30952535455565758596061626364

الإحصائيات

سورة مريم
ترتيب المصحف19ترتيب النزول44
التصنيفمكيّةعدد الصفحات7.30
عدد الآيات98عدد الأجزاء0.30
عدد الأحزاب0.65عدد الأرباع2.60
ترتيب الطول27تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 10/29كهيعص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (52) الى الآية رقم (58) عدد الآيات (7)

= وما منحَهُ اللهُ من فضَائلَ، ثُمَّ القصَّةُ الخامسةُ: قصَّةُ إسماعيلَ عليه السلام ، ثُمَّ القصَّةُ السادسةُ: قصةُ إدريسَ عليه السلام ، ثُمَّ جَمَعَ اللهُ الأنبياءَ العشرةَ بصفةٍ واحدةٍ، وهي الإِنعامُ عليهم بالنُّبوةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (59) الى الآية رقم (64) عدد الآيات (6)

بعد أن أثنى اللهُ على الأنبياءِ وأتباعِهم ترغِيبًا في التَّأسي بطَرِيقتِهم، ذَكَرَ هنا صفاتِ الخَلَفِ الذين أتَوا بعَدَهم، وبَيَّنَ عقَابَهم، إلَّا من تابَ فإنَّ اللهَ يقبلُ توبتَه ويُدخلُه جناتِ النعيمِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة مريم

رحمة الله بعباده/ توريث الدين للأبناء/ إثبات الوحدانية ونفي الولد والشريك وإثبات الوحي والبعث/ سورة المواهب

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • من هي مريم؟:   مريم هي أم نبي الله عيسى. وهي أفضل نساء العالمين (من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة) بالقرآن والسنة. في القرآن: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42[، فقوله تعالى: «اصطفاك» أي: اختارك واجتباك وفضلك. وفي السنة: • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عن ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَيِّداتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرْيَمَ بنتِ عِمْرَانَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيجَةُ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» . • فترتيب أفضل النساء: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية.
  • • لماذا مريم هنا؟:   السورة مليئة بالأنبياء الرجال، فقد ذُكر فيها: إبراهيم وزكريا ويحيي وموسى وعيسى وغيرهم، فلماذا سميت باسم المرأة الوحيدة التي ذُكرت فيها؟ وكأن الله يقول لنا: إن المرأة قد تصل مثل الرجل، وأن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا، ولكي يعرف الجميع دور المرأة الخطير، وقدرة المرأة علي الوصول إلي الله والسبق إلي الله سبحانه وتعالي.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «مريم».
  • • معنى الاسم ::   هي مريم بنت عمران عليها السلام أم نبي الله عيسى عليه السلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنه بسطت فيها قصة مريم وولادتها عيسى من غير أب، ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت بعد ذلك في المدينة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ل«سورة كهيعص»؛ لافتتاح السورة بها، وتقرأ هكذا: (كاف ها يا عين صاد).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تنزيه الله تعالى عن الولد والشريك وإثبات وحدانيته تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن المرأة تستطيع أن تقدم بطولات مثل الرجال تمامًا.
  • • علمتني السورة ::   على قدر البلاء يكون العطاء، مريم ابتلاها الله بأمر شديد، ولكن العاقبة أنها أصبحت أم نبي، ومن سيدات أهل الجنة.
  • • علمتني السورة ::   أن الصمت علاج ودواء، إذا كنتَ مُحاطًا بأهل القيل والقال: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة مريم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أكثر سورة تكرر فيها اسم (الرحمن)، تكرر 16 مرة.
    • احتوت السورة على السجدة الخامسة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم.
    • هي أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- يُذكَر فيها لفظ (كلا) في آيتين منها (79، 82)، وذكر هذا اللفظ في السورة يدل على أنها مكية.
    • سورة مريم هي السورة التي قرأ جعفر بن أبي طالب صدرها على النجاشي فأسلم، وهذا أثناء الهجرة للحبشة.
    • جرت عادة السور التي تبدأ بالحروف المقطعة (وهي: 29 سورة) أن يأتي الحديث عن القرآن الكريم بعد الأحرف المقطعة مباشرة؛ إلا أربع سور، وهي: مريم والعنكبوت والروم والقلم.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم كل من حولنا: الكبير والصغير، القريب والبعيد، الذكر والأنثى.
    • أن نورث أبناءنا حب الدين، وأهمية العمل للدين.
    • ألا نيأس؛ فالسورة بدأت بقصة زكريا عليه السلام وقدرة الله في إعطائه الولد بعد أن شاب رأسه وعقمت امرأته، فلا نيأس بعد ذلك أبدًا.
    • أن نلجأ إلى الله بالدعاء دائمًا: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ... فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾ (2-5).
    • ألا نعلّق قلوبنا بالأسباب ونغفل عن المسبِّب؛ فقد يجعل الله من المستحيل ممكنًا، ومن الممكن مستحيلًا: ﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ (9).
    • أن نكثِر من ذكر الله تعالى في الصباح والمساء: ﴿فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (11).
    • أن نأخذ بالأسباب، مع علمنا بأن الرزق من عند الله وحده: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ (25).
    • ألا نتعجلَ في إصدارِ الأحكامِ على النَّاسِ، فلعلَّ هناك ما يَخفَى علينا: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (27).
    • ألا نقنط أبدًا، ففي الوقت المناسب يُنزل الله على عبده الصابر أنوار الفرَج شريطة أن يُديم الثناء على الله: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (30).
    • ألا نأنف من أخذ العلم عمن صغر سِنُّه، أو قلت درجته عنا: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ (43).
    • أن نعتزل أماكن الفساد والشر، ولا نتساهل في ذلك: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ﴾ (48).
    • أن نحرص على الصدق في أقوالنا، وأفعالنا، ومواعيدنا، وعهودنا؛ فهذا من أخلاق الأنبياء: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ (54).
    • أن نأمر إخواننا وأهل بيتنا بالصلاة والصدقة، ونذكرهم بأدائها في وقتها: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (55).
    • أن نسارع بالتوبة وعمل الصالحات إذا وقعنا في معصية الله: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ (59-60).
    • أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم؛ فقد ثبت ورودنا لها، لكن لم يثبت لنا النجاة منها: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ (71).
    • أن نكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فهي من الباقيات الصالحات: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ (76).
    • ألا نقول إلا ما يرضي الله سبحانه، ونتذكر قول الله تعالى: ﴿كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ (79).
    • أن ندعو الله تعالى أن يحشرنا في زمرة المتقين: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا﴾ (85).
    • أن نتذكر أننا سنأتي الله يوم القيامة فرادى؛ ونعمل لذلك اليوم: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ (95).
    • أن نحمد الله على الأول، ونجتهد بالثاني، لنكسب الثالث: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا﴾ (96).

تمرين حفظ الصفحة : 309

309

مدارسة الآية : [52] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ..

التفسير :

[52] ونادينا موسى من ناحية جبل طور «سيناء» اليمنى من موسى، وقرَّبناه فشرَّفناه بمناجاتنا له. وفي هذا إثبات صفة الكلام لله -تعالى- كما يليق بجلاله وكماله.

{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} أي:الأيمن من موسى في وقت.مسيره، أو الأيمن:أي:الأبرك من اليمن والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى:{ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}{ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} والفرق بين النداء والنجاء، أن النداء هو الصوت الرفيع، والنجاء ما دون ذلك، وفي هذه إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه، من النداء، والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا لمن أنكر ذلك، من الجهمية، والمعتزلة، ومن نحا نحوهم.

وقوله- تعالى-: وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا بيان لفضائل أخرى منحها الله- تعالى- لموسى- عليه السلام-.

والطور: جبل بين مصر وقرى مدين، الأيمن: أى الذي يلي يمين موسى.

قال الآلوسى: «والأيمن» صفة لجانب، لقوله- تعالى- في آية أخرى: جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ بالنصب. أى: ناديناه من ناحيته اليمنى، من اليمين المقابل لليسار. والمراد به يمين موسى، أى: الناحية التي تلى يمينه «إذ الجبل نفسه لا ميمنة له ولا ميسرة» .

ويجوز أن يكون الأيمن من اليمن وهو البركة، وهو صفة لجانب- أيضا- أى: من جانبه الميمون المبارك ...

والمراد من ندائه من ذلك الجانب: ظهور كلامه- تعالى- من تلك الجهة، والظاهر أنه- عليه السلام- إنما سمع الكلام اللفظي ... » .

وقوله وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا أى: وقربناه تقريب تشريف وتكريم حالة مناجاته لنا، حيث أسمعناه كلامنا، واصطفيناه لحمل رسالتنا إلى الناس.

فقوله نَجِيًّا من المناجاة وهي المسارة بالكلام، وهو حال من مفعول وقربناه، أى:

وقربنا موسى منا حال كونه مناجيا لنا.

وقوله : ( وناديناه من جانب الطور ) أي : الجبل ( الأيمن ) أي : من جانبه الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة ، رآها تلوح فقصدها ، فوجدها في جانب الطور الأيمن منه ، عند شاطئ الوادي . فكلمه الله تعالى ، ناداه وقربه وناجاه . قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا يحيى - هو القطان - حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وقربناه نجيا ) قال : أدني حتى سمع صريف القلم .

وهكذا قال مجاهد ، وأبو العالية ، وغيرهم . يعنون صريف القلم بكتابة التوراة .

وقال السدي : ( وقربناه نجيا ) قال : أدخل في السماء فكلم ، وعن مجاهد نحوه .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( وقربناه نجيا ) قال : نجا بصدقه .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، عن أبي الوصل ، عن شهر بن حوشب ، عن عمرو بن معديكرب قال : لما قرب الله موسى نجيا بطور سيناء ، قال : يا موسى ، إذا خلقت لك قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة تعين على الخير ، فلم أخزن عنك من الخير شيئا ، ومن أخزن عنه هذا فلم أفتح له من الخير شيئا .

يقول تعالى ذكره: ونادينا موسى من ناحية الجبل، ويعني بالأيمن : يمين موسى، لأنة الجبل لا يمين له ولا شمال، وإنما ذلك كما يقال: قام عن يمين القبلة وعن شمالها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ ) قال: جانب الجبل الأيمن . وقد بيَّنا معنى الطور واختلاف المختلفين فيه، ودللنا على الصواب من القول فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله ( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) يقول تعالى ذكره: وأدنيناه مناجيا، كما يقال: فلان نديم فلان ومنادمه، وجليس فلان ومجالسه. وذُكر أن الله جلّ ثناؤه أدناه، حتى سمع صريف القلم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) قال: أٌدْنِيّ حتى سمع صريف القلم.

حدثنا محمد بن منصور الطَوسِيّ، قال: ثنا يحيى بن أبي بكر، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، قال: أراه عن مجاهد، في قوله ( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) قال: بين السماء الرابعة، أو قال: السابعة، وبين العرش سبعون ألف حجاب: حجاب نور، وحجاب ظلمة، وحجاب نور، وحجاب ظلمة; فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب، وسمع (1) صريف القلم قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ .

حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: قرّبه منه حتى سمع صريف القلم.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة (وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) قال: أُدْنِيَ حتى سمع صريف القلم في اللوح، وقال شعبة: أردفه جبرائيل عليه السلام.

وقال قتادة في ذلك، ما حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) قال: نجا بصدقه.

------------------------

الهوامش:

(1) عبارة الدر المنثور للسيوطي : حتى كان بينه وبينه حجاب ، فلما رأى مكانه وسمع . . . إلخ

التدبر :

وقفة
[52] ﴿وَنَادَيْنَاهُ﴾ إثبات صفة الكلام لله تعالى.
وقفة
[52] ﴿وناديناه من جانبِ الطور الأيمنِ﴾، ﴿وواعدناكم جانبَ الطور الأيمنَ﴾ [طه: 80]، (الأيمن) نعت في كلتا الآيتين، في الأولى نعت للمجرور (جانبِ)، وفي الثانية نعت للظرف (جانبَ).
وقفة
[52] ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ أي الذي يلي يمين موسى، حين أقبل من مَدْين.
وقفة
[52] ﴿وَنادَيناهُ مِن جانِبِ الطّورِ الأَيمَنِ وَقَرَّبناهُ نَجِيًّا﴾ الآية تفيض بشرًا، نداء من الله، وقرب، ومناجاة، فاللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.
وقفة
[52] ﴿جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ أيمن موسى أو أيمن الجبل؟ المكان لا يمين له ولا شمال، فالمراد أنه يمين موسى لما أقبل ورأى الجبل.
وقفة
[52] ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ إذا رأيت شخصًا يكثر من الدعاء ومنجاة الله؛ فاعلم أنه قريب منه وأن مراده سيناله؛ لأن الله فتح له بابه.
وقفة
[52] ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ وأقرب ما تكون من ربك حين تناجيه وحدك.
وقفة
[52] ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ النداء اصطفاء، والمناجاة اصطفاء بعد اصطفاء! أي قربناه تقريب تشريف وتکريم عند مناجاته لنا، والمناجاة هي المساررة بالكلام، حيث أسمعناه كلامنا، واصطفيناه من الناس لحمل رسالتنا.

الإعراب :

  • ﴿ وَنادَيْناهُ:
  • الواو: عاطفة. نادى: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ مِنْ جانِبِ الطُّورِ:
  • جار ومجرور متعلق بنادى. الطور: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وهو جبل في طور سيناء. وقيل: كل جبل يسمى طورا.
  • ﴿ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ:
  • صفة-نعت-للطور مجرورة بالكسرة. وقربناه: معطوفة بالواو على «ناديناه» وتعرب إعرابها بمعنى: قربناه الينا.
  • ﴿ نَجِيًّا:
  • حال منصوب بالفتحة بمعنى «مناجيا إلينا». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ عز و جل على موسى عليه السلام، ووَصَفَه بالرسالةِ والنُّبوةِ؛ ذكرَ هنا نِعَمًا أخرى أنعمَ بها عليه، قال تعالى:
﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [53] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ ..

التفسير :

[53] ووهبنا لموسى مِن رحمتنا أخاه هارون نبيّاً يؤيده ويؤازره.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} هذا من أكبر فضائل موسى وإحسانه، ونصحه لأخيه هارون، أنه سأل ربه أن يشركه في أمره، وأن يجعله رسولا مثله، فاستجاب الله له ذلك، ووهب له من رحمته أخاه هارون نبيا. فنبوة هارون تابعة لنبوة موسى عليهما السلام، فساعده على أمره، وأعانه عليه.

وقوله- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا بيان لمظهر آخر من مظاهر فضل الله- تعالى- على عبده موسى.

أى: ووهبنا لموسى من أجل رحمتنا له. وعطفنا عليه. أخاه هارون ليكون عونا له في أداء رسالته كما قال- تعالى- حكاية عنه وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي....

وقوله: نَبِيًّا حال من هارون، أى حال كونه نبيا من أنبياء الله- عز وجل-.

هذا، وما ذكره الله- تعالى- هنا مجملا عن ندائه لموسى من جانب الطور الأيمن، قد جاء مفصلا في مواطن أخرى منها قوله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ...

ثم ساق- سبحانه- جانبا من فضائل إسماعيل- عليه السلام- وهو الفرع الثاني من ذرية إبراهيم، فقال- تعالى-:

وقوله : ( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) أي : وأجبنا سؤاله وشفاعته في أخيه ، فجعلناه نبيا ، كما قال في الآية الأخرى : ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون ) [ القصص : 34 ] ، وقال : ( قد أوتيت سؤلك يا موسى ) [ طه : 36 ] ، وقال : ( فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ) [ الشعراء : 13 ، 14 ] ; ولهذا قال بعض السلف : ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيا ، قال الله تعالى : ( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) .

قال ابن جرير : حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن عكرمة قال : قال ابن عباس : قوله : ( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) ، قال : كان هارون أكبر من موسى ، ولكن أراد : وهب له نبوته .

وقد ذكره ابن أبي حاتم معلقا ، عن يعقوب وهو ابن إبراهيم الدورقي ، به .

وقوله ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ ) يقول: ووهبنا لموسى رحمة منا أخاه هارون (نَبِيًّا) يقول أيَّدناه بنبوّته، وأعنَّاه بها.

كما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: قوله ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ) قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد وهب له نبوّته.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[53] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ حاجة الداعية دومًا إلى أنصار يساعدونه في دعوته.
وقفة
[53] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ المهمات العظيمة تتطلب قوة، والقوة قد يمدك الله بها عن طريق (أخ).
وقفة
[53] ﴿وَوَهَبنا لَهُ مِن رَحمَتِنا أَخاهُ هارونَ نَبِيًّا﴾ من رحمة الله بك أن يرزقك أخًا أو أختًا سمتهم كالأنبياء والصالحين.
وقفة
[53] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ فتأمل في قوله تعالى: (ﱍ)! الأخوة رحمة من رحمات الله، ومن رحمة الله قول النبي: «وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» [مسلم 249]، فهل ترانا نستحق أخوته عليه الصلاة والسلام، ثم نشتاق لرؤيته كما اشتاق لرؤيتنا بأبي هو وأمي؟!
وقفة
[53] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾، ﴿وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي﴾ [طه: 29]، الداعية بحاجة إلى أعوان يناصرونه.
وقفة
[53] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ إن قلتَ: هارون كان أكبر من موسى، فما معنى هبته له؟ قلتُ: معناه أن الله تعالى أنعم على موسى عليه السلام، بإجابتهِ دعوتَه فيه، حيثُ قال: ﴿وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي * هارونَ أخي﴾ [طه: 29، 30]، فمعنى هبته له: جعلَه عضدًا له وناصرًا ومعينًا.
وقفة
[53] ﴿أَخَاهُ هَارُونَ﴾ جاء في حديث الإسراء والمعراج أن النبي قال: «هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ». [البخاري 3393].

الإعراب :

  • ﴿ وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا:
  • أعربت في الآية الكريمة الخمسين بمعنى من أجل رحمتنا له أو بعض رحمتنا.
  • ﴿ أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا:
  • مفعول به لوهب أو بدل من «من» التبعيضية منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. هارون: عطف بيان للاسم «أخاه» منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف «التنوين» على العجمة والعلمية. نبيا: حال منصوب بالفتحة أو يكون منصوبا على التمييز. '

المتشابهات :

مريم: 50﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا
مريم: 53﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ من النعم التي أنعمَ اللهُ عز و جل بها على موسى عليه السلام؛ ذكرَ هنا أنه وهبه هارون عليه السلام عونًا له على تبليغ الرسالة، قال تعالى:
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [54] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ ..

التفسير :

[54] واذكر -أيها الرسول- في هذا القرآن خبر إسماعيل عليه السلام، إنه كان صادقاً في وعده فلم يَعِد شيئاً إلا وفَّى به، وكان رسولاً نبيّاً.

أي:واذكر في القرآن الكريم، هذا النبي العظيم، الذي خرج منه الشعب العربي، أفضل الشعوب وأجلها، الذي منهم سيد ولد آدم.

{ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} أي:لا يعد وعدا إلا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد، ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه [له] وقال:{ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وفى بذلك ومكن أباه من الذبح، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان، ثم وصفه بالرسالة والنبوة، التي [هي] أكبر منن الله على عبده، وأهلها من الطبقة العليا من الخلق.

أى: واذكر في هذا الكتاب لقومك- أيها الرسول الكريم- خبر جدك إسماعيل بن إبراهيم- عليهما السلام- لكي يتأسوا به في صفاته الجليل، إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ويكفى للدلالة على صدق وعده، وشدة وفائه، أنه وعد أباه بصير على ذبحه فلم يخلف وعده. بل قال- كما حكى القرآن عنه- يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.

ووصف بصدق الوعد وإن كان غيره من النبيين كذلك تشريفا وتكريما له، ولأن هذا الوصف من الأوصاف التي اكتملت شهرتها فيه.

وقد مدح الله- تعالى- الأوفياء بعهودهم في آيات كثيرة منها قوله- تعالى- وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ، أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.

وروى الإمام الطبراني عن ابن مسعود قال: لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «العدة دين» ...

وقال القرطبي: «والعرب تمتدح بالوفاء، وتذم بالخلف والغدر، وكذلك سائر الأمم، ولقد أحسن القائل:

متى ما يقل حر لصاحب حاجة نعم، يقضها، والحر للوعد ضامن وقوله- تعالى-: وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا أى: وكان من رسلنا الذين أرسلناهم لتبليغ شريعتنا، ومن أنبيائنا الذين رفعنا منزلتهم وأعلينا قدرهم.

قالوا: وكانت رسالته بشريعة أبيه إلى قبيلة جرهم من عرب اليمن، الذين نزلوا على أمه هاجر بوادي مكة حين خلفها إبراهيم هي وابنها بذلك الوادي، فسكنوا هناك حتى كبر إسماعيل وزوجوه منهم، وأرسله الله- تعالى- إليهم» .

هذا ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه ) كان صادق الوعد )

قال ابن جريج : لم يعد ربه عدة إلا أنجزها ، يعني : ما التزم قط عبادة بنذر إلا قام بها ، ووفاها حقها .

وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن سهل بن عقيل حدثه ، أن إسماعيل النبي ، عليه السلام ، وعد رجلا مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا . قال : إني نسيت . قال : لم أكن لأبرح حتى تأتيني . فلذلك ( كان صادق الوعد ) .

وقال سفيان الثوري : بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولا حتى جاءه .

وقال ابن شوذب : بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع سكنا .

وقد روى أبو داود في سننه ، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه " مكارم الأخلاق " من طريق إبراهيم بن طهمان ، عن عبد الله بن ميسرة ، عن عبد الكريم - يعني : ابن عبد الله بن شقيق - عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له علي بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، قال : فنسيت يومي والغد ، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك ، فقال لي : " يا فتى ، لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك " لفظ الخرائطي ، وساق آثارا حسنة في ذلك .

ورواه ابن منده أبو عبد الله في كتاب " معرفة الصحابة " ، بإسناده عن إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الكريم ، به .

وقال بعضهم : إنما قيل له : ( صادق الوعد ) ; لأنه قال لأبيه : ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [ الصافات : 102 ] ، فصدق في ذلك .

فصدق الوعد من الصفات الحميدة ، كما أن خلفه من الصفات الذميمة ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف : 2 ، 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان "

ولما كانت هذه صفات المنافقين ، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين ، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضا ، لا يعد أحدا شيئا إلا وفى له به ، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب ، فقال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي " . ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخليفة أبو بكر الصديق : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتني أنجز له ، فجاءه جابر بن عبد الله ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قال : " لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " ، يعني : ملء كفيه ، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابرا ، فغرف بيديه من المال ، ثم أمره بعده ، فإذا هو خمسمائة درهم ، فأعطاه مثليها معها

وقوله : ( وكان رسولا نبيا ) في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق ; لأنه إنما وصف بالنبوة فقط ، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة . وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل . . . " وذكر تمام الحديث ، فدل على صحة ما قلناه .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده، ولا يخلف، ولكنه كان إذا وعد ربه، أو عبدًا من عباده وعدًا وفّى به.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ) قال: لم يعد ربه عِدة إلا أنجزها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن سهل بن عقيل، حدثه أن إسماعيل عليه السلام وعد رجلا مكانا أن يأتيه، فجاء ونسي الرجل، فظلّ به إسماعيل، وبات حتى جاء الرجل من الغد، فقال: ما برحت من هاهنا؟ قال: لا قال: إني نسيت، قال: لم أكن لأبرح حتى تأتي، فبذلك كان صادقا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[54] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ کن إسماعيليًا؛ صادق الوعد لا تخلفه، دقيقًا في مواعيدك، لا تتأخر عنها.
وقفة
[54] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ يمنحنا الله من الذكر الحسن بقدر وفائنا بتعهداتنا والتزامنا بوعودنا.
وقفة
[54] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾ قال مجاهد: «لم يعد شيئًا إلا وفَّى به»، وقال مقاتل: «وعد رجلًا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد؛ حتى رجع إليه الرجل».
وقفة
[54] ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾كل الأنبياء كانوا صادقين في وعودهم، لكنه برز في إسماعيل عليه السلام، وظهر ذلك في موقفه من الذبح، كما قال عز وجل: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102]، ففي هذه الآية صدق الوعد برؤيا رآه غيره، وليست رؤيته هو، وهذا أمر أعظم من رؤيته بنفسه.
وقفة
[54] ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ صدق الوعد محمود، وهو من خلق النبيين والمرسلين، وضده وهو الخُلْف مذموم.
وقفة
[54] ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ إذا قطعت وعدًا؛ فليكن الوفاء من شيمك، وإلا لا تعد أبدًا، فليس أجمل من الإنسان الصادق.
عمل
[54] ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ لا تخلف وعدًا.
وقفة
[54] مدح الله إسماعيل: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾، قال هارون: «قلت لأحمد بن حنبل: كيف نعرف الكذابين؟» قال: «بمواعيدهم يعني بإخلافها».
وقفة
[54] مدح الله إسماعيل عليه السلام بمدحة غريبة فقال: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾، وهذا رأس الأخلاق في التعامل مع الناس, فمن التزم بصدق الوعد فقد برهن على صدق حديثه وسلامة قلبه وبعده عن النفاق, وإذا تأملت حياتنا عرفت أن صدق الوعد أعظم مدح.
عمل
[54] احرص على الصدق في أقوالك، وأفعالك، ومواعيدك، وعهودك؛ فذلك من أخلاق الأنبياء ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾.
وقفة
[54] ﴿إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا﴾ كونك صادق الوعد يظهر جليًا فى عظائم الأمور، وليس فى صغيرها فقط.
وقفة
[49-54] ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ لما كان اعتزال إبراهيم لقومه مشتركًا فيه مع سارة، ناسب أن يذكر هبتهما المشتركة وحفيدهما، ثم جاء ذكر إسماعيل مستقلًا، مع أن الله وهبه إياه قبل إسحاق ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ﴾.
وقفة
[54، 55] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ۞ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ فكمَّل نفسه، وكمَّل غيره، وخصوصًا أخص الناس عنده، وهم أهله؛ لأنهم أحق بدعوته من غيرهم.
وقفة
[54، 55] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ۞ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ من عظم شأن الصلاة نشر الله له الذكر الحسن.
وقفة
[54، 55] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾، وسرد الصفات الفاضلة على هذا الترتيب، يدلك على ما لصدق الوعد من مكانة.
وقفة
[54، 55] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ۞ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ انشغالك بالدعوة لا يبرر تقصيرك في تربية أهلك.

الإعراب :

  • ﴿ وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا
  • هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الحادية والخمسين. الوعد: مضاف إليه مجرور بالكسرة. '

المتشابهات :

مريم: 51﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا
مريم: 54﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [54] لما قبلها :     وبعد قصَّة موسى عليه السلام؛ تأتي هنا القصَّةُ الخامسةُ في هذه السورة: قصَّةُ إسماعيل عليه السلام، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [55] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ..

التفسير :

[55] وكان يأمر أهله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكان عند ربه عز وجل مرضيّاً عنه.

{ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} أي:كان مقيما لأمر الله على أهله، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم.{ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه، ارتضاه الله وجعله من خواص عباده وأوليائه المقربين، فرضي الله عنه، ورضي [هو] عن ربه.

ثم وصفه الله- تعالى- بصفة كريمة ثالثة فقال: وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ....

أى: وكان بجانب حرصه على أداء هاتين الفريضتين، يأمر أهله وأقرب الناس إليه بالحرص على أدائهما حتى يكون هو وأهله قدوة لغيرهم في العمل الصالح.

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعل ذلك الذي أثنى الله به على نبيه إسماعيل استجابة لقوله- تعالى-: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ...

قال الإمام ابن كثير: «وقد جاء في الحديث عن أبى هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء» .

وعن أبى سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» .

ثم ختم- سبحانه- هذه الصفات الجميلة التي مدح بها نبيه إسماعيل فقال: وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا.

أى: وكان إسماعيل عند ربه مرضى الخصال، لاستقامته في أقواله وأفعاله، وللصدق في وعده، ولأمره أهله بالصلاة والزكاة، ولا شك أن من جمع هذه المناقب كان ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه.

ثم ختم الله هذا الحديث عن بعض الأنبياء، بذكر جانب من قصة إدريس- عليه السلام- فقال:

وقوله : ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) : هذا أيضا من الثناء الجميل ، والصفة الحميدة ، والخلة السديدة ، حيث كان مثابرا على طاعة ربه آمرا بها لأهله ، كما قال تعالى لرسوله : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) [ طه : 132 ] ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد ) الآية التحريم : 6 أي : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر ، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة ، وقد جاء في الحديث ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ، وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ، وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء " أخرجه أبو داود ، وابن ماجه .

وعن أبي سعيد ، وأبي هريرة ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته ، فصليا ركعتين ، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات " . رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، واللفظ له .

يقول تعالى ذكره: ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ ) بـ إقامة (الصَّلاةِ و) إيتاء ( وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) عمله، محمودا فيما كلفه ربه، غير مقصر في طاعته.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾ مع أهمية الحوار والإقناع في بناء الأسرة إلا أنه لا قيام لأمر الله في الأسرة إلا بأمر ونهي، وصراحة وحزم وإلزام .
وقفة
[55] محمد ﷺ: ﴿قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين﴾ [الأحزاب: 59]، وإبراهيم ﷺ: ﴿قال إبراهيم لأبيه وقومه﴾ [الزخرف: 26]، وإسماعيل ﷺ: ﴿وكان يأمر أهله﴾؛ الداعية الناجح يبدأ بأهل بيته.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ﴾ ليس بينك وبين هذا الثناء الإلهي إلا كلماتٌ تقولها للأهلِ قبيلَ خروجِك للصَّلاةِ.
عمل
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ﴾ حافظ على صلاتك، فقد تكفل الله برزقك.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ﴾ الأمر بالشيء أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرًا بتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ﴾ حمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر واعتنى به حتى فاضت روحه، وكان آخر كلامه: الصلاة، الصلاة.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ﴾ السير الخالدة ليس كم مؤتمرًا حضرت، وبحثًا نشرت، وعضو هنا ورئيس هناك.
وقفة
[55] أمر المرء أهله بالصلاة والاصطبار عليها من أعظم مظان الرزق المبارك ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ﴾.
وقفة
[55] كان الصالحون ولا زالوا، يستعينون على أرزاقهم بإقامة وإتقان صلاتهم: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ﴾.
عمل
[55] من أعظم القواعد التربوية: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ﴾، تَـفـقّـد أهل بيتك وأبناءك.
عمل
[55] ﴿ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ﴾ لا تفوض هذه المهمة لأحد، وقد مدح الله بها الأنبياء.
وقفة
[55] ﴿وكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ كن دائما حريصًا على أن يتحلى أهلك بالفضائل.
وقفة
[55] قال تعالى عن نبيه إسماعيل: ﴿وكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ﴾، ومن هنا فالمجلس القرآني حقيقة هو الذي استطاع جلساؤه أن ينقلوا التجربة الإيمانية إلى داخل أسرهم؛ بتكوين مجالس أسرية للقرآن، يكون جلساؤها: الأطفال والملائكة، فأنعم به من مجلس مبارك إذن، وأنعم به من بيت طاهر، أفاض الله عليه بالنور والجمال.
عمل
[55] قال الله عن إسماعيل: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾؛ لا تتعب من أمر الأهل والأولاد بالصلاة؛ فالأنبياء على ذلك.
عمل
[55] تفقد أحوال الأهل والأقارب في صلاتهم وزكاتهم من صفات الأنبياء والصالحين ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾.
وقفة
[55] رحم ﷲ من وعظ نفسه وأهله فقال: «يا أهلي، صلاتكم صلاتكم، زكاتكم زكاتكم»، تأمل ثناء ﷲ على أحد عباده ﴿وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة﴾.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ أمر الأهل بشعائر الدين لا سيما الصلاة والزكاة من أسباب رضا الله عن العبد.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ رضي الله عنه لقيامه بواجب الأمر بالصلاة في بيته.
وقفة
[55] ﴿وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا﴾ ما خص الله ﷻ نبيه بهذه الصفة إلا لأهميتها.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ يرضى عنك ربك إذا أمرت بالصلاة والزكاة أهلك.
عمل
[55] مُر إخوانك وأهل بيتك بالصلاة والصدقة، وذكرهم بأدائها في وقتها ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾.
وقفة
[55] من كان له واعظ من نفسه كان له من الله حافظ، فرحم الله من وعظ نفسه وأهله فقال: يا أهلي صلاتكم صلاتكم، زكاتكم زكاتكم، مساكينكم مساكينكم، لعل الله أن يرحمكم يوم القيامة فإن الله عز وجل أثنى على عبد كان هذا عمله، فقال: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾.
وقفة
‏[55] كان دعاء الأب: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾؛ فجاء الابن: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾، الدعاء والقدوة، ما يراه أبناؤك من أولوياتك سيكون أول اهتماماتهم ولو بعد حين.
عمل
[55] مُر إخوانك وأهل بيتك بالصلاة والصدقة، وذكرهم بأدائها في وقتها, ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرْضِيًّا﴾.
وقفة
[55] ﴿وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ كل شخص اجتمعت به خصال الخير: الإخلاص، الاستقامة، التقوى، البر، الصدق، الأمانة، فاعلم أن الله راضٍ عنه.

الإعراب :

  • ﴿ وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ:
  • الواو عاطفة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «يأمر» فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أهله: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والجملة الفعلية يَأْمُرُ أَهْلَهُ» في محل نصب خبر كان.
  • ﴿ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ:
  • جار ومجرور متعلق بيأمر. والزكاة: معطوفة بالواو على «الصلاة» وتعرب إعرابها. وكان: أعربت.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بكان أو بخبرها وعلامة نصبه الفتحة. ربه: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل للغائب في محل جر بالاضافة. مرضيا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [55] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ عز و جل على إسماعيل عليه السلام؛ زاد هنا في وصفه والثناء عليه، فقال تعالى:
﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مرضيا:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مرضوا، مصححا، وهى قراءة ابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [56] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ ..

التفسير :

[56] واذكر -أيها الرسول- في هذا القرآن خبر إدريس عليه السلام، إنه كان عظيم الصدق في قوله وعمله، نبيّاً يوحى إليه.

أي:اذكر في الكتب على وجه التعظيم والإجلال، والوصف بصفات الكمال.{ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} جمع الله له بين الصديقية، الجامعة للتصديق التام، والعلم الكامل، واليقين الثابت، والعمل الصالح، وبين اصطفائه لوحيه، واختياره لرسالته.

قال الآلوسى ما ملخصه: «وإدريس هو نبي قبل نوح وبينهما ألف سنة وهو أخنوخ ابن يرد.. بن شيث بن آدم. وهو أول من نظر في النجوم والحساب، وأول رسول بعد آدم ... » .

أى: واذكر- أيضا- في الكتاب خبر إدريس- عليه السلام-. إنه كان ملازما للصدق، وكان ممن شرفناهم بالنبوة.

وهذا ذكر إدريس ، عليه السلام ، بالثناء عليه ، بأنه كان صديقا نبيا ، وأن الله رفعه مكانا عليا . وقد تقدم في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة .

وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا ، فقال : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعبا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله - عز وجل - لإدريس : ( ورفعناه مكانا عليا ) فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم ، فأحب أن يزداد عملا فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحى إلي كذا وكذا ، فكلم لي ملك الموت ، فليؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه ، حتى صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم ملك الموت منحدرا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ فقال : هو ذا على ظهري . قال ملك الموت : فالعجب! بعثت وقيل لي : اقبض روح إدريس في السماء الرابعة " . فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة ، وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك ،

يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد في كتابنا هذا إدريس ( إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا ) لا يقول الكذب، (نَبِيًّا) نوحي إليه من أمرنا ما نشاء.( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) يعني به إلى مكان ذي علوّ وارتفاع. وقال بعضهم: رُفع إلى السماء السادسة.وقال آخرون: الرابعة.

* ذكر الرواية بذلك: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال : أخبرني جرير بن حازم، عن سليمان الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر، فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال كعب: أما إدريس، فإن الله أوحى إليه: إني رافع لك كلّ يوم مثل عمل جميع بني آدم، فأحبّ أن تزداد عملا فأتاه خليل له من الملائكة، فقال: إن الله أوحى إليّ كذا وكذا، فكلم لي ملك الموت، فليؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه، ثم صعد به إلى السماء; فلما كان في السماء الرابعة، تلقاهم ملك الموت منحدرا، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال: وأين إدريس؟ فقال: هو ذا على ظهري، قال ملك الموت: فالعجب بعثت أقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ).

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[56] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ﴾ قال القاسمي: «وإدريس هو إلياس الآتي ذكره في سورة الصافات، ويسمى في التوراة: إيليا».
وقفة
[56] ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ قال القرطبي: «إدريس عليه السلام أول من خطَّ بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر في علم النجوم والحساب وسيرها، وسُمِّي إدريس لكثرة درسه لكتاب الله تعالى، وأنزل الله تعالى عليه ثلاثين صحيفة كما في حديث أبي ذر».

الإعراب :

  • ﴿ وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا
  • هذه الآية تعرب إعراب الآية الكريمة الحادية والخمسين. '

المتشابهات :

مريم: 41﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
مريم: 56﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [56] لما قبلها :     وبعد قصَّة إسماعيل عليه السلام؛ تأتي هنا القصَّةُ السادسةُ في هذه السورة: قصةُ إدريس عليه السلام، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [57] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا

التفسير :

[57] ورفَعْنا ذِكْره في العالمين، ومنزلته بين المقربين، فكان عالي الذكر، عالي المنزلة.

{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} أي:رفع الله ذكره في العالمين، ومنزلته بين المقربين، فكان عالي الذكر، عالي المنزلة.

وقوله: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قالوا: هو شرف النبوة والزلفى عند الله- تعالى- أو المراد برفعه إلى المكان العلى: إسكانه في الجنة، إذ لا شرف أعلى من ذلك..

وروى أن النابغة الجعدي لما أنشد قوله:

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة. قال: أجل إن شاء الله- تعالى-.

وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن طرف من قصص زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس- عليهم الصلاة والسلام- وقد وصفتهم بما هم أهله من صفات كريمة، ليتأسى الناس بهم في ذلك.

ثم تسوق السورة الكريمة بعد ذلك موازنة بين هؤلاء الأخيار، وبين من جاءوا بعدهم من أقوامهم الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وتفتح السورة باب التوبة ليدخله بصدق وإخلاص المخطئون، حتى يكفر الله- تعالى- عنهم ما فرط منهم. قال- تعالى-:

فذلك قول الله : ( ورفعناه مكانا عليا ) .

هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة ، والله أعلم .

وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن ابن عباس : أنه سأل كعبا ، فذكر نحو ما تقدم ، غير أنه قال لذلك الملك : هل لك أن تسأله - يعني : ملك الموت - كم بقي من أجلي لكي أزداد من العمل ، وذكر باقيه . وفيه : أنه لما سأله عما بقي من أجله ، قال : لا أدري حتى أنظر ، ثم نظر ، قال : إنك تسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين ، فنظر الملك تحت جناحه إلىإدريس ، فإذا هو قد قبض ، عليه السلام ، وهو لا يشعر به .

ثم رواه من وجه آخر عن ابن عباس : أن إدريس كان خياطا ، فكان لا يغرز إبرة إلا قال : " سبحان الله " ، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل عملا منه . وذكر بقيته كالذي قبله ، أو نحوه .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( ورفعناه مكانا عليا ) قال : إدريس رفع ولم يمت ، كما رفع عيسى .

وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : ( ورفعناه مكانا عليا ) قال : رفع إلى السماء الرابعة .

وقال العوفي عن ابن عباس : ( ورفعناه مكانا عليا ) قال : رفع إلى السماء السادسة فمات بها . وهكذا قال الضحاك بن مزاحم .

وقال الحسن ، وغيره ، في قوله : ( ورفعناه مكانا عليا ) قال : الجنة .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال: إدريس رُفع فلم يمت، كما رُفع عيسى.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: ولم يمت.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال: رفع إلى السماء السادسة، فمات فيها.

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) إدريس أدركه الموت في السماء السادسة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال: السماء الرابعة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدريّ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال: في السماء الرابعة.

حدثنا عليّ بن سهيل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره " شكّ أبو جعفر الرازي " قال: لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم صعد به جبريل إلى السماء الرابعة، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معه؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل، قال: هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبيّ الله حدث أنه لما عرج به إلى السماء قال: أتيت على إدريس في السماء الرابعة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[57] ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ إدريس سمي إدريس لكثرة دراسته لكتاب الله تعالى، واسمه أخنوخ، أرأيتم عظم مكانة أهل كتاب الله؟
وقفة
[57] قال الله عن النبي إدريس: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ ما الذي رفعه؟ إنه: كثرة ذكر الله, فحتي الأنبياء يتمايزون بذكر الله.

الإعراب :

  • ﴿ وَرَفَعْناهُ:
  • الواو عاطفة. رفع: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ضمير الواحد المطاع-مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب مفعول به. بمعنى: ورفعناه بالنبوة.
  • ﴿ مَكاناً عَلِيًّا:
  • تمييز منصوب بالفتحة. عليا: صفة-نعت-لعليا منصوب مثلها بالفتحة. بمعنى: شرف بالنبوة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [57] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ عز و جل على إدريس عليه السلام؛ زاد هنا في الثناء عليه، فقال تعالى:
﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [58] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم ..

التفسير :

[58] هؤلاء الذين قصصتُ عليك خبرهم أيها الرسول، هم الذين أنعم الله عليهم بفضله وتوفيقه، فجعلهم أنبياء مِن ذرية آدم، ومِن ذرية مَن حملنا مع نوح في السفينة، ومن ذرية إبراهيم، ومن ذرية يعقوب، وممَّن هدينا للإيمان واصطفينا للرسالة والنبُوَّة، إذا تتلى عليهم آي

لما ذكر هؤلاء الأنبياء المكرمين، وخواص المرسلين، وذكر فضائلهم ومراتبهم قال:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} أي:أنعم الله عليهم نعمة لا تلحق، ومنة لا تسبق، من النبوة والرسالة، وهم الذين أمرنا أن ندعو الله أن يهدينا صراط الذين أنعمت عليهم، وأن من أطاع الله، كان{ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الآية. وأن بعضهم{ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أي:من ذريته{ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} فهذه خير بيوت العالم، اصطفاهم الله، واختارهم، واجتباهم،. وكان حالهم عند تلاوة آيات الرحمن عليهم، المتضمنة للإخبار بالغيوب وصفات علام الغيوب، والإخبار باليوم الآخر، والوعد والوعيد.

{ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} أي:خضعوا لآيات الله، وخشعوا لها، وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة، ما أوجب لهم البكاء والإنابة، والسجود لربهم، ولم يكونوا من الذين إذا سمعوا آيات الله خروا عليها صما وعميانا.

وفي إضافة الآيات إلى اسمه{ الرحمن} دلالة على أن آياته، من رحمته بعباده وإحسانه إليهم حيث هداهم بها إلى الحق، وبصرهم من العمى، وأنقذهم من الضلالة، وعلمهم من الجهالة.

واسم الإشارة في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... يعود إلى الأنبياء المذكورين في هذه السورة. وهم عشرة أولهم في الذكر زكريا وآخرهم إدريس.

قال القرطبي: «قوله- تعالى- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ يريد إدريس وحده وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ يريد إبراهيم وحده وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب وَمن ذرية إِسْرائِيلَ يريد موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى فكان لإدريس ونوح شرف القرب من آدم، ولإبراهيم شرف القرب من نوح، ولإسماعيل وإسحاق ويعقوب، شرف القرب من إبراهيم» .

وقوله: وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا معطوف على قوله مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومن للتبعيض.

أى: ومن جملة من أنعم الله عليهم، أولئك الذين هديناهم إلى طريق الحق واجتبيناهم واخترناهم لحمل رسالتنا ووحينا.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد جمع لهؤلاء المنعم عليهم جملة من المزايا منها: أعمالهم الصالحة، ومناقبهم الحميدة التي سبق الحديث عنها، ومنها: كونهم من نسل هؤلاء المصطفين الأخيار، ومنها أنهم ممن هداهم الله- تعالى- واصطفاهم لحمل رسالته.

وقد بين- سبحانه- في سورة النساء من أنعم عليهم بصورة أكثر شمولا فقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً .

وقوله- تعالى-: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا بيان لرقة مشاعرهم، وشدة تأثرهم عند سماع آيات الله- تعالى-.

فالجملة الكريمة استئناف مسوق لبيان عظم خشيتهم من الله- تعالى- أو هي خبر لاسم الإشارة أُولئِكَ وسُجَّداً وَبُكِيًّا جمع ساجد وباك.

أى: أولئك الذين أنعم الله- تعالى- عليهم، من صفاتهم أنهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن، المتضمنة لتمجيده وتعظيمه وحججه.. خروا على جباههم ساجدين وباكين. وسقطوا خاضعين خاشعين خوفا ورجاء، وتعظيما وتمجيدا لله رب العالمين.

وجمع- سبحانه- بين السجود والبكاء بالنسبة لهم، للإشعار بأنهم مع تعظيمهم الشديد لمقام ربهم، فهم أصحاب قلوب رقيقة، وعواطف جياشة بالخوف من الله- تعالى-.

وفي معنى هذه الجملة الكريمة وردت آيات كثيرة، منه قوله- تعالى-: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً .

وقوله- سبحانه-: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ .

فهذه الآيات الكريمة تدل على أن من صفات المؤمنين الصادقين، أنهم يتأثرون تأثرا عظيما عند سماعهم لكلام الله- تعالى-، تأثرا يجعلهم يبكون ويسجدون وتقشعر جلودهم، وتوجل قلوبهم، وتلين نفوسهم.

قال ابن كثير- رحمه الله-: قوله- تعالى-: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا أى: إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا لربهم خضوعا واستكانة وشكرا على ما هم فيه من نعم.. فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم، واتباعا لمنوالهم وقرأ عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- هذه الآية فسجد وقال: هذا السجود فأين البكاء» .

يقول تعالى : هؤلاء النبيون . وليس المراد هؤلاء المذكورين في هذه السورة فقط ، بل جنس الأنبياء عليهم السلام ، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس - ( الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ) الآية .

قال السدي وابن جرير ، رحمه الله : فالذي عنى به من ذرية آدم : إدريس ، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح : إبراهيم والذي عنى به من ذرية إبراهيم : إسحاق ويعقوب وإسماعيل ، والذي عنى به من ذرية إسرائيل : موسى ، وهارون ، وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم .

قال ابن جرير : ولذلك فرق أنسابهم ، وإن كان يجمع جميعهم آدم ; لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة ، وهو إدريس ، فإنه جد نوح .

قلت : هذا هو الأظهر أن إدريس في عمود نسب نوح ، عليهما السلام . وقد قيل : إنه من أنبياء بني إسرائيل ، أخذا من حديث الإسراء ، حيث قال في سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم : " مرحبا بالنبي الصالح ، والأخ الصالح " ، ولم يقل : " والولد الصالح " ، كما قال آدم وإبراهيم ، عليهما السلام .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن محمد أن إدريس أقدم من نوح بعثه الله إلى قومه ، فأمرهم أن يقولوا : " لا إله إلا الله " ، ويعملوا ما شاءوا فأبوا ، فأهلكهم الله عز وجل .

ومما يؤيد أن المراد بهذه الآية جنس الأنبياء ، أنها كقوله تعالى في سورة الأنعام : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) إلى أن قال : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ) الأنعام [ : 83 - 90 ] وقال تعالى : ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) [ غافر : 78 ] . وفي صحيح البخاري ، عن مجاهد : أنه سأل ابن عباس : أفي " ص " سجدة ؟ قال : نعم ، ثم تلا هذه الآية : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ، فنبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم ، قال : وهو منهم ، يعني داود .

وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة : ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) أي : إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه ، سجدوا لربهم خضوعا واستكانة ، وحمدا وشكرا على ما هم فيه من النعم العظيمة .

" والبكي " : جمع باك ، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا ، اقتداء بهم ، واتباعا لمنوالهم

قال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر قال : قرأ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سورة مريم ، فسجد وقال : هذا السجود ، فأين البكي ؟ يريد البكاء .

رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وسقط من روايته ذكر " أبي معمر " فيما رأيت ، والله أعلم .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين اقتصصتُ عليك أنباءهم في هذه السورة يا محمد، الذين أنعم الله عليهم بتوفيقه، فهداهم لطريق الرشد من الأنبياء من ذريّة آدم، ومن ذرّية من حملنا مع نوح في الفُلك، ومن ذرّية إبراهيم خليل الرحمن، ومن ذرّية إسرائيل، وممن هدينا للإيمان بالله والعمل بطاعته واجتبينا: يقول: وممن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريم، ولذلك فرق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوح.

وقوله تعالى ذكره: ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ ) يقول إذا تتلى على هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين أدلة الله وحججه التي أنـزلها عليهم في كتبه، خروا لله سجدا، استكانة له وتذللا وخضوعا لأمره وانقيادا، (وَبُكِيًّا) يقول: خرّوا سجدا وهم باكون، والبُكِيّ: جمع باك، كما العُتِيّ جمع عات والجُثِيّ: جمع جاث، فجمع وهو فاعل على فعول، كما يجمع القاعد قعودا، والجالس جلوسا، وكان القياس أن يكون: وبُكوّا وعتوّا، ولكن كرهت الواو بعد الضمة فقلبت ياء، كما قيل في جمع دلو أدل. وفي جمع البهو أبه، وأصل ذلك أفعل أدلو وأبهو، فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد الضمة استثقالا وفي ذلك لغتان مستفيضتان، قد قرأ بكلّ واحدة علماء من القرّاء بالقرآن بكيا وعتوّا بالضم، وبكيا وعتيا بالكسر. وقد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه.

وقد حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قرأ عمر بن الخطاب سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكيّ؟ يريد: فأين البكاء.

التدبر :

اسقاط
[58] ﴿ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ﴾ قرأ عمر بن الخطاب سورة مريم فسجد عند هذه الآية، ثم قال: «هذا السجود، فأين البكاء؟».
لمسة
[58] ﴿وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ﴾ ذكر الله تعالى ذرية إبراهيم وإسرائيل مع أنه من ذرية إبراهيم؛ لكن ذرية إبراهيم أعمّ وفيها إسماعيل وذريته، فهي إذن أعمّ وأشمل من ذرية إسرائيل الذي هو سيدنا يعقوب عليهم جميعًا وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
تفاعل
[58] ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا﴾ قل الآن: «اللهم اجعلنا ممن هَديته واجتبيته».
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ﴾ فيه استحباب السجود والبكاء عند تلاوة القرآن العظيم.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ﴾ جاء بصفة الرحمن؛ إشارة إلى أن التكاليف الشرعية رحمة بهم، وسعادة لهم في الدارين.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ أرفع مقامات التدبر تدبر القلوب.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ مهما اختلفت صفات الصالحين، وتنوعت أديانهم، تجمعهم رابطة السجود للملك سبحانه.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ تأمل ربط بكائهم باسم الرحمن، خشعت قلوبهم وبكت عيونهم حين تذكروا رحمته بهم.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ ليس في رمضان فقط؛ بل هذا حالهم دائمًا.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ الخوف الحقيقي هو عندما تنصت إلى كلام الله، وترى أنك أنت المقصود، يا رب سامحنا فإنا مقصرون.
وقفة
[58] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ وفي إضافة الآيات إلى اسمه (الرحمن) دلالة على أن آياته من رحمته بعباده، وإحسانه إليهم؛ حيث هداهم بها إلى الحق، وبصرهم من العمى، وأنقذهم من الضلالة، وعلمهم من الجهالة.
وقفة
[58] قال ابن كثير: «قوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ أي: إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا لربهم خضوعًا واستكانة وشكرًا على ما هم فيه من نعم، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود ها هنا اقتداء بهم، واتباعًا لمنوالهم»
عمل
[58] ابك أو تباك عند قراءة القرآن؛ خصوصًا إذا كنت وحدك ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾.
وقفة
[58] ﴿خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ إذا كان ماء العين في الأرض حياة الزرع؛ فماء العين على الخد حياة القلب.
وقفة
[58، 59] ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ هذه بركة القرب من الوحي، ‏أما شؤم البعد عن الوحي فنتيجته: ‏﴿‌‏أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ الَّذِينَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هم الذين. والجملة الاسمية «هم الذين» في محل رفع خبر المبتدأ «أولئك».
  • ﴿ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. أنعم: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة. عليهم: جار ومجرور متعلق بأنعم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى.
  • ﴿ مِنَ النَّبِيِّينَ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «الذين» و «من» حرف جر بياني لأن جميع الأنبياء منعم عليهم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد ويجوز أن يكون خبر «أولئك» ما في حيز «اذا» من فعل الشرط‍ وجوابه وفي هذه الحالة تكون «الذين» في محل رفع بدلا أو صفة لأولئك.
  • ﴿ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ «أولئك» والاشارة في «أولئك» الى المذكورين في السورة من لدن زكريا إلى ادريس. و «من» تبعيضية لأن «إدريس» من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح. آدم: مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-للعلمية ولأنه بوزن «أفعل».
  • ﴿ وَمِمَّنْ حَمَلْنا:
  • الواو عاطفة. ممن: أصلها: من: حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. وقد حذف المجرور المقدر وهو «ذرية» وحل المضاف إليه «من» محله لأن المعنى: ومن ذرية من حملنا. حمل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «حملنا» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به والتقدير: وممن حملناهم أي نجيناهم مع نوح.
  • ﴿ مَعَ نُوحٍ:
  • ظرف مكان يدل على المصاحبة متعلق بحملنا وهو مضاف. نوح: مضاف إليه مجرور بالكسرة ولم يمنع من الصرف لأنه ثلاثي أوسطه ساكن.
  • ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ:
  • الواو: عاطفة. من ذرية ابراهيم: تعرب إعراب مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» ومنع «ابراهيم» من الصرف للعجمة والعلمية.
  • ﴿ وَإِسْرائِيلَ:
  • معطوفة بالواو على «ابراهيم» وتعرب إعرابها بمعنى: ومن ذرية اسرائيل أي يعقوب.
  • ﴿ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا:
  • تعرب إعراب وَمِمَّنْ حَمَلْنا».واجتبينا: معطوفة بالواو على «هدينا» وتعرب إعرابها بمعنى: وذرية من هدينا واخترنا للنبوة والكرامة.
  • ﴿ إِذا تُتْلى:
  • ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه متعلق بجوابه وهو أداة شرط‍ غير جازمة. تتلى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفعل مبني للمجهول. والجملة الفعلية «تتلى مع نائب الفاعل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ:
  • جار ومجرور متعلق بتتلى و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. آيات: نائب فاعل مرفوع بالضمة. الرحمن: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ خَرُّوا:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها بمعنى: سقطوا أو وقعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ سُجَّداً وَبُكِيًّا:
  • أي ساجدين وباكين. سجدا: حال منصوب بالفتحة وهو جمع ساجد. وبكيا: معطوفة بالواو على «سجدا» منصوبة مثلها لأن المعطوف منصوب مثله. وهي جمع باك. '

المتشابهات :

النساء: 69﴿وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
مريم: 58﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [58] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ عز و جل على كلِّ واحدِ ممن تقدم ذكرُه من الأنبياء العشرة بما يخصه من الثناء؛ جَمَعَهم هنا بصفةٍ واحدةٍ، وهي الإِنعامُ عليهم بالنُّبوةِ، قال تعالى:
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تتلى:
1- بالتاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة عبد الله، وأبى جعفر، وشيبة، وشبل بن عبادة، وأبى حيوة، وعبد الله بن أحمد العجلى، عن حمزة، وقتيبة، فى رواية، وورش، فى رواية النحاس، وابن ذكوان، فى رواية التغلبي.
وبكيا:
1- بضم الباء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، اتباعا لحركة الكاف، وهى قراءة عبد الله، ويحيى، والأعمش، وحمزة، والكسائي.

مدارسة الآية : [59] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا ..

التفسير :

[59] فأتى مِن بعد هؤلاء المنعَم عليهم أتباع سَوْء تركوا الصلاة كلها، أو فوتوا وقتها، أو تركوا أركانها وواجباتها، واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها، فسوف يلقون شرّاً وضلالاً وخيبة في جهنم.

لما ذكر تعالى هؤلاء الأنبياء المخلصون المتبعون لمراضي ربهم، المنيبون إليه، ذكر من أتى بعدهم، وبدلوا ما أمروا به، وأنه خلف من بعدهم خلف، رجعوا إلى الخلف والوراء، فأضاعوا الصلاة التي أمروا بالمحافظة عليها وإقامتها، فتهاونوا بها وضيعوها، وإذا ضيعوا الصلاة التي هي عماد الدين، وميزان الإيمان والإخلاص لرب العالمين، التي هي آكد الأعمال، وأفضل الخصال، كانوا لما سواها من دينهم أضيع، وله أرفض، والسبب الداعي لذلك، أنهم اتبعوا شهوات أنفسهم وإراداتها فصارت هممهم منصرفة إليها، مقدمة لها على حقوق الله،.فنشأ من ذلك التضييع لحقوقه، والإقبال على شهوات أنفسهم، مهما لاحت لهم، حصلوها، وعلى أي:وجه اتفقت تناولوها.{ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} أي:عذابا مضاعفا شديدا

ثم بين- سبحانه- ما حدث من الذين جاءوا بعد هؤلاء المنعم عليهم فقال: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.

ولفظ الخلف بسكون اللام- الأولاد، والواحد والجمع فيه سواء، وأكثر ما يطلق على الأشرار والطالحين، ومنه المثل السائر: «سكت ألفا ونطق خلفا» وقوله الشاعر:

ذهب الذين نعيش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب

والمراد بهذا اللفظ في الآية: اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين الذين جاءوا بعد أنبيائهم، ولكنهم خالفوا شريعتهم، وأهملوا ما أمروهم به وما نهوهم عنه.

أما لفظ «الخلف» بفتح اللام- فيطلق على البدل ولدا كان أو غير ولد وأكثر استعمالاته في المدح، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله..» .

والمعنى: فخلف من بعد أولئك الأخيار الذين أنعم الله عليهم، خلف سوء وشر، ومن الأدلة على سوئهم وفجورهم أنهم أَضاعُوا الصَّلاةَ بأن تركوها، أو لم يؤدوها على وجهها المشروع وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ التي جعلتهم ينهمكون في المعاصي، ويسارعون في اقتراف المنكرات.

وقوله فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا بيان لسوء عاقبتهم، أى: فسوف يلقى هؤلاء المضيعون للصلاة، المتبعون للشهوات، خسرانا وشرا في دنياهم وآخرتهم، بسبب ضلالهم وتنكبهم الصراط المستقيم.

فالمراد بالغىّ: الخسران والضلال. يقال: غوى فلان يغوى إذ ضل. والاسم الغواية.

وقيل: المراد بالغيّ هنا: واد في جهنم تستعيذ من حره أوديتها. وقيل: هو نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهلها.

لما ذكر تعالى حزب السعداء ، وهم الأنبياء ، عليهم السلام ، ومن اتبعهم ، من القائمين بحدود الله وأوامره ، المؤدين فرائض الله ، التاركين لزواجره - ذكر أنه ( خلف من بعدهم خلف ) أي : قرون أخر ، ( أضاعوا الصلاة ) - وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع ; لأنها عماد الدين وقوامه ، وخير أعمال العباد - وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فهؤلاء سيلقون غيا ، أي : خسارا يوم القيامة .

وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا ، فقال قائلون : المراد بإضاعتها تركها بالكلية ، قاله محمد بن كعب القرظي ، وابن زيد بن أسلم ، والسدي ، واختاره ابن جرير . ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد ، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة ، للحديث : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " ، والحديث الآخر : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " . وليس هذا محل بسط هذه المسألة .

وقال الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة في قوله : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) ، قال : إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركا كان كفرا .

وقال وكيع ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، والحسن بن سعد ، عن ابن مسعود أنه قيل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) و ( على صلاتهم دائمون ) و ( على صلاتهم يحافظون ) ؟ قال ابن مسعود : على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ؟ قال : ذاك الكفر .

وقال مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس ، فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهن الهلكة ، وإفراطهن : إضاعتهن عن وقتهن .

وقال الأوزاعي ، عن إبراهيم بن يزيد : أن عمر بن عبد العزيز قرأ : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ، ثم قال : لم تكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) قال : عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة ، وكذا روى ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وروى جابر الجعفي ، عن مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح : أنهم من هذه الأمة ، يعنون في آخر الزمان .

وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا الحسن الأشيب ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) ، قال : هم في هذه الأمة ، يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق ، لا يخافون الله في السماء ، ولا يستحيون الناس في الأرض .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة ، حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني : أن الوليد بن قيس حدثه ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون خلف بعد ستين سنة ، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غيا . ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم . ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ، ومنافق ، وفاجر " . قال بشير : قلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال : المؤمن مؤمن به ، والمنافق كافر به ، والفاجر يأكل به .

وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن ، المقرئ ، به

وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثني أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا عيسى بن يونس ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن مالك ، عن أبي الرجال ، أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة ، وتقول : لا تعطوا منه بربريا ولا بربرية ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هم الخلف الذين قال الله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) . هذا حديث غريب .

وقال أيضا : حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك ، حدثنا الوليد ، حدثنا حريز ، عن شيخ من أهل المدينة; أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : ( فخلف من بعدهم خلف ) الآية ، قال : هم أهل الغرب ، يملكون وهم شر من ملك .

وقال كعب الأحبار : والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل : شرابين للقهوات تراكين للصلوات ، لعابين بالكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للجمعات قال : ثم تلا هذه الآية : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

وقال الحسن البصري : عطلوا المساجد ، ولزموا الضيعات .

وقال أبو الأشهب العطاردي : أوحى الله - تعالى - إلى داود : يا داود ، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ; فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة ، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته علي أن أحرمه طاعتي .

وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا أبو السمح التميمي ، عن أبي قبيل ، أنه سمع عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أخاف على أمتي اثنتين : القرآن واللبن ، أما اللبن فيتبعون الريف ، ويتبعون الشهوات ويتركون الصلوات ، وأما القرآن فيتعلمه المنافقون ، فيجادلون به المؤمنين " .

ورواه عن حسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، حدثنا أبو قبيل ، عن عقبة ، به مرفوعا بنحوه تفرد به .

وقوله : ( فسوف يلقون غيا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فسوف يلقون غيا ) أي : خسرانا . وقال قتادة : شرا .

وقال سفيان الثوري ، وشعبة ، ومحمد بن إسحاق ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود : ( فسوف يلقون غيا ) قال : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم .

وقال الأعمش ، عن زياد ، عن أبي عياض في قوله : ( فسوف يلقون غيا ) قال : واد في جهنم من قيح ودم .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني عباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن زياد بن زيان ، حدثنا شرقي بن قطامي ، عن لقمان بن عامر الخزاعي قال : جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي فقلت : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ، ما بلغت قعرها خمسين خريفا ، ثم تنتهي إلى غي وآثام " . قال : قلت : وما غي وآثام ؟ قال : " بئران في أسفل جهنم ، يسيل فيهما صديد أهل النار ، وهما اللتان ذكر الله في كتابه : ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) وقوله في الفرقان : ( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) هذا حديث غريب ورفعه منكر .

يقول تعالى ذكره: فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبياء الذين أنعمت عليهم، ووصفت صفتهم في هذه السورة، خلْف سوء في الأرض أضاعوا الصلاة.

ثم اختلف أهل التأويل في صفة إضاعتهم الصلاة، فقال بعضهم: كانت إضاعتهموها تأخيرهم إياها عن مواقيتها ، وتضييعهم أوقاتها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن سعد الكندي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن موسى بن سليمان، عن القاسم بن مخيمرة، في قوله ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ) قال: إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركا كان كفرا.

حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: ثنا الفريابي، عن الأوزاعي، عن القاسم بن مخيمرة، نحوه.

حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثني الوليد بن مسلم، عن أبي عمرو، عن القاسم بن مخيمرة، قال: أضاعوا المواقيت، ولو تركوها لصاروا بتركها كفارا.

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن القاسم، نحوه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى، عن الأوزاعي، عن إبراهيم بن يزيد، أن عمر بن عبد العزيز بعث رجلا إلى مصر لأمر أعجله للمسلمين، فخرج إلى حرسه، وقد كان تقدم إليهم أن لا يقوموا إذا رأوه، قال: فأوسعوا له، فجلس بينهم فقال: أيكم يعرف الرجل الذي بعثناه إلى مصر؟ فقالوا: كلنا نعرفه، قال: فليقم أحدثكم سنا، فليدعه، فأتاه الرسول فقال: لا تعجلني أشدّ عليّ ثيابي، فأتاه فقال: إن اليوم الجمعة، فلا تبرحن حتى تصلي، وإنا بعثناك في أمر أعجله للمسلمين، فلا يعجلنك ما بعثناك له أن تؤخر الصلاة عن ميقاتها، فإنك مصليها لا محالة، ثم قرأ ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) ثم قال: لم يكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا الوقت.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، والحسن بن مسعود، عن ابن مسعود، أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ و عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ و عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ فقال ابن مسعود رضي الله عنه: على مواقيتها ، قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذاك الكفر.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عمر أبو حفص الأبار، عن منصور بن المعتمر، قال: قال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس، فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهنّ الهلكة، وإفراطهنّ: إضاعتهنّ عن وقتهنّ.

وقال آخرون: بل كانت إضاعتهموها: تركها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن القرظي، أنه قال في هذه الآية ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ) يقول: تركوا الصلاة.

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية، قول من قال: إضاعتهموها تركهم إياها لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك، وذلك قوله جلّ ثناؤه إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن، وهم مؤمنون ولكنهم كانوا كفارا لا يصلون لله، ولا يؤدّون له فريضة فسقة قد آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله، وقد قيل: إن الذين وصفهم الله بهذه الصفة قوم من هذه الأمة يكونون في آخر الزمان.

حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينـزو بعضهم على بعض في الأزقة. قال محمد بن عمرو : زنا. وقال الحارث: زناة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريح، عن مجاهد مثله، وقال: زنا كما قال ابن عمرو.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزه، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد وعطاء بن أبي رباح ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ).... الآية، قال: هم أمة محمد.

وحدثني الحارث، قال: ثنا الأشيب، قال : ثنا شريك، عن أبي تميم بن مهاجر في قول الله: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ) قال: هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق، لا يخافون الله في السماء، ولا يستحيون الناس في الأرض.

وأما قوله ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) فإنه يعني أن هؤلاء الخلْف الذين خلفوا بعد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين سيدخلون غيا، وهو اسم واد من أودية جهنم، أو اسم بئر من آبارها.

كما حدثني عباس بن أبي طالب، قال: ثنا محمد بن زياد بن رزان (2) قال: ثنا شرقي بن قطامي، عن لقمان بن عامر الخزاعي، قال: جئت أبا أمامة صديّ بن عجلان الباهلي، فقلت: حدِّثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فدعا بطعام، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أنَّ صَخْرَةً زنَةَ عَشْرِ أوَاقٍ قُذِفَ بِها من شَفيرِ جَهَنَّمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها خَمْسِينَ خَرِيفا، ثُمَّ تَنْتَهي إلى غَيٍّ وأثامٍ ، قال: قُلْتُ وَما غَيّ ومَا أثامٌ؟ قالَ: بِئْرَانِ في أسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِما صَدِيدُ أهْلِ النَّارِ، وَهُما اللَّتانِ ذَكَرَ اللهُ في كِتابِهِ( أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) ، وقوله في الفرقان وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا .

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عمرو بن عاصم، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: واديا في جهنم.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: واديا في النار.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر.

حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه، في قوله ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: الغيّ: نهر جهنم في النار، يعذّب فيه الذين اتبعوا الشهوات.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه، في قوله ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: الغيّ: نهر جهنم في النار، يعذّب فيه الذين اتبعوا الشهوات.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله ( أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: نهر في النار يقذف فيه الذين اتبعوا الشهوات.

وقال آخرون: بل عنى بالغيّ في هذا الموضع: الخسران.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) يقول: خسرانا.

وقال آخرون: بل عنى به الشرّ.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال: الغيّ: الشرّ.

ومنه قول الشاعر:

فَمَـنْ يَلْـقَ خَـيْرًا يَحْـمَد النَّاس أمْرَهُ

وَمَـنْ يَغْـوَ لا يَعْـدَمْ على الغَيّ لائما (3)

قال أبو جعفر: وكلّ هذه الأقوال متقاربات المعاني، وذلك أن من ورد البئرين اللتين ذكرهما النبيّ صلى الله عليه وسلم، والوادي الذي ذكره ابن مسعود في جهنم، فدخل ذلك، فقد لاقى خسرانا وشرّا، حسبه به شرّا.

------------------------

الهوامش:

(2) ذكر صاحب تاج العروس : الحافظ أبا بكر : محمد بن علي بن عاصم بن رازان ، بسند أصبهان المعروف بابن المقري ، بألف بعد الراء فلعل " رزان " هنا محرف عن " رازان " .

(3) البيت للمرقش الأصغر : ربيعة بن سليمان بن سعد بن مالك ضييعة بن قيس بن ثعلبة ، وهو ابن أخي المرقش الأكبر ، وعم طرفة بن العبد ( المفضليات ، طبع القاهرة ص 118 ) . وفي ( اللسان : غوى ) قال : الغي : الضلال والخيبة . غوى ( بالفتح ) غيا ، وغوى ( بالكسر ) غواية . الأخيرة عن أبي عبيد : ضل . ورجل غاو ، وغو ، وغوى ، وغيان : ضال . وأغواه هو . وأنشد للمرقش : " فمن يلق . . . . البيت " .

التدبر :

وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين، وقوامه، وخير أعمال العباد.
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ (خَلْفٌ) إذا جاءت بسكون اللام تعني الأشرار، والدليل إضاعتهم للصلوات، وإذا جاءت بفتح اللام (خلَف) فهي تعني الأخيار، كما يقولون: (خير خلَف لخير سلف).
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ قال ابن تيمية: «القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها».
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ لا تَغْلِب الشهوات إلا مع إضاعة الصلوات.
اسقاط
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ﴾ عندما تتوغل في الشهوات؛ فاعلم أنك قد أضعت الصلاة.
وقفة
[59] أكثر الناس صلاةً أشدهم ضبطًا لشهواته، ولا تَغْلِب الشهوات إلا مع إضاعة الصلوات ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾.
عمل
[59] إذا ابتليت بالشهوات فاعلم أن الخلل في الصلوات، أما سمعت قول الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾.
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ اتبعوها: أرادوها وصارت هي همهم، وانقادوا لها وصاروا مطيعين لها، فلذلك قال: ﴿وَاتَّبَعُوا﴾، ولم يقل: (تناولوا وأكلوا) ونحو ذلك؛ لهذا المعنى فهل يعي هذا من قلبوا أفراح الأعياد إلى انكباب على الشهوات؟!
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ سألوا ابن مسعود عن إضاعتها فقال: «هو تأخيرها حتى يخرج وقتها»، فقالوا: «ما كنا نرى ذلك إلا تركها»، فقال: «لو تركوها لكانوا كفارًا».
عمل
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا﴾ إذا هانت عليك صلاتك فما الذي يعزُ عليك؟! وكيف تطلب من الله التوفيق وأنت لـحقه مضيع؟! احرص على صلاتك فى أوقاتها وواجباتها وأركانها وخشوعها وخضوعها.
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا﴾ تحذير قوى وواضح وشديد اللهجة، فهل من متعظ؟!
وقفة
[59] ﴿فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا﴾ تتناسب إضاعة الصلوات مع اتباع الشهوات تناسبًا طرديًا.
عمل
[59] تعاهد صلاتك بين الفينة والأخرى، وتفقد حالك معها؛ فإن إضاعتها إضاعة للدين بأكمله ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.
وقفة
[59] لا يُضيّع الصلوات إلا غارق في الشهوات، وبمقدار زيادة الشهوات تنقص الصلوات ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.
وقفة
[59] الصلاة تبعث على الهدوء النفسي والطمأنينة وحرز من الشهوات ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.
عمل
[59] إذا رأيت في نفسك تكاسُلًا وتهاونًا في أمر الصلاة فأدّبها بهذه الآية: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.
وقفة
[59] من أقامها عوفي من المنكرات: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ [العنكبوت: 45]، ومن أضاعها تمكّنت منه الشهوات: ﴿خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات﴾.
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ ليس كثرة التخلف عن الصلاة مسألة نوم أو انشغال، بل هي قلة توفيق من الله بسبب هوان العبد على ربه!
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ الآية الكريمة فيها حقيقتان: علاج الشهوات في حفظ الصلوات, لا تجد متبعًا للشهوات إلا وهو مضيع للصلوات.
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ إذا أجدبت الصلاة اخضرت الشهوات.
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ البيت إن اختفى ركنه الأساسي فإن السقوط مصيره، والإنسان إن اختفى ركن الإيمان في نفسه فمصيره السقوط.
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ إذا ضيع المرء صلاته تخطفته الشهوات، وإضاعتها: التفريط في واجباتها وإن كان يصليها.
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ إذا قمت لله ٥ مرات في الوقت المطلوب بطهارة جسد وخشوع قلب وسكينة جوارح وحضور عقل لا تتطرق لك الشهوات بإذن الله.
وقفة
[59] ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ (أضاع) فيه دلالة الإهمال وعدم الأهمية، (اتبع) فيه دلالة الحرص والسعي بشغف، فهم أهملوا في جنب الله، وحرصوا على معصية الله ﴿فسوف يلقون غيّا﴾، نسأل الله العافية.
لمسة
[59] عُبَّر عن هذا الجزاء بالمضارع: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ﴾ ليدل على أن لقاءهم الغيّ متكرر في أزمنة المستقبل لكل من أضاع الصلاة وفرّط بها واتّبع شهوته، فهو عُرضةٌ للغيّ والخسارة، وفي هذا مبالغة في وعيدهم وتحذيرهم من الإصرار على ذلك.
وقفة
[59] ﴿تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا﴾ [63]، فمن شاء الوراثة فالطريق معروف: التوبة والإيمان والعمل الصالح، أما وراثة النسب فلا تجدي، فقد ورث قوم نسب أولئك الأتقياء من النبيين وممن هدى الله واجتبى; ولكنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات؛ فلم تنفعهم وراثة النسب ﴿فسوف يلقون غيا﴾.
تفاعل
[59] ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[59، 60] ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ۞ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ لو كان مضيع الصلاة مؤمنًا لم يشترط في توبته الإيمان، فإنه يكون تحصيلًا للحاصل.

الإعراب :

  • ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ:
  • الفاء: استئنافية. خلف: فعل ماض مبني على الفتح. من بعد: جار ومجرور متعلق بخلف و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. خلف: فاعل مرفوع بالضمة. بمعنى فعقبهم عقب سوء.
  • ﴿ أَضاعُوا الصَّلاةَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع صفة-نعت-لخلف. أضاعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الصلاة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَاتَّبَعُوا الشَّهَااتِ:
  • معطوفة بالواو على أَضاعُوا الصَّلاةَ» وتعرب إعرابها وعلامة نصب «الشهوات» الكسرة بدلا من الفتحة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا:
  • الفاء استئنافية. سوف: حرف تسويف-استقبال- يلقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. غيا: أي شرا: مفعول به منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون بمعنى «جزاء غي» وقيل: غي: اسم واد في جهنم تستعيذ منه أوديتها. '

المتشابهات :

الأعراف: 169﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ
مريم: 59﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [59] لما قبلها :     وبعد أن أثنى اللهُ عز و جل على هؤلاءِ الأَنبياء بهذهِ الأوصَافِ؛ تَرغِيبًا لِغَيرِهِم فِي الاقْتِدَاءِ بهمْ وَسُلوكِ طَرِيقَتِهِم؛ ذَكَرَ هنا أضْدَادَهُم؛ تَنفِيرًا للنَّاسِ عن طَرِيقَتِهِم، قال تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يلقون:
وقرئ:
بضم الياء وفتح اللام وشد القاف، فيما حكى الأخفش.

مدارسة الآية : [60] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ ..

التفسير :

[60] لكن مَن تاب منهم مِن ذنبه وآمن بربه وعمل صالحاً تصديقاً لتوبته، فأولئك يقبل الله توبتهم، ويدخلون الجنة مع المؤمنين، ولا يُنقَصون شيئاً من أعمالهم الصالحة.

ثم استثنى تعالى فقال:{ إِلَّا مَنْ تَابَ} عن الشرك والبدع والمعاصي، فأقلع عنها وندم عليها، وعزم عزما جازما أن لا يعاودها،{ وَآمَنَ} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر،{ وَعَمِلَ صَالِحًا} وهو العمل الذي شرعه الله على ألسنة رسله، إذا قصد به وجهه،{ فَأُولَئِكَ} الذي جمعوا بين التوبة والإيمان، والعمل الصالح،{ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} المشتملة على النعيم المقيم، والعيش السليم، وجوار الرب الكريم،{ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} من أعمالهم، بل يجدونها كاملة، موفرة أجورها، مضاعفا عددها.

ثم فتح- سبحانه- للتائبين باب الرحمة فقال: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً....

أى: هذا العقاب الشديد للمضيعين للصلاة، وللمتبعين للشهوات، لكن من تاب منهم توبة نصوحا، وآمن بالله- تعالى- حق الإيمان، وعمل في دنياه الأعمال الصالحة.

فَأُولئِكَ المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بفضله- تعالى- ورحمته وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً أى: ولا ينقصون من أجور أعمالهم شيئا.

وقوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) ، أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ، ويحسن عاقبته ، ويجعله من ورثة جنة النعيم; ولهذا قال : ( فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ) وذلك; لأن التوبة تجب ما قبلها ، وفي الحديث الآخر : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ; ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها; لأن ذلك ذهب هدرا وترك نسيا ، وذهب مجانا ، من كرم الكريم ، وحلم الحليم .

وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) [ الفرقان : 68 - 70 ]

يقول تعالى ذكره: فسوف يلقى هؤلاء الخلف السوء الذين وصف صفتهم غيا، إلا الذين تابوا فراجعوا أمر الله، والإيمان به وبرسوله ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) يقول: وأطاع الله فيما أمره ونهاه عنه، وأدّى فرائضه، واجتنب محارمه من هلك منهم على كفره ، وإضاعته الصلاة واتباعه الشهوات. وقوله: ( وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) يقول: ولا يُبْخَسون من جزاء أعمالهم شيئا، ولا يجمع بينهم وبين الذين هلكوا من الخلف السوء منهم قبل توبتهم من ضلالهم، وقبل إنابتهم إلى طاعة ربهم في جهنم، ولكنهم يدخلون مدخل أهل الإيمان.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[60] ﴿إلاّ من تابَ﴾، ﴿ثم تَابُوا من بعدها﴾ [الأعراف: 153]، ﴿التّائبون﴾ [التوبة: 112] أن تنهضَ، أن تقفَ مرّةً أخرى، أن تستمرَّ وتُحاول، ألا تفقدَ الأمل.
وقفة
[60] ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ التوبة عمل صالح يمحو عملًا سيئًا، وهي تبديل الحركات المذمومة بأخرى محمودة، ويا حبذا لو كانت من نفس جنس المعصية، فتوبة اللسان من الكذب بالتكلم بالصدق وكثرة الذكر، وتوبة العين من النظرة الحرام بالنظر في المصحف وغض البصر عن الآثام، وهكذا.
عمل
[60] ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ تذكر ذنبًا فعلته، وألح على الله بالاستغفار والتوبة منه.
تفاعل
[60] ﴿فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ سَل الله الجنة الآن.

الإعراب :

  • ﴿ إِلاّ مَنْ تابَ:
  • إلاّ: أداة استثناء. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلاّ. تاب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «تاب» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً:
  • الجملتان معطوفتان بواوي العطف على «تاب» وتعربان إعرابهما. صالحا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَأُولئِكَ:
  • الفاء: رابطة لجواب شرط‍ لأن «من» متضمنة معنى الشرط‍.أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب.
  • ﴿ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر المبتدأ «أولئك». يدخلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الجنة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً:
  • الواو عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يظلمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. شيئا: تمييز منصوب بالفتحة أو نائب عن المفعول المطلق -المصدر-بتقدير: لا يظلمون شيئا من الظلم. '

المتشابهات :

الفرقان: 70﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
مريم: 60﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
طه: 82﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّـ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ
القصص: 67﴿فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     وبعد أن توعدَ اللهُ عز و جل هؤلاء الخَلَف الذين أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات؛ استثنى من هذا الوعيد: من تاب وآمن وعمل صالحًا، ثم وعدهم بالجنة، قال تعالى:
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يدخلون:
وقرئ:
1- يدخلون، مبنيا للفاعل، وهى قراءة الحسن.
2- سيدخلون، بسين الاستقبال، مبنيا للفاعل، وهى قراءة ابن غزوان، عن طلحة.

مدارسة الآية : [61] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ ..

التفسير :

[61] جنات خُلْدٍ وإقامة دائمة، وهي التي وعد الرحمن بها عباده بالغيب فآمَنوا بها ولم يروها، إن وعد الله لعباده بهذه الجنة آتٍ لا محالة.

ثم ذكر أن الجنة التي وعدهم بدخلولها، ليست كسائر الجنات، وإنما هي جنات عدن، أي:جنات إقامة، لا ظعن فيها، ولا حول ولا زوال، وذلك لسعتها، وكثرة ما فيها من الخيرات والسرور، والبهجة والحبور.

{ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} أي:التي وعدها الرحمن، أضافها إلى اسمه{ الرَّحْمَنُ} لأن فيها من الرحمة والإحسان، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب [بشر]. وسماها تعالى رحمته، فقال:{ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وأيضا ففي إضافتها إلى رحمته، ما يدل على استمرار سرورها، وأنها باقية ببقاء رحمته، التي هي أثرها وموجبها، والعباد في هذه الآية، المراد:عباد إلهيته، الذين عبدوه، والتزموا شرائعه، فصارت العبودية وصفا لهم كقوله:{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} ونحوه، بخلاف عباده المماليك فقط، الذين لم يعبدوه، فهؤلاء وإن كانوا عبيدا لربوبيته، لأنه خلقهم ورزقهم، ودبرهم، فليسوا داخلين في عبيد إلهيته العبودية الاختيارية، التي يمدح صاحبها، وإنما عبوديتهم عبودية اضطرار، لا مدح لهم فيها.

وقوله:{ بِالْغَيْبِ} يحتمل أن تكون متعلقه ب{ وَعَدَ الرَّحْمَنُ} فيكون المعنى على هذا، أن الله وعدهم إياها وعدا غائبا، لم يشاهدوه ولم يروه فآمنوا بها، وصدقوا غيبها، وسعوا لها سعيها، مع أنهم لم يروها، فكيف لو رأوها، لكانوا أشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، وأكثر لها سعيا، ويكون في هذا، مدح له بإيمانهم بالغيب، الذي هو الإيمان النافع. ويحتمل أن تكون متعلقة بعباده، أي:الذين عبدوه في حال غيبهم وعدم رؤيتهم إياه، فهذه عبادتهم ولم يروه، فلو رأوه، لكانوا أشد له عبادة، وأعظم إنابة، وأكثر حبا، وأجل شوقا، ويحتمل أيضا، أن المعنى:هذه الجنات التي وعدها الرحمن عباده، من الأمور التي لا تدركها الأوصاف، ولا يعلمها أحد إلا الله، ففيه من التشويق لها، والوصف المجمل، ما يهيج النفوس، ويزعج الساكن إلى طلبها، فيكون هذا مثل قوله:{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والمعاني كلها صحيحة ثابتة، ولكن الاحتمال الأول أولى، بدليل قوله:{ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} لابد من وقوعه، فإنه لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين.

وقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ. بدل من الجنة في قوله فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.

أى: هؤلاء التائبون المؤمنون العاملون للصالحات يدخلهم الله- تعالى- جنات عدن، أى: الجنات الدائمة التي وعدهم الرحمن بدخولها، وكان هذا الوعد في الدنيا قبل أن يشاهدوها أو يروها.

فقوله: بِالْغَيْبِ حال من المفعول وهو عِبادَهُ أى: وعدهم بها حالة كونهم غائبين عنها، لا يرونها، وإنما آمنوا بوجودها بمجرد إخباره- سبحانه- لهم بذلك.

وقد أكد- سبحانه- هذا الوعد لهم في الدنيا بقوله: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أى: إنه- تعالى- كان وما زال ما وعد به عباده وهو الجنة مَأْتِيًّا أى: يأتيه ويصل إليه من وعده الله- تعالى- به، لأنه- سبحانه- لا يخلف وعده.

فقوله: مَأْتِيًّا اسم مفعول من أتاه الشيء بمعنى جاءه، وقيل: هو اسم مفعول بمعنى فاعل، أى: إن وعده- سبحانه- لعباده كان آتيا لا ريب فيه.

يقول تعالى : الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم ، هي ) جنات عدن ) أي : إقامة ) التي وعد الرحمن عباده ) بظهر الغيب ، أي : هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه; وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم .

وقوله : ( إنه كان وعده مأتيا ) تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره; فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله ، كقوله : ( كان وعده مفعولا ) [ المزمل : 18 ] أي : كائنا لا محالة .

وقوله هاهنا : ( مأتيا ) أي : العباد صائرون إليه ، وسيأتونه .

ومنهم من قال : ( مأتيا ) بمعنى : آتيا; لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، كما تقول العرب : أتت علي خمسون سنة ، وأتيت على خمسين سنة ، كلاهما بمعنى واحد

يقول تعالى ذكره: فأولئك يدخلون الجنة ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) وقوله: (جنات عدن) نصب ترجمة عن الجنة. ويعني بقوله ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) بساتين إقامة. وقد بينت ذلك فيما مضى قبل بشواهده المغنية عن إعادته.

وقوله ( الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ) يقول: هذه الجنات هي الجنات التي وعد الرحمن عباده المؤمنين أن يدخلوها بالغيب، لأنهم لم يروها ولم يعاينوها، فهي غيب لهم. وقوله ( إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) يقول تعالى ذكره: إن الله كان وعده، ووعده في هذا الموضع موعوده، وهو الجنة مأتيا يأتيه أولياؤه وأهل طاعته الذين يدخلهموها الله. وقال بعض نحويي الكوفة: خرج الخبر على أن الوعد هو المأتيّ، ومعناه: أنه هو الذي يأتي، ولم يقل: وكان وعده آتيا، لأن كلّ ما أتاك فأنت تأتيه، وقال: ألا ترى أنك تقول : أتيت على خمسين سنة، وأتت عليّ خمسون سنة، وكلّ ذلك صواب، وقد بيَّنت القول فيه، والهاء في قوله (إنَّهُ) من ذكر الرحمن.

التدبر :

وقفة
[61] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ عظماء! يصدقون ربهم ولم يروه، ولم يروا ما وعدهم، لا يجعلون عقولهم تثرثر بحضرة وعود الجبار.
وقفة
[61] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ أضافها إلى اسمه (الرحمن) لأنها فيها من الرحمة والإحسان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأيضًا ففي إضافتها إلى رحمته ما يدل على استمرار سرورها، وأنها باقية بقاء رحمته التي هي أثرها وموجبها.
وقفة
[61] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ الجنة غيب لم نره، لكننا نعمل لها بمقدار قوة يقيننا في موعود الله.
تفاعل
[61] ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ سَل الله الجنة الآن.
لمسة
[61] وصف الجنة بقوله: ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ لزيادة تشريفها وتحسينها، وأنت تفتخر بما وعدك به من هو فوقك، لأنه وعدٌ ممن تحترمه وتجلّه، فكيف إذا كان الوعد من الله العليّ الكبير؟
وقفة
[61] ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ الله لا يخلف وعده أبدًا ومن أصدق منه حديثًا؟ إن وعد أن يبدل السيئات حسنات فسيفعل، إخلاف الوعود تجده منا نحن!
لمسة
[61] ﴿مَأْتِيًّا﴾ وليس: (آتيًا) يُقصد بالوعد جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بها، والجنّات تؤُتى ولا تأتي، فهي مأتية وليست آتية.

الإعراب :

  • ﴿ جَنّاتِ عَدْنٍ:
  • بدل من المبدل منه «الجنة» الواردة في الآية الكريمة السابقة منصوبة مثلها وعلامة نصبها الكسرة بدلا من الفتحة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم وهي مضاف. عدن: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وقد أبدلت جَنّاتِ» عَدْنٍ» من الجنة لأنها-أي الجنة» تشتمل على جنات عدن. ولكي يجوز الابدال اعتبرت «عدن» معرفة علما بمعنى «العدن» وهو الاقامة أو هي علم الأرض الجنة لكونها مكان إقامة واستقرار.
  • ﴿ الَّتِي:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة-نعت-للجنات- لجنات عدن-والجملة بعده صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. الرحمن: أي الله سبحانه: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عباده: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة بمعنى فآمنوا بها ولم يروها.
  • ﴿ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ:
  • جار ومجرور متعلق بوعد أي لم يروها بأعينهم. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم «إن» والجملة الفعلية بعده: في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا:
  • فعل ماض ناقص مبني على الفتح. وعده: اسم «كان» مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. مأتيا: إي منالا لا شك فيه. خبر «كان» منصوب بالفتحة ويجوز أن تكون «مأتيا» بمعنى «آتيا» أي انها مفعول بمعنى «فاعل» ولكن الأصوب أن الوعد هو الجنة يأتونها. أو بمعنى: كان وعده مفعولا منجزا. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [61] لما قبلها :     ولَمَّا وَعَدَ اللهُ عز و جل من تاب وآمن وعمل صالحًا بالجنة؛ ذكرَ هنا ما أعده لهم من النعيم الدائم، ثم بَيَّنَ أن وعده آتٍ لا محالة، قال تعالى:
﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

جنات:
1- جنات، نصبا جمعا، بدل من «الجنة» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- جنات، رفعا جمعا، وهى قراءة الحسن، وأبى حيوة، وعيسى بن عمر، والأعمش، وأحمد بن موسى، عن أبى عمرو.
3- جنة عدن، نصبا مفردا، وهى قراءة الحسن بن حى، وعلى بن صالح، ورويت عن الأعمش، وهى كذلك فى مصحف عبد الله.
4- جنة، رفعا مفردا، وهى قراءة اليماني، والحسن، وإسحاق بن يوسف الأزرق، عن حمزة.

مدارسة الآية : [62] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا ..

التفسير :

[62] لا يسمع أهل الجنة فيها كلاماً باطلاً، لكن يسمعون سلاماً تحية لهم، ولهم رزقهم فيها من الطعام والشراب دائماً، كلما شاؤوا صباحاً ومساء، فهو غير محصور ولا محدَّد.

{ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أي:كلاما لاغيا لا فائدة فيه، ولا ما يؤثم، فلا يسمعون فيها شتما، ولا عيبا، ولا قولا فيه معصية لله، أو قولا مكدرا،{ إِلَّا سَلَامًا} أي:إلا الأقوال السالمة من كل عيب، من ذكر لله، وتحية، وكلام سرور، وبشارة، ومطارحة الأحاديث الحسنة بين الإخوان، وسماع خطاب الرحمن، والأصوات الشجية، من الحور والملائكة والولدان، والنغمات المطربة، والألفاظ الرخيمة، لأن الدار، دار السلام، فليس فيها إلا السلام التام في جميع الوجوه.{ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي:أرزاقهم من المآكل والمشارب، وأنواع اللذات، مستمرة حيثما طلبوا، وفي أي:وقت رغبوا، ومن تمامها ولذاتها وحسنها، أن تكون في أوقات معلومة.{ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ليعظم وقعها ويتم نفعها

ثم وصف- سبحانه- الجنات وأهلها بما يحمل العقلاء على العمل الصالح الذي يوصلهم إليها بفضله- تعالى- وكرمه فقال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً ...

واللغو: هو فضول الكلام، وما لا قيمة له منه، ويدخل فيه الكلام الباطل.

وقوله إِلَّا سَلاماً الظاهر فيه أنه استثناء منقطع، لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه.

أى: لا يسمعون فيها كلاما لغوا، لكنهم يسمعون فيها سلاما. أى: تسليما من الملائكة عليهم، كما قال- تعالى-: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ...

أو يسمعون فيها تسليما وتحية من بعضهم على بعض، كما قال- تعالى-: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ.

قال الآلوسى: قوله إلا سلاما، استثناء منقطع، والسلام إما بمعناه المعروف.

أى: لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم، أو تسليم بعضهم على بعض، أو بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص، أى: لكن يسمعون كلاما سالما من العيب والنقص.

وجوز أن يكون استثناء متصلا، وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كما في قوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

وهو يفيد نفى سماع اللغو بالطريق البرهاني الأقوى. والاتصال على هذا على طريق الفرض والتقدير، ولولا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة» .

وقوله- تعالى-: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا بيان لدوام رزقهم فيها بدون انقطاع، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل، ولا بكرة ولا عشى ...

قال القرطبي ما ملخصه قوله وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا أى: لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا، أى: في قدر هذين الوقتين، إذ لا بكرة ثم- أى هناك- ولا عشيا.. وقيل: رزقهم فيها غير منقطع ...

وخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث أبان عن الحسن وأبى قلابة قالا: قال رجل يا رسول الله، هل في الجنة من ليل؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «وما هيجك على هذا» ؟ قال:

سمعت الله- تعالى- يذكر في الكتاب: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا فقلت: الليل بين البكرة والعشى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح، والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة» .

ثم قال الإمام القرطبي: «وهذا في غاية البيان لمعنى الآية ... » .

وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ) أي : هذه الجنات ليس فيها كلام ساقط تافه لا معنى له ، كما قد يوجد في الدنيا .

وقوله : ( إلا سلاما ) استثناء منقطع ، كقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ، 26 ]

وقوله : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) أي : في مثل وقت البكرات ووقت العشيات ، لا أن هناك ليلا أو نهارا ولكنهم في أوقات تتعاقب ، يعرفون مضيها بأضواء وأنوار ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يتمخطون فيها ، ولا يتغوطون ، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوة ، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ ساقيهما من وراء اللحم; من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا " .

أخرجاه في الصحيحين من حديث معمر به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري ، عن محمود بن لبيد الأنصاري ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا " تفرد به أحمد من هذا الوجه .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) قال : مقادير الليل والنهار .

وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهم ، حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت زهير بن محمد ، عن قول الله تعالى : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) قال : ليس في الجنة ليل ، هم في نور أبدا ، ولهم مقدار الليل والنهار ، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب ، وبفتح الأبواب .

وبهذا الإسناد عن الوليد بن مسلم ، عن خليد ، عن الحسن البصري ، وذكر أبواب الجنة ، فقال : أبواب يرى ظاهرها من باطنها ، فتكلم وتكلم ، فتهمهم انفتحي انغلقي ، فتفعل .

وقال قتادة في قوله : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) : فيها ساعتان : بكرة وعشي : ليس ثم ليل ولا نهار ، وإنما هو ضوء ونور .

وقال مجاهد ليس فيها بكرة ولا عشي ، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا .

وقال الحسن ، وقتادة ، وغيرهما : كانت العرب ، الأنعم فيهم ، من يتغدى ويتعشى ، ونزل القرآن على ما في أنفسهم من النعيم ، فقال تعالى : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا )

وقال ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن هشام ، عن الحسن : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) قال : البكور يرد على العشي ، والعشي يرد على البكور ، ليس فيها ليل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا سليم بن منصور بن عمار ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن زياد قاضي أهل شمشاط عن عبد الله بن جرير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من غداة من غدوات الجنة ، وكل الجنة غدوات ، إلا أنه يزف إلى ولي الله فيها زوجة من الحور العين ، أدناهن التي خلقت من الزعفران "

قال أبو محمد : هذا حديث منكر .

يقول تعالى ذكره: لا يسمع هؤلاء الذين يدخلون الجنة فيها لغوا، وهو الهَدْي والباطل من القول والكلام ( إِلا سَلامًا ) وهذا من الاستثناء المنقطع، ومعناه: ولكن يسمعون سلاما، وهو تحية الملائكة إياهم. وقوله ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) يقول: ولهم طعامهم وما يشتهون من المطاعم والمشارب في قدر وقت البُكرة ووقت العشيّ من نهار أيام الدنيا، وإنما يعني أن الذي بين غدائهم وعشائهم في الجنة قدر ما بين غداء أحدنا في الدنيا وعشائه، وكذلك ما بين العشاء والغداء وذلك لأنه لا ليل في الجنة ولا نهار، وذلك كقوله خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ و خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ يعني به: من أيام الدنيا.

كما حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت زهير بن محمد، عن قول الله: ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: ليس في الجنة ليل، هم في نور أبد، ولهم مقدار الليل والنهار، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب، وفتح الأبواب.

حدثنا عليّ، قال: ثنا الوليد، عن خليد ، عن الحسن، وذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب يُرى ظاهرها من باطنها، فَتكلم وتَكلم، فتهمهم انفتحي انغلقي، فتفعل.

حدثني ابن حرب، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا عامر بن يساف، عن يحيى، قال: كانت العرب في زمانهم من وجد منهم عشاء وغداء، فذاك الناعم في أنفسهم، فأنـزل الله ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) : قدر ما بين غدائكم في الدنيا إلى عشائكم.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله: ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب له، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة بكرة وعشيا، قدر ذلك الغداء والعشاء.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، فال: أخبرنا الثوريّ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قال: ليس بكرة ولا عشيّ، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) فيها ساعتان بكرة وعشيّ، فإن ذلك لهم ليس ثم ليل، إنما هو ضوء ونور.

التدبر :

وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ المجالس التي تخلو من اللغو -وهي نادرة جدًا- شبيهة بالجنة.
وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ مجرد سماع فضول الكلام ينغص النعيم.
وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ الكلام الذي أحرق فؤادك وكدر خاطرك بالدنيا لن تسمعه هناك في الجنة، وهذا من أجمل نعم الجنة!
وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ ليس فيها كلمة جارحة واحدة، ولا حرف يكدر الخاطر، واهًا لك يا دار.
وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ هذا وصف من أوصاف الجنة، وفيها دلالة على أن نقاء الجو الذي يعيشه المسلم بعيدًا عن اللغو والباطل من أنواع النعيم في الدنيا؛ فلنبحث عن تلك المجالس.
وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ ينبغي للمسلم أن ينزه لسانه وسمعه عن اللغو، ويربي نفسه وأهله على الطيب من القول.
وقفة
[62] ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ فإنْ قُلْتَ: فكيف يستثنى السلام من اللَّغْو؟ نقول: من أساليب اللغة: تأكيد المدح بما يشبه الذم، كأن نقول: لا عيبَ في فلان إلا أنه شجاع، وكنت تنتظر أنْ نستثني من العيب عَيْباً، لكن المعنى هنا: إنْ عددتَ الشجاعة عيباً، ففي هذا الشخص عَيْب، فقد نظرنا في هذا الشخص فلم نجد به عَيْباً، إلا إذا ارتكبنا مُحَالاً وعددنا الشجاعة عيباً. وهكذا نؤكد مدحه بما يشبه الذم. ومن ذلك قول الشاعر: ولاَ عَيْبَ فِيهِم غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاع الكَتَائِبِ.
وقفة
[62] ﴿لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا﴾ مقومات السعادة: استمرار الرزق؛ وامتناع المكدر؛ وكلاهما لأهل الجنة: ١- لا يسمعون: امتناع المكدر. ٢- ولهم رزقهم: استمرار الرزق، وقَدَّمَ نفي اللغو على الرزق؛ لأن من أرفع درجات التنعم ألا يتكدر الخاطر؛ فقدمه اهتمامًا بشأنه ليفرح المؤمن فرحة قبل فرحه بالطعام.
وقفة
[62] ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ أي: أرزاقهم من المآكل والمشارب، وأنواع اللذات، مستمرة حيثما طلبوا، وفي أي وقت رغبوا، ومن تمامها ولذاتها وحسنها.
وقفة
[62] ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (بكرة وعشيًا) أي: في قدر هذين الوقتين، إذ لا بكرة ثَمَّ ولا عشيًّا، وقال العلماء: «ليس في الجنة ليل ولا نهار، وإنما هم في نور أبدًا».
وقفة
[62] أوقات وجبات أهل الجنة ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ كما هي في الدنيا، ولذلك فأفضل أوقات الوجبات البكرة والعشي.

الإعراب :

  • ﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً:
  • لا: نافية لا محل لها. يسمعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فيها: جار ومجرور متعلق بيسمعون. لغوا: أي فضولا من القول أو الكلام: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِلاّ سَلاماً:
  • إلاّ: أداة استثناء. سلاما: اسم مستثنى بإلا-استثناء منقطعا- منصوب بالفتحة. ويجوز أن تكون «إلاّ» أداة حصر لا عمل لها. فتكون «سلاما» بدلا من «لغوا» بتقدير: لا يسمعون إلا سلاما.
  • ﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها:
  • الواو: استئنافية. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. رزق: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. فيها: جار ومجرور متعلق برزقهم أو بحال من «رزقهم».
  • ﴿ بُكْرَةً وَعَشِيًّا:
  • أي ولهم رزقهم يؤتون به صباحا ومساء. بكرة: ظرف زمان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بالفعل المقدر. وعشيا: معطوفة بالواو على «بكرة» وتعرب مثلها. أي دوام الرزق أو ديمومته ولا يقصد الوقتين المعلومين بمعنى لا ينقطع رزقهم عنهم على مدار الوقت. '

المتشابهات :

مريم: 62﴿ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا
الواقعة: 25﴿ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا
النبإ: 35﴿ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [62] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز و جل أن وعدَه بالجنة آتٍ لا محالة؛ وصفَ هنا الجنات وأهلَها بما يحمل العقلاء على العملِ الصالحِ الذي يوصلهم إليها، قال تعالى:
﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [63] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ ..

التفسير :

[63] تلك الجنة الموصوفة بتلك الصفات، هي التي نورثها ونعطيها عبادنا المتقين لنا، بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا.

فتلك الجنة التي وصفناها بما ذكر{ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} أي:نورثها المتقين، ونجعلها منزلهم الدائم، الذي لا يظعنون عنه، ولا يبغون عنه حولا، كما قال تعالى:{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}

ثم أضاف- سبحانه- إلى تعظيمه لشأن الجنة تعظيما آخر فقال: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا.

فاسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى ما تقدم من قوله: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ...

وقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ ...

أى: تلك هي الجنة العظيمة الشأن، العالية القدر، التي نجعلها ميراثا للمؤمنين الصادقين المتقين من عبادنا، كما قال- تعالى-: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ وكما قال- سبحانه-: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

قال صاحب الكشاف: قوله نُورِثُ.. أى: نبقى عليه الجنة كما نبقى على الوارث مال المورث، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة وقد انقضت أعمالهم وثمرتها باقية وهي الجنة، فإذا أدخلهم- سبحانه- الجنة، فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى..» .

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال قدرته، وشمول علمه، فقال- تعالى-:

وقوله تعالى ( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) أي : هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة هي التي نورثها عبادنا المتقين ، وهم المطيعون لله - عز وجل - في السراء والضراء ، والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس ، وكما قال تعالى في أول سورة المؤمنين : (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى أن قال : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) [ المؤمنون : 1 - 11 ]

يقول تعالى ذكره: هذه الجنة التي وصفت لكم أيها الناس صفتها، هي الجنة التي نورثها، يقول: نورث مساكن أهل النار فيها( مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) يقول: من كان ذا اتقاء عذاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.

التدبر :

وقفة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ السلعة الغالية، ثمنها غالي، لا شيء يأتي بالهين، خالف هوى نفسك لتنال عزها.
وقفة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ أول مؤهلات دخول الجنة هي التقوى.
وقفة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ جعل التقوى شرطًا لإرث الجنة, فعلى قدر التقوى تكون المنزلة.
وقفة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ لم يقل: «من كان صوامًا، كثير الصلاة، محسنًا، عابدًا»؛ بل (تَقِيًّا) فالتقوى جماع كل خير.
وقفة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ التقوى درجات يقابلها في الجنة درجات! قوم يتقون السيئات، وقوم يتقون الشبهات، وقوم يتقون الغفلات، وآخرون يتقون في أعماهم رؤية غير الله.
وقفة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ أي نبقيها ملكًا دائمًا لمن كان تقيًا، کما نبقي على الوراث مال من ورثه ونمتعه به، واستعمل تعبير الإرث لا البيع والهبة؛ لأنه أتم أنواع التمليك، حيث لا يعقبه فسخ ولا استرجاع ولا إبطال.
لمسة
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ جعل الجنة لك إرثًا، فلم يقل مثلًا: (تلك الجنة نهبها من عبادنا من كان تقيًا)؛ لأن الهبة فيها منّة بلا عمل ولا سبب، أما الإرث فهو في حقيقته انتقال مال القريب إلى قريبه بعد موته لأنه أولى الناس بماله، وفي جعل الجنة إرثًا لك يوحي بأن هذه الجنة قد ورثتها عن حق وسبب وهي ملك لك.
تفاعل
[63] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[63] ﴿تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا﴾ لذلك فرض الصيام في رمضان، إن لم تقم بطاعة لا تقم بمعصية.
وقفة
[63] لو بحثت عن الجنة في القرآن لوجدتها مرافقه للتقوى، ﴿تلك الجنه التي نورث من عبادنا من كان تقيا﴾، التقوى أول أسباب دخول الجنة.
وقفة
[63] أوصيكم ونفسي بملازمة التقوى، عسى أن نكون من ورثة جنة النعيم ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾.
وقفة
[63] التقوى سبب للفوز بالجنة والنجاة من النار ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ:
  • تي: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف للخطاب. الجنة: بدل أو صفة-نعت-لاسم الاشارة مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة.
  • ﴿ الَّتِي:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير هي التي. والجملة الفعلية بعده: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والجملة الاسمية «هي التي» في محل رفع خبر المبتدأ تلك.
  • ﴿ نُورِثُ مِنْ عِبادِنا:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن وهي صلة الموصول والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به أول. التقدير: نورثها. وفي الجملة استعارة أي نبقي عليه الجنة كما نبقي على الوارث. من عبادنا: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «من» و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مَنْ كانَ تَقِيًّا:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. تقيا: خبر «كان» منصوب بالفتحة والجملة الفعلية كانَ تَقِيًّا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. '

المتشابهات :

مريم: 63﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا
الزخرف: 72﴿وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [63] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز و جل شيئًا من أوصاف الجنة؛ بَيَّنَ هنا أهلَها، قال تعالى:
﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نورث:
1- بضم النون وسكون الواو وكسر الراء، مخففة، مضارع «أورث» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم النون وفتح الواو وتشديد الراء، وهى قراءة الحسن، والأعرج، وقتادة، ورويس، وحميد، وابن أبى عبلة، وأبى حيوة، ومحبوب، عن أبى عمرو.

مدارسة الآية : [64] :مريم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ..

التفسير :

[64] وقل -يا جبريل- لمحمد -صلى الله عليه وسلم-:وما نتنزل -نحن الملائكة- من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا، له ما بين أيدينا مما يستقبل من أمر الآخرة، وما خلفنا مما مضى من الدنيا، وما بين الدنيا والآخرة، فله الأمر كله في الزمان والمكان، وما كان ربك ناس

استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له:"لو تأتينا أكثر مما تأتينا "-تشوقا إليه، وتوحشا لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله- فأنزل الله تعالى على لسان جبريل:{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} أي:ليس لنا من الأمر شيء، إن أمرنا، ابتدرنا أمره، ولم نعص له أمرا، كما قال عنهم:{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} فنحن عبيد مأمورون،{ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أي:له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة، في الزمان والمكان، فإذا تبين أن الأمر كله لله، وأننا عبيد مدبرون، فيبقى الأمر دائرا بين:"هل تقتضيه الحكمة الإلهية فينفذه؟ أم لا تقتضيه فيؤخره "؟ ولهذا قال:{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} أي:لم يكن لينساك ويهملك، كما قال تعالى:{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} بل لم يزل معتنيا بأمورك، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة، وتدابيره الجميلة.

أي:فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك، لما له من الحكمة فيه.

والتنزل: النزول على مهل. فإنه مطاوع نزل- بالتشديد-، يقال: نزلته فتنزل، إذا حدث النزول على مهل وتدرج. وقد يطلق التنزيل بمعنى النزول مطلقا، إلا أن المناسب هنا هو المعنى الأول.

والآية الكريمة حكاية لما قاله جبريل للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذكر كثير من المفسرين أن الوحى احتبس عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لفترة من الوقت بعد أن سأله المشركون أسئلة تتعلق بأصحاب الكهف. وبذي القرنين وبالروح، حتى قال المشركون: إن رب محمد صلّى الله عليه وسلّم قد قلاه- أى: أبغضه وكرهه- فلما نزل جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد فترة من غياب- قيل خمسة عشر يوما وقيل أكثر قال له: يا جبريل احتبست عنى حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال له جبريل: إنى كنت أشوق ولكني عبد مأمور، إذا بعثت جئت، وإذا حبست احتبست، وأنزل الله- تعالى- هذه الآية وسورة الضحى» .

وقال الآلوسى: «ولا يأبى ما تقدم في سبب النزول ما أخرجه أحمد، والبخاري والترمذي، والنسائي، وجماعة، في سببه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ..

لجواز أن يكون صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك في محاورته السابقة- أيضا-، واقتصر في كل رواية على شيء مما وقع في المحاورة ... » .

والمعنى: قال جبريل للرسول صلّى الله عليه وسلّم عند ما سأله عن سبب احتباسه عنه لفترة من الوقت: يا محمد إنى ما أتنزل عليك وقتا بعد وقت، إلا بأمر ربك وإرادته، فأنا عبده الذي لا يعصى له أمرا ...

لَهُ- سبحانه- ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ أى: له وحده جميع الجهات والأماكن، وجميع الأزمان الحاضرة والماضية والمستقبلة، وما بين ذلك، فلا نقدر أن ننتقل من جهة إلى جهة، أو من وقت إلى وقت إلا بأمر ربك ومشيئته.

فالجملة الكريمة مسوقة لبيان ملكية الله- تعالى- لكل شيء، وقدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء.

وقوله- تعالى-: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مؤكد لما قبله من إثبات قدرة الله- تعالى- وعلمه.

أى: وما كان ربك- أيها الرسول الكريم- ناسيا أو تاركا لك أو مهملا لشأنك، ولكنه- سبحانه- محيط بأحوالك وبأحوال جميع المخلوقات لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

قال ابن كثير: «قال ابن أبى حاتم: حدثنا يزيد بن محمد ... عن أبى الدرداء يرفعه قال:

«ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ثم تلا هذه الآية: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا .

قال الإمام أحمد : حدثنا يعلى ووكيع قالا : حدثنا عمر بن ذر ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ " قال : فنزلت ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) إلى آخر الآية .

انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عند تفسير هذه الآية عن أبي نعيم ، عن عمر بن ذر به . ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، من حديث عمر بن ذر به وعندهما زيادة في آخر الحديث ، فكان ذلك الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم .

وقال العوفي عن ابن عباس : احتبس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن ، فأتاه جبريل وقال : يا محمد ، ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا )

وقال مجاهد : لبث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ليلة ، ويقولون قلي فلما جاءه قال : يا جبريل لقد رثت علي حتى ظن المشركون كل ظن . فنزلت : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) قال : وهذه الآية كالتي في الضحى .

وكذلك قال الضحاك بن مزاحم ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد : إنها نزلت في احتباس جبريل .

وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : أبطأ جبريل النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ، ثم نزل ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نزلت حتى اشتقت إليك " فقال له جبريل : بل أنا كنت إليك أشوق ، ولكني مأمور ، فأوحي إلى جبريل أن قل له : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) الآية . رواه ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، وهو غريب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن مجاهد قال : أبطأت الرسل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه جبريل فقال له : ما حبسك يا جبريل ؟ فقال له جبريل : وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم ، ولا تأخذون شواربكم ، ولا تستاكون ؟ ثم قرأ : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) إلى آخر الآية .

وقد قال الطبراني : حدثنا أبو عامر النحوي ، حدثنا محمد بن إبراهيم الصوري ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش ، أخبرني ثعلبة بن مسلم ، عن أبي كعب مولى ابن عباس ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن جبريل أبطأ عليه ، فذكر ذلك له فقال : وكيف وأنتم لا تستنون ، ولا تقلمون أظفاركم ، ولا تقصون شواربكم ، ولا تنقون رواجبكم .

وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن أبي اليمان ، عن إسماعيل بن عياش ، به نحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سيار ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا المغيرة بن حبيب - ختن مالك بن دينار - حدثني شيخ من أهل المدينة ، عن أم سلمة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أصلحي لنا المجلس ، فإنه ينزل ملك إلى الأرض ، لم ينزل إليها قط "

وقوله : ( له ما بين أيدينا وما خلفنا ) قيل : المراد ما بين أيدينا : أمر الدنيا ، وما خلفنا : أمر الآخرة ، ( وما بين ذلك ) ما بين النفختين . هذا قول أبي العالية ، وعكرمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير . وقتادة ، في رواية عنهما ، والسدي ، والربيع بن أنس .

وقيل : ( ما بين أيدينا ) ما نستقبل من أمر الآخرة ، ( وما خلفنا ) أي : ما مضى من الدنيا ، ( وما بين ذلك ) أي : ما بين الدنيا والآخرة . يروى نحوه عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جريج ، والثوري . واختاره ابن جرير أيضا ، والله أعلم .

وقوله : ( وما كان ربك نسيا ) قال مجاهد والسدي معناه : ما نسيك ربك .

وقد تقدم عنه أن هذه الآية كقوله : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) [ الضحى : 1 - 3 ]

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي ، حدثنا محمد بن عثمان - يعني أبا الجماهر - حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن أبيه ، عن أبي الدرداء يرفعه قال : " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا " ثم تلا هذه الآية : ( وما كان ربك نسيا )

ذُكر أن هذه الآية نـزلت من أجل استبطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل بالوحي، وقد ذكرت بعض الرواية ، ونذكر إن شاء الله باقي ما حضرنا ذكره مما لم نذكر قبل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الله، قال : ثنا عبد الله بن أبان العجلي، وقبيصة ووكيع; وحدثنا سفيان بن وكيع قال: ثنا أبي، جميعا عن عمر بن ذرّ، قال: سمعت أبي يذكر عن سعيد بن جيبر، عن ابن عباس، أن محمدا قال لجبرائيل: " ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثرَ مِمَّا تَزُورُنا " فنـزلت هذه الآية ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) قال: هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم.

حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا عبد الملك بن عمرو، قال: ثنا عمر بن ذرّ ، قال: ثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل: مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ فنـزلت ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) ".

حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي، قال ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ) إلى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) قال: احتبس جبرائيل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ).

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لبث جبرائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن النبي استبطأه، فلما أتاه قال له جبرائيل ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ).... الآية.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ) قال: هذا قول جبرائيل، احتبس جبرائيل في بعض الوحي، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: " ما جئْتَ حتى اشْتَقْتُ إلَيْك فقال له جبرائيل: ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ) ".

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) قال: قول الملائكة حين استراثهم محمد صلى الله عليه وسلم، كالتي في الضحى.

حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: لبث جبرائيل عن محمد اثنتي عشرة ليلة، ويقولون: قُلي، فلما جاءه قال: أيْ جَبْرائِيلُ لَقَدْ رِثْتَ عَلَيَّ حتى لَقَدْ ظَنَّ المُشْرِكُونَ كُلَّ ظَنّ فنـزلت ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ).

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) احتبس عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حتى تكلم المشركون في ذلك، واشتدّ ذلك على نبيّ الله، فأتاه جبرائيل، فقال: اشتدّ عليك احتباسنا عنك، وتكلم في ذلك المشركون، وإنما أنا عبد الله ورسوله، إذا أمرني بأمر أطعته ( وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) يقول: بقول ربك.

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) فقال بعضهم: يعني بقوله ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) من الدنيا، وبقوله ( وَمَا خَلْفَنَا) الآخرة (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) النفختين.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع ( لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) يعني الدنيا( وَمَا خَلْفَنَا) الآخرة (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) النفختين.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا) مِنَ الدُّنْيَا(وَمَا خَلْفَنَا ) من أمر الآخرة ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ما بين النفختين.

وقال آخرون ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا) الآخرة (وَمَا خَلْفَنَا) الدنيا(وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ما بين الدنيا والآخرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( بَيْنَ أَيْدِينَا) الآخرة (وَمَا خَلْفَنَا ) من الدنيا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) من أمر الآخرة ( وَمَا خَلْفَنَا ) من أمر الدنيا( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ما بين الدنيا والآخرة ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ).

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ( لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) مِنَ الآخِرَةِ( وَمَا خَلْفَنَا) مِنَ الدُّنْيَا(وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ما بين النفختين.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا) مِنَ الآخِرَةِ(وَمَا خَلْفَنَا ) من الدنيا.

وقال آخرون في ذلك بما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) قال: ما مضى أمامنا من الدنيا( وَمَا خَلْفَنَا ) ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) قال: ما بين ما مضى أمامهم، وبين ما يكون بعدهم.

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يتأوّل ذلك له ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) قبل أن نخلق ( وَمَا خَلْفَنَا ) بعد الفناء ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) حين كنا.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: له ما بين أيدينا من أمر الآخرة، لأن ذلك لم يجئ وهو جاء، فهو بين أيديهم، فإن الأغلب في استعمال الناس إذا قالوا : هذا الأمر بين يديك، أنهم يعنون به ما لم يجئ، وأنه جاء، فلذلك قلنا: ذلك أولى بالصواب. وما خلفنا من أمر الدنيا، وذلك ما قد خلفوه فمضى، فصار خلفهم بتخليفهم إياه، وكذلك تقول العرب لما قد جاوزه المرء وخلفه هو خلفه، ووراءه وما بين ذلك: ما بين ما لم يمض من أمر الدنيا إلى الآخرة، لأن ذلك هو الذي بين ذَينك الوقتين.

وإنما قلنا: ذلك أولى التأويلات به، لأن ذلك هو الظاهر الأغلب، وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب من معانيه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له. فتأمل الكلام إذن: فلا تستبطئنا يا محمد في تخلفنا عنك، فإنا لا نتنـزل من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا بالنـزول إليها، لله ما هو حادث من أمور الآخرة التي لم تأت وهي آتية، وما قد مضى فخلفناه من أمر الدنيا، وما بين وقتنا هذا إلى قيام الساعة ، بيده ذلك كله، وهو مالكه ومصرّفه، لا يملك ذلك غيره، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمرا إلا بأمره إيانا به ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) يقول: ولم يكن ربك ذا نسيان، فيتأخر نـزولي إليك بنسيانه إياك بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض فتبارك وتعالى ولكنه أعلم بما يدبر ويقضي في خلقه. جلّ ثناؤه.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) ما نسيك ربك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[64] ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ أعظم الملائكة مطأطئ خضوعًا للجبار، وأنت تعصيه برأس مرفوع، ويلك.
وقفة
[64] ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ إن الملائكة رسل الله بالوحي لا تنزل على أحد من الأنبياء والرسل من البشر إلا بأمر الله.
وقفة
[64] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟»، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾. [البخاري 4731].
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ إن نسيتَ ظُلمًا وقَعَ عليكَ، فربُّك لا ينسى، رسالةٌ مختصرةٌ لكلِّ ظالمٍ.
عمل
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ اطمئن (طلبك) سينفذ.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ إن نسيت حقًا سلب ظلمًا منك، فربك لا ينسى، إن نسيت دمعة ذرفت منك قهرًا، فربك لا ينسى، فربك لا يغيب عنه شيء.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ الله يذكرك حينما ينساك الناس.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ كل ما ترفعه على جناح الدعاء نحو السماء لن يضيع، ولن ينسى، ثق بتدبير الله وحكمته واصبر واطمئن.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ رسالة موجزة مختصرة من الله لكل من تسبب بالأذى لعباد الله!
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ لم ينس تلك الدمعة التي سقطت بين يديه، والدعوة التي رفعت إليه؛ فلا تحزن سيؤتيك الله من فضله.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ لم ينسَ صبرك على طاعته، ولا عن معصيته، ولا في دعوته، ولا السني العجاف، والظلم، والإرجاف.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾، ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: 6]، نسيته أنت، وحفظه من لا تخفى عليه خافية، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
وقفة
[64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ لا حواجز لا عقبات، فقط ارفع يديك إخباتًا وتضرعًا لله توجه بقلبك إليه، بث إليه شكواك، فهو الذي يكشف الكرب والضر وهو أرحم الراحمين.
وقفة
[64] قال الشافعي: «آيةٌ من القرآن هي سهمٌ في قلب الظالم، وبلسمٌ على قلب المظلوم»، قيل: «وما هي؟!»، فقال: «قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾».
اسقاط
[64] دعواتك التي ظننت أنها لم تُستجَب؛ قد يكون رصدها ﷻ لك في وقت حاجتك ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾. [64] ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ كلما أحسنت نيتك، أحسن الله حالك، وكلما تمنيت الخير لغيرك؛ جاءك الخير من حيث لا تحتسب.
وقفة
[64] بعض الدعوات الجميلة لا تُستجاب في لحظتها، ولكن الله لا ينساها فيعطيك إيّاها في الوقت الأجمل ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾، ثِق تمامًا بأن اليد الممتدة إلى الله لا تعود فارغة أبدًا.
وقفة
[64] على سبيل الطمأنينة: ﴿فسَيَكْفِيكَهُم اللهُ﴾ [البقرة: 137]، وعلى سبيل التسليم: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله﴾ [غافر: 44]، وعلى سبيل النُصرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [الحج: 38]، وعلى سبيل المغفرة: ﴿إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114]، وعلى سبيل الوعيد: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.
عمل
[64] من المهم إذا أحاطت بنا المصائب أن نحاسب أنفسنا؛ لربما تكون دعوة مظلوم غفلنا عنها، ولم يغفل عنها ناصر المظلومين: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَما نَتَنَزَّلُ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. نتنزل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن أي جبريل.
  • ﴿ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ:
  • أداة حصر لا عمل لها. بأمر: جار ومجرور متعلق بنتنزل ربك مضاف إليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير المخاطب «وهو الرسول الكريم» مبني على الفتح في محل جر بالاضافة ويجوز أن يتعلق الجار والمجرور «بأمر» بحال محذوفة بتقدير: مأمورين أو مسيرين.
  • ﴿ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا:
  • له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بفعل محذوف تقديره استقر وجملة «استقر بين أيدينا» صلة الموصول لا محل لها. و «بين» مضاف و «أيدي» مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء للثقل و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ:
  • معطوفتان بواوي العطف على ما بَيْنَ أَيْدِينا» وتعربان إعرابها. و «ذا» في محل جر بالاضافة. اللام للبعد والكاف للخطاب بمعنى: وجميع جهاتنا.
  • ﴿ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا:
  • الواو: عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. ربك: اسم «كان» مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة. نسيا: خبر «كان» منصوب بالفتحة بمعنى: كثير النسيان. أو وما كان ربك تاركك يا محمد. '

المتشابهات :

مريم: 64﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ
البقرة: 255﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ
طه: 110﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا
الأنبياء: 28﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
الحج: 76﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمُّويَهْ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشّاشِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا إسْحاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ الرَّسْعَنِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا جَدِّي، قالَ: حَدَّثَنا المُغِيرَةُ، قالَ: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”يا جِبْرِيلُ، ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمّا تَزُورُنا ؟“ . قالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾ . الآيَةَ كُلَّها. قالَ: كانَ هَذا الجَوابَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ .رَواهُ البُخارِيُّ، عَنْ أبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ.وقالَ مُجاهِدٌ: أبْطَأ المَلَكُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ أتاهُ فَقالَ: لَعَلِّي أبْطَأْتُ. قالَ: ”قَدْ فَعَلْتَ“ . قالَ: ولِمَ لا أفْعَلُ وأنْتُمْ لا تَتَسَوَّكُونَ، ولا تَقُصُّونَ أظْفارَكم، ولا تُنَقُّونَ بَراجِمَكم ؟ قالَ: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾ . قالَ مُجاهِدٌ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.وقالَ عِكْرِمَةُ والضَّحّاكُ وقَتادَةُ ومُقاتِلٌ والكَلْبِيُّ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ سَألَهُ قَوْمُهُ عَنْ قِصَّةِ أصْحابِ الكَهْفِ وذِي القَرْنَيْنِ والرُّوحِ، فَلَمْ يَدْرِ ما يُجِيبُهم، ورَجا أنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِجَوابِ ما سَألُوهُ، فَأبْطَأ عَلَيْهِ، فَشَقَّ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَمّا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لَهُ: ”أبْطَأْتَ عَلَيَّ حَتّى ساءَ ظَنِّي واشْتَقْتُ إلَيْكَ“ . فَقالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنِّي كُنْتُ أشْوَقَ، ولَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ؛ إذا بُعِثْتُ نَزَلْتُ، وإذا حُبِسْتُ احْتَبَسْتُ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [64] لما قبلها :     وبعد ما سَبقَ من قصص الأنبياء؛ تثبيتًا للنَّبي صلى الله عليه وسلم، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يود أن تكون زيارة جبريل عليه السلام له أكثر مما يزوره، فقال لِجِبْرِيلَ عليه السلام: «أَلاَ تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟»؛ فنزلت الآية:
﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نتنزل:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور، عنى جبريل نفسه والملائكة.
وقرئ:
2- بالياء، على أنه خبر من الله، وهى قراءة الأعرج.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف