429891011121314

الإحصائيات

سورة سبإ
ترتيب المصحف34ترتيب النزول58
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.50
عدد الآيات54عدد الأجزاء0.35
عدد الأحزاب0.70عدد الأرباع2.80
ترتيب الطول31تبدأ في الجزء22
تنتهي في الجزء22عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 6/14الحمد لله: 4/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (8) الى الآية رقم (9) عدد الآيات (2)

لمَّا أنكرُوا البعثَ وسَخِرُوا من النَّبي ﷺ اتَّهمُوه هنا بأنه كاذبٌ أو مجنونٌ، فرَدَّ اللهُ عليهم، وهَدَّدَهم بالعذابِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (10) الى الآية رقم (13) عدد الآيات (4)

لمَّا ذَكَرَ اللهُ من ينيبُ مِن عِبادِه؛ ذَكَرَ هنا نماذجَ مِمَّن أنَابُوا إلى ربِّهم: داودُ وسليمانُ عليهما السلام ونِعمُ اللهِ عليهما، كتسخيرِ الجبالِ والطيرِ للتسبيحِ معَ داودَ، وتسخيرِ الريحِ والجنِ لسليمانَ، وفضلُ الشكرِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (14) الى الآية رقم (14) عدد الآيات (1)

موتُ سليمانَ عليه السلام ، وإثباتُ أنَّ علمَ الغيبِ للهِ وحدَهُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة سبإ

حسن عاقبة الشاكرين وسوء عاقبة الجاحدين/ العبودية سبيل العمران (حضارتان في الميزان).

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هؤلاء شكروا وهؤلاء كفروا::   بدأت السورة بـ: 1- بيان ربوبية الله وألوهيته وقدرته سبحانه وتعالى، ثم: 2- الإخبار عن إنكار كفار مكة للبعث والجزاء، وسخريتهم من النبي ﷺ، وقد هدَّدهم الله على ذلك بالعذاب مِن فوقهم، أو من تحت أرجلهم، ثم أعقب ذلك بـ: 3- قصة داود وسليمان عليهما السلام، ثم قصة قوم سبأ. ويشترك أصحاب القصتين في أن الله قد أنعم عليهم بالخيرات، ورزقهم من الطيبات، حتى شبعوا وأَمِنُوا، ولكن آل داود آمنوا وشكروا، وآل سبأ بطروا وكفروا، فكانت القصتان مثَلين لأمَّتين إحداهما شاكرة، والأخرى كافرة، وكانت أمَّة داود الشاكرة المرحومة مثلًا للنبي ﷺ ومَن آمن معه، وفي ذلك تثبيت لهم على إيمانهم، وربط على قلوبهم، كما كانت أمَّة سبأ الكافرة المعذَّبة مثلًا لكفار قريش؛ لإنذارهم من العذاب كما عذب الله قوم سبأ.
  • • من هي سبأ؟:   إن سبأً قومٌ اكتملتْ نِعَمُهم؛ فأرزاقُهم حاضرة، وأرضهم مخضرَّة، وسماؤهم ممطرة، وثمارهم يانعة، وضروعهم دارَّة، تحيط بمساكنهم الأشجارُ والثمار، وتملأ جنبتي بلادهم؛ فلا يسيرون إلا في خضرة من الأرض، ولا يأكلون إلا أطيب الطعام والثمار، يشربون من الماء أعذبَه، ويتنفسون من الهواء أنقاه، حتى ذكر المفسِّرون خلو أرضهم وأجوائهم من الهوام والحشرات المؤذية، وهذا من أكمل ما يكون للعيش الرغيد، والراحة التامة، والنعم الكاملة. ولم يطلب ربُّهم منهم مقابلَ هذه النعم المتتابعة إلا شكرَه عليها، بإقامة دينه وتحقيق توحيده: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ (15)، فوصفها الله بأنها بلدة طيبة؛ فكل شيء فيها طيِّب. وقد عفا الله عنهم ما مضى مِن كفرهم وتجاوزهم، فلم يستأصلهم به، ودعاهم إلى شكره، بتذكيرهم بمغفرته ورزقه: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ (15). لكنهم قابلوا دعوة الله لهم بالإعراض والاستكبار، والإعراضُ أشدُّ أنواع الكفر، فاستحقوا العذابَ والدمار: ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ (16)، ففتح الله عليهم سدَّهم؛ ليغرق بلادهم، ويهلك حرثهم وأنعامهم، ويتلف أشجارهم وثمارهم، فأضحتْ بلادُهم بعد الخضرة مغبرَّةً، وبعد الجدة مقفرةً، وبعد السَّعة ضيقةً، وذهبتْ نعمهم في لمح البصر، وصاروا ممحلين لا يلوون على شيء.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سبأ».
  • • معنى الاسم ::   سبأ: هي أرض باليمن، مدينتها مأرب.
  • • سبب التسمية ::   لأن ‏الله ‏ذكر ‏فيها ‏قصة ‏سبأ‏، ‏وقد ‏كان ‏أهلها ‏في ‏نعمة ‏ورخاء، ‏وكانت ‏مساكنهم ‏حدائق ‏وجنات ‏فلما كفروا ‏النعمة ‏دمرهم ‏الله ‏بسيل ‏العرم ‏وجعلهم ‏عبرة ‏لمن ‏يعتبر‏‏.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن العبودية سبيل العمران.
  • • علمتني السورة ::   حسن عاقبة الشاكرين وسوء عاقبة الجاحدين.
  • • علمتني السورة ::   لأن تكذيب الحضارات وكفرها بالله تعالى هو سبب هلاكها.
  • • علمتني السورة ::   أن الغنى لا يدل على محبة الله للعبد: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة سبأ من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة سبأ تشبه سورة الفرقان في أنها استعرضت شبهات الكفار، وردت عليها واحدة واحدة، كالشبهات التي دارت حول التوحيد والرسالة، وركزت كثيرًا حول شبهة إنكار البعث.
    • استخدمت السورة أسلوب الجدال والحوار لتفنيد شبهات الكفار؛ بل نرى لونًا من أدب الجدال لا نظير له، وهو في غاية الإنصاف والاعتدال! حيث يتنزل فيه عارض الحق إلى مستوى خصمه، ويناشده أن يعي وأن يقبل الصواب: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (24)، وهذا الجدل علي هذا النحو المهذب أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين، وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقناع العميق.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن ندوام على شكر الله على نعمه بقلوبنا وألسنتنا وأعمالنا.
    • أن نصلح أعمالنا الظاهرة والباطنة؛ فإن الله لا يخفى عليه شيء: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (3).
    • أن نُعَلِّم مسلمًا سورةً من القرآنِ؛ شكرًا لله على حفظِنا لهذه السُّورةِ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ (13).
    • أن نحذر من اتباع خطوات الشيطان؛ فليس له علينا سلطان: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَان﴾ (20-21).
    • أن نحذر من عبادة القبور ودعاء الأولياء والصالحين بحجة أنهم شفعاء: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ (23).
    • أن نعلم أن رزقنا بيد الله تعالى؛ فلا نحزن ونرض بما قسم الله لنا: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّـهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (24).
    • أن نستخدم في دعوتِنا التبشيرَ والإنذارَ: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (28).
    • أن ننفق من أموالنا في دعم مشروع خيري راجين الخلف من الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (39).
    • أن نحْيي في أنفسِنا عبادةَ التَّفكُّرِ؛ فهي من أجَلِّ العباداتِ القلبيةِ: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ (46).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا عندَ كُلِّ عملٍ نقومُ به: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ (47)؛ لا ننتظرْ جزاءً من أحدٍ، لا نجعل الدين سلمًا ننال به عرض الدنيا الزائل؛ فإن الآخرة خير وأبقى.

تمرين حفظ الصفحة : 429

429

مدارسة الآية : [8] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم ..

التفسير :

[8] هذا الرجل أختلق على الله كذباً أم به جنون، فهو يتكلم بما لا يدري؟ ليس الأمر كما قال الكفار، بل محمد أصدق الصادقين. والذين لا يصدقون بالبعث ولا يعملون من أجله في العذاب الدائم في الآخرة، والضلال البعيد عن الصواب في الدنيا.

فهذا الرجل الذي يأتي بذلك, هل{ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فتجرأ عليه وقال ما قال,{ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} ؟ فلا يستغرب منه, فإن الجنون فنون، وكل هذا منهم, على وجه العناد والظلم, ولقد علموا, أنه أصدق خلق اللّه وأعقلهم, ومن علمهم, أنهم أبدوا وأعادوا في معاداتهم, وبذلوا أنفسهم وأموالهم, في صد الناس عنه، فلو كان كاذبا مجنونا لم ينبغ لكم - يا أهل العقول غير الزاكية - أن تصغوا لما قال, ولا أن تحتفلوا بدعوته، فإن المجنون, لا ينبغي للعاقل أن يلفت إليه نظره, أو يبلغ قوله منه كل مبلغ.

ولولا عنادكم وظلمكم, لبادرتم لإجابته, ولبيتم دعوته, ولكن{ مَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} ولهذا قال تعالى:{ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} ومنهم الذين قالوا تلك المقالة،{ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} أي:في الشقاء العظيم, والضلال البعيد, الذي ليس بقريب من الصواب، وأي شقاء وضلال, أبلغ من إنكارهم لقدرة اللّه على البعث وتكذيبهم لرسوله الذي جاء به, واستهزائهم به, وجزمهم بأن ما جاءوا به هو الحق, فرأوا الحق باطلا, والباطل والضلال حقا وهدى.

وقوله- سبحانه- بعد ذلك: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ حكاية لقول آخر من أقوالهم الباطلة، التي قالوها بشأن ما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم.

والاستفهام لتعجبهم مما قاله صلى الله عليه وسلم لأن قوله لهم: إنكم ستبعثون وتحاسبون يوم القيامة، جعلهم لجهلهم وانطماس عقولهم- يستنكرون ذلك، ويرجعون قوله صلى الله عليه وسلم إلى أمرين: إما افتراء الكذب واختلاقه على الله- تعالى- وإما إصابته بالجنون الذي جعله يقول قولا لا يدرى معناه.

وقد رد الله- تعالى- بما ينفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم ما اتهموه به، وبما يثبت جهلهم وغباءهم فقال. بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ.

أى: ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكافرون، من أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبرهم بأن هناك بعثا وحسابا، به جنة أو افترى على الله كذبا، بل الحق أن هؤلاء الكافرين الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب، غارقون في العذاب الذي لا نهاية له. وفي الضلال البعيد عن الحق غاية البعد.

( أفترى على الله كذبا أم به جنة ) ؟ قال الله تعالى رادا عليهم : ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) أي : ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه ، بل محمد صلى الله عليه وسلم هو الصادق البار الراشد الذي جاء بالحق ، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء ، ( في العذاب ) أي : [ في ] الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله ، ( والضلال البعيد ) من الحق في الدنيا .

القول في تأويل قوله تعالى : أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين كفروا به وأنكروا البعث بعد الممات بعضهم لبعض معجبين من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في وعده إياهم ذلك: أفترى هذا الذي يعدنا أنا بعد أن نمزق كل ممزق في خلق جديد على الله كذبا، فتخلق عليه بذلك باطلا من القول وتخرص عليه قول الزور (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) يقول: أم هو مجنون فيتكلم بما لا معنى له.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: قالوا تكذيبا(أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) قال: قالوا: إما أن يكون يكذب على الله (أَمْ ِبِه جِنَّةٌ) وإما أن يكون مجنونًا(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ...) الآية.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: ثم قال بعضهم لبعض (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) الرجل مجنون فيتكلم بما لا يعقل فقال الله ( الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ) .

وقوله ( بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما قال هؤلاء المشركون في محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وظنوا به من أنه افترى على الله كذبا، أو أن به جنة، لكن الذين لا يؤمنون بالآخرة من هؤلاء المشركين في عذاب الله في الآخرة وفي الذهاب البعيد عن طريق الحق وقصد السبيل فهم من أجل ذلك يقولون فيه ما يقولون.

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد قال الله ( بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ) وأمره أن يحلف لهم ليعتبروا وقرأ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ ... الآية كلها وقرأ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ . وقطعت الألف من قوله (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ) في القطع والوصل، ففتحت لأنها ألف استفهام. فأما الألف التي بعدها التي هي ألف افتعل فإنها ذهبت لأنها خفيفة زائدة تسقط في اتصال الكلام، ونظيرها سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ و بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ و أَصْطَفَى الْبَنَاتِ وما أشبه ذلك. وأما ألف آلآنَ و آلذَّكَرَيْنِ فطولت هذه، ولم تطول تلك لأن آلآن وآلذكرين كانت مفتوحة فلو أسقطت لم يكن بين الاستفهام والخبر فرق فجعل التطويل فيها فرقا بين الاستفهام والخبر، وألف الاستفهام مفتوحة فكانتا مفترقتين بذلك فأغنى ذلك دلالة على الفرق من التطويل.

التدبر :

عمل
[8] ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ إياك والكذب.
وقفة
[8] ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أفاد الرازي بأن الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه؛ ولذا لم يجزموا بأن النبي ﷺ مفتر، بل تساءلوا: هل هو مفتر أم مجنون؟ ليدفعوا عن أنفسهم الكذب بهذا الظن، فاحترزوا بذلك عن افتضاح كذبهم، فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس، ولا ينبعي للعاقل أن يكون أدنى درجة من الكافر.
وقفة
[8] ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ إن كان القرآن مفترى؛ فأتوا بمثل هذا الافتراء، بسورة من مثله، بل بآية واحدة، ولن يقدروا.
وقفة
[8] ﴿أَفتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ يتساويان، فالعقل السليم يدرك بالفطرة أين طريق الحق ويلزمه.
وقفة
[8] ﴿أَفتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ ماذا يضير السحاب نباح الكلاب؟!
وقفة
[8] ﴿أَفتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ فِي العَذابِ وَالضَّلالِ البَعيدِ﴾ من افترى على الله كذبًا أبعد ما يكون عن طريق الهداية، لذا جاءت تلك الخاتمة.
وقفة
[8] ﴿أَفتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ فِي العَذابِ وَالضَّلالِ البَعيدِ﴾ الإدعاء بالكذب على الدعاة والمصلحين للتنصل من تبعات الالتزام بأى شئ ليظلوا على هواهم، وهذا من الآفات الإجتماعية.
تفاعل
[8] ﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ استعذ بالله الآن من العذاب في الآخرة والضلال في الدنيا.

الإعراب :

  • ﴿ أَفْتَرى عَلَى اللهِ:
  • الهمزة همزة انكار وتعجيب بلفظ‍ استفهام وقد طرحت- أسقطت-الهمزة الثانية همزة الفعل وهي همزة الوصل لدخول همزة الاستفهام عليها. افترى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي أاختلق أو أهو مفتر على الله كذبا فيما ينسب إليه من ذلك. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بافترى.
  • ﴿ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أم: حرف عطف وهي «أم» المتصلة لأنها مسبوقة بهمزة استفهام. به: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. جنة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة والجملة الاسمية بِهِ جِنَّةٌ» معطوفة على جملة أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً» المؤولة بتقدير: أهو مفتر على الله: لا محل لها من الاعراب لأن الجملة المعطوف عليها ابتدائية لا محل لها من الاعراب. والمعنى أم به جنون يوهمه ذلك.
  • ﴿ بَلِ الَّذِينَ:
  • حرف اضراب للاستئناف لا عمل لها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بلا يؤمنون. أي ثم قال سبحانه: ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء وهو مبرأ منهما
  • ﴿ فِي الْعَذابِ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ «الذين» أي بمعنى: بل هؤلاء الكافرون القائلون ذلك القول واقعون في العذاب. أي في عذاب النار
  • ﴿ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ:
  • معطوفة بالواو على «العذاب» البعيد: صفة-نعت- للضلال مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. والضلال تعرب اعراب العذاب'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     ولَمَّا أنكرُوا البعثَ وسَخِرُوا من النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ اتَّهمُوه هنا بأنه كاذبٌ أو مجنونٌ، فرَدَّ اللهُ عليهم، وهَدَّدَهم بالعذابِ، قال تعالى:
﴿ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [9] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ ..

التفسير :

[9] أفلم ير هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة عظيم قدرة الله فيما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض مما يبهر العقول، وأنهما قد أحاطتا بهم؟ إن نشأ نخسف بهم الأرض، كما فعلنا بقارون، أو ننزِّل عليهم قطعاً من العذاب، كما فعلنا بقوم شعيب، فقد أمطرت السم

ثم نبههم على الدليل العقلي, الدال على عدم استبعاد البعث, الذي استبعدوه, وأنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم, من السماء والأرض فرأوا من قدرة اللّه فيهما, ما يبهر العقول, ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول, وأن خلقهما وعظمتهما وما فيهما من المخلوقات, أعظم من إعادة الناس - بعد موتهم - من قبورهم، فما الحامل لهم, على ذلك التكذيب مع التصديق, بما هو أكبر منه؟ نعم ذاك خبر غيبي إلى الآن, ما شاهدوه, فلذلك كذبوا به.

قال اللّه:{ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أي:من العذاب, لأن الأرض والسماء تحت تدبيرنا, فإن أمرناهما لم يستعصيا، فاحذروا إصراركم على تكذيبكم, فنعاقبكم أشد العقوبة.{ إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي:خلق السماوات والأرض, وما فيهما من المخلوقات{ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}

فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى اللّه, كان انتفاعه بالآيات أعظم, لأن المنيب مقبل إلى ربه, قد توجهت إراداته وهماته لربه, ورجع إليه في كل أمر من أموره, فصار قريبا من ربه, ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة, لا نظر غفلة غير نافعة.

ثم هددهم- سبحانه- بسوء العاقبة، إذا ما استمروا في ضلالهم وجهالاتهم وذكرهم بما يشاهدونه من عجائب قدرته فقال: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.

والاستفهام للتعجب من حالهم، ومن ذهولهم عن التفكر والتدبر، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام.

والمعنى: أعمى هؤلاء الكافرون فلم يعتبروا ولم يتعظوا بما يشاهدونه من مظاهر قدرته- عز وجل- المحيطة بهم من كل جانب والمنتشرة في آفاق السموات وفي جوانب الأرض؟

إن تأملهم في مظاهر قدرتنا الواضحة أمام أعينهم، من شأنه أن يهديهم إلى الحق الذي جاءهم به رسولنا صلّى الله عليه وسلّم ومن شأنه أن يجعلهم يوقنون بأننا إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ كما فعلنا بقارون.

أَوْ إن نشأ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ والكسف جمع كسفة بمعنى قطعة أى:

لا يعجزنا أن نخسف بهم الأرض. كما لا يعجزنا- أيضا- أن ننزل عليهم قطعا من العذاب الكائن من السماء فنهلكهم، كما أنزلناها على أصحاب الأيكة فأهلكناهم بسبب تكذيبهم وجحودهم.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ.

أى: إن في ذلك الذي ذكرناه من مظاهر قدرتنا الواضحة بين أيديهم، لآية بينة، وعبرة ظاهرة، لكل عبد مُنِيبٍ أى: راجع إلى الله- تعالى- بالتوبة الصادقة، وبالطاعة الخالصة لما جاءه به نبينا صلّى الله عليه وسلم.

ثم ساق- سبحانه- نموذجين من الناس، أولهما: أعطاه الله- تعالى- الكثير من نعمه وفضله وإحسانه، فوقف من كل ذلك موقف المعترف بنعم الله الشاكر لفضله.

وثانيهما: أعطاه الله- تعالى- النعم فوقف منها موقف الجاحد البطر الكنود.

أما النموذج الأول فنراه في شخص النبيين الكريمين داود وسليمان- عليهما السلام- فقد قال- سبحانه- في شأنهما:

ثم قال منبها لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض ، فقال : ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) أي : حيثما توجهوا وذهبوا فالسماء مظلة مظللة عليهم ، والأرض تحتهم ، كما قال : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون . والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) [ الذاريات : 47 ، 48 ] .

قال عبد بن حميد : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) ؟ قال : إنك إن نظرت عن يمينك أو عن شمالك ، أو من بين يديك أو من خلفك ، رأيت السماء والأرض .

وقوله : ( إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) أي : لو شئنا لفعلنا بهم ذلك لظلمهم وقدرتنا عليهم ، ولكن نؤخر ذلك لحلمنا وعفونا .

ثم قال : ( إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ) قال معمر ، عن قتادة : ( منيب ) : تائب .

وقال سفيان عن قتادة : المنيب : المقبل إلى الله عز وجل .

أي إن في النظر إلى خلق السماء والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجاع إلى الله ، على قدرة الله على بعث الأجساد ووقوع المعاد; لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها ، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها ، إنه لقادر على إعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام ، كما قال تعالى : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى ) [ يس : 81 ] ، وقال : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ غافر : 57 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)

يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالمعاد الجاحدون البعث بعد الممات القائلون لرسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم؛ فيرتدعوا عن جهلهم وينـزجروا عن تكذيبهم بآياتنا حذرًا أن نأمر الأرض فتخسف بهم أو السماء فتسقط عليه قطعًا، فإنا إن نشأ نفعل ذلك بهم فعلنا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ( أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا &; 20-356 &; بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) قال: ينظرون عن أيمانهم وعن شمائلهم كيف السماء قد أحاطت بهم (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ) كما خسفنا بمن كان قبلهم (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ) أي: قطعًا من السماء.

وقوله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) يقول تعالى ذكره: إن في إحاطة السماء والأرض بعباد الله لآية: يقول: لدلالة لكل عبد منيب: يقول لكل عبد أناب إلى ربه بالتوبة، ورجع إلى معرفة توحيده والإقرار بربوبيته والاعتراف بوحدانيته والإذعان لطاعته على أن فاعل ذلك لا يمتنع عليه فعل شيء أراد فعله ولا يتعذر عليه فعل شيء شاءه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا سعيد عن قتادة ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) والمنيب: المقبل التائب.

التدبر :

وقفة
[9] ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ يحتمل أن يكون المراد بالرؤية: المكان أو الزمان. أما المكان، أي ما حولهم من الأماكن التي خسف الله بأهلها. وأما الزمان، فيكون المراد بما بين أيديهم أي المستقبل، وما خلفهم أي ما مضى من الأمم، فهل أهلكنا منهم إلا من كذب بآياتنا؟
وقفة
[9] ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ﴾ أعلم الله تعالى أن الذي قدر على خلق السماوات والأرض وما فيهن؛ قادر على البعث، وعلى تعجيل العقوبة لهم، فاستدل بقدرته عليهم، وأن السماوات والأرض ملكه، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب، فكيف يأمنون الخسف والكسف، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة؟!
تفاعل
[9] ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى الله كان انتفاعه بالآيات أعظم؛ لأن المنيب مقبل إلى ربه، قد توجهت إراداته وهماته لربه، ورجع إليه في كل أمر من أموره، فصار قريبًا من ربه، ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة، لا نظر غفلة غير نافعة.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبدٍ مُنيبٍ﴾ كونك عبدًا له منيبًا إليه سبحانه يستوجب تأملًا وتفكرًا فى كل ما يحيط بك من جميع خلقه.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ لا تنكشف أسرار القرآن إلا بعد الإنابة إلى الله.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾، ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾، [ق: 8]، ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ [غافر: 13]، إذا لم تكن منيبًا لن تفهم القرآن.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ كلما كان العبد أعظم إنابة إلى الله؛ كان انتفاعه بالآيات أعظم.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ كثرة الإنابة إلى الله سببٌ للانتفاع بالآيات الكونية.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ شرط الانتفاع بالآيات وجود نية التوبة والرجوع إلى رب الأرض والسماوات.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ المنيب أقرب من غيره في الإتعاظ بآيات ربه.
وقفة
[9، 10] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ﴾ جاء بداود عليه السلام بعد قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾، وداود من العباد المنيبين، ثم جاء بسليمان بعده؛ لأنه كذلك من العباد المنيبين.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا:
  • الهمزة همزة استفهام. الفاء زائدة-تزيينية-لم: حرف نفي وجزم وقلب. يروا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى أفلم ينظروا.
  • ﴿ إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ:
  • حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بإلى والجار المجرور متعلق بيروا. بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية وهو مضاف وعلامة نصبه الفتحة. أيدي: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء للثقل. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. وشبه الجملة بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» متعلق بصلة الموصول المحذوفة. التقدير: إلى ما استقر أو هو مستقر بين أيديهم.بمعنى: إلى ما هو أمامهم.
  • ﴿ وَما خَلْفَهُمْ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول لأن «ما» مبهمة. و «من» بيانية. والأرض معطوفة بالواو على مِنَ السَّماءِ» أي ومن الأرض. وتعرب إعرابها.
  • ﴿ إِنْ نَشَأْ:
  • حرف شرط‍ جازم. نشأ: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن وحذف مفعول «نشأ» وهو محذوف في أغلب الآيات.
  • ﴿ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ:
  • تعرب إعراب «نشأ» وهي جواب الشرط‍ -جزاؤه-الباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بالفعل «نخسف» الأرض: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَوْ نُسْقِطْ‍ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ:
  • معطوفة بأو على نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ» وتعرب إعرابها. من السماء: جار ومجرور متعلق بنسقط‍ بمعنى:قطعا من السماء كافية لتدميرهم. أو يتعلق الجار والمجرور بصفة محذوفة من كسفا.
  • ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في: حرف جر. ذا:اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد والكاف للخطاب والجار والمجرور متعلق بخبر «انّ» المقدم.
  • ﴿ لَآيَةً:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-آية: اسم «إنّ» منصوب بالفتحة بمعنى انّ في النظر الى السماء والأرض والتفكر فيهما وما يدلان عليه من قدرة الله لعلامة ودلالة.
  • ﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة لآية. منيب: صفة-نعت- لعبد مجرورة وعلامة جرها الكسرة. أي لكل عبد راجع أو تائب الى الله.'

المتشابهات :

الطور: 44﴿وَإِن يَرَوۡاْ كِسْفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطٗا
الإسراء: 92﴿أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ قَبِيلًا
الشعراء: 187﴿فَأَسۡقِطۡ عَلَيۡنَا كِسَفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ
الروم: 48﴿وَيَجۡعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ
سبإ: 9﴿أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     ولَمَّا كان المُشرِكونَ قد أنكَروا السَّاعةَ؛ لِقَطعِهم بأنَّ مَن مُزِّق كُلَّ مُمَزَّقٍ لا يمكِنُ إعادتُه، فقطعوا -جهلًا- بأنَّ الله تعالى لا يقولُ ذلك؛ ذَكَّرتهم الآيات بأسلوب الاستفهام الإنكاري ببعض ما يحيط بهم من الظواهر الكونية الدالة على كمال قدرة الله تعالى لكي يشعروا أمامها بحقارتهم وهوانهم، قال تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نشأ نخسف بهم ... نسقط:
1- بالنون، فى الثلاثة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، فيها، وهى قراءة حمزة، وابن وثاب، وعيسى، والأعمش، وابن مطرف.
3- على القراءة السابقة، مع إدغام «الفاء» فى الباء، فى «نخسف بهم» ، وهى قراءة الكسائي.

مدارسة الآية : [10] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ..

التفسير :

[10] ولقد آتينا داود نبوة وكتاباً وعلماً، وقلنا للجبال والطير:سبِّحي معه ، وألنَّا له الحديد، فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء.

أي:ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها, مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه, أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده, وأن ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات, تتجاوب بتسبيح ربها, وتمجيده, وتكبيره, وتحميده, كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى.

ومنها:أن ذلك - كما قال كثير من العلماء, أنه طرب لصوت داود، فإن اللّه تعالى, قد أعطاه من حسن الصوت, ما فاق به غيره, وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب, طرب كل من سمعه, من الإنس, والجن, حتى الطيور والجبال, وسبحت بحمد ربها.

ومنها:أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها, لأنه سبب ذلك, وتسبح تبعا له.

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا بيان لما منّ الله- تعالى- به على عبده داود- عليه السلام- من خير وبركة.

أى: ولقد آتينا عبدنا داود فضلا عظيما، وخيرا وفيرا، وملكا كبيرا، بسبب إنابته إلينا، وطاعته لنا.

ثم فصل- سبحانه- مظاهر هذا الفضل فقال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ والتأويب الترديد والترجيع. يقال: أوّب فلان تأويبا إذا رجّع مع غيره ما يقوله.

والجملة مقول لقول محذوف: أى: وقلنا يا جبال رددى ورجعي مع عبدنا داود تسبيحه لنا، وتقديسه لذاتنا، وثناءه علينا، كما قال- تعالى-: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ.

وقوله: وَالطَّيْرَ بالنصب عطفا على قوله فَضْلًا أى: وسخرنا له الطير لتسبح معه بحمدنا. أو معطوف على محل يا جِبالُ أى: ودعونا الجبال والطير إلى التسبيح معه.

قال الإمام ابن كثير- رحمه الله: يخبر- تعالى- عما أنعم به على عبده ورسوله داود- عليه السلام- مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوى العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به، تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات. والغاديات الرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات.

وفي الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع صوت أبى موسى الأشعرى يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال: «لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين هذا النظم وبين أن يقال: «وآتينا داود منا فضلا» تأويب الجبال معه والطير؟

قلت: كم بينهما من الفرق؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى، من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية، حيث جعلت الجبال منزلة منزلة العقلاء، الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته .

وقوله- تعالى-: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم بها- سبحانه- عليه.

أى: وصيرنا الحديد لينا في يده، بحيث يصبح- مع صلابته وقوته- كالعجين في يده، يشكله كيف يشاء، من غير أن يدخله في نار، أو أن يطرقه بمطرقة.

فالجملة الكريمة معطوفة على قوله آتَيْنا، وهي من جملة الفضل الذي منحه- سبحانه- لنبيه داود- عليه السلام-.

يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود ، صلوات الله وسلامه عليه ، مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوي العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات ، والغاديات والرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات . وفي الصحيح أنرسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " .

وقال أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه .

ومعنى قوله : ( أوبي ) أي : سبحي . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد .

وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان الحبشة . وفي هذا نظر ، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع ، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها .

وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه " الجمل " في باب النداء منه : ( يا جبال أوبي معه ) أي : سيري معه بالنهار كله ، والتأويب : سير النهار كله ، والإسآد : سير الليل كله . وهذا لفظه ، وهو غريب جدا لم أجده لغيره ، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة ، لكنه بعيد في معنى الآية هاهنا . والصواب أن المعنى في قوله تعالى : ( أوبي معه ) أي : رجعي معه مسبحة معه ، كما تقدم ، والله أعلم .

وقوله : ( وألنا له الحديد ) : قال الحسن البصري ، وقتادة ، والأعمش وغيرهم : كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقة ، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط; ولهذا قال :

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)

يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منا فضلا وقلنا للجبال (أَوِّبِي مَعَهُ) : سبحي معه إذا سبح. والتأويب عند العرب: الرجوع ومبيت الرجل في منـزله وأهله، ومنه قول الشاعر:

يَوْمَــانِ يَــومُ مقامــاتٍ وأنديـةٍ

ويـومُ سَـيرٍ إلَـى الأعْـدَاءِ تَـأْوِيبِ (1)

أي رجوع وقد كان بعضهم يقرؤه (أُوْبِي مَعَهُ) من آب يئوب، بمعنى تصرفي معه، وتلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءة الحجة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ثني محمد بن الصلت قال ثنا أَبو كدينة، وحدثنا محمد بن سنان القزاز قال ثنا الحسن بن الحسن الأشقر قال ثنا أَبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه.

حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يقول: سبحي معه.

حدثنا أَبو عبد الرحمن العلائي قال ثنا مِسْعر عن أَبي حصين عن أَبي عبد الرحمن (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يقول: سبحي.

حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عن أَبي إسحاق عن أَبي ميسرة (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي بلسان الحبشة.

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال: ثنا فضيل عن منصور عن مجاهد في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أي: سبحي معه إذا سبح.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه، قال: والطيرُ أيضًا.

حُدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ثنا مروان بن معاوية عن جويبر عن الضحاك قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سبحي معه.

وقوله (وَالطَّيْرَ) وفي نصب الطير وجهان: أحدهما على ما قاله ابن زيد من أن الطير نوديت كما نوديت الجبال فتكون منصوبة من أجل أنها معطوفة على مرفوع بما لا يحسن إعادة رافعه عليه فيكون كالمصدر (2) عن جهته، والآخر: فعل ضمير متروك استغني بدلالة الكلام عليه، فيكون معنى الكلام: فقلنا يا جبال أوبي معه وسخرنا له الطير. وإن رفع ردا على ما في قوله: سبحي من ذكر الجبال كان جائزًا، وقد يجوز رفع الطير وهو معطوف على الجبال، وإن لم يحسن نداؤها بالذي نوديت به الجبال، فيكون ذلك كما قال الشاعر:

ألا يــا عمــرُو والضحـاكَ سِـيرا

فقــد جاوزتمــا خَــمَرَ الطـريقِ (3)

وقوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) سخر الله له الحديد بغير نار.

حدثنا ابن بشار قال: ثنا ابن عثمة قال: ثنا سعيد بن بشير عن قتادة في قوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) كان يسويها بيده ولا يدخلها نارًا ولا يضربها بحديدة.

-----------------------

الهوامش :

(1) البيت لسلامة بن جندل. قاله أبو عبيدة في (مجاز القرآن، مصورة الجامعة رقم 26059 ص 197 - ب) وانظره في المفضليات طبع القاهرة سنة 1926 والتأويب أن يبيت في أهله. قال سلامة بن جندل: (يومان ... البيت). استشهد به (اللسان: أوب) ونسبه لسلامة وقال: التأويب أن يسير النهار أجمع، وينزل الليل. وقيل: هو تباري الركاب في السير. قال: سلامة ... البيت. ثم قال التأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل. يقال: أوب القوم تأويبا: أي ساروا بالنهار. و (في اللسان: أوب): والتأويب: الرجوع. وقوله عز وجل: (يا جبال أوبي معه) ويقرأ: (أوبي معه) أي بضم الهمزة. فمن قرأ أوبي معه (بفتح الهمزة، وشد الواو المكسورة) فمعناه: يا جبال سبحي معه، ورجعة التسبح لأنه قال: سخرنا الجبال معه يسبحن. ومن قرأ (أوبي معه) أي بضم الهمزة، فمعناه: عودي معه في التسبيح كلما عاد فيه.

(2) لعله كالمصروف عن جهته.

(3) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 261) قال في قوله تعالى: (يا جبال أوبي معه والطير): منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبهما بالفعل، بقوله: (ولقد آتينا داود منا فضلا) وسخرنا له الطير، فيكون مثل قوله: أطعمته طعاما وما تريد، وسقيته ماء. فيجوز ذلك. والوجه الآخر بالنداء، لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت: الصلت بدعائهما، فإذا فقدت كان كالمعدول عن جهته، فنصب، وقد يجوز رفعه، على أن يتبع ما قبله. ويجوز رفعه على أوبي أنت والطير. وأنشدني بعض العرب النداء إذا نصب، لفقده يا أيها: (ألا يا عمرو والضحاك) والخمر بالتحريك: ما سترك من الشجر وغيرها، فيجوز نصب الضحاك ورفعه. وقال الآخر: يا طلحة الكامل وابن الكامل.

التدبر :

عمل
[10] ﴿وَلَقَد آتَينا داوودَ مِنّا فَضلًا﴾ يا من وهبه الله صوتًا حسنًا؛ اشكر الله واستعمله فيما يرضي الله، واحذر من استخدامه فيما يغضب الله.
عمل
[10] ﴿وَلَقَد آتَينا داوودَ مِنّا فَضلًا﴾ لا تغتر بنفسك، إنما الفضل -أى فضل- فقط من الله وحده سبحانه، وتأمل الكلمتين (آتَينا) و(مِنّا).
وقفة
[10] ذكر ابن العربي من معاني الفضل في قوله تعالى: ﴿وَلَقَد آتَينا داوودَ مِنّا فَضلًا﴾ حسن الصوت، ثم قال: والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى وزيادة في الخلق ومنة، وأحق ما لبست هذه الحالة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله؛ فنِعمُ الله إذا صرفت في الطاعات فقد قضي بها حق النعمة.
اسقاط
[10] ﴿ولقد آتينا داوود ... ياجبال أوبي معه والطير﴾ جبال، حيوانات، أمروا أن يذكروا الله! فنحن من باب أولى.
لمسة
[10] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ وتنكير (فَضْلًا) لتعظيمه؛ وهو فضل النبوءة، وفضل المُلك، وفضل العناية بإصلاح الأمة، وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سَعَة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت، وطولَ العمر في الصلاح، وغير ذلك.
وقفة
[10] من أعظم فضل الله على عبده أن تسبح الكائنات بتسبيحه، غرد بالتسبيح يسبح الآلاف معك، سبحان الله ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾.
وقفة
[10] تكريم الله لنبيه داود بالنبوة والملك، وبتسخير الجبال والطير يسبحن بتسبيحه، وإلانة الحديد له ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾.
وقفة
[10] ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ الجماد يسمع كلام الله ويطيعه، لكن بعض البشر لا يفعلون.
وقفة
[10] ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ كانت الطير تسبح بتسبيحه، تقف وتسبح معه لا تتجاوزه، بل تقف في الهواء، وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعًا له.
عمل
[10] ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ إذا تولاك رب العالمين يسخر لك جميع المخلوقات حتى الجمادات، تقرّب إليه وأبشر بالبركات.
وقفة
[10] ﴿يا جِبالُ أَوِّبي مَعَهُ وَالطَّيرَ﴾ تستحق التأمل مليًّا.
وقفة
[10] ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ إذا تولاك الله جعل كل شيء لك ذليلًا، ولو كان في نظرك أنهُ من المستحيل.
عمل
[10] حتى الطيور تغرد وتردد مع داوود التسبيح ﴿أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾، وأنت أيها المغرد: سبِّح.
وقفة
[10] ﴿وَأَلَنّا لَهُ الحَديدَ﴾ عندما يكون لديك اليقين القوى بالقدرة الإلهية تُرزق بما لا تتوقعه.
وقفة
[10] أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: ﴿وَأَلَنّا لَهُ الحَديدَ﴾، قال‏:‏ «كالعجين»‏، سبحانك اللهم.
عمل
[10] ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ لا تَخَفْ لو كانت ظروفُك أقسى من الحديدِ، فاللهُ قادرٌ أن يُلينَها لك.
وقفة
[10] ﴿وألنا له الحديد﴾ مهما كانت العقبات، ليست بأقوى من الحديد، قل: «يا ألله».
عمل
[10] ﴿وألنا له الحديد﴾ الحديد الصلب أصبح لينًا بفضل الله، وقلوب بعض البشر أشد قسوة من الحديد، قل: «يا رب، اجعل قلوبنا لينة».
اسقاط
[10] ﴿ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا﴾ [طه: 105]، ﴿وألنَّا له الحديد﴾، ﴿قال ربك هو عليَّ هيِّن﴾ [مريم: 9]؛ وبعد هذا تظن أن همومك وأحزانك لن تزول؟!

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنا:
  • الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق.آتي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ داوُدَ مِنّا فَضْلاً:
  • مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-للعجمة. منا: جار ومجرور متعلق بآتينا. فضلا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ يا جِبالُ:
  • يا: أداة نداء. جبال: منادى مفرد مبني على الضم في محل نصب لأنه نكرة مقصودة.
  • ﴿ أَوِّبِي مَعَهُ:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الياء ضمير متصل في محل رفع فاعل. معه: ظرف مكان متعلق بأوبي وهو يدل على الاجتماع والمصاحبة وهو منصوب على الظرفية والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: رجعي معه تسبيحه.
  • ﴿ وَالطَّيْرَ:
  • معطوف بالواو على «فضلا» بمعنى: وسخرنا له الطير. أو معطوف على «الجبال» محلا لا لفظا ويجوز أن تكون الواو واو المعية لا عمل لها و «الطير» مفعولا معه منصوبا وعلامة نصبه الفتحة
  • ﴿ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ:
  • معطوفة بالواو على «آتينا» وتعرب إعرابها. له: جار ومجرور متعلق بألنا. الحديد: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.'

المتشابهات :

النمل: 15﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا
سبإ: 10﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ أنه كلما كان العبد أعظم إنابة إلى اللّه، كان انتفاعه بالآيات أعظم؛ ذَكَرَ هنا نماذجَ مِمَّن أنَابُوا إلى ربِّهم: داود وسليمان عليهما السلام، ونِعم اللهِ عليهما، وبدأ بداود عليه السَّلامُ، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أوبى:
1- مضاعف: آب يؤوب، أي: سبحى معه، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أمرا، من «أوب» ، أي: رجعى معه، وهى قراءة ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن أبى إسحاق.
والطير:
1- بالنصب، عطفا على موضع «يا جبال» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، عطفا على لفظ «يا جبال» ، وهى قراءة السلمى، وابن هرمز، وأبى يحيى، وأبى نوفل، ويعقوب، وابن أبى عبلة، وجماعة من أهل المدينة، وعاصم، فى رواية.

مدارسة الآية : [11] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ..

التفسير :

[11] أن اعمل دروعاً تامات واسعات، وقدِّر المسامير في حِلَق الدروع، فلا تعمل الحلقة صغيرة فتَضْعُف، فلا تقوى الدروع على الدفاع، ولا تجعلها كبيرة فتثقُل على لابسها، واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة الله، إني بما تعملون بصير لا يخفى عليَّ شيء منها.

ومن فضله عليه, أن ألان له الحديد, ليعمل الدروع السابغات, وعلمه تعالى كيفية صنعته, بأن يقدره في السرد, أي:يقدره حلقا, ويصنعه كذلك, ثم يدخل بعضها ببعض.

قال تعالى:{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}

ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى آله, أمره بشكره, وأن يعملوا صالحا, ويراقبوا اللّه تعالى فيه, بإصلاحه وحفظه من المفسدات, فإنه بصير بأعمالهم, مطلع عليهم, لا يخفى عليه منها شيء.

وأَنِ في قوله: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ مصدرية على حذف حرف الجر. وسابغات صفة لموصوف محذوف.

أى: ألنا له الحديد، لكي يعمل منه دروعا سابغات. والدرع السابغ، هي الدرع الواسعة التامة. يقال: سبغ الشيء سبوغا، إذا كان واسعا تاما كاملا. ومنه قولهم: نعمة سابغة، إذا كانت تامة كاملة.

قال- تعالى-: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً .

وقوله: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ والتقدير هنا بمعنى الإحكام والإجادة وحسن التفكير في عمل الشيء. والسرد: نسج الدروع وتهيئتها لوظيفتها.

أى: آتينا داود كل هذا الفضل الذي من جملته إلانة الحديد في يده، وقلنا له يا داود:

اصنع دروعا سابغات تامات، وأحكم نسج هذه الدروع، بحيث تكون في أكمل صورة، وأقوى هيئة.

روى أن الدروع قبل عهد داود كانت تعمل بطريقة تثقل الجسم، ولا تؤدى وظيفتها في الدفاع عن صاحبها، فألهم الله- تعالى- داود- عليه السلام- أن يعملها بطريقة لا تثقل الجسم ولا تتعبه، وفي الوقت نفسه تكون محكمة إحكاما تاما بحيث لا تنفذ منها الرماح، ولا تقطعها السيوف، وكان الأمر كله من باب الإلهام والتعليم من الله- تعالى- لعبده داود- عليه السلام-.

ثم أمر- سبحانه- داود وأهله بالعمل الصالح فقال: وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

أى: واعملوا عملا صالحا يرضيني، فإنى مطلع ومحيط ومبصر لكل ما تعملونه من عمل، وسأجازيكم عليه يوم القيامة بالجزاء الذي تستحقونه.

قال القرطبي: وفي هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم. بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم، إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخالي عن الامتنان. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» .

( أن اعمل سابغات ) وهي : الدروع . قال قتادة : وهو أول من عملها من الخلق ، وإنما كانت قبل ذلك صفائح .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا ابن سماعة ، حدثنا ابن ضمرة ، عن ابن شوذب قال : كان داود ، عليه السلام ، يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم : ألفين له ولأهله ، وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحوارى .

( وقدر في السرد ) : هذا إرشاد من الله لنبيه داود ، عليه السلام ، في تعليمه صنعة الدروع .

قال مجاهد في قوله : ( وقدر في السرد ) : لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة ، ولا تغلظه فيفصمها ، واجعله بقدر .

وقال الحكم بن عتيبة : لا تغلظه فيفصم ، ولا تدقه فيقلق . وهكذا روي عن قتادة ، وغير واحد .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السرد : حلق الحديد . وقال بعضهم : يقال : درع مسرودة : إذا كانت مسمورة الحلق ، واستشهد بقول الشاعر :

وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود ، عليه والسلام ، من طريق إسحاق بن بشر - وفيه كلام - عن أبي إلياس ، عن وهب بن منبه ما مضمونه : أن داود ، عليه السلام ، كان يخرج متنكرا ، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته ، فلا يسأل أحدا إلا أثنى عليه خيرا في عبادته وسيرته ومعدلته ، صلوات الله وسلامه عليه . قال وهب : حتى بعث الله ملكا في صورة رجل ، فلقيه داود فسأله كما كان يسأل غيره ، فقال : هو خير الناس لنفسه ولأمته ، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملا قال : ما هي ؟ قال : يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين ، يعني بيت المال ، فعند ذلك نصب داود ، عليه السلام ، إلى ربه في الدعاء أن يعلمه عملا بيده يستغني به ويغني به عياله ، فألان له الحديد ، وعلمه صنعة الدروع ، فعمل الدرع ، وهو أول من عملها ، فقال الله : ( أن اعمل سابغات وقدر في السرد ) يعني : مسامير الحلق ، قال : وكان يعمل الدرع ، فإذا ارتفع من عمله درع باعها ، فتصدق بثلثها ، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله ، وأمسك الثلث يتصدق به يوما بيوم إلى أن يعمل غيرها . وقال : إن الله أعطى داود شيئا لم يعطه غيره من حسن الصوت ، إنه كان إذا قرأ الزبور تسمع الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر ، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته . وكان شديد الاجتهاد ، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير ، وكأن قد أعطي سبعين مزمارا في حلقه .

وقوله : ( واعملوا صالحا ) أي : في الذي أعطاكم الله من النعم ، ( إني بما تعملون بصير ) أي : مراقب لكم ، بصير بأعمالكم وأقوالكم ، لا يخفى علي من ذلك شيء .

وقوله (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) يقول: وعهدنا إليه أن اعمل سابغات: وهي التوامُّ الكوامل من الدروع.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) دروع وكان أول من صنعها داود، إنما كان قبل ذلك صفائح.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) قال: السابغات دروع الحديد.

وقوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) اختلف أهل التأويل في السرد؛ فقال بعضهم: السرد هو مسمار حلق الدرع.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَقَدِّرْ فِي السرْدِ) قال: كان يجعلها بغير نار، ولا يقرعها بحديد، ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحلق.

وقال آخرون: هو الحلق بعينها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال: السرد حلقه، أي: قدر تلك الحلق، قال: وقال الشاعر:

أجادَ المُسَدِّي سَرْدَهَا وَأَذَالَهَا (4)

قال: يقول وسعها وأجاد حلقها.

حدثنا محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يعني بالسرد: ثقب الدروع فيسد قتيرها. وقال بعض أهل العلم بكلام العرب: يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:

وَعَلَيهِمَــا مَسْــرُودَتَانِ قَضَاهُمَــا

دَاودُ أَوْ صَنَـــعُ السَّــوَابِغِ تُبَّــعُ (5)

وقيل: إنما قال الله لداود (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) لأنها كانت قبل صفائح.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا نصر بن علي قال ثنا أَبي قال ثنا خالد بن قيس عن قتادة (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال: كانت صفائح فأمر أن يسردها حلقًا، وعنى بقوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) : وقدر المسامير في حلق الدروع حتى يكون بمقدار لا تغلظ المسمار، وتضيق الحلقة فتفصم الحلقة، ولا توسع الحلقة وتصغر المسامير وتدقها فتسلس في الحلقة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال: قدر المسامير والحلق؛ لا تدق المسامير فتسلس ولا تجلها، قال محمد بن عمرو وقال الحارث: فتفصم.

حدثني علي بن سهل قال ثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال: لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فتسلس، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فيفصم المسمار.

حدثني يعقوب قال ثنا ابن عيينة قال ثنا أَبي عن الحكم في قوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال: لا تغلظ المسمار فيفصم الحلقة ولا تدقه فيقلق.

وقوله (وَاعْمَلُوا صَالِحًا) يقول تعالى ذكره: واعمل يا داود أنت وآلك بطاعة الله (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يقول جل ثناؤه: إني بما تعمل أنت وأتباعك ذو بصر لا يخفى عليَّ منه شيء، وأنا مجازيك وإياهم على جميع ذلك.

--------------------

الهوامش :

(4) البيت لكثير عزة بن عبد الرحمن الخزاعي (اللسان: ذيل) وصدره:

عـلى ابـن أَبي العاص دلاص حصينة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال : وذيل فلان ثوبه تذييلا: إذا طوله. وملاء مذيل: طويل الذيل. ويقال: وأذال فلان ثوبه إذا أطال ذيله؛ قال كثير:

عـلى ابـن أَبـي العـاص . . . . .

. . . . . . . . . . . وأذالهــــا

وسردها: سمرها بالمسامير، كما يأتي في الشواهد بعده. والمسدي: من التسديد وهي أن يجعل الدرع مضاعفة، لها سدى ولحمة. (على التشبيه بالثوب الذي له سدى ولحمة) أو السدى: أسفل الثوب والدرع، والتسديد منه توسع أسفلها حتى لا يعوق لابسه في السير إذا كان ضيقا، وهذا الشاهد في معنى الشاهد الذي بعده.

(5) البيت من شواهد أَبي عبيدة في (معاني القرآن 198 - أ) من مصورة الجامعة على أنه يقال درع مسرودة: أي مسمورة الحلق. وقال الفراء في (معاني القرآن، الورقة 261): وقال عز وجل: (أن اعمل سابغات): الدروع (وقدر في السرد) يقول: لا تجعل مسمار الدروع دقيقا، فيقلق، ولا غليظا، فيفصم الحلق. وفي (اللسان: قضى): والقضاء: بمعنى العمل، ويكون بمعنى العمل، ويكون بمعنى الصنع والتقدير قال أبو ذؤيب: "وعليهما مسرودتان ... البيت". قال ابن السيرافي: قضاهما فرغ من عملها أو قلت: ومعنى البيت أنهما جاءا وعليهما درعان سابغتان أي طويلتان محكمتا الصنع، كأنهما من صنع داود عليه السلام، أو من صنع تبع ملك اليمن العظيم

التدبر :

عمل
[11] ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ اصنع دروعًا سابغات، وأتقن صناعة هذه الدروع، وهنا درسان لكل منا: أكمل كل عمل بدأته، واحرص على إتقان عملك.
وقفة
[11] ﴿أَنِ اعمَل سابِغاتٍ وَقَدِّر فِي السَّردِ﴾ لا يضير المرء عمله ما دام حلالًا، داود عليه السلام كان يعمل حدادًا.
وقفة
[11] ﴿أَنِ اعمَل سابِغاتٍ وَقَدِّر فِي السَّردِ وَاعمَلوا صالِحًا﴾ لا يقلل من شأنك تلقى الأوامر واتباع التعليمات اللازمة لإتمام العمل على الوجه الأحسن، ولنا في داود عليه السلام قدوة حسنة.
وقفة
[11] ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان.
عمل
[11] ليكن لك صنعة تحسنها أو مهارة تتقنها، تستعف بها عن الناس ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
وقفة
[11] ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ إشارة من الله تعالى أن الله يراقب أعمالكم ويراها، وهذا إن كان خطابًا لنبي، والنبي لا يعصي ربه، فكيف ببقية العباد؟! فعليهم أن يتقنوا أعمالهم ويحسنوها.
وقفة
[11] ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قال ابن القيم: «هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك».
عمل
[11] أتقن جميع أعمالك هذا اليوم على الوجه الذي يرضي الله سبحانه ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
اسقاط
[11] أتخشى من مدير أو رئيس ولا تخشى ممن يقول: ﴿إِنّي بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَنِ اعْمَلْ:
  • ان: حرف تفسير لا عمل له. والفعل بعدها يفسر القول المقدر أي وأوحينا له وقلنا اعمل. أو تكون «أن» مصدرية: اعمل: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وجملة «اعمل» صلة «أن» المصدرية و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر أي بعمل والجار والمجرور متعلق بألنا له الحديد. أي ألناها بعمل الدروع. وكسرت نون «أن» لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ سابِغاتٍ:
  • صفة-لموصوف-محذوف لأنه معلوم. أي دروعا سابغات أي طويلات وهي منصوبة وعلامة نصبها الكسرة بدلا من الفتحة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم وقد حلت الكلمة «سابغات» محل المفعول به الموصوف «دروعا».
  • ﴿ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ:
  • معطوفة بالواو على «اعمل» وتعرب إعرابها. في السرد: جار ومجرور متعلق بقدر بمعنى: ودبر في النسيج أي نسج الدرع. أي وناسب فيه.
  • ﴿ وَاعْمَلُوا صالِحاً:
  • الواو عاطفة. اعملوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. صالحا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وهو مثل «سابغات» أي موصوف حل محل الصفة. أي عملا صالحا.
  • ﴿ إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل في محل نصب اسم «انّ» بما جار ومجرور متعلق ببصير و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. تعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بصير: خبر «ان» مرفوع بالضمة وجملة «تعملون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.والعائد-الراجع-الى الموصول محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به.التقدير: بما تعملونه. أو تكون «ما» مصدرية وتكون جملة «تعملون» صلتها لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء التقدير: بعملكم. والجار والمجرور متعلق بخبر «إن».'

المتشابهات :

المؤمنون: 51﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
سبإ: 11﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     ولَمَّا ألانَ اللهُ الحديدَ لداود عليه السلام، فكان كالعجين يشكله كيف يشاء، من غير أن يدخله في نار؛ بَيَّنَ له هنا وجه الاستفادة من إلانة الحديد، قال تعالى: ( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) ولَمَّا سخَّرَ اللهُ له ما استصْعَبَ على غيرِه؛ أتْبَعَه بأمْرِه بالشُّكرِ بأنْ يَعمَلَ صالحًا، قال تعالى:
﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سابغات:
وقرئ:
صابغات، بالصاد بدل السين، وهى لغة، (وانظر: لقمان، الآية: 20) .

مدارسة الآية : [12] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا ..

التفسير :

[12] وسخَّرنا لسليمان الريح تجري من أول النهار إلى انتصافه مسيرة شهر، ومن منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد، وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء، يعمل به ما يشاء، وسخَّرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يعدل منهم عن أمرنا الذي أمرناه

لما ذكر فضله على داود عليه السلام, ذكر فضله على ابنه سليمان, عليه الصلاة والسلام, وأن اللّه سخر له الريح تجري بأمره, وتحمله, وتحمل جميع ما معه, وتقطع المسافة البعيدة جدا, في مدة يسيرة, فتسير في اليوم, مسيرة شهرين.{ غُدُوُّهَا شَهْرٌ} أي:أول النهار إلى الزوال{ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} من الزوال, إلى آخر النهار{ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} أي:سخرنا له عين النحاس, وسهلنا له الأسباب, في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها.

وسخر اللّه له أيضا, الشياطين والجن, لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره,{ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} وأعمالهمكل ما شاء سليمان, عملوه.

هذا ما أعطاه الله- تعالى- لنبيه داود من فضل، أما نبيه سليمان بن داود، فقد أعطاه- سبحانه- أفضالا أخرى، عبر عنها في قوله- تعالى-: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ.

والغدوة والغداة: أول النهار إلى الزوال. والرواح: من الزوال إلى الغروب.

والمعنى: وسخرنا لنبينا سليمان بن داود- عليهما السلام- الريح، تجرى بأمره في الغدوة الواحدة مسيرة شهر، وتعود بأمره في الروحة الواحدة مسيرة شهر. أى: أنها لسرعتها تقطع في مقدار الغدوة الواحدة ما يقطعه الناس في شهر من الزمان، وكذلك الحال بالنسبة للروحة الواحدة، وهي في كل مرة تسير بأمر سليمان، ووفق إرادته التي منحه الله- تعالى- إياها.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها .

وقوله- سبحانه-: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ .

ثم بين- تعالى- نعمة ثانية من النعم التي أنعم بها على سليمان فقال: وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ.

والقطر: هو النحاس المذاب. مأخوذ من قطر الشيء يقطر قطرا وقطرانا، إذا سال.

أى: كما ألنا لداود الحديد، أسلنا لابنه سليمان النحاس وجعلناه مذابا، فكان يستعمله في قضاء مصالحه، كما يستعمل الماء، وهذا كله بفضلنا وقدرتنا.

ثم بين- سبحانه- نعمة ثالثة أنعم بها على سليمان- عليه السلام- فقال: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ.

أى: وسخرنا له من الجن من يكونون في خدمته، ومن يعملون بين يديه ما يريده منهم، وهذا كله بأمرنا ومشيئتنا وقدرتنا.

وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا أى: من ينحرف من هؤلاء الجن عما أمرناه به من طاعة سليمان، نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ أى: ننزل به عذابنا الأليم، الذي يذله ويخزيه في الدنيا والآخرة.

لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود ، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان ، من تسخير الريح له تحمل بساطه ، غدوها شهر ورواحها شهر .

قال الحسن البصري : كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغذى بها ، ويذهب رائحا من إصطخر فيبيت بكابل ، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع ، وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع .

وقوله : ( وأسلنا له عين القطر ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، وقتادة ، والسدي ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد : القطر : النحاس . قال قتادة : وكانت باليمن ، فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى لسليمان ، عليه السلام .

قال السدي : وإنما أسيلت له ثلاثة أيام .

وقوله : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) أي : وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن الله ، أي : بقدره ، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك . ( ومن يزغ منهم عن أمرنا ) أي : ومن يعدل ويخرج منهم عن الطاعة ( نذقه من عذاب السعير ) وهو الحريق .

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الجن على ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون " . رفعه غريب جدا .

وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا حرملة ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني بكر بن مضر ، عن محمد ، عن ابن أنعم أنه قال : الجن ثلاثة : صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض ، وصنف حيات وكلاب .

قال بكر بن مضر : ولا أعلم إلا أنه قال : حدثني أن الإنس ثلاثة : صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة . وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلا . وصنف في صور الناس على قلوب الشياطين .

وقال أيضا : حدثنا أبي : حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا سلمة - يعني ابن الفضل - عن إسماعيل ، عن الحسن قال : الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)

اختلفت القراء في قراءة قوله (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) فقرأته عامة قراء الأمصار (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) بنصب الريح، بمعنى: ولقد آتينا داود منا فضلا وسخرنا لسليمان الريحَ. وقرأ ذلك عاصم: (وَلِسُلَيْمِانَ الرِّيحُ) رفعًا بحرف الصفة إذ لم يظهر الناصب.

والصواب من القراءة في ذلك عندنا النصب لإجماع الحجة من القراء عليه.

وقوله (غُدُوُّهَا شَهْرٌ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا لسليمان الريح، غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) قال: تغدو مسيرة شهر وتروح مسيرة شهر، قال: مسيرة شهرين في يوم.

حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن أَبي إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) قال: ذكر لي أن منـزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتاب كتبه بعض صحابة سليمان؛ إما من الجن وإما من الإنس: نحن نـزلناه وما بنيناه، ومبنيًّا وجدناه، غدونا من إصطخر فقِلناه، ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون بالشام.

حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) قال: كان له مركب من خشب، وكان فيه ألف ركن، في كل ركن ألف بيت تركب فيه الجن والإنس، تحت كل ركن ألف شيطان، يرفعون ذلك المركب هم والعصار (6) فإذا ارتفع أتت الريح رخاء فسارت به وساروا معه، يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر، ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر، ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش والجنود.

حدثنا ابن بشار قال ثنا أَبو عامر قال ثنا قرة عن الحسن في قوله (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) قال: كان يغدو فيقيل في إصطخر، ثم يروح منها فيكون رواحها بكابل.

حدثنا ابن بشار قال ثنا حماد قال ثنا قرة عن الحسن بمثله.

وقوله (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) يقول: وأذبنا له عين النحاس، وأجريناها له.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) عين النحاس كانت بأرض اليمن، وإنما ينتفع اليوم بما أخرج الله لسليمان.

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) قال: الصِّفر سال كما يسيل الماء، يعمل به كما كان يعمل العجين في اللبن.

حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) يقول: النحاس.

حدثني محمد بن سعد قال: ثني أَبي قال: ثني عمي قال: ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) يعني: عين النحاس أسيلت.

وقوله (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) يقول تعالى ذكره: ومن الجن من يطيعه ويأتمر بأمره وينتهى لنهيه؛ فيعمل بين يديه ما يأمره طاعة له بإذن ربه، يقول: بأمر الله بذلك، وتسخيره إياه له (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا) يقول: ومن يزل ويعدل من الجن عن أمرنا الذي أمرناه من طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) في الآخرة، وذلك عذاب نار جهنم الموقدة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة، وقوله (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا) أي: يعدل منهم عن أمرنا عمَّا أمره به سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) .

---------------------

الهوامش :

(6) في (اللسان: عصر)، الإعصار والعصار (ككتاب) أن تهيج الريح فترفعه. والعصار: الغبار الشديد.

المعاني :

غُدُوُّهَا شَهْرٌ
جَرَيَانُهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى انْتِصَافِهِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ بِالسَّيْرِ المُعْتَادِ
غُدُوُّهَا شَهۡرࣱ
أي: تَجْرِي الرِّيحُ مِنْ أوَّلِ النَّهارِ إلى انْتِصافِه مَسِيرَةَ شَهْرٍ بالسَّيرِ المُعْتَادِ
غّدوّها شهر
جَرْيها بالغداة مسيرة شهر
وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ
جَرَيَانُهَا مِنْ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ بِالسِّيْرِ المُعْتَادِ
وَرَوَاحُهَا شَهۡرࣱۖ
أي: تَجْرِي الرِّيحُ مِن مُّنْتَصَفِ النَّهارِ إلى اللَّيلِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ
رواحها شهر
جَرْيُها بالعشيّ كذلك
وَأَسَلْنَا
أَذَبْنَا
عَيْنَ الْقِطْرِ
عَيْنَ النُّحَاسِ، فَيَسِيلُ لَهُ النُّحَاسُ كَالمَاءِ
وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ
وأَسَلْنا لَهُ عَينَ النُّحاسِ كما يَسِيلُ الماءُ
عين القِطر
عين النّحاس فَـنَـبَع ذائبا كالماء
يَزِغْ
يَعْدِلْ، وَيَمِلْ
مَن يَزِغۡ
مَن يَمِلْ ويَعدِلْ
يزغ منهم
يَمِلْ و يَعْدِلْ منهم
ٱلسَّعِيرِ
النَّارِ المسْتَعِرةِ

التدبر :

وقفة
[12] ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ قال الحسن: «عقر سليمان الخيل لله لما أشغلته عن الصلاة؛ فعوضها الله مركبا خيرًا منها، وهو الريح».
وقفة
[12] ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ إذا دعوت الله ورضيت به وليًا ووكيلًا؛ سخر لك من جنوده ما لم يكن في حسبانك.
وقفة
[12] ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ ما الفرق بين الرواح والغدو؟ الجواب: الغدو الذهاب باكرًا، وأما الرواح فالمسير بالعشي مساء.
وقفة
[12] ﴿وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ غُدُوُّها شَهرٌ وَرَواحُها شَهرٌ﴾ يقينًا هناك فائدة كبيرة لاتجاهات الرياح، فهى لا تتحرك عبثًا.
لمسة
[12] تأمل في قول الله في قصة سليمان: ﴿وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ غُدُوُّها شَهرٌ وَرَواحُها شَهرٌ﴾ ولم يقل: غدوها ورواحها شهران؟ لعل السر في ذلك -والله أعلم-: أن في هذا تحديدًا لمدة سيرها من أول النهار إلى منتصفه، ومن منتصفه إلى نهايته، بينما لو قيل: غدوها ورواحها شهران، لم يتضح هذا الفرق الدقيق.
وقفة
[12] تكريم الله لنبيه سليمان عليه السلام بالنبوة والملك ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾.
وقفة
[12] ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ الجن مكلفون تمامًا مثل الإنس، ومؤمنهم يدخل الجنة، وكافرهم في النار.
وقفة
[12] ﴿وَمَن يَزِغ مِنهُم عَن أَمرِنا نُذِقهُ مِن عَذابِ السَّعيرِ﴾ التلويح بالعقاب يردخ به البعض.
تفاعل
[12] ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ:
  • الواو عاطفة. لسليمان: جار ومجرور متعلق بمضمر على معنى: وسخرنا لسليمان ولم يذكر لأن ما سبقه دل عليه وهو: والطير بمعنى وسخرنا له الطير وسخرنا لسليمان الريح. الريح: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين لأنه منته بألف ونون زائدتين.
  • ﴿ غُدُوُّها شَهْرٌ:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب حال من «الريح» غدو:مبتدأ مرفوع بالضمة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. شهر: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بمعنى جريها أو ذهابها بالغداة-وهي من الفجر الى طلوع الشمس-مسيرة شهر فحذف الخبر المضاف «مسيرة» وأقيم المضاف اليه «شهر» مقامه.
  • ﴿ وَرَواحُها شَهْرٌ:
  • معطوفة بالواو على غُدُوُّها شَهْرٌ» وتعرب إعرابها. أي جريها بالعشي في رجوعها
  • ﴿ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ:
  • معطوفة بالواو على «سخرنا لسليمان الريح» وتعرب إعرابها. القطر: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى: وأنبعنا له النحاس المذاب من عينه أي من معدنه.
  • ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ:
  • الواو عاطفة. من الجن: جار ومجرور متعلق بسخرنا.أي وذللنا من الجن من يعمل له. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب. والجملة الفعلية بعده: صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وحذف مفعولها اختصارا لأن ما قبله دل عليه. بمعنى:يعمل بين يديه المصنوعات. بين: ظرف مكان متعلق بيعمل منصوب على الظرفية بالفتحة وهو مضاف. يديه: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى وحذفت النون للاضافة. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجاء الفعل «يعمل» على لفظ‍ من.
  • ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيعمل. ربه: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ:
  • الواو استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه-جزائه-في محل رفع خبر «من» يزغ: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من:حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «من» بمعنى: ومن ينحرف أي يمل.
  • ﴿ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ:
  • جار ومجرور متعلق بيزغ. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. نذقه: فعل مضارع جواب الشرط‍ -جزاؤه- مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. ويجوز أن تكون الواو في وَمَنْ يَزِغْ» اعتراضية والجملة بعدها اعتراضية لا محل لها من الاعراب. وحذفت الياء من «نذقه» لأن أصلها: نذيقه. كما حذفت الياء -حرف العلة-من الفعل «يزغ» لأن أصله: يزيغ. حذف هذان الحرفان لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ:
  • جار ومجرور متعلق بنذقه. و «من» للتبعيض. السعير: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. وحذف المفعول الثاني لنذقه لأن «من» التبعيضية دلت عليه.'

المتشابهات :

الأنبياء: 81﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
سبإ: 12﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ فَضْلَه على داودَ عليه السَّلامُ؛ ذكَرَ هنا فَضلَه على ابنِه سُلَيمانَ عليه السَّلامُ؛ لِمُشاركتِه له في الإنابةِ، قال تعالى:
﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الريح:
1- على الإفراد، نصبا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- على الإفراد، رفعا، وهى قراءة أبى بكر.
3- الرياح، بالرفع، جمعا، وهى قراءة الحسن، وأبى حيوة، وخالد بن إلباس.
غدوها ... ورواحها:
وقرئا:
غدوتها ... وروحتها، على وزن «فعلة» ، وهى المرة، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
يزغ:
1- مضارع «زاغ» وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الياء، مضارع «أزاغ»

مدارسة الآية : [13] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن ..

التفسير :

[13] يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة، وصور من نحاس وزجاج، وقِصَاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء، وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمهن، وقلنا يا آل داود:اعملوا شكراً لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره، وقليل من عبادي من يشكر

{ مِنْ مَحَارِيبَ} وهو كل بناء يعقد, وتحكم به الأبنية, فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة،{ وَتَمَاثِيلَ} أي:صور الحيوانات والجمادات, من إتقان صنعتهم, وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان{ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} أي:كالبرك الكبار, يعملونها لسليمان للطعام, لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، "و "يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها, من عظمها.

فلما ذكر منته عليهم, أمرهم بشكرها فقال:{ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ} وهم داود, وأولاده, وأهله, لأن المنة على الجميع, وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم.{ شُكْرًا} للّه على ما أعطاهم, ومقابلة لما أولاهم.{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فأكثرهم, لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه, ودفع عنهم من النقم.

والشكر:اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى, وتلقيها افتقارا إليها, وصرفها في طاعة اللّه تعالى, وصونها عن صرفها في المعصية.

ثم بين- سبحانه- بعض الأشياء التي كان الجن يعملونها لسليمان- عليه السلام- فقال: يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ، وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ، وَقُدُورٍ راسِياتٍ.

والمحاريب: جمع محراب. وهو كل مكان مرتفع، ويطلق على المكان الذي يقف فيه الإمام في المسجد، كما يطلق على الغرفة التي يصعد إليها، وعلى أشرف أماكن البيوت.

قالوا والمراد بها: أماكن العبادة، والقصور المرتفعة.

والتماثيل: جمع تمثال وقد يكون من حجر أو خشب أو نحاس أو غير ذلك.

قال القرطبي ما ملخصه: والتماثيل جمع تمثال. وهو كل ما صور على مثل صورة حيوان أو غير حيوان. وقيل: كانت من زجاج ونحاس ورخام، تماثيل أشياء ليست بحيوان.

وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء، وكانت تصور في المساجد ليراها الناس. فيزدادوا عبادة واجتهادا.

وهذا يدل على أن ذلك كان مباحا في زمانهم، ونسخ ذلك بشرع محمد صلّى الله عليه وسلم .

والجفان: جمع جفنة. وهي الآنية الكبيرة. والجواب: جمع جابية، وهي الحوض الكبير الذي يجبى فيه الماء ويجمع لتشرب منه الدواب.

والقدور: جمع قدر. وهو الآنية التي يطبخ فيها الطعام من نحاس أو فخار أو غيرهما.

وراسيات: جمع راسية بمعنى ثابتة لا تتحرك.

أى: أن الجن يعملون لسليمان- عليه السلام- ما يشاء من مساجد وقصور، ومن صور متنوعة، ومن قصاع كبار تشبه الأحواض الضخمة، ومن قدور ثابتات على قواعدها، بحيث لا تحرك لضخامتها وعظمها.

وقوله- سبحانه-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ مقول لقول محذوف.

أى: أعطينا سليمان كل هذه النعم، وقلنا له ولأهله: اعملوا يا آل داود عملا صالحا، شكرا لله- تعالى- على فضله وعطائه، وقليل من عبادي هو الذي يشكرني شكرا خالصا على نعمى وفضلي وإحسانى.

وقوله شُكْراً يجوز أن يكون مفعولا لأجله. أى: اعملوا من أجل الشكر، أو مصدرا واقعا موقع الحال. أى: اعملوا شاكرين.

وقَلِيلٌ خبر مقدم. ومِنْ عِبادِيَ صفة له. و، الشَّكُورُ مبتدأ مؤخر.

وهكذا يختم القرآن هذه النعم بهذا التعقيب الذي يكشف عن طبيعة الناس في كل زمان ومكان، حتى يحملهم على أن يخالفوا أهواءهم ونفوسهم، ويكثروا من ذكر الله- تعالى- وشكره.

وحقيقة الشكر: الاعتراف بالنعمة للمنعم، والثناء عليه لإنعامه، واستعمال نعمه- سبحانه- فيما خلقت له.

والإنسان الشكور: هو المتوفر على أداء الشكر، الباذل قصارى جهده في ذلك، عن طريق قلبه ولسانه وجوارحه.

وقوله : ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ) : أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره .

وقال مجاهد : المحاريب بنيان دون القصور . وقال الضحاك : هي المساجد . وقال قتادة : هي المساجد والقصور ، وقال ابن زيد : هي المساكن . وأما التماثيل فقال عطية العوفي ، والضحاك والسدي : التماثيل : الصور . قال مجاهد : وكانت من نحاس . وقال قتادة : من طين وزجاج .

وقوله : ( وجفان كالجواب وقدور راسيات ) الجواب : جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس :

تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( كالجواب ) أي : كالجوبة من الأرض .

وقال العوفي ، عنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم .

والقدور الراسيات : أي الثابتات ، في أماكنها لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها . كذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما .

وقال عكرمة : أثافيها منها .

وقوله : ( اعملوا آل داود شكرا ) أي : وقلنا لهم اعملوا شكرا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .

وشكرا : مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة : يدي ، ولساني ، والضمير المحجبا

قال أبو عبد الرحمن الحبلي : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله شكر . وأفضل الشكر الحمد . رواه ابن جرير .

وروى هو وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي قال : الشكر تقوى الله والعمل الصالح .

وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ، وقد كان آل داود ، عليه السلام ، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا جعفر - يعني : ابن سليمان - عن ثابت البناني قال : كان داود ، عليه السلام ، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة ، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي ، فغمرتهم هذه الآية : ( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) .

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما . ولا يفر إذا لاقى " .

وقد روى أبو عبد الله بن ماجه من حديث سنيد بن داود ، حدثنا يوسف بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قالت أم سليمان بن داود لسليمان : يا بني ، لا تكثر النوم بالليل ، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرا يوم القيامة " .

وروى ابن أبي حاتم عن داود ، عليه السلام ، هاهنا أثرا غريبا مطولا جدا ، وقال أيضا :

حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا أبو يزيد فيض بن إسحاق الرقي قال : قال فضيل في قوله تعالى : ( اعملوا آل داود شكرا ) . فقال داود : يا رب ، كيف أشكرك ، والشكر نعمة منك ؟ قال : " الآن شكرتني حين علمت أن النعمة مني " .

وقوله : ( وقليل من عبادي الشكور ) إخبار عن الواقع .

القول في تأويل قوله تعالى : يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)

يقول تعالى ذكره: يعمل الجن لسليمان ما يشاء من محاريب وهي جمع محراب، والمحراب: مقدم كل مسجد وبيت ومصلى، ومنه قول عدي بن زيد:

كـدُمَي العـاجِ فـي المحاريبِ أو كال

بيـضِ فـي الـرَّوضِ زَهـرُهُ مُسْتَنِيرُ (7)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) قال: بنيان دون القصور.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) وقصور ومساجد.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) قال: المحاريب: المساكن، وقرأ قول الله فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ .

حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال ثنا مروان بن معاوية عن جويبر عن الضحاك (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) قال: المحاريب: المساجد.

وقوله (وَتَمَاثِيلَ) يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج.

كما حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (وَتَمَاثِيلَ) قال: من نحاس.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَتَمَاثِيلَ) قال: من زجاج وشبهه.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ثنا مروان عن جويبر عن الضحاك في قول الله (وَتَمَاثِيلَ) قال: الصور.

قوله (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) يقول: وينحتون له ما يشاء من جفان كالجواب، وهي جمع جابية والجابية: الحوض الذي يجبى فيه الماء، كما قال الأعشى ميمون بن قيس:

تـروحُ عـلَى نَـادِي المُحَـلَّقِ جَفْنَـةٌ

كَجَابِيــةِ الشَّــيخِ العِـرَاقِي تَفْهَـقُ (8)

وكما قال الآخر:

فَصَبَّحْـــتُ جَابِيَــةً صُهَارِجــا

كأنَّهــا جِــلْدُ السَّــمَاءِ خارِجــا (9)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) يقول: كالجوبة من الأرض.

حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثنى أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) يعني بالجواب: الحياض.

وحدثني يعقوب قال ثنا ابن علية عن أَبي رجاء عن الحسن (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قال: كالحياض.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قال: حياض الإبل.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قال: جفان كجوبة الأرض من العظم، والجوبة من الأرض: يستنقع فيها الماء.

حدثت عن الحسين بن الفرج، قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) كالحياض.

حدثنا عمرو قال ثنا مروان بن معاوية قال ثنا جويبر عن الضحاك (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قال: كحياض الإبل من العظم.

وقوله (وَقُدُورٍ رَاسيَاتٍ) يقول: وقدور ثابتات لا يحركن عن أماكنهن، ولا تحول لعظمهن.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) قال: عظام.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) قال: عظام ثابتات الأرض لا يزلن عن أمكنتهن.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) قال: مثال الجبال من عِظمها، يعمل فيها الطعام من الكبر والعظم، لا تحرك ولا تنقل، كما قال للجبال: راسيات.

وقوله (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْرًا) يقول تعالى ذكره: وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرًا له على ما أنعم عليكم من النعم التي خصكم بها عن سائر خلقه مع الشكر له على سائر نعمه التي عمكم بها مع سائر خلقه، وتُرك ذكر: " وقلنا لهم " اكتفاء بدلالة الكلام على ما ترك منه، وأخرج قوله (شُكْرًا) مصدرا من قوله (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ) لأن معنى قوله (اعْمَلُوا) اشكروا ربكم بطاعتكم إياه، وأن العمل بالذي رضي الله، لله شكر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح، قال ثنا موسى بن عبادة عن محمد بن كعب قوله (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْرًا) قال: الشكر تقوى الله والعمل بطاعته.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرني حيوة عن زهرة بن معبد أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي (10) يقول: (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْرًا) وأفضل الشكر الحمد.

قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (اعْمَلُوا آلَ دَاودَ شُكْرًا) قال: أعطاكم وعلمكم وسخر لكم ما لم يسخر لغيركم، وعلمكم منطق الطير، اشكروا له يا آل داود قال: الحمد طرف من الشكر.

وقوله (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ) يقول تعالى ذكره: وقليل من عبادي المخلصو توحيدي والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ) يقول: قليل من عبادي الموحدون توحيدهم.

--------------------

الهوامش :

(7) البيت لعدي بن زيد العبادي كما قال المؤلف، وكما في شعراء النصرانية القسم الرابع 455 وقد استشهد به المؤلف في (3 / 2464) من هذا التفسير، على أن المحاريب جمع محراب، وهو مقدم موضع العبادة. فراجعه ثمة.

(8) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة 225) وروايته:

نَفَـى الـذَّمَّ عَـنْ آلِ المحـلقِ جَفْنَـةُ

كَجابِيَــةِ السِّــيح العِـرَاقيِّ تَفْهَـقُ

وهي رواية مشهورة كالرواية التي أوردها المؤلف. يصف المحلق بالكرم وأن جفنته تروح على ناديه مفعمة لحما وشحما، وهي من كبير الجفان، مثل جابية الماء التي يجمع فيها الشيخ العراقي أيام يفيض النهر، لينفق منه في أيام قلة الماء، فهي جابية كبيرة. وأما من رواه السيح، بالسين والحاء والمهملتين، فهو ما يفيض من الماء ويسيح عن الزيادة بالنهر وقد ذكر في المبرد "الكتاب الكامل" هاتين الروايتين (انظر طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده 1 : 7) قال في تخريج رواية الشيخ: كذا ينشده أهل البصرة. وتأويله عندهم أن العراقي إذا تمكن من الماء، ملأ جابيته، لأنه حضري ، فلا يعرف مواقع الماء ولا محاله. قال أَبو العباسي: وسمعت أعرابية تنشد: (وهي أم الهيثم الكلابية من ولد المحلق، وهي رواية أهل الكوفة): "كجابية المسيح"، تريد: النهر يجري على جانبيه، فماؤها لا ينقطع، لأن النهر يمده. ا .هـ. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: (الورقة : 198) (وجفان كالجواب): واحدها: جابية وهو الحوض الذي يجبى فيه الماء. وقال الفراء في معاني القرآن الورقة 261 : (وجفان): وهي القصاع الكبار. (كالجواب) الحياض التي للإبل. وفي (اللسان: جبى): الجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل. والجابية: الحوض الضخم وأورد البيت كرواية المؤلف، ثم قال: خص العراقي، لجهله بالمياه، لأنه حضري، فإن وجدها ملأ جابية: وأعدها، ولم يدر متى يجد المياه.

(9) هذان بيتان من مشطور الرجز. روى أولهما صاحب (اللسان: صهرج) عن الأزهري. قال: وحوض صهارج: مطلي بالصاروخ: (النورة) والصهارج بالضم مثل الصهرج. وأنشد الأزهري فصبحت جابية صحارجا وقد صهرجوا صهريجا. وفاعل صحبت ضمير يعود على ما قبله، ولعله ذكر الإبل. والرجز غير منسوب. وقوله "كأنها جلد ..." البيت: يشبه لون الجابية أو ماءها بلون السماء في الزرقة. وهذا البيت كالذي قبله شاهد على أن معنى الجابية الحوض الكبير الذي يجمع فيه الماء، وهو الصهارج والصهريج أيضا. شبه جفنة المحلق بالحوض الكبير، لكرمه.

(10) الحبلي: بسكون الباء وضمها: منسوب إلى بني الحبلى، بطن من الأنصار، ثقة، توفي سنة مائة. (عن التاج).

التدبر :

وقفة
[13] ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ﴾ أي نقوشًا من أبنيةٍ، أو صورًا من نحاسٍ، أو زجاج، أو رُخام، إن قلتَ: كيف أجاز سليمان عليه السلام عمل الصُّوَر؟! قلتُ: يجوز أن يكون عملها جائزًا في شريعته، وأن تكون غير صور الحيوان وهو جائزٌ في شريعتنا أيضًا.
عمل
[13] ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ عَلِّمْ مسلمًا سورةً من القرآنِ؛ شكرًا لله على حفظِك لهذه السُّورةِ.
وقفة
[13] ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ كيف أشكره؟! الشكر ثلاثة أركان: بالجوارح باستعمالها في في مرضاة الله واللسان بالشكر والحمد، والقلب بالمحبة والامتنان، قال الشاعر: أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّى ثلاثةً ... يَدِي ولِسَانِى والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا
وقفة
[13] ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ يكون حمد الله على نعمه بذكره وإقرار فضله، وشكره عليها يكون بتوظيفها فيما يرضى من القول والعمل.
وقفة
[13] ﴿اعملوا آل داود شكرا﴾ قال أبو عبد الرحمن الحُبلي: «الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر، وأفضل الشكر الحمد».
وقفة
[13] الحمد يكون باللسان: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ [الأعراف: 43]، والشكر يكون بالقلب: «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ» [البخاري 6323]، واللسان: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، والعمل: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾.
اسقاط
[13] نوح: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: 3]، وإبراهيم: ﴿شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ﴾ [النحل: 121]، وداود: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾، وأنت؟؟
وقفة
[13] ﴿اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا﴾ الكل مطالب بالعمل، لا مجال للكسالى والعاطلين.
وقفة
[13] ﴿اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا﴾ من بإمكانه العمل والعطاء، فهذا أمر يستحق الشكر دومًا.
عمل
[13] ﴿اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا﴾ راقب نيتك عند كل عمل.
وقفة
[13] ﴿اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا﴾ لا بأس بإظهار الشكر والحمد لله؛ لتكون قدوة.
اسقاط
[13] قال بعض السلف: «لما قال الله: ﴿اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا﴾ لم يأت عليهم ساعة من ليل أو نهار إلا وفيهم مصلٍّ يصلي»، والسؤال: كم مرةٍ قرأناها وطبقناها؟
وقفة
[13] قرع النعال دليل على سيرك في الحياة، فمهما تتكلم ليست خطبة الكلم مثل خطوة القدم! ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾.
وقفة
[13] تجد الملايين في صحة وعافية وسلامة وغنى وأمن، ثم لا يشكرون ربهم! ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾.
وقفة
[13] ﴿اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور﴾ (الشكر بالعمل) نوع الشكر الأرفع أتى في سياق نفع الناس، وتشييد الحضارة ﴿وجفان كالجواب وقدور راسيات﴾.
وقفة
[13] ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ الشكر حقيقته: الاعتراف بالنعمة للمنعم، واستعمالها في طاعته، والكفران: استعمالها في المعصية، وقليل من يفعل ذلك.
وقفة
[13] كثيرون الذين يشكرون الله بالقلب واللسان، ويغفلون عن شكره بالعمل، وهو أعظم الشكر وأقله تطبيقًا بينهم ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
وقفة
[13] اقتضاء النعم لشكر الله عليها ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
وقفة
[13] شكر الله تعالى لا يكون باللسان وحده، بل لا بد أن يكون بالعمل أيضًا، فتشترك في شكر الله تعالى كلُّ حواسِّك، حتى تكون شاكرًا حقًّا، فالواجب في الشكر أن يكون باللسان والقلب والجوارح، قال تعالى: ﴿اعملوا آلَ داوودَ شُكرًا وقليلٌ مِن عباديَ الشكور﴾.
تفاعل
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ قل: اللهم اجعلني من عبادك الشاكرين.
وقفة
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ما أقسى هذا الخطاب الإلهي! حتى مع جحودنا لشكره يضمُّنا تحت جناح عبوديته، ربي اجعلنا من الشاكرين.
عمل
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ تريد أن تكون عبدًا مميزًا؟ كن شكورًا بعملك وقلبك ولسانك.
وقفة
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ المفلح من تذكر نعم الله عليه وشكرها.
تفاعل
[13] ﴿وَقَليلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكورُ﴾ قل: اللهم اجعلنا من عبادك القليل، اللهم لك الحمد حتى ترضى.
وقفة
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ تريد أن تكون عبدًا مميزًا؟ كن شكورًا بعملك وقلبك ولسانك.
وقفة
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ما أحلم الله على من عصاه! لم ينزع عنهم لباس العبودية رغم قلة شكرهم له.
عمل
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ كن من القليل الشاكرين، ولا يغرك الكثير المعرضون، فبالشكر تزيد النعم، وبالإعراض تحل النقم.
وقفة
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ لا تحزنْ إنْ لم يقدِّر أحدهم جميلَ قد فعلته له، فهذا هو حالُ غالبية النَّاس لا يشكرون ربَّهم، فكيف يشكُرون الناس؟!
عمل
[13] كن من القلة الذين يشكرون: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، ومن القلة الذين يعلمون: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 187]، ومن القلة التي تحب الحق: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [المؤمنون: 70].
وقفة
[13] قد تسلف أيادي بيضاء لبعض الناس، وتبذا جهدًا محمودًا في سوقها، حتى إذا استقرت في أيديهم نظروا إليك جامدين، أو ودعوك بكلمات باردة، ثم ولوا عنك مدبرين! هل يغضبك هذا المسلك؟ هكذا صنعوا قبلًا مع ربك وربهم فقال: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
عمل
[13] كان بعض السلف يسمي الشكر: الحافظ الجالب؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة، فلنشكر الله على كل حال، وفي كل حين، لنلحق بركب الشاكرين: ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾.
اسقاط
‏[13] قد تحسن لأحدهم، فتجد نظرة الجحود، أو يكلمك بكلمات باردة! هل يغضبك هذا المسلك؟! هكذا صنعوا من قبل مع الله ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
وقفة
[13] إسناد الفضل لله في كل نعمة، وفي كل نجاح، وفي كل قدرة، بل وفي كل شيء، شكر الله وطلبه العون على شكره خاصة أنه سبحانه قال: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
وقفة
[13] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ قال أحدهم: «رآني وأنا ألعق غطاء الزبادي قبل إلقائه، فصاح: انظروا لمن يأمرنا بانتعال المال، قلت: ارتكبت خطأين: الإسراف، خطأ الفهم، سليمان الراجحي قبل سنوات رأى فتات خبز تركته، مد يده، وأكله، فأخذت درسًا صامتًا لن أنساه ما حييت، احترام دقائق النعم من شكرها، علموا أولادكم احترامها».
وقفة
[13] شكر النعم باللسان والعمل، من أعظم العبادات التي يغفل عنها كثير من الناس، قال الله تعالى: ﴿وقليلٌ مِن عباديَ الشكور﴾.
وقفة
[13] فيما قصه الله من شأن داود واشتغاله بالصناعات عبرة، ذلك أن الفقه في الدنيا جزء من العقل الذي يفقه الآخرة، ولن يستطيع نصرة الإيمان أبله ولا قاعد، وعندما تحول المسلمون إلى عالم ثالث أو رابع، نال منهم خصومهم، وأمسوا معرة لدينهم.

الإعراب :

  • ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا محل لها من الاعراب لأنها من صلة الموصول «يعمل» في الآية الكريمة السابقة: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ» وجاءت «يعملون» «جمعا على معنى «من» له: جار ومجرور متعلق بيعملون.
  • ﴿ ما يَشاءُ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء:فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وحذف مفعولها وهو كثير الحذف لأنه معلوم. التقدير: ما يشاء عمله.
  • ﴿ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول. التقدير: ما يشاء عمله حالة كونه من محاريب وتماثيل لأن «ما» مبهمة. و «من» حرف جر بياني. وعلامة جر الاسمين: الفتحة بدلا من الكسرة لأنهما على وزن «مفاعيل» ممنوعان من الصرف-التنوين-أو لأنهما نهاية الجموع ثالث حروفهما ألف وبعد الألف حرفان أو ثلاثة الواو عاطفة. تماثيل: معطوفة على «محاريب» وتعرب إعرابها. و «المحاريب» بمعنى القصور الحصينة أو المساجد مفردها: محراب. والتماثيل: الصور المجسمة.
  • ﴿ وَجِفانٍ:
  • معطوفة بالواو على مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» وتعرب إعرابهما وعلامة جرها الكسرة المنونة لأنها نكرة مفردها: جفنة وهي الصحاف أو القصعة الكبيرة.
  • ﴿ كَالْجَوابِ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل جر صفة- نعت-لجفان. الجواب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا اكتفاء بالكسرة كقوله تعالى يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ» وهي جمع «جابية» أي الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل أي يجمع.
  • ﴿ وَقُدُورٍ راسِياتٍ:
  • تعرب اعراب «جفان» راسيات: صفة-نعت-لقدور مجرورة مثلها. أي ثابتات. وعلامة جرها الكسرة المنونة أيضا.
  • ﴿ اعْمَلُوا:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-أي هي حكاية ما قيل لآل داود.
  • ﴿ آلَ داوُدَ شُكْراً:
  • منادى بأداة نداء محذوفة التقدير: يا آل داود وهو منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة. داود: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-للعجمة.شكرا: في نصبه عدة وجوه. منها أنها مفعول له-لأجله-بمعنى:اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه، .أو على الحال: أي اعملوا شاكرين أو مفعول مطلق-مصدر-منصوب بفعل محذوف من جنسه.التقدير: اشكروا شكرا لأن الفعل «اعملوا» فيه معنى «اشكروا» ويجوز أن يكون مفعولا به منصوبا باعملوا.
  • ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ:
  • الواو استئنافية. قليل: مبتدأ مرفوع بالضمة. وجاز الابتداء بالنكرة لأنه وصف. من عبادي: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «قليل» والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.وفتحت الياء لالتقاء الساكنين. الشكور: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.والكلمة صيغة مبالغة أي الكثير الشكر. ويجوز أن تكون «الشكور» خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. والجملة الاسمية: في محل رفع خبر المبتدأ الأول «قليل».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا أخبرَ اللهُ أنَّه سخَّر لسُلَيمانَ الجِنَّ؛ ذكَرَ هنا أربعة أعمال كلفهم بها، قال تعالى:
﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :سبإ     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا ..

التفسير :

[14] فلما قضينا على سليمان بالموت ما دلَّ الجنَّ على موته إلا الأَرَضَةُ تأكل عصاه التي كان متكئاً عليها، فوقع سليمان على الأرض، عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذلِّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظناً منهم أنه من الأحياء. وفي ا

فلم يزل الشياطين يعملون لسليمان, عليه الصلاة والسلام, كل بناء، وكانوا قد موهوا على الإنس, وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب, ويطلعون على المكنونات، فأراد اللّه تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى, فمكثوا يعملون على عملهم، وقضى اللّه الموت على سليمان عليه السلام, واتَّكأ على عصاه, وهي المنسأة، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها, ظنوه حيا, وهابوه.

فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل, حتى سلطت دابة الأرض على عصاه, فلم تزل ترعاها, حتى باد وسقط فسقط سليمان عليه السلام وتفرقت الشياطين وتبينت الإنس أن الجن{ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} وهو العمل الشاق عليهم، فلو علموا الغيب, لعلموا موت سليمان, الذي هم أحرص شيء عليه, ليسلموا مما هم فيه.

ثم ختم- سبحانه- النعم التي أنعم بها على داود وسليمان، ببيان مشهد وفاة سليمان، فقال: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ.

والمراد بدابة الأرض: قيل هي الأرضة التي تأكل الخشب وتتغذى به، يقال: أرضت الدابة الخشب أرضا- من باب ضرب-، إذا أكلته. فإضافة الدابة إلى الأرض- بمعنى الأكل والقطع- من إضافة الشيء إلى فعله.

ومِنْسَأَتَهُ أى: عصاه التي كان مستندا عليها. وسميت العصا بذلك لأنها تزجر بها الأغنام إذا جاوزت مرعاها. من نسأ البعير- كمنع- إذا زجره وساقه، أو إذا أخره ودفعه.

والمعنى: فلما حكمنا على سليمان- عليه السلام- بالموت، وأنفذناه فيه، وأوقعناه عليه، ما دَلَّهُمْ أى: الجن الذين كانوا في خدمته عَلى مَوْتِهِ بعد أن مات وظل واقفا متكئا على عصاه إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ.

أى: انهم لم يدركوا أنه مات، واستمروا في أعمالهم الشاقة التي كلفهم بها، حتى جاءت الدابة التي تفعل الأرض- أى الأكل والقطع- فأكلت شيئا من عصاه التي كان متكئا عليها، فسقط واقعا بعد أن كان واقفا.

فَلَمَّا خَرَّ أى: فلما سقط سليمان على الأرض تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أى: ظهر لهم ظهورا جليا أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ كما يزعم بعضهم.

ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أى: ما بقوا في الأعمال الشاقة التي كلفهم بها سليمان.

وذلك أن الجن استمروا فيما كلفهم به سليمان من أعمال شاقة، ولم يدركوا أنه قد مات،حتى جاءت الأرضة فأكلت شيئا من عصاه، فسقط على الأرض وهنا فقط علموا أنه قد مات.

قال ابن كثير: يذكر- تعالى- في هذه الآية كيفية موت سليمان- عليه السلام- وكيف عمّى الله موته على الجان المسخرين له في الأعمال الشاقة، فإنه مكث متوكئا على عصاه، - وهي منسأته- مدة طويلة نحوا من سنة، فلما أكلتها دابة الأرض، - وهي الأرضة- ضعف وسقط إلى الأرض، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة- تبينت الجن والإنس أيضا- أن الجن لا يعلمون الغيب، كما كانوا يتوهمون ويواهمون الناس ذلك» .

هذا هو النموذج الأول الذي ساقه الله- تعالى- للشاكرين، متمثلا في موقف داود وسليمان- عليهما السلام- مما أعطاهما- سبحانه- من نعم جزيله..

أما النموذج الثاني- الذي جاء في أعقاب سابقه- فقد ساقه- سبحانه- لسوء عاقبة الجاحدين، متمثلا في قصة قبيلة سبأ، وكيف أنهم قابلوا نعم الله بالبطر، فمحقها- سبحانه- من بين أيديهم وفي شأنهم يقول- عز وجل-:

يذكر تعالى كيفية موت سليمان ، عليه السلام ، وكيف عمى الله موته على الجان المسخرين له في الأعمال الشاقة ، فإنه مكث متوكئا على عصاه - وهي منسأته - كما قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وغير واحد - مدة طويلة نحوا من سنة ، فلما أكلتها دابة الأرض ، وهي الأرضة ، ضعفت وسقط إلى الأرض ، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة - تبينت الجن والإنس أيضا أن الجن لا يعلمون الغيب ، كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس ذلك .

قد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب ، وفي صحته نظر ، قال ابن جرير :

حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء ، عن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان سليمان نبي الله ، عليه السلام ، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غرست ، وإن كانت لدواء كتبت . فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخروب . قال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان : اللهم ، عم على الجن موتتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب . فنحتها عصا ، فتوكأ عليها حولا ميتا ، والجن تعمل . فأكلتها الأرضة ، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا [ حولا ] في العذاب المهين " .

قال : وكان ابن عباس يقرؤها كذلك قال : " فشكرت الجن الأرضة ، فكانت تأتيها بالماء " .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، به . وفي رفعه غرابة ونكارة ، والأقرب أن يكون موقوفا ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات ، وفي بعض حديثه نكارة .

وقال السدي ، في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كان سليمان يتحرر في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي توفي فيها ، وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة ، فيأتيها فيسألها ، فيقول : ما اسمك ؟ فتقول : اسمي كذا وكذا . فإن كانت لغرس غرسها ، وإن كانت نبت دواء قالت : نبت دواء لكذا وكذا . فيجعلها كذلك ، حتى نبتت شجرة يقال لها : الخروبة ، فسألها : ما اسمك ؟ فقالت : أنا الخروبة . قال : ولأي شيء نبت ؟ قالت : نبت لخراب هذا المسجد . قال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ؟ أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس . فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه ، فمات ولم تعلم به الشياطين ، وهم في ذلك يعملون له ، يخافون أن يخرج فيعاقبهم . وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب ، وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه ، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول : ألست جلدا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب ؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر ، فدخل شيطان من أولئك فمر ، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق . فمر ولم يسمع صوت سليمان ، ثم رجع فلم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق . ونظر إلى سليمان ، عليه السلام قد سقط ميتا . فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات . ففتحوا عنه فأخرجوه . ووجدوا منسأته - وهي : العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة ، ولم يعلموا منذ كم مات ؟ فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة ، ثم حسبوا على ذلك النحو ، فوجدوه قد مات منذ سنة . وهي في قراءة ابن مسعود : فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا ، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب ، لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة ، وذلك قول الله عز وجل : ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) . يقول : تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم ، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب ، ولكنا سننقل إليك الماء والطين - قال : فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت - قال : ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب ؟ فهو ما تأتيها به الشياطين ، شكرا لها .

وهذا الأثر - والله أعلم - إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب ، وهي وقف ، لا يصدق منها إلا ما وافق الحق ، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق ، والباقي لا يصدق ولا يكذب .

وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) قال : قال سليمان عليه السلام لملك الموت : إذا أمرت بي فأعلمني . فأتاه فقال : يا سليمان ، قد أمرت بك ، قد بقيت لك سويعة . فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ، وليس له باب ، فقام يصلي فاتكأ على عصاه ، قال : فدخل عليه ملك الموت ، فقبض روحه وهو متكئ على عصاه ، ولم يصنع ذلك فرارا من ملك الموت . قال : والجن يعملون بين يديه وينظرون إليه ، يحسبون أنه حي . قال : فبعث الله ، عز وجل دابة الأرض . قال : والدابة تأكل العيدان - يقال لها : القادح - فدخلت فيها فأكلتها ، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت ، وثقل عليها فخر ميتا ، فلما رأت ذلك الجن انفضوا وذهبوا . قال : فذلك قوله : ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ) . قال أصبغ : بلغني عن غيره أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر . وقد ذكر غير واحد من السلف نحوا من هذا ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)

يقول تعالى ذكره: فلما أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ) يقول: لم يدل الجن على موت سليمان (إِلا دَابَّةُ الأرْضِ) وهي الأرضة وقعت في عصاه التي كان متكئًا عليها فأكلتها، فذلك قول الله عز وجل (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني ابن المثنى وعلي قالا ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ) يقول: الأرضة تأكل عصاه.

حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قال: عصاه.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (إِلا دَابَّةُ الأرْضِ) قال: الأرضة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قال: عصاه.

حدثني محمد بن عمارة قال ثنا عبد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل عن أَبي يحيى عن مجاهد (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قال: عصاه.

حدثنا ابن بشار قال ثنا ابن عثمة قال ثنا سعيد بن بشير عن قتادة في قوله (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أكلت عصاه حتى خرَّ.

حدثنا موسى بن هارون قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط عن السدي المنسأة: العصا بلسان الحبشة.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المنسأة العصا.

واختلفت القراء في قراءة قوله (مِنْسَأَتَهُ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة (مِنْسَاتَهُ) غير مهموزة، وزعم من اعتل لقارىء ذلك كذلك من أهل البصرة أن المنساة: العصا، وأن أصلها من نسأت بها الغنم، قال: وهي من الهمز الذي تركته العرب، كما تركوا همز النبي والبرية والخابية، وأنشد لترك الهمز في ذلك بيتا لبعض الشعراء:

إذا دَبَبْـتَ عـلى المِنسـاةِ مـن هَـرَمٍ

فقــدْ تَبَـاعَد عنـكَ اللَّهـوُ والغَـزَلُ (11)

وذكر الفراء عن أَبي جعفر الرَّوَاسي أنه سأل عنها أبا عمرو فقال: (مِنْسَاتَهُ) بغير همز.

وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة (مِنْسَأَتَهُ) بالهمز، وكأنهم وجهوا ذلك إلى أنها مِفْعَلة من نسأت البعير: إذا زجرته ليزداد سيره، كما يقال نسأت اللبن: إذا صببت (12) عليه الماء وهو النسيء، وكما يقال: نسأ الله في أجلك أي أدام (13) الله في أيام حياتك.

قال أَبو جعفر: وهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وإن كنت أختار الهمز فيها لأنه الأصل.

وقوله (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) يقول عز وجل: فلما خر سليمان ساقطًا بانكسار منسأته تبينت الجن (أنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) الذي يدعون علمه (مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) المذل حولا كاملا بعد موت سليمان، وهم يحسبون أن سليمان حي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن منصور قال ثنا موسى بن مسعود أَبو حذيفة قال ثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " كَانَ سُلَيمانُ نبيُّ اللهِ إذَا صَلَّى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها ما اسمك؟ فتقول كذا، فيقول لأي شيء أنت؟ فإن كانت تُغْرَسُ غُرسَت، وإن كان لدواءٍ كُتبتْ، فبينما هو يصلي ذاتَ يَومٍ إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروب، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عمِّ على الجن موتي؛ حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنَحَتَها عصا فتوكَّأ عليها حولا ميتًا، والجن تعمل، فأكلتها الأرضة، فسقط، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين ". قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك، قال: فشكرت الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء.

حدثنا موسى بن هارون قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أَبي مالك وعن أَبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " كان سليمان يتجرد (14) في بيت المقدس السنة والسنتين، والشهر والشهرين، وأقل من ذلك وأكثر، يَدخل طعامه (15) وشرابه، فدخله في المرة التي مات فيها، وذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه، إلا تنبت فيه شجرة، فيسألها: ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فيقول لها: لأي شيء نبت، فتقول: نبت لكذا وكذا. فيأمر بها فتقطع؛ فإن كانت نبتت لغرس غرسها، وإن كانت نبتت لدواء قالت: نبت دواء لكذا وكذا، فيجعلها كذلك، حتى نبتت شجرة يقال لها الخروبة، فسألها ما اسمك؟ فقالت له: أنا الخروبة، فقال: لأي شيء نبتِّ، قالت: لخراب هذا المسجد، قال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنـزعها وغرسها في حائط له ثم دخل المحراب، فقام يصلي متكئًا على عصاه، فمات ولا تعلم به الشياطين في ذلك، وهم يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كُوىً بين يديه وخلفه، وكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول: ألست جلدًا إن دخلت، فخرجت من الجانب الآخر، فدخل شيطان من أولئك فمر، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق، فمر ولم يسمع صوت سليمان عليه السلام ، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع في البيت فلم يحترق، ونظر إلى سليمان قد سقط فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته، وهي العصا بلسان الحبشة قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يومًا وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد مات منذ سنة ". وهي في قراءة ابن مسعود: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا كاملا فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله ( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) يقول: تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين، فالذي يكون في جوف الخشب فهو ما تأتيها به الشياطين شكرًا لها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت الجن تخبر الإنس أنهم كانوا يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد، فابتلوا بموت سليمان، فمات فلبث سنة على عصاه وهم لا يشعرون بموته، وهم مسخرون تلك السنة يعملون دائبين ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) ولقد لبثوا يدأبون، ويعملون له حولا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ) قال: قال سليمان لملك الموت: يا ملك الموت إذا أمرت بي فأعلمني، قال: فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعة فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحًا من قوارير، ليس له باب فقام يصلي واتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متكىء على عصاه، ولم يصنع ذلك فرارًا من ملك الموت، قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنه حي، قال: فبعث الله دابة الأرض، قال: دابة تأكل العيدان يقال لها القادح، فدخلت فيها فأكلتها، حتى إذا أكلت جوف العصا، ضعفت وثقل عليها فخر ميتًا، قال: فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال: فذلك قوله ( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ) قال: والمنسأة: العصا.

حدثنا ابن حميد قال ثنا جرير عن عطاء قال: كان سليمان بن داود يصلي، فمات وهو قائم يصلي والجن يعملون لا يعلمون بموته، حتى أكلت الأرضة عصاه فخر وأن في قوله (أَنْ لَوْ كَانُوا) في موضع رفع بـ" تَبَيَّن "، لأن معنى الكلام: فلما خر تبين وانكشف، أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

وأما على التأويل الذي تأوله ابن عباس من أن معناه: تبينت الإنس الجن، فإنه ينبغي أن يكون في موضع نصب بتكريرها على الجن، وكذلك يجب على هذه القراءة أن تكون الجن منصوبة، غير أني لا أعلم أحدًا من قراء الأمصار يقرأ ذلك بنصب الجن، ولو نصب كان في قوله (تَبَيَّنتِ) ضمير من ذكر الإنس.

------------------------

الهوامش:

(11) البيت من شواهد أَبي عبيدة في (مجاز القرآن، الورقة 198 - ب) والرواية فيه "حبيت" في موضع "دببب". وفي هامشه بخط الناسخ: (رواية: دببب). قال أبو عبيدة: (تأكل منسأته): وهي العصا: من نسأت بها الغنم. وهو من المهموز الذي تركت العرب الهمزة من أسمائها، ويهمزون الفعل منها، كما تركوا همزة النبي والبرية والخالية، وهو من أنبأت، ومن برأت، وخبأت. قال: "إذا حببت على المنساة ..." البيت. وبعضهم يهمزها فيقول: منسأة. ا . هـ. والبيت في (اللسان: نسأ) وروايته: "إذا دببب ..." البيت. وقال قبل ذلك: والمنسأة: العصا؛ يهمز، ولا يهمز. ينسأ بها. وأبدلوا إبدالا كليا، فقالوا منساة. وأصلها الهمز، ولكنها بدل لازم حكاه سيبويه. وقد قرئ بهما جميعا. قال الفراء في قوله عز وجل: (تأكل منسأته) وهي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي. أخذت من نسأت البعير إذا زجرته ليزداد سيره. كما يقال نسأت اللبن إذا صببت عليه الماء. وهو النسئ.

(12) كذا في (معاني القرآن للفراء الورقة 261) وفي الأصل: صدرت بتحريف.

(13) لعله: أطال.

(14) في العرائس للثعلبي (طبعة الحلبي 326) قال ابن عباس وغيره: كان سليمان يحتجب في بيت المقدس ... إلخ.

(15) في العرائس: يدخل فيه بطعامه ... إلخ.

التدبر :

وقفة
[14] ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ ساعة موتك معروفة قبل میلادك بآلاف السنين، والمنتظر منك أن تعمل لها استعدادًا لما ينتظرك بعد الموت.
وقفة
[14] ﴿فَلَمّا قَضَينا عَلَيهِ المَوتَ ما دَلَّهُم عَلى مَوتِهِ إِلّا دابَّةُ الأَرضِ تَأكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾ أمر جلل كالموت لا يُظهره إلا حشرة حقيرة، وهكذا تأتى بعض الأمور أحيانًا على أهون سبب.
عمل
[14] ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ قد تستفيدُ ممَّا يصغُرُ في عينيك، فلا تَحقِرنَّ من خلقِ اللهِ شيئًا.
عمل
[14] ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ دابة دلت على موت سليمان، وغراب علم ابن آدم كيف يدفن أخاه، وهدهد كان سبب إسلام أمة كاملة، فلا تحتقر نفسك، ولا تستقل جهدك.
وقفة
[14] ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ لا يعلم الغيب إلا الله.
وقفة
[14] ﴿فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَن لَو كانوا يَعلَمونَ الغَيبَ ما لَبِثوا فِي العَذابِ المُهينِ﴾ الجن لا يعلم الغيب، فلا يعلم الغيب إلا الله.
وقفة
[14] اختصاص الله بعلم الغيب، فلا أساس لما يُدَّعى من أن للجن أو غيرهم اطلاعًا على الغيب ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
وقفة
[14] الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
وقفة
[14] هذه الآية دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب، فلا تصدق قارئ فنجان، ولا ضارب ودع، ولا من يدعي علم الغيب ﴿فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين﴾.
وقفة
[14] ﴿مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ خدمتهم للبشر وهم كانوا يرون أنفسهم خيرًا من البشر هو إهانة لهم.

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمّا:
  • الفاء: استئنافية. لما: اسم شرط‍ غير جازم بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب.
  • ﴿ قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف. بمعنى: فلما أي فحين انقضى أجله مات. قضي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا، «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عليه: جار ومجرور متعلق بقضينا. الموت: مفعول به منصوب بالفتحة
  • ﴿ ما دَلَّهُمْ:
  • الجملة الفعلية جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.ما: نافية لا عمل لها. دل: فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. أي ما دل الجن.
  • ﴿ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ:
  • جار ومجرور متعلق بدل. والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة. الا أداة حصر.
  • ﴿ دَابَّةُ الْأَرْضِ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. الأرض: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى الأرضة وهي الدويبة التي يقال لها السرفة. والأرض فعلها فأضيفت اليه. يقال أرضت الخشبة أرضا: اذا أكلتها الأرضة
  • ﴿ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من «الدابة» تأكل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. منسأته:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: تقرض عصاه».
  • ﴿ فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ:
  • أعربت. خر: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى فحين سقط‍.والجملة الفعلية «خر» في محل جر بالاضافة. تبينت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. الجن: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب
  • ﴿ أَنْ لَوْ كانُوا:
  • أن: حرف مشبه بالفعل واسمه ضمير الشأن. والجملة من الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر «أن» و «أن» مع اسمها وخبرها في محل رفع بدل اشتمال من «الجن» لن: حرف شرط‍ غير جازم. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة والضمير يعود على الجن.
  • ﴿ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.الغيب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ ما لَبِثُوا:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. ما:نافية لا عمل لها. لبثوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أي ما مكثوا
  • ﴿ فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من واو الجماعة في «لبثوا» المهين: صفة-نعت للعذاب مجرورة مثلها. وعلامة جرها الكسرة.'

المتشابهات :

البقرة: 102﴿وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
البقرة: 103﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَمَثُوبَةٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَيۡرٞۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
النحل: 41﴿وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
العنكبوت: 41﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
العنكبوت: 64﴿وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
سبإ: 14﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ
الزمر: 26﴿فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلۡخِزۡيَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
القلم: 33﴿كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى عَظَمةَ سُلَيمانَ، وتَسخيرَ الرِّيحِ والجنِّ له؛ بَيَّنَ هنا أنَّه مع ما سبق لم يَنْجُ مِن الموتِ؛ تنبيهًا للخَلقِ على أنَّ الموتَ لا بُدَّ منه، ولو نجا منه أحدٌ لكان سُلَيمانُ أَولى بالنَّجاةِ منه، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الأرض:
1- بسكون الراء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الراء، جمع «أرضه» ، وهو من إضافة العام إلى الخاص.
منسأته:
قرئ:
1- منساته، بألف، وأصله: منسأته، أبدلت الهمزة ألفا، بدلا غير قياسى، وهى قراءة نافع، وأبى عمرو.
2- منسأته، بهمزة ساكنة، وهو من تسكين التحريك تخفيفا، وليس بقياس، وهى قراءة الوليد ابن عتبة، وابن مسلم.
3- منسأته، بالهمزة مفتوحة، وهى قراءة باقى السبعة.
4- بفتح الميم وتخفيف الهمزة، قلبا وحذفا.
5- منساءة، على وزن مفعالة.
تبينت:
1- مبنيا للفاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للمفعول، وهى قراءة ابن عباس، وابن مسعود، وأبى، وعلى بن الحسن، والضحاك.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف