2339899100101102103104105106107108

الإحصائيات

سورة هود
ترتيب المصحف11ترتيب النزول52
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.00
عدد الآيات123عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.90
ترتيب الطول8تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء12عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 5/29آلر: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (98) الى الآية رقم (102) عدد الآيات (5)

فرعونُ يتقدَّمُ قومَه يومَ القيامةِ حتى يُدْخلَهم النَّارَ، وبعدَ ذكرِ قصصِ الأنبياءِ (وهي سبعٌ) بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّ في عذابِ هذه القرى الظَّالمةِ عبرةً لغيرِهم لعلَّهم يعتبرُونَ فيرجعُوا عن كفرِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (103) الى الآية رقم (108) عدد الآيات (6)

بعدَ أنْ ذكَرَ اللهُ العبرةَ من إهلاكِ الأممِ الظَّالمةِ في الدنيا، ذكرَ هنا العبرةَ بجزاءِ الآخرةِ لكلٍّ من الأشقياءِ والسُّعداءِ، وهي إقامةُ الدليلِ على صدقِ الأنبياءِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة هود

الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف/ التوازن (أو: الثبات على الحق دون تهور أو ركون)

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • السورة تقدم 7 نماذج من الأنبياء الكرام::   في ظل هذه الأجواء تنزل سورة "هود" لتقول: اثبتوا واستمروا في الدعوة. نزلت بهدف : تثبيت النبي ﷺ والذين معه على الحق. نزلت تنادي: الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف.
  • • سورة هود شيبت النبي ﷺ::   ذكرت السورة 7 نماذج من الأنبياء الكرام، وصبرهم على ما لاقوه من أقوامهم، كل منهم يواجه الجاهلية الضالة ويتلقى الإعراض والتكذيب والسخرية والاستهزاء والتهديد والإيذاء، وهم: نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، شعيب، موسى. وهم الأنبياء أنفسهم الذين ذُكروا في سورة الشعراء والعنكبوت (لكن ليس بنفس هذا الترتيب). وأيضًا نفس الأنبياء الذين ذكروا في سورة الأعراف إلا إبراهيم (وبنفس ترتيب هود). وكأنها تقول للنبي ﷺ وأصحابه: هذا ما حدث للأنبياء قبلكم، أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم، ومع هذا ثبتوا وصبروا واستمروا؛ فاثبتوا واصبروا واستمروا مثلهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «هود».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله هود عليه السلام، أرسله الله إلى عاد في الأحقاف التي تقع جنوب الجزيزة العربية بين عُمان وحضر موت.
  • • سبب التسمية ::   لتكرار اسمه فيها خمس مرات، ولأنه ما حكي عنه فيها أطول مما حكي عنه في غيرها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات الشدائد والمحن.
  • • علمتني السورة ::   أن التوحيد أول الواجبات: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العبرة بالأحسن، لا بالأكثر! فالله لم يقل: (أكثر عملًا)، بل قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن أقارن بين خاتمة المجرمين والمؤمنين، فقد وجدت الكافرين في النار، ليس لهم أولياء يدفعون عنهم العذاب الأليم، أما المؤمنون فـ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (23)، فالفريق الأول (الكفار) مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني (المؤمنون) كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (24).
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْت»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كَوِّرَتْ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة هود من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عَنْ كَعْب الأحبار قَالَ: «فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ الْأَنْعَامُ، وَخَاتِمَتُهَا هُودٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة هود من السور الخمس التي شيبت النبي صلى الله عليه وسلم (حديث: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» سبق قبل قليل).
    • سورة هود احتوت على أطول قصة لنوح في القرآن الكريم، وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور، ولا سورة الأعراف على طولها، ولا سورة نوح التي أفردت لقصته.
    • سورة هود تشبه سورة الأعراف من حيث الموضوع؛ فكلتاهما تتناولان قصة التوحيد في مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ من خلال قصص الأنبياء، ولكن تبقى لكل سورة أسلوبها الخاص؛ فمثلًا نجد سورة الأعراف ركزت وفصلت كثيرًا في قصة موسى خاصة مع بني إسرائيل في ما يقارب من 70 آية من السورة، بينما قصة موسى ذكرت في 4 آيات من سورة هود، ونجد سورة هود فصلت أكثر في قصة نوح من سورة الأعراف.
    • سورة هود وسورة النحل تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نصبر ونستمر في الدعوة إلى الله رغم كل الظروف، دون أي تهور أو ركون.
    • أن نستغفر الله دومًا ونتوب إليه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، فإذا تم هذا كان العيشُ الهانئ في الدنيا: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، والتكريم في الآخرة: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ (3).
    • أن نراقب الله في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (5).
    • أن نجتهد في طلب الرزق، متيقنين أن الله هو الرزاق: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (6).
    • ألا نتكبر إذا أصابنا الخير بعد الشر؛ بل نشكر الله تعالى على نعمه: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ (10).
    • أن نراجع مشروعاتنا في الحياة؛ هل سننتفع بها في الآخرة؟: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (16).
    • أن نعمل أعمالًا صالحة تشهد لنا بها الأشهاد يوم القيامة: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ (18).
    • أن نتقي ظلم أنفسنا بالمعاصي، أو ظلم غيرنا بإضلالهم: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (18، 19).
    • أن نصلي ركعتين، ثم ندعو الله ونتضرع إليه أن يرزقنا الإخبات إليه (أي: التواضع والتسليم له): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ (23).
    • ألا نحتقر أحدًا في دعوتنا لمكانته الاجتماعية أو المادية: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (27).
    • أن نحتسب في تعليم المسلمين ودعوتهم إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـه﴾ (29).
    • أن نكثر من زيارة الضعفاء، ونقدّم لهم الهدايا والعطايا: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ﴾ (30).
    • ألا نيأس إذا قَلَّ من يسمع نصحنا، أو كَثُرَ مخالفونا؛ فإنَّ الأنبياء قد أفنوا أعمارهم الطويلة في الدعوة، ولم يستجب لبعضهم إلا القليل: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (40).
    • أن نُذَكِّر من حولنا بنعم الله تعالى عليهم وإحسانه لهم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه﴾ (61).
    • أن نلقي السلام، وأن نرد بأحسن منه، فضيوف إبراهيم عليه السلام حين دخلوا سلموا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا﴾ (69)، وهو رد: ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ هم حيـَّوه بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث، ورد عليهم بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت، فكان رد إبراهيم عليه السلام بأحسن من تحيتهم.
    • أن نتم الكيل والوزن، ولا نبخس الناس أشياءهم: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نفتش في أنفسنا: هل ظلمنا أحدًا في عرض، أو مال، أو غيره، ثم نردّ الحقوق لأهلها: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (85).
    • أن نبتعد عن الظلم والظالمين: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (113).
    • أن نحافظ على أداء الصلوات أول وقتها مع الجماعة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ (114).
    • أن ننكر على أهل البدع أو المجاهرين بالمعاصي بأسلوب حكيم: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ (116).

تمرين حفظ الصفحة : 233

233

مدارسة الآية : [98] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ..

التفسير :

[98] يَقْدُم فرعون قومه يوم القيامة حتى يدخلهم النار، وقبُح المدخل الذي يدخلونه.

تفسير الآيتين 98 و99:ـ

{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ ْ} أي:في الدنيا{ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ْ} أي:يلعنهم الله وملائكته, والناس أجمعون في الدنيا والآخرة.

{ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ْ} أي:بئس ما اجتمع لهم، وترادف عليهم, من عذاب الله، ولعنة الدنيا والآخرة.

ثم بين- سبحانه- سوء مصيره ومصير أتباعه فقال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ.

ويقدم- كينصر- بمعنى يتقدم مأخوذ من الفعل قدم- بفتح الدال- تقول: قدم الرجل يقدم قدما وقدوما بمعنى: تقدم، ومنه قادمة الرحل بمعنى مقدمته.

وقوله فَأَوْرَدَهُمُ من الإيراد وهو جعل الشيء واردا إلى المكان- وداخلا فيه.

والورد- بكسر الواو- يطلق على الماء الذي يرد إليه الإنسان والحيوان للشرب.

والمعنى: يتقدم فرعون قومه يوم القيامة إلى جهنم، كما كان يتقدمهم في الكفر في الدنيا، فأوردهم النار، أى: فدخلها وأدخلهم معه فيها.

وعبر بالماضي مع أن ذلك سيكون يوم القيامة لتحقيق الوقوع وتأكده، وقد صرح القرآن بأنهم سيدخلون النار بمجرد موتهم فقال- تعالى-: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ .

وقوله وبئس الورد المورود، أى: وبئس الورد الذي يردونه النار، لان الورد- الذي هو النصيب المقدر للإنسان من الماء- إنما يذهب إليه قاصده لتسكين عطشه، وإرواء ظمئه، وهؤلاء إنما يذهبون إلى النار التي هي الضد من ذلك.

وقال تعالى : ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) وكذلك شأن المتبوعين يكونون موفرين في العذاب يوم المعاد ، كما قال تعالى : ( [ قال ] لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) [ الأعراف : 38 ] ، وقال تعالى إخبارا عن الكفرة إنهم يقولون في النار : ( ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) [ الأحزاب : 67 ، 68 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا أبو الجهم ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " امرؤ القيس حامل لواء شعراء الجاهلية إلى النار " .

القول في تأويل قوله تعالى : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (يقدم ) ، فرعون ، (قومه يوم القيامة ) ، يقودهم، فيمضي بهم إلى النار ، حتى يوردهموها ، ويصليهم سعيرها، (وبئس الورد) ، يقول: وبئس الورد الذي يردونه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك.

18531- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يقدم قومه يوم القيامة) ، قال: فرعون يقدم قومه يوم القيامة ، يمضى بين أيديهم حتى يهجم بهم على النار.

18532- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (يقدم قومه يوم القيامة) يقول: يقود قومه ، " فأوردهم النار ".

18533- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: (يقدم قومه يوم القيامة)، يقول: أضلهم فأوردهم النار.

18534- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله: (فأوردهم النار) ، قال: " الورد "، الدُّخول.

18535- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فأوردهم النار) ، كان ابن عباس يقول: " الورد " في القرآن أربعةُ أوراد: في هود قوله: (وبئس الورد المورود) ، وفي مريم: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا [سورة مريم: 71] ، وورد في " الأنبياء ": حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ، [سورة الأنبياء: 98] ، وورد في " مريم " أيضًا: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [سورة مريم: 86 ] كان ابن عباس يقول: كل هذا الدخول، والله ليردن جهنم كل برٍّ وفاجر: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ، [سورة مريم: 72 ] .

* * *

التدبر :

عمل
[98] ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قال قتادة: «فرعون مضى بين يدي قومه، حتى يهجم بهم على النار»! قادة الضلال يوردون أتباعهم المهالك، فانظر خلفَ مَن تسير!
وقفة
[98] ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ هذه نتائج اتباع القدوات الضالة تنتهي بأصحابها للهاوية.
وقفة
[98] قادةٌ لكن من نوعٍ آخر: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾.
تفاعل
[98] ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[98] ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ يعني: يتقدمهم إلى النار؛ إذ هو رئيسهم.
وقفة
[98] ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ وكما أنهم اتبعوه في الدنيا، وكان مقدمهم ورئيسهم، كذلك هو يقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم، فأوردهم إياها، وشربوا من حياض رداها، وله في ذلك الحظ الأوفر، ومن ثم العذاب الأكبر.
وقفة
[98] الجزاء من جنس العمل؛ فكما يكون الطاغية متقدمًا على قومه بالباطل في الدنيا؛ فهو سابق لهم في العذاب يوم القيامة ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾.
وقفة
[98] ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ استهزاء بهم، فالورد هو نصيب الإنسان من الماء يشربه لتسكين عطشه وإرواء ظمئه، وهؤلاء يردون النار ليزدادوا عطشًا، وتتقطع أجوافهم ظمأً.

الإعراب :

  • ﴿ يقدم قومه:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. قومه: مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والجملة في محل نصب حال: أي يأتي متقدمًا قومه.
  • ﴿ يوم القيامة:
  • يوم: ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بيقدم. القيامة: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ فأوردهم النار:
  • الفاء عاطفة لأن الجملة بعده بتقدير: فيوردهم النار لا محالة وقد جاءت بلفظ الماضي لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به. أورد: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون حرك بالضم للإشباع في محل نصب مفعول به أول. النار: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. وقيل عطف \"أورد\" على \"يقدم\" لاتحاد معينهما رغم اختلافهما في اللفظ.
  • ﴿ وبئس الورد المورود:
  • الواو استئنافية. بئس: فعل ماضٍ جامد مبني على الفتح لإنشاء الذم. الورد: أي المورود فاعل مرفوع بالضمة. المورود: أي المقصود: مبتدأ مرفوع بالضمة والجملة الفعلية \"بئس الورد\" في محل رفع خبر مقدم للمبتدأ \"المورود\" وهناك وجه آخر لإعرابها وهو بئس الورد: فعل وفاعل. المورود: خبر مرفوع بالضمة لمبتدأ محذوف تقديره هو. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [98] لما قبلها :     ولَمَّا كان فرعون هو مُقدَّمَهم ورئيسَهم، فاتبَعوه في الدُّنيا إلى الهلاك؛ فهو يقدُمُهم يوم القيامة إلى نار جهنم، فيُورِدهم إياها، قال تعالى:
﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [99] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ..

التفسير :

[99] وأتبعهم الله في هذه الدنيا مع العذاب الذي عجَّله لهم فيها من الغرق في البحر لعنةً، ويوم القيامة كذلك لعنة أخرى بإدخالهم النار، وبئس ما اجتمع لهم وترادَف عليهم من عذاب الله، ولعنة الدنيا والآخرة.

تفسير الآيتين 98 و99:ـ

{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ ْ} أي:في الدنيا{ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ْ} أي:يلعنهم الله وملائكته, والناس أجمعون في الدنيا والآخرة.

{ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ْ} أي:بئس ما اجتمع لهم، وترادف عليهم, من عذاب الله، ولعنة الدنيا والآخرة.

ثم صرح- سبحانه- بلعتهم في الدارين فقال: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ...

أى: إن اللعنة والفضيحة لحقت بهم واتبعتهم في الدنيا وفي الأخرى، كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ

وجملة بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ مستأنفة لإنشاء ذم اللعنة، والمخصوص بالذم محذوف دل عليه ذكر اللعنة، أى بئس الرفد هي.

الرفد العطاء والعون يقال رفد فلان فلانا يرفده رفدا أى أعطاه وأعانه على قضاء مصالحه، أى: بئس العطاء المعطى لهم تلك اللعنة المضاعفة التي لا بستهم في الدنيا والآخرة.

وسميت اللعنة رفدا على سبيل التهكم بهم، كما في قول القائل: تحية بينهم ضرب وجيع.

فكأنه- سبحانه- يقول: هذه اللعنة هي العطاء المعطى من فرعون لأتباعه الذين كانوا من خلفه كقطيع الأغنام الذي يسير خلف قائده بدون تفكر أو تدبر ...

وبئس العطاء عطاؤه لهم ...

وإلى هنا تكون هذه السورة الكريمة قد حدثتنا عن قصة نوح مع قومه، وعن قصة هود مع قومه، وعن قصة صالح مع قومه، وعن قصة إبراهيم مع الملائكة، وعن قصة لوط مع قومه ومع الملائكة، وعن قصة شعيب مع قومه، وعن قصة موسى مع فرعون وملئه.

ويلاحظ أن السورة الكريمة قد ساقت لنا تلك القصص حسب ترتيبها التاريخى والزمنى، لأهداف من أهمها:

1- إبراز وحدة العقيدة في دعوة الأنبياء جميعا، فكل نبي قد قال لقومه: اعبدوا الله مالكم من إله غيره ... ثم يسوق لهم الأدلة على صدقه فيما بلغه عن ربه.

2- إبراز أن الناس في كل زمان ومكان فيهم الأخيار الذين يتبعون الرسل، وفيهم الأشرار الذين يحاربون الحق ...

3- بيان العاقبة الحسنة التي انتهى إليها المؤمنون بسبب إيمانهم وصدقهم وعملهم الصالح ... والعاقبة السيئة التي انتهى إليها الكافرون بسبب كفرهم وإعراضهم عن الحق ...

قال- تعالى- فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .

ثم ساقت السورة بعد ذلك حتى نهايتها آيات كريمة اشتملت على تعليقات وتعقيبات متنوعة، وهذه التعليقات والتعقيبات قوية الصلة بما سبقها من آيات ...

وكان التعقيب الأول يهدف إلى بيان أن هذه القرى المهلكة التي منها ما هو قائم ومنها ما هو حصيد، ما ظلم الله- تعالى- أهلها، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بعصيانهم الرسل، وإصرارهم على الكفر والعناد، قال- تعالى-:

وقوله : ( وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) أي : أتبعناهم زيادة على ما جازيناهم من عذاب النار لعنة في هذه الحياة الدنيا ، ( ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) .

قال مجاهد : زيدوا لعنة يوم القيامة ، فتلك لعنتان .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( بئس الرفد المرفود ) قال : لعنة الدنيا والآخرة ، وكذا قال الضحاك ، وقتادة ، وهكذا قوله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ) [ القصص : 41 ، 42 ] ، وقال تعالى : ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر : 46 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وأتبعهم الله في هذه ، يعني في هذه الدنيا ، مع العذاب الذي عجله لهم فيها من الغرق في البحر، لعنتَه (1) ، (ويوم القيامة) ، يقول: وفي يوم القيامة أيضًا يلعنون لعنةً أخرى، كما:-

18536- حدثنا بن حميد قال ، حدثنا حكام، عن عنبسه عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) ، قال: لعنةً أخرى.

18537- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) ، قال : زِيدوا بلعنته لعنةً أخرى، فتلك لعنتان.

18538- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) ، اللعنةُ في إثر اللعنة.

18539-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) ، قال: زيدوا لعنة أخرى، فتلك لعنتان.

18540- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (في هذه) ، قال: في الدنيا ، (ويوم القيامة) ، أردفوا بلعنة أخرى ، زيدوها، فتلك لعنتان.

* * *

وقوله: (بئس الرفد المرفود) ، يقول: بئس العَوْن المُعان، اللعنةُ المزيدة فيها أخرى مثلها. (2)

* * *

وأصل " الرفد "، العون، يقال منه: " رفَد فلانٌ فلانًا عند الأمير يَرفِده رِفْدًا " بكسر الراء ، وإذا فتحت، فهو السَّقي في القدح العظيم، و " الرَّفد ": القدحُ الضخم، ومنه قول الأعشى:

رُبَّ رَفْــدٍ هَرَقْتَــهُ ذَلِــكَ الْيَـوْ

مَ وَأسْــرَى مِــنْ مَعْشَــرٍ أَقْتَـالِ (3)

ويقال: " رَفد فلان حائطه " ، وذلك إذا أسنده بخشبة ، لئلا يسقط. و " الرَّفد " ، بفتح الراء المصدر. يقال منه: " رَفَده يَرفِده رَفْدًا " ، و " الرِّفْد "، اسم الشيء الذي يعطاه الإنسان ، وهو " المَرْفَد ".

* * *

وينحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18541- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (بئس الرفد المرفود) ، قال: لعنة الدنيا والآخرة.

18542- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بئس الرفد المرفود)، قال: لعنهم الله في الدنيا، وزيد لهم فيها اللعنة في الآخرة.

18543- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) ، قال: لعنة في الدنيا، وزيدوا فيها لعنةً في الآخرة .

18544- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) ، يقول: ترادفت عليهم اللعنتان من الله ، لعنة في الدنيا، ولعنة في الآخرة.

18545- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: أصابتهم لعنتان في الدنيا، رفدت إحداهما الأخرى، وهو قوله: (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود).

--------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " اللعنة " فيما سلف 12 : 447 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(2) في المخطوطة والمطبوعة : " أخرى منها " ، وكأن الصواب ما أثبت .

(3) ديوانه : 13 ، من قصيدة طويلة من جياد شعره ، يمدح فيها الأسود بن المنذر اللخمي أخا النعمان بن المنذر ، الملك . وكان الأسود غزا الحليفين أسدًا وذبيان ، ثم أغار على الطف ، فأصاب نعمًا وأسرى وسبيًا من سعد بن ضبيعة ( رهط الأعشى ) ، وكان الأعشى غائبًا ، فلما قدم وجد الحي مباحًا ، فأتاه فأنشده ، وسأله أن يهب له الأسرى ويحملهم ، ففعل . يقول : رب رجل كانت له إبل يحلبها في قدح له ولعياله ، فاستقت الإبل ، وذهب ما كان يحلبه الرفد ، فكذلك هرقت ما حلب . " والأقتال " جمع " قتل " ( بكسر فسكون ) . و " القتل " ، القرن من الأعداء ، وهو أيضًا : المثل والنظير ، وقال الأصمعي في شرح البيت وقد نقلت ما سلف من شرح ديوانه : " أقتال " ، أشباه غير أعداء . وكان في المطبوعة والمخطوطة : " أقيال " ، وهو هنا خطأ .

التدبر :

لمسة
[99] ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (هذه) يا ألله! لا تستحق الدنيا حتى الذِّكْر.
وقفة
[99] ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ التحذير من اتِّباع رؤساء الشر والفساد، وبيان شؤم اتباعهم في الدارين.
وقفة
[99] ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ الرِّفد هو العطاء، وكأن مكافأة فرعون لقومه على اتباعهم له هي اللعنة التي تصيبهم في الدنيا والآخرة، وهو لون من ألوان التهكم لا يخفى.
تفاعل
[99] ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وأتبعوا في هذه لعنة:
  • لواو عاطفة. أتبعوا: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. في: حرف جر. هذه: اسم إشارة مبني على الكسر في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق باتبعوا. لعنة: مفعول به منصوب بالفتحة. والمشار إليه محذوف تقديره في هذه الدنيا.
  • ﴿ ويوم القيامة بئس الرفد المرفود:
  • الواو: حرف عطف وما بعدها: أعرب في الآية الكريمة السابقة. '

المتشابهات :

هود: 60﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ
هود: 99﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ
القصص: 42﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [99] لما قبلها :     وبعد بيان مصيرهم في الدنيا والآخرة؛ صرحَ اللهُ هنا بلعنهم في الدارين، قال تعالى:
﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [100] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ ..

التفسير :

[100] ذلك الذي ذكرناه لك -أيها الرسول- من أخبار القرى التي أهلكنا أهلها نخبرك به، ومن تلك القرى ما له آثار باقية، ومنها ما قد مُحِيَتْ آثاره، فلم يَبْقَ منه شيء.

ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم، قال الله تعالى لرسوله:{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ْ} لتنذر به، ويكون آية على رسالتك، وموعظة وذكرى للمؤمنين.

{ مِنْهَا قَائِمٌ ْ} لم يتلف، بل بقي من آثار ديارهم، ما يدل عليهم،{ وَ ْ} منها{ حَصِيدٌ ْ} قد تهدمت مساكنهم، واضمحلت منازلهم، فلم يبق لها أثر.

أى: ذلك الذي قصصناه عليك- أيها الرسول الكريم- في هذه السورة الكريمة، وهو جزء مِنْ أَنْباءِ الْقُرى المهلكة.

ونحن نقصه عليك، في هذا القرآن عن طريق وحينا الصادق، ليعتبر به الناس، وليعلموا أن هذا القرآن المشتمل على هذا القصص الذي لا علم لهم به من عند الله.

وافتتح- سبحانه- الكلام باسم الإشارة المفيد للبعد، للتنويه بشأن هذه الأنباء التي سبق الحديث عنها، وللإشعار بأنها أنباء هامة فيها الكثير من العظات والعبر لقوم يعقلون.

والضمير في قوله: منها قائم وحصيد، يعود إلى تلك القرى المهلكة، والجملة مستأنفة للتحريض على النظر والاعتبار، فكأن سائلا سأل ما حال هذه القرى المهلكة أباقية آثارها أم عفى عليها الزمن؟ فكان الجواب: منها قائم وحصيد.

أى: من هذه القرى المهلكة ما آثارها قائمة يراها الناظر إليها، كآثار قوم ثمود.

ومنها ما أثارها عفت وزالت وانطمست وصارت كالزرع المحصود الذي استؤصل بقطعه، فلم تبق منه باقية، كديار قوم نوح.

ففي هذه الجملة الكريمة تشبيه بليغ، حيث شبه- سبحانه- القرى التي بعض آثارها ما يزال باقيا بالزرع القائم على ساقه، وشبه ما زال منها واندثر بالزرع المحصود.

وحصيد مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه، أى منها قائم ومنها حصيد.

لما ذكر تعالى خبر هؤلاء الأنبياء ، وما جرى لهم مع أممهم ، وكيف أهلك الكافرين ونجى المؤمنين قال : ( ذلك من أنباء القرى ) أي : من أخبارها ( نقصه عليك منها قائم ) أي : عامر ، ( وحصيد ) أي : هالك دائر

القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هذا القصص الذي ذكرناه لكَ في هذه السورة، ، والنبأ الذي أنبأناكه فيها ، من أخبار القرى التي أهلكنا أهلها بكفرهم بالله، (4) وتكذيبهم رسله ، (نقصه عليك ) فنخبرك به (5) ، (منها قائم) ، يقول: منها قائم بنيانه ، بائدٌ أهله هالك ، (6) ومنها قائم بنيانه عامر، ومنها حصيدٌ بنيانه ، خرابٌ متداعٍ، قد تعفى أثرُه دارسٌ.

* * *

من قولهم: " زرع حصيد "، إذا كان قد استؤصل قطعه، وإنما هو محصود، ولكنه صرف إلى " فعيل " ، (7) كما قد بينا في نظائره. (8)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18546- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد) ، يعني ب " القائم " قُرًى عامرة. و " الحصيد " قرى خامدة.

18547- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قائم وحصيد) ، قال: " قائم " على عروشها ، و " حصيد " مستأصَلة.

18548- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (منها قائم) ، يرى مكانه، (وحصيد) لا يرى له أثر.

18549- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (منها قائم) ، قال: خاوٍ على عروشه ، (وحصيد) ، ملزقٌ بالأرض.

18550- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن الأعمش: (منها قائم وحصيد) ، قال: خرَّ بنيانه.

18551- حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن الأعمش: (منها قائم وحصيد) ، قال: " الحصيد "، ما قد خرَّ بنيانه.

18552- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (منها قائم وحصيد) ، منها قائم يرى أثره، وحصيدٌ بَادَ لا يرى أثره.

-------------------

الهوامش :

(4) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف من فهارس اللغة ( نبأ ) .

(5) انظر تفسير " القصص " فيما سلف 9 : 402 / 11 : 399 / 12 : 120 ، 307 ، 406 / 13 : 7 ، 274 .

(6) في المطبوعة " بائد بأهله " ، والصواب من المخطوطة ، وزدت " قائم " قبل قوله : " بنيانه " ، وبذلك تستقيم الجملة وتساوي التي تليها .

(7) انظر تفسير " حصيد " فيما سلف ص : 56 .

(8) انظر ما سلف من فهارس اللغة مباحث العربية والنحو وغيرهما .

التدبر :

وقفة
[100] ﴿ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ من هذه القرى المهلكة ما آثارها قائمة يراها الناظرون، كآثار فرعون وثمود، ومنها ما زالت آثارها وصارت كالزرع المحصود فلم يبقَ منه شيء كديار قوم نوح ولوط.
عمل
[100] اقرأ قصة من قصص القرآن، متأملًا ومستخرجًا دروسها وعبرها ﴿ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ذلك.
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللآم: للبعد والكاف للخطاب والإشارة للنبأ أي ذلك النبأ.
  • ﴿ من أنباء القرى:
  • من: حرف جر للتبعيض. أنباء: اسم مجرور بمن وعلامة جره: الكسرة. القرى: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ. التقدير: ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة.
  • ﴿ نقصه عليك:
  • الجملة: في محل رفع خبر ثانٍ للمبتدأ بمعنى: منقوص عليك، نقصه: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. عليك: جار ومجرور متعلق بنقصّ.
  • ﴿ منها قائم وحصيد:
  • الجملة: استئنافية لا محل لها. منها: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. قائم: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. وحصيد: معطوف على قائم مرفوعة مثلها بالضمة. بمعنى منها باق وفيها محصود. '

المتشابهات :

آل عمران: 44﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ
يوسف: 102﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
هود: 100﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [100] لما قبلها :     وبعد ذكرِ قصصِ الأنبياءِ (وهي سبعٌ)؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنَّ في عذابِ هذه القرى الظَّالمةِ عبرةً لغيرِهم لعلَّهم يعتبرُونَ فيرجعُوا عن كفرِهم، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [101] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ..

التفسير :

[101] وما كان إهلاكهم بغير سبب وذنب يستحقونه، ولكن ظلموا أنفسهم بشركهم وإفسادهم في الأرض، فما نفعتهم آلهتهم التي كانوا يدعُونها ويطلبون منها أن تدفع عنهم الضر لمَّا جاء أمر ربك بعذابهم، وما زادتهم آلهتهم غير تدمير وإهلاك وخسران.

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ْ} بأخذهم بأنواع العقوبات{ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ْ} بالشرك والكفر، والعناد.

{ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ْ} وهكذا كل من التجأ إلى غير الله، لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد.

{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ْ} أي:خسار ودمار، بالضد مما خطر ببالهم.

وقوله- سبحانه- وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ:.. بيان لمظاهر عدله في قضائه وأحكامه.

والضمير المنصوب في ظَلَمْناهُمْ يعود إلى أهل هذه القرى، لأنهم هم المقصودون بالحديث.

أى: وما ظلمنا أهل هذه القرى بإهلاكنا إياهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم، بسبب إصرارهم على الكفر، وجحودهم للحق، واستهزائهم بالرسل الذين جاءوا لهدايتهم ...

ثم بين- سبحانه- موقف آلهتهم المخزى منهم فقال: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ...

أى: أن هؤلاء المهلكين عند ما نزل بهم العذاب، لم تنفعهم أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله شيئا من النفع ... بل هي لم تنفع نفسها فقد اندثرت معهم كما اندثروا.

والفاء في قوله- سبحانه- فَما أَغْنَتْ للتفريع على ظلمهم لأنفسهم، لأن اعتمادهم على شفاعة الأصنام، وعلى دفاعها عنهم ... من مظاهر جهلهم وغبائهم وظلمهم لأنفسهم.

ومِنْ في قوله: مِنْ شَيْءٍ لتأكيد انتفاء النفع والإغناء: أى: لم تغن عنهم شيئا ولو قليلا من الإغناء ولم تنفعهم لا في قليل ولا كثير ...

وجملة وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ تأكيد لنفى النفع، وإثبات للضر والخسران.

والتتبيب: مصدر تب بمعنى خسر، وتبب فلان فلانا إذا أوقعه في الخسران.

ومنه قوله- تعالى- تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ أى: هلكتا وخسرتا كما قد هلك وخسر هو.

أى: وما زادتهم أصنامهم التي كانوا يعتمدون عليها في دفع الضر سوى الخسران والهلاك.

قال الإمام الرازي: والمعنى: أن الكفار كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار، ثم إنه- تعالى- أخبر أنهم عند مساس الحاجة إلى المعين، ما وجدوا منها شيئا لا جلب نفع ولا دفع ضر، ثم كما لم يجدوا ذلك فقد وجدوا ضده، وهو أن ذلك الاعتقاد زالت عنهم به منافع الدنيا والآخرة، وجلب لهم مضارهما، فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران» .

( وما ظلمناهم ) أي : إذ أهلكناهم ، ( ولكن ظلموا أنفسهم ) أي : بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم ، ( فما أغنت عنهم آلهتهم ) أي : أصنامهم وأوثانهم التي كانوا يعبدونها ويدعونها ، ( من دون الله من شيء ) أي : ما نفعوهم ولا أنقذوهم لما جاء أمر الله بإهلاكهم ، ( وما زادوهم غير تتبيب ) .

قال مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما : أي غير تخسير ، وذلك أن سبب هلاكهم ودمارهم إنما كان باتباعهم تلك الآلهة وعبادتهم إياها فبهذا أصابهم ما أصابهم ، وخسروا بهم ، في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القرى التي اقتصَصنا نبأها عليك ، يا محمد ، بغير استحقاق منهم عقوبتنا، فنكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا إياهُمْ في غير موضعها ، (ولكن ظلموا أنفسهم) ، يقول: ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بمعصيتهم الله وكفرهم به، عقوبتَه وعذابه، فأحلوا بها ما لم يكن لهم أن يحلوه بها، وأوجبوا لها ما لم يكن لهم أن يوجبوه لها ، (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء) ، يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله ، (9) ويدعونها أربابًا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربُّهم من شيء ، ولا ردَّت عنهم شيئًا منه ، (لما جاء أمر ربك) ، يا محمد، يقول: لما جاء قضاء ربك بعذابهم، فحقّ عليهم عقابه ، ونـزل بهم سَخَطه ، (وما زادوهم غير تتبيب) ، يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مجيء أمر ربك هؤلاء المشركين بعقاب الله غير تخسيرٍ وتدميرٍ وإهلاك.

* * *

يقال منه: " تبَّبْتُه أتبِّبُه تَتْبيبًا "، ومنه قولهم للرجل: " تبًّا لك "، قال جرير:

عَــرَادَةُ مِــنْ بَقِيَّــةِ قَـوْمِ لُـوطٍ

أَلا تَبًّـــا لِمَـــا فَعَلُــوا تَبَابًــا (10)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18553- حدثني المثني قال ، حدثنا سعيد بن سلام أبو الحسن البصري قال ، حدثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق، عن ابن عمر في قوله: (وما زادوهم غير تتبيب) ، قال: غير تخسير. (11)

18554- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (غير تتبيب) ، قال: تخسير.

18555- حدثنا المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

18556-حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: (غير تتبيب) ، يقول: غير تخسير.

18557- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (غير تتبيب) ، قال: غير تخسير.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره، وإن كان خبرًا عمَّن مَضَى من الأمم قبلنا، فإنه وعيدٌ من الله جلّ ثناؤه لنا أيتها الأمة ، أنا إن سلكنا سبيلَ الأمم قبلَنا في الخلاف عليه وعلى رسوله، سلك بنا سبيلهم في العُقوبة ، وإعلام منه لما أنه لا يظلم أحدًا من خلقه، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم، كما:-

18558- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قال، اعتذر ، يعني ربنا جل ثناؤه ، إلى خلقه فقال: (وما ظلمناهم) ، مما ذكرنا لك من عذاب من عذبنا من الأمم ، (ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم) ، حتى بلغ: (وما زادوهم غير تتبيب) ، قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب.

----------------------

الهوامش :

(9) انظر تفسير " أغني عنه " فيما سلف ص : 215 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(10) ديوانه : 72 ، من قصيدته المشهورة في هجاء الراعي النميري ، وكان سببها أن " عرادة النميري " ، وهو رواية الراعي كان نديمًا للفرزدق ، فقدم الراعي البصرة ، فدعاه عرادة فأطعمه وسقاه وقال : فضل الفرزدق على جرير ! فأبى . فلما أخذ فيه الشراب ، لم يزل به حتى قال :

يــا صَـاحِبَيَّ دَنـا الـرَّواحُ فَسِـيرَا

غَلَـبَ الفَـرَزْدَقُ فـي الهِجَـاءِ جريرَا

فهاج الهجاء بينهما ، فكان مما ذكر به عرادة قوله :

أتَــانِي عَـنْ عَـرَادَةَ قَـوْلُ سُـوءٍ

فَــلاَ وَأَبِــي عُـرَادَةَ مَـا أَصَابَـا

وَكَـمْ لَـكَ يَـا عُـرَادَةُ مِـنْ أُمِّ سُوءٍ

بَــأَرْضِ الطَّلْــحِ تَحْـتَبِلُ الزَّبابَـا

لَبِئْــسَ الْكَسْـبُ تَكْسِــبُهُ نُمَــيْرٌ

إِذَا اسْــتَأْنَوْكَ وانْتَظَــروا الإِيابَـا

وكان في المخطوطة والمطبوعة : " عرابة " ، وهو خطأ صرف .

(11) الأثر : 18553 - " سعيد بن سلام ، أبو الحسن البصري العطار الثوري الأعور " ، منكر الحديث ، كذاب يحدث عن الثوري ، لا يكتب حديثه ، مترجم في الكبير 2 / 1 / 441 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 31 ، ولسان الميزان 3 : 31 ، وميزان الاعتدال 1 : 382 . " ونسير بن ذعلوق الثوري " ، ثقة ، مضى برقم : 5491 ، 13488 .

التدبر :

وقفة
[101] ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ وهكذا كل من التجأ إلى غير الله؛ لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد.
وقفة
[101] ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ قال أبو الفتح البستي: مَـنِ استعـانَ بغَيرِ اللهِ فـي طَلَـبٍ ... فـإنَّ ناصِـرَهُ عَجـزٌ وخِـذْلانُ
وقفة
[101] ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ (وظلموا أنفسهم): بالكفر والمعصية.
وقفة
[101] تنزه الله تعالى عن الظلم في إهلاك أهل الشرك والمعاصي ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۖ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾.
وقفة
[101] ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ والتتبيب: مصدر تبَّب بمعنى خسِر، وتبَّب فلان فلانًا إذا أوقعه في الخسران، وتبًّا لفلان: دعاء عليه بالهلاك، والمعنى: أن الكفار كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار، فما وجدوا منها عند الحساب جلب نفع ولا دفع ضر.

الإعراب :

  • ﴿ وما ظلمناهم:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. ظلم: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و \"هم\" ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أي وما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم.
  • ﴿ ولكن ظلموا أنفسهم:
  • الواو زائدة. لكن: حرف استدراك مخفف لا عمل له. ظلموا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أنفس: مفعول به منصوب بالفتحة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في مجل جر بالإضافة. أي ظلموا أنفسهم بارتكاب ما به أهلكوا.
  • ﴿ فما أغنت عنهم:
  • الفاء تعليلية أو رابطة لجواب شرط متقدم. ما: نافية. أغنت: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بتاء التأنيث الساكنة. عن: حرف جر و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بأغنت وهو في مقام المفعول به المقدم بمعنى فما نفعتهم آلهتهم.
  • ﴿ آلهتهم التي يدعون:
  • آلهة: فاعل مرفوع بالضمة و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة وحرك الميم بالضمة للإشباع. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة للآلهة. يدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة \"يدعون\" صلة الموصول لا محل لها بمعنى يعبدون وهي حكاية حال ماضية والعائد ضمير محذوف في محل نصب لأنه مفعول به. التقدير يدعونها أي يعبدونها.
  • ﴿ من دون الله من شيء:
  • جار ومجرور متعلق بيدعون. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. من: حرف جر زائد لتأكيد النفي. شيء: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا لأنه مفعول مطلق منصوب بالفتحة في موضع المصدر أي إغناء شيئًا أو نفعًا شيئًا ويجوز أن يتعلق الجار والمجرور بحال محذوفة من منصوب \"يدعون\".
  • ﴿ لما جاء أمر ربك:
  • لما: اسم شرط غير جازم بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالجواب. جاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح. أمر: فاعل مرفوع بالضمة. ربك: مضاف إليه مجرور للتعظيم والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. وجملة \"جاء أمر ربك\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد \"لما\" وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. التقدير: لما جاء عذاب ربك فما نفعتهم آلهتهم بشيء.
  • ﴿ وما زادوهم:
  • الواو: عاطفة. ما: نافية لا عمل لها. زادوا: تعرب إعراب \"ظلموا\" و \"هم\" ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ غير تتبيب:
  • غير: منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه الفتحة ويجوز أن تكون \"غير\" مفعولًا به ثانيًا. ويجوز أن تكون صفة للمصدر أي نائبة عن المفعول المطلق أي وما زادوهم زيادة غير. تتبيت: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة أي غير تخسير وإهلاك. '

المتشابهات :

هود: 101﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۖ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ
النحل: 118﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ۖ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
الزخرف: 76﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [101] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل ما فعل بهذه القرى؛ بَيَّنَ هنا أنه ما ظلمهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بإصرارهم على الكفر، قال تعالى:
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [102] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ..

التفسير :

[102] وكما أخذتُ أهل القرى الظالمةِ بالعذاب لمخالفتهم أمري وتكذيبهم برسلي، آخذ غيرهم مِن أهل القرى إذا ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله ومعصيتهم له وتكذيبهم لرسله. إنَّ أَخْذه بالعقوبة لأليم موجع شديد.

أي:يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم، ما كانوا يدعون, من دون الله من شيء.

ثم بين- سبحانه- سنته في عقاب الظالمين في كل زمان ومكان فقال: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ....

والكاف في وَكَذلِكَ بمعنى مثل، والمراد بالقرى: أهلها الظالمون.

والأخذ: هو العقاب المباغت السريع: يقال أخذ فلان الموت، إذا نزل به بسرعة وقوة.

أى: ومثل ذلك الأخذ والإهلاك للظالمين السابقين، يكون أخذ ربك وعقابه لكل ظالم يأتى بعدهم وينهج نهجهم.

وجملة، وهي ظالمة، في موضع الحال من القرى، وفائدة هذه الحال الإشعار بأن عقابهم كان بسبب ظلمهم، وفي ذلك ما فيه من التحذير لكل ظالم لا يبادر بالإقلاع عن ظلمه قبل فوات الأوان.

والمراد بالظلم ما يشمل الكفر وغيره من الجرائم والمعاصي التي نهى الله عنها، كالكذب وشهادة الزور، وأكل أموال الناس بالباطل.

وقوله: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ زيادة في التحذير من الوقوع في الظلم.

أى: إن أخذه- سبحانه- للظالمين عظيم إيلامه، شديد وقعه، لا هوادة فيه، ولا مخلص منه.

روى الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .

ثم بين- سبحانه- أن ما ساقه في هذا القرآن عن أحوال السابقين فيه العبرة لمن اعتبر، وفيه العظة لمن خاف عذاب الآخرة الذي ينقسم الناس فيه إلى شقي وسعيد، فقال- تعالى-:

يقول تعالى : وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم ، ( إن أخذه أليم شديد ) وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما أخذت، أيها الناس ، أهلَ هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتُهم به من العذاب، على خلافهم أمري ، وتكذيبهم رسلي ، وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرَى وأهلها إذا أخذتهم بعقابي ، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله ، وإشراكهم به غيره ، وتكذيبهم رسله ، (إنَّ أخذه أليم) ، يقول: إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه ، (أليم) ، يقول: موجع ، (شديد) الإيجاع.

* * *

وهذا من الله تحذيرٌ لهذه الأمة ، (12) أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة، فيحل بهم ما حلَّ بهم من المثُلات، كما:-

18559- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو معاوية، عن بريد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يُمْلي ، ورُبَّما ، قال: يمهل ، الظالمَ، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتُه. ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة). (13)

18560- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: إن الله حذّر هذه الأمة سطوتَه بقوله: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).

* * *

وكان عاصم الجحدريّ يقرأ ذلك: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ)، (14) وذلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها مصاحف المسلمين ، وما عليه قراء الأمصار.

-----------------------

الهوامش :

(12) في المطبوعة والمخطوطة : " وهذا أمر من الله تحذير . . . " ، والصواب حذف " أمر " ، كذلك فعلت .

(13) الأثر : 18559 - " بريد بن بردة " ، هو " بريد بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري " ، يروي جده " أبي بردة " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 140 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 426 .وقوله " : عن أبيه " ، يعني عن " أبي بردة بن أبي موسى الأشعري " ، وهو جده . وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 267 ) ، ومسلم في صحيحه 15 : 137 ، وابن ماجة في سننه ص : 1332 ، رقم : 4018 ، والترمذي في كتاب التفسير . وإسناد البخاري ومسلم : " بريدة بن أبي بردة ، عن أبيه " ، وإسناد ابن ماجة " بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بردة " وعند الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية أيضًا ، وهو إسناد الطبري : بريد بن عبد الله ، عن أبي بردة . وقد ذكر الحافظ ابن حجر ذلك فقال : " كذا وقع لأبي ذر ، ووقع لغيره : " عن أبي بردة " بدل : " عن أبيه " ، وهو صواب ، لأن بريدًا ، هو ابن عبد الله بن أبي بردة ، فأبو بردة جده لا أبوه ، ولكن يجوز إطلاق الأب عليه مجازًا " ( الفتح 8 : 267 ) . وقال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح غريب ، وقد روى أبو أسامة عن بريد ، نحوه وقال : يعلى . حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن أبي أسامة ، عن بريد بن عبد الله ، عن جده أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه ، وقال : يملى ، ولم يشك فيه " .

وكان هنا في المخطوطة والمطبوعة : " إن الله يملي ، وربما أمهل ، قال يمهل " ، زاد " أمهل " ، فحذفتها ، لأنها زيادة لا شك في خطئها .

" أملي له " أخره وأطال مدته . من " الملاوة " ، وهي المدة من الزمن .

(14) كان في المطبوعة : " وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى " وفي المخطوطة : " وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى " ، والذي في المخطوطة ، هو نفس التلاوة ، ولذلك جعل الناشر " إذ " مكان " إذا " . ولكني لما رأيت أبا جعفر ذكر خلافه لمصاحف المسلمين وكان في المخطوطة : " إذا " قدرت أنه الذي أثبت ، وهي قراءة شاذة ، رويت عن عاصم الجحدري ، وعن نافع ( انظر القراءات الشاذة ، لابن خالويه : 61 ) . وقرأ عاصم وطلحة بن مصرف : ( وكَذَلِكَ أَخَذَ رَبُّكَ إِذْ أَخَذَ القُرَى ) وقرأ عاصم أيضا : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّك إِذْ أَخَذَ الْقُرَى ) . فهي ثلاث قراءات عن عاصم الجحدري ، أثبت أشدها خلافا لمصاحف المسلمين ، وما عليه قرأة الأمصار .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[102] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ قال أبو عمران الجوني: «لا يغرنَّكم طولُ النسيئة ولا حسن الطلب؛ فإن أخذه أليم شديد»! العاقل لا يغتر بتأخر العقوبة، وإنما يدفعها قبل وصولها بالتوبة!
وقفة
[102] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ الكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فلا بد من زوالها بالكلية، وبقاء ذمه، ولسان السوء له في العالم، وهو يظهر سريعًا، ويزول سريعًا.
وقفة
[102] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ هذا تحذير من الله لهذه الأمة، أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة، فيحل بهم ما حل بمن سبقهم.
وقفة
[102] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ الظلم إعلان حرب مع الله، ولا بد أن ينتهي بانتقام الله.
وقفة
[102] ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ تدبر! لِـمَ نهى عن الطغيان هنا، ولم ينه عن التقصير؟ لأن الاجتهاد في الاستقامة قد يؤدي إلى التشديد على النفس وعلى الآخرين، وقد يصل إلى الغلو، وكل هذا طغيان ومجاوزة للحد.
وقفة
[102] عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾. [البخاري 4686].
وقفة
[102] متى نتأمل وندرك هذه الآية جيدًا؟! ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
وقفة
[102] سادت أمم ثم بادت وكأنها لم تكن! سبب ذلك الكفر والظلم ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
عمل
[102] اقرأ سورة يوسف متأملًا ظلم الأفراد، واقرأ سورة هود متأملًا ظلم أهل القرى، واستعذ بالله منهما ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
وقفة
[102] ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ العاقل لا يغتر بتأخر العقوبة، وإنما يدفعها قبل وصولها بالتوبة.
تفاعل
[102] ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[102، 103] ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ لن يتقي أنواع الظلم وعقوبته من لم يخف عذاب اﻵخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وكذلك أخذ ربك:
  • الواو: استئنافية. الكاف: اسم مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ بمعنى أو بتقدير: ومثل ذلك الأخذ. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة. اللام للبعد والكاف للخطاب. أخذ خبر \"كذلك\" مرفوع بالضمة. ربك: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إذا أخذ القرى:
  • إذا: هنا لحكاية الحال بمعنى \"متى\" يراد بها المستقبل. أو ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بمعنى \"حين\". أخذ: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. القرى: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر وجملة \"أخذ القرى\" في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وهي ظالمة:
  • الواو حالية. هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ظالة: خبر \"هي\" مرفوع بالضمة والجملة الاسمية \"هي ظالمة\" في محل نصب حال من القرى بمعنى إذا انتقم من القرى وهي ظالمة
  • ﴿ إنّ أخذه:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. أخذه: اسم \"إنّ\" منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ أليم شديد:
  • خبران لأنّ مرفوعان بالضمة. أي إنّ انتقامه أليم شديد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [102] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم بما فعلَ بأُممِ من تقَدَّمَ مِن الأنبياءِ- لَمَّا خالفوا الرُّسُلَ وردُّوا عليهم- مِن عذابِ الاستئصالِ، وبَيَّنَ أنَّهم ظَلَموا أنفُسَهم فحَلَّ بهم العذابُ في الدُّنيا؛ بَيَّنَ هنا أنَّ عذابَه ليس بمقتَصِرٍ على من تقدَّمَ، بل الحالُ في أخذِ كُلِّ الظالمينَ يكونُ كذلك، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وكذلك أخذ ربكم إذا أخذ:
وقرئ:
إذ أخذ، وهى قراءة أبى رجاء، والجحدري.
وكذلك أخذ ربك إذ أخذ، على أن «أخذ ربك» ، فعل وفاعل، و «إذ» ظرف لما مضى، وهى قراءة أبى رجاء، والجحدري.

مدارسة الآية : [103] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ ..

التفسير :

[103] إن في أخذنا لأهل القرى السابقة الظالمة لعبرةً وعظة لمن خاف عقاب الله وعذابه في الآخرة، ذلك اليوم الذي يُجمع له الناس جميعاً للمحاسبة والجزاء، ويشهده الخلائق كلهم.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ ْ} المذكور، من أخذه للظالمين، بأنواع العقوبات،{ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ْ} أي:لعبرة ودليلا، على أن أهل الظلم والإجرام، لهم العقوبة الدنيوية، والعقوبة الأخروية، ثم انتقل من هذا، إلى وصف الآخرة فقال:{ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ْ} أي:جمعوا لأجل ذلك اليوم، للمجازاة، وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم، ما به يعرفونه حق المعرفة.

{ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ْ} أي:يشهده الله وملائكته، وجميع المخلوقين.

أى إِنَّ فِي ذلِكَ القصص الذي قصصناه عليك- يا محمد- والمشتمل على بيان سنة الله التي لا تتخلف في إهلاك الظالمين.

لَآيَةً أى: لعبرة عظيمة، وعظة بليغة، وحجة واضحة.

لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ لأنه هو المنتفع بالعبر والعظات لصدق إيمانه، وصفاء نفسه، وإيقانه بأن هناك في الآخرة ثوابا وعقابا، وحسابا على الأعمال الدنيوية..

أما الذي ينكر الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب، فإنه لا يعتبر بما أصاب الظالمين من عذاب دنيوى دمرهم تدميرا، بل ينسب ذلك إلى أسباب طبيعة أو فلكية أو غيرهما، لا علاقة لها بكفرهم وظلمهم وطغيانهم ...

«لأن الخائف من عذاب الآخرة، عند ما يرى ما حل بالمجرمين في الدنيا من عقاب، يزداد إيمانا على إيمانه، وتصديقا على تصديقه، بأن الله- تعالى- قادر على أن يعذبهم في الآخرة عذابا أشد وأبقى من عذاب الدنيا ...

ثم بين- سبحانه- أن يوم القيامة آت لا ريب فيه فقال: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

واسم الإشارة في الموضعين، يعود إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر عذاب الآخرة قبل ذلك، واللام في قوله- سبحانه- مَجْمُوعٌ لَهُ لام العلة.

أى: ذلك اليوم وهو يوم القيامة، يوم يجمع الناس فيه لأجل محاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم، ويشهده جميع الخلائق الذين يؤمرون بشهوده، دون أن يغيب منهم أحد قال صاحب الكشاف: والنَّاسُ رفع باسم المفعول الذي هو مَجْمُوعٌ كما يرفع بفعله إذا قلت يجمع له الناس.

فإن قلت: لأى فائدة أوثر اسم المفعول على فعله؟

قلت: لما في اسم المفعول من دلالة على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه يوم لا بد من أن يكون ميعادا مضروبا لجمع الناس له، وأنه الموصوف بذلك صفة لازمة، وهو أثبت- أيضا- لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه.

ونظيره قول المهدد: إنك لمنهوب مالك، محروب قومك، فيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل ...

والمراد بالمشهود: الذي كثر شاهدوه، ومنه قولهم: لفلان مجلس مشهود، وطعام محضور ... والغرض من ذلك، وصف هذا اليوم بالهول والعظم وتميزه من بين الأيام، بأنه اليوم الذي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد ... » .

واعتبارا على صدق موعودنا في الدار الآخرة ، ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [ غافر : 51 ] ، وقال تعالى : ( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) [ إبراهيم : 13 ، 14 ] .

وقال تعالى : ( ذلك يوم مجموع له الناس ) أي : أولهم وآخرهم ، فلا يبقى منهم أحد ، كما قال : ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) [ الكهف : 47 ] .

( وذلك يوم مشهود ) أي : يوم عظيم تحضره الملائكة كلهم ، ويجتمع فيه الرسل جميعهم ، وتحشر فيه الخلائق بأسرهم ، من الإنس والجن والطير والوحوش والدواب ، ويحكم فيهم العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن في أخذنا من أخذنا من أهل القرى التي اقتصصنا خبرَها عليكم أيها الناس لآية، يقول: لعبرة وعظة (15) ، لمن خاف عقاب الله وعذابه في الآخرة من عباده، وحجةً عليه لربه، وزاجرًا يزجره عن أن يعصي الله ويخالفه فيما أمره ونهاه.

* * *

وقيل: بل معنى ذلك: إن فيه عبرة لمن خاف عذاب الآخرة ، بأن الله سيفي له بوَعْده.

*ذكر من قال ذلك :

18561- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة) ، إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة ، كما وفينا للأنبياء : أنا ننصرهم.

* * *

وقوله: (ذلك يوم مجموع له الناس )، يقول تعالى ذكره: هذا اليوم ، يعني يوم القيامة ، (يوم مجموع له الناس) ، يقول: يحشر الله له الناس من قبورهم، فيجمعهم فيه للجزاء والثواب والعقاب ، (وذلك يوم مشهود) ، يقول: وهو يوم تَشهده الخلائق ، لا يتخلَّف منهم أحدٌ، فينتقم حينئذ ممن عصى الله وخالف أمره وكذَّب رُسُلَه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18562- حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد في قوله: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) ، قال: يوم القيامة.

18563- حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن عكرمة، مثله.

18564- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف المكي، عن ابن عباس قال، " الشاهد "، محمد، و " المشهود "، يوم القيامة. ثم قرأ: (ذلك يوم مجموعٌ له الناس وذلك يوم مشهود).

18565- حدثني المثني قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن ابن عباس قال: " الشاهد "، محمد ، و " المشهود " ، يوم القيامة. ثم تلا هذه الآية: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود).

18566- حدثت عن المسيب ، عن جويبر، عن الضحاك قوله: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) ، قال: ذلك يوم القيامة، يجتمع فيه الخلق كلهم ، ويشهدُه أهل السماء وأهل الأرض.

-------------------------

الهوامش :

(15) انظر تفسير " آية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

اسقاط
[103] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ القصصُ القرآني ليسَ للتسليةِ، وإنما للتذكرِ والاتعاظِ.
وقفة
[103] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ الخوف خير دواء يضمن الانتفاع بالآيات.
وقفة
[103] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ لا يتعظ بالآيات حقًّا إلا من خاف عذاب الآخرة، التذكر الدائم للآخرة وما فيها من الأهوال قضية جوهرية في حياة الصالحين، وبه يحصل الاتعاظ والانتفاع بالآيات الشرعية والكونية.
وقفة
[103] لما ذكر سبحانه في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل، وما حل بهم في الدنيا من الخزي، قال بعد ذلك: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾، فأخبر أن عقوباته للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة، وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه، فإنه إذا سمع ذلك قال: «لم يزل في الدهر الخير والشر، والنعيم والبؤس، والسعادة والشقاوة»! وربما أحال ذلك على أسباب فلكية، وقوى نفسانية.
عمل
[103] اقرأ آيات من القرآن من آيات الوعيد، سائلًا الله أن يرزقك الخوف منه ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾.
وقفة
[103] ﴿ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ الفضيحة الكبرى هي فضيحة يوم القيامة؛ لأنها لا تخفى على أحد من المخلوقين، ويشهدها كل البشر، من يعرفهم العبد ومن لا يعرفهم.
وقفة
[103] ﴿ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ ما أعجب نفسًا تخجل من فضيحة محدودة في الدنيا، ولا تأنف من خزي يوم القيامة، ولا من السقوط في عين الله والملائكة والنبيين!

الإعراب :

  • ﴿ إنّ في ذلك لآية:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في: حرف جر. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد والكاف حرف خطاب والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر \"ان\" مقدم. اللام مزحلقة للتوكيد. آية: اسم \"إنَّ\" مؤخر منصوب بالفتحة أي إنّ في ذلك الذي نزل بالأمم الهالكة لعبرة.
  • ﴿ لمن خاف عذاب الآخرة:
  • اللام: حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من \"آية\" خاف: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. عذاب: مفعول به منصوب بالفتحة. الآخرة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. وجملة \"خاف العذاب\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ذلك يوم:
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف للخطاب. يوم: خبر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مجموع له الناس:
  • مجموع: في محل رفع صفة -نعت- ليوم. له: جار ومجرور متعلق بمجموع أي يجمع له. الناس: نائب فاعل لاسم المفعول \"مجموع\" مرفوع بالضمة. أو تكون \"الناس\" مبتدأ مؤخرًا خبره: مجموع له.
  • ﴿ وذلك يوم مشهود:
  • معطوفة بالواو على \"ذلك يوم مجموع له الناس وتعرب إعرابها أي مشهود فيه بمعنى يشهده جميع '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [103] لما قبلها :     وبعدَ أنْ ذكَرَ اللهُ عز وجل العبرةَ من إهلاكِ الأممِ الظَّالمةِ في الدنيا؛ ذكرَ هنا العبرةَ بجزاءِ الآخرةِ لكلٍّ من الأشقياءِ والسُّعداءِ، وهي إقامةُ الدليلِ على صدقِ الأنبياءِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [104] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ

التفسير :

[104] وما نؤخر يوم القيامة عنكم إلا لانتهاء مدة معدودة في علمنا، لا تزيد ولا تنقص عن تقديرنا لها بحكمتنا.

{ وَمَا نُؤَخِّرُهُ ْ} أي:إتيان يوم القيامة{ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ْ} إذا انقضى أجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق، فحينئد ينقلهم إلى الدار الأخرى، ويجري عليهم أحكامه الجزائية، كما أجرى عليهم في الدنيا, أحكامه الشرعية.

ثم قال- تعالى- وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ.

والأجل في اللغة: الوقت المضروب لانتهاء مدة معينة، فأجل الإنسان: هو الوقت المحدد لانقضاء عمره.

والمعدود: أصله المحسوب، والمراد به هنا: المحدد بمدة معينة لا يزيد عليها ولا يتأخر عنها.

أى: أننا لا نؤخر هذا اليوم إلا لوقت محدد معلوم لنا، فإذا ما جاء موعد هذا الوقت، حل هذا اليوم الهائل الشديد وهو يوم القيامة، الذي اقتضت حكمتنا عدم إطلاع أحد على موعده.

وقوله : ( وما نؤخره إلا لأجل معدود ) أي : ما نؤخر إقامة يوم القيامة إلا لأنه قد سبقت كلمة الله وقضاؤه وقدره ، في وجود أناس معدودين من ذرية آدم ، وضرب مدة معينة إذا انقضت وتكامل وجود أولئك المقدر خروجهم من ذرية آدم ، أقام الله الساعة; ولهذا قال : ( وما نؤخره إلا لأجل معدود ) أي : لمدة مؤقتة لا يزاد عليها ولا ينتقص منها

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما نؤخّر يوم القيامة عنكم أن نجيئكم به إلا لأن يُقْضَى، فقضى له أجلا فعدّه وأحصَاه، فلا يأتي إلا لأجله ذلك، لا يتقدم مجيئه قبل ذلك ولا يتأخر.

* * *

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[104] ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ﴾ تأخير الآخرة وإفناء الدنيا موقوف على أجل معدود، وكل ما له عدد فهو منته، وكل منته لا بد أن يفنى، فإذا فني أقام الله القيامة، وكل آتٍ قريب.

الإعراب :

  • ﴿ وما نؤخره:
  • الواو: استئنَافية. ما: نافية لا عمل لها. نؤخره: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ إلاّ لأجل معدود:
  • أداة حصر لا عمل لها. لأجل: جار ومجرور متعلق بنؤخر. معدود: صفة -نعت- لأجل: مجرورة مثلها أي لانتهاء مدة معدودة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [104] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل عذاب الآخرة؛ بَيَّنَ هنا أنه قادر على تعجيله، وتأخيره إلى أجل حدده الله، لا يتقدم، ولا يتأخر، قال تعالى:
﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وما نؤخره:
وقرئ:
وما يؤخره، بالياء، وهى قراءة الأعمش."

مدارسة الآية : [105] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ ..

التفسير :

[105] يوم يأتي يوم القيامة، لا تتكلم نفس إلا بإذن ربها، فمنهم شقي مستحق للعذاب، وسعيد متفضَّل عليه بالنعيم.

{ يَوْمَ يَأْتِ ْ} ذلك اليوم، ويجتمع الخلق{ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ْ} حتى الأنبياء، والملائكة الكرام، لا يشفعون إلا بإذنه،{ فَمِنْهُمْ ْ} أي:الخلق{ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ْ} فالأشقياء، هم الذين كفروا بالله، وكذبوا رسله، وعصوا أمره، والسعداء، هم:المؤمنون المتقون.

ثم ذكر- سبحانه- جانبا من أهوال هذا اليوم، ومن أحوال الناس فيه فقال: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ.

والشقي: صفة مشبهة من الفعل شقي، وهو الشخص المتلبس بالشقاوة. والشقاء:

أى سوء الحال- بسبب إيثاره الضلالة على الهداية، والباطل على الحق ...

والسعيد: هو الشخص المتلبس بالسعادة، وبالأحوال الحسنة بسبب إيمانه وعمله الصالح.

والمعنى: حين يأتى هذا اليوم وهو يوم القيامة، لا تتكلم فيه نفس بأى كلام إلا بإذن الله- تعالى- ويكون الناس فيه منقسمين إلى قسمين: قسم شقي معذب بسبب كفره، وسوء عمله، وتفريطه في حقوق الله ...

وقسم سعيد منعم بسبب إيمانه: وعمله الصالح ...

فإن قيل: كيف نجمع بين هذه الآية التي تنفى الكلام عن كل نفس إلا بإذن الله وبين قوله- تعالى- يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها....

فالجواب: أن في يوم القيامة مواقف متعددة، ففي بعضها يجادل الناس عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام إلا بإذن الله، وفي بعضها يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ...

وفي هذه الآية الكريمة إبطال لما زعمه المشركون من أن أصنامهم ستدافع عنهم، وستشفع لهم يوم القيامة.

قال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى- يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ... أى:

يوم يأتى هذا اليوم وهو يوم القيامة، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله- تعالى- كما قال- سبحانه- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً .

وقال- سبحانه- وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً .

- في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: - «ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوة الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم» .

( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ) يقول : يوم يأتي هذا اليوم وهو يوم القيامة ، لا يتكلم أحد [ يومئذ ] إلا بإذن الله تعالى ، كما قال تعالى : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] ، وقال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ] ، وفي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة الطويل : " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم .

وقوله : ( فمنهم شقي وسعيد ) أي : فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد ، كما قال : ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) [ الشورى : 7 ] .

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا موسى بن حيان ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا سليمان بن سفيان ، حدثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن عمر - رضي الله عنه - قال : لما نزلت ( فمنهم شقي وسعيد ) سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، علام نعمل ؟ على شيء قد فرغ منه ، أم على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال : " على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام ، ولكن كل ميسر لما خلق له " .

ثم بين تعالى حال الأشقياء وحال السعداء ، فقال :

القول في تأويل قوله تعالى : يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: يوم يأتي يوم القيامة ، أيها الناس، وتقوم الساعة ، لا تكلم نفس إلا بإذن رَبّها.

* * *

واختلفت القراء في قراءة قوله: ( يَوْمَ يَأْتِي ).

فقرأ ذلك عامّة قراء أهل المدينة بإثبات الياء فيها( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ ).

وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة وبعض الكوفيين بإثبات الياء فيها في الوصل وحذفها في الوقف.

* * *

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الياء في الوصل والوقف: ( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ ).

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي: ( يَوْمَ يَأْتِ ) ، بحذف الياء في الوصل والوقف اتباعًا لخط المصحف، وأنها لغة معروفة لهذيل، تقول: " مَا أدْرِ مَا تَقول "، ومنه قول الشاعر: (16)

كَفَّــاكَ كَــفٌّ مَـا تُلِيـقُ دِرْهَمَـا

جُـودًا وأُخْـرَى تُعْـطِ بِالسَّـيْفِ الدَّمَا (17)

* * *

وقيل: ( لا تَكَلَّمُ ) ، وإنما هي " لا تتكلم "، فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة الباقية منهما عليها.

* * *

وقوله: ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) ، يقول: فمن هذه النفوس التي لا تكلم يوم القيامة إلا بإذن ربها، شقيٌّ وسعيد ، وعاد على " النفس "، وهي في اللفظ واحدة ، بذكر الجميع في قوله: ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ).

------------------------

الهوامش :

(16) لم أعرف قائله .

(17) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، اللسان ( ليق ) ، يقال : " ما يليق بكفه درهم " ( بفتح الياء ) أي : ما يحتبس ، و " ما يلقيه القراء وهو " ، أي : ما يحبسه .

(18) ديوانه : 106 ، واللسان ( حشرج ) ، وسيأتي في التفسير 29 ، 4 ( بولاق ) ، من طويلته المشهوره ، يصف فيها حمار الوحش ، وبعده :

كَأَنَّــهُ مُسْتَنْشِــقٌ مِــن الشَّــرَقْ

خُـرًّا مـن الخَـرْدَلِ مَكْـرُوهَ النَّشَـقْ

و " حشرج " ردد الصوت في حلقه ولم يخرجه . و " السحيل " ، الصوت الذي يدور في صدر الحمار في نهيقه .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[105] ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ (تكلَّم) وليس (تتكلم)، هذا من الحذف الجائز، وهو كثير في اللغة، تتنزل وتنزل، توفَّاهم وتتوفاهم، وهذا تخفيف، ﴿لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ معناه أن الكلام الآن صار قليلًا، فحذف من الفعل إشعارًا لقلة الكلام.
وقفة
[105] ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ مُقَيدٌ لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَأتي كُل نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِها﴾ [النحل: 111] أي بإذن الله، ولا يُنافي ذلك قوله تعالى ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: 35، 36]. لأنَ في يوم القيامة مواقفَ، ففي بعضها لا يُؤذن لهم في الكلام، فيُكفُّون عنه، وفي بعضها يُؤذنُ لهم فيه، فيتكلمون.
وقفة
[105] ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ صمت هائل يغشى الجميع، ورهبة شاملة تخيم على المشهد ومن فيه، والكلام ولو بإذن لا يجرؤ أحد على طلبه.
وقفة
[105] ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ في حديث الشفاعة أن رسول الله ﷺ قال: «وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» [البخاري 7437].
لمسة
[105] ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ إن قلتَ: (مِنْ) للتبعيض، ومعلومٌ أن الناس كلهم، إما شقى أوسعيد، فما معنى التبعيض؟! قلتُ: التبعيضُ صحيح لأنَ أهلَ القيامة ثلاثةُ أقسام: أ - قسم شقى، وهم أهلُ النَار. ب - وقسمٌ سعيدٌ، وهم أهلُ الجنَة. ج - وقسمٌ لا شقي ولا سعيدٌ، وهم أهل الأعراف، وإن كان مصيرُهم إلى الجنة، كما قاله قتادة وغيره.

الإعراب :

  • ﴿ يوم يأت:
  • يوم: مفعول به بفعل مضمر تقديره اذكر ويجوز أن يكون مفعولًا فيه منصوبًا على الظرفية الزمانية بلا تكلّم أو بالانتهاء من قوله تعالى -إلّا لأجل معدود- أي ينتهي الأجل يوم يأتي وهو مضاف. يأت: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة اختصارًا والكسرة دالّة عليها نحو قولنا: لا أدر. حكاه الخليل وسيبويه وحذف الياء كثير في لغة هذيل. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو أي الله سبحانه ويعضد ذلك قوله بإذنه، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم. وجملة \"يأتي\" في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ لا تكلّم نفس:
  • لا: نافية لا عمل لها. تكلم: وأصلها: تتكلم حذفت إحدى التاءين اختصارًا: فعل مضارع مرفوع بالضمة. نفس: فاعل مرفوع بالضمة المنونة لأنه اسم نكرة. إلاّ بإذنه:
  • ﴿ الاّ: أداة حصر لا عمل لها. بإذنه: جار ومجرور متعلق بتكلم والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.
  • فمنهم:
  • ﴿ الفاء: استئنافية. من: حرف جر و\"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم
  • شقي وسعيد:
  • ﴿ شقي: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة أي شقي بكفره. وسعيد: معطوفة بالواو على \"شقي\" وتعرب إعرابها أي ومنهم سعيد بايمانه. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [105] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل يوم القيامة؛ ذكرَ هنا جانبًا من أهوال هذا اليوم، ثم انقسام الناس إلى قسمين: شقي يدخل النار، وسعيد يدخل الجنَّة، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يأت:
قرئ:
1- بإثبات الياء وصلا وحذفها وقفا، وهى قراءة النحويين، ونافع.
2- بإثباتها وصلا ووقفا، وهى قراءة ابن كثير.
3- بحذفها وصلا ووقفا، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [106] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ ..

التفسير :

[106] فأما الذين شَقُوا في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم، فالنار مستقرهم، لهم فيها -من شدة ما هم فيه من العذاب- إخراج النَّفَس من الصَّدْر بدَفْعٍ وردُّه إليه بشدَّة، وهما أشنع الأصوات وأقبحها

وأما جزاؤهم{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا ْ} أي:حصلت لهم الشقاوة، والخزي والفضيحة،{ فَفِي النَّارِ ْ} منغمسون في عذابها، مشتد عليهم عقابها،{ لَهُمْ فِيهَا ْ} من شدة ما هم فيه{ زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ْ} وهو أشنع الأصوات وأقبحها.

ثم فصل- سبحانه- أحوال الأشقياء والسعداء فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ.

قال الآلوسي: قال الراغب: الزفير ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه مأخوذ من زفر فلان إذا حمل حملا بمشقة فتردد فيه نفسه، ومنه قيل للإماء الحاملات الماء: زوافر.

والشهيق. رد النفس إلى الصدر بصعوبة وعناء.

والمراد بهما: الدلالة على شدة كربهم وغمهم، وتشبيه حالهم بحال من استولت على قلبه الحرارة، واستبد به الضيق حتى صار في كرب شديد .

والمعنى: فأما الذين كان نصيبهم الشقاء في الآخرة، بسبب كفرهم واقترافهم للمعاصي في الدنيا، فمصيرهم إلى الاستقرار في النار، لهم فيها من ضيق الأنفاس. وحرج الصدور، وشدة الكروب ما يجعلهم يفضلون الموت على ما هم فيه من هم وغم. وخص- سبحانه- من بين أحوالهم الأليمة حالة الزفير والشهيق تنفيرا من الأسباب التي توصل إلى النار، وتبشيعا لتلك الحالة التي فيها ما فيها من سوء المنظر، وتعاسة الحال ...

يقول تعالى : ( لهم فيها زفير وشهيق ) قال ابن عباس : الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدر أي : تنفسهم زفير ، وأخذهم النفس شهيق ، لما هم فيه من العذاب ، عياذا بالله من ذلك .

يقول: تعالى ذكره: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ) ، وهو أوّل نُهاق الحمار وشبهه ، ( وَشَهِيقٌ ) ، وهو آخر نهيقه إذا ردده في الجوف عند فراغه من نُهاقه، كما قال رؤبة بن العجاج:

حَشْـرَجَ فِـي الجَوْفِ سَحِيلا أَوْ شَهَقْ

حَــتَّى يُقَــالَ نَـاهِقٌ وَمَـا نَهَـقْ (18)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18567- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ، يقول: صوت شديدٌ وصوت ضعيف.

18568-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن أبي العالية في قوله: ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ، قال: " الزفير " في الحلق، و " الشهيق " في الصدر.

18569- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ، بنحوه.

18570- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: صوت الكافر في النار صوت الحمار، أوّله زفير وآخره شهيق

18571- حدثنا أبو هشام الرفاعي ، ومحمد بن معمر البحراني ، ومحمد بن المثني ، ومحمد بن بشار قالوا، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا سليمان بن سفيان قال ، حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر عن عمر قال، لما نـزلت هذه الآية : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) ، سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيّ الله، فعلام عَمَلُنا؟ على شيء قد فرغ منه ، أم على شيء لم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على شيء قد فُرِغ منه ، يا عمر ، وجرت به الأقلام، ولكن كلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له ، اللفظ لحديث ابن معمر. (19)

-----------------------

الهوامش :

(19) الأثر : 15871 " سليمان بن سفيان التميمي " ، ضعيف ، منكر الحديث ، يروي عن الثقات أحاديث مناكير . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 18 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 119 ، وميزان الاعتدال 1 : 415 . وهذا خبر ضعيف الإسناد ، ذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 395 ، عن مسند أبي يعلي ، وذكره الحافظ الذهبي في الميزان ، بإسناده ، عن أبي عامر العقدي . لكن معنى الخبر له شواهد في الصحيح .

التدبر :

وقفة
[106] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ وخص بالذِّكر من أحوالهم في جهنَّم الزَّفير والشَّهيق تنفيرًا من أسباب المصير إلى النَّار؛ لما في ذكر هاتين الحالتين من التَّشويه بهم، وذلك أخوف لهم من الألم.
وقفة
[106] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، أي: تنفسهم زفير، وأخذهم النفس شهيق؛ لما هم فيه من العذاب، عياذًا بالله من ذلك.
اسقاط
[106] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ تخيل التنفس داخل النيران، وسط جوها المتصاعد باللهب والدخان، فيتنفس المسكين نارًا تحرق جوفه وأحشاءه، فما أشده عذابه!
وقفة
[106] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾: (زفيرٌ) وهو أوَّل نهيق الحمار وشبهه، (وشهيقٌ) وهو آخر نهيقه إذَا ردَّده في الجوف عند فراغه من نهاقه.
لمسة
[106] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ (شَقُوا): جاءت للفاعل أي أنهم هم الذين اختاروا الشقاء، وبعد قليل: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [108]، (سُعِدُوا)،: جاءت بالبناء للمجهول، والمعنى أن الله تعالى هو الذي وفقهم للسعادة.
تفاعل
[106] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ فأما الذين شقوا:
  • الفاء: استئنافية. أما: حرف شرط وتفصيل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. شقوا: فعل ماضٍ مبني على الضم المقدر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة \"شقوا\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ ففي النار:
  • الفاء: واقعة في جواب \"أما\". في النار: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ. بتقدير: : يلقون في النار.
  • ﴿ لهم فيها زفير وشهيق:
  • الجملة: في محل نصب حال. اللام حرف جر و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم. فيها: جار ومجرور متعلق بزفير. زفير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. وشهيق: معطوفة بالواو على \"زفير\" مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

هود: 106﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ
الأنبياء: 100﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [106] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل انقسامَ الناس إلى قسمين؛ شرح هنا حالَ كلِّ واحدٍ منهما، ولمَّا كان أكثر الخلق هالكًا، والمقام مقام تهديد وتهويل؛ بدأ اللهُ بالأشقياء، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

شقوا:
وقرئ:
1- بضم الشين، وهى قراءة الحسن.
2- بفتح الشين، وهى قراءة الجمهور.

مدارسة الآية : [107] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ ..

التفسير :

[107]ماكثين في النار أبداً ما دامت السموات والأرض، فلا ينقطع عذابهم ولا ينتهي، بل هو دائم مؤكَّد، إلا ما شاء ربك من إخراج عصاة الموحدين بعد مدَّة من مكثهم في النار. إن ربك -أيها الرسول- فعَّال لما يريد.

{ خَالِدِينَ فِيهَا ْ} أي:في النار، التي هذا عذابها{ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ْ} أي:خالدين فيها أبدا، إلا المدة التي شاء الله, أن لا يكونوا فيها، وذلك قبل دخولها، كما قاله جمهور المفسرين، فالاستثناء على هذا، راجع إلى ما قبل دخولها، فهم خالدون فيها جميع الأزمان، سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها.

{ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ْ} فكل ما أراد فعله واقتضته حكمته فعله، تبارك وتعالى، لا يرده أحد عن مراده.

ثم أكد- سبحانه- خلودهم في النار فقال: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ....

أى أن الأشقياء لهم في النار العذاب الأليم، وهم ماكثون فيها مكث بقاء وخلود لا يبرحونها مدة دوام السموات التي تظلهم، والأرض التي تقلهم فهو في معنى قوله- تعالى- خالِدِينَ فِيها أَبَداً.

قال الآلوسى ما ملخصه: والمقصود من هذا التعبير: التأبيد ونفى الانقطاع على منهاج قول العرب لا أفعل كذا، ما لاح كوكب، وما أضاء الفجر، وما اختلف الليل والنهار ... إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم ...

وليس المقصود منه تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السموات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها.

وجوز أن يحمل ذلك على التعليق، ويراد بالسموات والأرض، سماوات الآخرة وأرضها، وهما دائمتان أبدا ... ) .

أما قوله- سبحانه- إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فقد ذكر العلماء في المقصود به أقوالا متعددة أوصلها بعضهم إلى ثلاثة عشر قولا من أشهرها:

أن هذا الاستثناء في معنى الشرط فكأنه- سبحانه- يقول:

1- خالدين فيها خلودا أبديا إن شاء ربك ذلك إذ كل شيء خاضع لمشيئة ربك وإرادته ...

وعليه يكون المقصود من هذا الاستثناء وأمثاله إرشاد العباد إلى وجوب تفويض الأمور إليه- سبحانه- وإعلامهم بأن كل شيء خاضع لإرادته ومشيئته فهو الفاعل المختار الذي لا يجب عليه شيء ولا حق لأحد عليه إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ.

وليس المقصود من هذا الاستثناء وأمثاله نفى خلودهم في النار لأنه لا يلزم من الاستثناء المعلق على المشيئة وقوع المشيئة ولأنه قد أخبرنا- سبحانه- في كتابه بخلود الكافرين خلودا أبديا في النار.

قال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً .

وشبيه بهذا الاستثناء ما حكاه- سبحانه- عن نبيه شعيب- عليه السلام- في قوله:

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ. قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها، وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا، وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ... .

فشعيب- عليه السلام- مع ثقته المطلقة في أنه لن يعود هو وأتباعه إلى ملة الكفر، نراه يفوض الأمر إلى مشيئة الله تأدبا معه- سبحانه..

فيقول: وما يكون لنا أن نعود فيها- أى ملة الكفر- إلا أن يشاء ربنا شيئا غير ذلك وهذا من الأدب العالي في مخاطبة الأنبياء لخالقهم- عز وجل.

وقد ذكر كثير من المفسرين هذا القول ضمن الأقوال في معنى الآية، وبعضهم اقتصر عليه ولم يذكر سواه، ومن هذا البعض صاحب المنار، وصاحب محاسن التأويل ...

أما صاحب المنار فقد قال: قوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ أى: أن هذا الخلود الدائم هو المعد لهم في الآخرة ... إلا ما شاء ربك من تغيير في هذا النظام في طور آخر، فهو إنما وضع بمشيئته، وسيبقى في قبضة مشيئته، وقد عهد مثل هذا الاستثناء في سياق الأحكام القطعية للدلالة على تقييد تأبيدها بمشيئة الله- تعالى ... فقط، لا لإفادة عدم عمومها ... » .

وأما صاحب محاسن التأويل فقد قال: فإن قلت: ما معنى الاستثناء بالمشيئة، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟.

فالجواب: أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن، للدلالة على الثبوت والاستمرار.

والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة، إنما كانت كذلك بمشيئة الله- تعالى- لا بطبيعتها في نفسها، ولو شاء- تعالى- أن يغيرها لفعل.

وابن كثير قد أشار إلى ذلك بقوله: يعنى أن دوامهم فيها ليس أمرا واجبا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئته- تعالى-» .

2- أن الاستثناء هنا خاص بالعصاة من المؤمنين.

ومن العلماء الذين رجحوا هذا القول الإمامان: ابن جرير وابن كثير.

أما ابن جرير فقد قال ما ملخصه بعد أن سرد الأقوال في ذلك:

«وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر، أنه يدخلهم النار خالدين فيها أبدا، إلا ما شاء تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة- أى العصاة من المؤمنين ... » .

وأما ابن كثير فقد وضح ما اختاره ابن جرير ورجحه فقال ما ملخصه:

وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة ... نقل كثيرا منها الإمام ابن جرير، واختار: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيين والمؤمنين، حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثم تأتى رحمة أرحم الراحمين، فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط، وقال يوما من الدهر: لا إله إلا الله، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة» .

وقد ذكر الشيخ الشوكانى هذا القول ضمن أحد عشر قولا فقال ما ملخصه:

وقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ: قد اختلف أهل العلم في هذا الاستثناء على أقوال منها:

(أ) أنه من قوله فَفِي النَّارِ كأنه قال: إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك ...

(ب) أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين وإنهم يخرجون بعد مدة من النار، وعلى هذا يكون قوله فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا عاما في الكفرة والعصاة، ويكون الاستثناء من خالدين، وتكون ما بمعنى من، وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد، فكان ذلك مخصصا لكل عموم.

(ج) أن الاستثناء من الزفير والشهيق، أى لهم فيها زفير وشهيق إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق ... » .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح الآراء، ويشهد لهذا قوله- تعالى- بعد ذلك:

إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أى فهو إن شاء غير ذلك فعله، وإن شاء ذلك فعله، ما شاء من الأفعال كان وما لم يشاء لم يكن.

وجاء- سبحانه- بصيغة المبالغة فَعَّالٌ للإشارة إلى أنه- سبحانه- لا يتعاصى عليه فعل من الأفعال بأى وجه من الوجوه.

( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) قال الإمام أبو جعفر بن جرير : من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت : " هذا دائم دوام السموات والأرض " ، وكذلك يقولون : هو باق ما اختلف الليل والنهار ، وما سمر ابنا سمير ، وما لألأت العفر بأذنابها . يعنون بذلك كلمة : " أبدا " ، فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم ، فقال : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) .

قلت : ويحتمل أن المراد بما دامت السموات والأرض : الجنس; لأنه لا بد في عالم الآخرة من سموات وأرض ، كما قال تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) [ إبراهيم : 48 ] ; ولهذا قال الحسن البصري في قوله : ( ما دامت السماوات والأرض ) قال : تبدل سماء غير هذه السماء ، وأرض غير هذه الأرض ، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ( ما دامت السماوات والأرض ) قال : لكل جنة سماء وأرض .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما دامت الأرض أرضا ، والسماء سماء .

وقوله : ( إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) كقوله تعالى : ( النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) [ الأنعام : 128 ] .

وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء ، على أقوال كثيرة ، حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير " وغيره من علماء التفسير ، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، في كتابه واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان ، والضحاك ، وقتادة ، وأبي سنان ، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين ، من الملائكة والنبيين والمؤمنين ، حين يشفعون في أصحاب الكبائر ، ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين ، فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ، وقال يوما من الدهر : لا إله إلا الله . كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمضمون ذلك من حديث أنس ، وجابر ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وغيرهم من الصحابة ، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها . وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة . وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وأبي سعيد ، من الصحابة . وعن أبي مجلز ، والشعبي ، وغيرهما من التابعين . وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة ، أقوال غريبة . وورد حديث غريب في معجم الطبراني الكبير ، عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي ، ولكن سنده ضعيف ، والله أعلم .

وقال قتادة : الله أعلم بثنياه .

وقال السدي : هي منسوخة بقوله : ( خالدين فيها أبدا ) [ النساء : 57 ] .

وقوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)، يعني تعالى ذكره بقوله: (خالدين فيها)، لابثين فيها (20) ، ويعني بقوله: (ما دامت السماوات والأرض)، أبدًا . (21)

* * *

وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض ، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: " هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار ". و " ما سمر ابنا سَمِير "، و " ما لألأت العُفْرُ بأذنابها " يعنون بذلك كله " أبدا ". فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.

* * *

وكان ابن زيد يقول في ذلك بنحو ما قلنا فيه.

18572- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، قال: ما دامت الأرض أرضًا، والسماءُ سماءً.

* * *

ثم قال: (إلا ما شاء ربك)، واختلف أهل العلم والتأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: هذا استثناءٌ استثناه الله في بأهل التوحيد ، أنه يخرجهم من النار إذا شاء ، بعد أن أدخلهم النار.

*ذكر من قال ذلك:

18573- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) ، قال: الله أعلم بثُنَياه. (22)

وذكر لنا أن ناسًا يصيبهم سَفْعٌ من النار بذنوب أصابوها، (23) ثم يدخلهم الجنة.

18574- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، والله أعلم بثَنيَّته . (24) ذكر لنا أن ناسًا يصيبهم سَفْعٌ من النار بذنوب أصابتهم، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم : " الجهنَّميُّون ".

18575- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا شيبان بن فروخ قال ، حدثنا أبو هلال قال ، حدثنا قتادة، وتلا هذه الآية: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ، إلى قوله: (لما يريد) ، فقال عند ذلك: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يَخْرج قومٌ من النار ، قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حَرُوراء. (25)

18576- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان في قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ )، قال: استثناء في أهل التوحيد.

18577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك بن مزاحم: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ )، إلى قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة، فهم الذين استثنى لهم.

18578- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، ثني معاوية، عن عامر بن جشيب، عن خالد بن معدان في قوله: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ، [سورة النبأ: 23] ، وقوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، أنهما في أهل التوحيد. (26)

* * *

وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: (إلا ما شاء ربك) ، إلا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلى أنه من قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ) ، (إلا ما شاء ربك)، لا من " الخلود ".

*ذكر من قال ذلك:

18579- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال ، حدثنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن جابر أو: أبي سعيد ، يعني الخدري ، أو : عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله: (إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) ، قال: هذه الآية تأتي على القرآن كلِّه يقول: حيث كان في القرآن (خالدين فيها)، تأتي عليه ، قال: وسمعت أبا مجلز يقول: هو جزاؤه، فإن شاء الله تجاوَزَ عن عذابه.

* * *

وقال آخرون: عنى بذلك أهل النار وكلَّ من دخلها.

*ذكر من قال ذلك :

18580- حدثت عن المسيب عمن ذكره، عن ابن عباس: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض)، لا يموتون، ولا هم منها يخرجون ما دامت السموات والأرض، (إلا ما شاء ربك) ، قال: استثناءُ الله. قال: يأمر النار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعود: ليأتين على جهنَّم زمان تخفِقُ أبوابُها ، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا.

18581- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن بيان، عن الشعبي قال: جهنم أسرع الدارين عمرانًا وأسرعهما خرابًا.

* * *

وقال آخرون: أخبرنا الله بمشيئته لأهل الجنة، فعرَّفنا معنى ثُنْياه بقوله: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، أنها في الزيادة على مقدار مدَّة السموات والأرض .قال: ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار. وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة ، وجائز أن تكون في النقصان.

*ذكر من قال ذلك:

18582- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، فقرأ حتى بلغ: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، قال: وأخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القولُ الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك: من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدًا إلا ما شاءَ من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع ، (27) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (28)

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغير جائز أن يكون استثناءً في أهل الشرك ، وأن الأخبار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة ، فغير جائز أن يكون ذلك استثناء في أهل التوحيد قبل دُخُولها ، مع صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ، وأنّا إن جعلناه استثناء في ذلك، كنا قد دخلنا في قول من يقول: " لا يدخل الجنة فاسق ، ولا النار مؤمن "، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم ، وما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان ، فلا قول قال به القُدْوة من أهل العلم إلا الثالث.

* * *

ولأهل العربية في ذلك مذهبٌ غير ذلك، سنذكره بعدُ، ونبينه إن شاء الله . (29) .

* * *

وقوله: (إن ربك فعال لما يريد) ، يقول تعالى ذكره: إن ربك ، يا محمد ، لا يمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بمن عصاه وخالف أمره ، من الانتقام منه، ولكنه يفعل ما يشاء فعلَه ، فيمضي فيهم وفيمن شاء من خلقه فعلُه وقضاؤهُ. (30)

---------------------------

الهوامش :

(20) انظر تفسير " الخلود " فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .

(21) انظر تفسير " ما دام " 10 : 185 / 11 : 74 ، 238 .

(22) " الثنيا " ( بضمك فسكون ) و " الثنية " ، على وزن ( فعيلة ) ، و " المثنوية " ، كله الاستثناء .

(23) " سفعته النار والشمس سفعًا " ، لفحته لفحًا يسيرًا ، فغيرت لون بشرته وسودته .

(24) انظر التعليق رقم : 1 .

(25) " أهل حروراء " ، هم الخوارج ، يقولون إن صاحب الكبيرة مخلد في النار ، لأنهم يكفرون أهل الكبائر .

(26) الأثر : 18578 - " عامر بن جشيب الحمصي " ، روى عن أبي أمامة ، وخالد بن معدان ، وغيرهما . ثقة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 319 . وكان في المطبوعة : " جشب " ، وهو خطأ ، والمخطوطة كما أثبت إلا أنها غير منقوطة . وهذا الخبر سيأتي في التفسير 30 : 8 ، 9 ، ( بولاق ) في تفسير سورة " النبأ " .

(27) في المطبوعة : " كذا قد بينا " ، وهو كلام غث ، ورطه فيه سوء كتابة الناسخ .

(28) غاب عني مكانه ، فمن وجده فليثبته .

(29) انظر ما سيأتي ص : 487 - 489 .

(30) في المطبوعة والمخطوطة : " ولكنه يفعل ما يشاء ، فيمضي فعله فيهم وفيمن شاء من خلقه فعله وقضاؤه " ، وهو غير مستقيم ، والآفة من الناسخ ، والصواب ما أثبت ، بتقديم " فعله " الأولى .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[107] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، ﴿خالدًا فيها﴾ [النساء: 14]، جاءت الأولى في حق أهل الجنة، وجاءت الثانية ثلاث مرات في سياق أهل النار فحسب، سجن انفرادي إهانة وخزيًا ونكالًا بهم، نعوذ بالله.
وقفة
[107] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ ذكر ابن عباس والحسن أن الاستثناء للعُصاة من أهل التوحيد، وممن يخرجهم الله بشفاعة الشافعين.
وقفة
[107] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ هذا أرحم استثناء في القرآن! لأن فيه أعظم فائدة، وهو إخراج أهل التوحيد من النار.
وقفة
[107] ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ ليس من شرط التعليق ارتباطه بالمعلق به، وهذا التعليق كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 40].
لمسة
[107] ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ اللام هنا هي لام المقوية، وتأتي في حالتين: الأولى أن يتقدم المفعول به على فعله كما في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: 154]، والمقصود يرهبون ربهم، (لربّهم) مفعول به مقدَّم، والثانية إذا كان العامل فرعًا على الفعل، كأن يكون اسم فاعل أو صيغة مبالغة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ العامل هو صيغة مبالغة.

الإعراب :

  • ﴿ خالدين فيها:
  • حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. فيها: جار ومجرور متعلق بخالدين.
  • ﴿ ما دامت السماوات والأرض:
  • ما: مصدرية ظرفية. دامت: فعل ماضٍ تام مستغنٍ عن الخبر لأنه يدل على الحدث والزمان بمعنى بقيت. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. السماوات: فاعل مرفوع بالضمة. والأرض معطوفة بالواو على \"السماوات\" مرفوعة مثلها بالضمة. و \"ما\" المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بخالدين. التقدير: مدة دوام السماوات والأرض.
  • ﴿ إلاّ ما شاء ربك:
  • الّا: اداة استثناء. ما: اسم مستثنى بإلّا مبني على السكون في محل نصب أي استثناء من الخلود في النار. شاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ربك: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إنّ ربك فعال:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ربك: اسم \"إنّ\" منصوب للتعظيم بالفتحة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. فعَّال: خبر \"ان\" مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لما يريد:
  • جار ومجرور متعلق بفعال. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: لما يريده. '

المتشابهات :

هود: 107﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
البروج: 16﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [107] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل مصيرَ الأشقياء؛ ذكرَ هنا مدة بقائهم، قال تعالى:
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [108] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ ..

التفسير :

[108] وأما الذين رزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، إلا الفريق الذي شاء الله تأخيره، وهم عصاة الموحدين، فإنهم يبقون في النار فترة من الزمن، ثم يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته، ويعطي ربك هؤلاء السعداء في الجنة عطا

{ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا ْ} أي:حصلت لهم السعادة، والفلاح، والفوز{ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ْ} ثم أكد ذلك بقوله:{ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ْ} أي:ما أعطاهم الله من النعيم المقيم، واللذة العالية، فإنه دائم مستمر، غير منقطع بوقت من الأوقات، نسأل الله الكريم من فضله.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة السعداء فقال: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا أى في الآخرة بسبب إيمانهم وتقواهم في الدنيا، فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.

أى: عطاء منه- سبحانه- لهم غير مقطوع عنهم، يقال: جذ الشيء يجذه جذا، أى:

كسره وقطعه، ومنه الجذاذ- بضم الجيم- لما تكسر من الشيء كما في قوله- تعالى- حكاية عما فعله إبراهيم- عليه السلام- بالأصنام فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ ...

وبذلك نرى أن هذه الآيات قد فصلت أحوال السعداء والأشقياء، تفصيلا يدعو العقلاء إلى أن يسلكوا طريق السعداء، وأن يتجنبوا طريق الأشقياء.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك من الآيات ما فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه من أذى، وما فيه تثبيت لقلوب المؤمنين، وما فيه إرشاد لهم إلى ما يقربهم من الخير، ويبعدهم عن الشر فقال- تعالى-:

يقول تعالى : ( وأما الذين سعدوا ) وهم أتباع الرسل ، ( ففي الجنة ) أي : فمأواهم الجنة ، ( خالدين فيها ) أي : ماكثين مقيمين فيها أبدا ، ( ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) معنى الاستثناء هاهنا : أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ، ليس أمرا واجبا بذاته ، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى ، فله المنة عليهم [ دائما ] ، ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس .

وقال الضحاك ، والحسن البصري : هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ، ثم أخرجوا منها . وعقب ذلك بقوله : ( عطاء غير مجذوذ ) أي : غير مقطوع - قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية وغير واحد ، لئلا يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطاعا ، أو لبسا ، أو شيئا بل ختم له بالدوام وعدم الانقطاع . كما بين هنا أن عذاب أهل النار في النار دائما مردود إلى مشيئته ، وأنه بعدله وحكمته عذبهم; ولهذا قال : ( إن ربك فعال لما يريد ) [ هود : 107 ] كما قال ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [ الأنبياء : 23 ] ، وهنا طيب القلوب وثبت المقصود بقوله : ( عطاء غير مجذوذ ) .

يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت .

وفي الصحيحين أيضا : " فيقال يا أهل الجنة ، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)

قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة وبعض الكوفيين: (وَأَمَّا الَّذِينَ سَعِدُوا)، بفتح السين.

* * *

وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا)، بضم السين، بمعنى: رُزِقوا السعادة.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ.

* * *

فإن قال قائل: وكيف قيل: (سُعِدُوا) ، فيما لم يسمَّ فاعله، ولم يقل: " أسعدوا "، وأنت لا تقول في الخبر فيما سُمِّى فاعله : " سعده الله "، بل إنما تقول: " أسعده الله "؟

قيل ذلك نظير قولهم: " هو مجنون " و " محبوب "، (31) فيما لم يسمَّ فاعله، فإذا سموا فاعله قيل: " أجنه الله " ، و " أحبه "، والعرب تفعل ذلك كثيرًا. وقد بينا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا. (32)

* * *

وتأويل ذلك: وأما الذين سعدوا برحمة الله، فهم في الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، يقول: أبدًا ، (إلا ما شاء ربك).

* * *

فاختلف أهل التاويل في معنى ذلك.

فقال بعضهم: (إلا ما شاء ربك )، من قدر ما مكثوا في النار قبل دخُولهم الجنة. قالوا: وذلك فيمن أخرج من النار من المؤمنين فأدخل الجنة.

*ذكر من قال ذلك :

18583- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك في قوله: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: هو أيضًا في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة. يقول: خالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك. يقول: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: (إلا ما شاء ربك ) ، من الزيادة على قدر مُدّة دوام السموات والأرض، قالوا: وذلك هو الخلود فيها أبدًا.

*ذكر من قال ذلك :

18584- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: ومشيئته خلودهم فيها، ثم أتبعها فقال: (عطاء غير مجذوذ).

* * *

واختلف أهل العربية في وجه الاستثناء في هذا الموضع.

فقال بعضهم في ذلك معنيان:

أحدهما : أن تجعله استثناءً يستثنيه ولا يفعله، كقولك: " والله لأضربنَّك إلا أن أرى غير ذلك "، وعزمُك على ضربه. (33) قال: فكذلك قال: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، ولا يشاؤه، [وهو أعلم]. (34)

قال: والقول الآخر: أنّ العرب إذا استثنت شيئًا كثيرًا مع مثله ، ومع ما هو أكثر منه ، (35) كان معنى " إلا " ومعنى " الواو " سواء. فمن كان قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، سوى ما شاء الله من زيادة الخلود، فيجعل " إلا " مكان " سوى " فيصلح، وكأنه قال: " خالدين فيها ما دامت السموات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد ". ومثله في الكلام أن تقول: لي عليك ألف إلا ألفين اللذين [مِنْ قِبَل فلان " ، أفلا ترى أنه في المعنى : لي عليك ألفٌ سِوَى الألفين ] ؟ (36) قال: وهذا أحبُّ الوجهين إليّ ، لأنّ الله لا خُلْفَ لوعده. (37) وقد وصل الاستثناء بقوله: (عطاء غير مجذوذ) ، فدلَّ على أن الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطعٍ عنهم.

* * *

وقال آخر منهم بنحو هذا القول. وقالوا: جائز فيه وجه ثالثٌ: وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ ، إلى أن يصيُروا إلى الجنة، ثم هو خلود الأبد. يقول: فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرْزَخ.

* * *

وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السموات والأرض ، بمعنى : الأبد ، على ما تعرف العرب وتستعمل ، وتستثنى المشيئة من داومها ، لأنَّ أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقاتِ دوام السموات والأرض في الدنيا ، لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة ، وخالدين في النار ، دوامَ السماء، والأرض ، إلا ما شاء ربُّك من تعميرهم في الدنيا قبلَ ذلك.

* * *

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، القولُ الذي ذكرته عن الضحاك، وهو (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، من قدر مُكْثِهم في النار، من لدن دخلوها إلى أن ادخلوا الجنة، وتكون الآية معناها الخصوص ، لأن الأشهر من كلام العرب في " إلا " توجيهها إلى معنى الاستثناء ، وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها ، إلا أن يكون معها دلالةٌ تدلُّ على خلاف ذلك. ولا دلالة في الكلام ، أعني في قوله: (إلا ما شاء ربك) ، تدلُّ على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام، فيُوَجَّه إليه.

* * *

وأما قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، فإنه يعني : عطاءً من الله غيرَ مقطوع عنهم.

* * *

من قولهم: " جذذت الشيء أجذّه جذًّا " ، إذا قطعته، كما قال النابغة: (38)

تَجــذُّ السَّـلُوقِيَّ المُضَـاعَفَ نَسْـجُهُ

وَيوقِــدْنَ بِالصُّفَّـاحِ نَـارَ الحُبَـاحِبِ (39)

يعني بقوله: " تجذ ": تقطع.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك :

18585- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: غير مقطوع.

18586- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، يقول: غير منقطع.

18587- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (عطاء غير مجذوذ) ، يقول: عطاء غير مقطوع.

18588- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مجذوذ)، قال: مقطوع.

18589- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: غير مقطوع.

18590- . . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

18591- .... قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، مثله.

18592- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج. عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

18593- . . . . قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: أما هذه فقد أمضَاها. يقول: عطاء غير منقطع.

18594- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، غير منـزوع منهم.

------------------------

الهوامش:

(31) في المطبوعة والمخطوطة : " هو مجنون ، محبوب " ، والأجود الفصل بالواو .

(32) غاب أيضًا عني مكانه ، فمن وجده فليقيده .

(33) في معاني القرآن للفراء : " وعزيمتك على ضربه " ، وهذا نص كلام الفراء .

(34) الزيادة بين القوسين من معاني القرآن للفراء .

(35) في المطبوعة والمخطوطة : " ومع ما هو أكثر منه " ، والصواب من معاني القرآن : " أو مع . . " .

(36) كان في المطبوعة والمخطوطة : " إلا الألفين اللذين قبلهما " ، وليس فيهما بقية ما أثبت ، وهو كلام مبهم ، نقلت سائره ، وزدته بين القوسين من معاني القرآن للفراء ، فهذا نص كلامه .

(37) في المطبوعة : " لا خلف لوعده " ، وفي المخطوطة ؛ " لا مخلف لوعده " ، والصواب من معاني القرآن .

(38) في المخطوطة : " كما قال الشاعر النابغة " ، وهي زيادة لا تجدي .

(39) ديوانه : 44 ، واللسان ( حبحب ) ، ( سلق ) ، ( صفح ) ، من قصيدته المشهورة ، يقول فيه قبله ، في صفة سيوف الغسانيين ، وذلك في مدحه عمرو بن الحراث الأعرج :

وَلاَ عَيْــبَ فِيهِـمْ غَـيْرَ أَنَّ سُـيُوفَهُمْ

بِهِــنَّ فُلُـولٌ مِـنْ قِـرَاعِ الْكَتَـائِبِ

تُــوُرِّثْن مِـنْ أَزْمَـانِ يَـوْمِ حَلِيمـةٍ

إلـى اليَـوْمِ قَـدْ جُـرِّبنَ كُلَّ التَّجَارِبِ

تَقُـــدُّ السُّـــلُوقيّ . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهذه رواية الديوان . و " السلوقي " ، الدروع ، منسوبة إلى " سلوق " ، وهي مدينة . و " الصفاح " حجارة عراض . و " نار الحباحب " ، الشرر الذي يسقط من الزناد . ورواية الديوان : " وتوقد بالصفاح " ، وهما سواء .

التدبر :

وقفة
[108] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ كأن كل سعادة من منظورنا ليست بسعادة حقيقية؛ لأنه قد ينغصها أمر، أو قد ﻻ تكتمل، أما السعادة الحقيقة (فَفِي الْجَنَّةِ).
وقفة
[108] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ هذا هو التعريف النهائي للسعادة الحقيقية.
تفاعل
[108] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ قل الآن: «اللهم اجعلني من السعداء».
لمسة
[108] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ هنا (سُعِدُوا)، ومنذ قليل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [106] (شَقُوا): جاءت للفاعل أي أنهم هم الذين اختاروا الشقاء، وهنا (سُعِدُوا) جاءت بالبناء للمجهول، والمعنى أن الله تعالى هو الذي وفقهم للسعادة.
وقفة
[108] عبد الرحمن الناصر هو أحد ملوك الأندلس، حكم خمسين سنة، قال: «عددت الأيام السعيدة فى حياتى -بلا منغصات- فوجدتها أربعة عشر يومًا»؛ السعادة هناك فقط: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾.
لمسة
[108] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء﴾ بالنسبة للخلود هو البقاء إلى ما لا نهاية، فماذا نفهم من الاستثناء (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ)؟ هل أنهم سيخرجون من الجنة؟ الجواب: لا، لا يخرجون؛ لأن هذه المشيئة لها تفسيران: إما أن يكون الاستثناء من البرزخ؛ لأن هؤلاء يستحقون الجنة بعد موتهم، لكن لا يدخلونها إلا بعد حياة البرزخ، مستثناة من دخول الجنة، أو عند القيامة قبل السؤال، هم ليسوا في الجنة، أو قبل أن يساق الناس إلى مستقرهم، ربنا سبحانه وتعالى يجعل الخلق ما يشاء قبل أن يسألهم، هل هم في الجنة الآن؟ لا، إذن مستثنى، لم يدخلوا الجنة، هذا مما شاء ربك أن لا يدخلوا الجنة.
تفاعل
[108] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[108] لم ترد كلمة سعد في القرآن إلا مرة واحدة: ﴿سُعِدُوا﴾، وفي الجنة فقط؛ لأنه لا سعادة حقيقية في غيرها، ولأنه لا تتكرر فرصتها!
وقفة
[108] ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ اســم الله (الـمعطي): الذي أعطى كل شيء خلقه، وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة.
وقفة
[108] ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ وصف الله نعيم الجنة بأنه غير مقطوع؛ لئلا يتوهم واهم بعد ذكر المشيئة: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ أن ثم انقطاعًا لهذا النعيم، بل هو الخلود والدوام الأبدي.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ *
  • الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها لغة وليس معنى. سعدوا: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة وقوله تعالى إلّا ما شاء ربك ليس الغرض منه الاستثناء في الثواب بدليل قوله تعالى: عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع. عطاء: مفعول مطلق، منصوب بالفتحة. غير: صفة -نعت- لعطاء منصوبة مثلها بالفتحة. مجذوذ: مضاف إليه مجرور بالكسرة. '

المتشابهات :

الأنعام: 128﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ
الأعراف: 188﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ
يونس: 49﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَ‍ٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ
الأعلى: 7﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ
هود: 107﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ
هود: 108﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [108] لما قبلها :     ولمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل حالَ الأشقياء؛ ذكرَ هنا حال السعداء، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سعدوا:
وقرئ:
1- بضم السين، وهى قراءة ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص.
2- بفتحها، وهى قراءة باقى السبعة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف