2177172737475767778

الإحصائيات

سورة يونس
ترتيب المصحف10ترتيب النزول51
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات109عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.30
ترتيب الطول10تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 4/29آلر: 1/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (71) الى الآية رقم (73) عدد الآيات (3)

لَمَّا ذكَرَ أدلَّةَ الوحدانيةِ ذكَرَ هنا بعضَ قَصصِ الأنبياءِ، لِيَعلمَ المشركونَ عاقبةَ مَن كَذَّبَ الأنبياءَ، ولِيَتأسَّى بهم النَّبيُّ ﷺ فيَخِفَّ عليه ما يلقَى مِن التَّكذيبِ، فبدأَ بقصَّةِ نوحٍ عليه السلام معَ قومِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (74) الى الآية رقم (78) عدد الآيات (5)

عِبرةٌ أُخرَى مِن عِبَرِ مُكَذِّبي الرُّسُلِ عسَى أن يعتبِرَ بها أهلُ مَكَّةَ: بعثةُ الرُّسلِ من بعدِ نُوحٍ عليه السلام، ثُمَّ قصَّةُ موسى وهارونَ عليهما السلام معَ الطَّاغيةِ فرعونَ وملئِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يونس

تثبيت النبي ﷺ/ الدعوة إلى الإيمان بالله قبل فوات الأوان/ التسليم لقضاء الله وقدره وبيان حكمة الله وتدبيره

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هل تتحدث سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام ؟:   الجواب: لا، لم تتحدث سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام. لم تذكر قصته، بل ذكرت قومه مرة واحدة فقط (وفي آية واحدة فقط، آية من 109 آية)، وهى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ (98). فالكلام هنا عن قومه، وهو الآن ليس موجودًا معهم، لأنه تركهم وكان في بطن الحوت عند إيمانهم. ذُكِرَ يونس عليه السلام في القرآن 6 مرات: 4 بالاسم الصريح في: النساء والأنعام ويونس والصافات، وذكر بالوصف في سورتين؛ في الأنبياء: ذا النون، وفي القلم: صاحب الحوت. وذكرت قصته في: الأنبياء والصافات والقلم، وذكر الاسم فقط في: النساء والأنعام ويونس.
  • • لماذا سميت السورة باسم يونس ولم تذكر قصته هنا؟:   والجواب: أن قوم نوح هلكوا، وآل فرعون غرقوا، لكن قوم يونس نجوا، فكانت السورة رسالة للنبي ﷺ: اصبر يا محمد ﷺ على قومك، لا تستعجل كما استعجل يونس، فسوف يؤمن أهل مكة كما آمن قوم يونس (وقد وقع هذا بالفعل في فتح مكة). ولهذا نحن الآن لا نستغرب ما فعله النبي ﷺ عندما جاءه مَلَكُ الْجِبَالِ أثناء رجوعه من الطائف، وقال له: «يَا مُحَمّدُ، إنْ شِئْت أَطْبَقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ»، فكان رده ﷺ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» . ونلاحظ: أن يونس عليه السلام هو النبي الوحيد الذي آمن به قومه ولم يهلكهم العذاب. فكانت السورة بشري ضمنية لرسول الله ﷺ أنك ستكون مثل يونس في هذا الأمر، قومك سيسلمون علي يديك بإذن الله، ولن يهلكهم العذاب (وهذا ما حدث بالفعل في فتح مكة بعد ذلك).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «يونس».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله يونس بن متى عليه السلام ، أرسله الله إلى أهل نينوى من أرض الموصل.
  • • سبب التسمية ::   لما ‏تضمنته ‏من ‏العظة ‏والعبرة ‏برفع ‏العذاب ‏عن ‏قومه ‏حين ‏آمنوا ‏بعد ‏أن ‏كاد ‏يحل ‏بهم ‏البلاء ‏والعذاب، ‏وهذه ‏من ‏الخصائص ‏التي ‏خصَّ ‏الله ‏بها ‏قوم ‏يونس.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن النفع والضر بيد الله عز وجل وحده دون ما سواه: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   التسليم لقضاء الله وقدره.
  • • علمتني السورة ::   أن الله حافظ عبده، فبقي يونس في بطن الحوت دون أن يموت، وقد أعاده الله للحياة.
  • • علمتني السورة ::   ما يقدره الله حولك من أحداث وأخبار ونوازل إنما هو تذكير لك، فاحذر أن تكون عنها غافلًا: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • o عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة يونس من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة يونس تعتبر -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المئين.
    • سورة يونس تعتبر -بحسب ترتيب المصحف- أول سورة تسمى باسم نبي، والسور التي سميت باسم نبي 6 سور، هي: يونس، وهود، وإبراهيم، ويوسف، ومحمد، ونوح عليهم السلام.
    • سورة يونس تشبه سورة الأنعام من حيث الموضوع والأسلوب، فكلتاهما تتناول حقائق العقيدة من حيث الجانب النظري، ومواجهة ومجادلة المشركين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، قبل أن يقال لنا: (آلآن) كما قيل لفرعون.
    • أن نُسَلِّم لقضاء الله وقدره.
    • أن لا نيأس من دعوة الناس أبدًا.
    • أن نطيع الله وننفذ ما يأمرنا به مهما شعرنا باليأس والتعب، سيأتي الفرج يومًا من عنده.
    • أن نتذكر كلّما خشينا أمرًا، أو اعترانا همّ، أو أصابتنا كُربة، أن الله وحده من: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ (3).
    • أن نتذكر ضُّرًا أو مرضًا كشفه الله عنا، ثم نجتهد في حمده وشكره: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ (12).
    • ألا نؤمل في الناس خيرًا أكثر من اللازم: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ (12)، فقد تحسن إلى إنسان فلا يكافئك على إحسانك، فلا تتعجب، فمن الناس من يكشف الله عنه الضُرَّ فيمر كأن الله لم يكشف عنه شيئًا، فإذا كان هذا تعامله مع خالقه فمن باب أولى أن يكون تعامله مع عبد مثله ومخلوق مثله أردى من ذلك وأسوأ.
    • أن نستمر في تذكر الآخرة؛ ففي هذا حماية من الوقوع في المعاصي: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (15).
    • أن نحذر من الوقوع في الشرك، ونحذر من حولنا، ونبين لهم أن من الشرك دعاء غير الله أو الاستشفاع بالأموات: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ﴾ (18).
    • أن نتقي ثلاثة أمور فإنها ترجع على صاحبها: 1- المكر: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر 43). 2- البغي: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم﴾ (23). 3- النكث: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (الفتح 10).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا وزينتها؛ فإنها حياة قصيرة: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ... فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ (24).
    • أن نحسن أعمالنا في الدنيا ليحسن الله إلينا يوم القيامة: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ﴾ (26). • ألا نقلق؛ فالذي يدبر الأمر هو الله، حتى المشركين يعرفون ذلك: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ... وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ (31).
    • أن نقرأ آيات التحدي، ونتفكر في عجز المشركين: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (38).
    • أن نحدد شخصًا أو مجموعة يذكروننا بالمعصية، ونحتسب الأجر في ترك صحبتهم: ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (41).
    • أن نفتدي أنفسنا اليوم من عذاب الله، ولو بقليل مال، أو يسير طعام أو شراب، أو ركعة، أو سجدة، قبل أن نتمنى أن نفتدي بالدنيا وما فيها: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ﴾ (54).
    • أن نحتاط في الفتوى، ونحذر من القول على الله بلا علم: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (60).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فجميع أعمالنا محصاة علينا من خير وشر: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (61).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا بـ: ‏﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ (72) عند كل عمل نقوم به، لا ننتظر جزاءً إلا من الله. • ألا نترك موضع إبرة في قلوبنا فيه اعتماد على غير الله: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ (84).
    • أن نحرص على التأمين حال سماع الدعاء؛ فإن التأمين بمنْزلة الدعاء: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ (89). • أن تكون دعوتنا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وليست بالإكراه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (99).
    • أن نخلص العبادة لله وحده لا شريك له: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (105). • ألا نقلق، بل نطمئن ونتوكل على الله فهو المدبر: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (107).

تمرين حفظ الصفحة : 217

217

مدارسة الآية : [71] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ ..

التفسير :

[71] واقصص -أيها الرسول- على كفار «مكة» خبر نوح -عليه السلام- مع قومه حين قال لهم:إن كان عَظُمَ عليكم مقامي فيكم وتذكيري إياكم بحجج الله وبراهينه فعلى الله اعتمادي وبه ثقتي، فأعدُّوا أمركم، وادعوا شركاءكم، ثم لا تجعلوا أمركم عليكم مستتراً بل ظاهراً منكشف

يقول تعالى لنبيه‏:‏ واتل على قومك ‏{‏نَبَأَ نُوحٍ‏}‏ في دعوته لقومه، حين دعاهم إلى الله مدة طويلة، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغيانًا، فتمللوا منه وسئموا، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل، ولا متوان في دعوتهم، فقال لهم‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ إن كان مقامي عندكم، وتذكيري إياكم ما ينفعكم ‏{‏بِآيَاتِ اللَّهِ‏}‏ الأدلة الواضحة البينة، قد شق عليكم وعظم لديكم، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق‏.‏ ‏{‏فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ‏}‏ أي‏:‏ اعتمدت على الله، في دفع كل شر يراد بي، وبما أدعو إليه، فهذا جندي، وعدتي‏.‏ وأنتم، فأتوا بما قدرتم عليه، من أنواع العَدَدَ والعُددَ‏.‏

‏{‏فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ‏}‏ كلكم، بحيث لا يتخلف منكم أحد، ولا تدخروا من مجهودكم شيئًا‏.‏

‏{‏و‏}‏ أحضروا ‏{‏شُرَكَاءَكُمْ‏}‏ الذي كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين‏.‏

‏{‏ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً‏}‏ أي‏:‏ مشتبهًا خفيًا، بل ليكن ذلك ظاهرًا علانية‏.‏

‏{‏ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ‏}‏ أي‏:‏ اقضوا علي بالعقوبة والسوء، الذي في إمكانكم، ‏{‏وَلَا تُنْظِرُونِ‏}‏ أي‏:‏ لا تمهلوني ساعة من نهار‏.‏ فهذا برهان قاطع، وآية عظيمة على صحة رسالته، وصدق ما جاء به، حيث كان وحده لا عشيرة تحميه، ولا جنود تؤويه‏.‏

وقد بادأ قومه بتسفيه آرائهم، وفساد دينهم، وعيب آلهتهم‏.‏ وقد حملوا من بغضه، وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي، وهم أهل القدرة والسطوة، وهو يقول لهم‏:‏ اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم، وأبدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد، فأوقعوا بي إن قدرتم على ذلك، فلم يقدروا على شيء من ذلك‏.‏

فعلم أنه الصادق حقًا، وهم الكاذبون فيما يدعون

قال الإمام الرازي: «اعلم أنه- سبحانه- لما بالغ في تقرير الدلائل والبينات وفي الجواب عن الشبه والسؤالات، شرع بعد ذلك في بيان بعض قصص الأنبياء- عليهم السلام- لوجوه:

أحدها: أن الكلام إذا طال في تقرير نوع من أنواع العلوم، فربما حصل نوع من أنواع الملالة، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفن من العلم إلى فن آخر، انشرح صدره. ووجد في نفسه رغبة جديدة.

وثانيها: ليكون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، أسوة بمن سلف من الأنبياء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سمع أن معاملة الكفار لأنبيائهم سيئة.. خف ذلك على قلبه، لأن المصيبة إذا عمت خفت.

وثالثها: أن الكفار إذا سمعوا هذه القصص، وعلموا أن العاقبة للمتقين كان ذلك سببا في انكسار قلوبهم، ووقوع الخوف والوجل في نفوسهم. وحينئذ يقلعون عن أنواع الإيذاء والسفاهة ... »

ونوح- عليه السلام-: واحد من أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى شيث بن آدم- عليه السلام- وقد ذكر في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا.

وكان قومه يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد.

وقد تكررت قصته مع قومه في سورة الأعراف، وهود، والمؤمنون، ونوح ... بصورة أكثر تفصيلا.

أما هنا في سورة يونس فقد جاءت بصورة مجملة، لأن الغرض منها هنا، إبراز جانب التحدي من نوح لقومه، بعد أن مكث فيهم زمانا طويلا، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غيره.

والمعنى: واتل- يا محمد- على مسامع هؤلاء المشركين الذين مردوا على افتراء الكذب، نبأ نوح- عليه السلام- مع قومه المغترين بأموالهم وكثرتهم ليتدبروا ما في هذا النبأ من عظات وعبر. وليعلموا أن سنة الله- تعالى- قد اقتضت أن يجعل العاقبة للمتقين.

والمقصود من هذه التلاوة، دعوة مشركي مكة وأمثالهم، إلى التدبر فيما جرى للظالمين من قبلهم، لعلهم بسبب هذا التدبر والتأمل يثوبون إلى رشدهم ويتبعون الدين الحق الذي جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ..

بيان لما قاله لهم بعد أن مكث فيهم زمنا طويلا،، وسمع منهم ما سمع من استهزاء بدعوته،، وتطاول على أتباعه.

أى: قال نوح لقومه بعد أن دعاهم ليلا ونهارا: يا قوم إن كان كَبُرَ عَلَيْكُمْ.

أى: شق وعظم عليكم مَقامِي فيكم ووجودى بين أظهركم عمرا طويلا وَتَذْكِيرِي إياكم بآيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته،، والتي تستلزم منكم إخلاص العبادة له والشكر لنعمه.

إن كان كبر عليكم ذلك فعلى الله وحده توكلت، وإليه وحده فوضت أمرى ولن يصرفني عن الاستمرار في تبليغ ما أمرنى بتبليغه وعد أو وعيد منكم.

وخاطبهم- عليه السلام- بقوله: يا قَوْمِ استمالة لقلوبهم وإشعارا لهم بأنهم أهله وأقرباؤه الذين يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر.

وجملة فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ جواب الشرط. وقيل جواب الشرط محذوف والتقدير: إن كان كبر عليكم ذلك فافعلوا ما شئتم فإنى على الله وحده توكلت في تبليغ دعوته لكم.

وقوله: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ معطوف على ما قبله.

والفعل فَأَجْمِعُوا بقطع الهمزة مأخوذ من أجمعت على الأمر إذا عزمت عليه عزما مؤكدا ووطنت نفسك على المضي فيه بدون تردد أو تقاعس.

والمراد بالأمر هنا: المكر والكيد والعداوة وما يشبه ذلك.

والمراد بشركائهم: أصنامهم التي عبدوها من دون الله وظنوا فيها النفع والضرر والتمسوا فيها العون والنصرة.

والمعنى: أن نوحا- عليه السلام- قد قال لقومه بصراحة ووضوح: يا قوم إن كان قد شق عليكم مقامي فيكم، وتذكيري بآيات الله الدالة على وحدانيته فاجمعوا ما تريدون جمعه من مكر وكيد بي، ثم ادعوا شركاءكم ليساعدوكم في ذلك فإنى ماض في طريقي الذي أمرنى الله به، بدون مبالاة بمكركم وبدون اهتمام بكيدكم.

قال الآلوسى: «وقوله وَشُرَكاءَكُمْ منصوب على أنه مفعول معه لأن الشركاء عازمون لا معزوم عليهم. وقيل إنه منصوب العطف على قوله أَمْرَكُمْ بحذف المضاف.

أى فأجمعوا أمركم وأمر شركائكم.

وقرأ نافع: فاجمعوا بوصل الهمزة وفتح الميم من جمع وعطف الشركاء على الأمر في هذه القراءة ظاهر بناء على أنه يقال: جمعت شركائى، كما يقال جمعت أمرى ... » .

وقوله: ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً معطوف على ما قبله، ومؤكد لمضمونه.

وكلمة غُمَّةً بمعنى الستر والخفاء. يقال: غم على فلان الأمر أى: خفى عليه واستتر.

ومنه الحديث الشريف: «صوموا لرؤيته- أى الهلال- وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» أى فإن استتر وخفى عليكم الهلال وحال دون رؤيتكم له حائل من عغيم أو ضباب فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما.

أى: اجمعوا ما تريدون جمعه لي من مكر وكيد واستعينوا على ذلك بشركائكم ثم لا يكن أمركم، الذي أجمعتم على تنفيذه فيه شيء من الستر أو الخفاء أو الالتباس الذي يجعلكم مترددين في المضي فيه أو متقاعسين عن مجاهرتى بما تريدون فعله معى.

ومنهم من يرى أن كلمة غُمَّةً هنا بمعنى الغم كالكربة بمعنى الكرب أى: ثم لا يكن حالكم غما كائنا عليكم بسبب مقامي فيكم وتذكيري إياكم بآيات الله.

وقد أشار صاحب الكشاف الى هذين الوجهين فقال: «فإن قلت: ما معنى الأمرين:

أمرهم الذي يجمعونه وأمرهم الذي لا يكون عليهم غمة؟

قلت: أما الأمر الأول فالقصد إلى إهلاكه يعنى: فأجمعوا ما تريدون من إهلاكى واحتشدوا فيه، وابذلوا وسعكم في كيدي. وإنما قال ذلك إظهارا لقلة مبالاته بهم وثقته بما وعده به ربه من كلاءته وعصمته إياه، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلا.

وأما الثاني ففيه وجهان: أحدهما أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم، المكروهة عندهم. يعنى: ثم أهلكونى لئلا يكون عيشكم بسببي غصة عليكم. وحالكم عليكم غمة. أى: غما وهما. والغم والغمة كالكرب والكربة.

وثانيهما: أن يراد به ما أريد بالأمر الأول. والغمة السترة من غمه إذا ستره، وفي الحديث «لا غمة في فرائض الله» أى لا تستر ولكن يجاهر بها.

يعنى: ولا يكن قصدكم إلى إهلاكى مستورا عليكم. ولكن مكشوفا مشهورا تجاهروننى به» .

وقوله: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ زيادة في تحديهم وإثارتهم.

والقضاء هنا بمعنى الأداء، من قولهم: قضى المدين للدائن دينه، إذا أداه إليه، وقضى فلان الصلاة. أى أداها بعد مضى وقتها.

أى: ثم أدوا إلى ذلك الأمر الذي تريدون أداءه من إيذائى أو إهلاكى بدون إنظار أو إمهال.

ويصح أن يكون القضاء هنا بمعنى الحكم، أى: ثم احكموا على بما تريدون من أحكام،ولا تتركوا لي مهلة في تنفيذها، بل نفذوها علىّ في الحال.

فأنت ترى في هذه الآية الكريمة كيف أن نوحا- عليه السلام- كان في نهاية الشجاعة في مخاطبته لقومه، بعد أن مكث فيهم ما مكث وهو يدعوهم إلى عبادة الله- تعالى- وحده.

فهو- أولا- يصارحهم بأنه ماض في طريقه الذي أمره الله بالمضي فيه، وهو تذكيرهم بالدلائل الدالة على وحدانية الله، وعلى وجوب إخلاص العبادة له سواء أشق عليهم هذا التذكير أم لم يشق، وأنه لا اعتماد له على أحد إلا على الله وحده.

وهو- ثانيا- يتحداهم بأن يجمعوا أمرهم وأمر شركائهم وأن يأخذوا أهبتهم لكيده وحربه.

وهو- ثالثا- يطالبهم بأن يتخذوا قراراتهم بدون تستر أو خفاء، فإن الأمر لا يحتاج إلى غموض أو تردد، لأن حاله معهم قد أصبح واضحا وصريحا.

وهو- رابعا- يأمرهم بأن يبلغوه ما توصلوا إليه من قرارات وأحكام وأن ينفذوها عليه بدون تريث أو انتظار، حتى لا يتركوا له فرصة للاستعداد للنجاة من مكرهم.

وهكذا نرى نوحا- عليه السلام- يتحدى قومه تحديا صريحا مثيرا. حتى إنه ليغريهم بنفسه، ويفتح لهم الطريق لإيذائه وإهلاكه- إن استطاعوا ذلك-.

وما لجأ- عليه السلام- إلى هذا التحدي الواضح المثير إلا لأنه كان معتمدا على الله- تعالى- الذي تتضاءل أمام قوته كل قوة وتتهاوى إزاء سطوته كل سطوة ويتصاغر كل تدبير وتقدير أمام تدبيره وتقديره.

وهكذا نرى القرآن الكريم يسوق للدعاة في كل زمان ومكان تلك المواقف المشرفة لرسل الله- عليهم الصلاة والسلام- لكي يقتدوا بهم في شجاعتهم، وفي اعتمادهم على الله وحده، وفي ثباتهم أمام الباطل مهما بلغت قوته، واشتد جبروته.

ومتى فعلوا ذلك، كانت العاقبة لهم لأنه- سبحانه- تعهد أن ينصر من ينصره.

يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه : ( واتل عليهم ) أي : أخبرهم واقصص عليهم ، أي : على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك ( نبأ نوح ) أي : خبره مع قومه الذين كذبوه ، كيف أهلكهم الله ودمرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم ، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك . ( إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم ) أي : عظم عليكم ، ( مقامي ) أي فيكم بين أظهركم ، ( وتذكيري ) إياكم ( بآيات الله ) أي : بحججه وبراهينه ، ( فعلى الله توكلت ) أي : فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا ! ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) أي : فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله ، من صنم ووثن ، ( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) أي : ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا ، بل افصلوا حالكم معي ، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون ، فاقضوا إلي ولا تنظرون ، أي : ولا تؤخروني ساعة واحدة ، أي : مهما قدرتم فافعلوا ، فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم ، لأنكم لستم على شيء ، كما قال هود لقومه : ( إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [ هود : 54 - 56 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (واتل) على هؤلاء المشركين الذين قالوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، من قومك (1) ، (نبأ نوح) ، يقول: خبر نوح (2) (إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي) ، يقول: إن كان عظم عليكم مقامي بين أظهركم وشقّ عليكم، (3) ، (وتذكيري بآيات الله) ، يقول، ووعظي إياكم بحجج الله، وتنبيهي إياكم على ذلك (4) ، (فعلى الله توكلت) ، يقول: إن كان شق عليكم مقامي بين أظهركم ، وتذكيري بآيات الله ، فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم، فعلى الله اتكالي وبه ثقتي ، وهو سَنَدي وظهري (5) ، (فأجمعوا أمركم)، يقول: فأعدُّوا أمركم ، واعزموا على ما تنوُون عليه في أمري. (6)

* * *

يقال منه: " أجمعت على كذا "، بمعنى: عزمت عليه، (7)

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : : " من لم يُجْمِع على الصوم من الليل فلا صَوْم له " ، بمعنى: من لم يعزم، (8) ومنه قول الشاعر: (9)

يَـا لَـيْتَ شِعْـرِي وَالْمُنَـى لا تَنْفَــعُ

هَلْ أَغْـدُوَنْ يَوْمًــا وَأَمْـرِي مُجْمَــعُ (10)

* * *

وروي عن الأعرج في ذلك ما:-

17760- حدثني بعض أصحابنا ، عن عبد الوهاب ، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) ، يقول: أحكموا أمركم ، وادعوا شركاءكم. (11)

ونصب قوله: (وشركاءكم) ، بفعل مضمر له، وذلك: " وادعوا شركاءكم "، وعطف ب " الشركاء " على قوله: (أمركم)، على نحو قول الشاعر:

وَرَأَيْــتِ زَوْجَــكِ فِــي الْـوَغَى

مُتَقَلِّــــدًا سَــــيْفًا وَرُمْحَـــا (12)

فالرمح لا يُتَقلَّد، ولكن لما كان فيما أظهر من الكلام دليلٌ على ما حذف، اكتفي بذكر ما ذكر منه مما حذف ، (13) فكذلك ذلك في قوله: (وشركاءكم).

* * *

واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته قراء الأمصار: (وَشُرَكَاءَكُمْ) نصبًا، وقوله: (فَأَجْمِعُوا) ، بهمز الألف وفتحها، من : " أجمعت أمري فأنا أجمعه إجماعًا.

* * *

وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ)، بفتح الألف وهمزها ، (وَشُرَكَاؤُكُمْ)، بالرفع على معنى: وأجمعوا أمركم، وليجمع أمرَهم أيضًا معكم شركاؤكم. (14)

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك قراءةُ من قرأ: ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ) ، بفتح الألف من " أجمعوا "، ونصب " الشركاء "، لأنها في المصحف بغير واو، ولإجماع الحجة على القراءة بها ، ورفض ما خالفها، ولا يعترض عليها بمن يجوز عليه الخطأ والسهو.

* * *

وعني ب " الشركاء " ، آلهتهم وأوثانهم.

* * *

وقوله: (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) ، يقول: ثم لا يكن أمركم عليكم ملتبسًا مشكلا مبهمًا.

* * *

، من قولهم: " غُمَّ على الناس الهلال "، وذلك إذا أشكل عليهم فلم يتبيَّنوه، ومنه قول [العجاج]: (15)

بَــلْ لَـوْ شَـهِدْتِ النَّـاسَ إِذْ تُكُمُّـوا

بِغُمّــةٍ لَــوْ لَــمْ تُفَــرَّجْ غُمُّـوا (16)

وقيل: إن ذلك من " الغم "، لأن الصدر يضيق به ، ولا يتبين صاحبه لأمره مَصدرًا يَصْدُرُه يتفرَّج عليه ما بقلبه، (17) ومنه قول خنساء:

وَذِي كُرْبَـةٍ رَاخَـى ابْنُ عَمْرٍو خِنَاقَه

وَغُمَّتَــهُ عَــنْ وَجْهِــهِ فَتَجَـلَّتِ (18)

* * *

وكان قتادة يقول في ذلك ما:

17761- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أمركم عليكم غمة) ، قال: لا يكبر عليكم أمركم.

* * *

وأما قوله: (ثم اقضوا إليّ) ، فإن معناه: ثم أمضوا إليّ ما في أنفسكم وافرغوا منه، كما:-

17762- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون)، قال: اقضوا إليّ ما كنتم قاضين.

17763- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون) ، قال: اقضوا إليّ ما في أنفسكم.

17764- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

* * *

واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: (ثم اقضوا إليّ) . (19) .

فقال بعضهم: معناه: امضوا إلي، كما يقال: " قد قضى فلان "، يراد: قد مات ومَضَى.

* * *

وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افرغوا إليّ، وقالوا: " القضاء "، الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأنّ " قضى دينه " من ذلك ، إنما هو فَرَغ منه.

* * *

وقد حُكي عن بعض القراء أنه قرأ ذلك: (ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ) ، بمعنى: توجَّهوا إليّ حتى تصلوا إليّ، من قولهم: " قد أفْضَى إليّ الوَجَع وشبهه ". (20)

* * *

وقوله: (ولا تنظرون) ، يقول: ولا تؤخرون.

* * *

، من قول القائل: " أنظرت فلانًا بما لي عليه من الدين " . (21)

* * *

قال أبو جعفر: وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه: إنه بنُصرة الله له عليهم واثق ، ومن كيدهم وبوائقهم غير خائف (22) ، وإعلامٌ منه لهم أن آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع، يقول لهم: أمضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيَّ ، على عزم منكم صحيح، واستعينوا مع من شايعكم عليّ بآلهتكم التي تدْعون من دون الله، ولا تؤخروا ذلك ، فإني قد توكلت على الله ، وأنا به واثق أنكم لا تضروني إلا أن يشاء ربي.

وهذا وإن كان خبرًا من الله تعالى عن نوح، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على التأسّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قلَّده من الرسالة والبلاغ عنه.

-----------------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف من فهارس اللغة ( تلا ).

(2) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف ص : 102 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(3) انظر تفسير " كبر " فيما سلف 11 : 336 ، 337 .

(4) انظر تفسير " التذكير " فيما سلف من فهارس اللغة ( ذكر ).

(5) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف 14 : 587 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(6) في المطبوعة : " وما تقدمون عليه " ، وفي المخطوطة : " وما سومون " غير منقوطة ، وهو وهم من الناسخ ، والصواب الذي أرجحه ، ما أثبت ، لأن " الإجماع " هو إحكام النية والعزيمة .

(7) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 473 ، وقد فصل القول فيه هناك .

(8) هذا حديث رواه بلا إسناد . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، من حديث حفصة أم المؤمنين . انظر سنن أبي داود 2 : 441 ، 442 ، رقم : 2454 .

(9) لم أعرف قائله ، ولكني أظنه لأبي النجم ، هكذا أذكر .

(10) نوادر أبي زيد : 133 ، معاني القرآن للفراء 1 : 473 ، اللسان ( جمع ) ، ( زفا ) ، وبعده فيما روى أبو زيد :

وَتَحْــتَ رَحْــلِي زَفَيَــانٌ مَيْلَـعُ

حَــرْفٌ , إذَا مَــا زُجِـرَتْ تَبَـوَّعُ

.

(11) الأثر : 17760 - " عبد الوهاب " ، هو " عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي " ، مضى مرارًا كثيرة ، آخرها رقم : 14229 . " وهارون " هو " هارون بن موسى " الأعور النحوي ، مضى برقم : 4985 ، 11693 ، 15514 ، 15515 ." وأسيد " ، هو " أسيد بن أبي أسيد ، يزيد " ، البراد . روى الحروف عن الأعرج ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1/ 49 ، ولم يزد على أن قال " أسيد ، حدثنا موسى ، حدثنا هارون ، عن أسيد سمع عكرمة ، وعن الأعرج في القراءة " ، لم يذكر له نسبًا . وفي ابن أبي حاتم 1 / 1 / 316 ، في ترجمة " أسيد بن يزيد المدني " ، وقال : " روى عن الأعرج ، روى عنه هارون النحوي". ثم أتبعه بترجمة " أسيد بن أبي أسيد البراد " ، وقال : " واسم أبي أسيد يزيد " ، ولم يذكر له رواية عن الأعرج ، ولا في الرواة عنه هارون النحوي ، فجعلهما رجلين . بيد أني رأيت ابن الجزري في طبقات القراء 1 : 381 في ترجمة " الأعرج " ، وهو " عبد الرحمن بن هرمز " قال : " وروى عنه الحروف أسيد بن أبي أسيد " . وانظر هذا الاختلاف في التهذيب ، وما قاله الحافظ ابن حجر هناك .

(12) مضى البيت وتخريجه في مواضع ، آخرها 13 : 434 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك ، وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 473 .

(13) في المطبوعة والمخطوطة : " فاكتفى " بالفاء ، والصواب حذفها ، وإنما خلط الناسخ .

(14) انظر تفصيل هذا في معاني القرآن للفراء 1 : 473 .

(15) في المطبوعة والمخطوطة : " ومنه قول رؤبة " ، وأنا أرجح أنه خطأ من الناسخ ، فلذلك وضعته بين القوسين ، وإنما نقل هذا أبو جعفر من مجاز القرآن لأبي عبيدة ، وهو فيه على الصواب " العجاج " .

(16) ديوانه : 63 ، واللسان ( غمم ) ، ( كمم ) ، وغيرها . أول رجز له طويل في ديوانه ، ذكر فيه مسعود بن عمرو العتكي ، وما أصابه وقومه من تميم رهط العجاج ، وسلف بيان ذلك 13 : 75 ، تعليق : 2 ، في شرح بيت من هذا الرجز . وقوله : " تكموا " من قوله : " تكممه " ، أي غطاه وغشاه ، ثم لما توالت الميمات في " تكمموا " ، قلبت الأخيرة ياء ، كما قيل في " التظنن " و " التظني " ، فلما أسند إليه الواو ، قال : " تكموا " .

(17) في المطبوعة : " يتفرج عنه " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .

(18) ديوانها : 22 ، وروايته " ومُخْتَنِقٍ رَاخَى ابنُ عَمْرٍو " من رثائها في أخيها صخر .

(19) انظر تفسير " قضى " فيما سلف ص : 33 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(20) انظر بيان هذه القراءة في معاني القرآن للفراء 1 : 474 .

(21) انظر تفسير " الإنظار " فيما سلف 13 : 322 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(22) في المطبوعة : " من كيدهم وتواثقهم " ، وهي قراءة فاسدة ، صوابها ما أثبت . والمخطوطة غير منقوطة . و " البوائق " ، جمع " بائقة " . يعني : غوائلهم وشرهم وظلمهم وبغيهم عليه .

التدبر :

وقفة
[71] ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ﴾ النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه، وفيه فائدة مهمة، ويأتي مع ما هو أهم.
عمل
[71] أخبر بعض زملائك أو قرابتك عن قصة نبي الله تعالى نوح بعد قراءتها من بعض الكتب؛ فإن الله تعالى يقول لنبيه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ﴾.
وقفة
[71] ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّـهِ﴾ يشق عليهم مقام النبي بينهم، ولا يطيقون وجوده داعيًا بين أظهرهم، وهو نبي يوحى إليه، فمن سار في طريق الأنبياء سيواجه نفس العناء.
وقفة
[71] ﴿فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ﴾ سلاح المؤمن في مواجهة أعدائه هو التوكل على الله.
وقفة
[71] ﴿فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ﴾ صدق التوكل على الله هو باعث القوة الأول في القلب لإعلان هذا التحدي والتقدم بمثل هذا الطلب التعجيزي.
لمسة
[71] ﴿فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ﴾ معناها: (لا أتوكل إلا على الله)، وهي بهذه الصيغة لا تقبل العطف عليها، بخلاف لو قال: (توكلت على الله) فإنها تقبل العطف.
وقفة
[71] ﴿فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ يستطيع العبد -بتوكله على ربه- أن يُلقي بأعدائه خلف قضبان العجز.
وقفة
[71] ﴿فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ تحداهم نوح بقوة التوكل، القوات التي تحسم المعركة مع مخاوفنا هي في إيماننا، مفتاح النصر بقلبك.
عمل
[71] إذا نصب الأعداء حبائل المكر؛ فعليك بسلاح لا يُهزم: التوكل على الله، وكما قال نوح لقومه: ﴿فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾.
وقفة
[71] ﴿فعلى اللَّهِ تَوَكَّلتُ فَأَجْمعُوا أَمْركُمْ وَشركَاءكُمْ ثمَّ لَا يكنْ أَمرُكُمْ عَليكُمْ غمَّةً ثُمَّ اقضُوا إِليَّ ولَا تُنظِرُون﴾ بعد الأخذ بالأسباب، وتبليغ رسالة الله، لن يضرنا اجتماع الباطل، المؤمن لا يضره -إذا استقر اليقين في قلبه- كثرة الباطل.
وقفة
[71] ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ أي: انفذوا فيما تريدون، ومعنى الآية: أن نوحًا عليه السلام قال لقومه: إن صعب عليكم دعائي لكم إلى الله فاصنعوا بي غاية ما تريدون، وإني لا أبالي بكم؛ لتوكلي على الله، وثقتي به سبحانه.
وقفة
[71] ﴿ثم اقضوا إليّ ولا تُنظرون﴾ قمة التوكل على الله عز وجل في أحلك الأزمات وأشد الظروف، فمن كان الله معه جابه جيوش الأرض قاطبة.
وقفة
[71] ﴿ثم اقضوا إليّ ولا تُنظرون﴾ نوح عليه السلام في كلامه هذا يظهر بوضوح قمة توكله؛ الثقة واليقين لا تكون إلا بالله.
وقفة
[71] أي قوة يقذفها الله في قلوب عباده المتوكلين عليه؟! ﴿ثم اقضوا إليّ ولا تُنظرون﴾ قالها نوح عليه السلام وهو الذي: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: 40].
وقفة
[71] ليكن إيمانك بمبادئك راسخًا صلبًا لا يهتز في المحن وعند الفتن: ﴿اقضوا إليّ ولا تُنظرون﴾، ﴿إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: 25]، وكن هينًا لينًا واسع الصدر في إقناع الآخرين في دينك، ودعوة الناس إليه: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [يس: 20، 21]، ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].

الإعراب :

  • ﴿ واتل عليهم نبأ نوح:
  • الواو: استئنافية. اتل: فعلٍ أمر مبني على حذف آخره - حرف العلة - والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. على: حرف جر و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بأتل. نبأ: مفعول به منصوب بالفتحة. نوح: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وقد صرف الاسم رغم عجمته وتعريفه لأنه من ثلالة أحرف أوسطه ساكن.
  • ﴿ إذ قال لقومه:
  • إذ: ظرف زمان بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب متعلق بأتل. قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. لقومه: جار ومجرور متعلق بقال والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. وجملة \"قال لقومه\" في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف إذ.
  • ﴿ يا قوم:
  • يا: أداة نداء. قوم: منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة الحركة الدالة على ياء المتكلم المحذوفة. والياء المحذوفة ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنْ كان كبر عليكم:
  • إنْ: حرف شرط جازم. كان: فعل ماضٍ مبني على الفتح في محل جزم بأنْ لأنه فعل الشرط واسمه ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعود على مقامي. كبر: بمعنى شقّ: فعل ماضٍ مبني على الفتح. عليكم: جار ومجرور متعلق بكبر. والميم علامة جمع الذكور. وجملة \"كبر عليكم مقامي\" في محل نصب خبر \"كان\".
  • ﴿ مقامي:
  • فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء التكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة التاء. الياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي قيامي بالدعوة إلى الحق.
  • ﴿ وتذكيري بآيات الله:
  • وتذكيري: معطوفة بالواو على \"مقامي\" وتعرب إعرابها. ومفعول اسم المصدر \"تذكيري\" محذوف والتقدير: تذكيري إياكم. بآيات: جار ومجرور متعلق بتذكيري. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فعلى الله توكلت:
  • الجملة جواب شرط جازم مفترن بالفاء في محل جزم. الفاء: واقعة في جواب الشرط. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بتوكلت وقدم على الفعل للأهمية وعلامة الجر الكسرة. توكلت: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ فأجمعوا أمركم:
  • الفاء عاطفة أو بدل من فاء \"فعلى\" أي واقعة في جواب الشرط ويجوز أن تكون استئنافية. اجمعوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أمركم: مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. والميم علامة جمع الذكور. أي فاعزموا أمركم.
  • ﴿ وشركاءكم:
  • الواو عاطفة شركاءكم تعرب إعراب \"أمركم\" بتقدير: وادعوا شركاءكم أو لأن الواو للمعية بمعنى \"مع\".
  • ﴿ ثم لا يكن أمركم:
  • ثم: عاطفة. لا: ناهية جازمة. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الواو لالتقاء الساكنين أمركم: اسم \"يكن\" مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ عليكم غمة:
  • جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من \"غمة\". غمة: خبر\"يكن\" منصوب بالفتحة أي لا تجعلوا أمركم مستوراً.
  • ﴿ ثم اقضوا إلي:
  • ثم: عاطفة. اقضوا: تعرب إعراب \"اجمعوا\". إلي: جار ومجرور متعلق بأقضوا أي اقضوا الي ذلك الأمر الذي تريدون بي.
  • ﴿ ولا تنظرون:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تنظرون: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. النون نون الوقاية والياء المحذوفة اختصاراً ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به والكسرة هي الحركة الدالة على الياء المحذوفة أي لا تمهلوني. '

المتشابهات :

المائدة: 27﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
الأعراف: 175﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا
يونس: 71﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي
الشعراء: 69﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبراهيم

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     وبعد ذكر أدلَّة الوحدانيةِ، وذكَر ما جرى بين الرَّسولِ والكفَّارِ؛ ذكَرَ اللهُ هنا بعضَ قَصصِ الأنبياءِ؛ لِيَعلمَ المشركونَ عاقبةَ مَن كَذَّبَ الأنبياءَ، ولِيَتأسَّى النَّبيُّ r بمَن قَبلَه من الأنبياءِ؛ فيَخِفَّ عليه ما يلقَى مِن التَّكذيبِ، فبدأَ بقصَّةِ نوحٍ عليه السلام ، قال تعالى:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فأجمعوا:
1- فأجمعوا، من أجمع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- فاجمعوا، بوصل الألف وفتح الميم، من جمع، وهى قراءة الزهري، والأعمش، والجحدري، وأبى رجاء، والأعرج، والأصمعى عن نافع، ويعقوب.
ثم اقضوا:
قرئ:
ثم أفضوا، بالفاء وقطع الألف، من: أفضى بكذا: انتهى إليه، وهى قراءة السرى بن ينعم.

مدارسة الآية : [72] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ ..

التفسير :

[72] فإن أعرضتم عن دعوتي فإنني لم أسألكم أجراً؛ لأن ثوابي عند ربي وأجري عليه سبحانه، وحده لا شريك له، وأُمرت أن أكون من المنقادين لحكمه.

‏{‏فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏}‏ عن ما دعوتكم إليه، فلا موجب لتوليكم، لأنه تبين أنكم لا تولون عن باطل إلى حق، وإنما تولون عن حق قامت الأدلة على صحته، إلى باطل قامت الأدلة على فساده‏.‏

ومع هذا ‏{‏فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ‏}‏ على دعوتي، وعلى إجابتكم، فتقولوا‏:‏ هذا جاءنا ليأخذ أموالنا، فتمتنعون لأجل ذلك‏.‏

‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ لا أريد الثواب والجزاء إلا منه، ‏{‏و‏}‏ أيضًا فإني ما أمرتكم بأمر وأخالفكم إلى ضده، بل ‏{‏أمرت أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ فأنا أول داخل، وأول فاعل لما أمرتكم به‏.‏

ولنمض مع القصة حتى النهاية لنرى الدليل على ذلك فقد حكى- سبحانه- ما دار بين نوح وبين قومه بعد هذا التحدي السافر لهم فقال:

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أى: فإن أعرضتم- أيها الناس- عن قولي، وعن تذكيري إياكم بآيات الله بعد وقوفكم على أمرى وعلى حقيقة حالي. فما سألتكم من أجر، أى: فإنى ما سألتكم في مقابل تذكيري لكم، أو دعوتي إياكم الى الحق، من أجر تؤدونه لي- إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وحده، فهو الذي يثيبني على قولي وعملي وهو الذي يعطيني من الخير ما يغنيني عن أجركم وعطائكم وهو- سبحانه- الذي أمرنى أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أى: المنقادين لأمره. المتبعين لهديه، المستسلمين لقضائه وقدره.

( فإن توليتم ) أي : كذبتم وأدبرتم عن الطاعة ، ( فما سألتكم من أجر ) أي : لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا ، ( إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) أي : وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلام لله عز وجل ، والإسلام هو دين [ جميع ] الأنبياء من أولهم إلى آخرهم ، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم ، كما قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) [ المائدة : 48 ] . قال ابن عباس : سبيلا وسنة . فهذا نوح يقول : ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) [ النمل : 91 ] ، وقال تعالى عن إبراهيم الخليل : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ البقرة : 131 ، 132 ] ، وقال يوسف : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ] . وقال موسى ( ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) [ يونس : 84 ] . وقالت السحرة : ( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) [ الأعراف : 126 ] . وقالت بلقيس : ( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) [ النمل : 44 ] . وقال [ الله ] تعالى : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) [ المائدة : 44 ] ، وقال تعالى : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ) [ المائدة : 111 ] وقال خاتم الرسل وسيد البشر : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) [ الأنعام : 162 ، 163 ] أي : من هذه الأمة ؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد " أي : وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت شرائعنا ، وذلك معنى قوله : " أولاد علات " ، وهم : الإخوة من أمهات شتى والأب واحد .

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)

يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نبيه نوح عليه السلام لقومه: (فإن توليتم ) ، أيها القوم ، عني بعد دعائي إياكم ، وتبليغ رسالة ربي إليكم ، مدبرين، فأعرضتم عمّا دعوتكم إليه من الحقّ ، والإقرار بتوحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، وترك إشراك الآلهة في عبادته، فتضييعٌ منكم وتفريطٌ في واجب حق الله عليكم، لا بسبب من قبلي، فإني لم أسألكم على ما دعوتكم إليه أجرًا ، ولا عوضًا أعتاضه منكم بإجابتكم إياي إلى ما دعوتكم إليه من الحق والهدى، ولا طلبت منكم عليه ثوابًا ولا جزاءً ، (إن أجري إلا على الله) يقول جل ثناؤه: إن جزائي وأجر عملي وثوابه إلا على ربي ، لا عليكم ، أيها القوم ، ولا على غيركم ، (وأمرت أن أكون من المسلمين) ، وأمرني ربي أن أكون من المذعنين له بالطاعة ، المنقادين لأمره ونهيه ، المذللين له، ومن أجل ذلك أدعوكم إليه ، وبأمره آمركم بترك عبادة الأوثان. (23)

* * *

التدبر :

وقفة
[72] ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ﴾ من كان عمله لله لم يطلب أجرًا عليه من غير الله، وهذا سمت من أخلص عمله لله.
وقفة
[72] ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ﴾ عجيب أن يُعرض البعض عمن يدعوه إلى الجنة دون أن يتقاضى على ذلك أجرًا، ويقبل على من يدعوه إلى النار، ويبذل في ذلك الأموال والأوقات.
وقفة
[72] ﴿فَمَا سَأَلْتُكُم﴾ على تبليغ الرسالة والدعوة ﴿مِّنْ أَجْرٍ﴾: جُعل وعوض، ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾: ما أجري وثوابي ﴿إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾.
وقفة
[72] لو تفطَّن كثير من المصلحين شعار الأنبياء: ﴿فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ لأدركوا سبب الخلل الطارئ على إصلاحهم الدعوي!
عمل
[72] ساعد أحد الدعاة، أو إحدى المؤسسات الخيرية محتسبًا الأجر من الله تعالى ﴿فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
عمل
[72] ‏﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ ذكِّر بها نفسك عند أي عمل تقوم به، لا تنتظر جزاءً من أحد الله وحده يجزيك.
عمل
[72] ‏﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ ذَكِّر بها نفسك عندما يجحد الناس فضلك.
وقفة
[72] ‏﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ كم ذُكرت على لسان الأنبياء عليهم السلام! بهذا المنهج تهون المصاعب ويغدو الطموح لا حدود له.

الإعراب :

  • ﴿ فإنْ توليتم:
  • الفاء: استئنافية. إنْ: حرف شرط جازم. توليتم: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإنْ. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة الجمع.
  • ﴿ فما سألتكم:
  • الجملة جواب شرط جازم فعلها منفي بما المسبوقة بالفاء في محل جزم بإن. فما: الفاء واقعة في جواب الشرط. ما: نافية لا عمل لها. سألتكم: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم لجمع الذكور.
  • ﴿ من أجر:
  • جار ومجرور متعلق بسألتكم: فإنْ أعرضتم عما أدعوكم إليه فما سألتكم من أجر عليه يوجب إعراضكم.
  • ﴿ إنْ أجري:
  • إنْ: مهملة نافية بمعنى \"ما\". أجري: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة مناسبة. والياء ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إلاّ على الله:
  • إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ \"أجري\".
  • ﴿ وأمرت أن أكون:
  • الواو: استئنافية. أمرت: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل. أنْ: حرف مصدرية ونصب. أكون: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة واسمه ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره: أنا. وجملة \"أكون من المسلمين\" صلة \"أنْ\" المصدرية لا محل لها. و\"أن\" وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر أي بأن أكون. التقدير: كوني والجار والمجرور متعلق بأمرت.
  • ﴿ من المسلمين:
  • جار ومجرور متعلق بخبر \"أكون\" وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

المائدة: 92﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
يونس: 72﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ
التغابن: 12﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     ولما كان من أعظم ما يصرف الناس عمن يدعوهم إلى شيء ما، هو طلب ما في أيديهم من المال؛ نجد هنا نوح عليه السلام يُبَيَّنَ لقومه أنه لم يسألهم في مقابلة ما دعاهم إليه أجرًا، قال تعالى:
﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [73] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ..

التفسير :

[73] فكذَّب نوحاً قومُه فيما أخبرهم به عن الله، فنجَّيناه هو ومن معه في السفينة، وجعلناهم يَخْلُفون المكذبين في الأرض، وأغرقنا الذين جحدوا حججنا، فتأمَّلْ -أيها الرسول- كيف كان عاقبة القوم الذين أنذرهم رسولهم عذاب الله وبأسه؟

‏{‏فَكَذَّبُوهُ‏}‏ بعد ما دعاهم ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا، ‏{‏فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ‏}‏ الذي أمرناه أن يصنعه بأعيننا، وقلنا له إذا فار التنور‏:‏ فـ ‏{‏احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ‏}‏ ففعل ذلك‏.‏

فأمر الله السماء أن تمطر بماء منهمر وفجر الأرض عيونًا، فالتقى الماء على أمر قد قدر‏:‏ ‏{‏وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ‏}‏ تجري بأعيننا، ‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ‏}‏ في الأرض بعد إهلاك المكذبين‏.‏

ثم بارك الله في ذريته، وجعل ذريته، هم الباقين، ونشرهم في أقطار الأرض، ‏{‏وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا‏}‏ بعد ذلك البيان، وإقامة البرهان، ‏{‏فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏ وهو‏:‏ الهلاك المخزي، واللعنة المتتابعة عليهم في كل قرن يأتي بعدهم، لا تسمع فيهم إلا لوما، ولا ترى إلا قدحًا وذمًا‏.‏

فليحذر هؤلاء المكذبون، أن يحل بهم ما حل بأولئك الأقوام المكذبين من الهلاك، والخزي، والنكال‏.‏

ثم بين - سبحانه - العاقبة الطيبة التي آل إليها أمر نوح عليه السلام والعاقبة السيئة التى انتهى إليها حال قومه فقال : ( فَكَذَّبُوهُ ) أى : فكذب قوم نوح نبيهم نوحا بعد أن دعاهم إلى الحق ليلا ونهارا وسرا وعلانية .

فماذا كانت نتيجة هذا التكذيب؟ كانت نتيجته كما حكته السورة الكريمة ( فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فى الفلك ) أى : فنجينا نوحا ومن معه من المؤمنين ، بأن أمرناهم أن يركبوا فى السفينة التي صنعوها بأمر الله ، حتى لا يغرقهم الطوفان الذى أغرق المكذبين .

وقوله : ( وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ ) أى : وجعلنا هؤلاء الناجين خلفاء فى الأرض لأولئك المغرقين الذين كذبوا نبيهم نوحا - عليه السلام - وعموا وصموا عن الحق الذى جاءهم به ودعاهم إليه .

هذه هى عاقبة نوح والمؤمنين معه أما عاقبة من كذبوه فقد بينها - سبحانه - فى قوله : ( وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) أى : وأغرقنا بالطوفان الذين كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا .

( فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين ) أى : فانظر وتأمل - أيها العاقل - كيف كانت نتيجة تكذيب هؤلاء المنذرين الذين لم تنفع معهم النذر والآيات التي جاءهم بها نبيهم نوح - عليه السلام - .

فالمراد بالأمر بالنظر هنا : التأمل والاتعاظ والاعتبار لا مجرد النظر الخالي عن ذلك .

وهكذا نجد أن من العبر والعظات التي من أجلها ساق الله - تعالى - قصة نوح - عليه السلام - بهذه الصورة الموجزة هنا : إبراز ما كان عليه نوح - عليه السلام - من شجاعة وقوة وهو يبلغ رسالة الله إلى الناس ، واعتماده التام على خالقه ، وتوكله عليه وحده وتحديه السافر للمكذبين الذين وضعوا العراقيل والعقبات فى طريق دعوته ، وتحريضه لهم بمثيرات القول على مهاجمته إن كان فى إمكانهم ذلك ومصارحته لهم بأنه فى غنى عن أموالهم لأن خالقه - سبحانه - قد أغناه عنهم ، وبيان أن سنة الله لا تتخلف ولا تتبدل وهذه السنة تتمثل فى أنه - سبحانه - قد جعل حسن العاقبة للمؤمنين وسوء العاقبة للمكذبين .

وقوله تعالى : ( فكذبوه فنجيناه ومن معه ) أي : على دينه ( في الفلك ) وهي : السفينة ، ( وجعلناهم خلائف ) أي : في الأرض ، ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) أي : يا محمد كيف أنجينا المؤمنين ، وأهلكنا المكذبين .

القول في تأويل قوله تعالى : فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه فيما أخبرهم به عن الله من الرسالة والوحي ، " فنجيناه ومن معه " ممن حمل معه ، في " الفلك "، يعني في السفينة (24) ، " وجعلناهم خلائف " ، يقول: وجعلنا الذين نجينا مع نوح في السفينة خلائف في الأرض من قومه الذين كذبوه (25) بعد أن أغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، ، يعني حججنا وأدلتنا على توحيدنا، ورسالة رسولنا نوح.

يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " فانظر " ، يا محمد ، كيف كان عاقبة المنذرين " وهم الذين أنذرهم نوحٌ عقابَ الله على تكذيبهم إياه وعبادتهم الأصنام. يقول له جل ثناؤه: انظر ماذا أعقبهم تكذيبهم رسولَهم، فإن عاقبة من كذَّبك من قومك إن تمادوا في كفرهم وطغيانهم على ربهم ، نحو الذي كان من عاقبة قوم نوح حين كذبوه. (26)

يقول جل ثناؤه: فليحذروا أن يحلّ بهم مثل الذي حلّ ، بهم إن لم يتوبوا.

-----------------------

الهوامش :

(23) انظر تفسير " التولي " و " الأجر " ، و " الإسلام " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) ، ( أجر ) ، ( سلم ) .

(24) انظر تفسير " الفلك " فيما سلف 12 : 502 / 15 : 55 .

(25) انظر تفسير "الخلافة" فيما سلف ص: 38، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(26) انظر تفسير " العاقبة " فيما سلف ص : 93 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[73] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ وتقدم ذكر إنجائه قبل ذكر الإغراق -الذي وقع الإنجاء منه- للإشارة إلى أن إنجاءه أهم عند الله تعالى من إغراق مكذبيه، ولتعجيل المسرة للمسلمين السامعين لهذه القصة.
وقفة
[73] لا ينجي المؤمن من أذى الخلق إلا الله تعالى، فاستعذ به وحده ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾.
وقفة
[73] ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ﴾ عاقبة الصبر في تنفيذ أمر الله، وتبليغ دعوته: نجاة واستخلاف، وتمكين.
وقفة
[73] ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ﴾ (خلائف): قوم خلفوا أناسًا كافرين، الناجون من المسلمين من قوم نوح خلفوا الكافرين المهلكين، و(خلفاء): قوم خلفوا أناسًا صالحين، قوم هود خلفوا المسلمين الذين ماتوا من قوم نوح، لذا نقول الخلفاء الراشدين؛ لأنهم خلفوا الرسول عليه السلام، ولا نقول خلائف.
تفاعل
[73] ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[73] ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ جاءت عقب إنذار نوح لقومه، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 84] جاءت وصفًا لقوم لوط، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 103] جاءت وصفًا لقوم فرعون، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [39] جاءت وصفًا لمن كذب بالقرآن، ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الزخرف: 25] جاءت وصفًا لمن كذب الرسل.
وقفة
[73] ﴿الْمُنذَرِينَ﴾ أي المكذبين، حيث لم يفد الإنذار فيهم، وقد جرت سنة الله أن لا يهلك قومًا بالاستئصال إلا بعد الإنذار، فمن أنذر فقد أعذر.

الإعراب :

  • ﴿ فكذبوه:
  • الفاء: استئنافية. كذبوه: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فنجيناه:
  • الفاء: استئنافية. نجيناه: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و\"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ومن معه في الفلك:
  • الواو: عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على ضمير \"نجيناه\" أي ونجينا من معه. معه: ظرف مكان يدل على المصاحبة في محل نصب متعلق بصلة الموصول المحذوفة. التقدير \"ومن آمن معه\" والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. في الفلك: جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة: أي في السفينة.
  • ﴿ وجعلناهم خلائف:
  • وجعلنا: معطوفة بالواو على \"نجينا\" وتعرب إعرابها و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. خلائف: مفعول به ثانٍ منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن \"مفاعل\" بمعنى: خلفاء للذين أهلكناهم.
  • ﴿ وأغرقنا الذين:
  • معطوفة بالواو على \"نجينا\" وتعرب إعرابها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ كذيوا بآياتنا:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. كذبوا: أعربت. بآيات: جار ومجرور متعلق بكذبوا و\"نا\" ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فانظر:
  • الفاء: استئنافية. انظر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت.
  • ﴿ كيف كان عاقبة المنذرين:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر \"كان\" مقدم. عاقبة: اسم \"كان\" مرفوع بالضمة. المنذرين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. بمعنى: المنذرين بالهلاك المبين. أما \"كان\" فهي فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح وذكر فعل الفاعل لأن \"عاقبة\" بمعنى عقاب. '

المتشابهات :

الأعراف: 64﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
يونس: 73﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     ولمَّا حكى اللهُ عز وجل الكلمات التي جرت بين نوح عليه السلام وبين قومه؛ بَيَّنَ هنا العاقبة الطيبة التي آل إليها أمر نوح عليه السلام ومن معه، والعاقبة السيئة التي انتهى إليها حال قومه، قال تعالى:
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [74] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً ..

التفسير :

[74] ثم بعثنا من بعد نوح رسلاً إلى أقوامهم (هوداً وصالحاً وإبراهيم ولوطاً وشعيباً وغيرَهم)، فجاء كلُّ رسول قومَه بالمعجزات الدالة على رسالته، وعلى صحة ما دعاهم إليه، فما كانوا ليصدِّقوا ويعملوا بما كذَّب به قوم نوح ومَن سبقهم من الأمم الخالية. وكما ختم ال

أي‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَا‏}‏ من بعد نوح عليه السلام ‏{‏رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ‏}‏ المكذبين، يدعونهم إلى الهدى، ويحذرونهم من أسباب الردى‏.‏

‏{‏فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ‏}‏ أي‏:‏ كل نبي أيد دعوته، بالآيات الدالة على صحة ما جاء به‏.‏

‏{‏فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ‏}‏ يعني‏:‏ أن الله تعالى عاقبهم حيث جاءهم الرسول، فبادروا بتكذيبه، طبع الله على قلوبهم، وحال بينهم وبين الإيمان بعد أن كانوا متمكنين منه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏

ولهذا قال هنا‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ أي‏:‏ نختم عليها، فلا يدخلها خير، وما ظلمهم ‏[‏الله‏]‏، ولكنهم ظلموا أنفسهم بردهم الحق لما جاءهم، وتكذيبهم الأول‏.‏

أى: ثم بعثنا من بعد نوح- عليه السلام- رسلا كثيرين ذوى قدر عظيم إلى أقوامهم، ليخرجوهم من ظلمات الكفر إلى نور الايمان فهود- عليه السلام- أرسلناه إلى قوم عاد، وصالح- عليه السلام- أرسلناه إلى ثمود، وهكذا أرسلنا رسلا كثيرين إلى أقوامهم.

وقوله: فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أى: فأتى كل رسول قومه بالمعجزات الواضحات، وبالحجج الساطعات الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.

وقوله- فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ بيان لموقف هؤلاء الأقوام الجاحدين من رسلهم الذين جاءوا لهدايتهم وسعادتهم.

وللمفسرين في معنى هذه الجملة الكريمة أقوال:

فمنهم من يرى أن الضمائر في «كانوا، ويؤمنوا، وكذبوا» تعود على أقوام الرسل الذين جاءوا من بعد نوح- عليه السلام- وأن المراد بقوله: مِنْ قَبْلُ أى: من قبل مجيء الرسل إليهم.

والمعنى على هذا الرأى: ثم بعثنا من بعد نوح- عليه السلام- رسلا كثيرين إلى أقوامهم فجاءوهم بالمعجزات الدالة على صدقهم، إلا أن هؤلاء الأقوام الأشقياء. استمروا على كفرهم وعنادهم، وامتنعوا عن الإيمان بما كذبوا به من قبل مجيء الرسل إليهم وهو إفراد الله- تعالى- بالعبادة والطاعة فكان حالهم في الإصرار على الكفر والجحود قبل مجيء الرسل إليهم، كحالهم بعد أن جاءوهم بالهدى ودين الحق، حتى لكأنهم لم يأتهم من بشير ولا نذير.

ومن المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى الإمام البيضاوي فقد قال: «قوله: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا أى: فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر، وخذلان الله إياهم.. بما كذبوا به من قبل، أى بسبب تعودهم تكذيب الحق، وتمرنهم عليه قبل بعثة الرسل- عليهم الصلاة والسلام-»

ومنهم من يرى- أيضا- أن الضمائر تعود على أقوام الرسل الذين جاءوا من بعد نوح- عليه السلام- إلا أن المراد بقوله مِنْ قَبْلُ: أى: من قبل ابتداء دعوة الرسل لهؤلاء الأقوام.

وعليه يكون المعنى: ثم بعثنا من بعد نوح- عليه السلام- رسلا كثيرين إلى أقوامهم، فجاءوهم بالأدلة الواضحة الدالة على صدقهم، إلا أن هؤلاء الأقوام قابلوا رسلهم بالتكذيب من أول يوم، واستمروا على ذلك حتى آخر أحوالهم معهم، فكان تكذيبهم لهم في آخر أحوالهم معهم، يشبه تكذيبهم لهم من قبل. أى: في أول مجيئهم إليهم.

ومن المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى: الإمام ابن كثير فقد قال: «قوله: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ أى: فما كانت الأمم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم، بسبب تكذيبهم إياهم أول من أرسلوا إليهم، كما قال- تعالى- وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ .

ومنهم من يرى أن الضمير في قوله «كانوا ويؤمنوا» يعود على أقوام الرسل الذين جاءوا من بعد نوح- عليه السلام- وأن الضمير في قوله «كذبوا» يعود إلى قوم نوح، وعلى هذا الرأى يكون المعنى:

ثم بعثنا من بعد نوح- عليه السلام- رسلا إلى أقوامهم. فجاءوهم بالآيات البينات الدالة على صدقهم، ولكن هؤلاء الأقوام استمروا في كفرهم وعنادهم، وأبوا أن يؤمنوا بوحدانية الله التي كذب بها قوم نوح من قبل.

ومن المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى الإمام ابن جرير فقد قال «قوله: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ يقول: «فما كانوا ليصدقوا بما جاءتهم به رسلهم وبما كذب به قوم نوح ومن قبلهم من الأمم الخالية..».

وعلى أية حال فهذه الأقوال الثلاثة، تدل على أن هؤلاء الأقوام عموا وصموا عن الحق، واستمروا على ذلك دون أن تحولهم الآيات البينات التي جاءهم بها الرسل عن عنادهم وضلالهم.

وقوله: كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ بيان لسنة الله- تعالى- في خلقه التي لا تتخلف ولا تتبدل. والطبع: الختم والاستيثاق بحيث لا يخرج من الشيء ما دخل فيه، ولا يدخل فيه ما خرج منه.

أى: مثل ذلك الطبع المحكم نطبع على قلوب المعتدين المتجاوزين للحدود في الكفر والجحود، وذلك بخذلانهم، وتخليتهم وشأنهم، لانهماكهم في الغواية والضلال.

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك، جانبا من قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون وملئه، فبدأت بحكاية بعض المحاورات التي دارت بينه وبينهم، فقال- تعالى-:

يقول تعالى : ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم ، فجاءوهم بالبينات ، أي : بالحجج والأدلة والبراهين على صدق ما جاءوهم به ، ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) أي : فما كانت الأمم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم ، بسبب تكذيبهم إياهم أول ما أرسلوا إليهم ، كما قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) [ الأنعام : 110 ] .

وقوله : ( كذلك نطبع على قلوب المعتدين ) أي : كما طبع الله على قلوب هؤلاء ، فما آمنوا بسبب تكذيبهم المتقدم ، هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم ، ويختم على قلوبهم ، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم .

والمراد : أن الله تعالى أهلك الأمم المكذبة للرسل ، وأنجى من آمن بهم ، وذلك من بعد نوح ، عليه السلام ، فإن الناس كانوا من قبله من زمان آدم عليه السلام على الإسلام ، إلى أن أحدث الناس عبادة الأصنام ، فبعث الله إليهم نوحا ، عليه السلام ؛ ولهذا يقول له المؤمنون يوم القيامة : أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض .

وقال ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على الإسلام .

وقال الله تعالى : ( وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ) [ الإسراء : 17 ] ، وفي هذا إنذار عظيم لمشركي العرب الذين كذبوا بسيد الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين ، فإنه إذا كان قد أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العقاب والنكال ، فماذا ظن هؤلاء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك ؟

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم، فأتوهم ببينات من الحجج والأدلّة على صدقهم، وأنهم لله رسل، وأن ما يدعونهم إليه حقّ ، (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) ، يقول: فما كانوا ليصدّقوا بما جاءتهم به رسلهم بما كذب به قوم نوح ومن قبلَهم من الأمم الخالية من قبلهم ، (كذلك نطبع على قلوب المعتدين) ، يقول تعالى ذكره: كما طبعنا على قلوب أولئك فختمنا عليها، فلم يكونوا يقبَلون من أنبياء الله نصيحتَهم، ولا يستجيبون لدعائهم إيّاهم إلى ربهم ، بما اجترموا من الذنوب واكتسبوا من الآثام (27) ، كذلك نطبع على قلوب من اعتدى على ربّه فتجاوز ما أمره به من توحيده، وخالف ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته، (28) عقوبة لهم على معصيتهم ربَّهم من هؤلاء الآخرين من بعدهم.

-----------------------

الهوامش :

(27) انظر تفسير " الطبع " فيما سلف 14 : 424 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(28) انظر تفسير " الاعتداء " فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) .

التدبر :

عمل
[74] إياك أن ترد الحق؛ فإن رده قد يسبب الطبع على قلبك، فلا تجد سبيلًا للتوبة بعد ذلك ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾.
وقفة
[74] ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ تعود الذنب يجعل الإيمان أصعب والتوبة أبعد.
وقفة
[74] ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ كانوا يسمعون من بقايا الأمم قبلهم أن رسلهم جاؤوهم بالتوحيد فكفروا فأهلكهم الله فكانوا يكذبون بذلك، فلما جاءتهم رسلهم بنفس الرسالة وقفوا نفس موقف التكذيب.
وقفة
[74] ﴿كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ الإصرار على الكفر والتكذيب بالرسل يوجب الختم على القلوب فلا تؤمن أبدًا.
تفاعل
[74] ﴿كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
تفاعل
[74] استعذ بالله من أن يطبع على قلبك؛ فإن العبد إذا طُبع على قلبه لم يحمل الخير والعياذ بالله ﴿كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾.
وقفة
[74] الكبر والطغيان يحجزان العقل عن الفهم، وكلما ازداد الإنسان طغيانًا أعمى الله قلبه عن رؤية الحق حتى يهلك نفسه ﴿كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾.
تفاعل
[74] إذا طبع الله على قلب العبد؛ لا ينتفع بالأدلة والبراهين، نعوذ بالله أن نكون منهم ﴿كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾.
وقفة
[74] ﴿عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي: المتجاوزين عن الحدود المعهودة في الكفر والعناد، ونمنعها لذلك عن قَبول الحق، وسلوك سبيل الرشاد.

الإعراب :

  • ﴿ ثم بعثنا من بعده:
  • ثم: حرف عطف. بعثنا: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل من بعده: جار ومجرور متعلق ببعثنا أو بحال مقدمة من \"رسلاً\" والهاء. ضمير متصل في محل جر بالإضافة. أي بعثنا من بعد نوح.
  • ﴿ رسلاً إلى قومهم:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. إلى قوم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من رسلاً و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فجاءوهم بالبينات:
  • الفاء: سببية. جاءوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و \"هم\" ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بالبينات. جار ومجرور متعلق بجاءوهم أي بالمعجزات.
  • ﴿ فما كانوا ليؤمنوا:
  • الفاء: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كانوا: فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم \"كان\" والألف فارقة. ليؤمنوا: اللام لام الجحود - النفي - حرف جر. يؤمنوا: فعل مضارع منصوب بأنْ المضمرة بعد لام الجحود وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و \"أن\" المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بلام الجحود. والجار والمجرور متعلق بخبر \"كان\" المحذوف. التقدير: فما كانوا مريدين للإيمان. وجملة \"يؤمنوا\" صلة \"أن\" المصدرية المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ بما كذبّوا من قبل:
  • جار ومجرور متعلق بيؤمنوا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. كذبوا: تعرب إعراب \"جاءوا\" وجملة \"كذبوا به\" صلة الموصول لا محل لها. به: جار ومجرور متعلق بكذبوا. من: حرف جر. قبل: اسم مبني على على الضم لانقطاعه عن الإضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بكذبوا.
  • ﴿ كذلك نطبع:
  • الكاف: اسم بمعنى \"مثل\" مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة. اللام للبعد والكاف حرف خطاب: نطبع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره \"نحن\" وجملة \"نطبع\" في محل رفع خبر \"كذلك\" وبِحوز أن تعرب الكاف في \"كذلك\" في محل نصب نائبة عن المفعول المطلق بتقدير: مئل ذلك الطبع المحكم نطبع.
  • ﴿ على قلوب المعتدين:
  • جار ومجرور متعلق بنطبع. المعتدين: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جرّه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. ونطبع بمعنى: نختم. أي إغلاق القلوب عن الفهم ولذلك عدّي الفعل \"نطبع\" بحرف الجر \"على\". '

المتشابهات :

الأعراف: 101﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ
يونس: 74﴿فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [74] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل قصة نوح عليه السلام ؛ ذكرَ هنا أنه بعث من بعد نوح رسلًا كثيرين إلى أممهم، فجاؤوهم بالحجج والبراهين على صدقهم، فكان حالهم مثل حال قوم نوح، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نطبع:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة العباس بن الفضل.

مدارسة الآية : [75] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى ..

التفسير :

[75] ثم بعثنا مِن بعد أولئك الرسل موسى وهارون - عليهما السلام - إلى فرعون وأشراف قومه بالمعجزات الدالة على صدقهما، فاستكبروا عن قَبول الحق، وكانوا قوماً مشركين مجرمين مكذبين.

أي‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَا‏}‏ من بعد هؤلاء الرسل، الذين أرسلهم الله إلى القوم المكذبين المهلكين‏.‏

‏{‏مُوسَى‏}‏ بن عمران، كليم الرحمن، أحد أولي العزم من المرسلين، وأحد الكبار المقتدى بهم، المنزل عليهم الشرائع المعظمة الواسعة‏.‏

‏{‏و‏}‏ جعلنا معه أخاه ‏{‏هَارُونَ‏}‏ وزيرًا بعثناهما ‏{‏إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ‏}‏ أي‏:‏ كبار دولته ورؤسائهم، لأن عامتهم، تبع للرؤساء‏.‏

‏{‏بِآيَاتِنَا‏}‏ الدالة على صدق ما جاءا به من توحيد الله، والنهي عن عبادة ما سوى الله تعالى، ‏{‏فَاسْتَكْبَرُوا‏}‏ عنها ظلمًا وعلوًا، بعد ما استيقنوها‏.‏

‏{‏وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ وصفهم الإجرام والتكذيب‏.‏

وقوله- سبحانه- ثُمَّ بَعَثْنا.. معطوف على ما قبله وهو قوله: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ ... من باب عطف القصة على القصة، وهو من قبيل عطف الخاص على العام، لما في هذا الخاص من عبر وعظات.

والمعنى: ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الكرام الذين جاءوا لأقوامهم بالأدلة والبينات.

مُوسى وَهارُونَ عليهما السلام.. إِلى فِرْعَوْنَ الذي قال لقومه «أنا ربكم الأعلى» وإلى مَلَأَهُ أى: خاصته وأشراف مملكته وأركان دولته، ولذلك اقتصر عليهم، لأن غيرهم كالتابع لهم.

بِآياتِنا أى: بعثناهما إليهم مؤيدين بآياتنا، الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا وعلى صدقهما فيما يبلغانه عنا من هدايات وتوجيهات.

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بقوله بِآياتِنا الآيات التسع التي جاء ذكرها في قوله تعالى في سورة الإسراء وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ..

قال الجمل: «وتقدم في الأعراف منها ثمانية، ثنتان في قوله- تعالى- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وقوله: وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ .

وواحدة في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون وخمسة في قوله- تعالى-: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ.... . والتاسعة في هذه السورة- سورة يونس- في قوله- تعالى-:

رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ .

ثم بين- سبحانه- موقف فرعون وملئه من دعوة موسى لهم فقال: فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.

والاستكبار: ادعاء الكبر من غير استحقاق، والفاء فصيحة، والتقدير: ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه، فأتياهم ليبلغاهم دعوة الله، ويأمراهم بإخلاص العبادة له، فاستكبروا عن طاعتهما، وأعجبوا بأنفسهم، وكانوا قوما شأنهم وديدنهم الإجرام، وهو ارتكاب ما عظم من الذنوب، وقبح من الأفعال.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة: فاستكبروا عن قبولها، وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبينها، ويتعظموا عن تقبلها» .

يقول تعالى : ( ثم بعثنا ) من بعد تلك الرسل ( موسى وهارون إلى فرعون وملئه ) أي : قومه . ( بآياتنا ) أي : حججنا وبراهيننا ، ( فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) أي : استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الذين أرسلناهم من بعد نوح إلى قومهم، موسى وهارون ابني عمران ، إلى فرعون مصر وملئه ، يعني: وأشراف قومه وسادتهم (29) ، (بآياتنا) ، يقول: بأدلتنا على حقيقة ما دعوهم إليه من الإذعان لله بالعُبُودة، والإقرار لهما بالرسالة ، (فاستكبروا) ، يقول: فاستكبروا عن الإقرار بما دعاهم إليه موسى وهارون (30) ، (وكانوا قومًا مجرمين) ، يعني: آثمين بربهم ، بكفرهم بالله. (31)

------------------------

الهوامش :

(29) انظر تفسير " الملأ " فيما سلف 13 : 36 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(30) انظر تفسير " الاستكبار " فيما سلف 13 : 114 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(31) قوله " آثمين بربهم " ، تعبير سلف مرارًا في كلام أبي جعفر ، وبينته وفسرته فيما سلف انظر 12 : 303 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[75] ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ وكثيرًا ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص؛ فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع وعقد الله له سببًا أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى.
وقفة
[75] ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ الملأ هم أشراف القوم ووجوهه وبطانة فرعون، واسمهم: (ملأ)؛ لأنهم يملؤون العيون، وهم من نصبوا فرعون وساندوه وزينوا له طغيانه، لذا أرسل الله إليهم موسى وهارون مع فرعون.
وقفة
[75] ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ الكبر بوابة الشر الكبر، وهو: بَطَر الحق وغَمْط الناس، وبطر الحق: رده بعد معرفته، وغمط الناس: احتقارهم.

الإعراب :

  • ﴿ ثم بعثنا من بعدهم:
  • ثم: عاطفة. بعث: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل في محل رفع فاعل. من بعد: جار ومجرور متعلق ببعثنا و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. أي من بعد هؤلاء الرسل.
  • ﴿ موسى وهارون:
  • موسى: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. قال: أبو عمرو بن العلا. الاسم: هو على صيغة \"مفعَل\" بدليل انصرافه في النكرة. وفعلى لا ينصرف على كل حال. ولأنّ \"مُفْعلاً\" أكثر من \"فعلى\" لأنه يبُنى من كل \"أفعْلتُ\". وقال الكسائي هو فُعْلى. وكذا القول في \"عيسى\" وهارون: معطوف بواو العطف على \"موسى\" منصوب بالفتحة الظاهرة.
  • ﴿ إلى فرعون:
  • جار ومجرور متعلق ببعثنا أو متعلق بحال محذوفة بتقدير: مرسلين. وعلامة جر الاسم الفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والعلمية.
  • ﴿ وملئه بآياتنا:
  • الواو: عاطفة. ملأ: معطوف على \"فرعون\" مجرور مثله وعلامة جره الكسرة والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة والألف في \"ملئه\" زائدة. بآيات: جار ومجرور متعلق ببعثنا أو بحال محذوفة من الرسل و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فاستكبروا:
  • الفاء: استئنافية. استكبروا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ وكانوا قوماً مجرمين:
  • الواو: عاطفة. كانوا: فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم \"كان\" والألف فارقة. مجرمين: صفة \"لقوما\" منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. و \"قوماً\" خبر \"كان\" منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

الأعراف: 103﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا
يونس: 75﴿ ثمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [75] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل قصة نوح عليه السلام ، ومن بعدهم؛ ذكرَ اللهُ هنا قصة موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [76] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا ..

التفسير :

[76] فلما أتى فرعونَ وقومَه المعجزاتُ التي جاء بها موسى قالوا:إن الذي جاء به موسى من الآيات إنما هو سحر ظاهر.

الذي هو أكبر أنواع الحق وأعظمها، وهو من عند الله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وهو رب العالمين، المربي جميع خلقه بالنعم‏.‏

فلما جاءهم الحق من عند الله على يد موسى، ردوه فلم يقبلوه، و ‏{‏قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏ لم يكفهم ـ قبحهم الله ـ إعراضهم ولا ردهم إياه، حتى جعلوه أبطل الباطل، وهو السحر‏:‏ الذي حقيقته التمويه، بل جعلوه سحرًا مبينًا، ظاهرًا، وهو الحق المبين‏.

ثم بين- سبحانه- ما تفوهوا به من أباطيل عند ما جاءهم موسى بدعوته فقال: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.

أى: فلما وصل إليهم الحق الذي جاءهم به موسى- عليه السلام- من عندنا لا من غيرنا قالُوا على سبيل العناد والحقد والغرور إِنَّ هذا الذي جئت به يا موسى لَسِحْرٌ مُبِينٌ أى: لسحر واضح ظاهر لا يحتاج إلى تأمل أو تفكير.

والتعبير بقوله جاءَهُمُ يفيد أن الحق قد وصل إليهم بدون تعب منهم، فكان من الواجب عليهم- لو كانوا يعقلون- أن يتقبلوه بسرور واقتناع.

وفي قوله مِنْ عِنْدِنا تصوير لشناعة الجريمة التي ارتكبوها في جانب الحق، الذي جاءهم من عند الله- تعالى- لا من عند غيره.

والمراد بالحق هنا: الآيات والمعجزات التي جاءهم بها موسى- عليه السلام- لتكون دليلا على صدقه فيما يبلغه عن ربه.

وقولهم- كما حكى القرآن عنهم- إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ بالقسم المؤكد: يدل على تبجحهم الذميم، وكذبهم الأثيم، حيث وصفوا الحق الذي لا باطل معه بأنه سحر واضح، وهكذا عند ما تقسو القلوب وتفسق النفوس، تتحول الحقائق في زعمها إلى أكاذيب وأباطيل.

( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ) كأنهم - قبحهم الله - أقسموا على ذلك ، وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان ، كما قال تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) [ النمل : 14 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا ) ، يعني: فلما جاءهم بيانُ ما دعاهم إليه موسى وهارون، وذلك الحجج التي جاءهم بها، وهي الحق الذي جاءهم من عند الله ، ( قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ) ، يعنون أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له (32) .

------------------------

الهوامش :

(32) انظر تفسير " السحر " فيما سلف 13 : 49 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

التدبر :

لمسة
[76، 77] ﴿قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَـٰذَا﴾ إن قلتَ: كيف قال موسى إنهم قالوا: أسحرٌ هذا؟ بطريق الاستفهام، مع أنهم إنما قالوه بطريق الِإخبار المؤكَّدِ، في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جاءهُمُ الحقُّ من عندِنَا قالُوا إنَّ هَذَا لسِحْرٌ مُبِينٌ﴾؟! قلتُ: فيهِ إضمارٌ تقديرُه: (أتقولونَ للحقِّ لمَّا جاءكِم، إنَ هذا لسحرٌ مبينٌ)؟ ثم قال لهم: (أسحرٌ هذا)؟ إنكارًا لما قالوه، فالاستفهامُ للِإنكار، من قول موسى لا من قولهم.
وقفة
[76] ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ حال أعداء الرسل واحد، فهم دائمًا يصفون الهدى بالسحر أو الكذب.
وقفة
[76] ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ الحق سحر، وحامل الحق ساحر؟! لن تنفد حجج البعض للتلفت من تبعات الإيمان.
لمسة
[76] ﴿إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ هكذا وبصيغة التأكيد والقسم، فما أشد إيمان أهل الباطل بباطلهم الزائف! أفلا يغار أهل الحق المذبذبين؟!

الإعراب :

  • ﴿ فلما جاءهم الحق:
  • الفاء: استئنافية. لما: اسم شرط غير جازم بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالجواب. جاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم وحركت الميم بالضم للإشباع. الحق: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ من عندنا:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من \"الحق\" و \"نا\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. وجملة \"جاءهم الحق\" في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ قالوا:
  • فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة \"قالوا\" وما بعدها جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. بمعنى: جاء الحق لهم من عندنا على يد موسى وقد أيدناه بالمعجزات.
  • ﴿ إنّ هذا لسحر مبين:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - إنّ: حرف نصب وتأكيد مشبه بالفعل. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصَبَ. اسم: \"إنّ\". لسحر: اللام: مزحلقة. سحر: خبر \"انّ\" مرفوع بالضمة. مبين صفة لسحر مرفوعة مثلها. '

المتشابهات :

يونس: 76﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ
القصص: 48﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ
غافر: 25﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [76] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ عن استكبارِ آلِ فِرعونَ؛ بيَّنَ هنا أن الاستكبار نتج عنه طعنهم في معجزاتِ موسى مِن غَيرِ تأمُّلٍ، وقالوا: «إن هذا لسحر واضح»، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لسحر:
وقرئ:
لساحر، وهى قراءة مجاهد، وابن جبير، والأعمش.

مدارسة الآية : [77] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا ..

التفسير :

[77] قال لهم موسى متعجباً مِن قولهم:أتقولون للحق لما جاءكم:إنه سحر مبين؟ انظروا وَصْفَ ما جاءكم وما اشتمل عليه تجدوه الحق، ولا يفلح الساحرون، ولا يفوزون في الدنيا ولا في الآخرة.

‏{‏قَالَ‏}‏ لهم ‏{‏مُوسَى‏}‏ ـ موبخا لهم عن ردهم الحق، الذي لا يرده إلا أظلم الناس‏:‏ ـ ‏{‏أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ أتقولون إنه سحر مبين‏.‏

‏{‏أَسِحْرٌ هَذَا‏}‏ أي‏:‏ فانظروا وصفه وما اشتمل عليه، فبمجرد ذلك يجزم بأنه الحق‏.‏ ‏{‏وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ‏}‏ لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فانظروا لمن تكون له العاقبة، ولمن له الفلاح، وعلى يديه النجاح‏.‏ وقد علموا بعد ذلك وظهر لكل أحد أن موسى عليه السلام هو الذي أفلح، وفاز بظفر الدنيا والآخرة‏.‏

ثم حكى القرآن الكريم رد موسى- عليه السلام- على مفترياتهم فقال: قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ.

وفي الآية الكريمة كلام محذوف دل عليه المقام، والتقدير:

قال موسى لفرعون وملئه منكرا عليهم غرورهم وكذبهم، أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ الذي هو أبعد ما يكون عن السحر، حين مشاهدتكم له.

أتقولون عنه إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.

يا سبحان الله!! أفلا عقل لكم يحجزكم عن هذا القول الذي يدل على الجهالة والغباء، انظروا وتأملوا أَسِحْرٌ هذا الذي ترون حقيقته بأعينكم، وترتجف من عظمته قلوبكم، والحال أنه لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ في أى عمل من شأنه أن يهدى إلى الخير والحق.

فقد حذفت جملة إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ لدلالة قوله أَسِحْرٌ هذا عليه.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: هم قطعوا بقولهم: إن هذا لسحر مبين، على أنه سحر فكيف قيل لهم أتقولون: أسحر هذا؟

قلت: فيه أوجه: أن يكون معنى قوله: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ: أتعيبونه وتطعنون فيه، وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه، من قولهم: فلان يخاف القالة، وبين الناس تقاول، إذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه.

وأن يحذف مفعول أتقولون وهو ما دل عليه قولهم: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ كأنه قيل:

أتقولون ما تقولون: يعنى قولهم: إن هذا لسحر مبين، ثم قيل: أسحر هذا؟

وأن يكون جملة قوله «أسحر هذا ولا يفلح الساحرون» حكاية لكلامهم، كأنهم قالوا أجئتما إلينا بالسحر تطلبان به الفلاح وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ..

وقال الجمل: «قوله- تعالى- قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ.. أى: قال جملا ثلاثة:

الأولى: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ والثانية أَسِحْرٌ هذا والثالثة وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ.

وقوله لِلْحَقِّ أى في شأنه ولأجله، وقوله لَمَّا جاءَكُمْ أى: حين مجيئه إياكم من أول الأمر من غير تأمل وتدبر، وهذا مما ينافي القول المذكور.

وقوله: قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ هنا مقول القول محذوف لدلالة ما قبله عليه، وإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتفوه به.

وقوله- سبحانه- حكاية عن موسى أَسِحْرٌ هذا مبتدأ وخبر، وهو استفهام إنكارى مستأنف من جهته- عليه السلام- تكذيبا لقولهم، وتوبيخا إثر توبيخ، وتجهيلا بعد تجهيل» .

وقوله: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ جملة حالية من ضمير المخاطبين، وقد جيء بها تأكيدا للإنكار السابق، وما فيه من معنى التوبيخ والتجهيل.

أى: أتقولون للحق إنه سحر، والحال أنه لا يفلح فاعله، أى: لا يظفر بمطلوب، ولا ينجو من مكروه، وأنا قد أفلحت، وفزت بالحجة، ونجوت من الهلكة.

( قال ) لهم ( موسى ) منكرا عليهم : ( أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون )

(قال موسى) ، لهم: ، (أتقولون للحق لما جاءكم) ، من عند الله ، (أسحر هذا) ؟ .

* * *

واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله: (أسحر هذا) ؟ فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت فيه على الحكاية لقولهم ، لأنهم قالوا: (أسحر هذا)؟ فقال: أتقولون: (أسحر هذا)؟

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة: إنهم قالوا : " هذا سحر "، ولم يقولوه بالألف، لأن أكثر ما جاء بغير ألف. قال: فيقال: فلم أدخلت الألف؟ فيقال: قد يجوز أن تكون من قِيلهم وهم يعلمون أنه سحر، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته: أحقٌّ هذا؟ وقد علم أنه حق. قال: وقد يجوز أن تكون على التعجّب منهم: أسحر هذا؟ ما أعظمه! (33)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المفعولُ محذوفًا، ويكون قوله: (أسحر هذا)، من قيل موسى ، منكرًا على فرعون وملئه قولَهم للحق لما جاءهم: " سحر " ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قال موسى لهم: (أتقولون للحق لما جاءكم) ، وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه ، سحرٌ، أسحرٌ هذا الحقّ الذي ترونه؟ فيكون " السحر " الأوّل محذوفًا ، اكتفاءً بدلالة قول موسى (أسحر هذا) ، على أنه مرادٌ في الكلام، كما قال ذو الرمة.

فَلَمَّـا لَبِسْـنَ اللَّيْـلَ , أَوْ حِينَ نَصَّبَت

لَـهُ مِـنْ خَـدَا آذَانِهَـا وَهْـوَ جَـانِحُ (34)

يريد: أو حين أقبل، ثم حذف اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، وكما قال جل ثناؤه: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ [سورة الإسراء: 7] ، والمعنى: بعثناهم لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ، فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه، في أشباه لما ذكرنا كثيرة ، يُتْعب إحصاؤها.

* * *

وقوله: (ولا يفلح الساحرون) ، يقول: ولا ينجح الساحرون ولا يَبْقون. (35)

----------------------

الهوامش :

(33) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 474 .

(34) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 1 : 327 ، تعليق : 2 .

(35) انظر تفسير " الفلاح " فيما سلف ص : 146 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[77] ﴿قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَـٰذَا﴾ لن تنقطع الأعذار لمن أراد الفرار! وكما قيل: «ولابد للمغلوب من بارد العذر».
وقفة
[77] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ إن الساحر لا يفلح أبدًا.
وقفة
[77] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ هذا من كلام موسى قطعًا، قال ابن عاشور: «هذا ليس بسحر، وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح، أي لو كان ساحرًا لما شنع حال الساحرين؛ إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته؛ لأنه لو رآها محقرة لما التزمها».

الإعراب :

  • ﴿ قال موسى:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. موسى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. أي فقال لهم موسى.
  • ﴿ أتقولون للحق:
  • الألف ألف إنكار بلفظ استفهام. تقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. للحق: جار ومجرور متعلق بتقولون.
  • ﴿ لما جاءكم:
  • لما: ظرف زمان بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. جاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة \"جاءكم\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف \"لما\".
  • ﴿ أسحر هذا:
  • الألف إنكار بلفظ استفهام سحر: خبر مقدم مرفوع بالضمة. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. ومفعول \"أتقولون\" محذوف تقديره: إنه سحر أي أتقولون للحق لما جاءكم إنه سحر؟ أسحر هذا؟ بمعنى: أتقولون للحق: أي أتعيبونه وتطعنون فيه. وقد وقع المفعول الوارد في الآية الكريمة السابقة \"إن هذا لسحر مبين\" مقدرا بعد قوله \"أتقولون للحق لما جاءكم\" ويجوز أن يكون القول \"أتقولون للحق\" أي تعيبونه وتطعنون فيه\" قد وقع كناية عن العيب فلا يتقاضى مفعولاً به.
  • ﴿ ولا يفلح الساحرون:
  • الواو استئنافية أو تفسيرية. لا: نافية لا عمل لها. يفلح: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. الساحرون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [77] لما قبلها :     ولمَّا قالوا ذلك؛ أنكر موسى عليه السلام عليهم هذا الكلام، قال تعالى:
﴿ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [78] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا ..

التفسير :

[78] قال فرعون وملؤه لموسى:أجئتنا لتصْرفنا عما وجدنا عليه آباءنا من عبادة غير الله، وتكون لكما -أنت وهارون- العظمة والسلطان في أرض «مصر»؟ وما نحن لكما بمقرِّين بأنكما رسولان أُرسلتما إلينا؛ لنعبد الله وحده لا شريك له.

{‏قَالُوا‏}‏ لموسى رادين لقوله بما لا يرده‏:‏ ‏{‏أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا‏}‏ أي‏:‏ أجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه آباءنا، من الشرك وعبادة غير الله، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له‏؟‏ فجعلوا قول آبائهم الضالين حجة، يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام‏.‏

وقولهم ‏:‏ ‏{‏وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ وجئتمونا لتكونوا أنتم الرؤساء، ولتخرجونا من أرضنا‏.‏ وهذا تمويه منهم، وترويج على جهالهم، وتهييج لعوامهم على معاداة موسى، وعدم الإيمان به‏.‏

وهذا لا يحتج به، من عرف الحقائق، وميز بين الأمور، فإن الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين‏.‏

وأما من جاء بالحق، فرد قوله بأمثال هذه الأمور، فإنها تدل على عجز موردها، عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء خصمه، لأنه لو كان له حجة لأوردها، ولم يلجأ إلى قوله‏:‏ قصدك كذا، أو مرادك كذا، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه، أم كاذبًا، مع أن موسى عليه الصلاة والسلام كل من عرف حاله، وما يدعو إليه، عرف أنه ليس له قصد في العلو في الأرض، وإنما قصده كقصد إخوانه المرسلين، هداية الخلق، وإرشادهم لما فيه نفعهم‏.‏

ولكن حقيقة الأمر، كما نطقوا به بقولهم‏:‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ تكبرًا وعنادًا، لا لبطلان ما جاء به موسى وهارون، ولا لاشتباه فيه، ولا لغير ذلك من المعاني، سوى الظلم والعدوان، وإرادة العلو الذي رموا به موسى وهارون‏.‏

ثم كشف القرآن الكريم عن حقيقة الدوافع التي جعلتهم يصفون الحق بأنه سحر مبين فقال- تعالى-: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ.

واللفت: الصرف واللى يقال: لفته يلفته لفتا، أى: صرفه عن وجهته إلى ذات اليمين أو الشمال.

أى: قال فرعون وملؤه لموسى- عليه السلام- بعد أن جاءهم بالحق المبين: أجئتنا يا موسى بما جئتنا به لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أى: لتصرفنا عن الدين الذي وجدنا عليه آباءنا، وتكون لك ولأخيك هارون الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ أى السيادة والرياسة والزعامة الدينية والدنيوية في الأرض بصفة عامة، وفي أرض مصر بصفة خاصة.

ثم أكدوا إنكارهم لما جاءهم به موسى- عليه السلام- من الدين الحق فقالوا- كما حكى القرآن عنهم- وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ أى وما نحن لكما بمصدقين فيما جئتما به، لأن تصديقنا لكما يخرجنا عن الدين الذي وجدنا عليه آباءنا، وينزع منا ملكنا الذي تتمتع بكبريائه خاصتنا، وتعيش تحت سلطانه وقهره عامتنا.

وأفردوا موسى- عليه السلام- بالخطاب في قولهم أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا.. لأنه هو الذي كان يجابههم بالحجج التي تقطع دابر باطلهم، ويرد على أكاذيبهم بما يفضحهم ويكشف عن غرورهم وغبائهم.

وجمعوا بين موسى وهارون- عليهما السلام- في قولهم وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ باعتبار شمول الكبرياء والرياسة والملك لهما، وباعتبار أن الإيمان بأحدهما يستلزم الإيمان بالآخر.

هذا، والذي يتدبر هذه الآية الكريمة، يرى أن التهمة التي وجهها فرعون وملؤه إلى موسى وهارون- عليهما السلام-، هي تهمة قديمة جديدة فقوم نوح- مثلا- يمتنعون عن قبول دعوته، لأنه في نظرهم جاء بما جاء به بقصد التفضل عليهم، وفي هذا يقول القرآن الكريم:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، أَفَلا تَتَّقُونَ. فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ . أى: يريد أن تكون له السيادة والفضل عليكم، فيكون زعيما وأنتم له تابعون.

ولقد أفاض في شرح هذا المعنى صاحب الظلال- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال ما ملخصه:

وإذن فهو الخوف من تحطيم معتقداتهم الموروثة، التي يقوم عليها نظامهم السياسى والاقتصادى، وهو الخوف على السلطان في الأرض، هذا السلطان الذي يستمدونه من خرافات عقائدهم الموروثة.

إنها العلة القديمة الجديدة التي تدفع بالطغاة إلى مقاومة دعوات الإصلاح ورمى الدعاة بأشنع التهم والفجور في مقاومة الدعوات والدعاة.. إنها هي «الكبرياء في الأرض» وما تقوم عليه من معتقدات باطلة، يحرص المتجبرون على بقائها متحجرة في قلوب الجماهير، بكل ما فيها من زيف وفساد، وأوهام وخرافات، لأن تفتح القلوب على العقيدة الصحيحة، خطر على القيم الجاهلية الموروثة.

وما كان رجال من أذكياء قريش- مثلا- ليخطئوا إدراك ما في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من صدق وسمو، وما في عقيدة الشرك من تهافت وفساد، ولكنهم كانوا يخشون على مكانتهم الموروثة، القائمة على ما في تلك العقيدة من خرافات وتقاليد، كما خشي الملأ من قوم فرعون على سلطانهم في الأرض، فقالوا متبجحين وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ .

ثم حكت الآيات الكريمة بعد ذلك ما طلبه فرعون من ملئه، وما دار بين موسى- عليه السلام- وبين السحرة من محاورات فقال- تعالى-:

(قالوا أجئتنا لتلفتنا ) أي : تثنينا ( عما وجدنا عليه آباءنا ) أي : الدين الذي كانوا عليه ، ( وتكون لكما ) أي : لك ولهارون ( الكبرياء ) أي : العظمة والرياسة ( في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين ) . وكثيرا ما يذكر الله تعالى قصة موسى ، عليه السلام ، مع فرعون في كتابه العزيز ؛ لأنها من أعجب القصص ، فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر ، فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ، ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه من بين أظهرهم ، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم ، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه ، هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان ، فجاءه برسالة الله ، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام ، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية ، والنفس الخبيثة الأبية ، وقوى رأسه وتولى بركنه ، وادعى ما ليس له ، وتجهرم على الله ، وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل ، والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون ، ويحوطهما ، بعنايته ، ويحرسهما بعينه التي لا تنام ، ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يديموسى شيئا بعد شيء ، ومرة بعد مرة ، مما يبهر العقول ويدهش الألباب ، مما لا يقوم له شيء ، ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله ، وما تأتيهم من آية إلا هي أكبر من أختها ، وصمم فرعون وملؤه - قبحهم الله - على التكذيب بذلك كله ، والجحد والعناد والمكابرة ، حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين ، ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [ الأنعام : 45 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال فرعون وملؤه لموسى: (أجئتنا لتلفتنا) ، يقول: لتصرفنا وتلوينا ، (عمّا وجدنا عليه آباءنا) ، من قبل مجيئك ، من الدين.

* * *

، يقال منه: " لفت فلانٌ [ عنق فلان " إذا لواها، كما قال رؤبة]: (36)

*لَفْتًا وَتْهِزِيعًا سَواءَ اللَّفْتِ* (37)

" التهزيع ": الدق، و " اللفت "، اللّي، كما:-

17765- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : (لتلفتنا) ، قال: لتلوينا عما وجدنا عليه آباءنا.

* * *

وقوله: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، يعني العظمة، وهي " الفعلياء " من " الكبر ". ومنه قول ابن الرِّقاع:

سُــؤْدَدًا غَــيْرَ فَــاحِش لا يُــدَا

نِيـــهِ تِجِبَّـــارَةٌ وَلا كِبْرِيـــاءُ (38)

* * *

17766- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض)، قال: الملك.

17767-. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال: السلطان في الأرض.

17768-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد قال: الملك في الأرض.

17769-. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال: الطاعة.

17770- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) قال: الملك.

17771-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

17772- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

17773- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد قال: السلطان في الأرض.

* * *

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال كلها متقارباتُ المعاني، وذلك أن الملك سلطان، والطاعة ملك، غير أن معنى " الكبرياء "، هو ما ثبت في كلام العرب، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك.

* * *

وقوله: (وما نحن لكما بمؤمنين) ، يقول: " وما نحن لكما " يا موسى وهارون " بمؤمنين "، يعني بمقرِّين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.

------------------------

الهوامش:

(36) كان في المخطوطة والمطبوعة : " كما قال ذو الرمة " ، وهو خطأ لا شك فيه ، صوابه ما أثبت ، كما دل عليه مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 280 ، وأنا أرجح أن ذلك من الناسخ ، لا من أبي جعفر ، لأنه نقل عن أبي عبيدة . وانظر مثل هذا فيما سلف ص : 150 ، تعليق : 1 : فوضعت الصواب بين القوسين .

(37) ديوانه 24 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 280 ، اللسان ( هزع ) ، من رجز ذكر فيه نفسه ، يقول قبله ، مشبها نفسه بالأسد :

فَــإنْ تَــرَيْنِي أَحْــتَمِي بِالسَّـكْتِ

فَقَـــدْ أَقُــومُ بِالْمَقَــامِ الثَّبْــتِ

أشْــجَعَ مِــنْ ذي لِبَــدٍ بِخَــبْتِ

يَــدُقُّ صُلْبــاتِ العِظَــامِ رَفْتِـي

و " الرفت " ، الدق والكسر . وقوله " سواء اللفت " ، أي " سوى اللفت " " سواء " ( بفتح السين ) و " سوى " ( بكسر السين ) ، بمعنى : غير .

(38) لم أجد البيت في مكان آخر ، وكان في المطبوعة : " تجباره " ، ومثله في المخطوطة ، أما ضبطه فقد شغلني ، لأن أصحاب اللغة لم يذكروا في مصادر " الجبروت " سوى " التجبار " ( بفتح فسكون ) بمعنى الكبر . فكأن قارئه يقرؤه كما في المطبوعة والمخطوطة " تجباره " ( بفتح فسكون ) ، مضافا إلى الهاء . وظني أن الضبط الذي ذهبت إليه أجود ، وإن لم يذكروه في المصادر في كتب اللغة التي بين أيدينا . ومصدر " تِفِعَّال " ( بكسر التاء والفاء وتشديد العين ) ، هو قياس التصدير في " تَفَعَّل " لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء منها الشافية 1 : 166 ) ، نحو " تِمِلَّاق " ودخول التاء في مثله في المصادر جائز في العربية . وبالضبط الذي ضبطته يستقيم وزن الشعر ، فأخشى أن يكون هذا المصدر على هذا الميزان ، مما أغفلته كتب اللغة .

التدبر :

وقفة
[78] ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ اتهام المصلحين بالرغبة في المناصب منذ القدم.
وقفة
[78] يدرك المبطلون أن أهل الحق إذا حكموا الناس أفلحوا؛ فلذا ناصبوهم العداء ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾.
وقفة
[78] ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين، وأما من جاء بالحق فرد قوله بأمثال هذه الأمور؛ فإنها تدل على عجز مُورِدِها عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه؛ لأنه لو كان له حجة لأوردها، ولم يلجأ إلى قوله: قصدك كذا، ومرادك كذا، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه أم كاذبًا.
وقفة
[78] ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ جعلوا قول آبائهم الضَّالين حُجَّةً، يردُّون بها الحقَّ الذي جاءهم به موسى عليه السَّلام! دائمًا حجج مخالفي الرسل واهية.
وقفة
[78] الاتهامات الكاذبة أسلوب من أساليب أهل الباطل، والظلم، والفساد، قديمًا وحديثًا ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[78] ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ﴾ أي: العظمة، والملك، والسلطان.
وقفة
[78] ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ يظن فرعون أن الكل مصاب بجرثومة الغطرسة! مشكلة عندما تحاسب خصمك بناء على أزماتك النفسية.
وقفة
[78] ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ يظن الظالم أن الناس كلهم مثله، فيرميهم بالداء الذي فيه، ولا يتصور أن أحدًا يعمل لمهمة سامية وغاية نبيلة، أو رجاء ثواب الله والدار الآخرة.
وقفة
[78] ﴿وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ سواء تحولت العصا إلى حية أم صارت اليد بيضاء من غير سوء أم تتابعت علينا الآيات؛ لن نؤمن، قرار مكتوب بحبر اللعنة.

الإعراب :

  • ﴿ قالوا:
  • فعل ماضٍ مبني علي الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أجئتنا:
  • الألف ألف إنكار بلفظ استفهام. جئْتَنا: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لتلفتنا:
  • أي لتصرفتا. اللام: لام التعليل حرف جر. تلفتنا: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة بعد اللام والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، و \"أنْ\" المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بجئتنا وجملة \"تلفتنا\" صلة \"أن\" لا محل لها.
  • ﴿ عما:
  • مكونة من \"عن\" حرف جر و \"ما\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بتلفت. أي عن الدين الذي وجدنا.
  • ﴿ وجدنا عليه آباءنا:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. وجد: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عليه: جار ومجرور متعلق بوجدنا أو بحال مقدمة من \"آباءنا\" و \"آباء\" مفعول به منصوب بالفتحة. و \"نا\" ضمير متصل - ضمير المتكلمين - مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وتكون لكما الكبرياء:
  • الواو: عاطفة. تكون: معطوفة على \"تلفت\" منصوبة مثلها وهي فعل مضارع ناقص وعلامة نصبه الفتحة. لكما: جار ومجرور متعلق بخبر \"تكون\" مقدم. الميم علامة جمع الذكور والألف علامة التثنية. الكبرياء: اسم \"تكون\" مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ في الأرض:
  • جار ومجرور متعلق بالكبرياء أو بحال محذوفة منها.
  • ﴿ وما نحن لكما:
  • الواو استئنافية. ما: نافية: تعمل عمل \"ليس\" نحن: ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع اسم \"ما\". لكما: أعربت.
  • ﴿ بمؤمنين:
  • الباء حرف جر زائد. مؤمنين: اسم مجرور لفظاً منصوب محلاً لأنه خبر \"ما\" وعلامة نصبه أو جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

الأعراف: 70﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّـهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا
يونس: 78﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
الأنبياء: 55﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ
الأحقاف: 22﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [78] لما قبلها :     ولمَّا أنكر موسى عليه السلام عليهم؛ كشفوا هنا عن حقيقة الدوافع التي جعلتهم يصفون الحق بأنه سحر مبين، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وتكون:
1- بالتاء، لمجاز تأنيث «الكبرياء» ، وهى قراءة ابن مسعود، والحسن- فيما زعم خارجة- وأبى عمرو، وعاصم، بخلاف عنهما.
وقرئ:
2- بالياء، لمراعاة اللفظ والمعنى، وهى قراءة الجمهور.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف