وقفة
[43] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾ من الناحية اللغوية: (جاء) تستعمل لما فيه مشقة، أما (أتى) فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر.
وقفة
[43] ﴿يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً﴾ إبراز المؤهلات العلمية للداعية يساهم في قبول دعوته.
وقفة
[43] ﴿يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً﴾ تمكُّن الداعية علميًّا من أسباب قبول دعوته.
وقفة
[43] حين نادى الخليل والده قال: ﴿قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾، وحين علل الهدهد غيابه قال: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النمل: 22]، لقد قويت حجتهم بسلطان العلم.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَبَتِ إِنِّي:
  • يا أبت: أعربت في الآية الكريمة السابقة. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير المتكلم مبني على السكون في محل نصب اسم «إنّ» والجملة الفعلية بعده: في محل رفع خبر «إنّ».
  • ﴿ قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما:
  • قد: حرف تحقيق. جاءني: فعل ماض مبني على الفتح والنون للوقاية والياء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والجار والمجرور مِنَ الْعِلْمِ» متعلق بجاءني. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل والجملة بعده: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ لَمْ يَأْتِكَ:
  • لم: حرف نفي وجزم وقلب. يأت: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. والكسرة الظاهرة في آخر الفعل «يأت» دالة على حذف الياء لأنه مجزوم بلم.
  • ﴿ فَاتَّبِعْنِي:
  • الفاء: سببية. اتبع: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. النون نون الوقاية-تقي الفعل من الكسر- لا محل لها. والياء ضمير المتكلم مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَهْدِكَ:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب-الأمر-وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة-الياء-والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول.
  • ﴿ صِراطاً سَوِيًّا:
  • بمعنى: طريقا مستقيما. صراطا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة وأصله: سراطا. سويا: صفة-نعت-لصراطا منصوب مثلها بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     وبعد أن دعا إبراهيمُ عليه السلام أباه أن يترك عبادةَ الأصنامِ؛ دعاه هنا إلى اتباع الحقِّ، فقد أكرمه اللهُ بالنبوة، وهذا هو النداء الثاني، قال تعالى:
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ..

التفسير :

[44] يا أبت، لا تطع الشيطان فتعبد هذه الأصنام؛ إن الشيطان كان للرحمن مخالفاً مستكبراً عن طاعة الله.

{ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ْ} لأن من عبد غير الله، فقد عبد الشيطان، كما قال تعالى:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ْ}{ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ْ} فمن اتبع خطواته، فقد اتخذه وليا وكان عاصيا لله بمنزلة الشيطان. وفي ذكر إضافة العصيان إلى اسم الرحمن، إشارة إلى أن المعاصي تمنع العبد من رحمة الله، وتغلق عليه أبوابها،.كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته.

ثم نهاه عن عبادة الشيطان، لأنها جهل وانحطاط في التفكير فقال: يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ فإن عبادتك لهذه الأصنام هي عبادة وطاعة للشيطان الذي هو عدو للإنسان.

ثم علل له هذا النهى بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا أى: إن الشيطان الذي أغراك بعبادة هذه الأصنام كان للرحمن عصيا، أى: كثير العصيان، لا يهدى الناس إلى طاعة الله، وإنما يهديهم إلى مخالفته ومعصيته وموجبات غضبه.

( يا أبت لا تعبد الشيطان ) أي : لا تطعه في عبادتك هذه الأصنام ، فإنه هو الداعي إلى ذلك ، والراضي به ، كما قال تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) [ يس : 60 ] وقال : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ) [ النساء : 117 ]

وقوله : ( إن الشيطان كان للرحمن عصيا ) أي : مخالفا مستكبرا عن طاعة ربه ، فطرده وأبعده ، فلا تتبعه تصر مثله .

يقول تعالى ذكره: يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان لله عاصيا ، والعصيّ هو ذو العصيان، كما العليم ذو العلم ، وقد قال قوم من أهل العربية: العصيّ: هو العاصي، والعليم هو العالم، والعريف هو العارف، واستشهدوا لقولهم ذلك، بقول طريف بن تميم العنبريّ :

أو كُلَّمـــا وَرَدَتْ عُكــاظَ قَبيلَــةٌ

بَعَثُــوا إلــيَّ عَــرِيفُهُمْ يَتَوَسَّــمُ (2)

وقالوا: قال عريفهم وهو يريد: عارفهم، والله أعلم.

------------------------

الهوامش:

(2) البيت في ( اللسان : عرف ) ونسبه إلى طريف بن مالك العنبري ، وقيل طريف بن عمرو . قال : والعريف والعارف بمعنى ، مثل عليم وعالم . وقال سيويه : هو فعيل بمعنى فاعل ، كقولهم ضريب قداح . والجمع عرفاء .

التدبر :

وقفة
[44] ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ أعظم درجات بر الوالدين دعوتهم إلى الله عز وجل.
اسقاط
[44] ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾، ﴿يا بني اركب معنا﴾ [هود: 42]، ما أجمل نداءات الأنبياء، وأرقى كلماتهم، وأرقّ قلوبهم حرص ورحمة وشفقة! هكذا فلنكن.
وقفة
[44] قال إبراهيم متلطفا لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾، فجاء رد ابنه اسماعيل بنفس التلطف: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [الصافات: 102]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ» [الطبرانى في الأوسط 1002، قال المنذرى: إسناده حسن، وضعفه الألباني].
وقفة
[44] ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيًّا﴾ وذكر وصف: (عصيًّا) الذي هو من صيغ المبالغة في العصيان، مع زيادة فعل (كان) للدلالة على أنه لا يفارق عصيان ربه، وأنه متمكن منه.
وقفة
[44] ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيًّا﴾ لا ريب أن المطيع للعاصي عاص، والاقتصار على ذكر عصيان الشيطان من بين سائر جناياته، للتحذير من السير في نفس طريق العصيان، مما يورث نفس مصيره والاجتماع معه في لظى النيران.
وقفة
[44] عبادة الأصنام، والقبور، والأضرحة، تعد عبادة للشيطان؛ لأنه الآمر بها، والداعي إليها ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيًّا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ:
  • يا أبت: أعربت في الآية الكريمة الثانية والأربعين. لا: ناهية جازمة. تعبد: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الشيطان: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِنَّ الشَّيْطانَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الشيطان: اسم «إنّ» منصوب بالفتحة. وإنّ مع اسمها وخبرها جملة تفسيرية لا محل لها. والجملة الفعلية كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا» في محل رفع خبر «انّ».
  • ﴿ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا:
  • كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. للرحمن: أي لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر «كان».عصيا: أي بمعنى «عاصيا» خبر «كان» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد أن دعا إبراهيمُ عليه السلام أباه إلى اتباع الحقِّ؛ نهاه هنا عن عبادةِ الشيطانِ؛ لأن عبادةَ الاصنامِ هى عبادةٌ وطاعةٌ للشيطان، وهذا هو النداء الثالث، قال تعالى:
﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [45] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن ..

التفسير :

[45] يا أبت، إني أخاف أن تموت على كفرك، فيمَسَّك عذاب من الرحمن، فتكون للشيطان قريناً في النار.

{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ْ} أي:بسبب إصرارك على الكفر، وتماديك في الطغيان{ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ْ} أي:في الدنيا والآخرة، فتنزل بمنازله الذميمة، وترتع في مراتعه الوخيمة، .فتدرج الخليل عليه السلام بدعوة أبيه، بالأسهل فالأسهل، فأخبره بعلمه، وأن ذلك موجب لاتباعك إياي، وأنك إن أطعتني، اهتديت إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضار، ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله، وأنه يكون وليا للشيطان،

ثم ختم هذا النداء بما يدل على حبه له، وشفقته عليه فقال: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا.

أى: يا أبت إنى أشفق عليك من أن ينزل بك عذاب من الرحمن بسبب إصرارك على عبادة غيره، وبذلك تصبح قرينا للشيطان في العذاب بالنار، لأنك انقدت له، وخالفت طريق الحق.

بهذا الأسلوب الحكيم الهادئ الرقيق ... خاطب إبراهيم أباه، وهو يدعوه إلى عبادته- تعالى- وحده.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال ما ملخصه: انظر كيف رتب إبراهيم الكلام مع أبيه في أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق، مع استعماله المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن.

وذلك أنه طلب منه- أولا- العلة في خطئه. طلب منبه على تماديه، موقظ لإفراطه وتناهيه ... حيث عبد ما ليس به حس ولا شعور.

ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقا به متلطفا، فلم يصف أباه بالجهل المفرط، ولا نفسه بالعلم الفائق. ولكنه قال: إن معى طائفة من العلم وشيئا منه ليس معك.. ثم ثلث بتثبيطه ونهيه عما كان عليه، بتصويره بصورة يستنكرها كل عاقل.. ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة، وما يجره ما هو فيه من الوبال.

ولم يخل ذلك من حسن الأدب، حيث لم يصرح بأن العقاب لا حق له، وأن العذاب لاصق به، ولكنه قال: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ....

وصدر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله: يا أَبَتِ

توسلا واستعطافا ... .

( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) أي : على شركك وعصيانك لما آمرك به ، ( فتكون للشيطان وليا ) يعني : فلا يكون لك مولى ولا ناصرا ولا مغيثا إلا إبليس ، وليس إليه ولا إلى غيره من الأمر شيء ، بل اتباعك له موجب لإحاطة العذاب بك ، كما قال تعالى : ( تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ) [ النحل : 63 ] .

يقول: يا أبت إني أعلم انك إن متّ على عبادة الشيطان أنه يمسك عذاب من عذاب الله ( فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) يقول: تكون له وليا دون الله ويتبرأ الله منك، فتهلك، والخوف في هذا الموضع بمعنى العلم، كما الخشية بمعنى العلم، في قوله فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا .

التدبر :

وقفة
[45] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾ تعريف قرآني للحب! الحُبُّ أن تخاف على من تُحِب من عذاب الله، أن يستوجبه بتفريط في واجب أو وقوع في ذنب.
وقفة
[45] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾ قال أبو حيان: «وخوفه إبراهيم سوء العاقبة، وتأدب معه إذ لم يصرح بلحوق العذاب به، بل أخرج ذلك مخرج الخائف، وأتى بلفظ المس الذي هو ألطف من المعاقبة، ونكر العذاب، ورتب على مس العذاب ما هو أكبر منه وهو ولاية الشيطان، وصدر كل نصيحة بقوله يا أبت توسلًا إليه واستعطافًا».
وقفة
[45] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾ لماذا اختار ﷻ اسمه (الرحمن) ولم يقل: (الجبار)؟ الجواب: لتعلم أنه مهما كانت مصيبتك فهي رحمة من الله لك.
وقفة
[45] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾ كل ما يبدو لك من مصائب هي في حقيقتها رحمة.
وقفة
[45] ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾ اختار ﷻ اسمه الرحمن دون غيره من الأسماء لأنه لولا رحمته به لما أمهله.
وقفة
[45] قوله تعالى: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾، فإنه لم يخل هذا الكلام من حسن الأدب مع أبيه، حيث لم يصرح فيه بأن العذاب لاحق له، ولكنه قال: ﴿ﲋ ﲌ﴾ فذكر الخوف والمس، وذكر العذاب، ونَكَّره، ولم يصفه بأنه يقصد التهويل، بل قصد استعطافه؛ ولهذا ذكر الرحمن ولم يذكر المنتقم ولا الجبار.
وقفة
[45] قوله تعالى: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾، فإنه لم يخل هذا الكلام من حسن الأدب مع أبيه، حيث لم يصرح فيه بأن العذاب لاحق له، ولكنه قال: ﴿ﲋ ﲌ﴾ فذكر الخوف والمس، وذكر العذاب، ونَكَّره، ولم يصفه بأنه يقصد التهويل، بل قصد استعطافه؛ ولهذا ذكر الرحمن ولم يذكر المنتقم ولا الجبار.
وقفة
[45] أجمل هدية تقدمها لمن تحب: أن تخاف عليه ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ﴾.
وقفة
[45] ﴿يا أبت إني أخاف أن يَمَسَّكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليًّا﴾ تأمل حُسن الأدب مع أبيه، حيث لم يصرِّح فيه بأن العذاب لاحق له وواقع، ولكنه قال: ﴿إني أخاف﴾.
عمل
[45] ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ﴾ كم من شخص نحبه أو قريب نودّه وتعتصر قلوبنا ألمًا حينما نراه على معصية، أو نعلم أنه يرتكب ذنبًا يغضب الله ونتمنى هدايته، ولكنك لا تهدي من أحببت والله يهدي من يشاء، فارفع يديك واسأله وادعه أن يهدي إليه محبوبك، ولن يخيب عند الله دعاءك.
وقفة
[45] الناصحون الصادقون على الناس خائفون ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾، ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 59]، ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غافر: 32].
تفاعل
[45] ﴿أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
عمل
[42-45] ﴿يَا أَبَتِ﴾ أربعَ مرَّاتٍ: أن يكونَ الحقُّ بجانبك لا يُبرِّرُ لكَ أن تتجاوزَ، حافظْ على ألفاظِك لتكون مؤثِّرًا.
وقفة
[42-45] ﴿يَا أَبَتِ﴾ التأدب واللطف والرفق في محاورة الوالدين، واختيار أفضل الأسماء في مناداتهما.
وقفة
[42-45] تكرر قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿يا أَبَتِ﴾ أربع مرات، وهذا تودد وتلطف مع أبيه، ولنعلم أنه فى أشد المواضيع أهمية -وهى الدعوة إلى الله وعدم الشرك به- يجب ألا تنسى الطيب من القول.
وقفة
[42-45] اهتمامك بدعوة أقرب الناس إليك يلزمه المجهود المضاعف والإلحاح، وأيضًا يلزمه تخيرك لكلمات مناسبة تستميل بها قلوبهم.
وقفة
[42-45] وردت (يا أبانا) في ستة مواضع، في سياق الأبناء الذين أخطأوا في حق والدهم، ووردت ﴿يَا أَبَتِ﴾ في ثمانية مواضع في سياق الأبناء البررة، بين يديك العِبر.
وقفة
[42-45] ﴿يَا أَبَتِ﴾ في دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه: يا أبت، يا أبت، يا أبت، يا أبت، سأستغفر لك، ما أرقاها من دعوة! وما أروعه من أسلوب لتبليغها!
وقفة
[42-45] ﴿يَا أَبَتِ﴾ المتحبب يُدخلك القلب دون استئذان، ويبوئك المكانة العالية في صدور السامعين ونفوسهم، أما المتعالى فعلى العكس من ذلك ينفر الناس منه، ويجدونه ثقيلًا على قلوبهم.
وقفة
[42-45] تدرج الخليل عليه السلام بدعوة أبيه بالأسهل فالأسهل؛ فأخبره بعلمه وأن ذلك موجب لاتباعك إياي، وأنك إن أطعتني اهتديت إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضار، ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله، وأنه يكون ولياً للشيطان.
وقفة
[42-45] في سورة مريم كرر إبراهيم عليه السلام كلمة ﴿يَا أَبَتِ﴾ متحببًا إلى أبيه، محاولًا دخول قلبه.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثالثة والأربعين. أخاف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. والجملة الفعلية «أخاف» في محل رفع خبر «إنّ».
  • ﴿ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يمسك: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. عذاب: فاعل مرفوع بالضمة وجملة يَمَسَّكَ عَذابٌ» صلة «ان» المصدرية لا محل لها. و «ان» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به لأخاف. أو في محل جر بحرف جر مقدر بتقدير «من أن يمسك عذاب».
  • ﴿ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من عذاب. الفاء عاطفة. تكون: فعل مضارع ناقص منصوب لأنه معطوف على منصوب وعلامة نصبه الفتحة واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «تكون».وليا: خبر «تكون» منصوب بالفتحة بمعنى: فتكون ثابتا على موالاه الشيطان. '

المتشابهات :

يوسف: 4﴿إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ
يوسف: 100﴿وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ
مريم: 42﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا
مريم: 43﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا
مريم: 44﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا
مريم: 45﴿ يَا أَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ
القصص: 26﴿قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَا أَبَتِ ٱسۡتَ‍ٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَ‍ٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ
الصافات: 102﴿فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَا أَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     وبعد أن نهاه عن عبادة الشيطان؛ حذره هنا من سوء العاقبة، وهذا هو النداء الرابع، قال تعالى:
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [46] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي ..

التفسير :

[46] قال أبو إبراهيم لابنه:أمعرض أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن سَبِّها لأقتلنَّك رمياً بالحجارة، واذهب عني فلا تلقني، ولا تكلمني زماناً طويلاً من الدهر.

فلم ينجع هذا الدعاء بذلك الشقي، وأجاب بجواب جاهل وقال:{ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ْ} فتبجح بآلهته [التي هي] من الحجر والأصنام، ولام إبراهيم عن رغبته عنها، وهذا من الجهل المفرط، والكفر الوخيم، يتمدح بعبادة الأوثان، ويدعو إليها.{ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ ْ} أي:عن شتم آلهتي، ودعوتي إلى عبادة الله{ لَأَرْجُمَنَّكَ ْ} أي:قتلا بالحجارة{ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ْ} أي:لا تكلمني زمانا طويلا

ولكن هذه النصيحة الحكيمة الغالية من إبراهيم لأبيه. لم تصادف أذنا واعية ولم تحظ من أبيه بالقبول بل قوبلت بالاستنكار والتهديد فقد قال الأب الكافر لابنه المؤمن: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا.

والاستفهام في قوله أَراغِبٌ للإنكار والتهديد والرغبة عن الشيء: تركه عمدا زهدا فيه لعدم الحاجة إليه.

ولفظ راغِبٌ مبتدأ، وأَنْتَ فاعل سد مسد الخبر، ومَلِيًّا أى: زمنا طويلا. مأخوذ من الملاوة، وهي الفترة الطويلة من الزمان، ويقال لليل والنهار: الملوان.

والمعنى: قال والد إبراهيم له على سبيل التهديد والوعيد، أتارك أنت يا إبراهيم عبادة آلهتي، وكاره لتقرب الناس إليها، ومنفرهم منها لئن لم تنته عن هذا المسلك، لَأَرْجُمَنَّكَ بالحجارة وبالكلام القبيح وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا بأن تغرب عن وجهى زمنا طويلا لا أحب أن أراك فيه.

وهكذا قابل الأب الكافر أدب ابنه المؤمن، بالفظاظة والغلظة والتهديد والعناد والجهالة..

شأن القلب الذي أفسده الكفر.

يقول تعالى مخبرا عن جواب أبي إبراهيم لولده إبراهيم فيما دعاه إليه أنه قال : ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) يعني : إن كنت لا تريد عبادتها ولا ترضاها ، فانته عن سبها وشتمها وعيبها ، فإنك إن لم تنته عن ذلك اقتصصت منك وشتمتك وسببتك ، وهو قوله : ( لأرجمنك ) ، قاله ابن عباس ، والسدي ، وابن جريج ، والضحاك ، وغيرهم .

وقوله : ( واهجرني مليا ) : قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن إسحاق : يعني دهرا .

وقال الحسن البصري : زمانا طويلا . وقال السدي : ( واهجرني مليا ) قال : أبدا .

وقال علي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس : ( واهجرني مليا ) قال : سويا سالما ، قبل أن تصيبك مني عقوبة . وكذا قال الضحاك ، وقتادة وعطية الجدلي و أبو مالك ، وغيرهم ، واختاره ابن جرير .

يقول تعالى ذكره: قال أبو إبراهيم لإبراهيم، حين دعاه إبراهيم إلى عبادة الله وترك عبادة الشيطان، والبراءة من الأوثان والأصنام ( أَرَاغِبٌ أَنْتَ ) يا إبراهيم عن عبادة آلهتي؟(لئن) أنت (لم تنته) عن ذكرها بسوء (لأرجمنك) يقول: لأرجمنك بالكلام، وذلك السبّ، والقول القبيح.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ ) بالشتيمة والقول.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج ، في قوله ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ ) قال: بالقول; لأشتمنك.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (لأَرْجُمَنَّكَ) يعني : رجم القول.

وأما قوله ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: واهجرني حينا طويلا ودهرا. ووجهَّوا معنى الملّي إلى المُلاوة من الزمان، وهو الطويل منه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن عبد الكريم، عن مجاهد، في قوله ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: دهرا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مَلِيًّا) قال حينا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: طويلا.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: زمانا طويلا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) يقول: دهرا، والدهر المليّ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال : دهرا.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو ، ثنا أسباط، عن السديّ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: أبدا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: واهجرني سويا سليما من عقوبتي إياك، ووجَّهوا معنى المليّ إلى قول الناس: فلان مليّ بهذا الأمر: إذا كان مضطلعا به غنيا فيه. وكأن معنى الكلام كان عندهم: واهجرني وعرضك وافر من عقوبتي، وجسمك معافى من أذاي.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) يقول: اجتنبني سَوِيًّا.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: اجتنبني سالما قبل أن يصيبك مني عقوبة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: سالما.

حدثنا الحسن ، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن كثير بن درهم أبو غسان، قال: ثنا قرة بن خالد، عن عطية الجدلي ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) قال: سالما.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) اجتنبني سالما لا يصيبك مني معرّة.

قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية عندي قول من قال: معنى ذلك: واهجرني سويا، سلما من عقوبتي، لأنه عقيب قوله ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ ) وذلك وعيد منه له إن لم ينته عن ذكر آلهته بالسوء أن يرجمه بالقول السيئ ، والذي هو أولى بأن يتبع ذلك التقدّم إليه بالانتهاء عنه قبل أن تناله العقوبة، فأما الأمر بطول هجره فلا وجه له.

التدبر :

وقفة
[45، 46] مؤلم أن تقول لقريبك وصديقك وحبيبك: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾، فيقول: ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾.
وقفة
[46] ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ سماه باسمه جافًا: ﴿يا إبراهيم﴾، وهو يتودد إليه ﴿يا أبت﴾ مرارًا، مهما تودد أهل الحق للباطل؛ فقلوبهم عليهم قلوب الذئاب.
وقفة
[46] ﴿قالَ أَراغِبٌ أَنتَ عَن آلِهَتي يا إِبراهيمُ لَئِن لَم تَنتَهِ لَأَرجُمَنَّكَ وَاهجُرني مَلِيًّا﴾ هكذا الكفرة وغلاظ القلوب يكون تعاملهم مع من ينصحونهم بالعنف واستخدام أساليب البطش، فلا مجال لديهم لعقل يفكر أو قلب يرحم.
وقفة
[46] كل ما في القرآن العظيم من (الرجم): فالقتل, إلا ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ فمعناه: لأشتمنك، ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: 22], فمعناه: ظنًا.
وقفة
[46] ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ علم أبو إبراهيم أن من أشق المواقف على الابن الصالح هجران أبيه، فهدده بذلك.
وقفة
[46، 47] ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ۞ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ خاطب إبراهيم عليه السلام أباه بأسلوب لين لطيف، فقابله أبوه بالفظاظة والغلظة وتهدده وتوعده، فما زاد ذلك إبراهيم إلا سماحة ولِينًا.
وقفة
[46، 47] ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ۞ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ إن كان لك أبٌ (بقسوة) آزر، فعامله (بلُطف) إبراهيم.
وقفة
[46، 47] ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ۞ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ أنت لا تستطيعُ التَّحكمَ في أخلاقِ الآخرين، ولكنَّكَ تملكُ ردةَ فعلِكَ.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الاسمية بعده في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَراغِبٌ أَنْتَ:
  • الهمزة: همزة إنكار وتعجيب بلفظ‍ استفهام. راغب: خبر مقدم مرفوع بالضمة. أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر. ويجوز أن تكون «راغب» في محل رفع مبتدأ. و «أنت» فاعلا لاسم الفاعل «راغب» سادا مسدّ الخبر.
  • ﴿ عَنْ آلِهَتِي:
  • جار ومجرور متعلق براغب والياء ضمير المتكلم في محل جر بالاضافة بمعنى: أكاره أنت لآلهتي. يقال: رغب في الشيء بمعنى: أراده وتمناه. ورغب عن الشيء: رفضه وكرهه.
  • ﴿ يا إِبْراهِيمُ:
  • يا: حرف نداء. ابراهيم: منادى مفرد مبني على الضم في محل نصب ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على العجمة والعلمية.
  • ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ:
  • اللام: موطئة للقسم-اللام المؤذنة-إن: حرف شرط‍ جازم. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تنته: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-فعل الشرط‍ في محل جزم بإن والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بمعنى: لئن لم تنته عما تقول.
  • ﴿ لَأَرْجُمَنَّكَ:
  • بمعنى لأقتلنك رميا بالحجارة. اللام: واقعة في جواب القسم المقدر. أرجمنك: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وجملة القسم المحذوف ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «لأرجمنك» جواب القسم لا محل لها وجواب الشرط‍ محذوف دل عليه جواب القسم.
  • ﴿ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا:
  • الواو: حرف عطف. اهجرني: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. النون نون الوقاية لا محل لها. والياء ضمير المتكلم مبني على السكون في محل نصب مفعول به. مليا: مفعول فيه متعلق باهجرني منصوب على الظرفية بالفتحة بمعنى واهجرني هجرا طويلا بالذهاب عني وجملة «اهجرني» معطوفة على معطوف عليه محذوف تقديره فاحذرني واهجرني. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     وبعد كلِّ هذه النداءات الأربعة، وكلِّ هذا الحب، وكلِّ هذه الشفقة؛ آزرُ يقابلُ الوعظَ الرقيقَ بالتهديدِ بالضربِ بالحجارةِ، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [47] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ..

التفسير :

[47] قال إبراهيم لأبيه:سلام عليك مني فلا ينالك مني ما تكره، وسوف أدعو الله لك بالهداية والمغفرة. إن ربي كان رحيماً رؤوفاً بحالي يجيبني إذا دعوته.

فأجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين، ولم يشتمه، بل صبر، ولم يقابل أباه بما يكره، وقال:{ سَلَامٌ عَلَيْكَ ْ} أي:ستسلم من خطابي إياك بالشتم والسب وبما تكره،{ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ْ} أي:لا أزال أدعو الله لك بالهداية والمغفرة، بأن يهديك للإسلام، الذي تحصل به المغفرة، فــ{ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ْ} أي:رحيما رءوفا بحالي، معتنيا بي، فلم يزل يستغفر الله له رجاء أن يهديه الله، فلما تبين له أنه عدو لله، وأنه لا يفيد فيه شيئا، ترك الاستغفار له، وتبرأ منه.

وقد أمرنا الله باتباع ملة إبراهيم، فمن اتباع ملته، سلوك طريقه في الدعوة إلى الله، بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة، والانتقال من مرتبة إلى مرتبة والصبر على ذلك، وعدم السآمة منه، والصبر على ما ينال الداعي من أذى الخلق بالقول والفعل، ومقابلة ذلك بالصفح والعفو، بل بالإحسان القولي والفعلي.

ولكن إبراهيم- عليه السلام- لم يقابل فظاظة أبيه وتهديده بالغضب والضيق، بل قابل ذلك بسعة الصدر. وجميل المنطق، حيث قال له: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا.

أى: لك منى- يا أبت- السلام الذي لا يخالطه جدال أو أذى، والوداع الذي أقابل فيه إساءتك إلى بالإحسان إليك. وفضلا عن ذلك فإنى سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أى: بارّا بي، كثير الإحسان إلى.

يقال: فلان حفى بفلان حفاوة، إذا بالغ في إكرامه، واهتم بشأنه.

وقد وفي إبراهيم بوعده، حيث استمر على استغفاره لأبيه إلى أن تبين له أنه عدو لله- تعالى- فتبرأ منه كما قال- تعالى-: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ .

ومعنى قول إبراهيم لأبيه : ( سلام عليك ) يعني : أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى ، وذلك لحرمة الأبوة ، ( سأستغفر لك ربي ) أي : ولكن سأسأل الله تعالى فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ، ( إنه كان بي حفيا ) قال ابن عباس وغيره : لطيفا ، أي : في أن هداني لعبادته والإخلاص له . وقال مجاهد وقتادة ، وغيرهما : ( إنه كان بي حفيا ) قال : وعوده الإجابة .

وقال السدي : " الحفي " : الذي يهتم بأمره .

وقد استغفر إبراهيم لأبيه مدة طويلة ، وبعد أن هاجر إلى الشام وبنى المسجد الحرام ، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق ، عليهما السلام ، في قوله : ( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) [ إبراهيم : 41 ] .

وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام ، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنزل الله تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ) الآية الممتحنة : 4 ، يعني إلا في هذا القول ، فلا تتأسوا به . ثم بين تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ، ورجع عنه ، فقال تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) [ التوبة : 113 ، 114 ] .

يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه حين توعَّده على نصيحته إياه ودعائه إلى الله بالقول السيئ والعقوبة: سلام عليك يا أبت، يقول: أمنة مني لك أن أعاودك فيما كرهت، ولدعائك إليّ ما توعدتني عليه بالعقوبة، ولكني ( سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) يقول: ولكني سأسأل ربي أن يستر عليك ذنوبك بعفوه إياك عن عقوبتك عليها( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) يقول: إن ربي عهدته بي لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته ، يقال منه: تحفى بي فلان. وقد بيَّنت ذلك بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) يقول: لطيفا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) قال: إنه كان بي لطيفا، فإن الحفيّ: اللطيف.

التدبر :

وقفة
[47] ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ أجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين، ولم يشتمه، بل صبر، ولم يقابل أباه بما يكره، وقال: (سَلَامٌ عَلَيْكَ).
وقفة
[47] ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ بالرغم من الوعيد الشديد؛ لكن إبراهيم عليه السلام أمّل والده خيرًا، النفوس العظيمة لا تحمل الضغينة.
وقفة
[47] ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾ إن قلتَ: الاستغفارُ للكافر حرامٌ، فكيف وعد إبراهيم عليه السلام أباه بالاستغفار له مع أنه كافرٌ؟ قلتُ: معناه سأسال اللَّهَ لك توبةً، تنال بها مغفرته يعني الِإسلامَ، والاستغفارُ للكافر بهذا الوجه جائزٌ، كأن يقول: اللهم وفِّقْه للِإسلام، أوتبْ عليه واهده، أو أنه وعده ذلك قبل تحريم الاستغفار للكافر.
وقفة
[47] لا بأس بإبلاغ أحدٍ أنك تدعو له؛ تأليفًا وتوددًا ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾.
عمل
[47] سل الله تعالى المغفرة والرضوان لوالديك ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾.
وقفة
[47] رغم أن القضية من الخطورة بمكان، فهى عقيدة المؤمن لا نقاش فيها، إلا أنه ختم حواره مع أبيه قائلًا: ﴿سَلامٌ عَلَيكَ﴾.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ بالغ في إكرامه إكرامًا عظيمًا، ومن ذلك النبوة.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ إدراك العبد للطف الله به في ماضيه، بوابّة اليقين بإجابة الدعاء.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ كن كإبراهيم عليه السلام في حسن ظنه بربه، قل لأمنياتك العظيمة وخيالاتك البعيدة التي ترجوها سيرزقني الله بك حتمًا ذات يوم ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ السعادة أن يحتفي الله بك، قال السدي: «(الحفي) الذي يهتم بأمره».
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ من أسباب إجابة الدعاء: شعورك بعناية الله ولطفه بك، حياتنا كلها قصة لرحمة الله وبره بنا.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ من الحفاوة وهي الرأفة والرحمة والتكريم، وإن من أسباب إجابة الدعاء حُسْنَ الظن بالله عن طريق استشعار قلبك لهذه الحفاوة الربانية.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ كان إبراهيم محتفيًا بأوامر ربه, فأحتفي به ربه, والله سابق فضله, وهو الممتن على إبراهيم, فلكي يحتفي بك الله تحف أنت بأوامره.
وقفة
[47] ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ أي: ربي يحتفي بي بالبر, كم يحمل هذا الكلام من علاقة ود بين إبراهيم عليه السلام وبين ربه؟! وبهذا نستدل على ما يلي: تفاوت المؤمنين في المنزلة عند الله, فالله يحب المؤمنين, ويحب الصابرين, ويحب المحسنين, ولكنة لا يحتفي إلا بمن يريد, وكم بين هؤلاء من التفاوت.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي قال ابراهيم مودعا أباه: سلام عليك.
  • ﴿ سَلامٌ عَلَيْكَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-سلام: مبتدأ مرفوع بالضمة بمعنى: سلام توديع ومتاركة. عليك: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي:
  • السين: حرف تسويف-استقبال-للقريب. استغفر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. لك: جار ومجرور متعلق باستغفر. ربي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
  • ﴿ إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا:
  • انه: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إنّ» والجملة الفعلية بعده: في محل رفع خبر «إنّ».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. بي: جار ومجرور متعلق بحفيا. حفيا: خبر «كان» منصوب بالفتحة بمعنى: لطيفا. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولَمَّا قابلَ الأبُ الكافرُ أدبَ ابنه المؤمن بالعناد والغلظة والتهديد؛ لم يفقد إبراهيمُ عليه السلام بِرَّه وأدبَه، بل قابلَ غضبه وتهديده بسعة صدر وجميل منطق، فوعده ألا يناله منه ما يكره، قال تعالى:
﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سلام:
وقرئ:
سلاما، بالنصب، وهى قراءة أبى البرهسم.

مدارسة الآية : [48] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ..

التفسير :

[48] وأفارقكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله، وأدعو ربي مخلصاً، عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، فلا يعطيني ما أسأله.

فلما أيس من قومه وأبيه قال:{ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ْ} أي:أنتم وأصنامكم{ وَأَدْعُو رَبِّي ْ} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة{ عَسَى أن لا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ْ} أي:عسى الله أن يسعدني بإجابة دعائي، وقبول أعمالي، .وهذه وظيفة من أيس ممن دعاهم، فاتبعوا أهواءهم، فلم تنجع فيهم المواعظ، فأصروا في طغيانهم يعمهون، أن يشتغل بإصلاح نفسه، ويرجو القبول من ربه، ويعتزل الشر وأهله.

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك أن إبراهيم- عليه السلام- عند ما رأى تصميم أبيه وقومه على الكفر والضلال، قرر اعتزالهم والابتعاد عنهم فقال- تعالى-: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا.

أى: وقال إبراهيم- أيضا- لأبيه: إنى بجانب استغفاري لك، ودعوتي لك بالهداية، فإنى سأعتزلك وأعتزل قومك، وأعتزل عبادة أصنامكم التي تعبدونها من دون الله وأرتحل عنكم جميعا إلى أرض الله الواسعة، وأخص ربي وخالقي بالعبادة والطاعة والدعاء، فقد عودنى- سبحانه- أن لا يخيب دعائي وتضرعي إليه.

وفي تصدير كلامه بلفظ عَسى دليل على تواضعه، وعلى أدبه مع خالقه- تعالى-.

وقوله : ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي ) أي : أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله ، ( وأدعو ربي ) أي : وأعبد ربي وحده لا شريك له ، ( عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ) و " عسى " هذه موجبة لا محالة ، فإنه عليه السلام ، سيد الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه سلم .

وقوله ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يقول: وأجتنبكم وما تدعون من دون الله من الأوثان والأصنام (وأدْعُو رَبّي) يقول: وأدعو ربي، بإخلاص العبادة له، وإفراده بالربوبية ( عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) يقول: عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، ولكن يجيب دعائي، ويعطيني ما أسأله.

التدبر :

وقفة
[48] هاجر النبي من مكة: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: 85]، واعتزل ابراهيم قومه: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ﴾، وفارق يعقوب يوسف، هى تربية إلهية أن لا تتعلقوا بأحد ولا بمكان.
وقفة
[48] ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ ليكن لك في هذه الحياة قرار شجاع نابع من إيمانك، تقف من خلاله ببسالة لتعبر عن قناعتك بحسارة.
وقفة
[48] ﴿وَأَعتَزِلُكُم وَما تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ﴾ قد تكون العزلة ضرورية فى زمن الفتن.
عمل
[48] اعتزل أماكن الفساد والشر، ولا تتساهل في ذلك ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[48] الاستقامة على شرع الله عزلة عن الحرام لا عن الحياة ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾.
وقفة
[48] ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي﴾ فارق إبراهيم عليه السلام الوالد، الأهل، والعشيرة، والوطن، وعوضه الله بالدعاء، لم يخسر شيئًا من بقى له الدعاء.
وقفة
[48] كما أن سماحته ولينه لم تتجاوز حد العبودية ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي﴾.
وقفة
[48] ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ وهذه وظيفة من أَيِسَ مِمَّن دعاهم، أن يشتغل بإصلاح نفسه، ويرجو القبول من ربه، ويعتزل الشر وأهله.
وقفة
[48] الشقاء لا يجتمع بثلاث:‏ لا يجتمع الشقاء مع الدعاء: ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [4]، ﴿وأدعوا ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً﴾، ولا يجتمع الشقاء مع القرآن: ﴿طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ [طه: 1، 2]، ولا يجتمع الشقاء مع البِر: ﴿وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا﴾ [32].
وقفة
[48] ﴿عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ ادع الله وحده لا شريك له، ولن تشقي أبدًا، لأن الله ربك ورب كل شي.
وقفة
[48] ﴿عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ الله تعالى لا يُشقي مَنْ عبده ودعاه، وإن أردتَ المقابل فَقُلْ: الشقيُّ مَنْ لا يعبد الله ولا يدعوه.
وقفة
[48] ﴿عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ ما شقي أبدًا من دعا الله.
وقفة
[48] ﴿عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ لن تشقى طالمًا كنت مستمسكًا بحبل.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ:
  • الواو: عاطفة. اعتزل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور بمعنى: وأتجنبكم.
  • ﴿ وَما تَدْعُونَ:
  • الواو: عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب لأنه معطوف على الضمير المنصوب في «أعتزلكم».تدعون: أي تعبدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «تدعون» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير وما تدعونه. أي بمعنى: وما تعبدونه.
  • ﴿ مِنْ دُونِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بتدعون أو بحال محذوفة من الموصول «ما» و «من» بيانية. الله: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَأَدْعُوا رَبِّي:
  • معطوفة بالواو على «أعتزل» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الواو للثقل. ربي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ عَسى أَلاّ أَكُونَ:
  • عسى: فعل ماض تام. ألاّ: مكونة من «أن» حرف مصدري ناصب و «لا» نافية لا عمل لها و «أكون» فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. وجملة «لا أكون مع خبرها «صلة» أن المصدرية لا محل لها. و «أن» وما تلاه بتأويل مصدر في محل رفع فاعل عسى بمعنى لعلي لا أكون.
  • ﴿ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا:
  • جار ومجرور متعلق بشقيا. ربي: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. شقيا: خبر «أكون» منصوب بالفتحة بمعنى خائبا مثلكم في دعاء آلهتكم. '

المتشابهات :

مريم: 4﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا
مريم: 48﴿وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     ولَمَّا رأى إبراهيمُ عليه السلام تصميمَ أبيه وقومه على الكفر والضلال؛ قرر اعتزالَهم والابتعادَ عنهم والهجرةَ إلى بلادِ الشامِ، قال تعالى:
﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن ..

التفسير :

[49] فلما فارقهم وآلهتهم التي يعبدونها مِن دون الله رزقناه من الولد:إسحاق، ويعقوب بن إسحاق، وجعلناهما نبيَّين.

ولما كان مفارقة الإنسان لوطنه ومألفه وأهله وقومه، من أشق شيء على النفس، لأمور كثيرة معروفة، ومنها انفراده عمن يتعزز بهم ويتكثر، وكان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، واعتزل إبراهيم قومه، قال الله في حقه:{ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا ْ} من إسحاق ويعقوب{ جَعَلْنَا نَبِيًّا ْ} فحصل له هبة هؤلاء الصالحين المرسلين إلى الناس، الذين خصهم الله بوحيه، واختارهم لرسالته، واصطفاهم من العالمين.

ثم بين- سبحانه- ما ترتب على اعتزال إبراهيم للشرك والمشركين فقال: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا، وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا.

أى: فحين اعتزل إبراهيم- عليه السلام- أباه وقومه وآلهتهم الباطلة. لم نضيعه، وإنما أكرمناه وتفضلنا عليه بأن وهبنا له إسحاق ويعقوب ليأنس بهما بعد أن فارق أباه وقومه من أجل إعلاء كلمتنا وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا أى: وكل واحد منهما جعلناه نبيا

قول : فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله ، أبدله الله من هو خير منهم ، ووهب له إسحاق ويعقوب ، يعني ابنه وابن إسحاق ، كما قال في الآية الأخرى : ( ويعقوب نافلة ) [ الأنبياء : 72 ] ، وقال : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 71 ] .

ولا خلاف أن إسحاق والد يعقوب ، وهو نص القرآن في سورة البقرة : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) [ البقرة : 133 ] . ولهذا إنما ذكر هاهنا إسحاق ويعقوب ، أي : جعلنا له نسلا وعقبا أنبياء ، أقر الله بهم عينه في حياته; ولهذا قال : ( وكلا جعلنا نبيا ) ، فلو لم يكن يعقوب قد نبئ في حياة إبراهيم ، لما اقتصر عليه ، ولذكر ولده يوسف ، فإنه نبي أيضا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته ، حين سئل عن خير الناس ، فقال : " يوسف نبي الله ، ابن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله " وفي اللفظ الآخر : " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "

يقول تعالى ذكره: فلما اعتزل إبراهيم قومه وعبادة ما كانوا يعبدون من دون الله من الأوثان آنسنا وحشته من فراقهم، وأبدلناه منهم بمن هو خير منهم وأكرم على الله منهم، فوهبنا له ابنه إسحاق، وابن ابنه يعقوب بن إسحاق ( وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ) فوحد، ولم يقل أنبياء، لتوحيد لفظ كلّ.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ المكان الذي لا يعترف بحق ولا ينصف أهله فهجرهم خير، ولا تكثر عليهم التأسف، فمفارقتهم مكسب.
عمل
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ صاحب الضلال لا يكفي بغض منهجه، اهجرهما معًا.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ من تَرَك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، قال ﷺ: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ إلاَّ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ» [أحمد 5/363، وقال الألباني: وسنده صحيح على شرط مسلم]، وهذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك، وقد يكون من غير جنسه، قال ابن القيم: «وقولهم من ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه: حق، والعوض أنواع مختلفة؛ وأجلّ ما يعوض به: الأنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى»، ومن أمثلة العوض في الدنيا: ما ذكره ابن القيم في كتابه (روضة المحبين): «لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد، ولما ترك المهاجرون ديارهم لله وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم: أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا، وملكهم شرق الأرض وغربها».
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ اعتزال المعاصي وأهلها سبب لنيل نعمة الذرية وصلاحهم.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ أن من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ بالابتعاد عن المنكرات ومواطن الفتن؛ تأتي الهبات والخيرات.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ مفارقة الوطن، الأهل، القوم، الديار، من أشق الأشياء على النفس؛ فكان الجزاء من الله عظيم.
عمل
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ إن لم تستطع أن تزيل الشر، فزل أنت عنه.
وقفة
[49] من تركَ لله عوّضه الله إما ماليًا، أو نفسيًا، أو إيمانيًا، وقد تجتمع كلها للشخص، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، مصداق مقولة: «من تَرَك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه» في مواضع من القرآن، منها: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾، فرتب الهبة على اعتزال منكرهم.
وقفة
[49] من أسباب الرزق وإجابة الدعاء البعد عن المعاصي وأهلها، والهجرة عن أرضها ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ البراءة من الكفار سبب في حصول النعم والخيرات والثناء الحسن.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ ضحى بعلاقات حميمة؛ فعوضه الله علاقة أقرب وأرحم وأنفع.
وقفة
[49] ﴿فَلَمَّا اعتَزَلَهُم وَما يَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ وَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ وَكُلًّا جَعَلنا نَبِيًّا﴾ من أبواب الرزق: اعتزال الباطل.
عمل
[49] احتسب الأجر على بلاء أصابك؛ فقد ابتلي إبراهيم بكفر أبيه فصبر على قضاء الله وقدره، فوهبه الله النبوة في ذريته, ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾.
وقفة
[49] ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ صلاح الذرية هِــبِــة من الله لك تحتاج إلى شكر.
وقفة
[49] ﴿وَكُلًّا جَعَلنا نَبِيًّا﴾ أى فضل ونعمة كبيرة من الله أن يرزقك الله بذرية كلها صالحة طيبة.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمَّا:
  • الفاء: استئنافية. لما: بمعنى «حين» اسم شرط‍ غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب.
  • ﴿ اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة وجملة «اعتزلهم» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهَبْنا:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. وهب: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لَهُ إِسْحاقَ:
  • جار ومجرور في مقام مفعول «وهب» الأول. اسحاق: مفعول به ثان منصوب بالفتحة والاسم ممنوع من الصرف للعجمة والعلمية.
  • ﴿ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ:
  • معطوفة بالواو على «اسحاق» وتعرب إعرابها. الواو عاطفة. كلا: مفعول به منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده وعلامة نصبه الفتحة بمعنى وجعلنا كلا منهما نبيا.
  • ﴿ جَعَلْنا نَبِيًّا:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. نبيا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

مريم: 49﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا
الأنعام: 84﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا
الأنبياء: 72﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ
العنكبوت: 27﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     ولَمَّا اعتزلهم واختار الهجرة إلى ربه إلى حيث أمره؛ لم يضره ذلك، بل نفعه، فما خسرَ مع الله أحدٌ، فقد عوضه أولادًا أنبياء، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [50] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا ..

التفسير :

[50] ووهبنا لهم جميعاً من رحمتنا فضلاً لا يحصى، وجعلنا لهم ذكراً حسناً، وثناءً جميلاً باقياً في الناس.

{ وَوَهَبْنَا لَهُمْ ْ} أي:لإبراهيم وابنيه{ مِنْ رَحْمَتِنَا ْ} وهذا يشمل جميع ما وهب الله لهم من الرحمة، من العلوم النافعة، والأعمال الصالحة، والذرية الكثيرة المنتشرة، الذين قد كثر فيهم الأنبياء والصالحون.{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ْ} وهذا أيضا من الرحمة التي وهبها لهم، لأن الله وعد كل محسن، أن ينشر له ثناء صادقا بحسب إحسانه، وهؤلاء من أئمة المحسنين، فنشر الله الثناء الحسن الصادق غير الكاذب، العالي غير الخفي، فذكرهم ملأ الخافقين، والثناء عليهم ومحبتهم، امتلأت بها القلوب، وفاضت بها الألسنة، فصاروا قدوة للمقتدين، وأئمة للمهتدين،.ولا تزال أذكارهم في سائر العصور، متجددة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وَوَهَبْنا لَهُمْ أى: لإبراهيم وإسحاق ويعقوب مِنْ رَحْمَتِنا بأن جعلناهم أنبياء ومنحناهم الكثير من فضلنا وإحساننا ورزقنا.

وجعلنا لهم لسان صدق عليا، بأن صيرنا الناس يثنون عليهم ويمدحونهم ويذكرونهم بالذكر الجميل، لخصالهم الحميدة، وأخلاقهم الكريمة.

وهكذا نرى أن اعتزال الشرك والمشركين، والفسق والفاسقين، يؤدى إلى السعادة الدينية والدنيوية، وما أصدق قوله- تعالى-: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا.

وخص- سبحانه- هنا اسحق ويعقوب بالذكر دون إسماعيل لأن إسماعيل سيذكر فضله بعد قليل.

ثم مدح الله- تعالى- موسى- عليه السلام- وهو واحد من أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى إبراهيم- عليه السلام- فقال- تعالى-:

وقوله : ( ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني الثناء الحسن . وكذا قال السدي ، ومالك بن أنس .

وقال ابن جرير : إنما قال : ( عليا ) ; لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

( وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا ) يقول جلّ ثناؤه: ورزقنا جميعهم، يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب من رحمتنا، وكان الذي وهب لهم من رحمته، ما بسط لهم في عاجل الدنيا من سعة رزقه، وأغناهم بفضله.

وقوله ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) يقول تعالى ذكره: ورزقناهم الثناء الحسن، والذكر الجميل من الناس.

كما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) يقول: الثناء الحسن.

وإنما وصف جل ثناؤه اللسان الذي جعل لهم بالعلوّ، لأن جميع أهل الملل تحسن الثناء عليهم، والعرب تقول: قد جاءني لسان فلان، تعني ثناءه أو ذمه; ومنه قول عامر بن الحارث:

إنّــي أتَتْنِــي لِسـانٌ لا أسَـرُّ بِهَـا

مِـنْ عَلْـو لا عَجَـبٌ مِنْهـا وَلا سَخُرُ (3)

ويروى: لا كذب فيها ولا سَخَر:

جـاءَتْ مُرجَمَّـة قـد كُـنْتُ أحْذَرُها

لَـوْ كـانَ يَنْفَعُنِـي الإشْـفاقُ والحَذَرُ (4)

مرجمة: يظنّ بها.

------------------------

الهوامش:

(3) البيت لأعشى باهلة واسمه عامر بن الحارث ( جمهرة أشعار العرب ص 135 ) وهي إحدى المراثي الجياد . وفي ( اللسان : لسن ) اللسان : جارحة الكلام ، وقد يكنى بها عن الكلمة ، فيؤنث حينئذ . قال : أعشى باهلة : " إني أتتني لسانه . . . البيت " . قال ابن بري : اللسان هنا : الرسالة والمقالة . وقد يذكر على معنى الكلام . ثم قال : قال اللحياني : اللسان في الكلام يذكر ويؤنث ، يقال إن لسان الناس عليك لحسنة وحسن ، أي ثناؤهم . أه . واللسان : الثناء ، وقوله عز وجل : " واجعل لي لسان صدق في الآخرين" : معناه : اجعل لي ثناءً حسنًا باقيًا إلى آخر الدهر . أه . وفي ( تاج العروس : علا ) : وأن قول أعشى باهلة " من علو " فيروى بضم الواو وفتحها وكسرها ، أي أتاني خبر من أعالي نجد . أه . وفي جمهرة أشعار العرب : السخر : الاستهزاء . أه . وقد استشهد المؤلف بالبيت على أن اللسان قد يجيء بمعنى الثناء مع أن اللغويين فسروه بمعنى الخبر أو الرسالة أو المقالة .

(4) هذا البيت لأعشى باهلة أيضًا ، وهو بعد البيت السابق عليه في القصيدة نفسها ، كما في ( جمهرة أشعر العرب ص 136 ) . ومعنى مرجمة : أي مظنونة ، لا يوقف على حقيقتها ويقال : كلام مرجم عن غير يقين . ولعل الشاعر أراد أن الناس كلهم لم يصدقوا خبر هذا الفاجعة التي نزلت بهم ، فهم بين مصدق ومكذب .

التدبر :

وقفة
[50] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ المعاصي تمنع العبد من رحمة الله، وتغلق عليه أبوابها، كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته.
وقفة
[50] ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ [الشعراء: 84]، ﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الانشراح: 4]؛ فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك، بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم، وكل من خالفهم، فإنه بعيد من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم.
عمل
[50] ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ الذكرُ الحسنُ والثناءُ الجميلُ يُقَسَّمُ في السماءِ، لا تنقِّبْ عنه في الأرضِ.
وقفة
[50] ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ الذي يجعل لك الذكر الحسن بين الناس هو الله؛ عندما يجد طويتك مطابقة لعلانيتك، عندها يضع محبتك بين عباده.
وقفة
[50] ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ وعد الله كل محسن أن ينشر له ثناءً صادقًا بحسب إحسانه، وإبراهيم عليه السلام وذريته من أئمة المحسنين.
وقفة
[50] ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ قال ابن جرير: «إنما قال (عَلِيًّا)؛ لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».
وقفة
[50] ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ قال الآلوسي: «ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم، وأن محامدهم لا تخفى كأنها نار على علم، على تباعد الأعصار وتبدل الدول وتغير الملل والنحل».

الإعراب :

  • ﴿ وَوَهَبْنا لَهُمْ:
  • الواو: عاطفة. وهب: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل واللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور «لهم» قام مقام المفعول به الأول.
  • ﴿ مِنْ رَحْمَتِنا:
  • جار ومجرور متعلق بوهب و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة بمعنى ووهبنا لهم من رحمتنا النبوة أو المال والولد. وقيل الحكمة والصلاح. وهذه التقديرات والمعاني هي مفعول «وهبنا» الثاني.
  • ﴿ وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ:
  • معطوفة بالواو على وَهَبْنا لَهُمْ» وتعرب إعرابها. لسان: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف.
  • ﴿ صِدْقٍ عَلِيًّا:
  • صدق: مضاف إليه مجرور بالكسرة. عليا: صفة-نعت- للسان منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى ثناء وحسن أحدوثة عالية بين الناس. '

المتشابهات :

مريم: 50﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا
مريم: 53﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [50] لما قبلها :     وبعد بيان ما وهبَ اللهُ عز و جل إبراهيمَ عليه السلام وبنيه من النبوة؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنه وهبهم أيضًا فضلًا لا يحصى، وجعل لهم ثناءً جميلًا باقيًا في الناس، قال تعالى:
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [51] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ ..

التفسير :

[51] واذكر -أيها الرسول- في القرآن قصة موسى -عليه السلام- إنه كان مصطفى مختاراً، وكان رسولاً نبيّاً مِن أولي العزم من الرسل.

أي:واذكر في هذا القرآن العظيم موسى بن عمران، على وجه التبجيل له والتعظيم، والتعريف بمقامه الكريم، وأخلاقه الكاملة،{ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} قرئ بفتح اللام، على معنى أن الله تعالى اختاره واستخلصه، واصطفاه على العالمين. وقرئ بكسرها، على معنى أنه كان مخلص لله تعالى، في جميع أعماله، وأقواله، ونياته، فوصفه الإخلاص في جميع أحواله، والمعنيان متلازمان، فإن الله أخلصه لإخلاصه، وإخلاصه، موجب لاستخلاصه، وأجل حالة يوصف بها العبد، الإخلاص منه، والاستخلاص من ربه.{ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} أي:جمع الله له بين الرسالة والنبوة، فالرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل، وتبليغ جميع ما جاء به من الشرع، دقه وجله. والنبوة تقتضي إيحاء الله إليه وتخصيصه بإنزال الوحي إليه، فالنبوة بينه وبين ربه، والرسالة بينه وبين الخلق، بل خصه الله من أنواع الوحي، بأجل أنواعه وأفضلها، وهو:تكليمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى، وبهذا اختص من بين الأنبياء، بأنه كليم الرحمن

ولفظ مُخْلَصاً فيه قراءتان سبعيتان، إحداهما بفتح اللام- بصيغة اسم المفعول- أى: أخلصه الله- تعالى- لذاته، واصطفاه، كما قال- تعالى-: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي.. .

والثانية بكسر اللام- بصيغة اسم الفاعل- أى: كان مخلصا لنا في عبادته وطاعته.

والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس خبر أخيك موسى- عليه السلام- إنه كان من الذين أخلصناهم واصطفيناهم لحمل رسالتنا، وكان من الذين أخلصوا لنا وحدنا العبادة والطاعة، وكان- أيضا- رَسُولًا من جهتنا لتبليغ ما أمرناه بتبليغه، وكان كذلك نَبِيًّا رفيع القدر، عالى المكانة والمنزلة، فقد جمع الله- تعالى- له بين هاتين الصفتين الساميتين صفة الرسالة وصفة النبوة.

لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه ، عطف بذكر الكليم ، فقال : ( واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا ) قرأ بعضهم بكسر اللام ، من الإخلاص في العبادة .

قال الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي لبابة قال : قال الحواريون : يا روح الله ، أخبرنا عن المخلص لله . قال : الذي يعمل لله ، لا يحب أن يحمده الناس .

وقرأ الآخرون بفتحها ، بمعنى أنه كان مصطفى ، كما قال تعالى : ( إني اصطفيتك على الناس ) [ الأعراف : 144 ] .

( وكان رسولا نبيا ) ، جمع له بين الوصفين ، فإنه كان من المرسلين الكبار أولي العزم الخمسة ، وهم : نوح وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر الأنبياء أجمعين .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتابنا الذي أنـزلناه إليك موسى بن عمران، واقصص على قومك أنه كان مخلصا.

واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (إنَّهُ كانَ مُخْلِصًا) بكسر اللام من المُخْلِص، بمعنى: إنه كان يخلص لله العبادة، ويفرده بالألوهية، من غير أن يجعل له فيها شريكا ، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة خلا عاصم ( إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ) بفتح اللام من مُخْلَص، بمعنى: إن موسى كان الله قد أخلصه واصطفاه لرسالته، وحمله نبيا مرسلا.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أنه كان صلى الله عليه وسلم مخلصا عبادة الله، مُخْلَصا للرسالة والنبوّة، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب.

( وَكَانَ رَسُولا ) يقول: وكان لله رسولا إلى قومه بني إسرائيل، ومن أرسله إليه نبيا.

التدبر :

وقفة
[51] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ أكثر شيء يرفع درجتك هو إخلاصك، فالإخلاص هو الذي يؤهلك لكل خير، وإذا انعدم منك انعدم الخير عنك.
وقفة
[51] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ بكسر اللام في قراءة، نوه الله بذكره بسبب إخلاصه، طيب قلبك بالإخلاص يطيب الله ذكرك.
وقفة
[51] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ قال السعدي: «قرئ بفتح اللام (مخلَصًا)، على معنى أن الله تعالى اختاره واستخلصه، واصطفاه على العالمين، وقرئ بکسرها (مخلِصًا)، على معنى أنه كان مخلصًا لله تعالى في جميع أعماله أقواله ونباته، فوصفه الإخلاص في جميع أحواله، المعنيان متلازمان، فإن الله أخلصه لإخلاصه، وإخلاصه موجب لاستخلاصه، وأجل حالة يوصف بها العبد: الإخلاص منه، والاستخلاص من ربه».
وقفة
[51] تدبر الثناء على يوسف: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: 24]، وموسى: ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ بكسر اللام وفتحها في الآيتين، في قراءتين سبعيتين ومعنيين بديعين، حيث أخلصا في عملهما فأخلصهما الله واصطفاهما.

الإعراب :

  • ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ:
  • الواو عاطفة. اذكر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. في الكتاب: جار ومجرور متعلق باذكر.
  • ﴿ مُوسى إِنَّهُ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. إنه: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها.
  • ﴿ كانَ مُخْلَصاً:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. مخلصا: خبر «كان» منصوب بالفتحة بمعنى: أخلصه الله لنفسه.
  • ﴿ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا:
  • معطوفة بالواو على كانَ مُخْلَصاً» وتعرب إعرابها. نبيا: صفة-نعت-لرسولا منصوبة بالفتحة. '

المتشابهات :

مريم: 16﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
مريم: 41﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
مريم: 51﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا
مريم: 54﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا
مريم: 56﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد قصَّة إبراهيم عليه السلام؛ تأتي هنا القصَّةُ الرابعةُ في هذه السورة: قصَّةُ موسى عليه السلام، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مخلصا:
وقرئ:
1- بفتح اللام، أي: أخلصه الله للعبادة، وهى قراءة الكوفيين، وأبى رزين، ويحيى، وقتادة.
2- بكسر اللام، وهى قراءة باقى السبعة والجمهور.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف