378141516171819202122

الإحصائيات

سورة النمل
ترتيب المصحف27ترتيب النزول48
التصنيفمكيّةعدد الصفحات8.50
عدد الآيات93عدد الأجزاء0.45
عدد الأحزاب0.90عدد الأرباع3.50
ترتيب الطول24تبدأ في الجزء19
تنتهي في الجزء20عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 13/29طس: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (15) الى الآية رقم (18) عدد الآيات (4)

القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ سليمانَ عليه السلام الذي ورِثَ أباه داودَ عليه السلام في النُّبوةِ والمُلكِ، وجُمِعَ له جُنودُهُ من الجنِّ والإنسِ والطيرِ، ثُمَّ بيانُ ما قالتْه النَّملةُ لمَّا مرَّ بوادي النَّملِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (19) الى الآية رقم (21) عدد الآيات (3)

تبسمَ سليمانُ عليه السلام من كلامِ النملةِ، وتفقدَ الطيرَ فلم ير الهدهدَ، فتوعَّدَه بـ: العذابِ، أو الذَّبحِ، أو يأتي بحجَّةٍ واضحةٍ تبينُ عذرَهُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة النمل

الدعوة إلى الإيمان بآيات الله/ العلم والإيمان/ التفوق الحضاري/ الامتنان على النبي ﷺ بمعجزة القرآن

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ماذا تقدم لنا سورة النمل؟:   سورة النمل تصحح مفاهيم وتنادي الأمة: سورة النمل تعاتب الذين يفهمون الإسلام على أنه صلاة ركعتين وبكاء العينين وقراءة آيتين فقط. تقول لهم: هذه الأشياء -على أهميتها بلا شك- ليست كل الإسلام. تقول لهم: الإسلام ليس مجرد إقامة شعائر تعبدية فقط، ليس دين عبادة فقط؛ وإنما هو دين علم وعبادة. تقول لهم: يجب أن تكون الأمة المسلمة متفوقة في العلم، متفوقة حضاريًا. ليس هذا فحسب، بل تؤكد لهم: إن تفوق المسلمين الحضاري وتقدمهم العلمي والتكنولوجي يفيد في الدعوة ويؤثر في الآخرين أضعاف أضعاف ما يؤثر فيهم كلام شخص عادي أو فاشل في حياته العملية أو راسب في امتحاناته. سورة النمل تنادي أمة محمد ﷺ: - يا أمة محمد ﷺ: كونوا متفوقين، كونوا أقوياء، اجمعوا بين العلم والإيمان للنجاح في الحياة. - يا أمة محمد ﷺ: لابد أن تتفوقوا في العلم والتكنولوجيا، في القوة المادية والعسكرية، لتستخدموها في نصرة دين الله - يا أمة محمد ﷺ: اهتموا بالتفوق الحضاري. وتقول لهم: النَّمل أمَّة منظمة وهي نموذج من نماذج التفوق الحضاري، فتعلموا منها، وإذا كانت الحشرة قد نجحت فكيف تفشلون أنتم يا أمة محمد ﷺ؟! وهكذا نرى أن كل سورة توجّه رسالة واضحة للمسلمين لتكمل سور القرآن في عرضها للمنهج الرباني، مما يشعرنا بترابط القرآن وتماسك سوره، فبعد أن كانت رسالة سورة الشعراء: «اهتموا بالإعلام»، أتت سورة النمل لتوجه رسالة مماثلة: «اهتموا بالتفوق الحضاري»، وكلاهما يخدم نفس الهدف: أهمية التفوق والأخذ بالأسباب الدنيوية في تميز المسلمين وتأثيرهم على الآخرين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النمل».
  • • معنى الاسم ::   جمع نملة، وهي حشرة صغيرة الجسم، تتخذ سكنها تحت الأرض، وتعيش في جماعات.
  • • سبب التسمية ::   لاشتمالها على قصة النملة التي وعظت بقية النمل، ثم اعتذرت عن سليمان وجنوده, ففهم نبي الله كلامها وتبسم من قولها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة سليمان»؛ لأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلًا لم يذكر مثله في غيرها، و«سورة الهدهد»؛ لأن لفظ الهدهد لم يذكر في غيرها من السور، و«سورة طس»؛ لافتتاحها بهذين الحرفين دون غيرها من السور.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام ليس مجرد إقامة شعائر تعبدية فقط، ليس دين عبادة فقط؛ وإنما هو دين علم وعبادة.
  • • علمتني السورة ::   أنه يجب أن تكون الأمة المسلمة متفوقة في العلم، متفوقة حضاريًا.
  • • علمتني السورة ::   إن تفوق المسلمين الحضاري وتقدمهم العلمي والتكنولوجي يفيد في الدعوة ويؤثر في الآخرين أضعاف أضعاف ما يؤثر فيهم كلام شخص عادي أو فاشل في حياته العملية أو راسب في امتحاناته.
  • • علمتني السورة ::   النمل أن القرآن فيه هدى وبشارة للمؤمنين: ﴿طس ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النمل من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • اختصت بذكر البسملة فيها مرتين: في بدايتها، وفي الآية (30)، وقد اتفق العلماء على أن البسملة في هذه الآية تعتبر من القرآن ومنكرها كافر، واختلفوا في قرآنيتها في بداية الفاتحة وبداية كل سورة.
    • احتوت السورة على السجدة التاسعة –بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة، في الآية (25-26).
    • احتوت السورة على لازمة قرآنية تكررت 5 مرات في خاتمة كل آية، وهي قوله تعالى: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ للتأكيد على تفرد الله تعالى بالخلق والعبادة ونفي الشريك.
    • احتوت السورة على حوار بين الإنسان ومخلوقات أرضية أخرى، فذكرت حوار النملة والهدهد والجن مع سليمان عليه السلام، وفي نهاية السورة في الآية (82) ذكرت الحوار الذي سيكون مع الدابة التي تخرج من الأرض في آخر الزمان تكلم الناس، وهي من أشراط الساعة الكبرى.
    • سورة النمل من (الطواسين أو الطواسيم)، وهي ثلاث سور جاءت في المصحف مرتبة: الشعراء، النمل، القصص، وسميت بذلك لأنها افتتحت بالحروف المقطعة طسم (في الشعراء والقصص)، وطس (في النمل).
    • سورة النمل ثاني أكثر سورة تتكرر فيها كلمة (قرآن) حيث وردت 4 مرات، بعد سورة الإسراء حيث وردت فيها 11 مرة.
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نكون متفوقين، أقوياء، نجمع بين العلم والإيمان للنجاح في الحياة.
    • أن نهتم بالعلم والتكنولوجيا، ونستخدم ذلك في نصرة دين الله.
    • أن نكون كالنمل في عزيمتهم وإصرارهم، في حضارتهم، في تخطيطهم وتنظيمهم، في وحدتهم وتعاونهم واصطفافهم، في تناصحهم وحذرهم، كالنمل يسبح ربه ويعرف غايته.
    • ألا تكون الدنيا همنا فننسى الآخرة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ (4، 5).
    • أن نتذكر بعضًا من النعم التي اختصنا الله بها، ثم نشكر الله عليها اقتداءً بالأنبياء: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
    • ألا نسكت على منكر، لا يكن الهدهد أغير منا على حرمات الله: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (24، 25).
    • أن نكثر من السجود لواهب النعم، ونكثر من الشكر: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (25).
    • أن نتحري ونتثبت ونتأكد من صدق الأخبار: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ (27).
    • أن نجعل رسائلنا قصيرة موجزة واضحة: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ (31).
    • أن نطبق الشورى قبل اتخاذ القرار؛ فإنها تقي من المهالك: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ﴾ (32).
    • أن نشكر الله على نعمه، وننسب الفضل إليه: ﴿... فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ (40).
    • أن نتوجه إلى الله إذا ضاقت بنا الدنيا ونطلب منه الفرج: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ (62).
    • أن نتفكر فيمن كانوا قبلنا، ونأخذ العبرة والعظة منهم، هل نفعتهم القصور وهم في القبور؟!: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (69).
    • أن نحسن سريرتنا كما نحسن علانيتنا؛ فالله يعلم ما تخفي الصدور: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (74).
    • أن نستعد ليوم الحساب: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ (87).
    • أن نبادر بالحسنات لنأمن من فزع يوم القيامة: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ (89).

تمرين حفظ الصفحة : 378

378

مدارسة الآية : [14] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا ..

التفسير :

[14] وكذَّب فرعونُ وقومُه بالمعجزات التسع الواضحة الدلالة على صدق موسى في نبوته وصدق دعوته، وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند الله، وقد استيقنوها في قلوبهم اعتداءً على الحق، وتكبراً على الاعتراف به، فانظر -أيها الرسول- كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله، أ

وَجَحَدُوا بِهَاأي:كفروا بآيات الله جاحدين لها،وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْأي:ليس جحدهم مستندا إلى الشك والريب، وإنما جحدهم مع علمهم ويقينهمبصحتهاظُلْمًامنهم لحق ربهم ولأنفسهم،وَعُلُوًّاعلى الحق وعلى العباد وعلى الانقياد للرسل،فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَأسوأ عاقبة دمرهم الله وغرقهم في البحر وأخزاهم وأورث مساكنهم المستضعفين من عباده.

وقوله: وَجَحَدُوا بِها من الجحود. وهو إنكار الحق مع العلم بأنه حق، يقال: جحد فلان حق غيره، إذا أنكره مع علمه به.

وقوله: وَاسْتَيْقَنَتْها من الإيقان وهو الاعتقاد الجازم الذي لا يطرأ عليه شك وجيء بالسين لزيادة التأكيد.

والمعنى: وذهب موسى- عليه السلام- ومعه المعجزات الدالة على صدقه، إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، فلما جاءهم موسى بتلك المعجزات المضيئة الواضحة للدلالة على صدقه، قالوا على سبيل العناد والغرور، هذا الذي نراه منك يا موسى، سحر بين وظاهر في كونه سحرا.

وجحد فرعون وقومه هذه المعجزات التي جاء بها موسى من عند ربه- تعالى-، مع أن أنفسهم قد علمت علما لا شك معه أنها معجزات وليست سحرا، ولكنهم خالفوا علمهم ويقينهم ظُلْماً للآيات حيث أنزلوها عن منزلتها الرفيعة وسموها سحرا وَعُلُوًّا أى: ترفعا واستكبارا عن الإيمان بها.

فَانْظُرْ أيها العاقل كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ؟ لقد كانت عاقبتهم أن أغرقهم الله جميعا، بسبب كفرهم وظلمهم وجحودهم وفسادهم في الأرض.

وفي التعبير بقوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا.. إشعار بأن هذه الآيات الدالة على صدق موسى- عليه السلام- قد وصلت إليهم بدون أن يتعبوا أنفسهم في الذهاب إليها، فهي جاءتهم إلى بيوتهم لكي تهديهم إلى الصراط المستقيم، ولكنهم قابلوا ذلك بالكفر والجحود.

وأسند- سبحانه- المجيء إلى الآيات وأضافها إلى ذاته- تعالى- للإشارة إلى أنها خارجة عن أن تكون من صنع موسى، وإنما هي من صنع الله- تعالى- ومن فعله، وموسى ما هو إلا منفذ لما أمره ربه، ومؤيد بما منحه إياه من معجزات دالة على صدقه فيما يبلغه عنه.

وقوله: ظُلْماً وَعُلُوًّا منصوبان على أنهما مفعولان لأجله، أو على أنهما حالان من فاعل جحدوا.

أى: جحدوا الآيات مع تيقنهم أنها من عند الله، من أجل الظلم لها والتعالي على من جاء بها، أو: جحدوا بها حالة كونهم ظالمين لها، ومستكبرين عنها.

وفي قوله- سبحانه-: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ تسلية عظمى للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من الكافرين.

فهم كانوا كفرعون وقومه في جحود الحق الذي جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع يقينهم بأنه حق، ولكن حال بينهم وبين الدخول أسباب متعددة، على رأسها العناد، والحسد، والعكوف على ما كان عليه الآباء، والكراهية لتغيير الأوضاع التي تهواها نفوسهم، وزينتها لهم شهواتهم ...

وبعد أن ساق- سبحانه- هذا الجانب من قصة موسى- عليه السلام-، أتبع ذلك بالحديث عن جانب من النعم التي أنعم بها على نبيين كريمين من أنبيائه، وهما داود وسليمان- عليهما السلام- فقال- تعالى-:

( وجحدوا بها ) أي : في ظاهر أمرهم ، ( واستيقنتها أنفسهم ) أي : علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله ، ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها ، ( ظلما وعلوا ) أي : ظلما من أنفسهم ، سجية ملعونة ، ( وعلوا ) أي : استكبارا عن اتباع الحق ; ولهذا قال : ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) أي : انظر يا محمد كيف كان عاقبة كفرهم ، في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة .

وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ; فإن محمدا ، صلوات الله وسلامه عليه أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام .

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)

وقوله: (وَجَحَدُوا بِهَا ) يقول: وكذبوا بالآيات التسع أن تكون من عند الله.

كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: (وَجَحَدُوا بِهَا ) قال: الجحود: التكذيب بها. وقوله: (وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) يقول: وأيقنتها قلوبهم, وعلموا يقينا أنها من عند الله, فعاندوا بعد تبينهم الحق, ومعرفتهم به.

كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس: (وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) قال: يقينهم في قلوبهم.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قول الله: (وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) قال: استيقنوا أن الآيات من الله حق, فلم جحدوا بها؟ قال: ظلما وعلوّا.

وقوله: (ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) يعني بالظلم: الاعتداء, والعلو: الكبر, كأنه قيل: اعتداء وتكبرا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, في قوله: (ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) قال: تعظما واستكبارا, ومعنى ذلك: وجحدوا بالآيات التسع ظلما وعلوّا, واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله, فعاندوا الحقّ بعد وضوحه لهم, فهو من المؤخر الذي معناه التقديم.

وقوله: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ).

ويقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانظر يا محمد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة, وماذا حل بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربهم, وأعقبهم ما فعلوا, فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون, وزروع ومقام كريم, إلى هلاك في العاجل بالغرق, وفي الآجل إلى عذاب دائم لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. يقول: وكذلك يا محمد سنتي في الذين كذّبوا بما جئتهم به من الآيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحق من قومك.

التدبر :

وقفة
[14] ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾ مع جبروت فرعون وقوته أصبح ضعيفًا أمام فطرته، معاند الفطرة مفضوح.
وقفة
[14] ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾ هنالك نفوس ترى أن الحق حقًّا؛ لكن عنادها وكبرياءها يمنعها من الانقياد والانصياع له.
وقفة
[14] ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم﴾ أصدق الأصوات صوت الضمير.
وقفة
[14] ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ من عرف حقًّا فلم يستجب له، فقد خضع صاغرًا لقوَّة الباطل! جزاءً لما وقع في قلبه من تعالٍ على الحق.
وقفة
[14] المتكبّر يُنكر الحق وهو يراه؛ لأنه لا يُحب أن يسبقه إليه أحد، ولا أن يُفرض عليه ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾.
وقفة
[14] من المهم أن يدرك خصمك في قرارة نفسه أنك صادق في دعوتك، ثابت على منهجك، ولو خالفك وآذاك ورماك بأبشع التهم، تدبر هذه الآيات: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ﴾ بالأنعام: 33]، ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾، ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: 102].
وقفة
[14] كثير من الملحدين يجحدون الحق وهم يعلمونه بقلوبهم، ولذلك يتفوهون به في ساعة الشدة، كما حصل لفرعون: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾.
وقفة
[14] الحقائق موجودة في النفوس كامنة يدفنها الهوى، تخرج إذا أثيرت، وعدم استثارتها ظلم للنفس وعلو عليها ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾.
وقفة
[14] الأهم أن تصل الحقيقة إلى العقول حتى وإن جحدتها الألسن، فالجحود وسيلة النفوس المريضة للبقاء على الشهوات ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَجَحَدُوا بِها:
  • معطوفة بالواو على قالُوا» وتعرب اعرابها. بها: جار ومجرور متعلق بجحدوا. اي وكذبوا بها.
  • ﴿ وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ:
  • الواو حالية. والجملة الفعلية بعدها في محل نصب حال بمعنى وقد استيقنت أي تحققت وعلمت. استيقنت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. أنفس: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل-ضمير الغائبين-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ظُلْماً:
  • مفعول مطلق-مصدر-منصوب بفعل محذوف تقديره وظلموا انفسهم ظلما. وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَعُلُوًّا:
  • معطوفة بالواو على ظُلْماً» وتعرب اعرابها. بمعنى: كبرا وترفعا عن الايمان بما جاء به موسى.
  • ﴿ فَانْظُرْ:
  • الفاء استئنافية. انظر: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ كَيْفَ كانَ:
  • كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر كانَ» مقدم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح.
  • ﴿ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ:
  • اسم كانَ» مرفوع بالضمة. المفسدين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. والجملة بعد «انظر» في محل نصب مفعول به ولم تلحق علامة التأنيث بفعل العاقبة لان تأنيثها غير حقيقي.'

المتشابهات :

الأعراف: 86﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
الأعراف: 103﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
النمل: 14﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ تكذيب فرعون وقومه بهذه المعجزات؛ بَيَّنَ هنا أن هذا التكذيب إنما كان باللسان فحسب، لا بالقلب، فقد علموا في قرارة أنفسهم أنها حق من عند الله، قال تعالى:
﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وعلوا:
وقرئ:
وعليا، بقلب الواو ياء وكسر العين واللام، وهى قراءة عبد الله، وابن وثاب، والأعمش، وطلحة.

مدارسة الآية : [15] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ..

التفسير :

[15] ولقد آتينا داود وسليمان علماً فعملا به، وقالا:الحمد لله الذي فضَّلنا بهذا على كثير من عباده المؤمنين. وفي الآية دليل على شرف العلم، وارتفاع أهله.

يذكر في هذا القرآن وينوه بمنته على داود وسليمان ابنه بالعلم الواسع الكثير بدليل التنكير كما قال تعالى: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًاالآية.

( وَقَالا ) شاكرين لربهما منته الكبرى بتعليمهما:( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) فحمدا الله على جعلهما من المؤمنين أهل السعادة وأنهما كانا من خواصهم.

ولا شك أن المؤمنين أربع درجات:الصالحون، ثم فوقهم الشهداء، ثم فوقهم الصديقون ثم فوقهم الأنبياء، وداود وسليمان من خواص الرسل وإن كانوا دون درجة أولي العزم [الخمسة]، لكنهم من جملة الرسل الفضلاء الكرام الذين نوه الله بذكرهم ومدحهم في كتابه مدحا عظيما فحمدوا الله على بلوغ هذه المنزلة، وهذا عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية وأن يرى جميع النعم من ربه، فلا يفخر بها ولا يعجب بها بل يرى أنها تستحق عليه شكرا كثيرا، فلما مدحهما مشتركين خص سليمان بما خصه به لكون الله أعطاه ملكا عظيما وصار له من الماجريات ما لم يكن لأبيه صلى الله عليهما وسلم فقال:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) .

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً كلام مستأنف مسوق لتقرير قوله- تعالى-: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إذ القرآن الكريم هو الذي قص الله- تعالى- فيه أخبار السابقين، بالصدق والحق.

وداود هو ابن يسى، من سبط يهوذا من بنى إسرائيل، وكانت ولادته في بيت لحم سنة 1085 ق. م- تقريبا-، وهو الذي قتل جالوت، كما قال- تعالى-: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ ... . وكانت وفاته سنة 1000 ق م تقريبا.

وسليمان هو ابن داود- عليهما السلام- ولد بأورشليم حوالى سنة 1043 ق م وتوفى سنة 975 ق م.

وقد جاء ذكرهما في سورتي الأنبياء وسبأ وغيرهما.

ويعتبر عهدهما أزهى عهود بنى إسرائيل، فقد أعطاهما الله- تعالى- نعما جليلة.

والمعنى: والله لقد أعطينا داود وابنه سليمان علما واسعا من عندنا، ومنحناهما بفضلنا وإحساننا معرفة غزيرة بعلوم الدين والدنيا.

أما داود فقد أعطاه- سبحانه- علم الزبور، فكان يقرؤه بصوت جميل، كما علمه صناعة الدروع.. قال- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا، يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ .

وأما سليمان فقد آتاه- سبحانه- ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمه منطق الطير، ورزق الحكم السديد بين الناس. قال- تعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً .

وقوله- سبحانه- وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بيان لموقفهما من نعم الله- تعالى- عليهما، وهو موقف يدل على حسن شكرهما لخالقهما.

والواو في قوله وَقالا للعطف على محذوف، أى: آتيناهما علما غزيرا فعملا بمقتضاه وشكرا الله عليه، وقالا: الحمد لله الذي فضلنا بسبب ما آتانا من علم ونعم، على كثير من عباده المؤمنين، الذين لم ينالوا ما نلنا من خيره وبره- سبحانه-.

قال صاحب الكشاف: «وفي الآية دليل على شرف العلم، وإنافة محله. وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم، وأجزل القسم، وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا على كثير من عباد الله..» .

وفي التعبير بقوله- تعالى- فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ ... دلالة على حسن أدبهما، وتواضعهما، حيث لم يقولا فضلنا على جميع عباده.

يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان ، عليهما من الله السلام ، من النعم الجزيلة ، والمواهب الجليلة ، والصفات الجميلة ، وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة ، والملك والتمكين التام في الدنيا ، والنبوة والرسالة في الدين ; ولهذا قال : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) .

قال ابن أبي حاتم : ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام : أخبرني أبي ، عن جدي قال : كتب عمر بن عبد العزيز : إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها ، إلا كان حمده أفضل من نعمته ، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ; قال الله تعالى : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) ، وأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان ، عليهما السلام ؟

يقول تعالى ذكره: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ) وذلك علم كلام الطير والدواب, وغير ذلك مما خصهم الله بعلمه.(وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول جلّ ثناؤه: وقال داود وسليمان: الحمد لله الذي فضلنا بما خصنا به من العلم الذي آتاناه ، دون سائر خلقه من بني آدم في زماننا هذا على كثير من عباده المؤمنين به في دهرنا هذا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾ الله تعالى آتى داود وسليمان من نعم الدنيا والآخرة ما لا ينحصر، ولم يذكر من ذلك -في صدر الآية- إلا العلم؛ ليبين أنه الأصل في النعم كلها.
عمل
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾ أنعم الله على داوود وسليمان عليهما السلام بنعم عظيمة، وصدرها بذكر العلم وذلك دلالة على فضله؛ فـتعلم.
وقفة
[15] العلم: هو صفة أصيلة ملازمة للقائد والقدوة والمربي الناجح، قال سبحانه عن النبي القدوة موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [القصص: 14]، وقال سبحانه عن القائدَين المَلِكَين النبيين داود وسليمان عليهما السلام: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾.
وقفة
[15] ﴿وَلَقَد آتَينا داوودَ وَسُلَيمانَ عِلمًا﴾ تحصيلك للعلم ليس بذكائك، ولا بمصروفات يدفعها الوالد لك، ولا بأستاذ ماهر يشرح لك، إنما فقط هو علم يرزقك الله إياه، فقط يسبب بك الأسباب فلا تنس.
وقفة
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ لما ذكر أعظم فضل عليهم؛ بين أعظم شكر منهم، وهو قولهم: «الحمد لله».
وقفة
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ إذا ازددت علمًا، فازدد لله شكرًا وثناء، ولا تتضاعف النعم ويبارك الله فيها إلا بالشكر.
وقفة
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ أوسع عطاء هو العلم، فالمال قوت الدنيا فقط، لكن العلم هو قوت الدنيا والآخرة.
وقفة
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّه﴾ أول آثار العلم: حمد الله والثناء عليه.
عمل
[15] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّه﴾ كن دائم الحمد على ما بك من نعم.
وقفة
[15] ﴿وَلَقَد آتَينا داوودَ وَسُلَيمانَ عِلمًا وَقالَا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي فَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِن عِبادِهِ المُؤمِنينَ﴾ العلم يستحق الحمد.
عمل
[15] من أعظم ما يؤتيك الله ويفضلك به: العلم؛ فاحمد الله كثيرًا ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
عمل
[15] تذكر ثلاث نعم اختصك الله بها، ثم اشكر الله تعالى عليها اقتداء بالأنبياء ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[15] لا شيء يعدل قيمة العلم، وهو أولى ركائز التطور والتقدم الحضاري ﴿ولقد ءاتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين﴾.
وقفة
[15] ﴿عِلْمًا﴾ ذكر العلم ولم يذكر الملك؛ لأن العلم أفضل من الملك، والمرء يعيش بلا ملك، لكنه لا يعيش بلا علم في دينه ودنياه.
وقفة
[15] سورة النمل سورة العلم والشكر؛ تأمل حال داوود وسليمان: ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا﴾، ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ [19]، ﴿قَالَ هَٰذَا مِن فَضلِ رَبِّي﴾ [40].
وقفة
[15] ﴿وَقالَا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي فَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِن عِبادِهِ المُؤمِنينَ﴾ الأفضلية الحقة إنما هى بالعلم، وليست بجاه ولا سلطان ولا حسب ولا نسب.
وقفة
[15] ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهذا عنوان سعادة العبد: أن يكون شاكرًا لله على نعمه الدينية والدنيوية، وأن يرى جميع النعم من ربه؛ فلا يفخر بها، ولا يعجب بها، بل يرى أنها تستحق عليه شكرًا كثيرًا.
وقفة
[15] ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ شكر النعم أدب الأنبياء والصالحين مع ربهم.
عمل
[15] داود وسليمان قالا: ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، تلمس فضلك واحمد ربك.
عمل
[15] لا بد أن يكون لديك نعمة فضلك الله فيها على كثير من الناس؛ فاحمد الله عليها ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[15] ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ ما أجملها من كلمة حين تسمعها بأصوات المرضى الخافتة! وعلى شفاه النفوس المتعبة، يقولون: «يا رب لك الحمد» في غمرات الألم.
عمل
[15] فيا من أنعم الله عليه بسلوك سبيل العلم، لا زلت تفضل بعلمك أقوامًا، فاشكر الله على ذلك، وقل كما قالا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنا:
  • الواو استئنافية. اللام لام الابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. آتي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ داوُدَ:
  • مفعول به اول منصوب وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف-التنوين-لانه اسم أعجمي. على وزن فاعول لا تلحقه الالف واللام.
  • ﴿ وَسُلَيْمانَ:
  • معطوفة بالواو على داوُدَ» وتعرب اعرابها. وسبب منع الكلمة من الصرف انتهاؤها بألف ولام زائدتين.
  • ﴿ عِلْماً:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وقد نكرت الكلمة بسبب التفخيم. بمعنى علما وأي علم. اي عظم العلم الذي أوتيه داود وسليمان.
  • ﴿ وَقالا:
  • الواو عاطفة. قالا: فعل ماض مبني على الفتح والالف ضمير متصل-ضمير الغائبين-ضمير الاثنين مبني على السكون في محل رفع فاعل. والجملة معطوفة على مضمر بمعنى «فعملا به» وقالا. وقد اضمرت فاء السببية بالفعل المضمر واستعيض عنها بالواو. اي فعملا به اي بالعلم وعلماه وقالا.
  • ﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به-مقول القول-.الحمد: مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ الَّذِي:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة-نعت-للفظ‍ الجلالة. والجملة بعده صلته لا محل لها.
  • ﴿ فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على لفظ‍ الجلالة. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. على كثير: جار ومجرور متعلق بفضلنا.
  • ﴿ مِنْ عِبادِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من كَثِيرٍ» والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ الْمُؤْمِنِينَ:
  • صفة-نعت-للعباد مجرورة مثلها وعلامة جرها الياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

النمل: 15﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا
سبإ: 10﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ سليمانَ عليه السلام، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا ..

التفسير :

[16] وورث سليمان أباه داود في النبوة والعلم والملك، وقال سليمان لقومه:يا أيها الناس عُلِّمنا وفُهِّمْنا كلام الطير، وأُعطِينا مِن كل شيء تدعو إليه الحاجة، إن هذا الذي أعطانا الله تعالى إياه لهو الفضل الواضح الذي يُمَيِّزنا على مَن سوانا.

أي:ورث علمه ونبوته فانضم علم أبيه إلى علمه، فلعله تعلم من أبيه ما عنده من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه كما تقدم من قوله ففهمناها سليمان، وقال شكرا لله وتبجحا بإحسانه وتحدثا بنعمته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِفكان عليه الصلاة [والسلام] يفقه ما تقول وتتكلم به كما راجع الهدهد وراجعه، وكما فهم قول النملة للنمل كما يأتي وهذا لم يكن لأحد غير سليمان عليه الصلاة والسلام.

وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍأي:أعطانا الله من النعم ومن أسباب الملك ومن السلطنة والقهر ما لم يؤته أحدا من الآدميين، ولهذا دعا ربه فقال: وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فسخر الله له الشياطين يعملون له كل ما شاء من الأعمال التي يعجز عنها غيرهم، وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر.

إِنَّ هَذَاالذي أعطانا الله وفضلنا واختصنا بهلَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُالواضح الجلي فاعترف أكمل اعتراف بنعمة الله تعالى.

والمراد بالوراثة في قوله- تعالى-: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ... وراثة العلم والنبوة والملك. أى: وورث سليمان داود في نبوته وعلمه وملكه.

قال ابن كثير: «وقوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ. أى: في الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك، لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود.. ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، أخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» .

ثم حكى- سبحانه- ما قاله سليمان على سبيل التحدث بنعم الله عليه، فقال- تعالى-: وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ...

أى: وقال سليمان- عليه السلام- على سبيل الشكر لله- تعالى-: يا أيها الناس:

علمنا الله- تعالى- بفضله وإحسانه فهم ما يريده كل طائر إذا صوت أو صاح، وأعطانا- سبحانه- من كل شيء نحتاجه وننتفع به في ديننا أو دنيانا.

وقدم نعمة تعليمه منطق الطير، لأنها نعمة خاصة لا يشاركه فيها غيره، وتعتبر من معجزاته- عليه السلام-.

وقيل: إنه علم منطق جميع الحيوانات. وإنما ذكر الطير لأنه أظهر في النعمة، ولأن الطير كان جندا من جنده، يسير معه لتظليله من الشمس.

قال الآلوسى: «والجملتان- علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء- كالشرح للميراث.

وعن مقاتل: أنه أريد بما أوتيه النبوة والملك وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح.

وعن ابن عباس: هو ما يريده من أمر الدنيا والآخرة» .

وعبر عن نعم الله- تعالى- عليه بنون العظمة فقال أُوتِينا ولم يقل أوتيت،للإشعار بأنه عبد من عباد الله المطاعين، الذين سخر لهم جنودا من الجن والإنس والطير، ليكونوا في خدمته، وليستعملهم في وجوه الخير لا في وجوه الشر، فهو لم يقل ذلك على سبيل التباهي والتعالي، وإنما قاله على سبيل التحدث بنعمة الله.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ يعود إلى ما أعطاه الله- تعالى- إياه من العلم والملك وغيرهما.

أى: إن هذا الذي أعطانا إياه من العلم والملك، وكل شيء تدعو إليه الحاجة، لهو الفضل الواضح، والإحسان الظاهر منه- عز وجل-

وقوله : ( وورث سليمان داود ) أي : في الملك والنبوة ، وليس المراد وراثة المال ; إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود ، فإنه قد كان لداود مائة امرأة . ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة ; فإن الأنبياء لا تورث أموالهم ، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ في قوله ] : نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة .

وقوله : ( يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ) ، أي : أخبر سليمان بنعم الله عليه ، فيما وهبه له من الملك التام ، والتمكين العظيم ، حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير . وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا ، وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر - فيما علمناه - مما أخبر الله به ورسوله . ومن زعم من الجهلة والرعاع أن الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود - كما يتفوه به كثير من الناس - فهو قول بلا علم . ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ; إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ، ويعرف ما تقول ، فليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا ، بل لم تزل البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال . ولكن الله سبحانه وتعالى ، كان قد أفهم سليمان ، عليه السلام ، ما يتخاطب به الطيور في الهواء ، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها ; ولهذا قال : ( علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ) أي : مما يحتاج إليه الملك ، ( إن هذا لهو الفضل المبين ) أي : الظاهر البين لله علينا .

قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كان داود ، عليه السلام ، فيه غيرة شديدة ، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع " . قال : " فخرج ذات يوم وأغلقت الأبواب ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل ، والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود ، فجاء داود ، عليه السلام ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : الذي لا يهاب الملوك ، ولا يمتنع من الحجاب . فقال داود : أنت والله إذا ملك الموت . مرحبا بأمر الله ، فتزمل داود ، عليه السلام ، مكانه حتى قبضت نفسه ، حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان ، عليه السلام ، للطير : أظلي على داود ، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض ، فقال لها سليمان : اقبضي جناحا جناحا " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، كيف فعلت الطير ؟ فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ، وغلبت عليه يومئذ المضرحية .

قال أبو الفرج بن الجوزي : المضرحية النسور الحمر .

يقول تعالى ذكره: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ ) أباه ( دَاودَ ) العلم الذي كان آتاه الله في حياته, والمُلك الذي كان خصه به على سائر قومه, فجعله له بعد أبيه داود دون سائر ولد أبيه (وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) يقول: وقال سليمان لقومه: يا أيها الناس علمنا منطق الطير, يعني فهمنا كلامها; وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بني آدم إذ فهمه عنها.

وقد حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب: (وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) قال: بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس, وخمسة وعشرون للجنّ، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير, وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب; فيها ثلاث مائة صريحة, وسبع مائة سرية, فأمر الريح العاصف فرفعته, وأمر الرخاء فسيرته، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد أردت أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته. وقوله: (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول: وأعطينا ووهب لنا من كلّ شيء من الخيرات (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) يقول: إن هذا الذي أوتينا من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا المبين, يقول: الذي يبين لمن تأمَّله وتدبره أنه فضل أعطيناه على من سوانا من الناس.

التدبر :

وقفة
[16] ﴿وَوَرِثَ سُلَيمانُ داوودَ﴾ الأنبياء لا يورثون دينارًا ولا درهمًا، الإرث الحقيقى هو العلم والحكمة، ولنا فيهم قدوة حسنة، فلنجتهد أن نورث أبناءنا علمًا ينفعهم وغيرهم فى الدنيا والآخرة.
وقفة
[16] ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ من أعظم ما يرثه الابن من أبيه: الدين والعلم.
وقفة
[16] ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ أي: في الملك والنبوة، وليس المراد وراثة المال؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإن الأنبياء لا تورث أموالهم.
اسقاط
[16] ﴿وورث سليمان داود﴾ ورث أباه في النبوة، وورثه في أن أقامه مقامه، فأين التوريث الدعوي أيها الدعاة؟!
وقفة
[16] ﴿وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمنا مَنطِقَ الطَّيرِ﴾ سمى صوت الطير منطقًا؛ لحصول الفهم منه.
وقفة
[16] ﴿عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾ لاحظ تواضعه، يقول: «لولا أن الله علمني ما علمت».
وقفة
[16] ﴿عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾ من نعم الله على عبده أن يفهم الآخرين، وأن يقدر على ترجمة ما يريدون قوله، ولو خانتهم ألسنتهم ولغاتهم.
وقفة
[16] علم اللغات والترجمة من العلوم الجليلة ولذا قال سليمان: ﴿علمنا منطق الطير﴾.
وقفة
[16] ﴿وَأوتِينَا مِنْ كلِّ شَيْءٍ﴾ النُّونُ نونُ الجمعِ، عنى سليمانُ نفسَه وأباه، أو نونُ العظمة، مراعاةَ لسياسة المُلْك، لأنه كان ملكًا مع كونه نبيًا، فإِن قلتَ: كيف سوَّى بينه في قوله (من كل شيء) وبين بلقيس في قول الهُدْهد: ﴿وأوتيتْ مِنْ كُلَ شي﴾ [23]؟ قلتُ: الفرقُ بينهما أنها أوتيتْ من كلِّ شىء من أسباب الدنيا فقط، لعطف ذلك على ﴿تمْلِكُهم﴾ [23]، وسْليمان أوتي من كل شيءٍ من أسباب الدين والدنيا، لعطف ذلك على المعجزة وهي ﴿منطق الطير﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ:
  • الواو عاطفة. ورث: فعل ماض مبني على الفتح. سليمان: فاعل مرفوع بالضمة. داود: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والاسمان ممنوعان من الصرف-التنوين-ومفعول وَرِثَ» الثاني محذوف بتقدير: وورثه النبوة والملك دون سائر بنيه التسعة عشر.
  • ﴿ وَقالَ:
  • الواو عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ:
  • يا: اداة نداء. اي: اسم منادى بأداة النداء مبني على الضم في محل نصب. و «ها» زائدة للتنبيه. الناس: بدل من «اي» مرفوع على لفظ‍ «اي» وعلامة رفعه الضمة.
  • ﴿ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل. وجاء ضمير المتكلم على صيغة الجمع لانه اراد نفسه وأباه. منطق:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. الطير: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ:
  • معطوفة بالواو على عُلِّمْنا» وتعرب اعرابها بمعنى: ومنحنا. من كل: جار ومجرور في مقام المفعول. شيء: مضاف اليه مجرور بالكسرة بمعنى: كثرة ما أوتي اي ومنحنا من جميع النعم نصيبا غزيرا
  • ﴿ إِنَّ هذا:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب اسم ان.
  • ﴿ لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ:
  • اللام: لام التوكيد-المزحلقة-.هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الفضل: خبر «هو» مرفوع بالضمة. المبين:صفة-نعت-للفضل مرفوعة مثلها بالضمة. والجملة الاسمية لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» في محل رفع خبر «ان».'

المتشابهات :

آل عمران: 62﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ
النمل: 16﴿عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
الصافات: 60﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
الصافات: 106﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ
الواقعة: 95﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     وبعد بيان ما أنعمَ اللهُ به على داود وسليمان عليهما السلام؛ ذكرَ اللهُ هنا ما قاله سليمان على سبيل التحدث بنعم الله عليه، قال تعالى:
﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [17] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ ..

التفسير :

[17] وجُمِع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير في مسيرة لهم، فهم على كثرتهم لم يكونوا مهمَلين، بل كان على كل جنس مَن يَرُدُّ أولَهم على آخرهم؛ كي يقفوا جميعاً منتظمين.

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَأي:جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني آدم، ومن الجن والشياطين ومن الطيور فهم يوزعون يدبرون ويرد أولهم على آخرهم، وينظمون غاية التنظيم في سيرهم ونزولهم وحلهم وترحالهم قد استعد لذلك وأعد له عدته.

وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عنه، قال تعالى: هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْأي:أعط بغير حساب، فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره

ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر ملك سليمان- عليه السلام- فتقول:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.

والحشر: الجمع. يقال: حشر القائد جنده إذا جمعهم لأمر من الأمور التي تهمه.

وقوله: يُوزَعُونَ من الوزع بمعنى الكف والمنع. يقال: وزعه عن الظلم وزعا، إذا كفه عنه.

ومنه قول عثمان بن عفان- رضى الله عنه-: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» .

ومنه قول الشاعر:

ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى ... من الناس، إلا وافر العقل كامله

والمعنى: وجمع لسليمان- عليه السلام- عساكره وجنوده من الجن والإنس والطير فَهُمْ يُوزَعُونَ أى: فهم محبوسون ومجموعون بنظام وترتيب، بحيث لا يتجاوز أحدهم مكانه أو منزلته أو وظيفته المسئول عنها.

فالتعبير بقوله يُوزَعُونَ يشعر بأن هؤلاء الجنود مع كثرتهم، لهم من يزعهم عن الفوضى والاضطراب، إذ الوازع في الحرب، هو من يدير أمور الجيش، وينظم صفوفه، ويرد من شذ من أفراده إلى جادة الصواب.

ولقد ذكر بعض المفسرين هنا أقوالا في عدد جيش سليمان، رأينا أن نضرب عنها صفحا، لضعفها ويكفينا أن نعلم أن الله- تعالى- قد سخر لسليمان جندا من الجن والإنس والطير، إلا أن عدد هؤلاء الجنود مرد علمه إلى الله- تعالى- وحده، وإن كان التعبير القرآنى يشعر بأن هؤلاء الجند المجموعين، يمثلون موكبا عظيما، وحشدا كبيرا.

وقوله تعالى : ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ) أي : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني : ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس ، وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم [ يكونون ] في المنزلة ، والطير ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان حر أظلته منه بأجنحتها .

وقوله : ( فهم يوزعون ) أي : يكف أولهم على آخرهم ; لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له .

قال مجاهد : جعل على كل صنف وزعة ، يردون أولاها على أخراها ، لئلا يتقدموا في المسير ، كما يفعل الملوك اليوم .

يقول تعالى ذكره: وجمع لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطير في مسير لهم، فهم يوزعون.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم يحبس أوّلهم على آخرهم حتى يجتمعوا.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قال: جعل على كل صنف من يرد أولاها على أُخراها لئلا يتقدموا في المسير، كما تصنع الملوك.

حدثنا القاسم, قال: ثنا أبو سفيان عن معمر, عن قَتادة في قوله: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) قال: يردّ أوّلهم على آخرهم.

وقال آخرون: معنى ذلك فهم يساقون.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) قال: يوزعون: يُساقون.

وقال آخرون: بل معناه: فهم يتقدمون.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان عن معمر, قال: قال الحسن: (يُوزَعُونَ ) يتقدمون.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: يردّ أوّلهم على آخرهم; وذلك أن الوازع في كلام العرب هو الكافّ, يقال منه: وزع فلان فلانا عن الظلم: إذا كفَّه عنه, كما قال الشاعر:

أَلَــمْ يَــزَعِ الهَـوَى إذْ لَـمْ يُـؤَاتِ

بَـلى وَسَـلَوْت عَـنْ ضَلَـب الفَتـاة (1)

وقال آخر:

عَـلى حِينَ عاتَبْتُ الْمَشيبَ عَلى الصّبا

وقُلْــتُ ألَمَّـا أصْـحُ والشَّـيْبُ وَازع (2)

وإنما قيل للذين يدفعون الناس عن الولاة والأمراء: وزعة: لكفهم إياهم عنه.

------------------------

الهوامش :

(1) الوزع: كف النفس عن هواها. وزعه وبه يزع (بفتح الزاي وكسرها) وزعًا كفه، ويؤات يوافق. قال في اللسان: واتاه على الأمر: طاوعه. والمؤاتاة: حسن المطاوعة وآتيته على ذلك الأمر مؤاتاه: إذا وافقته وطاوعته. والعامة تقول: واتَيْتُهُ. ولا تقل. واتَيْتُهُ. إلا في لغة لأهل اليمن ومثله آسيت، وآكلت، وآمرت وإنما جعلوها واوًا على تخفيف الهمزة

(2) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يعتذر بها إلى النعمان بن المنذر (مختار الشعر لجاهلي شرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي 156 وما بعدها) قال صحا: أفاق والوازع الكاف الزاجر عن اللهو والصبا الصبوة، والميل إلى التشبه بأعمال الصبيان من الطيش واللهو

التدبر :

وقفة
[17] ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾، ﴿وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد﴾ [20] العظماء لا تُشغلهم الجموع العظيمة عن تفقّد أفرادهم، هكذا هم القادة، مهما عظمت وعلت مكانتهم يتفقدون من معهم، ويهتمون بهم، دون النظر لحجم أعمالهم أو أعمارهم.
وقفة
[17] ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾ الحشر: هو الإتيان من أمكنة بعيدة.
وقفة
[17] ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيمانَ جُنودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيرِ فَهُم يوزَعونَ﴾ كلمة (وَحُشِرَ) توحى بالكثرة العظيمة، ولكنها فى نفس الوقت تعد كثرة منضبطة ملتزمة بالأوامر لا تحيد عنها، ورغم اختلاف الأنواع فهى ملتزمة بالأوامر والنواهى (فَهُمْ يُوزَعُونَ).
وقفة
[17] ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ (فهم يوزعون): أي فهم يكفون ويمنعون عن التقدم بين يديه، قال ابن عباس: «جعل على كل صنف من يرد أولاها على أخراها؛ لئلا يتقدموا في المسير كما تصنع الملوك».
وقفة
[17] ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ الحشر هو الإحضار والجمع من الأماكن المختلفة، ولا يكون إلا مع العقل الذي يصح معه التكليف، وقد جعل الله الطير في أيام سليمان مما له عقل وليس هذا حال الطيور في أيامنا، وإن كان فيها ما ألهمه الله بعض الأعمال التي تحصل بها منافع العباد مثل النحل.
وقفة
[17] ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ (يوزعون): يمنعون، وكيف يمنعون وهم محشورون؟ المنع للتوازن بين الرعية، فلا يذهب الأول لسليمان ويدخل عليه، قبل أن يأتي الأخير، فيكونون سواسية في الدخول على سليمان عليه السلام.

الإعراب :

  • ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ:
  • الواو عاطفة. حشر: اي حشد: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. لسليمان: جار ومجرور متعلق بحشر وجر الاسم باللام وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف. جنوده: نائب فاعل مرفوع بالضمة. والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من جُنُودُهُ».والاسمان بعده معطوفان بواوي العطف على الْجِنِّ» وتعربان اعرابه
  • ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ:
  • الفاء استئنافية. هم: ضمير الغائبين-ضمير منفصل-في محل رفع مبتدأ. يوزعون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة الفعلية يُوزَعُونَ» في محل رفع خبر «هم» بمعنى فهم يتلاحقون اي يحبسون. يقال: وزعت الجيش: اذا حبست اولهم على آخرهم.'

المتشابهات :

النمل: 17﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
النمل: 83﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ
فصلت: 19﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّـهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد ذكر ما قاله سليمان على سبيل التحدث بنعم الله عليه؛ ذكرَ اللهُ بعض مظاهر ملك سليمان عليه السلام، قال تعالى:
﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي ..

التفسير :

[18] حتى إذا بلغوا وادي النمل قالت نملة:يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يهلكنَّكم سليمان وجنوده، وهم لا يعلمون بذلك

حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌمنبهة لرفقتها وبني جنسها: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَفنصحت هذه النملة وأسمعت النمل إما بنفسها ويكون الله قد أعطى النمل أسماعا خارقة للعادة، لأن التنبيه للنمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من أعجب العجائب. وإما بأنها أخبرت من حولها من النمل ثم سرى الخبر من بعضهن لبعض حتى بلغ الجميع وأمرتهن بالحذر، والطريق في ذلك وهو دخول مساكنهن.

وعرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه، واعتذرت عنهم أنهم إن حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور، فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه.

ثم حكى- سبحانه- ما قاتله نملة عند ما رأت هذا الجيش العظيم المنظم، فقال- تعالى-: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ، قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

وحَتَّى هنا ابتدائية. أى: يبتدأ بها الكلام، وقوله قالَتْ نَمْلَةٌ جواب إذا.

وقوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ من الحطم، وأصله: كسر الشيء.. يقال: حطم فلان الشيء إذا كسره، والمراد به هنا: الإهلاك والقتل.

والمعنى: وحشر لسليمان جنوده، فسار هؤلاء الجنود في قوة ونظام، حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ أى: على مكان يعيش فيه النمل في مملكة سليمان قالَتْ نَمْلَةٌ على سبيل النصح والتحذير بعد أن رأت سليمان وجنوده: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ أى:

ادخلوا أماكن سكناكم، وابتعدوا عن طريق هذا الجيش الكبير، وانجوا بأنفسكم، كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون بكم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم عدى أَتَوْا بعلى؟ قلت: يتوجه على معنين:

أحدهما: أن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء ... والثاني: أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره..

فإن قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ ما هو؟ قلت: يحتمل أن يكون جوابا للأمر، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر. والذي جوز أن يكون بدلا منه: أنه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم، على طريقة: لا أرينك هاهنا» .

أى: لا تحضر ها هنا بحيث أراك.

وقوله : ( حتى إذا أتوا على وادي النمل ) أي : حتى إذا مر سليمان ، عليه السلام ، بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ، ( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) .

أورد ابن عساكر ، من طريق إسحاق بن بشر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن اسم هذه النملة حرس ، وأنها من قبيلة يقال لهم : بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذيب .

أي : خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها ، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنها ففهم ذلك سليمان ، عليه السلام ، منها .

يعني تعالى ذكره بقوله: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ) حتى إذا أتى سليمان وجنوده على وادي النمل (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ) يقول: لا يكسرنكم ويقتلنكم سليمان وجنوده (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: وهم لا يعلمون أنهم يحطمونكم.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى, قالا ثنا سفيان, عن الأعمش, عن رجل يقال له الحكم, عن عوف في قوله: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ) قال: كان نمل سليمان بن داود مثل الذباب.

التدبر :

وقفة
[18] ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ عظمة العدل حيث يتم الإنصات للكائنات الهامشية المسحوقة تحت الأقدام.
لمسة
[18] ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ نملة هنا نكرة، لم يقل (النملة)، فهي نملة نكرة حملت هم أمة فأنقذتها، أليس الخطر الذي يهدد أمتنا أعظم من الخطر الذي هدد نمل سليمان؟ كم منا من يحس بإحساس النملة، ويسعى منقذًا لأمته؟
وقفة
[18] ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ﴾ قد لا تكون معروفًا، ولكن نفعك يتجاوز الآفاق.
عمل
[18] ﴿قالَت نَملَةٌ﴾ لا تحتقر كائنًا من كان؛ فقد يجرى الله على لسانه الخير لك، أو ترى منه ما يفيدك.
عمل
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ لا تحتقر نصحًا أو توجيهًا؛ فلربما نجا به غيرك.
اسقاط
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ هي: نادت ونبَّهت وعيّنت ونصَّت وحذَّرت وخصَّت وعمَّت وعذرت؛ وأنت ماذا فعلت؟!
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ يا لنباهتها! أفلا نتعلمُ من نملة؟ لمَّا أدركتِ الخطر؛ أخذت بالأسباب، وحذرت قومها.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ النملة تعرف مصلحتها، وتحتاط لنفسها، وتأخذ بالأسباب، وتنبه قومها، ادخلوا مساكنكم يا عباد الله.
لمسة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ جمعت النملة في هذه الجملة 11 نوعًا من فنون الكلام: نادت، وكنت، ونبهت، وسمت، وأمرت، وقصت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وعذرت، وهي: النداء: (يَا)، والكناية: (أَيُّ)، والتنبيه: (هَا)، والتسمية: (النَّمْلُ)، والأمر: (ادْخُلُوا)، والقصص: (مَسَاكِنَكُمْ)، والتحذير: (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ)، والتخصيص: (سُلَيْمَانُ)، والتعميم: (وَجُنُودُهُ)، والإشارة: (وَهُمْ)، والعذر: (لَا يَشْعُرُونَ).
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ذكرتْ اسمه فقط فتبسَّم ولم يغضب؛ الكبار لا تهمهم الألقاب والأوصاف.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ حذَّرت أُمَّتها بحسن ظن بالآخرين؛ فأوجدت العُذر لهم.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ عيبنا نحن البشر عندما نمتلك فكر أو رأي فنادرًا ما نجهر به بثقة، نملة جهرت بفكرها!
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أمة النمل أنجزت مشروع الإسكان لكل مواطنيها، مرحى لك يا نملة.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ نملة تُحذِّر مِن خطأ قد يقع، ولم تنس الاعتذار للمجاهدين (وهم لا يشعرون).
وقفة
[18] ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ولي الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء، وظهرت آثاره فيها، حتى كأنه معلوم عند ما لا إدراك له، فتسير أمور جميع الأمة على عدل.
وقفة
[18] ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ علمتنى نملة: فرد تحمل المسئولية، تقديم الحل، حسن الظن.
عمل
[18] تأمل حياة النمل، أو استمع إلى برنامج علمي عن حياتها، ثم اكتب ثلاث فوائد من تلك المشاهدة ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
وقفة
[18] ﴿قالَت نَملَةٌ يا أَيُّهَا النَّملُ ادخُلوا مَساكِنَكُم لا يَحطِمَنَّكُم سُلَيمانُ وَجُنودُهُ وَهُم لا يَشعُرونَ﴾ استشعار الخطر والإتيان برد فعل سريع لدرء هذا الخطر يحتاج فطرة نقية لم تتلوث.
وقفة
[18] ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ ربما فرد من المجتمع يكون سببًا في نجاة أُمة.
وقفة
[18] ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ أدت النملة خمسة حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق نبيها، ورعيته.
وقفة
[18] ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾ كن كالنملة ناصحًا مشفقًا محبًّا الخير لغيرك، تطلب العذر للصالحين.
وقفة
[18] الشعور بالمسؤولية الدعوية خُلق إيجابي نتعلمه من النمل ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده﴾.
وقفة
[18] في الأزمات: عندما أحسَّت نملة بالخطر على أهل قريتها قالت: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾‏، ألا نستطيع أن نأخذ العبرة‏ من قصص القرآن الكريم؟!
وقفة
[18] ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ الله يسجل في كتابه مخاوف نملة، مخاوفك أنت الله يعلم بها.
وقفة
[18]‏ ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ وهم لا يشعرون! درسٌ في حسن الظن، المُعلم: نملة.
عمل
[18] ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ لم تنسَ هذه النملة أن تعتذر عن الخطأ قبل وقوعه، ليتنا نتعلم منها حسن الظن.
وقفة
[18] ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ اعتذرت لهم النملة قبل أن يقع الخطأ، ما أجمل أن تجد من يعذرك!
وقفة
[18] ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ اعتذرت النملة للقيادة السليمانية، ولكنها لم تتهم بالتآمر والتواطؤ مع السلطة، إنه شعب النمل الموضوعي العادل.
وقفة
[18] ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ التفاتة مؤمن: من عدل سليمان وفضله وفضل جنده لا يحطمون النملة الواحدة فما فوقها إلا بألا يشعروا.
وقفة
[18] ﴿لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾ حسن ظن والتماس عذر من نملة عجز عنه الكثير من البشر!
اسقاط
[18] ﴿لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون﴾ التمس لأخيك عذرًا؛ درس تعطينا إياه نملة.
وقفة
[18] ﴿لا يَحطِمَنَّكُم سُلَيمانُ وَجُنودُهُ "وَهُم لا يَشعُرونَ"﴾ نفوس الكرام تتسع للعذر، لا تكن أعجز من النملة.
وقفة
[18] ﴿لا يَحطِمنَّكم سُليمانُ وجُنودهُ وهم لا يشعرون﴾ نملة تهدي درسًا فى أدب التماس العذر يغني عن ألف محاضرة.
تفاعل
[18] ﴿لا يَحطِمنَّكم سُليمانُ وجُنودهُ وهم لا يشعرون﴾ قل الآن: «اللهم ارزقنا الظن الحسن وسلامة الصدر».
لمسة
[18] من بلاغة القرآن: ما فيه من أسلوب الاحتراس إذا خشي أن يفهم من الآية خلاف المقصود، ولذلك أمثلة، منها: ما حكاه الله عن النملة: ﴿لا يَحطِمنَّكم سُليمانُ وجُنودهُ وهم لا يشعرون﴾، فقوله: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ احتراس يبين أن من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده أنهم لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا.
وقفة
[18] ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ نملةٌ تقدم درسًا في التماسِ العذرِ وإحسانِ الظَّنَّ بالآخَرين.
وقفة
[18] ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ الاعتذار عن أهل الصلاح بظهر الغيب.
وقفة
[18، 19] ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان﴾، ﴿فتبسَّم ضاحكا﴾ قالت: (سليمان) فتبسَّـم ولم يغضب، العظماء لا تهمهم الأوصاف واللقب.
وقفة
[18، 19] ﴿لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها﴾ أصابه سرور جعله يتبسم ضاحكًا من حسن ظن هذه النملة التي اعتذرت عنهم أنهم وإن حطموكم فليس عن قصد منهم، لقد فاقت بآخلاقها كثير من البشر، فأستحقت أن تسمى (سورة النمل) باسمها.
وقفة
[18، 19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ تبسم سليمان عليه السلام مُتعجبًا من أدب نملة في الاعتذار له ولجنوده حين قالت: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ حَتّى إِذا:
  • حتى: حرف غاية للابتداء. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون متضمن معنى الشرط‍ خافض لشرطه متعلق بجوابه.
  • ﴿ أَتَوْا:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف. وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ عَلى وادِ النَّمْلِ:
  • جار ومجرور متعلق بأتوا وحذفت الياء من وادِ» خطا واختصارا ولالتقاء الساكنين. وقد عدي أَتَوْا» بعلى. لان معنى حرف الجر عَلى» هنا الاستعلاء لان مرورهم كان من فوق فجيء بحرف الاستعلاء او هو على معنى اتينا على الشيء: بمعنى: بلغنا آخره. اي المقصود قطع الوادي وبلوغ آخره. النمل: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ قالَتْ نَمْلَةٌ:
  • الجملة الفعلية جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.قالت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها.نملة: فاعل مرفوع بالضمة
  • ﴿ يا أَيُّهَا النَّمْلُ:
  • يا: اداة نداء. اي: اسم منادى مبني على الضم في محل نصب. و «ها» للتنبيه. النمل: بدل من «أي» مرفوع مثله على اللفظ‍ وعلامة رفعه: الضمة.
  • ﴿ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.مساكنكم: اي بيوتكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. والجملة الفعلية اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ» في محل نصب مفعول به -مقول القول-وقد جاء الضمير المخاطب بصيغة خطاب العقلاء لأن النملة صيغة القائلة. و النَّمْلِ» صيغة المقول لهم كما يخاطب العقلاء جعلت مجرى خطاب اولي العقل. لان قائل القول والمقول له يتم بين العقلاء.
  • ﴿ لا يَحْطِمَنَّكُمْ:
  • بمعنى: لا يهلكنكم: لا: واقعة في جواب الطلب-الامر-.يحطمنكم: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. او تكون لا» ناهية بدلا من الامر بمعنى: لا تكونوا حيث انتم فيحطمكم. ويكون الفعل المضارع في محل جزم بلا الناهية
  • ﴿ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. ولم ينون لانه ممنوع من لصرف-التنوين-وجنوده: معطوفة بالواو على سُلَيْمانُ» مرفوعة بالضمة والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة. والمعنى: جنود سليمان. ولكن جيء بما هو ابلغ. ونحوه: عجبت من نفسي ومن اشفاقها.
  • ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال. هم: ضمير منفصل-ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. لا:نافية لا عمل لها. يشعرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا يَشْعُرُونَ» في محل رفع خبر هُمْ» بمعنى: وهم لا يشعرون بكم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد ذكرِ جنود سليمان؛ ذكر اللهُ هنا ما قالته نملةٌ عندما رأت هذا الجيس العظيم المنظم، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

