ترتيب المصحف | 7 | ترتيب النزول | 39 |
---|---|---|---|
التصنيف | مكيّة | عدد الصفحات | 26.00 |
عدد الآيات | 206 | عدد الأجزاء | 1.25 |
عدد الأحزاب | 2.50 | عدد الأرباع | 10.00 |
ترتيب الطول | 4 | تبدأ في الجزء | 8 |
تنتهي في الجزء | 9 | عدد السجدات | 1 |
فاتحتها | فاتحتها | ||
حروف التهجي: 3/29 | آلمص: 1/1 |
هودٌ عليه السلام ينصحُ قومَه، ويذَكِّرَهم بأنَّ اللهَ جعَلَهم خلفاءَ في الأرضِ من بعدِ هلاكِ قومِ نوحٍ عليه السلام ، وزادَهم طولًا وقوةً في الجسمِ.
تمادَت عادٌ في العصيانِ، فناسبَ ذلك تخويفُهم، ثُمَّ أنجى اللهُ هودًا عليه السلام ومن معه، وأهلكَ الكافرينَ.
القصَّةُ الثالثةُ: صالحٌ عليه السلام ، دعا قومَه ثمودَ إلى التوحيدِ.
التفسير :
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ} بوجه من الوجوه، بل هو الرسول المرشد الرشيد،{ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} فالواجب عليكم أن تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد وطاعة رب العباد.
وبعد هذا الرد القبيح منهم، أخذ هود يدافع عن نفسه ويبين لهم وظيفته بأسلوب حكيم فقال: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ أى: ليس بي أى نوع من أنواع السفاهة كما تزعمون وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ.
فأنت ترى أن هودا في هذا الرد الحكيم على قومه، قد نفى عن نفسه تهمة السفاهة كما نفى أخوه نوح من قبله عن نفسه تهمة الضلالة، ثم بين لهم بعد ذلك وظيفته وطبيعة رسالته، ثم أخبرهم بعد ذلك بمقتضى أخوته لهم ليس معقولا أن يكذب عليهم أو يخدعهم- فإن الرائد لا يكذب أهله-، وإنما هو ناصح أمين يهديهم إلى ما يصلحهم ويبعدهم عما يسوءهم:
قال صاحب الكشاف: «وفي إجابة الأنبياء- عليهم السلام- على من نسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء، وترك المقابلة بما قالوا لهم، مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم- في إجابتهم هذه أدب حسن، وخلق عظيم، وحكاية الله- عز وجل- ذلك، تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء، وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم» .
( أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغة والنصح والأمانة .
القول في تأويل قوله : أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)
قال أبو جعفر: يعني بقوله: " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي" ، أؤدي ذلك إليكم، أيها القوم (1) =" وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ" ، يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله، وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدِّل، بل أبلغ ما أمرت كما أمرت .
-------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"البلاغ" فيما سلف 10: 575/ 11: 9 .
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 62 | ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ |
---|
الأعراف: 68 | ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ |
---|
الأعراف: 93 | ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} أي:كيف تعجبون من أمر لا يتعجب منه، وهو أن اللّه أرسل إليكم رجلا منكم تعرفون أمره، يذكركم بما فيه مصالحكم، ويحثكم على ما فيه النفع لكم، فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين.{ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي:واحمدوا ربكم واشكروه، إذ مكن لكم في الأرض، وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة الذين كذبوا الرسل، فأهلكهم اللّه وأبقاكم، لينظر كيف تعملون، واحذروا أن تقيموا على التكذيب كما أقاموا، فيصيبكم ما أصابهم،{ و} اذكروا نعمة اللّه عليكم التي خصكم بها، وهي أن{ زَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} في القوة وكبر الأجسام، وشدة البطش،{ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ} أي:نعمه الواسعة، وأياديه المتكررة{ لَعَلَّكُمْ} إذا ذكرتموها بشكرها وأداء حقها{ تُفْلِحُونَ} أي:تفوزون بالمطلوب، وتنجون من المرهوب، فوعظهم وذكرهم، وأمرهم بالتوحيد، وذكر لهم وصف نفسه، وأنه ناصح أمين، وحذرهم أن يأخذهم اللّه كما أخذ من قبلهم، وذكرهم نعم اللّه عليهم وإدرار الأرزاق إليهم، فلم ينقادوا ولا استجابوا.
ونلمس من خلال التعبير القرآنى أن قوم هود قد تعجبوا من اختصاص هود بالرسالة كما تعجب قوم نوح من قبلهم من ذلك، فأخذ هود- عليه السلام- في إزالة هذا العجب من نفوسهم، فقال:
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ أى: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم تعرفون صدقه ونسبه وحسبه، إن ما عجبتم له ليس موقع عجب، بل هو عين الحكمة فقد اقتضت رحمة الله أن يرسل لعباده من بينهم من يرشدهم إلى الطريق القويم واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ.
ثم أخذ في تذكيرهم بواقعهم الذي يعيشون فيه لكي يحملهم على شكر الله فقال:
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أى: اذكروا بتأمل واعتبار فضل الله عليكم ونعمه حيث جعلكم مستخلفين في الأرض من بعد قوم نوح الذين أغرقوا بالطوفان لكفرهم وجحودهم.
قال الآلوسى ما ملخصه: و «إذ» منصوب على المفعولية لقوله: وَاذْكُرُوا أى: اذكروا هذا الوقت المشتمل على النعم الجسام. وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه مع أنه المقصود بالذات للمبالغة في إيجاب ذكره، ولأنه إذا استحضر الوقت كان هو حاضرا بتفاصيله.
وهو معطوف على مقدر كأنه قيل: لا تعجبوا وتدبروا في أمركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح» .
ثم ذكرهم بنعمة ثانية فقال: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً أى: زادكم في المخلوقات بسطة وسعة في الملك والحضارة، أو زادكم بسطة في قوة أبدانكم وضخامة أجسامكم، ومن حق هذا الاستخلاف وتلك القوة، أن تقابلا بالشكر لله رب العالمين.
وقد ذكر بعض المفسرين روايات تتعلق بضخامة أجسام قوم هود وقوتهم وهي روايات ضعيفة لا يعتد بها، ولذا أضربنا عنها، ويكفينا أن القرآن الكريم قد أشار إلى قوتهم وجبروتهم بدون تفصيل لذلك كما في قوله- تعالى-: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ وكما في قوله:
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ.
ثم كرر هود- عليه السلام- تذكيرهم بنعم الله فقال: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. أى: فاذكروا نعم الله واشكروها له لعلكم تفوزون بما أعده للشاكرين من إدامتها عليهم وزيادتها لهم، ولن تكونوا كذلك إلا بعبادتكم له وحده- عز وجل-.
وآلاء الله: نعمه الكثيرة. والآلاء جمع إلى كحمل وأحمال. أو ألى، كقفل وأقفال. أو إلى، كمعى وأمعاء.
وإلى هنا يكون هود- عليه السلام- قد رد على قومه ردا مقنعا حكيما، كان المتوقع من ورائه أن يستجيبوا له، وأن يقبلوا على دعوته، ولكنهم لسوء تفكيرهم وانطماس بصيرتهم، أخذتهم العزة بالإثم فماذا قالوا لنبيهم ومرشدهم؟.
( أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ) أي : لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه ، بل احمدوا الله على ذاكم ، ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) أي : واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم من ذرية نوح ، الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته ، لما خالفوه وكذبوه ، ( وزادكم في الخلق بسطة ) أي : زاد طولكم على الناس بسطة ، أي : جعلكم أطول من أبناء جنسكم ، كما قال تعالى : في قصة طالوت : ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) [ البقرة : 247 ] ( فاذكروا آلاء الله ) أي : نعمه ومننه عليكم ( لعلكم تفلحون ) [ وآلاء جمع ألى وقيل : إلى ]
أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم " ، يقول: أوعجبتم أن أنـزل الله وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة، على رجل منكم لينذركم بأس الله ويخوّفكم عقابه (2) = " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " ، يقول: فاتقوا الله في أنفسكم، واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم، وكفروا بربهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم، لمّا أهلكهم أبدلكم منهم فيها، (3) فاتقوا الله أن يحلّ بكم نظير ما حل بهم من العقوبة، فيهلككم ويبدل منكم غيركم، سنَّته في قوم نوح قبلكم، على معصيتكم إياه وكفركم به =" وزادكم في الخلق بسطة " ، زاد في أجسامكم طولا وعِظَمًا على أجسام قوم نوح، (4) وفي قواكم على قواهم، (5) نعمة منه بذلك عليكم، فاذكروا نعمه وفضله الذي فضلكم به عليهم في أجسامكم وقُوَاكم، (6) واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له، وترك الإشراك به، وهجر الأوثان والأنداد =" لعلكم تفلحون " ، يقول: كي تفلحوا فتدركوا الخلود والبقاء في النعم في الآخرة، وتنجحوا في طلباتكم عنده. (7)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14795 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " ، يقول: ذهب بقوم نوح، واستخلفكم من بعدهم.
14796 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " ، أي: ساكني الأرض بعد قوم نوح.
* * *
وبنحو الذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: " بسطة ".
* ذكر من قال ذلك:
14797 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وزادكم في الخلق بسطة " ، قال: ما لقوّةِ قوم عاد. (8)
* * *
وأما " الآلاء " ، فإنها جمع، واحدها: " إلًى " بكسر " الألف " في تقدير " مِعًى " ، ويقال: " ألَى " في تقدير " قَفَا " بفتح " الألف ". وقد حكي سماعًا من العرب: " إلْي" مثل " حِسْي". و " الآلاء "، النعم.
* * *
وكذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14798 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فاذكروا آلاء الله " ، أي: نعم الله.
14799 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "آلاء الله " ، فنعم الله.
14800 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فاذكروا آلاء الله " ، قال: آلاؤه، نعمه.
* * *
قال أبو جعفر: و " عاد "، هؤلاء القوم الذين وصف الله صفتهم، وبعث إليهم هودًا يدعوهم إلى توحيد الله، واتّباع ما أتاهم به من عنده، هم، فيما:-
14801 - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.
* * *
وكانت مساكنهم الشِّحْر، من أرض اليمن وما وَالى بلاد حضرموت إلى عُمَان، كما:
14802 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن عادًا قوم كانوا باليمن، بالأحقاف.
14803 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبًا أحمر تخالطه مَدَرَةٌ حمراء، (9) ذا أرَاك وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، (10) هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! والله إنك لتنعته نعتَ رجل قد رآه! قال: لا ولكني قد حُدِّثت عنه. فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبرُ هود صلوات الله عليه. (11)
14804 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هودًا، الأحقاف. قال: و " الأحقاف "، الرملُ، فيما بين عُمان إلى حضرموت، فاليمن كله. (12) وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلِّها، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله. وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون الله: صنم يقال له " صُداء "، وصنم يقال له " صَمُود "، وصنم يقال له " الهباء ". فبعث الله إليهم هودًا، وهو من أوْسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحِّدوا الله ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفُّوا عن ظلم الناس. ولم يأمرهم فيما يذكر، والله أعلم، بغير ذلك. فأبوا عليه وكذبوه. وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً . واتبعه منهم ناسٌ، وهم يسيرٌ مكتتمون بإيمانهم. (13) وكان ممن آمن به وصدّقه رجلٌ من عاد يقال له: " مرثد بن سعد بن عفير "، وكان يكتم إيمانه. فلما عتوا على الله تبارك وتعالى وكذبوا نبيَّهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبَّروا وبنوا بكل رِيع آية عبَثًا بغير نفع، كلمهم هود فقال: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [ سورة الشعراء: 128-131 ]، قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ، أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب = قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي ، إلى قوله: صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ سورة هود: 53-56 ]. فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر من السَّماء ثلاث سنين، فيما يزعمون، حتى جهدهم ذلك. وكان الناس في ذلك الزمان إذا نـزل بهم بلاء أو جَهْد، فطلبوا إلى الله الفرج منه، كانت طَلِبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناس كثيرٌ شتى مختلفةٌ أديانُهم، وكلهم معظّم لمكة، يعرف حُرْمتها ومكانَها من الله.
= قال ابن إسحاق: وكان البيت في ذلك الزمان معروفًا مكانه، (14) والحرم قائم فيما يذكرون، وأهل مكة يومئذ العماليق = وإنما سموا " العماليق "، لأن أباهم: " عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح " = وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة، فيما يزعمون رجلا يقال له معاوية بن بكر، وكان أبوه حيًّا في ذلك الزمان، ولكنه كان قد كبر، وكان ابنه يرأس قومه. وكان السؤدد والشرف من العماليق، فيما يزعمون، في أهل ذلك البيت. وكانت أم معاوية بن بكر، كلهدة ابنة الخيبري، رجلٍ من عادٍ، فلما قَحَطَ المطر عن عاد وجُهِدوا، (15) قالوا: جهزوا منكم وفدًا إلى مكة فليستسقوا لكم، فإنكم قد هلكتم! فبعثوا قيل بن عنـز (16) ولقيم بن هزّال بن هزيل، (17) وعتيل بن صُدّ بن عاد الأكبر. (18) ومرثد بن سعد بن عفير، وكان مسلمًا يكتم إسلامه، وجُلْهُمَة بن الخيبري، خال معاوية بن بكر أخو أمه. ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن صُدّ بن عاد الأكبر. فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه، حتى بلغ عدّة وفدهم سبعين رجلا. فلما قدموا مكة نـزلوا على معاوية بن بكر، وهو بظاهر مكة خارجًا من الحرم، فأنـزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وصِهْرَه. (19)
= فلما نـزل وفد عاد على معاوية بن بكر، أقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنِّيهم الجرادَتان = قينتان لمعاوية بن بكر. وكان مسيرهم شهرًا، ومقامهم شهرًا. فلما رأى معاوية بن بكر طُول مقامهم، وقد بعثهم قومُهم يتعوَّذون بهم من البلاء الذي أصابهم، (20) شقَّ ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري! وهؤلاء مقيمون عندي، وهم ضيفي نازلون عليّ! والله ما أدري كيف أصنع بهم؟ أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا له، (21) فيظنوا أنه ضِيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك مَنْ وراءهم من قومهم جَهْدًا وعَطَشا!! أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرًا نُغنِّيهم به، لا يدرون مَنْ قاله، لعل ذلك أن يحرِّكهم! فقال معاوية بن بكر، حين أشارتا عليه بذلك:
أَلا يَــا قَيْـلَ, ويْحَـكَ! قُـمْ فَهَيْنِـمْ
لَعَــلَّ اللــهَ يُصْبِحُنَــا غَمَامَــا (22)
فَيَسْــقِي أَرْضَ عَــادٍ, إنَّ عَــادًا
قَــدَ امْسَــوا لا يُبِينُــونَ الكَلامَـا
مِــنَ الْعَطَشِ الشَّـدِيدِ, فَلَيْسَ نَرْجُـو
بِــهِ الشَّــيْخَ الكَبِـيرَ وَلا الغُلامَــا
وَقــدْ كَــانَتْ نِسَــاؤُهُمُ بِخَــيْرٍ
فَقَــدْ أَمْسَــتْ نِسَــاؤُهُمُ عَيَـامَى (23)
وَإنَّ الْوَحْـــشَ تَــأتِيهِمْ جِهَــارًا
وَلا تَخْشَـــى لِعَـــادِيٍّ سِــهَامَـا
وَأنْتُــمْ هَــا هُنَـا فِيمَـا اشْـتَهَيْتُمْ
نَهَــــارَكُمُ وَلَيْلَكُـــمُ التَّمَامَـــا
فَقُبِّــحَ وَفْــدُكُمْ مِــنْ وَفْـدِ قَـوْمٍ
وَلا لُقُّـــوا التَّحِيَّـــةَ وَالسَّــلامَا
فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنَّتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم، إنما بعثكم قومُكم يتعوَّذون بكم من هذا البلاء الذي نـزل بهم، (24) وقد أبطأتم عليهم! فادخلوا هذا الحرمَ واستسقوا لقومكم! فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تُسْقَون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيَّكم، وأنبتم إليه، سُقِيتم! فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جُلْهُمة بن الخيبريّ، خال معاوية بن بكر، حين سمع قوله، وعرف أنه قد اتبع دين هودٍ وآمن به:
أَبَــا سَــعْدٍ فَــإِنَّكَ مِــنْ قَبِيـلٍ
ذَوِي كَــرَمٍ وَأُمُّــكَ مِــنْ ثَمُـودِ (25)
فَإنَّــا لَــنْ نُطِيعَــكَ مَــا بقِينَـا
وَلَسْـــنَا فَــاعِلِينَ لِمَــا تُرِيــدُ (26)
أَتَأْمُرنَـــا لِنَــتْرُكَ دِيــنَ رِفْــدٍ
وَرَمْـــلَ وَآلَ صُـــدَّ والعُبُــودِ (27)
وَنَـــتْرُكَ دِيــنَ آبــاءٍ كِــرَامٍ
ذَوِي رَأيٍ وَنَتْبَـــعَ دِيــنَ هُــودِ
ثم قالوا لمعاوية بن أبي بكر وأبيه بكرٍ: احبسَا عَنَّا مرثد بن سعد، فلا يقدمنَّ معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود، وترك دينَنَا ! ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد. فلما ولَّوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منـزل معاوية بن بكر حتى أدركهم بها، قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له. (28) فلما انتهى إليهم، قام يدعو الله بمكة، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعُون، يقول: " اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفدُ عاد " ! وكان قيل بن عنـز رأس وفد عاد. وقال وفد عاد: " اللهمّ أعطِ قَيْلا ما سألك، واجعل سؤلَنا مع سُؤله "! وكان قد تخلّف عن وفد عاد حين دعا، لقمانُ بن عاد، وكان سيِّد عادٍ. حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال: " اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي، فأعطني سؤلي" ! وقال قيل بن عنـز حين دعا: " يا إلهنا، إن كان هود صادقًا فاسقِنا، فإنّا قد هلكنا "! فأنشأ الله لهم سحائب ثلاثًا: بيضاء، وَحمراء، وسوداء. ثم ناداه منادٍ من السحاب: " يا قيل، اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ". فقال: " اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماءً"! فناداه منادٍ: " اخترت رَمَادًا، رِمْدِدًا، (29) لا تُبقي مِن آل عاد أحدًا، (30) لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلا جعلته هَمِدًا، (31) إلا بني اللُّوذِيّة المُهَدَّى " = و " بنو اللوذية "، بنو لقيم بن هزّال بن هزيلة بن بكر، (32) وكانوا سكانًا بمكة مع أخوالهم، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عادٌ الآخِرة، ومن كان من نسلهم الذين بقُوا من عاد.
= وساق الله السحابة السوداء، فيما يذكرون، التي اختارها قَيْل بن عنـز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من وادٍ يقال له: " المغيث ". فلما رأوها استبشروا بها، وقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ، يقول الله: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [ سورة الأحقاف: 24-25 ]، أي: كلّ شيء أُمِرَتْ به. وكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنها رِيح، فيما يذكرون، امرأة من عاد يقال لها " مَهْدَد ".، فلما تيقنت ما فيها صاحت، (33) ثم صَعِقت. فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيتُ ريحًا فيها كشُهُب النار، أمامها رجالٌ يقودُونها! فسخَّرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، كما قال الله (34) = و " الحسوم "، الدائمة = فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك. فاعتزل هُود، فيما ذكر لي، ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه من الريح إلا ما تلين عليهِ الجلود، وتَلتذُّ الأنفس، (35) وإنها لتمرُّ على عاد بالطَّعن بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عاد من مكّة حتى مرُّوا بمعاوية بن بكر وأبيه، (36) فنـزلوا عليه. فبينما هم عنده، إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمِرة مُسْيَ ثالثةٍ من مُصاب عادٍ، (37) فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هودًا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر. فكأنهم شكُّوا فيما حدّثهم به، فقالت هزيلة بنت بكر: (38) صدَق وربِّ الكعبة! (39)
14805 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم، عن الحارث بن حسّان البكري قال: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بامرأة بالرّبَذَة، (40) فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم! فحملتها حتى قدِمت المدينة، فدخلتُ المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وإذا بلالٌ متقلِّدَ السيف، وإذا رايات سُودٌ. قال قلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلما نـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على منبره، أتيته فاستأذنتُ، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، إن بالباب امرأة من بني تميم، وقد سألتني أن أحملها إليك. قال: يا بلال، ائذن لها. قال: فدخلتْ، فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم! وكانت الدَّبَرَة عليهم (41) = فإن رأيت أن تجعل الدَّهنا بيننا وبينهم حاجزًا فعلت! قال: تقول المرأة: فأين تضطرُّ مُضَرَك، يا رسول الله؟ (42) قال قلت: مَثَلي مَثَلُ مِعْزى حملت حَتْفًا! (43) قال قلت: وحملتُك تكونين عليَّ خَصْمًا! أعوذ بالله أن أكون كوافدِ عاد! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما وافدُ عادٍ؟ قال قلت: على الخبير سقطتَ! إنّ عادًا قَحَطت فبعثت مَنْ يستسقي لها، فبعثُوا رجالا فمرُّوا على بكر بن معاوية، فسقاهم الخمر وتغنَّتهم الجرادتان شهرًا، ثم بعث من عنده رجلا حتى أتى جبالَ مَهْرة، (44) فدعَوْا، فجاءت سحابات. قال: وكلما جاءت سحابة قال: اذهبي إلى كذا، حتى جاءت سحابة، فنودي منها (45) " خذها رَمادًا رِمددًا * لا تدعُ من عادٍ أحدًا ". قال: فسمعه وكتمهم حتى جاءهم العذاب (46) = قال أبو كريب: قال أبو بكر بعد ذلك في حديث عادٍ، قال: فأقبل الذين أتاهم، فأتى جبال مهرة، (47) فصعد فقال: اللهم إنّي لم أجئك لأسير فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فأسْقِ عادًا ما كنت مُسْقِيه ! قال: فرفعت له سحاباتٌ، قال: فنودي منها: اخْتَر ! قال: فجعل يقول: اذهبي إلى بني فلان، اذهبي إلى بني فلان. قال: فمرَّت آخرَها سحابةٌ سوداء، فقال: اذهبي إلى عاد! فنودي منها: " خُذْها رمادًا رِمْددًا، لا تدع من عاد أحدًا ". قال: وكتمهم، (48) والقوم عند بكر بن معاوية، يشربون. قال: وكره بكر بن معاوية أن يقولَ لهم، من أجل أنهم عنده، وأنهم في طعامه. قال: فأخذَ في الغناء وذكَّرهم. (49)
14806 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا سلام أبو المنذر النحوي قال، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري قال: خرجت لأشكوَ العلاء بن الحضرميّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بالربَذَة، فإذا عجوزٌ منقَطعٌ بها، (50) من بني تميم، فقالت: يا عبد الله، إنّ لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجةً، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فقدمت المدينة. قال: فإذا رايات، (51) قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث بعمرو بن العاص وجهًا. (52) قال: فجلست حتى فرغ. قال: فدخل منـزله = أو قال: رَحْله = فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فقعدت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم! وكانت لنا الدَّبَرة عليهم، (53) وقد مررت بالربذة، فإذا عجوز منهم مُنقطَعٌ بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت، فقلت: يا رسول الله، اجعل بيننا وبين تميم الدَّهنا حاجزًا، فحميت العجوزُ واستوفزت، (54) وقالت: فأين تضطرُّ مُضَرَك يا رسول الله؟ (55) قال، قلت: أنا كما قال الأول: " معزى حملت حَتْفًا "! (56) حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا! أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد! قال: وما وافدُ عادٍ؟" قلت " (57) على الخبير سقطتَ! قال: وهو يستطعمني الحديثَ. (58) قلت: إن عادًا قُحِطوا فبعثوا " قَيْلا " وافدًا، فنـزل على بكرٍ، فسقاه الخمرَ شهرًا وتغنّيه جاريتان يقال لهما " الجرادتان "، (59) فخرج إلى جبال مهرة، فنادى: " إني لم أجئ لمريض فأداويه، ولا لأسير فأفاديه، اللهم فأسقِ عادًا ما كانت تُسْقِيه " ! (60) فمرت به سحابات سُودٌ، فنودي منها: (61) " خذها رمادًا رِمْدِدًا، لا تبقي من عادٍ أحدًا ". قال: فكانت المرأة تقول: " لا تكن كوافد عادٍ"! فما بَلَغني أنَّه ما أرسل عليهم من الريح، يا رسول الله، إلا قَدْر ما يجري في خاتمي (62) = قال أبو وائل: فكذلك بلغني. (63)
14807 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ، أنّ عادًا أتاهم هود، فوعظهم وذكّرهم بما قَصّ الله في القرآن، فكذبوه وكفَروا، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب، فقال لهم: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ [ سورة الأحقاف: 23 ] . وإن عادًا أصابهم حين كفروا قُحُوطُ المطر، (64) حتى جُهِدوا لذلك جَهْدًا شديدًا. وذلك أن هودًا دَعَا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العَقيم، وهي الريح التي لا تُلْقِح الشجرَ. فلما نظروا إليها قالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [ سورة الأحقاف: 24 ] . فلما دنت منهم، نظروا إلى الإبل والرجال تطيرُ بهم الريحُ بين السماء والأرض. فلما رأوها تبادَروا إلى البيوت، (65) فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم فِي يَوْمِ نَحْسٍ = والنحس، هو الشؤم = و مُسْتَمِرٍّ ، استمر عليهم بالعذاب سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا (66) = حَسمت كل شيء مرّت به، (67) فلما أخرجتهم من البيوت قال الله: تَنْـزِعُ النَّاسَ من البيوت، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، [ سورة القمر: 20 ] = انقعر من أصوله =" خاوية "، خوت فسقطت. (68) فلما أهلكهم الله، أرسل عليهم طيرًا سودًا، (69) فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ [ سورة الأحقاف: 25 ]. ولم تخرج ريحٌ قط إلا بمكيال، إلا يومئذ، فإنها عَتَتْ على الخَزَنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله: فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ، [ سورة الحاقة: 6 ] = و " الصرصر "، ذات الصوت الشديد.
-----------------------
الهوامش :
(2) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف قريبًا: ص501.
(3) انظر تفسير"خليفة" فيما سلف 1: 449/ 12: 288.
(4) انظر تفسير"البسطة" فيما سلف 5: 313.
(5) في المطبوعة: "وفي قوامكم على قوامهم" ، وهو خطأ ، صوابه ما في المخطوطة.
(6) في المطبوعة أيضًا: "وقوامكم" ، صوابه من المخطوطة.
(7) انظر تفسير"الفلاح" فيما سلف ص: 312 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(8) في المطبوعة: "ما لقوام قوم عاد" ، والصواب ما في المخطوطة.
(9) "المدرة" ، الطين العلك الذي لا رمل فيه.
(10) "الأراك" و"السدر" نبتان.
(11) الأثر: 14803-"محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي" ، ترجم له البخاري في الكبير 1/ 1/ 135 ، وساق الخبر ، بنحوه ، مطولا ، ولم يذكر فيه جرحًا. وابن أبي حاتم 3/ 2/ 297.
"أبو الطفيل" ، "عامر بن واثلة الكناني" ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو شاب ، ثبتت رؤيته رسول الله ، ولم يثبت سماعه منه. قالوا: كان آخر من مات من الصحابة سنة مئة ، أو ما بعدها.
(12) في المطبوعة: "باليمن" ، وأسقط"كله" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(13) في المطبوعة: "يكتمون إيمانهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(14) في المخطوطة: "وكان البيت في زمان معروفًا مكانه" ، غير مستقيم ، والذي في المطبوعة أقوم على السياق.
(15) "قحط المطر" (بفتحتين) و"قحط" (بالبناء للمجهول): احتبس. و"القحطة" احتباس المطر ، ولما كان احتباس المطر معقبًا للجدب ، سمو الجدب قحطًا.
(16) في المطبوعة"بن عنز" ، وفي المخطوطة: "عتر" ، وفي التاريخ"عثر" وسيأتي بعد في التاريخ"عنز".
(17) في المطبوعة: "من هذيل" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في تاريخ الطبري.
(18) في المطبوعة: "وعقيل بن صد" ، وأثبت ما في المخطوطة ، مطابقًا لما في التاريخ ، وإن الذي في التاريخ هكذا: "وليقيم بن هزال بن هزيل بن عتيل بن ضد..." و"ضد" بالضاد في التاريخ ، وأظن الصاد أصح.
(19) في المطبوعة: "وأصهاره" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في التاريخ.
(20) "يتغوثون" في المطبوعة والتاريخ ، وفي المخطوطة: "يتعوذون" ، غير منقوطة ، وهي صحيحة ، فأثبتها.
(21) في المطبوعة: "إن أمرتهم بالخروج" وفي المخطوطة: "إن آمرهم بالخروج" ، فصح أنه قد سقط من الكلام ما أثبته من التاريخ.
(22) الأبيات في التاريخ ، وفي البداية والنهاية 1: 126. وفي التاريخ"يسقينا الغماما" ، وكذلك كانت في المطبوعة ، وأثبت ما في المخطوطة ، وفي البداية والنهاية: "يمنحنا".
(23) في المخطوطة: "نساؤهم عراما" ، والصواب ما في التاريخ والمطبوعة ، "أعام القوم" هلكت إبلهم فلم يجدوا لبنًا. و"العيمة" شدة شهوة اللبن. و"عام القوم" قلَّ لبنهم من القحط."رجل عمان ، وامرأة عيمى" ، والجمع"عيام" و"عيامى". وفي البداية والنهاية"نساؤهم أيامى" ، جمع"أيم" ، التي هلك زوجها.
(24) في المخطوطة: "سعودون" غير منقوطة ، وفي التاريخ والمطبوعة: "يتغوثون" ، وانظر التعليق السالف ص: 509 ، رقم: 6.
(25) الأبيات في تاريخ الطبري 1: 112.
(26) في المطبوعة: "لا نطيعك" ، وأثبت ما في المخطوطة ، مطابقًا لما في التاريخ.
(27) في المخطوطة: "أتأمرنا بالسرك" ، غير منقوطة ، وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ ، والصواب ما في المطبوعة ، مطابقًا لما في التاريخ. وفي المطبوعة: "دين وفد ، ورمل والصداء مع الصمود" ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا. والذي أثبته من المخطوطة ، مطابق لما في التاريخ.
قال أبو جعفر في هذا الخبر ، بعد هذه الأبيات في تاريخه : (( ورفد ، ورمل ، وضد ، قبائل من عاد ، والعبود منهم".
(28) في المطبوعة: "فقال: لا أدعو الله بشيء مما خرجوا له" ، زاد من عنده ما لا يحل له. وفي المخطوطة: "فقال أن يدعو الله بشيء مما خرجوا له" ، والصواب من تاريخ الطبري.
(29) "رماد رمدد" ، متناه في الاحتراق والدقة. يقال: "رماد أرمد" و"رمدد" بكسر الراء وسكون الميم وكسر الدال و"رمدد" (بكسر الراء ، وسكون الميم ، وفتح الدال).
(30) في المطبوعة: "لا تبق" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(31) "هامد ، وهمد ، وهميد" ، ميت هالك."همد ، همودا" ، مات وهلك.
(32) في التاريخ: "... هزال بن هزيل بن هزيلة بن بكر" ، وكأنه الصواب.
(33) في التاريخ"فلما تبينت" ، وكأنها أرجح .
(34) سورة الحاقة: 7 .
(35) في المطبوعة: "وتلتذ به" ، زاد ما ليس في المخطوطة ولا التاريخ.
(36) في المخطوطة والمطبوعة: "وابنه" ، والصواب من التاريخ ، ومن أول الخبر.
(37) "المسي" (بضم فسكون) ، المساء ، كالصبح والصباح. وفي المطبوعة والتاريخ: "مساء ثالثة" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(38) في المطبوعة: "هذيلة" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(39) الأثر: 14804- هذا الخبر رواه الطبري في تاريخه ، مختصرًا في أوله ، مطولا بعد هذا في آخره 1: 111- 113 .
(40) في المطبوعة: "على امرأة" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(41) في المطبوعة: "وكانت لنا الدائرة عليهم" ، غير وزاد على ما في المخطوطة ، وهو عبث بالنص ، والصواب من المخطوطة."الدبرة" (بفتح الدال ، وسكون الباء أو فتحها): الهزيمة لهم ، والدولة والظفر للآخرين.
(42) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك يا رسول الله" ، تصرف تصرفًا معيبًا مشينًا وأساء غاية الإساءة. والصواب ما في المخطوطة."مضر" هو جذم العرب وهو"مضر بن نزار بن معد بن عدنان" ، ومنه تفرعت ، قريش وبنو تميم ، ولذلك قالت المرأة من تميم لرسول الله"مضرك" ، لأنه جده وجدها.
(43) في المطبوعة: "مثلي مثل ما قال الأول: معزى حملت حتفها" ، زاد من غير هذه الرواية ، وهي إساءة شديدة ، وجعل: "حتفًا" ، "حتفها" ، فأثبت ما طابق روايته في التاريخ
وقوله: "معزى حملت حتفًا" ، أي حملت منيتها ، مثل لمن يحمل ما فيه هلاكه. وهو غير موجود في كتب الأمثال.
(44) "مهرة" (بفتح فسكون) ، حي عظيم ، وهو أبو قبيلة: "مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة" ، وبلاد مهرة ، في ناحية الشحر من اليمن ، ببلاد العنبر على ساحل البحر.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ثم فصلوا من عنده حتى أتوا جبال مهرة" ، وهذه جملة يختل بها سياق الخبر اختلالا شديدًا ، وتختلف الضمائر ، ولا يصبح للخبر رباط يمسكه ، وكأنه عبث من الناسخ ، فإن أبا جعفر روى هذا الخبر في التاريخ بإسناده ولفظه ، فأثبت منه نص الخبر ، إذ هو الذي يستقيم به الكلام.
(45) في المطبوعة حذف"منها" ، لغير علة ظاهرة.
(46) في المطبوعة والمخطوطة: "فسمعهم وكلمهم" ، والصواب من التاريخ.
(47) في المطبوعة والمخطوطة: "الذين آتاهم" ، والصواب من التاريخ.
(48) في المطبوعة والمخطوطة: "وكلمهم" ، والصواب من التاريخ.
(49) الأثر: 14805 -"أبو بكر بن عياش" ، ثقة ، كان من العباد الحفاظ المتقنين ، إلا أنه لما كبر ساء حفظه ، فكان يهم إذا روى. والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر ، فمن كان لا يكثر ذلك منه ، فلا يستحق ترك حديثه ، بعد تقد عدالته- هكذا قال ابن حبان ، وصدق. مضى برقم: 2150 ، 3000 ، 5725 ، 8098 .
و"عاصم" ، هو"عاصم ابن بهدلة" ، "عاصم بن أبي النجود" ، ثقة جليل مشهور ، مضى مرارًا كثيرة.
وأما "الحارث بن حسان البكري" ، فيقال فيه: "الحارث بن يزيد البكري" ، ويقال اسمه: "حريث" ، وصحح ابن عبد البر أنه اسمه"الحارث بن حسان" ، فقال: "والأكثر يقولون الحارث بن حسان البكري ، وهو الصحيح إن شاء الله" ، ولكن العجيب أن الحافظ ابن حجر قال في التهذيب: "وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث" ، فوهم وهمًا شديدًا ، والذي نقلته نص ابن عبد البر في الاستيعاب!! فليصحح ما في التهذيب.
و"الحارث بن حسان البكري" ، مترجم في ابن سعد 6: 22 ، والكبير للبخاري 1/ 2/ 259 ، والاستيعاب: 109 ، وابن أبي حاتم 1/ 2/ 71 ، وأسد الغابة 1: 323 ، والإصابة في ترجمته ، والتهذيب. روى عنه أبو وائل ، وسماك بن حرب.
وسيأتي خبر"الحارث البكري" ، بإسناد آخر: "عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن الحارث بن يزيد البكري".
وأما هذا الإسناد"عاصم ، عن الحارث بن حسان البكري" ، ليس بينهما"أبو وائل" ، فقد قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة"الحارث": "ورواه أحمد بن حنبل أيضًا ، وسعيد الأموي ، ويحيى الحماني ، وعبد الحميد بن صال ، وأبو بكر بن شيبة ، كلهم: عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن الحارث ، ولم يذكر أبا وائل". قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة"الحارث": "وروى عنه عاصم ابن بهدلة" ، والصحيح: عنه ، عن أبي وائل ، عن الحارث".
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: "واختلف في حديثه: منهم من يجعله عن عاصم ابن بهدلة ، عن الحارث بن حسان ، لا يذكر فيه أبا وائل ، والصحيح فيه: عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن الحارث بن حسان". وكذا قال غيرهما.
وهذا الخبر بهذا الإسناد ، رواه أبو جعفر مرة أخرى في تاريخه 1: 110 ، وروى صدره أحمد في مسنده 3: 481 ، "عن أبي بكر بن عياش قال ، حدثنا عاصم بن أبي الفزر (؟؟) ، عن الحارث بن حسان البكري" ، مختصرًا ، وهو صدر الخبر. وأما ما جاء في مطبوعة المسند"عاصم بن أبي الفزر" ، فأرجح أنه تحريف"عاصم بن أبي النجود" ، فالحديث حديثه ، ولم أعلم أنه يقال له: "عاصم بن أبي الفزر".
ورواه من هذه الطريق نفسها مختصرًا ، ابن ماجه في سننه ص: 941 ، رقم: 2816 ، بنحو لفظ أحمد.
وسيأتي تخريج خبر"الحارث" هذا ، في الأثر التالي.
(50) "منقطع بها" (بضم الميم ، وفتح القاف والطاء). يقال: "قطع بالرجل ، فهو مقطوع به" ، و"انقطع به ، فهو منقطع به" (كله بالبناء للمجهول): إذا كان مسافرًا ، فعطبت راحلته ، وذهب زاده وماله ، أو أتاه أمر لا يقدر معه على أن يتحرك.
(51) عند هذا الموضع قال أبو جعفر ، في روايته في التاريخ: "قال أبو جعفر: أظنه قال: فإذا رايات سود".
(52) في المطبوعة: "عمرو بن العاص" ، حذف الباء ، وهي ثابتة في المخطوطة ، وفي رواية الخبر في التاريخ.
(53) في المطبوعة: "وكانت لنا الدارة عليهم" ، وفي المخطوطة: "وكانت الدائرة عليهم" ، غير منقوطة ، وأثبت رواية أبي جعفر في التاريخ ، ورواية أحمد في مسنده. انظر التعليق السالف ص: 514 ، تعليق: 1.
(54) "حميت": غضبت ، وأخذتها الحمية والأنفة والغيظ. و"استوفز الرجل في قعدته" ، إذا قعد قعودًا منتصبًا غير مطمئن ، ولم يستو قائمًا ، كالمتهيئ للوثوب ، وذلك عند الشر والخصام والجدال والمماحكة.
(55) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك" ، وهو تغير لما في المخطوطة وزيادة عما فيها ، كما فعل فيما سلف ص: 514 ، تعليق: 2.
(56) في المطبوعة: "حتفها" ، وهي مطابقة لرواية أحمد في مسنده ، ولكن ما أثبته هو ما جاء في المخطوطة والتاريخ ، إلا أن في التاريخ: "حيفا" ، خطأ ، صوابه ما أثبت. انظر ما سلف ص: 514 ، تعليق: 3 .
(57) في المطبوعة والمخطوطة: "قال: على الخبير سقطت" ، وأثبت ما في التاريخ.
(58) "استطعمه الحديث" ، أي أغراه أن يحدثه ، كأنه يريد أن يذيقه طعم حديثه. يقال ذلك إذا استدرجه ، وهو أعلم بالحديث منه ، وجاء تفسيره في خبر أحمد في مسنده: "وهو أعلم بالحديث منه ، ولكن يستطعمه". وشرح هذا اللفظ في كتب اللغة غير واف ، فقيده هناك.
(59) في المطبوعة: "وغنته جاريتان" ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في التفسير ومسند أحمد.
(60) في المطبوعة وتاريخ الطبري: "اللهم أسق" وأثبت ما في المخطوطة. وبقية الجملة محولة من مكانها في المخطوطة ، وذلك قوله: "ما كنت تسقيه" ، وهي ثابتة في التاريخ ، ولكن جعلها في المطبوعة والمخطوطة: "مسقيه" ، كما في الأثر السالف ، ولكن"تسقيه" هي رواية أبي جعفر في التاريخ ، ورواية أحمد أيضًا.
(61) بعد قوله"فنودي منها" ، وضع"ما كنت مسقيه" ، كما أسلفت في التعليق الماضي.
(62) في المطبوعة: "ففيما بلغني" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو المطابق لرواية أبي جعفر في التاريخ ، ورواية أحمد في المسند.
(63) الأثر: - 14806 - هذا إسناد آخر للأثر السالف ، وهو الإسناد الذي أشرت إليه هناك أن فيه"أبا وائل" بين"عاصم ابن بهدلة" و"الحارث بن حسان البكري ، وأنه هو الصحيح .
و"الحارث بن يزيد البكري" ، هو"الحارث بن حسان البكري" ، مختلف في ذلك ، كما قلت في التعليق على رقم: 14805.
و"سلام ، أبو المنذر النحوي" هو"سلام بن سليمان المزني" ، قال يحيى بن معين: "لا شيء" ، وقال أبو حاتم: "صدوق ، صالح الحديث". وقال الساجي: "صدوق ، يهم ، ليس بمتقن الحديث".
وقال ابن معين مرة أخرى: "يحتمل لصدقه". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/ 2/ 135 ، وابن أبي حاتم 2/ 1/ 259 ، وميزان الاعتدال 1: 400 .
وأما "أبو وائل" ، فهو"شقيق بن سلمة الأسدي" ، ثقة إمام ، مضى مرارًا. أما المرأة المذكورة في هذا الخب ، والخبر السالف ، فهي:
"قيلة بنت مخرمة التميمية" ، من بني العنبر بن عمرو بن تميم ، ويذكر في بعض الكتب"الغنوية" ، وهو تصحيف"العنبرية". وحديث"قيلة" حديث طويل ، فيه غريب كثير ، ذكره ابن حجر في ترجمتها في الإصابة .
وفي تحقيق خبرها ، وخبر"الحارث بن حسان البكرير "أو" حريث بن حسان الشيباني" ، وافد بكر بن وائل (كما في ترجمتها في ابن سعد 8: 228) ، فضل كلام ليس هذا موضعه.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه بهذا الإسناد نفسه. ورواه أحمد في مسنده 3: 481 ، 482 ، من طريقي : من طريق عفان ، عن سلام أبي المنذر ، عن عاصم = ثم رواه من طريق زيد بن الحباب ، عن أبي المنذر سلام بن سليمان النحوي ، عن عاصم بن أبي النجود ، بنحوه.
ورواه ابن سعد في الطبقات 6: 22 من طريق عفان ، عن سلام أبي المنذر ، مختصرًا.
وروى البخاري صدره في الكبير 1/ 2/259 .
ورواه ابن الأثير في ترجمة"الحارث" في أسد الغابة ، وابن عبد البر في الاستيعاب مختصرًا ، وابن حجر في الإصابة. ورواه ابن كثير في تفسيره 3: 502/ 7: 470 ، من طريق أحمد في مسنده. ورواه أيضًا في البداية والنهاية 1: 127 ، 128 ، وقال: "ورواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن زيد بن حباب ، به. ووقع عنده: عن الحارث بن يزيد البكري ، فذكره. ورواه أيضًا ، عن أبي كريب ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن الحارث بن حسان البكري ، فذكره. ولم أر في النسخة: أبا وائل ، والله أعلم". قلت: يعني الأثر السالف ، انظر التعليق هناك.
وقال ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية: "رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن زيد بن الحباب ، به. ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر ، عن عاصم ابن بهدلة. ومن طريقه رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث ، وهذه القصة ، عند تفسير هذه القصة غير واحد ، من المفسرين ، كابن جرير وغيره. وقد يكون هذا السياق للإهلاك عاد الآخرة ، فما فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل ، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل ، فنزلت جرهم عندهم ، كما سيأتي. وعاد الأولى قبل الخليل. وفيه ذكر"معاوية بن بكر" وشعره ، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى ، لا يشبه كلام المتقدمين. وفيه: أن في تلك السحابة شرر نار ، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر عاتية".
وهذا نقد جيد جدًا ، لهذه الأخبار السالفة جميعًا ، والخبر الآتي بعد هذا.
(64) في التاريخ: "قحط من المطر".
(65) في المطبوعة والمخطوطة: "تنادوا البيوت" ، وهو لا معنى له ، صوابه من التاريخ"تبادروا" ، أسرعوا.
(66) في المطبوعة: "استمر عليهم العذاب" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في التاريخ.
(67) هذا تفسير الآيات ، من"سورة القمر": 19 ، و"سورة الحاقة": 7.
(68) هذا تفسير آية"سورة الحاقة": 7 ="كأنهم أعجاز نخل خاوية".
(69) في المطبوعة: "أرسل إليهم" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
المعاني :
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 63 | ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ |
---|
الأعراف: 69 | ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فـ{ قَالُوا} متعجبين من دعوته، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه:{ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} قبحهم اللّه، جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور، من الأمور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم، فقدموا ما عليه الآباء الضالون من الشرك وعبادة الأصنام، على ما دعت إليه الرسل من توحيد اللّه وحده لا شريك له، وكذبوا نبيهم، وقالوا:{ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وهذا استفتاح منهم على أنفسهم
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
أى: قالوا له على سبيل الإنكار والاستهزاء: أجئتنا يا هود لأجل أن نعبد الله وحده، ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام إن هذا لن يكون منا أبدا فأتنا بما تعدنا به من العذاب ان كنت من الصادقين فيما تخبر به.
وننظر في هذا الرد من قوم هود فنراه طافحا بالتهور والتحدي والاستهزاء واستعجال العذاب.
حتى لكأن هودا- عليه السلام- يدعوهم إلى منكر لا يطيقون سماعه ولا يصبرون على الجدل فيه!!.
أليس هو يدعوهم إلى وحدانية الله وإفراده بالعبادة وترك ما كان يعبد آباؤهم، وهذا في زعمهم أمر منكر لا يطيقون الصبر عليه.
وهكذا يستحوذ الشيطان على قلوب بعض الناس وتفكيرهم فيصور لهم الحسنات في صورة سيئات، والسيئات في صورة حسنات.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى المجيء في قوله: أَجِئْتَنا، قلت فيه أوجه:
أن يكون لهود- عليه السلام- مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحراء قبل المبعث، فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم. وأن يريدوا به الاستهزاء، لأنهم كانوا يعتقدون أن الله- تعالى- لا يرسل إلا الملائكة، فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء كما يجيء الملك. وأنهم لا يريدون حقيقة المجيء. ولكن التعريض بذلك والقصد كما يقال: ذهب يشتمني ولا يراد حقيقة الذهاب، كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكليف ذلك» .
وقولهم: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ يدل على أنه كان يتوعدهم بالعذاب من الله. إذا استمروا على شركهم، ويدل- أيضا- على تصميمهم على الكفر، واحتقارهم لأمر هود- عليه السلام- واستعجالهم إياه بالعقوبة على سبيل التحدي، لأنهم كانوا يتوهمون أن العقوبة لن تقع عليهم أبدا.
وإزاء هذا التحدي السافر من قوم هود له ولدعوته ولوعيد الله لهم، ما كان من هود- عليه السلام- إلا أن جابههم بالرد الحاسم الذي تتجلى فيه الشجاعة التامة، والثقة الكاملة بأن الله سينصره عليهم وينتقم له منهم.
يقول تعالى مخبرا عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود ، عليه السلام : ( قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده [ ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ] ) كما قال الكفار من قريش : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ]
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره : أنهم كانوا يعبدون أصناما ، فصنم يقال له : صداء ، وآخر يقال له : صمود ، وآخر يقال له : الهباء
القول في تأويل قوله : قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت عاد له: (70) أجئتنا تتوعَّدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين، كي نعبد الله وحده، وندين له بالطاعة خالصًا، ونهجر عبادة الآلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها، ونتبرَّأ منها؟ فلسنا فاعِلي ذلك، ولا نحن متبعوك على ما تدعونا إليه، (71) فأتنا بما تعدنا من العقابِ والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله، وعبادتنا ما نعبد من دونه مِنَ الأوثان، إن كنت من أهل الصدق على ما تقول وتعِدُ.
--------------
الهوامش :
(70) في المخطوطة: "قالت هود له" ، وهو ظاهر الخطأ ، صححه في المطبوعة: "قالت عاد لهود" ، وأثبت ما دل عليه سهو الناسخ.
(71) في المطبوعة: "ولا متبعيك" ، وفي المخطوطة: "ولا متبعوك" ، أسقط الناسخ"نحن" فأثبتها.
المعاني :
لم يذكر المصنف هنا شيء
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 70 | ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّـهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ |
---|
هود: 32 | ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ |
---|
الأحقاف: 22 | ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ |
---|
الأعراف: 77 | ﴿وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
فقَالَ لهم هود عليه السلام:{ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} أي:لا بد من وقوعه، فإنه قد انعقدت أسبابه، وحان وقت الهلاك.{ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} أي:كيف تجادلون على أمور، لا حقائق لها، وعلى أصنام سميتوها آلهة، وهي لا شيء من الآلهة فيها، ولا مثقال ذرة و{ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} فإنها لو كانت صحيحة لأنزل اللّه بها سلطانا، فعدم إنزاله له دليل على بطلانها، فإنه ما من مطلوب ومقصود - وخصوصا الأمور الكبار - إلا وقد بين اللّه فيها من الحجج، ما يدل عليها، ومن السلطان، ما لا تخفى معه.{ فَانْتَظِرُوا} ما يقع بكم من العقاب، الذي وعدتكم به{ إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} وفرق بين الانتظارين، انتظار من يخشى وقوع العقاب، ومن يرجو من اللّه النصر والثواب
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أى: قال هود لقومه بعد أن لجوا في طغيانهم: قد حق ووجب عليكم من قبل ربكم عذاب وسخط بسبب إصراركم على الكفر والعناد.
والرجس والرجز بمعنى، وأصل معناه الاضطراب يقال: رجست السماء أى: رعدت رعدا شديدا، وهم في مرجوسة من أمرهم أى: في اختلاط والتباس. ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به.
وعبر عن العذاب المتوقع وقوعه بأنه قَدْ وَقَعَ مبالغة في تحقيق الوقوع، وأنه أمر لا مفر لهم منه.
وعطف الغضب على الرجس، للإشارة إلى ما سينزل بهم من عذاب هو انتقام لا يمكن دفعه، لأنه صادر من الله الذي غضب عليهم بسبب كفرهم، وبعد أن أنذرهم هددهم بوقوع العذاب عليهم، ووبخهم على مجادلتهم إياه بدون علم فقال: أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ؟
أى: أتجادلوني وتخاصمونى في شأن أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده إذ المستحق للعبادة إنما هو الله الذي خلق كل شيء، أما هذه الأصنام التي زعمتم أنها آلهة فهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.
فأنت ترى أن هودا- عليه السلام- قد حول آلهتهم إلى مجرد أسماء لا تبلغ أن تكون شيئا وراء الاسم الذي يطلق عليها، وهذا أعمق في الإنكار عليهم، والاستهزاء بعقولهم.
وقوله: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أى: ما نزل الله بها من حجة أو دليل يؤيد زعمكم في ألوهيتها أو في كونها شفعاء لكم عند الله، وإنما هي أصنام باطلة قلدتم آباءكم في عبادتها بدون علم أو تفكير.
ثم هدد بالعاقبة المقررة المحتومة فقال: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أى: فانتظروا نزول العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه حين قلتم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا فإنى معكم من المنتظرين لما سيحل بكم بسبب شرككم وتكذيبكم.
ولهذا قال هود ، عليه السلام : ( قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ) أي : قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس [ وغضب ] قيل : هو مقلوب من رجز . وعن ابن عباس : معناه السخط والغضب .
( أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) أي : أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة ، وهي لا تضر ولا تنفع ، ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلا ; ولهذا قال : ( ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين )
وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه ; ولهذا عقب بقوله :
القول في تأويل قوله : قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه: قد حَلَّ بكم عذَابٌ وغضبٌ من الله.
* * *
وكان أبو عمرو بن العلاء = فيما ذكر لنا عنه = يزعم أن " الرجز " و " الرجس " بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زايًا، كما قلبت " ستّ" وهي من " سداس " بسين، (72) وكما قالوا " قَرَبُوس " و " قَرَبُوت " (73) وكما قال الراجز: (74)
أَلا لَحَــى اللــهُ بَنِــي السِّـعْلاتِ
عَمْــرَو بْـنَ يَرْبُـوعٍ لِئَـامَ النَّـاتِ
لَيْسُــوا بِأَعْفَـافٍ وَلا أَكْيَــاتِ (75)
يريد " الناس "، و " أكياس " ، فقلبت السين تاء، كما قال رؤبة:
كَـمْ قَـدْ رَأَيْنَـا مِـنْ عَدِيـدٍ مُـبْزِي
حَــتَّى وَقَمْنَــا كَيْــدَهُ بــالرِّجْزِ (76)
روي عن ابن عباس أنه كان يقول: " الرجس "، السّخط. (77)
14808-حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبى طلحة، عن ابن عباس، قوله: ( قد وقع عليكم من ربكم رجس )يقول: سَخَط.
وأما قوله: ( أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم )فإنه يقول: أتخاصمونني في أسماء سمَّيتموها أصنامًا لا تضر ولا تنفع (78) =( أنتم وآباؤكم ما نـزل الله بها من سلطان )يقول: ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجُّون بها ، ولا معذرة تعتذرون بها ، (79) لأن العبادة إنما هي لمن ضرَّ ونفع ، وأثابَ على الطاعة وعاقب على المعصية ، ورزق ومنَع . فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس ، فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ، إلا أن تتخذ منه آلةً، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه ، لأن الله لم يأذن بذلك، فيعتذر من عبدَه بأنه يعبده اتباعًا منه أمرَ الله في عبادته إياه. (80) ولا هو= إذ كان الله لم يأذن في عبادته= مما يرجى نفعه ، أو يخاف ضرّه ، في عاجل أو آجل، فيعبد رجَاء نفعه ، أو دفع ضره -( فانتظروا إني معكم من المنتظرين )يقول: فانتظروا حكمَ الله فينا وفيكم=( إني معكم من المنتظرين )حكمَه وفصل قضائه فينا وفيكم.
-------------------
الهوامش :
(72) في المطبوعة: "كما قلبت: شئز ، وهي من: شئس" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب ما أثبت ، يدل عليه شاهد الرجز الذي بعده.
(73) في المطبوعة والمخطوطة: "وقربوز" بالزاي (وهي في المخطوطة غير منقوطة) ، والصواب المحكي عنه بالتاء. و"القربوس" حنو السرج" وهو بقاف وراء مفتوحتان ، بعدهما باء مضمومة.
(74) هو علباء بن أرقم اليشكري.
(75) نوادر أبي زيد: 104 ، 147 ، الحيوان 1: 187/ 6: 161 ، وفيه تخريج الأبيات ، وغيرهما كثير. و"السعلاة" اسم الواحدة من نساء الجن ، إذا لم تتغول لتفتن السفار. وزعموا أن عمرو بن يربوع تزوج السعلاة ، وأولدها ، وأنها أقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم ، فلما رأت برقًا يلمع من شق بلاد السعالي ، حنت وطارت إليهم ، فقال عمرو بن يربوع:
أَلا لِلــهِ ضَيْفُــكِ ، يَــا أُمَامَــا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولا يعرف تمام البيت كما قال أبو زيد في نوادره : 146. رَأَى بَرْقًــا فَــأَوْضَعَ فَـوْقَ بَكْـرٍ
فَـلا ، بِـكِ ، مـا أسَـالَ ومـا أَغَامَا
.
وقوله: "ليسوا بأعفاف" ، هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة. ورواية أبي زيد وغيره: "ليسوا أعفاء" ، وهي القياس ، جمع"عفيف" ، وكأن"أعفاف" جمع"عف" ، وقد نصوا على أنهم لم يجمعوا"عفا" ، أو يكون كما جمع"شريف" على"أشراف" ، في غير المضعف.
(76) ديوانه: 64 ، هكذا جاء البيت الأول في المخطوطة والمطبوعة. وهو لا يكاد يصح ، ورواية الديوان.
مَــا رَامَنَـا مـن ذي عَدِيـدٍ مَـبْزى
يقال: "أبزى فلان بفلان" ، إذا غلبه وقهاه. و"وقم عدوه" ، أذله وقهره.
(77) في المطبوعة: "الرجز" مكان"الرجس" ، وبين أن الصواب ما أثبت.
= وانظر تفسير"الرجس" فيما سلف 10: 565/ 12: 111 ، 112 ، 194.
(78) انظر تفسير"المجادلة" فيما سلف ص: 86 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(79) انظر تفسير"سلطان" فيما سلف ص: 404 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(80) في المطبوعة والمخطوطة: "فيعذر من عبده" ، والسياق يقتضي ما أثبت.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 71 | ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾ |
---|
يوسف: 40 | ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ |
---|
النجم: 23 | ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
{ فَأَنْجَيْنَاهُ} أي:هودا{ وَالَّذِينَ} آمنوا{ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} فإنه الذي هداهم للإيمان، وجعل إيمانهم سببا ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته،{ وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي:استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم أحدا، وسلط اللّه عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، فأهلكوا فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين أقيمت عليهم الحجج، فلم ينقادوا لها، وأمروا بالإيمان فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك، والخزي والفضيحة.{ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} وقال هنا{ وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} بوجه من الوجوه، بل وصفهم التكذيب والعناد، ونعتهم الكبر والفساد.
ولم يطل انتظار هود عليهم، فقد حل بهم العقاب الذي توعدهم به سريعا ولذا قال- تعالى-: فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا الفاء فصيحة. أى: فوقع ما وقع فأنجينا هودا والذين اتبعوه في عقيدته برحمة عظيمة منا لا يقدر عليها غيرنا.
وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أى: استأصلناهم عن آخرهم بالريح العقيم التي ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.
فقطع الدابر كناية عن الاستئصال والإهلاك للجميع يقال قطع الله دابره أى: أذهب أصله.
وقوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كَذَّبُوا داخل معه حكم الصلة أى: أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرجعوا عن ذلك أصلا.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة نفى الإيمان عنهم في قوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ مع إثبات التكذيب بآيات الله؟ قلت: هو تعريض بمن آمن منهم- كمرثد بن سعد- ومن نجا مع هود- عليه السلام- كأنه قال: وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم، ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أن الهلاك للمكذبين ونجى الله المؤمنين» .
وهكذا طويت صفحة أخرى من صحائف المكذبين، وتحقق النذير في قوم هود كما تحقق قبل ذلك في قوم نوح.
ثم قصت علينا السورة بعد ذلك قصة صالح- عليه السلام- مع قومه فقالت:
( فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين )
وقد ذكر الله ، سبحانه ، صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن ، بأنه أرسل عليهم الريح العقيم ، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، كما قال في الآية الأخرى : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ) [ الحاقة : 6 - 8 ] لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية ، فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتثلغ رأسه حتى تبينه من جثته ; ولهذا قال : ( كأنهم أعجاز نخل خاوية )
وقال محمد بن إسحاق : كانوا يسكنون باليمن من عمان وحضرموت ، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها ، بفضل قوتهم التي آتاهم الله ، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله ، فبعث الله إليهم هودا ، عليه السلام ، وهو من أوسطهم نسبا ، وأفضلهم موضعا ، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلها غيره ، وأن يكفوا عن ظلم الناس ، فأبوا عليه وكذبوه ، وقالوا : من أشد منا قوة ؟ واتبعه منهم ناس ، وهم يسير مكتتمون بإيمانهم ، فلما عتت عاد على الله وكذبوا نبيه ، وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا ، وبنوا بكل ريع آية عبثا بغير نفع ، كلمهمهود فقال : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون ) [ الشعراء : 128 - 131 ] ( قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين . إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) أي : بجنون ( قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [ هود : 53 - 56 ]
قال محمد بن إسحاق : فلما أبوا إلا الكفر به ، أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين ، فيما يزعمون ، حتى جهدهم ذلك ، قال : وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان ، فطلبوا من الله الفرج فيه ، إنما يطلبونه بحرمة ومكان بيته ، وكان معروفا عند الملل وبه العماليق مقيمون ، وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيدهم إذ ذاك رجلا يقال له : " معاوية بن بكر " ، وكانت له أم من قوم عاد ، واسمها كلهدة ابنة الخيبري ، قال : فبعثت عاد وفدا قريبا من سبعين رجلا إلى الحرم ، ليستسقوا لهم عند الحرم ، فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة فنزلوا عليه ، فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان - قينتان لمعاوية - وكانوا قد وصلوا إليه في شهر ، فلما طال مقامهم عنده وأخذته شفقة على قومه ، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف ، عمل شعرا يعرض لهم بالانصراف ، وأمر القينتين أن تغنياهم به ، فقال :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يصبحنا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا
قد امسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجو
به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهم بخير
فقد أمست نساؤهم عيامى وإن الوحش تأتيهم جهارا
ولا تخشى لعادي سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم
نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم
ولا لقوا التحية والسلاما
قال : فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له ، فنهضوا إلى الحرم ، ودعوا لقومهم فدعا داعيهم ، وهو : " قيل بن عنز " فأنشأ الله سحابات ثلاثا : بيضاء ، وسوداء ، وحمراء ، ثم ناداه مناد من السماء : " اختر لنفسك - أو : - لقومك من هذا السحاب " ، فقال : " اخترت هذه السحابة السوداء ، فإنها أكثر السحاب ماء " فناداه مناد : اخترت رمادا رمددا ، لا تبقي من عاد أحدا ، لا والدا تترك ولا ولدا ، إلا جعلته همدا ، إلا بني اللوذية المهندا قال : وبنو اللوذية : بطن من عاد مقيمون بمكة ، فلم يصبهم ما أصاب قومهم - قال : وهم من بقي من أنسالهم وذراريهم عاد الآخرة - قال : وساق الله السحابة السوداء ، فيما يذكرون ، التي اختارها " قيل بن عنز " بما فيها من النقمة إلى عاد ، حتى تخرج عليهم من واد يقال له : " المغيث " ، فلما رأوها استبشروا ، وقالوا : ( هذا عارض ممطرنا ) يقول : ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها ) [ الأحقاف : 24 ، 25 ] أي : تهلك كل شيء مرت به ، فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح ، فيما يذكرون ، امرأة من عاد يقال لها : مهدد فلما تبينت ما فيها صاحت ، ثم صعقت . فلما أفاقت قالوا : ما رأيت يا مهدد ؟ قالت ريحا فيها شهب النار ، أمامها رجال يقودونها . فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، كما قال الله . و " الحسوم " : الدائمة - فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك واعتزل هود ، عليه السلام ، فيما ذكر لي ، ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، ما يصيبه ومن معه إلا ما تلين عليه الجلود ، وتلتذ الأنفس ، وإنها لتمر على عاد بالطعن ما بين السماء والأرض ، وتدمغهم بالحجارة .
وذكر تمام القصة بطولها ، وهو سياق غريب فيه فوائد كثيرة ، وقد قال الله تعالى : ( ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ ) [ هود : 58 ]
وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده قريب مما أورده محمد بن إسحاق بن يسار ، رحمه الله .
قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي ، حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن الحارث البكري قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي : يا عبد الله ، إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال : فحملتها فأتيت المدينة ، فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، وإذا بلال متقلد بسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ما شأن الناس ؟ فقالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها . قال : فجلست ، فدخل منزله - أو قال رحله فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فدخلت فسلمت ، قال : هل بينكم وبين تميم شيء ؟ قلت : نعم ، وكانت لنا الدبرة عليهم ، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك ، وها هي بالباب . فأذن لها ، فدخلت ، فقلت : يا رسول الله ، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا ، فاجعل الدهناء . فحميت العجوز واستوفزت ، فقالت : يا رسول الله ، فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال : قلت : إن مثلي مثل ما قال الأول : " معزى حملت حتفها " ، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما ، أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد ! قال : هيه ، وما وافد عاد ؟ - وهو أعلم بالحديث منه ، ولكن يستطعمه - قلت : إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له : " قيل " ، فمر بمعاوية بن بكر ، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان ، يقال لهما : " الجرادتان " ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه . اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه ، فمرت به سحابات سود ، فنودي : منها " اختر " . فأومأ إلى سحابة منها سوداء ، فنودي منها : " خذها رمادا رمددا ، لا تبقي من عاد أحدا " . قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا ، حتى ، هلكوا - قال أبو وائل : وصدق - قال : وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا : " لا تكن كوافد عاد " .
هكذا رواه الإمام أحمد في المسند ، ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن زيد بن الحباب ، به نحوه : ورواه النسائي من حديث سلام بن أبي المنذر . عن عاصم - وهو ابن بهدلة - ومن طريقه رواه ابن ماجه أيضا ، عن أبي وائل ، عن الحارث بن حسان البكري ، به . ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن حباب ، به . ووقع عنده : " عن الحارث بن يزيد البكري " فذكره ، ورواه أيضا عن أبي كريب ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن الحارث بن يزيد البكري ، فذكره ولم أر في النسخة " أبا وائل " ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله : فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحًا والذين معه من أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما دعَا إليه ، من توحيد الله ، وهجر الآلهة والأوثان=( برحمة منّا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا )يقول: وأهلكنا الذين كذَّبوا من قوم هود بحججنا جميعًا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدًا ، كما:-
14809-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وقطعنا دابرَ الذين كذبوا بآياتنا )قال: استأصلناهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى قوله: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنعام: 45 ] ، بشواهده ، بما أغنى عن إعادته. (81)
* * *
=(وما كانوا مؤمنين )يقول: لم يكونوا مصَدّقين بالله ولا برسوله هود.
--------------------
الهوامش :
(81) انظر تفسير"قطع دابرهم" فيما سلف 11: 363 ، 364.
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
لم يذكر المصنف هنا شيء
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
لم يذكر المصنف هنا شيء
التفسير :
أي{ و} أرسلنا{ إِلَى ثَمُودَ} القبيلة المعروفة الذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله، من أرض الحجاز وجزيرة العرب، أرسل اللّه إليهم{ أَخَاهُمْ صَالِحًا} نبيا يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد، وينهاهم عن الشرك والتنديد، فـ{ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} دعوته عليه الصلاة والسلام من جنس دعوة إخوانه من المرسلين، الأمر بعبادة اللّه، وبيان أنه ليس للعباد إله غير اللّه،{ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي:خارق من خوارق العادات، التي لا تكون إلا آية سماوية لا يقدر الناس عليها، ثم فسرها بقوله:{ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} أي:هذه ناقة شريفة فاضلة لإضافتها إلى اللّه تعالى إضافة تشريف، لكم فيها آية عظيمة. وقد ذكر وجه الآية في قوله:{ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وكان عندهم بئر كبيرة، وهي المعروفة ببئر الناقة، يتناوبونها هم والناقة، للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من ضرعها، ولهم يوم يردونها، وتصدر الناقة عنهم. وقال لهم نبيهم صالح عليه السلام{ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} فلا عليكم من مئونتها شيء،{ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} أي:بعقر أو غيره،{ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
هذه قصة صالح مع قومه كما حكتها سورة الأعراف، وقد وردت هذه القصة في سور أخر كسور هود والشعراء والنمل والقمر وغيرها.
وصالح- كما قال الحافظ البغوي- هو ابن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد ابن حاذر بن ثمود: وينتهى نسبه إلى نوح- عليه السلام-.
وثمود اسم للقبيلة التي منها صالح سميت باسم جدها ثمود، وقيل سميت بذلك لقلة مائها لأن الثمد هو الماء القليل.
وكانت مساكنهم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم-، والحجر مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وموقعه الآن، تقريبا- المنطقة التي بين الحجاز وشرق الأردن، وما زال المكان الذي كانوا يسكنونه يسمى بمدائن صالح إلى اليوم، وقد مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على ديارهم وهو ذاهب إلى غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة.
وقبيلة صالح من قبائل العرب، وكانوا خلفاء لقوم هود- عليه السلام- بعد أن هلكوا فورثوا أرضهم، وآتاهم الله نعما وفيرة، وكانوا يعبدون الأصنام فأرسل إليهم نبيهم صالحا مبشرا ونذيرا.
قال- تعالى-: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ.
أى: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم في النسب والموطن صالحا- عليه السلام- فقال لهم الكلمة التي دعا بها كل نبي قومه: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله سواه، قد جاءتكم معجزة ظاهرة الدلائل، شاهدة بنبوتي وصدقى فيما أبلغه عن ربي.
وقوله: مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بمحذوف صفة لبينة، أى هذه البينة كائنة من ربكم وليست من صنعي فعليكم أن تصدقوني لأنى مبلغ عن الله- تعالى-.
ثم كشف لهم عن معجزته وحجته فقال: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً أى: هذه التي ترونها وأشير إليها ناقة الله، والتي جعلها- سبحانه- علامة لكم على صدقى.
وأضاف الناقة إلى الله للتفضيل والتخصيص والتعظيم لشأنها. وقيل: لأنه- سبحانه- خلقها على خلاف سنته في خلق الإبل وصفاتها، وقيل: لأنها لم يكن لها مالك.
وقد ذكر المفسرون عنها قصصا لا تخلو من ضعف، لذا اكتفينا بما ورد في شأنها في القرآن الكريم.
ثم أرشدهم إلى ما يجب عليهم نحوها فقال: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
أى اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل في أرض الله التي لا يملكها أحد سواه ولا تعتدوا عليها بأى لون من ألوان الاعتداء، لأنكم لو فعلتم ذلك أصابكم عذاب أليم.
والفاء في قوله: فَذَرُوها للتفريع على كونها آية من آيات الله، فيجب إكرامها وعدم التعرض لها بسوء. وتَأْكُلْ مجزوم في جواب الأمر.
وأضيفت الأرض إلى الله- أيضا- قطعا لعذرهم في التعرض لها، فكأنه يقول لهم، الأرض أرض الله والناقة ناقته، فذروها تأكل في أرضه لأنها ليست لكم، وليس ما فيها من عشب ونبات من صنعكم، فأى عذر لكم في التعرض لها؟
وفي نهيهم عن أن يمسوها بسوء تنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا كان قد نهاهم عن مسها بسوء إكراما لها فنهيهم عن نحرها أو عقرها أو منعها من الكلأ والماء من باب أولى. فالجملة الكريمة وعيد شديد لمن يمسها بسوء.
وقوله: فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ الفعل المضارع منصوب في جواب النهى.
قال علماء التفسير والنسب : ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وهو أخو جديس بن عاثر ، وكذلك قبيلة طسم ، كل هؤلاء كانوا أحياء من العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، وكانت ثمود بعد عاد ، ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله ، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قراهم ومساكنهم ، وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا صخر بن جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، فاستسقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا منها القدور . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال : " إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم "
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم "
وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيحين من غير وجه
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا المسعودي ، عن إسماعيل بن أوسط ، عن محمد بن أبي كبشة الأنماري ، عن أبيه قال : لما كان في غزوة تبوك ، تسارع الناس إلى أهل الحجر ، يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنادى في الناس : " الصلاة جامعة " . قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول : " ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم " ؟ فناداه رجل منهم : نعجب منهم يا رسول الله . قال : " أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك : رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم ، وبما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسددوا ، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا ، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا "
لم يخرجه أحد من أصحاب السنن وأبو كبشة اسمه : عمر بن سعد ، ويقال : عامر بن سعد ، والله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : " لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها ، وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما ، فعقروها ، فأخذتهم صيحة ، أهمد الله من تحت أديم السماء منهم ، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله " . فقالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : " أبو رغال . فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه "
وهذا الحديث ليس في شيء من الكتب الستة ، وهو على شرط مسلم .
فقوله تعالى : ( وإلى ثمود أخاهم صالحا ) أي : ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحا ، ( قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) جميع الرسل يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال [ تعالى ] ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] .
وقوله : ( قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية ) أي : قد جاءتكم حجة من الله على صدق ما جئتكم به . وكانوا هم الذين سألوا صالحا أن يأتيهم بآية ، واقترحوا عليه أن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم ، وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر ، يقال لها : الكاتبة ، فطلبوا منه أن يخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض ، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه ؟ فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم ، قام صالح ، عليه السلام ، إلى صلاته ودعا الله ، عز وجل ، فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها ، كما سألوا ، فعند ذلك آمن رئيس القوم وهو : " جندع بن عمرو " ومن كان معه على أمره وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا فصدهم " ذؤاب بن عمرو بن لبيد " " والحباب " صاحب أوثانهم ، ورباب بن صمعر بن جلهس ، وكان لجندع بن عمرو ابن عم يقال له : " شهاب بن خليفة بن محلاة بن لبيد بن حراس " ، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها ، فأراد أن يسلم أيضا فنهاه أولئك الرهط ، فأطاعهم ، فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود ، يقال له مهوس بن عنمة بن الدميل ، رحمه الله :
وكانت عصبة من آل عمرو إلى دين النبي دعوا شهابا عزيز ثمود كلهم جميعا
فهم بأن يجيب فلو أجابا لأصبح صالح فينا عزيزا
وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا ولكن الغواة من آل حجر
تولوا بعد رشدهم ذئابا
فأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة ، تشرب ماء بئرها يوما ، وتدعه لهم يوما ، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها ، يحتلبونها فيملئون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم ، كما قال في الآية الأخرى : ( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر ) [ القمر : 28 ] وقال تعالى : ( هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) [ الشعراء : 155 ] وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها ; لأنها كانت تتضلع من الماء ، وكانت - على ما ذكر - خلقا هائلا ومنظرا رائعا ، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها . فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح النبي ، عليه السلام ، عزموا على قتلها ، ليستأثروا بالماء كل يوم ، فيقال : إنهم اتفقوا كلهم على قتلها
قال قتادة : بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كلهم ، أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن ، وعلى الصبيان أيضا
قلت : وهذا هو الظاهر ; لأن الله تعالى يقول : ( فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) [ الشمس : 14 ] وقال : ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ) [ الإسراء : 59 ] وقال : ( فعقروا الناقة ) فأسند ذلك على مجموع القبيلة ، فدل على رضا جميعهم بذلك ، والله أعلم .
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، وغيره من علماء التفسير في سبب قتل الناقة : أن امرأة منهم يقال لها : " عنيزة ابنة غنم بن مجلز " وتكنى أم غنم كانت عجوزا كافرة ، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح ، عليه السلام ، وكانت لها بنات حسان ومال جزيل ، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود ، وامرأة أخرى يقال لها : " صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا " ذات حسب ومال وجمال ، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ، ففارقته ، فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة ، فدعت " صدوف " رجلا يقال له : " الحباب " وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة ، فأبى عليها . فدعت ابن عم لها يقال له : " مصدع بن مهرج بن المحيا " ، فأجابها إلى ذلك - ودعت " عنيزة بنت غنم " قدار بن سالف بن جندع وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا ، يزعمون أنه كان ولد زنية ، وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه ، وهو سالف ، وإنما هو من رجل يقال له : " صهياد " ولكن ولد على فراش " سالف " ، وقالت له : أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة ! فعند ذلك ، انطلق " قدار بن سالف " " ومصدع بن مهرج " ، فاستفزا غواة من ثمود ، فاتبعهما سبعة نفر ، فصاروا تسعة رهط ، وهم الذين قال الله تعالى : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) [ النمل : 48 ] وكانوا رؤساء في قومهم ، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها ، فطاوعتهم على ذلك ، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء ، وقد كمن لها " قدار " في أصل صخرة على طريقها ، وكمن لها " مصدع " في أصل أخرى ، فمرت على " مصدع " فرماها بسهم ، فانتظم به عضلة ساقها وخرجت " أم غنم عنيزة " ، وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجها ، فسفرت عن وجهها لقدار وذمرته فشد على الناقة بالسيف ، فكسف عرقوبها ، فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وانطلق سقبها - وهو فصيلها - حتى أتى جبلا منيعا ، فصعد أعلى صخرة فيه ورغا - فروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن البصري أنه قال : يا رب أين أمي ؟ ويقال : إنه رغا ثلاث مرات . وإنه دخل في صخرة فغاب فيها ، ويقال : بل اتبعوه فعقروه مع أمه ، فالله أعلم
فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة ، بلغ الخبر صالحا ، عليه السلام ، فجاءهم وهم مجتمعون ، فلما رأى الناقة بكى وقال : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) [ هود : 65 ] وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء ، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح عليه السلام وقالوا : إن كان صادقا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا ألحقناه بناقته ! ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) الآية . [ النمل : 49 - 52 ]
فلما عزموا على ذلك ، وتواطئوا عليه ، وجاءوا من الليل ليفتكوا بنبي الله صالح ، أرسل الله ، سبحانه وتعالى ، وله العزة ولرسوله ، عليهم حجارة فرضختهم سلفا وتعجيلا قبل قومهم ، وأصبح ثمود يوم الخميس ، وهو اليوم الأول من أيام النظرة ، ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح ، عليه السلام ، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل ، وهو يوم الجمعة ، ووجوههم محمرة ، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ، ووجوههم مسودة ، فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه ، عياذا بالله من ذلك ، لا يدرون ماذا يفعل بهم ، ولا كيف يأتيهم العذاب ؟ وقد أشرقت الشمس ، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة
القول في تأويل قوله : وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا.
* * *
و " ثمود " ، هو ثمود بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو جَدِيس بن غاثر ، (82) وكانت مساكنهما الحِجْر ، بين الحجاز والشأم ، إلى وادي القُرَى وما حوله.
* * *
ومعنى الكلام: وإلى بني ثمود أخاهم صالحًا.
* * *
وإنما منع " ثمود "، لأن " ثمود " قبيلة ، كما " بكر " قبيلة، وكذلك " تميم ".
* * *
(قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، يقول: قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فما لكم إله يجوزُ لكم أن تعبدوه غيره، وقد جاءتكم حُجَّة وبرهان على صدق ما أقول، (83) وحقيقة ما إليه أدعو ، من إخلاص التوحيد لله ، وإفراده بالعبادة دون ما سواه ، وتصديقي على أني له رسول. وبيِّنتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربي، وحجتي عليه ، هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهَضْبة ، دليلا على نبوّتي وصدق مقالتي ، فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على مثلها أحدٌ إلا الله.
* * *
وإنما استشهد صالح ، فيما بلغني ، على صحة نبوّته عند قومه ثمود بالناقة ، لأنهم سألُوه إياها آيةً ودلالة على حقيقةِ قوله.
* ذكر من قال ذلك، وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة:
14810-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين ! قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هَضْبَةٍ من الأرض! فخرجوا، فإذا هي تَتَمَخَّض كما تتمخَّض الحامل ، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسَطها الناقة، فقال صالح: ( هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسُّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) = لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، [سورة الشعراء:155 ]. فلما ملُّوها عقروها، فقال لهم: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ، [سورة هود:65 ] قال عبد العزيز: وحدثني رجل آخر: أنّ صالحًا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حُمْرًا، واليوم الثاني صُفْرًا، واليوم الثالث سُودًا. قال: فصبَّحهم العذاب، فلما رأوا ذلك تحنَّطُوا واستعدُّوا. (84)
14812-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( وإلى ثمود أخاهم صالحًا ) ، قال: إن الله بعث صالحا إلى ثمود، فدعاهم فكذّبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة، لها شِرْب ولهم شِرْبُ يومٍ معلوم. وقال: ( ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) . فأقرُّوا بها جميعًا، فذلك قوله: فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ، [سورة فصلت: 17]. وكانوا قد أقرُّوا به على وجه النفاق والتقيَّة، وكانت الناقة لها شِرْبٌ، فيومَ تشرب فيه الماء تمرّ بين جبلين فيرحمانها، (85) ففيهما أثرُها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبُوا اللبنَ ، فيرويهم، إنما تصبُّ صبًّا، (86) ويوم يشربون الماءَ لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح: إنه يولدُ في شهركم هذا غلامٌ يكون هلاككم على يديه ! فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم وُلد للعاشر فأبَى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شيء. فكان ابن العاشر أزْرَق أحمرَ ، فنبت نباتًا سريعًا، فإذا مرَّ بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان أبناؤنا أحياءَ كانوا مثل هذا! فغضب التِّسعة على صالح ، لأنه أمرهم بذبح أبنائهم= تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ، [النمل:49 ]. قالوا: نخرج، فيرى الناس أنّا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار فنكون فيه، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد ، أتيناه فقتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه، ثم رجعنا فقلنا: مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ، يصدقوننا ، يعلمون أنّا قد خرجنا إلى سفر! فانطلقوا ، فلما دخلوا الغارَ أرادوا أن يخرجوا من الليل، فسقط عليهم الغارُ فقتلهم، فذلك قوله: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ حتى بلغ ها هنا: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [سورة النمل: 48-51]. =وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت نباتًا عجبًا من السرعة، فجلس مع قومٍ يصيبون من الشَّراب، فأرادُوا ماءً يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شِرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقةُ، فاشتدَّ ذلك عليهم ، وقالوا في شأن الناقة: ما نَصْنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة، فنُسْقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيرًا لنا ! فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعْقِرَها لكم؟ قالوا: نعم! فأظهروا دينَهم، فأتاها الغلام، فلما بَصُرت به شدَّت عليه، فهرب منها ، فلما رأى ذلك، دخل خلف صخرةٍ على طريقها فاستتر بها، فقال: أحِيشوها عليّ ! فأحَاشوها عليه، (87) فلما جازت به نادوه: عليك ! (88) فتناولها فعقرها، فسقطت ، فذلك قوله: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ، [سورة القمر:29 ] . وأظهروا حينئذٍ أمرهم، وعقروا الناقة، وعَتَوْا عن أمر ربهم، وقالوا: يا صالحُ ائتنا بما تعِدنا . وفزع ناسٌ منهم إلى صالح ، وأخبروه أن الناقة قد عُقرت، فقال: عليَّ بالفصيل ! فطلبوا الفَصِيل فوجدوه على رَابية من الأرض، فطلبوه، فارتفعت به حتى حلَّقت به في السماء، فلم يقدروا عليه. ثم رَغَا (89) الفصيلُ إلى الله، فأوحى الله إلى صالح: أنْ مُرْهم فليتمتَّعوا في دارهم ثلاثة أيام! فقال لهم صالح: تَمتَّعوا في داركم ثلاثة أيام ، وآية ذلك أن تُصبح وجوهكم أوَّل يوم مصفَرَّة، والثاني محمرّة، واليوم الثالث مسوَدّة، واليومُ الرابعُ فيه العذاب. فلما رأوا العلامات تكفّنوا وتحنّطوا ولطَّخوا أنفسهم بالمرّ، ولبسوا الأنْطاع، وحفروا الأسراب فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة، حتى جاءهم العذاب فهلكوا. فذلك قوله: دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ .
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، لما أهلك الله عادًا وتقضَّى أمرها، عَمِرتْ ثمود بعدَها واستُخْلِفوا في الأرض، (90) فنـزلوا فيها وانتشروا ، ثم عتوا على الله . فلما ظهر فسادهم وعبدوا غيرَ الله، بعث إليهم صالحًا = وكانوا قومًا عَربًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا = (91) رسولا (92) وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْح، (93) وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشأم! فبعث الله إليهم غلامًا شابًا، فدعاهم إلى الله، حتى شَمِط وكبر، (94) لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعَفون ، فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء، وأكثر لهم التحذير، وخوَّفهم من الله العذاب والنقمة، سألوه أن يُريهم آية تكون مِصداقًا لما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أيَّ آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عِيدِنا هذا = وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله ، في يوم معلوم من السنة = فتدعو إلهك وندْعُو آلهتنا، فإن استجيب لك اتَّبعناك! وإن استجيب لنا اتَّبعتنا! فقال لهم صالح: نعم! فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك، وخرج صالح معهم إلى الله فدعَوْا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء ممّا يدعو به. ثم قال له جندع بن عمرو بن جواس بن عمرو بن الدميل، (95) وكان يومئذٍ سيّد ثمود وعظيمَهم: يا صالح ، أخرج لنا من هذه الصخرة = لصخرة منفردة في ناحية الحِجْر ، يقال لها الكاثِبة = ناقةً مخترجة جَوْفاء وَبْرَاء = و " المخترجة " ، ما شاكلت البُخْت من الإبل. (96) وقالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرو = فإن فعلت آمنَّا بك وصَدَّقناك ، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ ! وأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ وفَعَل الله لتصدِّقُنِّي ولتؤمنُنَّ بي! قالوا: نعم! فأعطوه على ذلك عهودَهم. فدعا صالح ربَّه بأن يخرجَها لهم من تلك الهَضْبة ، كما وصفوا.
= فحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدَّث: أنَّهم نظروا إلى الهضبة ، حين دعا الله صالح بما دعا به ، تتمخَّض بالناقة تمخُّض النَّتُوج بولدها، (97) فتحركت الهضبة ، ثم انتفضت بالناقة، (98) فانصدعت عن ناقة ، كما وصَفوا ، جوفاءَ وَبْرَاء نَتُوج، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عِظمًا ، فآمن به جندع بن عمرو ومَنْ كان معه على أمره من رهطه، وأراد أشرافُ ثمود أن يؤمنوا به ويصدِّقوا، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد ، والحباب صاحبُ أوثانهم ، ورباب بن صمعر بن جلهس، وكانوا من أشراف ثمود، فردُّوا أشرافَها عن الإسلام والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرَّحمة والنجاة ، (99) وكان لجندع ابن عم يقال له: " شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس "، فأراد أن يسلم ، فنهاه أولئك الرهط عن ذلك، فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فقال رجل من ثمود يقال له: " مهوس بن عنمة بن الدّميل "، وكان مسلمًا:
وَكَــانَتْ عُصْبَــةٌ مِـنْ آلِ عَمْـروٍ
إِلَــى دِيــنِ النَّبِـيِّ دَعَـوْا شِـهَابَا (100)
عَزِيــزَ ثَمُــودَ كُــلِّهِمُ جَمِيعًــا
فَهَــمَّ بِــأَنْ يُجِــيبَ وَلَـوْ أَجَابَـا
لأَصْبَــحَ صَــالِحٌ فِينَــا عَزِيـزًا
وَمَــا عَدَلــوا بصَــاحِبِهم ذُؤَابَـا
وَلكِــنَّ الغُــوَاةَ مِــن َآلِ حُجْـرٍ
تَوَلَّـــوْا بَعْــدَ رُشْــدِهِمُ ذُبَابَــا (101)
فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سَقْبها في أرض ثمودَ ترعى الشجر وتشرب الماء، فقال لهم صالح عليه السلام: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، وقال الله لصالح: إن الماء قسمةٌ بينهم، كُلّ شِرْبٍ مُحْتَضَر= أي: إن الماء نصفان ، لهم يوم ، ولها يوم وهي محتضرة، فيومها لا تدع شربها. (102) وقال: لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، [سورة الشعراء:155 ]. فكانت ، فيما بلغني والله أعلم ، إذا وردت ، وكانت تَرِد غِبًّا ، (103) وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها " بئر الناقة "، فيزعمون أنها منها كانت تشرب إذا وردت ، تضع رأسَها فيها، فما ترْفَعه حتى تشرب كل قطرة ماء في الوادي، ثم ترفع رأسها فتفشَّج (104) = يعني تفحَّج لهم (105) = فيحتلبون ما شاؤوا من لبن، فيشربون ويدَّخرون ، حتى يملؤوا كل آنيتهم، ثم تصدر من غير الفجّ الذي منه وردت، لا تقدِرُ على أن تصدر من حيث ترِدُ لضيقِه عنها، فلا ترجع منه . حتى إذا كان الغدُ ، كان يومهم، فيشربون ما شاؤوا من الماء، ويدّخرون ما شاؤوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سعة. وكانت الناقة ، فيما يذكرون ، تَصِيف إذا كان الحرّ ظَهْرَ الوادي، (106) فتهرب منها المواشي ، أغنامُهم وأبْقارهم وإبلُهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حرِّه وجَدْبه= وذلك أن المواشي تنفِرُ منها إذا رأتها= وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مَواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدْب، فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاءِ والاختبار. وكانت مرابعُها ، (107) فيما يزعمون ، الحبابُ وحِسْمَى، كل ذلك ترعى مع وادي الحِجر ، فكبر ذلك عليهم، فعتوا عن أمر ربهم، وأجمعوا في عقر الناقة رأيَهم.
= وكانت امرأة من ثمودَ يقال لها: " عنيزة بنت غنم بن مجلز "، تكني بأم غنم، وهي من بني عبيد بن المهل ، أخي رُميل بن المهل، (108) وكانت امرأةَ ذؤاب بن عمرو، وكانت عجوزًا مسنة، وكانت ذات بناتٍ حسان، وكانت ذات مال من إبلٍ وبقر وغنم= وامرأة أخرى يقال لها: " صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا "، (109) سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول ، وكان الوادي يقال له: " وادي المحيا "، وهو المحيَّا الأكبر ، جد المحيَّا الأصغر أبي صدوف= وكانت " صدوف " من أحسن الناس، وكانت غنيَّة ، ذات مالٍ من إبل وغنم وبقر= وكانتَا من أشدِّ امرأتين في ثمود عداوةً لصالح ، وأعظمِه به كفرًا، (110) وكانتا تَحْتالان أن تُعْقَر الناقة مع كفرهما به ، (111) لما أضرَّت به من مواشيهما. وكانت صدوف عند ابن خالٍ لها يقال له: " صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف " ، من بني هليل، فأسلم فحسن إسلامه، وكانت صدوفُ قد فَوَّضت إليه مالها، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح حتى رَقَّ المال. فاطّلعت على ذلك من إسلامه صدوفُ، فعاتبته على ذلك، فأظهر لها دينه ، ودعاها إلى الله وإلى الإسلام، فأبت عليه، وبيَّتتْ له، (112) فأخذت بنيه وبناته منه فغيَّبتهم في بني عبيد بطنِها الذي هي منه. وكان صنتم زوجُها من بني هليل، وكان ابنَ خالها، فقال لها: ردِّي عليَّ ولدي ! فقالت: حتى أنافِرك إلى بني صنعان بن عبيد ، أو إلى بني جندع بن عبيد! فقال لها صنتم: بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد ! (113) وذلك أن بني مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام ، وأبطأ عنه الآخرون. فقالت: لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه ! فقال بنو مرداس: والله لتعطِنَّه ولده طائعةً أو كارهة ! فلما رأت ذلك أعطته إياهم.
=ثم إن صدوف وعُنيزة مَحَلَتا في عقر الناقة ، (114) للشقاء الذي نـزل. فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له " الحباب " لعقر الناقة. وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبَى عليها. فدعت ابن عم لها يقال له : " مصدع بن مهرج بن المحيَّا "، وجعلت له نفسها ، على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناسِ ، وكانت غنية كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك. =ودعت عنيزة بنت غنم ،" قدارَ بن سالف بن جندع " ، رجلا من أهل قُرْح. وكان قُدار رجلا أحمرَ أزرقَ قصيرًا ،يزعمون أنه كان لزَنْيَةٍ ، من رجل يقال له : " صهياد "، ولم يكن لأبيه " سالف " الذي يدعى إليه ، ولكنه قد ولد على فراش " سالف "، وكان يدعى له وينسب إليه. فقالت: أعطيك أيَّ بناتي شئتَ على أن تعقر الناقة ! وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو ، من أشراف رجال ثمود. وكان قدار عزيزًا منيعًا في قومه. فانطلق قدار بن سالف ، ومصدع بن مهرج، فاستنفرَا غُواةً من ثمود ، فاتّبعهما سبعة نفر، فكانوا تسعة نفر، أحدُ النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له : " هويل بن ميلغ " خال قدار بن سالف ، أخو أمّه لأبيها وأمها، وكان عزيزًا من أهل حجر= و " دعير بن غنم بن داعر " ، وهو من بني خلاوة بن المهل= و " دأب بن مهرج " ، أخو مصدع بن مهرج، وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم..... (115) فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قُدار في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى. فمرت على مصدع فرماها بسهم، فانتظمَ به عضَلَة ساقها. وخرجت أم غنم عنيزة ، وأمرت ابنتها ، وكانت من أحسن الناس وجهًا ، فأسفرت لقدار وأرته إياه، (116) ثم ذمَّرته، (117) فشدّ على الناقة بالسيف، فخشَفَ عُرْقوبها، (118) فخرَّت ورغت رَغَاةً واحدة تحذّرُ سَقْبها ، (119) ثم طعن في لبَّتها فنحرَها ، وانطلق سقبها حتى أتى جبلا مُنِيفًا، (120) ثم أتى صخرة في رأس الجبل فزعًا ولاذ بها (121) = واسم الجبل فيما يزعمون " صنو " ، (122) = فأتاهم صالح، فلما رأى الناقة قد عقرت ، (123) ثم قال: انتهكتم حرمة الله، فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته ! فاتّبع السقبَ أربعةُ نفر من التّسعة الذين عقرُوا الناقة، وفيهم " مصدع بن مهرج "، فرماه مصدع بسهم، فانتظمَ قلبَه، ثم جرَّ برجله فأنـزله، ثم ألقوا لحمَه مع لحم أمه.
=فلما قال لهم صالح: " أبشروا بعذاب الله ونقمته " ، قالوا له وهم يهزؤون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟= وكانوا يسمون الأيام فيهم: الأحد " أول " والاثنين " أهون " ، والثلاثاء " دبار " ، والأربعاء " جبار " ، والخميس " مؤنس " ، والجمعة " العروبة " ، والسبت " شيار " ، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء= فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مؤنس ، يعني يوم الخميس ، ووجوهكم مصفرّة ، ثم تصبحون يوم العروبة ، يعني يوم الجمعة ، ووجوهكم محمرّة ، ثم تصبحون يوم شيار ، يعني يوم السبت ، ووجوهكم مسودَّة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ، يعني يوم الأحد. فلما قال لهم صالح ذلك، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلمَّ فلنقتل صالحًا ، (124) إن كان صادقًا عجَّلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا يكون قد ألحقناه بناقتِه ! فأتوه ليلا ليبيِّتوه في أهله، فدمَغَتهم الملائكة بالحجارة. فلما أبطؤوا على أصحابهم ، أتوا منـزلَ صالح، فوجدوهم مشدَّخين قد رُضِخوا بالحجارة، فقالوا لصالح: أنت قتلتهم ! ثم همُّوا به، فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاحَ، وقالوا لهم: والله لا تقتلونه أبدًا، فقد وعدكم أنَّ العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربَّكم عليكم إلا غضبًا، وإن كان كاذبًا فأنتم من وراء ما تريدون! فانصرفوا عنهم ليلتَهم تلك، والنفر الذين رَضَختهم الملائكة بالحجارة ، التسعةُ الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ إلى قوله: لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، [سورة النمل: 48 - 52] .
=فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح ، وجوههم مصفرَّة، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أن صالحًا قد صدَقهم، فطلبوه ليقتلوه. وخرج صالح هاربًا منهم ، حتى لجأ إلى بطن من ثمود يقال لهم : " بنو غنم "، فنـزل على سيِّدهم رجلٍ منهم يقال له : " نفيل " ، يكنى بأبي هدب، وهو مشرِك، فغيَّبه ، فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالح فعذّبوهم ليدلُّوهم عليه، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له : " ميدع بن هرم " : يا نبي الله إنهم ليعذبوننا لندلَّهم عليك، أفندلُّهم عليك؟ قال: نعم ! فدلهم عليه " ميدع بن هرم "، فلما علموا بمكان صالح ، أتوا أبا هُدْب فكلموه، فقال لهم: عندي صالح، وليس لكم إليه سبيل! فأعرضوا عنه وتركوه، وشغلهم عنه ما أنـزل الله بهم من عذابه. فجعل بعضهم يخبر بعضًا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس، وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرَّة، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرَّة، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودّة، حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشأم، فنـزل رملة فلسطين، وتخلّف رجل من أصحابه يقال له : " ميدع بن هرم "، فنـزل قُرْح= وهي وادي القرى، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلا= فنـزل على سيِّدِهم رجلٍ يقال له : " عمرو بن غنم "، وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يَشْتَركْ في قتلها، فقال له ميدع بن هرم: يا عمرو بن غنم، أخرج من هذا البلد، فإن صالحًا قال: " من أقام فيه هلك ، ومن خرج منه نجا " ، فقال عمرو: ما شرِكت في عَقْرها، وما رضيت ما صُنع بها! فلما كانت صبيحة الأحد أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك، إلا جارية مقعدة يقال لها : " الزُّرَيْعَة "، وهي الكلبة ابنة السِّلق، (125) كانت كافرة شديدَة العداوة لصالح، فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذابَ أجمعَ، فخرجت كأسرع ما يُرَى شيءٌ قط، حتى أتت أهل قُرْحٍ فأخبرتهم بما عاينتْ من العذاب وما أصاب ثمود منه، (126) ثم استسقت من الماء فسُقِيت، فلما شربت ماتت.
14812-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال معمر ، أخبرني من سمع الحسن يقول: لما عقرت ثمود الناقة ، ذهبَ فصيلها حتى صعد تلا فقال: يا رب ، أين أمي؟ ثم رغا رَغوةً، فنـزلت الصيحةُ، فأخمدتهم.
14813-حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن بنحوه= إلا أنه قال: أصعد تلا.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن صالحًا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتَّعوا ثلاثة أيام! وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرَّة، ثم تصبح اليومَ الثاني محمرَّة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودَّة ، فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك ، تكفَّنوا وتحنَّطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم= قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين! فجعلوا يدخلون على المرأة في حِجْرها فيقولون: (127) أترضين؟ فتقول: نعم! والصبيّ، حتى رضوا أجمعين، فعقرها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال، لما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحِجر قال: لا تسألوا الآيات، فقد سألها قومُ صالح، فكانت ترد من هذا الفجّ ، (128) وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم ، فعقروها ، وكانت تشرب ماءهم يومًا ، ويشربون لبنها يومًا. فعقروها، فأخذتهم الصيحة: أهمد الله مَنْ تحت أديم السماء منهم، إلا رجلا واحدًا كان في حَرَم الله ، قيل: من هو؟ قال: أبو رِغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. (129)
.... قال عبد الرزاق، قال معمر: وأخبرني إسماعيل بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رِغال، فقال: أتدرون ما هذا؟ ، قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا قبر أبي رِغال؟ قالوا فمن أبو رِغال؟ قال: رجل من ثمود ، كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذابَ الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب! فنـزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عليه، فاستخرجوا الغصن. (130)
14814- . . . قال عبد الرزاق: قال: معمر: قال الزهري: أبو رِغال: أبو ثقيف.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر قال، مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر= ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: أبو رِغال. (131)
14815-حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة قال، كان يقال إنّ أحمرَ ثمود الذي عقر الناقة، كان ولد زَنْية.
14816-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن أبي إسحاق قال، قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود، فذرعت مَصْدرَ الناقة ، فوجدته ستين ذراعًا.
14817-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، وأخبرني إسماعيل بن أمية بنحو هذا= يعني بنحو حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر = قال: ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبر أبي رِغال، قالوا: ومن أبو رِغال؟ قال: أبو ثقيف، كان في الحرم لما أهلك الله قومه، منعه حرم الله من عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ها هنا ، ودفن معه غصن من ذهب. قال: فابتدره القوم يبحثون عنه ، حتى استخرجوا ذلك الغصن.
=وقال الحسن: كان للناقة يوم ولهم يومٌ، فأضرَّ بهم. (132)
حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال: لما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين ، أنْ يصيبكم مثل الذي أصابهم! ثم قال: هذا وادي النَّفَر! (133) ثم قَنَّع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. (134)
* * *
وأما قوله: ( ولا تمسوها بسوء ) ، فإنه يقول: ولا تمسوا ناقة الله بعقرٍ ولا نحر (135) =(فيأخذكم عذابٌ أليم ) ، يعني: موجع. (136)
--------------------
الهوامش :
(82) في المطبوعة في الموضعين"ثمود بن عابر" ، و"جديس بن عابر" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو كذلك في تاريخ الطبري 1: 103"غاثر" بالغين والثاء ، إلا أنه جاء في التاريخ 1: 115"جاثر" بالجيم والثاء ، وكأن الأول هو الأصل ، وأن الآخر على القلب عن الغين ، هذا إذا لم يكن خطأ.
(83) انظر تفسير"البينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين).
(84) الأثر: 14810 -"عبد العزيز بن رفيع الأسدي" ، تابعي ثقة ، روى له الجماعة. روى عن أنس ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبي الطفيل. مترجم في التهذيب. و"أبو الطفيل" ، هو: "عامر بن واثلة الليثي" ، مضى برقم: 9196.
وقوله: "تحنطوا" ، أي اتخذوا الحنوط ، كما يفعلون بالميت: و"الحنوط" ، هو ذريرة من مسك أوعنبر أو كافور أو صندل مدقوق ، أو صبر ، يتخذ للميت حتى لا يجيف ولا ينتن ، أو لا تظهر رائحته للحي. وسقط من الترقيم: "14811": سهوًا مني.
(85) في المطبوعة: "فيرجمونها ، ففيها أثرها..." ، والصواب من المخطوطة.
(86) في المطبوعة: "فكانت تصب اللبن صبًا" ، غير ما في المخطوطة وبدله.
(87) في المطبوعة: "أجيشوها... فأجاشوها" بالجيم ، والصواب بالحاء."حاش عليه الصيد حوشًا وحياشًا" و"أحاشه عليه" ، إذا نفره نحوه ، وساقه إليه ، وجمعه عليه.
(88) "عليك" ، إغراء ، بمعنى: خذه.
(89) في المطبوعة والمخطوطة: "ثم دعا" ، والصواب ما أثبت. من"رغاء الناقة" ، وهو صوتها إذا ضجت.
(90) "عمر يعمر" (نحو: فرح يفرح) و"عمر يعمر" (نحو: نصر ينصر): عاش وبقي زمانًا طويلا.
(91) في المطبوعة: "وكانوا قومًا عزبًا" ، وفي المخطوطة: "وكانوا قومًا عربًا وهم من أوسطهم" والصواب ما أثبت .
(92) السياق: "بعث إليهم صالحًا... رسولا".
(93) "قرح" (بضم فسكون) ، وهو سوق وادي القرى.
(94) "شمط": ابيض شعره.
(95) في المطبوعة"حراش" ، ولعل ما في المخطوطة يقرأ كما أثبته ، وكما سيأتي في نسب آخر بعد قليل.
(96) شرح"المخترجة" ، لم أجده في غير هذا الخب ، وهو بمثله في قصص الأنبياء للثعلبي. و"البخت" من الإبل ، جمال طوال الأعناق ، وهي الإبل الخراسانية ، تنتج من بين عربية وفالج.
(97) "النتوج" (بفتح النون): الحامل.
(98) في المطبوعة: "ثم أسقطت الناقة" غير ما في المخطوطة ، وفيها: "ثم استفصت الناقة" كل ذلك غير منقوطة ، فرأيت صواب قرأتها ما أثبت.
(99) في المطبوعة: "وردوا أشرافها" بالواو ، والأجود ما في المخطوطة.
(100) الأبيات في البداية والنهاية لابن كثير 1: 134 ، وقصص الأنبياء للثعلبي: 57 ، 58.
(101) في المطبوعة: "ذئابًا" ، وفي البداية والنهاية"ذآبا" ، وكأن الصواب ما في قصص الأنبياء ، وهو ما أثبته. والمخطوطة غير منقوطة.
(102) هذا تفسير آية"سورة القمر": 28.
(103) "غبا" (بكسر الغين) ، أي: ترد يومًا ، وتدع يومًا ، ثم ترد.
(104) في المطبوعة: "تفسح" ، والصواب ما أثبت ، "تفشجت الناقة" (بالجيم) ، تفاجت ، وذلك أن تباعد بين رجليها ، ومثله"تفشحت" بالحاء المهملة.
(105) "تفحجت" ، باعدت بين رجليها.
(106) في المطبوعة: "بظهر الوادي" ، وأثبت ما في المخطوطة. و"الظهر" ما غلظ وارتفع من الوادي. و"البطن" ، ما لان وسهل ورق واطمأن.
(107) في المطبوعة: "مراتعها" ، والصواب ما في المخطوطة.
(108) في المطبوعة: "دميل" ، وفي المخطوطة ما أثبته ظاهر"الراء". وقد مضى آنفًا في أنساب هذا الخبر"الدميل" ، فلا أدري أهما واحد ، أم هما اسمان مختلفان.
(109) في المطبوعة: "بنت المحيا بن زهير" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وفي قصص الأنبياء: "مهر".
(110) في المطبوعة: "وأعظمهم به كفرًا" ، كأنه استنكر ما في المخطوطة ، وهو صريح العربية: أن يعاد الضمير بعد أفعل التفضيل بالإفراد والتذكير ، مثل ما جاء في حديث نساء قريش: "خير نساء ركبن الإبل صوالح قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده" ، وكما قال ذو الرمة:
وَمَيَّــةُ أَحْسَــنُ الثَّقَلَيْــنِ جــيدًا
وَسَـــالِفَةً ، وَأَحْسَـــنُهُ قَـــذَالا
وقد مضى ذكر ذلك في الأجزاء السالفة 5: 448 ، تعليق: 2 وص: 557 ، تعليق: 1/ 6: 395 ، تعليق: 1/ 7: 87 ، تعليق: 4.
(111) في المطبوعة: "وكانتا تحبان أن تعقر..." ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو المطابق كما في قصص القرآن للثعلبي.
(112) في المطبوعة: "وسبت ولده" ، وهو عبث محض ، وفي المخطوطة: "وسب له" غير منقوطة ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت."بيتت له ، : فكرت في الأمر وخمرته ودبرته ليلا.
(113) في المطبوعة: "بل أن أقول إلى بني مرداس" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لسوء كتابتها ، فأتى بكلام غث.
(114) في المطبوعة: "تحيلا في عقر الناقة" ، وهو كلام هالك ، والصواب ما في المخطوطة ولكن الناشر لم يعرف معناه."محل به": كاده ، واحتال في المكر به حتى يوقعه في الهلكة.
(115) مكان النقط بياض في المخطوطة إلى آخر السطر ، وفي الهامش حرف (ط) ، دلالة على الشك والخطأ.
(116) في المطبوعة: "فأسفرت عنه" بالزيادة وليست في المخطوطة ، ولا ضرورة لها.
(117) "ذمرته": شجعته وحثته وحرضته.
(118) في المطبوعة: "فكشف عرقوبها" ، وأثبت ما في المخطوطة: "خشف رأسه بالحجر" ، شدخه. وكل ما شدخ ، فقد خشف. وقيل: "سيف خاشف ، وخشيف ، وخشوف" ، ماض. و"فحسف" ، هكذا غير منقوطة في المخطوطة.
(119) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "رغاة واحدة" ، ولم تذكره كتب اللغة ، بل قالوا: المرة الواحدة من"الرغاء" ، "رغوة" والذي في الطبري جائز مثله في العربية.
(120) في المطبوعة: "منيعا" ، وأثبت ما في المخطوطة."والمنيف" العالي.
(121) في المطبوعة: "فرغا ولاذ بها" ، وفي المخطوطة غير منقوطة ، وأرجح أن صواب قراءتها هنا ما أثبت.
(122) في المطبوعة: "صور" ، أثبت ما في المخطوطة ، وإن كنت في شك منه.
(123) في المطبوعة ، حذف"ثم" ، وهي ثابتة في المخطوطة.
(124) في المطبوعة: "هلموا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب أيضًا.
(125) في المطبوعة: "الدريعة ، وهي كليبة ابنة السلق" ، وفي المخطوطة"الدريعة وهي الكلبة ابنة السلق" ، وقرأتها كما أثبتها. و"السلق" ، الذئب ، ويزعمون أن الذئب يستولد الكلبة ، وأن ولدها منها يقال له"الديسم" ، ويقال للكلاب"أولاد زارع" ، فرجحت أن صواب قراءتها"الزريعة" بالتصغير ، وأن الذي بعدها تفسير لها ، كما هو ظاهر.
و"السلق" (بكسر السين ، وسكون اللام).
(126) في المطبوعة: "حتى أتت حيا من الأحياء ، فأخبرتهم" ، غير ما في المخطوطة ، مع أن الصواب هو الذي فيها. و"قرح" سوق وادي القرى ، كما مر آنفًا.
(127) في المطبوعة: "في خدرها" ، وأثبت ما في المخطوطة. و"الحجر" (بكسر الحاء وفتحها ، وسكون الجيم): الستر والحفظ ، يعني حيث تستر. ولو قريء: "في حجرها" جمع"حجرة" ، وهو البيت لكان حسنًا جدًا.
(128) قوله: "وكانت ترد..." ، يعني الناقة.
(129) الأثر: 14817-"عبد الله بن عثمان بن خثيم" القارئ ، تابعي ثقة. مضى برقم: 4341 ، 5388 ، 7831 ، 9642.
وهذا الخبر رواه أحمد في المسند 3: 296 ، من هذه الطريق نفسها بلفظه.
وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 505 ، وفي البداية والنهاية 1: 137 ، وقال: "وهذا الحديث على شرط مسلم ، وهو ليس في شيء من الكتب الستة".
وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (6: 270) ، وقال: "وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن ، عن جابر" ، وذكر الخب .
وسيأتي بإسناد آخر رقم: 14820.
(130) الأثر: 14818- هذا خبر مرسل.
"إسماعيل بن أمية الأموي" ، ثقة ، مضى برقم: 2615 ، 8458.
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه 3: 245 رقم: 3088 ، موصولا من حديث محمد بن إسحق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن بجير بن أبي بجير ، قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول ، حين خرجنا إلى الطائف ، فمررنا بقبر".
وذكر ابن كثير في تفسيره 3: 508 ، والبداية 1: 137 ، حديث أبي داود هذا ، ثم قال: "هكذا رواه أبو داود ، عن يحيى بن معين ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق ، به. قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز. قلت: تفرد بوصله بجير بن أبي بجير هذا ، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى بن معين: ولم أسمع أحدًا روى عنه غير إسماعيل بن أمية. قلت [القائل ابن كثير]: وعلى هذا فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث ، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو مما أخذه من الزاملتين. قال شيخنا أبو الحجاج ، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتمل ، والله أعلم".
وسيأتي بإسناد آخر رقم: 14823.
(131) الأثر: 14820- هذا إسناد آخر للخبر السالف رقم: 14817.
(132) الأثر: 14823- هذا إسناد آخر للأثر رقم: 14818.
وأما كلمة الحسن البصري الأخيرة ، فلا أدري من قائلها.
(133) "وادي النفر" ، كأنه يعني التسعة من ثمود الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، والذين اجتمعوا على قتل صالح عليه السلام ، فدمر الله عليهم.
(134) الأثر: 14823- حديث الزهري هذا ، رواه البخاري في مواضع من صحيحه (الفتح 6: 270) من طريق محمد بن مقاتل ، عن عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن عمر = ثم رواه بعد من طريق يونس ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر. ثم رواه (الفتح 8: 95) من طريق عبد الرازق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر.
ورواه مسلم في صحيحه 18: 111 ، من طريق يونس ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر.
وليس في روايتهما ذكر"وادي النفر".
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "ثم رفع رأسه" ، وهو تحريف بلا شك ، والصواب ما أثبت من رواية البخاري (الفتح 8: 95). و"قنع رأسه" ، غطاها بالقناع. وفي رواية البخاري الأخرى (الفتح 6: 270): "ثم تقنع بردائه وهو على الرحل".
وقوله: "أجاز الوادي" ، أي قطعه وخلفه وراءه.
(135) انظر تفسير"المس" فيما سلف: 11: 370 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك.
(136) انظر تفسير"أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم).
التدبر :
الإعراب :
المتشابهات :
الأعراف: 73 | ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ |
---|
هود: 61 | ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ﴾ |
---|
أسباب النزول :
لم يذكر المصنف هنا شيء
الترابط والتناسب :
القراءات :
جاري إعداد الملف الصوتي
ثمود:
قرئ:
بكسر الدال والتنوين، مصروفا، وهى قراءة ابن وثاب، والأعمش.