النمل:
وقرئ:
1- بضم الميم، كالرجل والرجل، وهى قراءة الحسن، وطلحة، ومعتمر بن سليمان التيمي، وسليمان التيمي.
2- بضم النون والميم، ورويت عن سليمان التيمي أيضا.
نملة:
وقرئ:
1- بضم الميم، كسمرة، وهى قراءة الحسن، وطلحة، ومعتمر بن سليمان، وسليمان التيمي.
2- بضم النون والميم، ورويت عن سليمان التيمي أيضا.
ادخلوا مساكنكم:
وقرئ:
1- ادخلوا مسكنكم، على الإفراد، وهى قراءة شهر بن حوشب.
2- ادخلن مساكنكن، وهى قراءة أبى.
لا يحطمنكم:
وقرئ:
1- مخففة النون، التي قبل الكاف.
2- بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون، مضارع «حطم» مشددا، وهى قراءة الحسن، وأبى رجاء، وقتادة، وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي.

مدارسة الآية : [19] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ ..

التفسير :

[19]فتبسم ضاحكاً مِن قول هذه النملة لفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل، واستشعر نعمة الله عليه، فتوجَّه إليه داعياً:ربِّ ألْهِمْني، ووفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ، وأن أعمل عملاً صالحاً ترضاه مني، وأدخلني برحمتك في نعيم جنتك مع عبادك

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَاإعجابا منه بفصاحتهاونصحها وحسن تعبيرها. وهذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأدب الكامل، والتعجب في موضعه وأن لا يبلغ بهم الضحك إلا إلى التبسم، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم، فإن القهقهة تدل على خفة العقل وسوء الأدب. وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه، يدل على شراسة الخلق والجبروت. والرسل منزهون عن ذلك.

وقال شاكرا لله الذي أوصله إلى هذه الحال: رَبِّ أَوْزِعْنِيأي:ألهمني ووفقنيأَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّفإن النعمة على الوالدين نعمة على الولد. فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى والديه،وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُأي:ووفقني أن أعمل صالحا ترضاه لكونه موافقا لأمرك مخلصا فيه سالما من المفسدات والمنقصات،وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَالتي منها الجنةفِيجملةعِبَادِكَ الصَّالِحِينَفإن الرحمة مجعولة للصالحين على اختلاف درجاتهم ومنازلهم.

فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان عند سماعه خطاب النملة ونداءها.

ثم بين- سبحانه- ما فعله سليمان بعد أن أدرك ما قالته النملة لأفراد جنسها، فقال- تعالى-: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها أى: فسمع قولها السابق فاهتزت نفسه، وتبسم ضاحكا من قولها، لفطنتها إلى تحذير أبناء جنسها، ولسروره بما قالته عنه وعن جيشه، حيث وصفتهم بأنهم لا يقدمون على إهلاك النمل، إلا بسبب عدم شعورهم بهم.

وقوله ضاحِكاً حال مؤكدة لأنه قد فهم الضحك من التبسم. وقيل: هو حال مقدرة لأن التبسم أول الضحك.

ثم حكى- سبحانه- ما نطق به سليمان بعد ذلك فقال: وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ....

أى: وقال سليمان: يا رب ألهمنى المداومة على شكرك والامتناع عن جحود نعمك، والكف عن كل ما يؤدى إلى كفران مننك التي أفضتها على وعلى والدي.

ووفقني كذلك لأن أَعْمَلَ عملا صالِحاً تَرْضاهُ عنى وتقبله منى وَأَدْخِلْنِي يا إلهى بِرَحْمَتِكَ وإحسانك فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ الذين رضيت عنهم ورضوا عنك.

وهكذا جمع سليمان- عليه السلام- في هذا الدعاء البليغ المؤثر، أسمى ألوان الخشية من الله- تعالى- والشكر له- سبحانه- على نعمه، والرجاء في رضاه وعطائه الجزيل.

ثم تحكى السورة الكريمة بعد ذلك ما دار بين سليمان- عليه السلام- وبين جندي من جنود مملكته وهو الهدهد، فقال- تعالى-:

( فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ) أي : ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي ، من تعليمي منطق الطير والحيوان ، وعلى والدي بالإسلام لك ، والإيمان بك ، ( وأن أعمل صالحا ترضاه ) أي : عملا تحبه وترضاه ، ( وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) أي : إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك ، والرفيق الأعلى من أوليائك .

ومن قال من المفسرين : إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره ، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب ، أو غير ذلك من الأقاويل ، فلا حاصل لها .

وعن نوف البكالي أنه قال : كان نمل سليمان أمثال الذئاب . هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من تحت . وإنما هو بالباء الموحدة ، وذلك تصحيف ، والله أعلم .

والغرض أن سليمان ، عليه السلام ، فهم قولها ، وتبسم ضاحكا من ذلك ، وهذا أمر عظيم جدا .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا مسعر ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي قال : خرج سليمان عليه السلام يستسقي ، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها ، رافعة قوائمها إلى السماء ، وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ، ولا غنى بنا عن سقياك ، وإلا تسقنا تهلكنا . فقال سليمان عليه السلام : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم .

وقد ثبت في الصحيح - عند مسلم - من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ قال ] قرصت نبيا من الأنبياء نملة ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه ، أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ؟ فهلا نملة واحدة ! " .

يقول تعالى ذكره: فتبسم سليمان ضاحكا من قول النملة التي قالت ما قالت, وقال: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ) يعني بقوله (أَوْزِعْنِي ) ألهمني.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس في قوله: (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) يقول: اجعلني.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ) قال: في كلام العرب, تقول: أوزع فلان بفلان, يقول: حرض عليه. وقال ابن زيد: ( أوْزِعْني ) ألهمني وحرّضني على أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ.

وقوله: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ) يقول: وأوزعني أن أعمل بطاعتك وما ترضاه (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) يقول: وأدخلني برحمتك مع عبادك الصالحين, الذين اخترتهم لرسالتك وانتخبتهم لوحيك, يقول: أدخلني من الجنة مداخلهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) قال: مع عبادك الصالحين الأنبياء والمؤمنين.

التدبر :

وقفة
[19] ﴿فتبسم ضاحكا﴾ أيها المسؤول: تبسمك مع الناس؛ لن يسقط هيبتك.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ إعجابًا منه بفصاحتها ونصحها وحسن تعبيرها، وهذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الأدب الكامل، والتعجب في موضعه، وأن لا يبلغ بهم الضحك إلا إلى التبسم، كما كان الرسول ﷺ، جُلُّ ضحكه التبسم، فإن القهقهة تدل على خفة العقل وسوء الأدب، وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه، يدل على شراسة الخلق والجبروت، والرسل منزهون عن ذلك.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ بعض الكلام ﻻ تملك إﻻ أن تحييه باﻻبتسامة.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ لما سمع سليمان عليه السلام كلام النملة تبسم ولم يرد، فالكلام الحق ﻻ يقبل الرد.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ قال الزجاج: «أكثر ضحك الأنبياء التبسم».
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ نقل القرآن لنا قول النملة؛ لكن من منا: تبسم.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ سطوة ونفوذ وجيش عرمرم وملك ونعيم، ومع هذا يبتسم لنملة، لم ﻻ نتعلم التواضع؟!
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾، ﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ [21] سلطتك وقوامتك وإدارتك الصارمة لا تعني أن لا يرى الناس ابتسامتك، اجمع بين اللطف والصرامة.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ البسمة حدث جميل يستحق أن يسجله القرآن.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ التبسُّم ضحك أهل الوقار.
عمل
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ لا تجعلْ الابتسامةَ تُفارِقك مهما أوجعتْك الدنيا، فالابتسامة حدث عظيم ذكرها الله في كتابه.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ الكبار لا يأنفون من إعلان الإعجاب بالفائدة، ولو كانت من نملة.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَولِها﴾ أي: تعجبًا من حذرها، واهتدائها إلى تدبير مصالحها، ومصالح بني نوعها، وسرورًا بشهرة حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة، فيما بين أصناف المخلوقات، التي هي أبعدها من إدراك أمثال هذه الأمور، وابتهاجًا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم مرادها.
وقفة
[19] أنصتَ لها، ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾ إنها نملة تُحذر منه فيتبسم؛ هكذا الملك العادل حين يستمع حتى لأصغر الرعية.
عمل
[19] تَبَسَّم في المواضع التي يحسن فيها التبسم، وإياك وجهامة الوجه الدائم ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾.
وقفة
[19] الابتسامة كالجاذبية تجذب الأشياء إليها، وتمهد طريق الدعوة، فهل أيقنت يومًا بأن ابتسامتك لأحدهم هو كسب لقلبه؟! تأمل قوله تعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾.
وقفة
[19] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ من البر أن تشكر الله على النعم التي أنعمها على والديك.
وقفة
[19] ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ نعم الله لا تنتهي: حتي شكر النعمة نعمة تحتاج الي شكر.
عمل
[19] ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ لا تنسيك النعمة شكر المنعم.
وقفة
[19] سورة النمل سورة العلم والشكر؛ تأمل حال داوود وسليمان: ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا﴾ [15]، ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾، ﴿قَالَ هَٰذَا مِن فَضلِ رَبِّي﴾ [40].
وقفة
[19] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ رؤية النعم تحتاج إلى طاقة من الإلهام، رب ألهمنا.
وقفة
[19] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ حين يستغرق الإنسان في استحضار نعمة ربه ويطلع على أسرار منة الله عليه يرى عجزه عن شكر ربه فيلهج بهذا الدعاء.
وقفة
[19] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ﴾ إذا أنعم الله بنعمةٍ على أحد والديك فاشكره عليها؛ فإن النعمة على الوالد نعمةٌ على الولد، والحمد والشكر من أسباب دوام النعم.
وقفة
[19] كل نعمة أنعمها ﷲ على والديك فهي نعمة عليك، يجب شكرها، قال سليمان: ﴿رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي﴾.
وقفة
[19] قد يُقصر الوالدان في شكر النعمة عليهما، ومن برهما شكر ابنهما عنهما، فشكر الابن كشكر الوالد ﴿رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي﴾.
وقفة
[19] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ تذكرك شكر النعمة نعمة أخرى.
تفاعل
[19] ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ادعُ الآن بهذا الدعاء.
وقفة
[19] نعمة الله على الوالدين تتعدى بركتها لأولادهم، فيشرع أن يشكر الأبناء نعمة الله على الآباء ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾.
وقفة
[19] نعم الله ﻻ تنتهي حتى شكر النعمه نعمة تحتاج إلى شكر ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾.
وقفة
[19] ﴿رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ﴾ تأملوا الدعاء، بدأ سليمان عليه السلام بشكر نعم الله عليه، ولم يكتف بنفسه إنما يشكر أيضًا نعم الله على والديه، ثم دعاءه أن يوفقه الله للعمل الصالح يرضى به الله عنه، وختم بعد ذلك بالرجاء أن يدخله فى زمرة عباده الصالحين، فاللهم تقبل دعاءنا.
لمسة
[19] ﴿أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ أوزعني: معناها امنعني، فكيف يطلب المنع؟ معناه أي امنعني عن الغفلة عن ذكرك وشكرك.
عمل
[19] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ليس كل عمل تراه صالحًا مرضيًّا عند الله! راقب الإخلاص والمتابعة في أعمالك حتى يرضاها الله.
اسقاط
[19] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ كثيرة هي الأعمال الصالحة، والسؤال: هل يرضاها الله فيقبلها؟!
وقفة
[19] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ما كل عمل صالح هو مقبول عند الله؛ لأننا لم نتفقد نفوسنا عند الإقدام عليه، فشابه الرياء فرد في وجهنا.
لمسة
[19] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ لم يكتفِ بعمله! بل قال: (تَرْضَاهُ)؛ فيا لتلك الهمم العالية!
وقفة
[19] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ الأعمال كثيرة؛ لكن أين فيها ما يرضاه الله؟!
عمل
[19] ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾ ربُّ عمل تظنُّه صالحًا، لكنه لا يرضي الله؛ فاجتهد في إصلاح النية والعمل.
وقفة
[19] ﴿تَرْضَاهُ﴾ يريد عملًا يرضي ربه, فالمؤمن لا تنتهي همته عند حدود أن يكون العمل صالحًا, وإنما يزين عمله حتي يرضي ربه.
تفاعل
[19] ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من عباده الصالحين.
وقفة
[19] ﴿وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾ قالها سليمان عليه السلام! فمن يظن أنه بلغ مرتبة الصالحين بعمله؟!
عمل
[19] ناجِ ربك مثلهم: دعا سليمان: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾، ودعا موسى: ﴿وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ﴾ [الأعراف: 151].

الإعراب :

  • ﴿ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً:
  • الفاء سببية عاطفة. تبسم: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والفعل معطوف على فعل مضمر اي فسمعها سليمان فتبسم. ضاحكا: حال من ضمير «تبسم» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. معناه: تبسم شارعا بالضحك وآخذا فيه يعني: انه قد تجاوز حد التبسم الى الضحك.
  • ﴿ مِنْ قَوْلِها وَقالَ:
  • جار ومجرور متعلق بضاحكا و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وقال: معطوفة بالواو على «تبسم» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ رَبِّ:
  • منادى بأداة محذوفة بتقدير: يا رب وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء المحذوفة خطا واختصارا اكتفاء بالكسرة وهو مضاف والياء المحذوفة-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَوْزِعْنِي:
  • الجملة الفعلية وما بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول- وهو فعل دعاء وتوسل بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. النون: للوقاية والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب مفعول به بمعنى: اجعلني ازع اي احتفظ‍.
  • ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ:
  • ان: حرف مصدرية ونصب. اشكر: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انا. نعمتك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطب-سبحانه مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. وجملة أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» صلة أَنْ» المصدرية لا محل لها. و أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. المعنى: احتفظ‍ بشكر نعمتك.والجار والمجرور متعلق بأوزعني.
  • ﴿ الَّتِي أَنْعَمْتَ:
  • التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة -نعت-للنعمة. انعمت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. وجملة أَنْعَمْتَ» صلة الموصول لا محل لها. اي انعمت بها.
  • ﴿ عَلَيَّ وَعَلى االِدَيَّ:
  • علي: جار ومجرور متعلق بأنعمت. وعلى والدي:معطوفة بالواو على عَلَيَّ» وعلامة جر الاسم الياء لانه مثنى وحذفت النون للاضافة والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة. وقد شددت الياء لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً:
  • معطوفة بالواو على أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» وتعرب اعرابها. بمعنى: عملا صالحا. فحذف المفعول المنعوت اي المصدر الواقع موقع المفعول وحل النعت محله.
  • ﴿ تَرْضاهُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت-لصالحا لفظا وصفة ثانية لعملا تقديرا وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ:
  • معطوفة بالواو على أَوْزِعْنِي» وتعرب اعرابها.برحمتك: جار ومجرور متعلق بأدخلني والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ:
  • تعرب اعراب بِرَحْمَتِكَ».الصالحين: صفة -نعت-للعباد مجرورة مثلها وعلامة جرها الياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى مع عبادك الصالحين.'

المتشابهات :

النمل: 19﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ
الأحقاف: 15﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     ولَمَّا سمعَ سليمان كلام النملة وفهمَه؛ تبسم ضاحكًا من قولها، ثم دعا ربه أن يوفقه للعمل الصالح، قال تعالى:
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ضاحكا:
وقرئ:
ضحكا، على المصدر، وهى قراءة ابن السميفع.

مدارسة الآية : [20] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ ..

التفسير :

[20] وتفقد سليمان حال الطير المسخرة له وحالَ ما غاب منها، وكان عنده هدهد متميز معروف فلم يجده، فقال:ما لي لا أرى الهدهد الذي أعهده؟ أسَتَره ساتر عني، أم أنه كان من الغائبين عني، فلم أره لغيبته؟

ثم ذكر نموذجا آخر من مخاطبته للطير فقال: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَدل هذا على كمال عزمه وحزمه وحسن تنظيمه لجنوده وتدبيره بنفسه للأمور الصغار والكبار، حتى إنه لم يهمل هذا الأمر وهو تفقد الطيور والنظر:هل هي موجودة كلها أم مفقود منها شيء؟ وهذا هو المعنى للآية. ولم يصنع شيئا من قال:إنه تفقد الطير لينظر أين الهدهد منهاليدله على بعد الماء وقربه، كما زعموا عن الهدهد أنه يبصر الماء تحت الأرض الكثيفة، فإن هذا القول لا يدل عليه دليل بل الدليل العقلي واللفظي دال على بطلانه، أما العقلي فإنه قد عرف بالعادة والتجارب والمشاهدات أن هذه الحيوانات كلها، ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارق للعادة، ينظر الماء تحت الأرض الكثيفة، ولو كان كذلك لذكره الله لأنه من أكبر الآيات.

وأما الدليل اللفظي فلو أريد هذا المعنى لقال:"وطلب الهدهد لينظر له الماء فلما فقده قال ما قال "أو "فتش عن الهدهد "أو:"بحث عنه "ونحو ذلك من العبارات، وإنما تفقد الطير لينظر الحاضر منها والغائب ولزومها للمراكز والمواضع التي عينها لها. وأيضا فإن سليمان عليه السلام لا يحتاج ولا يضطر إلى الماء بحيث يحتاج لهندسة الهدهد، فإن عنده من الشياطين والعفاريت ما يحفرون له الماء، ولو بلغ في العمق ما بلغ. وسخر الله له الريح غدوها شهر ورواحها شهر، فكيف -مع ذلك- يحتاج إلى الهدهد؟"

وهذه التفاسير التي توجد وتشتهر بها أقوال لا يعرف غيرها، تنقل هذه الأقوال عن بني إسرائيل مجردة ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة وتطبيقها على الأقوال، ثم لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلما للمتقدم حتى يظن أنها الحق، فيقع من الأقوال الردية في التفاسير ما يقع، واللبيب الفطن يعرف أن هذا القرآن الكريم العربي المبين الذي خاطب الله به الخلق كلهم عالمهم وجاهلهم وأمرهم بالتفكر في معانيه، وتطبيقها على ألفاظه العربية المعروفة المعاني التي لا تجهلها العرب العرباء، وإذا وجد أقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها إلى هذا الأصل، فإن وافقته قبلها لكون اللفظ دالا عليها، وإن خالفته لفظا ومعنى أو لفظا أو معنى ردها وجزم ببطلانها، لأن عنده أصلا معلوما مناقضا لها وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته.

والشاهد أن تفقد سليمان عليه السلام للطير، وفقده الهدهد يدل على كمال حزمه وتدبيره للملك بنفسه وكمال فطنته حتى فقد هذا الطائر الصغيرفَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَأي:هل عدم رؤيتي إياه لقلة فطنتي به لكونه خفيا بين هذه الأمم الكثيرة؟ أم على بابها بأن كان غائبا من غير إذني ولا أمري؟.

والتفقد: تطلب الشيء ومعرفة أحواله، ومنه قولهم: تفقد القائد جنوده، أى: تطلب أحوالهم ليعرف حاضرهم من غائبهم.

والطير: اسم جنس لكل ما يطير، ومفردة طائر، والمراد بالهدهد هنا: طائر معين وليس الجنس.

وأَمْ منقطعة بمعنى بل.

أى: وأشرف سليمان- عليه السلام- على أفراد مملكته ليعرف أحوالها، فقال بعد أن نظر في أحوال الطير: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أى: ما الذي حال بيني وبين رؤية الهدهد ثم تأكد من غيابه فقال بل هو من الغائبين.

قال الآلوسى: «والظاهر أن قوله- عليه السلام- ذلك، مبنى على أنه ظن حضوره ومنع مانع له من رؤيته، أى: عدم رؤيتي إياه مع حضوره، لأى سبب؟ الساتر أم لغيره. ثم لاح له أنه غائب، فأضرب عن ذلك وأخذ يقول: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له. فأم هي المنقطعة، كما في قولهم: إنها لإبل أم شاء ... .

قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغيرهما ، عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا ، يدل سليمان ، عليه السلام ، على الماء ، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض ، كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض ، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض ، فإذا دلهم عليه أمر سليمان ، عليه السلام ، الجان فحفروا له ذلك المكان ، حتى يستنبط الماء من قراره ، فنزل سليمان ، عليه السلام [ يوما ] ، بفلاة من الأرض ، فتفقد الطير ليرى الهدهد ، فلم يره ، ( فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) .

حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا ، وفي القوم رجل من الخوارج ، يقال له : " نافع بن الأزرق " ، وكان كثير الاعتراض على ابن عباس ، فقال له : قف يا ابن عباس ، غلبت اليوم ! قال : ولم ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض ، وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ، ويحثو على الفخ ترابا ، فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ ، فيصيده الصبي . فقال ابن عباس : لولا أن يذهب هذا فيقول : رددت على ابن عباس ، لما أجبته . فقال له : ويحك ! إنه إذا نزل القدر عمي البصر ، وذهب الحذر . فقال له نافع : والله لا أجادلك في شيء من القرآن أبدا .

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البرزي - من أهل " برزة " من غوطة دمشق ، وكان من الصالحين يصوم [ يوم ] الاثنين والخميس ، وكان أعور قد بلغ الثمانين - فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد : أنه سأله عن سبب عوره ، فامتنع عليه ، فألح عليه شهورا ، فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعة في قرية برزة ، وسألاه عن واد بها ، فأريتهما إياه ، فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورا كثيرا ، حتى عجعج الوادي بالدخان ، فأخذا يعزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما ، فلا يلتفتان إلى شيء منها ، حتى أقبلت حية نحو الذراع ، وعيناها توقدان مثل الدينار . فاستبشرا بها عظيما ، وقالا : الحمد لله الذي لم يخيب سفرنا من سنة ، وكسرا المجامر ، وأخذا الحية فأدخلا في عينها ميلا فاكتحلا به ، فسألتهما أن يكحلاني ، فأبيا ، فألححت عليهما وقلت : لا بد من ذلك ، وتوعدتهما بالدولة ، فكحلا عيني الواحدة اليمنى ، فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة ، أنظر ما تحتها كما ترى المرآة ، ثم قالا لي : سر معنا قليلا فسرت معهما وهما يحدثان ، حتى إذا بعدت عن القرية ، أخذاني فكتفاني ، وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها ، ورمى بها ومضيا . فلم أزل كذلك ملقى مكتوفا ، حتى مر بي نفر ففك وثاقي . فهذا ما كان من خبر عيني .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن عمرو الغساني ، حدثنا عباد بن ميسرة المنقري ، عن الحسن قال : اسم هدهد سليمان عليه السلام : عنبر .

وقال محمد بن إسحاق : كان سليمان ، عليه السلام ، إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه : تفقد الطير ، وكان فيما يزعمون يأتيه نوب من كل صنف من الطير ، كل يوم طائر ، فنظر فرأى من أصناف الطير كلها من حضره إلا الهدهد ، ( فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) أخطأه بصري من الطير ، أم غاب فلم يحضر ؟ .

يقول تعالى ذكره: ( وَتَفَقَّدَ ) سليمان (الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ). وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بين الطير, ما حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت عمران عن أبي مجلز, قال: جلس ابن عباس إلى عبد الله بن سلام, فسأله عن الهدهد: لم تفقَّده سليمان من بين الطير فقال عبد الله بن سلام: إن سليمان نـزل منـزلة في مسير له, فلم يدر ما بُعْد الماء, فقال: من يعلم بُعْد الماء؟ قالوا: الهدهد, فذاك حين تفقده.

حدثنا محمد, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا عمران بن حدير, عن أبي مجلز, عن ابن عباس وعبد الله بن سلام بنحوه.

حدثني أبو السائب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كان سليمان بن داود يوضع له ستّ مائة كرسي, ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه, ثم تجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس قال: ثم يدعو الطير فتظلهم, ثم يدعو الريح فتحملهم, قال: فيسير في الغداة الواحدة مسيرة شهر, قال: فبينا هو في مسيره إذ احتاج إلى الماء وهو في فلاة من الأرض, قال: فدعا الهدهد, فجاءه فنقر الأرض, فيصيب موضع الماء, قال: ثم تجيء الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الإهاب, قال: ثم يستخرجون الماء. فقال له نافع بن الأزرق: قف يا وقاق، أرأيت قولك الهدهد يجيء فينقر الأرض, فيصيب الماء, كيف يبصر هذا, ولا يبصر الفخّ يجيء حتى يقع في عنقه؟ قال: فقال له ابن عباس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه, قال: كان سليمان بن داود إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير, وقام له الجنّ والإنس حتى يجلس على سريره, حتى إذا كان ذات غداة في بعض زمانه غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه, فتفقد الطير. وكان فيما يزعمون يأتيه نوبا من كل صنف من الطير طائر, فنظر فرأى من أصناف الطير كلها قد حضره إلا الهدهد, فقال: ما لي لا أرى الهدهد.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أوّل ما فقد سليمان الهدهد نـزل بواد فسأل الإنس عن ماءه, فقالوا: ما نعلم له ماء, فإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالجنّ فدعا الجنّ فسألهم, فقالوا: ما نعلم له ماء وإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالطير, فدعا الطير فسألهم, فقالوا: ما نعلم له ماء, وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالهدهد, فلم يجده, قال: فذاك أوّل ما فقد الهدهد.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) قال: تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله على الماء إذا ركب, وإن سليمان ركب ذات يوم فقال: أين الهدهُد ليدلنا على الماء؟ فلم يجده؛ فمن أجل ذلك تفقده، فقال ابن عباس: إن الهدهد كان ينفعه الحذر ما لم يبلغه الأجل؛ فلما بلغ الأجل لم ينفعه الحذر, وحال القدر دون البصر، فقد اختلف عبد الله بن سلام والقائلون بقوله ووهب بن منبه, فقال عبد الله: كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه ليستخبره عن بُعد الماء في الوادي الذي نـزل به في مسيره، وقال وهب بن منبه: كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بالنوبة التي كان ينوبها، والله أعلم بأي ذلك كان إذ لم يأتنا بأيّ ذلك كان تنـزيل, ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.

فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن سليمان أنه تفقد الطير, إما للنوبة التي كانت عليها وأخلت بها, وإما لحاجة كانت إليها عن بُعد الماء.

وقوله: (فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) يعني بقوله (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ) أخطأه بصري فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق فلم يحضر؟.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه: (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) أخطأه بصري في الطير, أم غاب فلم يحضر؟.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ نبي الله سليمان يتفقد الطير من رعيته، وبعض الآباء يسهر أبناؤه خارج المنزل ولا يتفقد حالهم ولا يبالي!
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ وبعضُنا لا يتفقَّدُ أبناءَه، ولا يعرِفُ همومَهم، تفقد طيرك.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ من عدله: تفقد الرعية حتى الطير.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ القائد الناجح من يباشر أمور الرعية بنفسه.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ من عدله يتفقد الطير، فكيف بالبشر؟! هنيئًا لمن عاش في عهد سليمان، لن يكون في قائمة النسيان.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ لقد كان الهدهد -من خلال حديثه- جديرًا بالثقة، لكن ذلك لا يعني أن فوق المحاسبة.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ من مهام المسؤول: تفقد الرعية، والرقابة عليها، والتأكد من قيام كل أحد بواجبه.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ قال الملك: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾، وقال عمر بن الخطاب: «لو عثرت بغلة فى العراق لسألنى الله تعالى عنها، لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟»؛ ملك يتفقد طير، وخليفة يخشى على بغله، هذا حال من عرف قيمة الخلق، وهذا حالهم مع الحيوانات، فكيف حالهم البشر؟!
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ فيه دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته، والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف حاله على سليمان، فكيف بما هو أعظم؟ ويرحم الله عمر؛ فإنه كان على سيرته، قال: لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسألن عنها عمر.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ فيه استحباب تفقد الملك أحوال رعيته، وأخذ منه بعضهم تفقد الإخوان، فأنشد: تفقُّدُ الإخوانِ مُستحسنٌ ... فمنْ بداهُ نِعْمَ ما قدْ بَدا سَنَّ سُليمانُ لنا سُنّةً ... وكانَ فيما سَنّهُ مُقتدَى تفقَّدَ الطّيرَ على مُلكهِ ... فقالَ: ما ليَ لا أرَ الهُدهُدا ؟!
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ فهل نتفقد أبناءنا ونسأل عن غيابهم أم نتركهم وشأنهم؟! فالأب راع وهو مسؤول عن رعيته.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ فيه استحباب تفقد الملك أحوال رعيته.
وقفة
[20] وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾، العظماء لا تُشغلهم الجموع العظيمة عن تفقُّد أفرادهم.
عمل
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ قبل أن تتهم الآخرين اتهم رؤيتك ورأيك، ذلك أدعى للتثبت وأبعد عن الظلم.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ من ولاَّه الله أمرًا من الأمور فمن تقوى الله أن يتفقد ما تولاه ويرعاه.
وقفة
[20] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ عظمت مسؤوليته وكثر جنده فلم يشغله ذلك عن تفقد رعيته، بل فقد طير من الطيور.
وقفة
[20] ﴿فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ أكبر تضييع للأمانة أن يتقاعس صاحب الأمر والمسؤولية عن تفقد من هم تحت يده متابعًا أحوالهم بنفسه.
وقفة
[20] من بشر وجِن وطير وريح ونمل وغيرها فكان له جيش عظيم لا توازيه جيوش الدنيا ولو اجتمعت، وفي أحد الأيام فقد سليمان الهدهد ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾.
وقفة
[20] ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ ما أحْسَنَ الإنصافَ! اتَّهمَ سليمانُ بصرَه أولًا قبل أن يحكمَ بغيابِ الهدهدِ.
وقفة
[20] ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ بيان لتقديم حسن الظن؛ إذ إن سليمان وضع العذر بعدم رؤيته هو له، فقد يكون متواجدًا لكنه لم يره.
وقفة
[20] ﴿الْهُدْهُدَ﴾ حتى الحيوانات لها من اسمها نصيب؛ ففي الهدهد: هدى وهدوء وهداية.
وقفة
[20، 21] ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته، والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله، فكيف بعظام الملك، ويرحم الله عمر؛ فإنه كان على سيرته، قال: لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر.

الإعراب :

  • ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ:
  • الواو استئنافية. تفقد: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الطير: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. فقال: معطوفة بالفاء على تَفَقَّدَ» وتعرب مثلها.
  • ﴿ ما لِيَ:
  • ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لي: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ لا أَرَى الْهُدْهُدَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المتكلم بتقدير: غير راء الهدهد. بمعنى: كيف لا ارى الهدهد. لا: نافية لا عمل لها. ارى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انا. الهدهد: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ أَمْ كانَ:
  • أم: هي أم المنقطعة حرف عطف بمعنى «بل» للاضراب. كان:فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو.والفعل معطوف على فعل محذوف بتقدير: احضر اي أهو حاضر أم كان من الغائبين؟
  • ﴿ مِنَ الْغائِبِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر كانَ» وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     وبعد ذكرِ ما دار بين سليمان عليه السلام وبين النملة؛ جاء هنا ذكرُ ما دار بينه وبين الهدهد، قال تعالى:
﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [21] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ..

التفسير :

[21]فلما ظهر أنه غائب قال:لأعذبنَّ هذا الهدهد عذاباً شديداً لغيابه تأديباً له، أو لأذبحنَّه عقوبة على ما فعل؛ حيث أخلَّ بما سُخِّر له، أو ليأتينِّي بحجة ظاهرة فيها عذر لغيبته.

فحينئذ تغيظ عليه وتوعده فقال: لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًادون القتل،أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍأي:حجة واضحة على تخلفه، وهذا من كمال ورعه وإنصافه أنه لم يقسم على مجرد عقوبته بالعذاب أو القتل لأن ذلك لا يكون إلا من ذنب، وغيبته قد تحتمل أنها لعذر واضح فلذلك استثناه لورعه وفطنته.

وقوله- تعالى-: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ بيان للحكم الذي أصدره سليمان- عليه السلام- على الهدهد بسبب غيابه بدون إذن.

أى: لأعذبن الهدهد عذابا شديدا يؤلمه، أو لأذبحنه، أو ليأتينى بحجة قوية توضح سبب غيابه. وتقنعنى بالصفح عنه، وبترك تعذيبه، أو ذبحه.

فأنت ترى أن سليمان- عليه السلام- وهو النبي الملك الحكيم العادل- يقيد تعذيب الهدهد أو ذبحه. بعدم إتيانه بالعذر المقبول عن سبب غيابه، أما إذا أتى بهذا العذر فإنه سيعفو عنه، ويترك عقابه.

فكأنه- عليه السلام- يقول: هذا الهدهد الغائب إما أن أعذبه عذابا شديدا وإما أن أذبحه بعد حضوره، وإما أن يأتينى بعذر مقبول عن سبب غيابه، وفي هذه الحالة فأنا سأعفو عنه.

وقوله : ( لأعذبنه عذابا شديدا ) : قال الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس : يعني نتف ريشه .

وقال عبد الله بن شداد : نتف ريشه وتشميسه . وكذا قال غير واحد من السلف : إنه نتف ريشه ، وتركه ملقى يأكله الذر والنمل .

وقوله : ( أو لأذبحنه ) يعني : قتله ، ( أو ليأتيني بسلطان مبين ) أي : بعذر واضح بين .

وقال سفيان بن عيينة ، وعبد الله بن شداد : لما قدم الهدهد قال له الطير : ما خلفك ، فقد نذر سليمان دمك ! فقال : هل استثنى ؟ فقالوا : نعم ، قال : ( لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ) فقال : نجوت إذا .

قال مجاهد : إنما دفع [ الله ] عنه ببره بأمه .

وقوله: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) يقول: فلما أخبر سليمان عن الهدهد أنه لم يحضر، وأنه غائب غير شاهد, أقسم (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) وكان تعذيبه الطير فيما ذُكر عنه إذا عذبها أن ينتف ريشها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا الحماني, عن الأعمش, عن المنهال, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) قال: نتف ريشه.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن عطية, عن شريك, عن عطاء, عن مجاهد, عن ابن عباس في: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) عذابه: نتفه وتشميسه.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) قال: نتف ريشه وتشميسه.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) قال: نتف ريشه كله.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد قوله: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) قال: نتف ريش الهدهد كله, فلا يغفو سِنة.

قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: نتف ريشه.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) يقول: نتف ريشه.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثني ابن إسحاق, عن يزيد بن رومان أنه حدّث أن عذابه الذي كان يعذّب به الطير نتف جناحه.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قيل لبعض أهل العلم: هذا الذبح, فما العذاب الشديد؟. قال: نتف ريشه بتركه بَضعة تنـزو.

حدثنا سعيد بن الربيع الرازي, قال: ثنا سفيان, عن عمرو بن بشار, عن ابن عباس, في قوله: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) قال: نتفه.

حدثني سعيد بن الربيع, قال: ثنا سفيان, عن حسين بن أبي شدّاد, قال: نتفه وتشميسه (أَوْ لأذْبَحَنَّهُ ) يقول: أو لأقتلنه.

كما حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: (أَوْ لأذْبَحَنَّهُ ) يقول: أو لأقتلنه.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا عباد بن العوّام, عن حصين, عن عبد الله بن شدّاد: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ )... الآية, قال: فتلقَّاهُ الطير, فأخبره, فقال: ألم يستثن.

وقوله: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) يقول: أو ليأتيني بحجة تبين لسامعها صحتها وحقيقتها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ بن الحسين الأزدي, قال: ثنا المعافى بن عمران, عن سفيان, عن عمار الدُّهْني, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) يقول: ببينة أعذره بها, وهو مثل قوله: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ يقول: بغير بينة.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا سفيان, عن رجل, عن عكرمة, قال: كل شيء في القرآن سلطان, فهو حجة.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا عبد الله, بن يزيد, عن قباث (3) بن رزين, أنه سمع عكرِمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: كل سلطان في القرآن فهو حجة, كان للهدهد سلطان.

حدثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قتادة: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) قال: بعذر بين.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) : أي بحجة عذر له في غيبته.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) يقول: ببينة, وهو قول الله الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ بغير بينة.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) قال: بعذر أعذره فيه.

------------------------

الهوامش :

(3) قباث بوزن سحاب، ابن رزين اللخمي (ويقال: التجيبي). وقباث: اسم عربي.

التدبر :

وقفة
[21] قال سليمان في الهدهد: ﴿لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه﴾، يجوز قتل الحيوان وضربه إذا كان لا يندفع أذاه إلا بذلك، والأصل تحريم أذيته بلا موجب.
وقفة
[21] ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي: حجة واضحة على تخلفه. وهذا من كمال ورعه وإنصافه؛ أنه لم يقسم على مجرد عقوبته بالعذاب أو القتل؛ لأن ذلك لا يكون إلا من ذنب، وغيبته قد تحتمل أنها لعذر واضح؛ فلذلك استثناه لورعه وفطنته.
وقفة
[21] ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ سياسة الرعية بإيقاع العقاب على من يستحقه، وقبول عذر أصحاب الأعذار.
وقفة
[21] ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ حزم وقوة مع لين وأمل، درسٌ لايفقهه إلا العظماء.
عمل
[21] ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ لا تُعاقبْ المُخطِئ قَبل التَّأكُّدِ منه وسماع حُجَّتِه، فرُبَّما اتهِم ظُلمًا، ويقع الذَّنبُ عليك.
وقفة
[21] للغائب عذره حتى يرجع، وقد يكون للمقصر حجة تندفع أو ترفع العقوبة، فاستمع لما يقوله وتثبت بعدها: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾، ﴿سننظر أصدقت﴾ [27].

الإعراب :

  • ﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ:
  • اللام واقعة في جواب قسم مقدر. والجملة بعده جواب قسم مقدر لا محل لها. اعذبنه: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. ونون التوكيد لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انا. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ عَذاباً شَدِيداً:
  • مفعول مطلق-مصدر-منصوب وعلامة نصبه الفتحة.شديدا: صفة-نعت-لعذابا منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ:
  • او حرف عطف للتخيير. لاذبحنه: معطوفة على لَأُعَذِّبَنَّهُ» وتعرب اعرابها اي عقابا له على عدم حضوره اي غيابه.
  • ﴿ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي:
  • تعرب اعراب أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ».والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب مفعول به والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ:
  • جار ومجرور متعلق بليأتيني. مبين: صفة-نعت- لسلطان مجرورة مثلها بمعنى: بحجة بينة واضحة يبين فيها سبب غيابه.'

المتشابهات :

آل عمران: 56﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ
الأعراف: 164﴿قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ
الإسراء: 58﴿وَإِن مِّن قَرۡيَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا
النمل: 21﴿لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابًا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ
فصلت: 27﴿فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ
المجادلة: 15﴿أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ
الطلاق: 10﴿أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     ولَمَّا تفقد سليمان حالَ الطير ولم يجد الهدهد؛ توعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرًا يبرئه، قال تعالى:
﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [22] :النمل     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ ..

التفسير :

[22] فمكث الهدهد زمناً غير بعيد ثم حضر، فعاتبه سليمان على مغيبه وتخلُّفه، فقال له الهدهد:علمتُ ما لم تعلمه من الأمر على وجه الإحاطة، وجئتك من مدينة «سبأ»ﺑ«اليمن» بخبر خطير الشأن، وأنا على يقين منه.

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍثم جاء وهذا يدل على هيبةجنوده منه وشدة ائتمارهم لأمره، حتى إن هذا الهدهد الذي خلفه العذر الواضح لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا،فَقَالَلسليمان: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِأي:عندي العلم علم ما أحطت به على علمك الواسع وعلى درجتك فيه،وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍالقبيلة المعروفة في اليمنبِنَبَإٍ يَقِينٍأي:خبر متيقن.

ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من الهدهد، فقال: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ أى فمكث الهدهد زمانا غير بعيد من تهديد سليمان له، ثم أتاه فقال له: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أى:

علمت أشياء أنت لم تعلمها. وابتدأ كلامه بهذه الجملة التي فيها ما فيها من المفاجآت لترغيبه في الإصغاء إليه، ولاستمالة قلبه لقبول عذره بعد ذلك.

قال صاحب الكشاف: «ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام، على ما أوتى من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة، والإحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاء له في علمه،وتنبيها على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علما بما لم يحط به، لتتحافر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفا له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ... » .

وقوله: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ تفسير وتوضيح لقوله قبل ذلك: أحطت بما لم تحط به، وسبأ في الأصل: اسم لسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم صار بعد ذلك اسما لحى من الناس سموا باسم أبيهم، أو صار اسما للقبيلة، أو لمدينة تعرف بمأرب باليمن. بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال.

وقد قرأ بعضهم هذا اللفظ بالتنوين باعتباره اسم رجل، وقرأه آخرون بغير تنوين لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.

أى: قال الهدهد لسليمان بادئا حديثه بما يشير إلى قبول عذره: علمت شيئا أنت لم تعلمه، وجئتك من جهة قبيلة سبأ بنبإ عظيم خطير، أنا متيقن من صدقه.

يقول تعالى : ( فمكث ) الهدهد ( غير بعيد ) أي : غاب زمانا يسيرا ، ثم جاء فقال لسليمان : ( أحطت بما لم تحط به ) أي : اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، ( وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) أي : بخبر صدق حق يقين .

وسبأ : هم : حمير ، وهم ملوك اليمن .

يعني تعالى ذكره بقوله: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) فمكث سليمان غير طويل من حين سأل عن الهدهد, حتى جاء الهدهد.

واختلف القرّاء في قراءة قوله: ( فَمَكَثَ ) فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم: " فَمَكُثَ" بضمّ الكاف, وقرأه عاصم بفتحها, وكلتا القراءتين عندنا صواب؛ لأنهما لغتان مشهورتان, وإن كان الضمّ فيها أعجب إليّ, لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما.

وقوله: (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ) يقول: فقال الهدهد حين سأله سليمان عن تخلفه وغيبته: أحطت بعلم ما لم تحط به أنت يا سليمان.

كما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ ) قال: ما لم تعلم.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) ثم جاء الهدهد, فقال له سليمان: ما خلَّفك عن نوبتك؟ قال: أحطت بما لم تحط به.

وقوله: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقين.

وهو ما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) أي أدركت ملكا لم يبلغه ملكك.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (مِنْ سَبَإٍ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة (مِنْ سَبَإٍ ) بالإجراء. المعنى أنه رجل اسمه سبأ. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والبصرة (مِنْ سَبَأَ ) بترك الإجراء, على أنه اسم قبيلة أو لامرأة.

والصواب من القول في ذلك أن يُقال: إنهما قراءتان مشهورتان, وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب; فالإجراء في سبأ, وغير الإجراء صواب, لأن سبأ إن كان رجلا كما جاء به الأثر, فإنه إذا أريد به اسم الرجل &; 19-446 &; أجري, وإن أريد به اسم القبيلة لم يجر, كما قال الشاعر في إجرائه:

الْــوَارِدُونَ وَتَيْــمٌ فِــي ذَرَا سَـبإٍ

قَـدْ عَـضَّ أعْنـاقَهُمْ جِـلدُ الجَوَاميسِ (4)

يروى: ذرا, وذرى, وقد حُدثت عن الفرّاء عن الرؤاسي أنه سأل أبا عمرو بن العلاء كيف لم يجر سبأ؟ قال: لست أدري ما هو; فكأن أبا عمرو ترك إجراءه إذ لم يدر ما هو, كما تفعل العرب بالأسماء المجهولة التي لا تعرفها من ترك الإجراء، حكي عن بعضهم: هذا أبو معرور قد جاء, فترك إجراءه إذ لم يعرفه في أسمائهم. وإن كان سبأ جبلا أجري؛ لأنه يُراد به الجبل بعينه، وإن لم يجر فلأنه يجعل اسما للجبل وما حوله من البقعة.

------------------------

الهوامش :

(4) استشهد المؤلف بهذا البيت مرة قبل هذه في (الجزء 14: 117) وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 172). ثم استشهد المؤلف به هنا مرة ثانية، على أن كلمة "سبأ" إن كان اسم قبيلة من اليمن، فهو ممنوع من الصرف، للعلمية والتأنيث. وإن لوحظ فيه أصله، وهو اسم أبي القبيلة، فهو مذكر مجرى.

التدبر :

وقفة
[22] ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ تأخر الهدهد قليلًا فقط، فتوعده سليمان عليه السلام بالعذاب، احترام الوقت والمواعيد في حياة الأنبياء.
وقفة
[22] ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ في هذه المكافحة التنبيه على أن أضعف الخلق قد يؤتى ما لا يصل إليه أقواهم؛ لتتحاقر إلى العلماء علومهم، ويردوا العلم في كل شيء إلى الله، وفيه إبطال لقول الرافضة: إن الإمام لا يخفى عليه شيء، ولا يكون في زمانه من هو أعلم منه.
وقفة
[22] ﴿فَمَكَثَ غَيرَ بَعيدٍ فَقالَ أَحَطتُ بِما لَم تُحِط بِهِ وَجِئتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقينٍ﴾ أي عملت ما لم تعلم، وبلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك، ألهم الله الهدهد هذا الكلام، فكافح سليمان تنبيهًا على أن أدنى خلق الله قد أحاط علمًا بما لم يحط به، ليكون لطفًا له في ترك الإعجاب.
وقفة
[22] ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ الأمر الذي يجب أن تعرفه: أنك مهما بلغت من الحيلة فلست داهية زمانك! أنت محدود القدرة والكمال لربك.
وقفة
[22] ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ ليكن ظنك بربك أعظم من قدراتك وظروفك، حجب الله خبر سبأ عن سليمان وجنوده من الجن والإنس، ومنحه لهدهد.
وقفة
[22] ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ في حضرة الأنبياء تتجرأ الطيور على قول الحقيقة، ولو كانت مؤلمة.
وقفة
[22] ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ قد يوجد من العلم عند الأصاغر ما لا يوجد عند الأكابر؛ تدبر.
وقفة
[22] ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ شجاع أيها الهدهد حين تخاطب الملك بهذا، ليت بعض البشر يتعلم منك الشجاعة.
وقفة
[22] ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ قال ابن العربي: «فيه أن الصغير يقول للكبير والتابع للمتبوع: عندي من العلم ما ليس عندك -إن تحقق ذلك-».
وقفة
[22] قد يكون عند أدنى الناس علم ما لا يعلمه إمام زمانه، وقد علم الهدهد أمر ما علمه نبي مرسل! فاقرأ إن شئت: ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾.
وقفة
[22] كانت المخلوقات تهابُ سليمان عليه السلام إلَّا أن الهُدهُد تقوَّى بالعِلم أمامه ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾؛ حينما توعَّده سليمان لمَّا غاب.
وقفة
[22] لا أحد أقل من أن يُفيد، ولا أحد أكثر من أن يستفيد، ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ الهدهد مخاطبًا سليمان عليه السلام.
عمل
[22] قد يكون لدى شاب صغير علمٌ بأمر لا يحيط به من هو فوقه في العلم والمرتبة؛ فلا تحتقر رأيه ﴿فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.
وقفة
[22] قد يكون عند أدنى الناس علم ما لا يعلمه إمام زمانه، وقد علم الهدهد أمر ما علمه نبي مرسل، فاقرأ -إن شئت- قوله تعالى: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ والسؤال: هل يدعونا كلام هذا الإمام إلى الاستعانة بالله، والاجتهاد في استخراج المعاني التدبرية من كتاب الله تعالى؟ فقد يُفتح على رجل ما لا يفتح على من هو فوقه، مع الانضباط في ذلك بالضوابط الشرعية ، والرجوع إلى أهل العلم والاستفادة منهم في تنمية هذه الملكة.
وقفة
[22] انظر إلى الهدهد يقول لنبي: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ هذا هو الهدهد المخلوق الأقل من سليمان عليه السلام يقول له: عرفت ما لم تعرفه، وكأن هذا القول جاء ليعلمنا حسن الأدب مع من هو دوننا، فهو يهب لمن دوننا ما لم يعلمه لنا، ألم يعلمنا الغراب كيف نواري سوأة الميت؟ ﴿فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [ المائدة: 31 ].
وقفة
[22] عجيب أمر بعض الدعاة وطلاب العلم، إذ يأنفون من نصح الآخرين، ويرون ذلك انتقاصًا من مقامهم! والخير لهم ولأتباعهم لو تأملوا قصة سليمان -الذي أوتي النبوة والملك- إذ قال له الهدهد: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾، فتواضع سليمان عليه السلام، وقبل الحق، فكان سبب إسلام مملكة كاملة.
وقفة
[22] الهدهد: طائر صغير منتن الرائحة يبني عشه من الزبالة, كما قاله علماء الحيوان، فسبحان من رفعه بالعلم حتي قال لنبي كريم: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾.
وقفة
[22] حين نادى الخليل والده قال: ﴿قد جاءني من العلم ما لم يأتك﴾ [مريم: 43]، وحين علل الهدهد غيابه قال: ﴿أحطتُ بما لم تحط به﴾ لقد قويت حجتهم بسلطان العلم.
وقفة
[22] لم ينج الهدهد من وعيد سليمان، ولا تجرأ -مع ضعفه- على مخاطبة سليمان -مع قوته وسلطانه- بمثل هذا الخطاب: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ لولا سلطان العلم.
وقفة
[22] استفتح الهدهد خطابه بـ: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾؛ لأنه يعرف سليمان وشدته، لذلك بدأ حديثه بمفاجأة تطغى على موضوع غيابه، وضمن إصغاء الملك له.
وقفة
[22] قال الهدهد لسليمان: ﴿أحطت بما لم تحط به﴾ رغم ما آتاه الله من النبوة والعلم والحكمة، أتى من هو أضعف منه وأدنى خلقة منه، وعلم ما لم يعلمه لكي يتصاغر إليه علمه، فكم فتن من علماء أعجبوا بعلمهم!
وقفة
[22] مهما بلغ سلطانك ومكانتك في المجتمع فاستمع لجميع الآراء من حولك فقد تجد فيها الخير، هذا سليمان عليه السلام أعظم ملوك الأرض قال له هدهد: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.
وقفة
[22] ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ كفى بمثل هذا زاجرًا لكل ذي علم عن الإعجاب بعلمه، والاغترار بسعة اطلاعه، والترفُّع عن الاستفادة ممن دونه.
وقفة
[22] ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾كم من الناس من يحتاج إلى منهج هذا الهدهد في التثبت من الأخبار قبل روايتها ونشرها على الملأ!
عمل
[22] الهدهدُ لم يقلْ: (يُقال)، بل قالَ: ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ ، ومع ذلك كان ردُّ سليمانَ:﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [27]، دائمًا تثبت.
وقفة
[22] البعض حينما يسمع عن أخيه شيء يذيع ما سمعه دون تثبت وحاجة لذلك، وهذا خلل في السلوك الداخلي لدى المرء ﴿وجئتك من سبإِ بنبإٍ يقين﴾، ومع ذلك قال سليمان للهدهد: ﴿سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين﴾ [27].
وقفة
[22] ﴿وَجِئتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقينٍ﴾ لو ننقل الأخبار والمعلومات كما تيقن الهدهد وتأكد من الخبر قبل نقله لسليمان عليه السلام، ولا نكتفى بكلمتى: (سمعت) و(قالوا لى) لتجنبنا من المشاكل الكثير والكثير.
عمل
[22] قصة الهدهد حين قال: ﴿وجئتك من سبإٍ بنبأ يقين﴾، لم يقل: (سمعت أو قرأت أو قالوا أو كما وصلني) بل خبر يقين، فماذا كان من سليمان عليه السلام؟ هل اتخذ موقفًا سريعًا؟ كما نعمل اليوم نسخ ولصق، وهو يعلم أن الهدهد لا يجرؤ أن يكذب عليه، ومع ذلك قال: ﴿سننظر أصدقت﴾ [27]، لا تنشر إلا ما يزيد حسناتك.

الإعراب :

  • ﴿ فَمَكَثَ:
  • فاء استئنافية. مكث: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو اي الهدهد.
  • ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ:
  • اسم منصوب بالفتحة متعلق بحال محذوفة. التقدير: غير زمان بعيد. بمعنى: قريبا او مكث غائبا. او تكون صفة لظرف زمان مقدر اي مكث زمانا غير بعيد. بعيد: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ فَقالَ:
  • معطوفة بالفاء على محذوف بمعنى: ثم جاء فقال. والجملة الفعلية بعدها في محل نصب مفعول به لقال. وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.
  • ﴿ أَحَطْتُ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع فاعل. بمعنى:فقال لسليمان علمت. وهو هنا فعل لازم بمعنى: حصلت لي حقيقة العلم او يكون متعديا. بمعنى: علمت ما لم تعلمه يقال: احاط‍ بالشيء: اي علمه. واحاط‍ به علما.
  • ﴿ بِما لَمْ تُحِطْ‍ بِهِ:
  • الباء حرف جر زائد. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر لفظا وفي محل نصب محلا لانه مفعول به لاحطت. لم:حرف نفي وجزم وقلب. تحط‍: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الياء لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. الباء حرف جر زائد. والهاء ضمير مجرور لفظا منصوب محلا لانه مفعول تُحِطْ‍».والجملة الفعلية لَمْ تُحِطْ‍ بِهِ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَجِئْتُكَ:
  • تعرب اعراب أَحَطْتُ» والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب- في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ مِنْ سَبَإٍ:
  • جار ومجرور متعلق بجئتك. بمعنى: من بني سبأ. ولهذا لم تمنع الكلمة من الصرف لانها جعلت اسما للحي او الاب الاكبر ولو جاءت اسما للقبيلة لمنعت من الصرف.
  • ﴿ بِنَبَإٍ يَقِينٍ:
  • جار ومجرور متعلق بجئتك. اي بخبر. يقين: صفة-نعت- لنبأ مجرورة مثلها بالكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ تهديد سليمان؛ جاء الهدهدُ بعد قليل، وبَيَّنَ أن غيابه كان لأمر هام، قال تعالى:
﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فمكث:
1- بفتح الكاف، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، وهى قراءة عاصم، وأبى عمرو، فى رواية الجعفي، وسهل، وروح.
سبأ:
1- مصروفا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح الهمزة، غير مصروف وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو.
3- بإسكانها، وهى قراءة قنبل، من طريق النبال.
4- بكسر الهمزة من غير تنوين، وهل قراءة الأعمش.
5- سبا، مقصورا مصروفا، على وزن «رحى» وهى قراءة ابن كثير.
6- بسكون الياء وهمزة مفتوحة، غير منون، بنى على «فعلى» فامتنع من الصرف، ورويت عن أبى معاذ.
7- بألف ساكنة، كقولهم: تفرقوا أيدى سبا، وهى قراءة ابن حبيب، عن اليزيدي.
بنبإ:
وقرئ:
بنبإ، بألف عوض الهمزة، وهى قراءة فرقة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف