96106107108109110111112113

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (107) الى الآية رقم (109) عدد الآيات (3)

وذِكْرُ مثالٍ رائعٍ لعدالةِ الإسلامِ: إنصافُ يهوديٍ (واليهودُ يحاربون الإسلامَ) اتُّهِمَ ظُلمًا بالسَّرقةِ وإدانةُ مَن تآمرُوا عليه وهم بيتٌ مِن الأنصارِ (والأنصارُ عدُّته ﷺ وجندُه).

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (110) الى الآية رقم (113) عدد الآيات (4)

بعدَ ذكرِ قصَّةِ اتِّهامِ اليهودي ظلمًا تأتي الدعوةُ إلى التوبةِ، ثُمَّ التحذيرُ من اتِّهامِ البريءِ، ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ نِعمَتَه على نبيِّه ﷺ لمَّا عَصَمَه مِن الدفاعِ عن الخائنِ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 96

96

مدارسة الآية : [106] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ ..

التفسير :

[106] واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك، إن الله تعالى كان غفوراً لمن يرجو فضله ونوال مغفرته، رحيماً به.

{ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} مما صدر منك إن صدر.{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} أي:يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، وتاب إليه وأناب ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجِب لثوابه وزوال عقابه.

ثم قال- تعالى- وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. أى: واستغفر الله مما هممت به من تبرئة طعمة وإدانة اليهودي، حيث إن ظاهر الأمر يقتضى ذلك، وهذا وإن لم يكن ذنبا، إلا أنه- سبحانه- أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار من ذلك، لعلو مقامه على حد قول العلماء:

حسنات الأبرار سيئات المقربين.

أو المعنى: واستغفر الله لهؤلاء الخائنين لكي يتوبوا إلى الله- تعالى- ببركة استغفارك لهم، إن الله- تعالى- كان كثير المغفرة لمن تاب إليه، وكثير الرحمة لمن آمن به واتقاه. وهذا الأمر بالاستغفار والإنابة إلى الله موجه إلى كل مكلف في شخص النبي صلى الله عليه وسلم

( واستغفر الله ) مما قلت لقتادة ( إن الله كان غفورا رحيما)

القول في تأويل قوله : وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)

" واستغفر الله "، يا محمد، وسَلْه أن يصفح لك عن عقوبة ذنبك في مخاصمتك عن الخائن من خان مالاً لغيره=" إن الله كان غفورًا رحيمًا "، يقول: إن الله لم يزل يصفح عن ذنوب عباده المؤمنين، بتركه عقوبتهم عليها إذا استغفروه منها=" رحيما " بهم. (1)

فافعل ذلك أنت، يا محمد، يغفر الله لك ما سلف من خصومتك عن هذا الخائن.

* * *

وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن خاصم عن الخائن، ولكنه هَّم بذلك، فأمره الله بالاستغفار مما هَمَّ به من ذلك.

* * *

وذكر أن الخائنين الذين عاتب الله جلَّ ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم في خصومته عنهم: بنو أُبَيْرِق.

* * *

واختلف أهل التأويل في خيانته التي كانت منه، فوصفه الله بها.

فقال بعضهم: كانت سرقًة سرقها.

*ذكر من قال ذلك:

10409- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ إلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، فيما بين ذلك، في ابن أبيرق، (2) ودرعه من حديد، من يهود، التي سرق، (3) وقال أصحابه من المؤمنين للنبي: " اعذره في الناس بلسانك "، ورموا بالدّرع رجلا من يهود بريئًا.

10410- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. (4)

10411- حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني قال، حدثنا محمد بن سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر وبَشِير، ومُبَشِّر، وكان بشير رجلا منافقًا، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينحله إلى بعض العرب، ثم يقول: " قال فلان كذا "، و " قال فلان كذا "، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث! فقال: (5)

أَوَ كُلَّمَــا قَــالَ الرِّجَـالُ قَصِيـدَةً

أَضِمُـوا وَقَـالُوا: ابْـنُ الأبَيْرِقِ قَالَهَا! (6)

قال: وكانوا أهل بيت فاقةٍ وحاجة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس &; 9-178 &; إنما طعامهم بالمدينة التمر والشَّعير، وكان الرجل إذا كان له يَسَار فقدمت ضَافِطة من الشأم بالدَّرْمك، (7) ابتاع الرجل منها فخصَّ به نفسه. (8) فأما العِيال، فإنما طعامهم التمر والشَّعير. فقدمت ضافطة من الشأم، فابتاع عمي رِفاعة بن زيد حملا من الدَّرمك، فجعله في مَشْرُبة له، (9) وفي المشربة سلاح له: دِرْعَان وسيفاهما وما يصلحهما. فعُدِي عليه من تحت الليل، (10) فنُقِبَت المشربة، وأُخِذَ الطعام والسّلاح. فلما أصبح، أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي، تعلَّم أنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، (11) فنقبت مشرُبتنا، فذُهِب بسلاحنا وطعامنا! قال: فتحسّسنا في الدار، (12) وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم.

= قال: وقد كان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل!= رجلا منا له صلاح وإسلام. (13) فلما سمع بذلك لبيد، اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق فقال: (14) والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتُبَيّننَّ هذه السرقة. قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فوالله ما أنت بصاحبها! فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له!

= قال قتادة: فأتيت رَسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: يا رسول الله، إن أهل بيت منا أهلَ جفاءٍ، (15) عَمَدُوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشرُبة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. (16) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظر في ذلك. (17) فلما سمع بذلك بنو أبيرق، أتوا رجلا منهم يقال له: " أسير بن عروة "، فكلموه في ذلك. واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عَمَدوا إلى أهل بيت منا أهلَ إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بَيِّنةٍ ولا ثَبَت. (18)

= قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته، فقال: عَمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثَبَت!! قال: فرجعت ولوِددْتُ أنِّي خرجت من بعض مالي ولم أكلِّم رَسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. فأتيت عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان!

= فلم نلبث أن نـزل القرآن: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، يعني: بني أبيرق=" واستغفر الله "، أي: مما قلت لقتادة= إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ، أي: بني أبيرق= إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ إلى قوله: ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ، أي: إنهم إن يستغفروا الله يغفر لهم= وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، قولهم للبيد= وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ، يعني: أسيرًا وأصحابه= وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ إلى قوله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا .

فلما نـزل القرآن، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فردَّه إلى رفاعة. = قال قتادة: فلما أتيتُ عمي بالسلاح، وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، (19) وكنت أرى إسلامه مَدْخولا (20) فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا. فلما نـزل القرآن، لحق بشير بالمشركين، فنـزل على سلافة ابنة سعد بن شُهَيد، (21) فأنـزل الله فيه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ إلى قوله: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا . فلما نـزل على سلافة، رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، (22)

فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت فرمتْ به في الأبطح، (23) ثم قالت: أهديتَ إليّ شعر حسان! ما كنت تأتيني بخير! (24)

10412- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ، يقول: بما أنـزل الله عليك وبيَّن لك= وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، فقرأ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا . ذُكر لنا أن هؤلاء الآيات أنـزلت في شأن طُعْمة بن أبيرق، وفيما همَّ به نبي الله صلى الله عليه وسلم من عذره، وبين الله شأن طعمة بن أبيرق، ووعظ نبيَّه وحذّره أن يكون للخائنين خصيمًا.

= وكان طعمة بن أبيرق رجلا من الأنصار، ثم أحد بني ظفر، سرق درعًا لعمّه كانت وديعة عنده، ثم قذفها على يهودي كان يغشاهم، (25) يقال له: " زيد بن السمين ". (26) فجاء اليهودي إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم يُهْنِف، (27) فلما رأى ذلك قومه بنو ظفر، جاؤوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليعذروا صاحبهم، وكان نبي الله عليه السلام قد همَّ بعُذْره، حتى أنـزل الله في شأنه ما أنـزل، فقال: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إلى قوله: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يعني بذلك قومه= وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، وكان طعمة قذَف بها بريئًا. فلما بيَّن الله شأن طعمة، نافق ولحق بالمشركين بمكة، فأنـزل الله في شأنه:

وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .

10413- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، وذلك أن نفرًا من الأنصار غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظَنَّ بها رجلا من الأنصار، (28) فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ طعمة بن أبيرق سرق درعي. فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى السارق ذلك، عَمَد إليها فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني قد غيَّبْتُ الدرعَ وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليلا (29) فقالوا: يا نبيّ الله، إن صاحبنا بريء، وإن سارق الدرع فلان، وقد أحطْنا بذلك علمًا، فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه، فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك! (30) فقام رسول الله صلى الله &;عليه وسلم فبرأه وعذره على رؤوس الناس، فأنـزل الله: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، يقول: احكم بينهم بما أنـزل الله إليك في الكتاب= وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ الآية. ثم قال للذين أتوا رسول الله عليه السلام ليلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ إلى قوله: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ، يعني: الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائن= ثم قال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ، يعني: الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب (31) = ثم قال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، يعني: السارقَ والذين يجادلون عن السارق.

10414- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ الآية، قال: كان رجل سرق درعًا من حديد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وطرحه على يهودي، فقال اليهودي: والله ما سرقتها يا أبا القاسم، ولكن طرحت عليّ! وكان للرجل الذي سرق جيرانٌ يبرِّئونه ويطرحونه على اليهودي ويقولون: يا رسول الله، إن هذا اليهودي الخبيث يكفر بالله وبما جئت به! قال: حتى مال عليه النبي صلى الله عليه وسلم ببعض القول، فعاتبه الله عز وجل في ذلك فقال: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ بما قلت لهذا اليهودي=" إن الله كان غفورًا رحيمًا "= ثم أقبل على جيرانه فقال: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فقرأ حتى بلغ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا . قال: ثم عرض التوبة فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * &; 9-185 &; وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فما أدخلكم أنتم أيها الناس، على خطيئة هذا تكلَّمون دونه= وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا ، وإن كان مشركًا= فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، فقرأ حتى بلغ: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ، (32) فقرأ حتى بلغ: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى . قال: أبى أن يقبل التوبة التي عرَض الله له، وخرج إلى المشركين بمكة، فنقب بيتًا يسرقه، (33) فهدمه الله عليه فقتله. فذلك قول الله تبارك وتعالى (34) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ، فقرأ حتى بلغ وَسَاءَتْ مَصِيرًا = ويقال: هو طعمة بن أبيرق، وكان نازلا في بني ظَفر.

* * *

وقال آخرون: بل الخيانة التي وصف الله بها من وصفه بقوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، جحودُه وديعة كان أودِعها.

*ذكر من قال ذلك:

10415- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، قال: أما " ما أراك الله "، فما أوحى الله إليك. قال: نـزلت في طعمة بن أبيرق، استودعه رجل من اليهود درعًا، فانطلق بها إلى داره، فحفر لها اليهودي ثم دفنها. فخالف إليها طعمة فاحتفر عنها فأخذها. فلما جاء اليهودي يطلب درعه، كافره عنها، (35) فانطلق إلى ناس من اليهود من عشيرته فقال: انطلقوا معي، فإني أعرف موضع الدرع. فلما علم بهم طعمة، أخذ الدرع فألقاها في دار أبي مُلَيْلٍ الأنصاري. فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها، وقع به طعمة وأناس من قومه فسبُّوه، وقال: أتخوِّنونني! فانطلقوا يطلبونها في داره، فأشرفوا على بيت أبي مليل، فإذا هم بالدرع. وقال طعمة: أخذها أبو مليل! وجادلت الأنصار دون طعمة، وقال لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له يَنْضَح عني ويكذِّب حجة اليهودي، (36) فإني إن أكذَّب كذب على أهل المدينة اليهودي! فأتاه أناس من الأنصار فقالوا: يا رسول الله، جادل عن طعمة وأكذب اليهودي. فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، فأنـزل الله عليه: " وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ " مما أردت= إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا = ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم عنه فقال: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ، يقول: يقولون ما لا يرضى من القول (37) = هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ = ثم دعا إلى التوبة فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا = ثم ذكر قوله حين قال: " أخذها أبو مليل " فقال: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ = وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا = ثم ذكر الأنصار وإتيانها إياه: (38) أن ينضح عن صاحبهم ويجادل عنه، فقال: لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ، يقول: النبوة= ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذِّبوا عن طعمة، فقال: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ . فلما فضح الله طعمة بالمدينة بالقرآن، هرب حتى أتى مكة، فكفر بعد إسلامه، ونـزل على الحجاج بن عِلاط السُّلَمي، فنقب بيت الحجاج، فأراد أن يسرقه، فسمع الحجاج خشخشة في بيته وقعقعةَ جلودٍ كانت عنده، (39) فنظر فإذا هو بطعمة فقال: ضيفي وابنَ عمي وأردتَ أن تسرقني!! فأخرجه، فمات بحرَّة بني سُلَيم كافرًا، (40) وأنـزل الله فيه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى إلى وَسَاءَتْ مَصِيرًا .

10416- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: استودع رجل من الأنصار طعمةَ بن أبيرق مشرُبة له فيها درع، (41) وخرج فغاب. فلما قدم الأنصاري فتح مشربته، فلم يجد الدرع، فسأل عنها طعمة بن أبيرق، فرمى بها رجلا من اليهود يقال له زيد بن السمين: فتعلَّق صاحب الدرع بطُعمة في درعه. فلما رأى ذلك قومه، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه ليدْرأ عنه، فهمّ بذلك، فأنـزل الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ، يعني: طعمة بن أبيرق وقومه= هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ، محمد صلى الله عليه وسلم وقوم طعمة= وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ، محمد وطعمة وقومه= قال: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ الآية، طعمة= وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا ، يعني زيد بن السمين= فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، طعمة بن أبيرق= وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ يا محمد= لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ، قوم طعمة بن أبيرق= وَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا يا محمد (42) = لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ، حتى تنقضي الآية للناس عامة= وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الآية. قال: لما نـزل القرآن في طعمة بن أبيرق، لحق بقريش ورجع في دينه، ثم عدا على مشرُبة للحجاج بن عِلاط البَهْزِيّ ثم السُّلمي، (43) حليفٌ لبني عبد الدار، فنقبها، فسقط عليه حجر فلَحِج. (44) فلما أصبح أخرجوه من مكة. فخرجَ فلقي ركبًا من بَهْرَاء من قضاعة، فعرض لهم فقال: ابن سبيل مُنْقَطَعٌ به! فحملوه، حتى إذا جنَّ عليه الليل عَدَا عليهم فسرقهم، ثم انطلق. فرجعوا في طلبه فأدركوه، فقذفوه بالحجارة حتى مات= قال ابن جريج: فهذه الآيات كلها فيه نـزلت إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ، أنـزلت في طعمة بن أبيرق= ويقولون: إنه رمى بالدرع في دار أبي مليل بن عبد الله الخَزْرجي، فلما نـزل القرآن لحق بقريش، فكان من أمره ما كان.

10417- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ، يقول: بما أنـزل عليك وأراكه في كتابه. ونـزلت هذه الآية في رجل من الأنصار استُودع درعًا فجحد صاحبها، فخوّنه رجال من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم، فغضب له قومه، وأتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: خوَّنوا صاحبنا، وهو أمين مسلم، فاعذره يا نبي الله وازْجُر عنه! فقام نبي الله فعذره وكذَّب عنه، وهو يرى أنه بريء، وأنه مكذوب عليه، فأنـزل الله بيان ذلك فقال: " إنا أنـزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " إلى قوله: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ، فبين الله خيانته، فلحق بالمشركين من أهل مكة وارتدّ عن الإسلام، فنـزل فيه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى إلى قوله: وَسَاءَتْ مَصِيرًا .

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بما دل عليه ظاهر الآية، قول من قال: كانت خيانته التي وصفه الله بها في هذه الآية، جحودَه ما أودع، لأن ذلك هو المعروف من معاني" الخيانات " في كلام العرب. وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من معاني كلام العرب ما وجد إليه سبيل، أولى من غيره.

----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"الاستغفار" ، و"كان" و"غفور" و"رحيم" فيما سلف في فهارس اللغة.

(2) في المطبوعة: "طعمة بن أبيرق" ، وسيأتي ذكر"طعمة بن أبيرق" في رقم: 10412 ، ولكنه في المخطوطة هنا"ابن أبيرق" ، وسترى الاختلاف في الآثار في بني أبيرق هؤلاء.

(3) قوله"من يهود" أثبتها من المخطوطة.

(4) الأثر: 10410 - هذا الأثر غير ثابت في المخطوطة.

(5) في المطبوعة: "إلا هذا الخبيث" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(6) في المخطوطة: "نحلت وقالوا" ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، وقد جاء هذا البيت في المستدرك للحاكم خطأ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ضمــوا إلــى بـان أبـيرق قالهـا

والذي هنا هو صوابه ، وأنشد بعده هناك:

مُتَخَـــمِّطِينَ كـــأنَّنِي أَخْشَــاهُم

جَــدَعَ الإِلــهُ أُنُــوفَهُمْ فَأَبَانَهَــا

هكذا جاء على الإقواء ، على الخلاف بين القافية في"قالها" و"أبانها" وهو عيب جاء مثله في الشعر ، لتقارب مخرج اللام والنون ، وأعانه على ذلك وجود الهاء والألف صلة للقافية.

وقوله: "أضموا" أي: غضبوا عليه وحقدوا. وقوله: "متخمطين" ، قد غضبوا وهدروا وثاروا وأجلبوا. رجل متخمط: شديد الغضب له ثورة وجلبة. وفي المستدرك: "متخطمين" بتقدم الطاء على الميم ، وهو خطأ ، صوابه ما أثبت.

(7) الضافطة: كانوا قومًا من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما. ثم قالوا للذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن ، والمكاري الذي يكري الأحمال"الضافطة" و"الضفاط". و"الدرمك" هو الدقيق النقي الحواري ، الأبيض.

(8) في المطبوعة: "ابتاع الرجل منهم" ، وفي المخطوطة: "منا" ، وأثبت ما في المراجع.

(9) "المشربة" (بفتح الميم وسكون الشين وفتح الراء أو ضمها): وهي الغرفة ، أو العلية ، أو الصفة بين يدي الغرفة. والمشارب: العلالي.

(10) في المراجع الأخرى: "من تحت البيت" ، وكأن الذي في الطبري هو صواب الرواية.

(11) "تعلم" (بتشديد اللام) ، بمعنى: اعلم.

(12) في المطبوعة والمخطوطة: "فتجسسنا" بالجيم ، وهي صواب ، وأجود منها بالحاء ، كما في سائر المراجع."تحسس الخبر": تطلبه وتبحثه ، وفي التنزيل: "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه".

و"الدار" هنا: المحلة التي تنزلها القبيلة أو البطن منها ، ويعني بها القبيلة أو البطن ، كما جاء في الحديث: "ألا أنبئكم بخير دور الأنصار؟ دور بني النجار ، ثم دور بني عبد الأشهل ، وفي كل دور الأنصار خير". يعني القبيلة المجتمعة في محلة تسكنها.

(13) في المطبوعة: "رجل" بالرفع ، كأنه استنكر النصب! وهو صواب محض عال.

(14) "اخترط سيفه": سله من غمده.

(15) "الجفاء" غلظ الطبع.

(16) في المخطوطة: "فلا حاجة لنا به" ، وهما سواء.

(17) في المطبوعة: "سأنظر في ذلك" ، وفي الترمذي وابن كثير: "سآمر في ذلك" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(18) "الثبت" (بفتحتين): الحجة والبينة والبرهان.

(19) "عسا في الجاهلية" أي: كبر وأسن ، من قولهم: "عسا العود" أي: يبس واشتد وصلب.

(20) "المدخول" ، من"الدخل" (بفتحتين) وهو العيب والفساد والغش ، يعني أن إيمانه كان فيه نفاق. ورجل مدخول: أي في عقله دخل وفساد.

(21) في المطبوعة: "سلافة بنت سعد بن سهل" ، وفي المخطوطة: " ... بنت سعد بن سهيل" ، وفي الترمذي وابن كثير"بنت سعد بن سمية" وفي المستدرك: "سلامة بنت سعد بن سهل ، أخت بني عمرو بن عوف ، وكانت عند طلحة بن أبي طلحة بمكة".

والصواب الذي لا شك فيه هو ما أثبته ، وقد جاءت على الصواب في الدر المنثور ، ثم جاءت كذلك في ديوان حسان بن ثابت.

و"سلافة بنت سعد بن شهيد" أنصارية من بني عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس ، استظهرت نسبها: "سلافة بنت سعد بن شهيد بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس". وذلك من جمهرة الأنساب لابن حزم ، ص: 314 ، إذ ذكر"عويمر بن سعد بن شهيد بن عمرو ..." وقال: "له صحبة ، ولاه عمر فلسطين". ولم أجد في تراجم الصحابة وسائر المراجع"عويمر بن سعد بن شهيد". هذا ، ولكن نقل ابن حزم صحيح بلا شك. فإن يكن ذلك ، فعويمر هذا أخو سلافة هذه. و"سلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية" معروفة غير منكورة ، فهي زوج طلحة بن أبي طلحة ، وهي أم مسافع ، والجلاس ، وكلاب ، بنو طلحة بن أبي طلحة (ابن هشام 3 : 66) ، وقد قتلوا يوم أحد هم وأبوهم ، قتل مسافعًا والجلاس ، عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، حمى الدبر ، فنذرت سلافة: لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر! فمنعته الدبر (النحل) حين أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة (ابن هشام 3 : 180).

فهذا تحقيق اسمها إن شاء الله ، يصحح به ما في الترمذي والمستدرك ومن نقل عنهما.

(22) شعر حسان هذا في ديوانه: 271 يقول في أوله يذكر سلافة بالسوء من القول ، قال:

وَمَـا سَـارِقُ الـدِّرْعَيْنِ إنْ كُنْتَ ذاكِرًا

بــذي كَـرَمٍ مـن الرجـالِ أُوَادِعُـهْ

فَقَـدْ أَنْزَلَتْـهُ بِنْـتُ سَـعْدٍ، فأَصْبَحَتْ

يُنَازِعُهَــا جِــلْدَ اسْـتِها وَتُنَازِعُـهْ

(23) في المطبوعة: "فرمته بالأبطح" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في الترمذي. و"الأبطح" ، هو أبطح مكة ، أو: بطحاء مكة ، وهو مسيل واديها.

(24) الأثر: 10411 -"الحسن بن أحمد بن أبي شعيب عبد الله بن مسلم الأموي" أبو مسلم الحراني. من أهل حران ، سكن بغداد. قال الخطيب: "ثقة مأمون". وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "يغرب". روى عن محمد بن سلمة. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 2 ، وتاريخ بغداد 7 : 266.

وهذا الأثر رواه الترمذي في السنن ، في تفسير هذه الآية ، بإسناد الطبري نفسه ، أعني عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب. ورواه الحاكم في المستدرك 4 : 385 ، وخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 574-576 ، والسيوطي في الدر 2 : 214 ، 215 ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.

وإسناد الحاكم في المستدرك: "حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثني محمد بن إسحاق ..." ، وساق إسناده مرفوعًا إلى قتادة بن النعمان ، كما في التفسير والترمذي.

وأشار الخطيب البغدادي إلى هذا الخبر بإسناده: "أخبرنا عثمان بن محمد بن يوسف العلاف ، أخبر محمد بن عبد الله الشافعي قال ، حدثنا عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب (وهو أبو شعيب) ، حدثنا جدي وأبي جميعًا فقالا ، حدثنا محمد بن سلمة" وساقه كإسناد أبي جعفر.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في التهذيب أن أبا مسلم الحراني (الحسن بن أحمد) روى عن أبيه وجده ، وأخشى أن يكون وهم ، وجاءه الوهم من هذا الإسناد لقوله"حدثني جدي وأبي جميعًا" ، وإنما قائل ذلك هو عبد الله بن الحسن بن أحمد ، لا الحسن بن أحمد.

ثم قال الخطيب البغدادي: "قال أبو شعيب: "قال أبي (يعني الحسن بن أحمد): سمعه مني يحيى بن معين ببغداد في مسجد الجامع ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وإسحاق بن أبي إسرائيل". وأما في ابن كثير ، فقائل هذا: "محمد بن سلمة" ، وهو الصواب.

وقال الحاكم في المستدرك (ولفظه مخالف لفظ الطبري): "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه".

أما الترمذي فقد قال: "هذا حديث غريب ، لا نعلم أحدًا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني. وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، مرسلا ، لم يذكروا فيه: عن أبيه عن جده".

غير أن الحاكم: رواه كما ترى من طريق يونس بن بكير ، مرفوعًا إلى قتادة بن النعمان.

(25) في المخطوطة والدر المنثور: "فقدمها" والصواب ما في المطبوعة.

(26) في أسباب النزول للواحدي: 134: "زيد بن السمير" بالراء ، وسائر الكتب كما هنا في المطبوعة والمخطوطة.

(27) في المطبوعة والمخطوطة: "يهتف" بالتاء ، كأنه أراد يصيح ويدعو رسول الله ويناشده. ولكني رجحت قراءتها بالنون ، من قولهم: "أهنف الصبي إهنافًا" ، إذا تهيأ للبكاء وأجهش. ويقال للرجال: "أهنف الرجل" ، إذا بكى بكاء الأطفال من شدة التذلل. وهذا هو الموافق لسياق القصة فيما أرجح.

(28) "ظننت الرجل ، وأظننته" ، اتهمته. و"الظنة" (بالكسر): التهمة.

(29) "ليلا" غير موجودة في المخطوطة ، ولكن سيأتي بعد أسطر ما يدل على صواب إثباتها.

(30) في المطبوعة: "إن لم يعصمه الله" ، والذي في المخطوطة ، صواب عريق.

(31) في المطبوعة ، سقط من الناشر من أول قوله: "يجادلون عن الخائن" إلى قوله: "بالكذب" ، فأثبتها من المخطوطة.

(32) سقط من المطبوعة: "فقرأ حتى بلغ: لا خير في كثير من نجواهم" ، وزاد في التي بعدها: "حتى بلغ إلى قوله". وأثبت نص المخطوطة.

(33) في المطبوعة: "ليسرقه" ، والذي في المخطوطة صواب معرق.

(34) في المطبوعة: "فذلك قوله" ، وأثبت نص المخطوطة.

(35) "كافره حقه": جحده ، و"كافره عنه" ، عربي صريح.

(36) "نضح عنه": أي ذب عنه ودفع بحجة تنفي عنه ما اتهم به.

(37) قوله: "يقول: يقولون ما لا يرضى من القول" ، غير موجودة في المخطوطة ، وأخشى أن تكون زيادة من ناسخ. وسيأتي معنى"التبيت" على وجه الدقة فيما يلي ص: 191 ، 192.

(38) في المطبوعة: "وإتيانهم إياه" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(39) "الخشخشة": صوت حركة ، تكون من السلاح إذا احتك ، والثوب الجديد ، ويبيس النبات. و"القعقعة": أشد من الخشخشة ، صوت يكون من الجلد اليابس ، والسلاح إذا ارتطم بعضه ببعض.

(40) "حرة بني سليم" في عالية نجد. و"الحرة" أرض ذات حجارة سود نخرة ، كأنها أحرقت بالنار.

(41) المشربة: الغرفة ، كما أسلفت في التعليق.

(42) في المطبوعة: "محمد صلى الله عليه وسلم" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(43) في المطبوعة والمخطوطة"البهري" ، وهو تصحيف. ولا يعجبني هذا ، بل الصحيح أن يقال: "السلمي ثم البهزي" بالتقديم والتأخير ، فإنه"بهز بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور" ، فبهز بطن من سليم بن منصور.

(44) "لحج بالمكان": نشب فيه ولزمه وضاق عليه أن يخرج منه. و"لحج السيف": نشب في الغمد فلم يخرج.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[106] ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ قيل: معناه استغفر الله لأمتك، أما أنت فمغفور لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
وقفة
[106] ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ كل ما في القرآن من هذا القبيل يقصد به الأمة، كأن الله تعالى يقول لنا: إذا كان الخطاب لرسول الله بصيغة الأمر هذه، فكيف يكون خطابكم؟ قال بعض الصالحين: مَا كان في القُرآن مِنْ نِذَارة ... إلى النبيِّ صاحبِ البشارة فكُنْ لبيبًا وافْهَم الإشَارة ... إياك أعني واسمعي يا جارة
وقفة
[106] ليس بينك وبين رحمة الله إلا الاستغفار ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
عمل
[106] استغفر الله تعالى هذا اليوم سبعين مرة، اقتداء بالنبي ﷺ ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
تفاعل
[106] ﴿اسْتَغْفِرِ اللَّـهَ﴾ استغفر الآن.
تفاعل
[106] قُل: ﴿اسْتَغْفِرِ اللَّـهَ﴾ ليفرج الله همك، وينفس كربك، وييسر أمرك، ويجعل لك من كل ضيق مخرجًا.

الإعراب :

  • ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ:
  • الواو: استئنافية. استغفر: فعل أمر مبني على السكون حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ كانَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو وجملة «كانَ مع خبرها» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ غَفُوراً رَحِيماً:
  • خبر «كانَ» منصوب بالفتحة. رحيما: صفة لغفورا أو خبر ثان «لكان». '

المتشابهات :

النساء: 23﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
النساء: 106﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
النساء: 129﴿وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَـ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
الأحزاب: 24﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [106] لما قبلها :     ولَمَّا اتُّهِمَ اليهودي ظُلمًا بالسَّرقةِ؛ أمر اللهُ عز وجل نبيه هنا أن يستغفر الله مما همَّ به من عقاب اليهودي، فقال تعالى:
﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [107] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ ..

التفسير :

[107] ولا تدافع عن الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله. إن الله -سبحانه- لا يحب مَن عَظُمَتْ خيانته، وكثر ذنبه.

{ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} "الاختيان"و "الخيانة"بمعنى الجناية والظلم والإثم، وهذا يشمل النهي عن المجادلة، عن من أذنب وتوجه عليه عقوبة من حد أو تعزير، فإنه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية.{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} أي:كثير الخيانة والإثم، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البُغْض، وهذا كالتعليل، للنهي المتقدم.

ثم قال- تعالى- وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً.

أى: ولا تخاصم وتدافع عن هؤلاء الذين «يختانون أنفسهم» أى يخونونها بشدة وإصرار إن الله- تعالى- لا يحب ولا يرضى عمن كانت الخيانة وصفا من أوصافه، وخلقا من أخلاقه، وكذلك لا يحب ولا يرضى عمن كان الانهماك في الإثم والمعصية عادة من عاداته.

وجاء- سبحانه- بلفظ يَخْتانُونَ

بمعنى يخونون، لقصد وصفهم بالمبالغة في الخيانة لأن مادة الافتعال تدل على التكلف والمحاولة.

وجعلت خيانة هؤلاء لغيرهم خيانة لأنفسهم، لأن سوء عاقبة هذه الخيانة سيعود عليهم.

ولأن المسلمين جميعا كالجسد الواحد فمن تظاهر بأنه منهم ثم خان أحدهم فكأنما خان نفسه، وأوردها موارد البوار والتهلكة باعتدائه على حقوق الجماعة الإسلامية، وزعزعة أمنها واستقرارها.

والمراد بالموصول في قوله وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ

طعمة وأمثاله من الخائنين أو هو ومن عاونه وشهد ببراءته من أبناء عشيرته.

وقال- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً

بصيغة المبالغة لإفادة أن الخيانة والإثم صارا وصفا ملازما لهؤلاء الخائنين الآثمين.

أى أن صيغة المبالغة هنا ليست للتخصيص حتى لا يتوهم متوهم أن الله- تعالى- يحب من عنده أصل الخيانة والإثم.

وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: فإن قلت: لم قيل «خوانا أثيما» على المبالغة؟ قلت: كان الله عالما من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب المآثم، ومن كانت تلك خاتمة أمره لم يشك في حاله. وقيل: إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات. وعن عمر- رضى الله عنه- أنه أمر بقطع يد سارق، فجاءت أمه تبكى وتقول: هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه. فقال لها كذبت. إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة .

ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم [ إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما . يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ] ) إلى قوله : ( رحيما ) أي : لو استغفروا الله لغفر لهم ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه ) إلى قوله : ( إثما مبينا ) قولهم للبيد : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته ) إلى قوله : ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما )

فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة .

فقال قتادة : لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا ، قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي ، هو في سبيل الله . فعرفت أن إسلامه كان صحيحا ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية ، فأنزل الله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا . إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعره ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح ، ثم قالت : أهديت لي شعر حسان ؟ ما كنت تأتيني بخير .

لفظ الترمذي ، ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني : وروى يونس بن بكير وغير واحد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده .

ورواه ابن حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني ، عن محمد بن سلمة ، به ببعضه .

ورواه ابن المنذر في تفسيره : حدثنا محمد بن إسماعيل - يعني الصائغ - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني ، حدثنا محمد بن سلمة - فذكره بطوله .

ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس بن أيوب والحسن بن يعقوب ، كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني ، عن محمد بن سلمة ، به . ثم قال في آخره : قال محمد بن سلمة : سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إسرائيل .

وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري هذا الحديث في كتابه " المستدرك " عن أبي العباس الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق - بمعناه أتم منه ، وفيه الشعر ، ثم قال : وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .

القول في تأويل قوله : وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " ولا تجادل " يا محمد، فتخاصم=" عن الذين يختانون أنفسهم "، يعني: يخوّنون أنفسهم، يجعلونها خَبوَنة بخيانتهم ما خانوا من أموال من خانوه مالَه، وهم بنو أبيرق. يقول: لا تخاصم عنهم من يطالبهم بحقوقهم وما خانوه فيه من أموالهم=" إن الله لا يحب من كان خوّانًا أثيمًا "، يقول: إنّ الله لا يحب من كان من صفته خِيَانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرَّمه الله عليه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: وقد تقدم ذكر الرواية عنهم.

10418- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم "، قال: اختان رجل عمًّا له درعًا، فقذف بها يهوديًا كان يغشاهم، فجادل عمُّ الرجل قومه، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره. ثم لحق بأرض الشرك، فنـزلت فيه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى الآية.

* * *

القول في تأويل قوله : يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يستخفون من الناس "، يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم، ما أتَوْا من الخيانة، وركبوا من العار والمعصية (45) =" من الناس "، الذين لا يقدرون لهم على شيء، إلا ذكرهم بقبيح ما أتَوْا من فعلهم، (46) وشنيع ما ركبوا من جُرْمهم إذا اطلعوا عليه، حياءً منهم وحذرًا من قبيح الأحدوثة=" ولا يستخفون من الله " الذي هو مطلع عليهم، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وبيده العقاب والنَّكال وتعجيل العذاب، وهو أحق أن يُستحى منه من غيره، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه=" وهو معهم "، يعني: والله شاهدهم=" إذ يبيتون ما لا يرضى من القول "، يقول: حين يسوُّون ليلا ما لا يرضى من القول، فيغيِّرونه عن وجهه، ويكذبون فيه.

* * *

وقد بينا معنى " التبييت " في غير هذا الموضع، وأنه كل كلام أو أمرٍ أصلح ليلا. (47)

وقد حكى عن بعض الطائيين أن " التبييت " في لغتهم: التبديل، وأنشد للأسود بن عامر بن جُوَين الطائي في معاتبة رجل: (48)

&; 9-192 &; وَبَيَّــتَّ قَــوْلِــيَ عَبْـدَ الْمَلِيـكِ

قـــاتلَكَ اللــه عَبْــدًا كَنُــودًا!! (49)

بمعنى: بدَّلت قولي.

* * *

وروي عن أبي رزين أنه كان يقول في معنى قوله: " يبيتون "، يؤلّفون.

10419- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين: " إذ يبيتون ما لا يرضى من القول "، قال: يؤلِّفون ما لا يرضى من القول.

10420- حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال، حدثنا أبو يحيى الحماني، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين بنحوه.

10421- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي رزين، مثله. (50)

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول شبيه المعنى بالذي قلناه. وذلك أن " التأليف " هو التسوية والتغيير عما هو به، وتحويلُه عن معناه إلى غيره.

* * *

وقد قيل: عنى بقوله: " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله "، الرهطَ الذين مشوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة المدافعة عن ابن أبيرق والجدال عنه، (51) على ما ذكرنا قبل فيما مضى عن ابن عباس وغيره.

* * *

=" وكان الله بما يعملون محيطًا " يعني جل ثناؤه: وكان الله بما يعمل هؤلاء المستخفون من الناس، فيما أتَوْا من جرمهم، حياءً منهم، من تبييتهم ما لا يرضى من القول، وغيره من أفعالهم=" محيطًا "، محصيًا لا يخفى عليه شيء منه، حافظًا لذلك عليهم، حتى يجازيهم عليه جزاءهم. (52)

---------------------

الهوامش :

(45) في المطبوعة في الموضعين: "ما أوتوا" ، والصواب من المخطوطة.

(46) في المطبوعة في الموضعين: "ما أوتوا" ، والصواب من المخطوطة.

(47) انظر ما سلف 8 : 562 ، 563.

(48) في المطبوعة والمخطوطة: "... بن جرير" ، والصواب ما أثبت ، والأسود بن عامر بن جوين الطائي ، أبو عامر بن جوين الطائي ، الذي نزل به امرؤ القيس (الأغاني 8 : 90 ، 95) ، وقد ذكرهما ابن دريد في الاشتقاق: 233 وقال: "كانا سيدين رئيسين" ، وذكرهما ابن حزم في الجمهرة: 379 ، وقال في الأسود بن عامر: "شاعر" ، ثم قال: "فولد الأسود هذا: قبيصة بن الأسود ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(49) لم أجد البيت في مكان ، وكنت أعرفه ولكن غاب عني مكانه ، فأرجو أن أجده وألحق به بيانه في طبعة أخرى ، أو في كتاب آخر.

(50) الآثار: 10419 - 10421 -"أبو رزين" هو"أبو رزين الأسدي": "مسعود بن مالك" ، مضى برقم: 4291 - 4294 ثم: 4791 - 4793.

(51) في المخطوطة والمطبوعة: "بني أبيرق" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(52) انظر تفسير"الإحاطة" و"محيط" فيما سلف 2 : 284 / 5 : 396 / 7 : 158.

التدبر :

وقفة
[107] النهي عن المدافعة والمخاصمة عن المبطلين؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
وقفة
[107] ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ يظلمونها باكتساب المعاصي وارتكاب الآثام، ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ كثير الخيانة مفرطًا فيها أثيمًا، وأتى بصيغة المبالغة فيهما ليخرج منه من وقع منه الإثم والخيانة مرة، ومن صدر منه ذلك على سبيل الغفلة وعدم القصد.
وقفة
[107] ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ احذر أن تدافع عن عدو لله؛ فتكون بمنزلته عند الله.
وقفة
[107] ﴿يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ لم يقل (يخونون)، وهو افتعال دال على التكلف لقصد المبالغة في الخيانة، وممكن أن يخون الإنسان غيره، لكن كيف يخون نفسه؟
وقفة
[107] ﴿يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ خيانة النفس تحدث بالغفلة عن العقوبة الآجلة بالشهوة العاجلة، فجعلت خيانة هؤلاء لغيرهم خيانة لأنفسهم؛ لأن سوء عاقبة هذه الخيانة سيعود عليهم، ولهذا يقال لمن ظلم غيره: إنه ظلم نفسه.
وقفة
[107] ﴿يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ جعلت خيانة الغير خيانة لأنفسهم؛ لأن وبالها وضررها عائد عليهم.
وقفة
[107] ﴿يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾ من فسر من العلماء: (الاختيان) بأنه ظلم النفس بأي ذنب كان سرًّا أو علانية، ففي قوله نظر؛ لأن الاختيان إنما يستعمل في الذنوب التي تفعل سرًّا فحسب، كقوله تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة: 187].
عمل
[107] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ احذر الخيانة وابتعد عنها؛ فإن الله تعالى لا يحب المتصفين بها.
عمل
[107] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ تذكر وعدًا قطعته على نفسك ولم تفِ به، وبادر إلى الوفاء به.
وقفة
[107] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ فإن الخوان هو: الذي تتكرر منه الخيانة، والأثيم هو: الذي يقصدها، فيخرج من هذا التشديد: الساقط مرة واحدة، ونحو ذلك مما يجيء من الخيانة بغير قصد أو على غفلة.
تفاعل
[107] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَا تُجَادِلْ :
  • الواو : عاطفة (لا) ناهية جازمة (تجادل) مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت
  • ﴿ عَنِ الَّذِينَ:
  • عن: حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بتجادل.
  • ﴿ يَخْتانُونَ:
  • بمعنى «يخونون» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أَنْفُسَهُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «إِنَّ» منصوب للتعظيم بالفتحة. لا: نافية لا عمل لها. يحب: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «لا يُحِبُّ وما بعدها» في محل رفع خبر «إِنَّ».
  • ﴿ مَنْ كانَ: من:
  • اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل نصب مفعول به. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «كانَ مع اسمها وخبرها» صلة الموصول لا محل لها وجملة «يَخْتانُونَ» صلة الموصول.
  • ﴿ خَوَّاناً أَثِيماً:
  • خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة. أثيما: صفة- نعت- لخوانا منصوبة بالفتحة أيضا ويجوز أن تكون خبرا ثانيا للفعل «كانَ» و «خَوَّاناً» مبالغا في الخيانة. '

المتشابهات :

النساء: 107﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا
النساء: 36﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [107] لما قبلها :     ولَمَّا نهى اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن الدفاع عن الخائنين؛ نهاه هنا عمَّا هو أقلُّ رتبةً منه؛ وهو الجدالُ عنهم، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [108] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ ..

التفسير :

[108] يستترون من الناس خوفاً من اطلاعهم على أعمالهم السيئة، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه، مطَّلع عليهم حين يدبِّرون -ليلاً- ما لا يرضى من القول، وكان الله -تعالى- محيطاً بجميع أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء.

ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم. وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه. فقد جمعوا بين عدة جنايات، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات، المطلع على سرائرهم وضمائرهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله:{ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} أي:قد أحاط بذلك علما، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة.

وقوله يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ بيان لأحوالهم القبيحة التي تجعلهم محل غضب الله وسخطه.

والاستخفاء معناه الاستتار. يقال استخفيت من فلان. أى: تواريت منه واستترت.

أى: أن هؤلاء الذين من طبيعتهم الخيانة والوقوع في الآثام يستترون من الناس عند ما يقعون في المنكرات حياء منهم وخوفا من ضررهم وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ

أى: ولا يشعرون برقابة الله عليهم، واطلاعه على جميع أحوالهم، بل يرتكبون ما يرتكبون من آثام بدون حياء منه مع أنه- سبحانه- هو الأحق بأن يستحى منه، ويخشى من عقابه.

وقوله وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً

بيان لشمول علمه- سبحانه- بكل حركاتهم وسكناتهم.

أى: أن هؤلاء الخائنين يرتكبون السوء بدون حياء من الله، مع أنه- سبحانه- معهم في كل حركاتهم وسكناتهم بعلمه واطلاعه على أقوالهم وأعمالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم حين «يبيتون» أى يضمرون ويدبرون ويقدرون في أذهانهم مالا يرضاه الله- من القول كأن يرتكبوا المنكرات ثم يمسحونها في غيرهم حتى لا يفتضح أمرهم.

قال صاحب الكشاف: وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم، مع علمهم- إن كانوا مؤمنين- أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة، وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح.

وقوله يُبَيِّتُونَ

أى: يدبرون ويزورون وأصله أن يكون ليلا ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ

وهو تدبير طعمة أن يرمى الدرع في دار غيره.

فإن قلت: كيف سمى التدبير قولا وإنما هو معنى في النفس؟ قلت: لما حدث بذلك نفسه سمى قولا على المجاز. ويجوز أن يكون المراد بالقول: الحلف الكاذب الذي حلف به طعمة بعد أن بيته وتوريكه الذنب على اليهودي .

وقوله وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً

تذييل قصد به التهديد والوعيد. أى وكان الله- تعالى- محيطا إحاطة تامة بما يعمله هؤلاء الخائنون وغيرهم ولا يغيب عن علمه شيء من تصرفاتهم، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة.

وقوله : ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله [ وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ] ) الآية ، هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم ، ويجاهرون الله بها لأنه مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ; ولهذا قال : ( وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ) تهديد لهم ووعيد .

القول في تأويل قوله : هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (109)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا "، ها أنتم الذين جادلتم، (53) يا معشر من جادل عن بني أبيرق=" في الحياة الدنيا "= و " الهاء " و " الميم " في قوله: " عنهم " من ذكر الخائنين.

=" فمن يجادل الله عنهم "، يقول: فمن ذا يخاصم الله عنهم=" يوم القيامة "، أي: يوم يقوم الناس من قبورهم لمحشرهم، (54) فيدافع عنهم ما الله فاعل بهم ومعاقبهم به. وإنما يعني بذلك: إنكم أيها المدافعون عن هؤلاء الخائنين أنفسهم، وإن دافعتم عنهم في عاجل الدنيا، فإنهم سيصيرون في آجل الآخرة إلى من لا يدافع عنهم عنده أحد فيما يحلُّ بهم من أليم العذاب ونَكال العقاب.

= وأما قوله: " أم من يكون عليهم وكيلا "، فإنه يعني: ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلا يوم القيامة= أي: ومن يتوكل لهم في خصومة ربهم عنهم يوم القيامة.

* * *

وقد بينا معنى: " الوكالة "، فيما مضى، وأنها القيام بأمر من توكل له. (55)

-------------------

الهوامش :

(53) انظر ما قاله: في"ها أنتم أولاء" و"ها أنتم هؤلاء" فيما سلف 7 : 150 ، 151.

(54) انظر تفسير"يوم القيامة" فيما سلف 2 : 518 / 8 : 592.

(55) انظر تفسير"الوكيل" فيما سلف 7 : 405 / 8 : 566.

التدبر :

عمل
[108] لا تكن ممن يخاف أن يراه الخلق على معصية، ولا يخاف أن يراه الخالق على هذه المعصية.
عمل
[108] ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ﴾ اجعلها قاعدة في حياتك: إن أرضيتَ ربّـك فلا يهمُّـك أرضيَ الناس أم سخطوا؟
وقفة
[108] ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ الخاص عند الله عام !فاحذر من مقته وسخطه وعقوبته؛ لتهوين نظرك إليه .
وقفة
[108] ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ الخاص عند الله كالعام! فراقبه على الدوام، ولا تستهن بنظره إليك في السر والإعلان.
وقفة
[108] ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ ينبغي للمؤمن الحق أن يكون خوفه من الله وتعظيمه والحياء منه فوق كل أحد من الناس.
عمل
[108] ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ «لا تجعل الله أهون الناظرين إليك»؛ اجعلها شعارًا لك.
وقفة
[108] ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ قال ابن القيم: «ذنوب الخلوات أصل الانتكاسات، وعبادات الخفاء من أسباب الثبات».
عمل
[108] اعرض قلبك على القرآن، وتفحص إيمانك عند تلاوته، وخاصة في مثل هذه الآيات: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾.
وقفة
[108] قالت: «كنت واقعة في ذنب يشق عليَّ تركه، وفي كل مرة ارتكبه يتملكني شعور بالضيق الشديد، وفي أحد الأيام فتحت المذياع؛ فإذا بقول الله عز وجل: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ يرتله أحد القراء بصوت مؤثر جدًا؛ فاقشعر جسمي، وكان ذلك اليوم الحد الفاصل بين المعصية والإنابة إلي الله».
وقفة
[108] ذنوب الخلوات علامة على النفاق ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾.
وقفة
[108] ظلمات يحيا فيها المنافق ويبيت فيها مكائده: ظلمة القلب والوجه والليل ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾.
عمل
[108] إذا رأيت مغردًا في (تويتر) بمعرف مجهول يغرد بالغيبة والبهتان فاذكر: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾.
وقفة
[108] المعية منها عام :﴿وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾، ومنها خاص لأوليائة :﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]، ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: 46].
وقفة
[108] ما أقبح النفاق! يعلم بأن الله معه ثم يقيم على نفاقه ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾.
عمل
[108] ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ راجع نوايـاك، وانوِ الخـير قبل أن تنام، النوايا السيئة لا يرضاها العزيز العلَّام.

الإعراب :

  • ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. من الناس: جار ومجرور متعلق بيستخفون: أي يستترون منهم حياء وخوفا.
  • ﴿ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ:
  • معطوفة بواو العطف على «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ» وتعرب اعرابها. لا: نافية لا عمل لها.
  • ﴿ وَهُوَ مَعَهُمْ:
  • الواو:حالية. هو: ضمير رفع منفصل للغائب مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مع: ظرف مكان متعلق بخبر المبتدأ وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة والجملة الاسمية «هُوَ مَعَهُمْ» في محل نصب حال.
  • ﴿ إِذْ يُبَيِّتُونَ:
  • إذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بيستخفون يبيتون في محل جر مضاف اليه لوقوعها بعد الظرف «إِذْ» وتعرب اعراب «يَسْتَخْفُونَ».
  • ﴿ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ:
  • ما:اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لا: نافية لا عمل لها. يرضى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «لا يَرْضى» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب من القول: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «ما».
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً:
  • الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء يعملون تعرب إعراب «يَسْتَخْفُونَ» وجملة «يَعْمَلُونَ» صلة الموصول. محيطا: خبر «كانَ» منصوب بالفتح المنوّن و «بِما» متعلق بخبر «كانَ» والعائد الى الموصول «ما» أو ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى في محل نصب لأنه مفعول به، التقدير بما يعملونه و «ما لا يرضاه». '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [108] لما قبلها :     وبعد أن نهى اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن الدفاع أو الجدال عن الخائنين -الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله-؛ بَيَّنَ هنا أحوال الخائنين القبيحة التي تجعلهم محل غضب الله وسخطه، قال تعالى:
﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [109] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ..

التفسير :

[109] ها أنتم -أيها المؤمنون- قد حاججتم عن هؤلاء الخائنين لأنفسهم في هذه الحياة الدنيا، فمن يحاجج الله تعالى عنهم يوم البعث والحساب؟ ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلاً يوم القيامة؟

{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} أي:هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا، ودفع عنهم جدالُكم بعض ما تحذرون من العار والفضيحة عند الخَلْق، فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون؟{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} فمن يجادل عنهم من يعلم السر وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكار؟ وفي هذه الآية إرشاد إلى المقابلة بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه، وبين ما يفوت من ثواب الآخرة أو يحصل من عقوباتها. فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلا وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟ وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة قال لها:هبك فعلت ما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب - ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها. وهذا من أعظم ما ينفع العبدَ تدبرُه، وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف الذي يدعي العقل، وليس كذلك، فإنه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان.

ثم وبخ- سبحانه- أولئك الذين دافعوا عن الخائنين وجادلوا عنهم بالباطل فقال:

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا.

أى: ها أنتم أيها المدافعون عن الخائنين كطعمة وأمثاله قد جادلتم عنهم في الدنيا مبرئين إياهم من الخيانة بدون حق، فمن ذا الذي يستطيع منكم أن يدافع عنهم أمام الله يوم القيامة، بل من يكون عليهم يومئذ وكيلا. أى: قائما بتدبير أمورهم، ومدافعا عنهم؟ لا شك أنه لن يكون هناك أحد يدافع عنهم يوم القيامة لأن كل إنسان سيجازى بعمله، ولن ينفعه دفاع المدافعين، أو جدال المجادلين.

وقوله ها

حرف تنبيه. أى تنبيه المخاطبين على خطئهم في المجادلة عن السارق، وقوله أَنْتُمْ

مبتدأ. وقوله هؤُلاءِ

منادى بحرف نداء محذوف مبنى على الكسر في محل نصب.

وجملة جادَلْتُمْ عَنْهُمْ

. خبر المبتدأ. وبعضهم أعرب هؤلاء خبر أول. وجعل جملة جادلتم خبرا ثانيا.

وقوله جادَلْتُمْ

من الجدل بمعنى الفتل ومنه رجل مجدول الفتل أى قوى البنية فالجدال معناه تقوية الحجة التي يدافع بها الإنسان عن نفسه أو عن غيره. وقيل إن الجدال مأخوذ من الجدالة وهي وجه الأرض. فكأن كل واحد من الخصمين يكون كالمصارع الذي يريد أن يلقى صاحبه عليها. ومنه قولهم: تركته مجدلا أى مطروحا على الأرض.

وأَمْ

في قوله أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

منقطعة للإضراب الانتقالى.

والاستفهام إنكارى بمعنى النفي في الموضعين. أى لا أحد يجادل عنهم أمام الله- تعالى- ولا أحد يستطيع أن يقوم بتدبير أمورهم يوم القيامة.

ثم قال : ( ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا [ فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ] ) أي : هب أن هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدي لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر - وهم متعبدون بذلك - فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله ، عز وجل ، الذي يعلم السر وأخفى ؟ ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذ في ترويج دعواهم ؟ أي : لا أحد يكون يومئذ لهم وكيلا ولهذا قال : ( أم من يكون عليهم وكيلا )

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يعمل ذنبًا، وهو " السوء " (56) =" أو يظلم نفسه "، بإكسابه إياها ما يستحق به عقوبة الله=" ثم يستغفر الله "، يقول: ثم يتوب إلى الله بإنابته مما عمل من السوء وظُلْم نفسه، ومراجعته ما يحبه الله من الأعمال الصالحة التي تمحو ذنبَه وتذهب جرمه=" يجد الله غفورًا رحيمًا "، يقول: يجد ربه ساترًا عليه ذنبه بصفحه له عن عقوبة جرمه، رحيمًا به. (57)

* * *

واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية.

فقال بعضهم: عنى بها الذين وصفهم الله بالخيانة بقوله: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ .

* * *

وقال آخرون: بل عني بها الذين كانوا يجادلون عن الخائنين، (58) الذين قال الله لهم: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وقد ذكرنا قائلي القولين كليهما فيما مضى.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا: أنه عنى بها كل من عمل سوءًا أو ظلم نفسه، وإن كانت نـزلت في أمر الخائنين والمجادلين عنهم الذين ذكر الله أمرَهم في الآيات قبلها.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

10422- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل قال، قال عبد الله: كانت بنو إسرائيل إذا أصابَ أحدهم ذنبًا أصبح قد كُتِب كفارة ذلك الذنب على بابه. وإذا أصاب البولُ شيئًا منه، قَرَضه بالمقراض. (59) فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيرًا! فقال عبد الله: ما آتاكم الله خيرٌ مما آتاهم، جعل الله الماءَ لكم طهورًا وقال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [سورة آل عمران: 135]، وقال: " ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا ".

10423- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا ابن عون، عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن مُغَفّل، فسألته عن امرأة فَجرت فَحبِلت، فلما ولدتْ قتلت ولدها؟ فقال ابن مغفل: ما لها؟ لها النار! فانصرفت وهي تبكي، فدعاها ثم قال: ما أرى أمرَك إلا أحدَ أمرين: " من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا "، قال: فَمَسحت عينها ثم مضت. (60)

10424- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا "، قال: أخبر الله عبادَه بحلمه وعفوه وكرمه، وسعةِ رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا، ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال.

---------------------

الهوامش :

(56) انظر تفسير"السوء" فيما سلف من فهارس اللغة.

(57) انظر تفسير"استغفر" ، "غفور" ، "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(58) في المطبوعة"الذين يجادلون عن الخائنين" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(59) "قرضه": قصه. و"المقراض": المقص.

(60) الأثر: 10423 -"حبيب بن أبي ثابت الأسدي" مضى برقم: 9012 ، 9035. و"عبد الله بن مغفل المزني" من مشاهير الصحابة ، وهو أحد البكائين في غزوة تبوك. وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقه الناس بالبصرة.

وهذا الخبر من محاسن الأخبار الدالة على عقل الفقيه ، وبصره بأمر دينه ، ونصيحته للناس في أمور دنياهم.

التدبر :

عمل
[109] لا تدافع عن ظالم، ولا تجادل عن خاطئ، فإن فعلت، فواجه نفسك قائلًا: هل أستطيع المجادلة عنه غدًا بين يدي الله؟! هل أستطيع أن أدفع عنه العذاب غدًا إن عاقبه الله بذنبه؟!
وقفة
[109] ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ المحامي الذي يدافع عن موكِّله وهو يعلم أنه مذنب، ألا يخشى أن يدخل في من عنتهم هذه الآية؟!

الإعراب :

  • ﴿ ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ:
  • ها: حرف تنبيه. أنتم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. هؤلاء: ها: حرف تنبيه. أولاء: اسم اشارةمبني على الكسر في محل رفع خبر.
  • ﴿ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطبين. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور. عنهم: جار ومجرور متعلق بجادلتم. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعن. وجملة «جادَلْتُمْ» في محل نصب حال. ويجوز أن يكون «أولاء» اسما موصولا هنا بمعنى «الذين». وجادلتم: صلته.
  • ﴿ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • جار ومجرور متعلق بجادلتم. الدنيا: صفة للحياة مجرورة مثلها وعلامة جرّها الكسرة المقدرة على الألف للتعذر وكتبت «الْحَياةِ» بالواو على لغة من يفخم وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجماعة.
  • ﴿ فَمَنْ يُجادِلُ:
  • الفاء: استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يجادل: فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يُجادِلُ اللَّهَ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ اللَّهَ عَنْهُمْ:
  • لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. عنهم: جار ومجرور متعلق بيجادل و «هم» ضمير الغائبين المتصل مبني على السكون في محل جرّ بعن.
  • ﴿ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيجادل. القيامة: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ أَمْ مَنْ يَكُونُ:
  • أم منقطعة: حرف عطف بمعنى حرف الاضراب «بل». من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يكون: فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمة واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «مَنْ يَكُونُ» معطوفة على «من يجادل».
  • ﴿ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا:
  • جار ومجرور متعلق بوكيلا ويعرب إعراب «عَنْهُمْ». وكيلا: خبر «يَكُونُ» منصوبة بالفتحة المنونة وجملة «يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا» في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ». '

المتشابهات :

آل عمران: 66﴿ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ
النساء: 109﴿ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
محمد: 37﴿ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ
آل عمران: 119﴿ هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [109] لما قبلها :     وبعد أن نهى اللهُ عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن الدفاع أو الجدال عن الخائنين؛ بَيَّنَ هنا لهؤلاء المدافعين أن أحدًا لن يحامي عن أحد يوم القيامة، قال تعالى:
﴿ هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [110] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ ..

التفسير :

[110] ومن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح، أو يظلم نفسه بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه، ثم يرجع إلى الله نادماً على ما عمل، راجياً مغفرته وستر ذنبه، يجد الله تعالى غفوراً له، رحيماً به.

{ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} أي:من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة. فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه. واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي "سوءًا"لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن. وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس "ظلما"لأن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملاً، فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.

ثم فتح- سبحانه- بعد هذا التوبيخ الشديد للخائنين- باب التوبة لعباده فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

أى: ومن يعمل عملا سيئا يؤذى به غيره كما فعل طعمة باليهودي، أو يظلم نفسه بارتكاب الفواحش، التي يعود معظم ضررها على نفسه كشرب الخمر، وترك فرائض الله التي فرضها على عباده ثم بعد كل ذلك يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ

بأن يتوب إليه توبة صادقة نصوحا «يجد الله» بفضله وكرمه غَفُوراً رَحِيماً

أى كثير الغفران لعباده التائبين، واسع الرحمة إليهم.

فالمراد بعمل السوء هنا- على أرجح الأقوال- العمل السيئ الذي يكون فيه أذى للغير كالقذف والشتم والسب وما يشبه ذلك.

والمراد بظلم النفس: الأعمال السيئة التي يعود ضررها ابتداء على فاعلها نفسه كشرب الخمر، وترك الصلاة أو الصيام وما يشبه ذلك.

وإنما فسروا كل جملة بهذا التفسير المغاير للأخرى لوجود المقابلة بينهما.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً

أى عملا قبيحا يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودي أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ

بما يختص به كالحلف الكاذب. وقيل ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك أو يظلم نفسه بالشرك. وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة أو لقومه لما فرط منهم من نصرته والذب عنه .

والتعبير «بثم» في قوله ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ

للإشارة إلى ما بين المعصية والاستغفار من تفاوت معنوي شاسع. إذ المعصية تؤدى بفاعلها إلى الخسران أما الاستغفار الذي تصحبه التوبة الصادقة فيؤدى إلى الفلاح والسعادة.

وقوله يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

يفيد أن الله- تعالى- يستجيب لطلب الغفران من عبده متى تاب إليه وأناب، لأنه- سبحانه- قد وصف نفسه بأنه كثير المغفرة والرحمة لعباده، متى أقبلوا على طاعته بقلب سليم، ونية صادقة.

يخبر ، تعالى ، عن كرمه وجوده : أن كل من تاب إليه تاب عليه من أي ذنب كان .

فقال تعالى : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما )

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الآية : أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ، ومغفرته ، فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا ( ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) ولو كانت ذنوبه أعظم من السماوات والأرض والجبال . رواه ابن جرير .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا محمد بن مثنى ، حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه ، وإذا أصاب البول شيئا منه قرضه بالمقراض فقال رجل : لقد آتى الله بني إسرائيل خيرا - فقال عبد الله : ما آتاكم الله خيرا مما آتاهم ، جعل الماء لكم طهورا ، وقال : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) [ آل عمران : 135 ] وقال ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما )

وقال أيضا : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، حدثنا ابن عون ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت ، فلما ولدت قتلت ولدها ؟ قال عبد الله بن مغفل : ما لها ؟ لها النار ! فانصرفت وهي تبكي ، فدعاها ثم قال : ما أرى أمرك إلا أحد أمرين : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) قال : فمسحت عينها ، ثم مضت .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن عثمان بن المغيرة قال : سمعت علي بن ربيعة من بني أسد ، يحدث عن أسماء - أو ابن أسماء من بني فزارة - قال : قال علي ، رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله شيئا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه . وحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ فيصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له " . وقرأ هاتين الآيتين : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه [ ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ] ) ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية .

وقد تكلمنا على هذا الحديث ، وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السنن ، وذكرنا ما في سنده من مقال في مسند أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه . وقد تقدم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضا .

وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، حدثنا داود بن مهران الدباغ ، حدثنا عمر بن يزيد ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن علي قال : سمعت أبا بكر - هو الصديق - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن وضوءه ، ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه ، إلا كان حقا على الله أن يغفر له ; لأنه يقول : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه [ ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ] ) .

ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث ، عن علي ، عن الصديق - بنحوه . وهذا إسناد لا يصح .

وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا موسى بن مروان الرقي ، حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي ، عن تمام بن نجيح ، حدثني كعب بن ذهل الأزدي قال : سمعت أبا الدرداء يحدث قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلسنا حوله ، وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع ، ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه ، وإنه قام فترك نعليه . قال أبو الدرداء : فأخذ ركوة من ماء فاتبعته ، فمضى ساعة ، ثم رجع ولم يقض حاجته ، فقال : " إنه أتاني آت من ربي فقال : إنه : ( من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) فأردت أن أبشر أصحابي " . قال أبو الدرداء : وكانت قد شقت على الناس الآية التي قبلها : ( من يعمل سوءا يجز به ) فقلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ، ثم استغفر ربه ، غفر له ؟ قال : " نعم " قلت الثانية ، قال : " نعم " ، ثم قلت الثالثة ، قال : " نعم ، وإن زنى وإن سرق ، ثم استغفر الله غفر له على رغم أنف عويمر " . قال : فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه .

هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه بهذا السياق ، وفي إسناده ضعف .

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يأت ذنبًا على عَمْدٍ منه له ومعرفة به، فإنما يجترح وَبَال ذلك الذنب وضُرَّه وخِزْيه وعاره على نفسه، دون غيره من سائر خلق الله. (61) يقول: فلا تجادلوا، أيها الذين تجادلون، عن هؤلاء الخونة، فإنكم وإن كنتم لهم عشيرةً وقرابةً وجيرانًا، برآء مما أتوه من الذنب ومن التَّبِعة التي يُتَّبعون بها، وإنكم متى دافعتم عنهم أو خاصمتم بسببهم، (62) كنتم مثلَهم، فلا تدافعوا عنهم ولا تخاصموا.

= وأما قوله: " وكان الله عليمًا حكيمًا "، فإنه يعني: وكان الله عالمًا بما تفعلون، أيها المجادلون عن الذين يختانون أنفسهم، في جدالكم عنهم وغير ذلك من أفعالِكم وأفعال غيركم، وهو يحصيها عليكم وعليهم، حتى يجازي جميعكم بها=" حكيمًا " يقول: وهو حكيم بسياستكم وتدبيركم وتدبير جميع خلقه. (63)

* * *

وقيل: نـزلت هذه الآية في بني أبيرق. وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى قبل. (64)

-------------------------

الهوامش :

(61) انظر تفسير"كسب" فيما سلف 8 : 267 تعليق: 1 ، والمراجع هناك= وتفسير"الإثم" فيما سلف 4 : 328 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(62) في المطبوعة والمخطوطة: "فإنكم متى دافعتم ..." والسياق يقتضي"وإنكم".

(63) انظر تفسير"عليم" و"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(64) يعني الآثار السالفة من 10409 - 10418.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[110] ما أقرب الله! ما أرحم الله! ما ألطف الله!
عمل
[110] ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ نفسك أمانة عندك، فلا تظلمها.
وقفة
[110] ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ سمِّي ظلم النفس ظلمًا؛ لأن نفس العبد ليست ملكًا له، وإنما هي ملك لله قد جعلها أمانة عند العبد.
وقفة
[110] ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ سعة رحمة الله ومغفرته لمن ظلم نفسه، مهما كان ظلمه إذا صدق في توبته، ورجع عن ذنبه.
وقفة
[110] ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ هكذا، بلا وسائط، بلا شروط، بلا حدود (يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
وقفة
[110] ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبه أَعْظَم مِنْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال.
عمل
[110] ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ مهما اسودَّ ماضيك فـربك رحيم بك، قريب منك، استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله.
وقفة
[110] روى ابن جرير في تفسيره عن ثابت البناني قال: لما نزلت: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ بكى إبليس فَزعًا من هذه الآية.
عمل
[110] عوِّد نفسك على الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيه أحدًا ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
وقفة
[110] ﴿يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ أبشع الظلم ظلم النفس؛ لأنها أغلى ما تملك، ولا تستحق منك هذه المعاملة! كيف لعبد أن يذبح نفسه؟!
تفاعل
[110] ﴿ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ﴾ استغفر الآن.
وقفة
[110] ﴿ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (يَجِدِ): كل من يبحث عن الله (سيجده).

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يعمل: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه السكون. سوءا: مفعول به منصوب بالفتحة المنونة وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ:
  • معطوفة بحرف العطف أو على «يَعْمَلْ سُوءاً» وتعرب اعرابها. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ:
  • معطوفة بحرف العطف «ثُمَّ» على «يَعْمَلْ سُوءاً» وتعرب اعرابها. وحرك الراء في «يَسْتَغْفِرِ» بالكسر لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ يَجِدِ اللَّهَ:
  • فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الله لفظ الجلالة: مفعول به أول منصوب للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ غَفُوراً رَحِيماً:
  • مفعول به ثان منصوب بالفتحة المنونة. رحيما: صفة- نعت- لغفورا وجملة «يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. '

المتشابهات :

النساء: 110﴿وَ مَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا
النساء: 123﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [110] لما قبلها :     وبعد التوبيخ الشديد للخائنين؛ تأتي هنا الدعوةُ إلى التوبةِ مِن كلِّ سُوءٍ، قال تعالى:
﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [111] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ ..

التفسير :

[111] ومن يعمد إلى ارتكاب ذنب فإنما يضر بذلك نفسه وحدها، وكان الله تعالى عليماً بحقيقة أمر عباده، حكيماً فيما يقضي به بين خلقه.

{ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير، فمن كسب سيئة فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية على نفسه، لا تتعداها إلى غيرها، كما قال تعالى:{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لكن إذا ظهرت السيئات فلم تنكر عمت عقوبتها وشمل إثمها، فلا تخرج أيضا عن حكم هذه الآية الكريمة، لأن من ترك الإنكار الواجب فقد كسب سيئة. وفي هذا بيان عدل الله وحكمته، أنه لا يعاقب أحدا بذنب أحد، ولا يعاقب أحدا أكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه، ولهذا قال:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} أي:له العلم الكامل والحكمة التامة. ومن علمه وحكمته أنه يعلم الذنب وما صدر منه، والسبب الداعي لفعله، والعقوبة المترتبة على فعله، ويعلم حالة المذنب، أنه إن صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الأمارة بالسوء مع إنابته إلى ربه في كثير من أوقاته، أنه سيغفر له ويوفقه للتوبة. وإن صدر منه بتجرئه على المحارم استخفافا بنظر ربه، وتهاونا بعقابه، فإن هذا بعيد من المغفرة بعيد من التوفيق للتوبة.

ثم بين- سبحانه- بأن الأفعال السيئة يعود ضررها على صاحبها وحده فقال- تعالى- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.

والكسب كما يقول الراغب- ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ، ككسب المال. وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة له ثم استجلب به مضرة. وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيئات فمما استعمل في الصالحات قوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً. ومما استعمل في السيئات قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ .

ومنه قوله- تعالى- هنا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ

أى. ومن يرتكب إثما من الآثام التي نهى الله عن ارتكابها، فإن ضرر ذلك يعود على نفسه وحدها. وما دام الأمر كذلك فعلى العاقل أن يبتعد عن الذنوب والآثام حتى ينجو من العقاب.

وقوله وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً

تذييل قصد به التحذير من سوء عاقبة اكتساب الآثام.

أى: وكان الله عليما بما في قلوب الناس وبما يقولون ويفعلون، حكيما في كل ما قدر وقضى.

وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر

وقوله : ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه [ وكان الله عليما حكيما ] ) كقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى [ وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ] ) الآية : [ فاطر : 18 ] يعني أنه لا يجني أحد على أحد ، وإنما على كل نفس ما عملت ، لا يحمل عنها غيرها ; ولهذا قال تعالى : ( وكان الله عليما حكيما ) أي : من علمه وحكمته ، وعدله ورحمته كان ذلك .

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب=" أو إثمًا "، وهو ما لا يحلّ من المعصية. (65)

* * *

وإنما فرق بين " الخطيئة " و " الإثم "، لأن " الخطيئة "، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، و " الإثم " لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال: ومن يأت " خطيئة " على غير عمد منه لها=" أو إثمًا " على عمد منه.

* * *

=" ثم يرم به بريئًا "، (66) يعني: ثم يُضيف ماله من خطئه أو إثمه الذي تعمده (67) =" بريئًا " مما أضافه إليه ونحله إياه=" فقد احتمل بُهتانًا وإثمًا مبينًا "، يقول: (68) فقد تحمّل بفعله ذلك فريَة وكذبًا وإثمًا عظيمًا= يعني، وجُرْمًا عظيمًا، على علم منه وعمدٍ لما أتى من معصيته وذنبه.

* * *

واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: " بريئًا "، بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريءَ من الإثم الذي كان أتاه، ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل.

فقال بعضهم: عنى الله عز وجل بالبريء، رجلا من المسلمين يقال له: " لبيد بن سهل ". (69)

* * *

وقال آخرون: بل عنى رجلا من اليهود يقال له: " زيد بن السمين "، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى. (70)

* * *

وممن قال: " كان يهوديًّا "، ابنُ سيرين.

10425- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين: " ثم يرم به بريئًا "، قال: يهوديًّا.

10426- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا بدل بن المحبر قال، حدثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، مثله. (71)

* * *

وقيل: " يرم به بريئًا "، بمعنى: ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن، من هو بريء مما رماه به= فـ" الهاء " في قوله: " به " عائدة على " الإثم ". ولو جعلت كناية من ذكر " الإثم " و " الخطيئة "، كان جائزًا، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها، فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعلٌ. (72)

* * *

= وأما قوله: " فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا "، فإن معناه: فقد تحمل - هذا الذي رمَى بما أتى من المعصية وركب من الإثم الخطيئة، مَنْ هو بريء مما رماه به من ذلك=" بهتانًا "، وهو الفرية والكذب (73) =" وإثمًا مبينًا "، يعني وِزْرًا " مبينًا "، يعني: أنه يبين عن أمر متحمِّله وجراءته على ربه، (74) وتقدّمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمرَه.

--------------------

الهوامش :

(65) انظر تفسير"خطيئة" فيما سلف 2: 110 ، 284 ، 285.

(66) في المطبوعة زيادة حذفتها ، كان الكلام: "ثم يرم به بريئًا ، يعني بالذي تعمده بريئًا ، يعني ..." وهو فساد في التفسير ، فحذفته لذلك وتابعت المخطوطة.

(67) في المطبوعة: "ثم يصف ما أتى من خطئه ..." وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.

(68) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف 5 : 432 / 8 : 124.

(69) انظر الأثر رقم: 10411.

(70) انظر رقم: 10412 ، 10416.

(71) الأثر: 10426 -"بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي" روى عن شعبة ، والخليل بن أحمد صاحب العروض ، وغيرهما. وروى عنه البخاري ، والأربعة بواسطة محمد بن بشار. ثقة.

و"بدل" بفتحتين.

(72) هذا مختصر مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 286 ، 287.

(73) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف ص: 197 ، تعليق: 4.

(74) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص: 3 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة: "يبين عن أمر عمله" ، والصواب من المخطوطة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[111] في هذا بیان عدل الله وحكمته، فإنه لا يعاقب أحدًا بذنب غيره، ولا يعاقب أحدًا أكثر من العقوبة المستحقة عن ذنبه.
وقفة
[111] ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ أنت أول المتضررين بذنبك؛ لأن وباله راجع إليك، إذ إن الله لك بالمرصاد ومجازيك على السوء سوءًا، ولن يحمل غيرك من إثمك شيئًا، كما أنك لن تحمل من إثم غيرك شيئًا.
وقفة
[111] ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ معلومٌ أن السيئات إذا ظهرت فلم تُنكَر عمَّت عقوبتها الجميع؟! فهل يخرج هذا عما قرَّرته الآية؟! والجواب: کلا؛ لأن من ترك الإنكار الواجب فقد کَسِب سيئة.
وقفة
[111] ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ لكن إذا ظهرت السيئات فلم تُنكَر عَمَّت عقوبتُها، وشمل إثمُها، فلا تخرج أيضًا عن حكم هذه الآية الكريمة؛ لأن من ترك الإنكار الواجب فقد كسب سيئة.
وقفة
[111] ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ومن علمه وحكمته أنه يعلم الذنب وما صدر منه، والسبب الداعي لفعله، والعقوبة المترتبة على فعله، ويعلم حالة المذنب؛ أنه إن صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الأمارة بالسوء مع إنابته إلى ربه في كثير من أوقاته، أنه سيغفر له، ويوفقه للتوبة, وإن صدر منه بتجرؤه على المحارم؛ استخفافًا بنظر ربه، وتهاونًا بعقابه، فإن هذا بعيد من المغفرة، بعيد من التوفيق للتوبة.
عمل
[111] ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ التحذير من اتهام البريء وقذفه بما لم يكن منه؛ وأنَّ فاعل ذلك قد وقع في أشد الكذب والإثم.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً:
  • الواو: عاطفة. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وأصل «يَكْسِبْ». يكتسب: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: سكون آخره وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. إثما: مفعول به منصوب بالفتحة وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ فَإِنَّما:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط إنما: كافة ومكفوفة.
  • ﴿ يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على نفسه: جار ومجرور متعلق بيكسب والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. وجملة «فَإِنَّما يَكْسِبُهُ» جواب شرط مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ وَكانَ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلِيماً حَكِيماً:
  • خبر «كانَ» منصوب بالفتح المنون. حكيما: صفة «لعليما» ويجوز أن يعرب خبرا ثانيا لكان. '

المتشابهات :

النساء: 111﴿وَمَن يَكۡسِبۡ إِثۡمٗا فَإِنَّمَا يَكۡسِبُهُۥ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا
النساء: 24﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
الأحزاب: 1﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
الانسان: 30﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [111] لما قبلها :     وبعد الدعوة إلى التَّوبة والترغيب فيها؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنَّ ضررَ الذنوب إنما يعود على النفس، قال تعالى:
﴿ وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [112] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ..

التفسير :

[112] ومن يعمل خطيئة بغير عمد، أو يرتكب ذنباً متعمداً ثم يقذف بما ارتكبه نفساً بريئة لا جناية لها، فقد تحمَّل كذباً وذنباً بيناً.

{ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً} أي:ذنبا كبيرا{ أَوْ إِثْمًا} ما دون ذلك.{ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ} أي يتهم بذنبه{ بَرِيئًا} من ذلك الذنب، وإن كان مذنبا.{ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} أي:فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد:كسب الخطيئة والإثم، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كلام الناس في البريء إلى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر.

ثم بين- سبحانه- المصير السيئ الذي ينتظر أولئك الذين يرتكبون السوء ثم يرمون به غيرهم فقال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.

وقد قيل: إن الخطيئة والإثم هنا بمعنى واحد وقد جيء بهما على اختلاف لفظيهما للتأكيد المعنوي. ولم يرتض كثير من العلماء هذا القيل بل قالوا هما متغايران. وأن المراد بالخطيئة:

المعصية الصغيرة. والمراد بالإثم: المعصية الكبيرة. وقال آخرون: الفرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد. والإثم لا يكون إلا عن عمد.

ويبدو لنا من تعبير القرآن عن الخطيئة أن المراد بها الذنوب التي يرتكبها صاحبها عن استهانة وعدم اكتراث، لأنه لكثرة ولوغه في الشرور صار يأتيها بلا مبالاة. قال- تعالى- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وقال- تعالى- مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً.

وأن المراد بالإثم هنا: الذنوب التي يرتكبها الإنسان عن تعمد وإصرار فتؤدى به إلى الإبطاء عن الاتجاه إلى الله بالاستغفار والتوبة، لأن الإثم كما يقول الراغب-: اسم للأفعال المبطئة عن الثواب .

والبهتان كما يقول القرطبي من البهت- بمعنى الدهش والتحير من فظاعة ما رمى به الإنسان من كذب- وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه برىء. وروى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال. ذكرك أخاك بما يكره قال. أفرأيت إن كان في أخى ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهته. ثم قال القرطبي وهذا نص. فرمى البريء بهت له. يقال. بهته بهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله .

والمعنى: «ومن يكسب خطيئة» أى ذنبا من الذنوب التي يرتكبها صاحبها عن استهانة لكثرة تعوده على ارتكاب السيئات، أو يرتكب إِثْماً

من الآثام التي تبطئه عن رضا الله ورحمته «ثم يرم به بريئا» أى: ينسبه إلى غيره من الأبرياء مع أنه هو الذي اقترفه فَقَدِ احْتَمَلَ

أى: فقد تحمل بسبب فعله ذلك بُهْتاناً

أى كذبا يجعل من رمى به في حيرة ودهشة، وتحمل أيضا إِثْماً مُبِيناً

أى ذنبا واضحا بينا لا خفاء فيه يؤدى به إلى غضب الله وسخطه.

قال الجمل وقوله (به) في هذه الهاء أقوال:

أحدها: أنها تعود على إِثْماً

والمتعاطفان بأو يجوز أن يعود الضمير على المعطوف كما في هذه الآية وعلى المعطوف عليه كما في قوله- تعالى- وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً.

الثاني: أنها تعود على الكسب المدلول عليه بالفعل نحو (اعدلوا هو أقرب للتقوى) أى العدل.

الثالث: أنها تعود على أحد المذكورين الدال عليه العطف بأو فإنه في قوة ثم يرم بأحد المذكورين .

وقال الفخر الرازي: واعلم أن صاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم ومعاقب في الآخرة أشد العقاب. فقوله: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً

إشارة إلى ما يلحقه من الذم العظيم في الدنيا. وقوله وَإِثْماً مُبِيناً

إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة .

وبهذا نرى أن هذه الآيات الثلاثة قد بينت مراتب العصاة أمام الله- تعالى وفتحت لهم باب التوبة ليثوبوا إلى رشدهم، وتوعدت المصرين على معاصيهم بسوء المصير.

ثم قال : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا [ فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ] ) يعني : كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح ، وهو لبيد بن سهل ، كما تقدم في الحديث ، أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون ، وقد كان بريئا وهم الظلمة الخونة ، كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم . ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف مثل صفتهم وارتكب مثل خطيئتهم ، فعليه مثل عقوبتهم .

القول في تأويل قوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " ولولا فضل الله عليك ورحمته "، ولولا أن الله تفضل عليك، يا محمد، (75) فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن، فكففت لذلك عن الجدال عنه، ومدافعة أهل الحق عن حقهم قِبَله=" لهمت طائفة منهم "، يقول: لهمت فرقة منهم، (76) يعني: من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم=" أن يضلوك "، يقول: يزلُّوك عن طريق الحق، (77) وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم للخائن عنده بأنه بريء مما ادعى عليه، ومسألتهم إياه أن يعذره ويقوم بمعذرته في أصحابه، فقال الله تبارك وتعالى: وما يضل هؤلاء الذين هموا بأن يضلوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درعَ جاره،" إلا أنفسهم ".

* * *

فإن قال قائل: ما كان وجه إضلالهم أنفسَهم؟

قيل: وجهُ إضلالهم أنفسهم: أخذُهم بها في غير ما أباح الله لهم الأخذَ بها فيه من سبله. وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان تقدّم إليهم فيما تقدّم في كتابه على لسان رسوله إلى خلقه، بالنهي عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان، والأمر بالتعاون على الحق. فكان من الواجب لله فيمن سعى في أمر الخائنين الذين وصف الله أمرهم بقوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، معاونة من ظلموه، دون من خاصمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب حقه منهم. فكان سعيهم في معونتهم، دون معونة من ظلموه، أخذًا منهم في غير سبيل الله. وذلك هو إضلالهم أنفسهم الذي وصفه الله فقال: " وما يضلون إلا أنفسهم ".

* * *

=" وما يضرونك من شيء "، وما يضرك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلُّوك عن الحق في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته=" من شيء "، لأن الله مثبِّتك ومسدِّدك في أمورك، ومبيِّن لك أمر من سعوا في إضلالك عن الحق في أمره وأمرهم، ففاضِحُه وإياهم.

= وقوله: " وأنـزل الله عليك الكتاب والحكمة "، يقول: ومن فضل الله عليك، يا محمد، مع سائر ما تفضَّل به عليك من نعمه، أنه أنـزل عليك " الكتاب "، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدًى وموعظة=" والحكمة "، يعني: وأنـزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه، وأحكامه، ووعده ووعيده (78) =" وعلمك ما لم تكن تعلم " من خبر الأولين والآخرين، وما كان وما هو كائن، فكل ذلك من فضل الله عليك، يا محمد، مُذْ خلقك، (79) فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك، بالتمسك بطاعته، &; 9-201 &; والمسارعة إلى رضاه ومحبته، ولزوم العمل بما أنـزل إليك في كتابه وحكمته، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدّك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن. ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه، واتبعت هوى من حاول صدَّك عن سبيله.

* * *

وهذه الآية تنبيهٌ من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم على موضع خطئه، (80) وتذكيرٌ منه له الواجبَ عليه من حقه.

* * *

---------------

(75) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف من فهارس اللغة.

(76) انظر تفسير"طائفة" فيما سلف 141 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(77) انظر تفسير"الإضلال" فيما سلف 8 : 507 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(78) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 3 : 87 ، 88 ، 211 / 5 : 15 ، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة.

(79) في المطبوعة والمخطوطة: "وما كان وما هو كائن قبل ذلك من فضل الله عليك" ، وهو غير مستقيم ، والصواب ما أثبت ، "فكل" مكان"قبل".

(80) في المطبوعة: "موضع حظه" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها موافقا لسياق القصة.

التدبر :

وقفة
[112] قال القشيري: «من نسب إلى أحد ماهو بريء منه من المخازي عکس الله عليه الحال، وألبس ذلك البريء ثواب محاسن رامیه، وسحب ذیل العفو على مساويه، وقلب الحال على المتعدي بما يفضحه بين أشكاله، في عامة أحواله».
وقفة
[112] ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ وقوع العبد في المعصية أهون عند الله من اتهام بريء بها.
وقفة
[112] ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ وإنما فرق بين (الخطيئة) و(الإثم)؛ لأن (الخطيئة) قد تكون من قبل العمد وغير العمد، و(الإثم) لا يكون إلا من العمد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال: ومن يأت خطيئة على غير عمد منه لها أو إثمًا على عمد منه.
لمسة
[112] ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ كلمة (احتمل) بمعنى حمل، حمل الشيء يعني وضعه على كتفه، واحتمل أي بذل جهدًا ليحمّل نفسه الشيء، كأنما يرفعه من أسفل إلى أعلى، حَمَل ثلاثي واحتمل خماسي مزيد بألف وتاء، وكلمة احتمل فيها دلالة حسية، والبهتان شيء معنوي، فالآية جسَّمت البهتان والإثم فجعلتهما شيئًا ماديًّا يُحمل، بل ويُحتمل، كأن هذا الشخص مثلما نسب الجريمة إلى غيره وأزاحها عن نفسه فهو بمثابة من يحمل الإثم من على الأرض ويضعه على كتفه، وفيه تمثيل لهيئة مرتكب الإثم، وكأنه مثقلٌ مُنهك من عناء الحِمل والثقل الذي يحمله، وهذا يوضح عظمة هذا الوزر والبهتان الذي حاق به، وهذه تسمى في البلاغة تشبيه كُلِّي استعارة تمثيلية، ودلَّت الآية على أن الجزاء من جنس العمل.
وقفة
[112] عظم ذنب من يكذب على البريء، ويتهم الأمين بالخيانة ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[112] المنافق يُذنب ويتبرأ من ذنبه، والمؤمن يُذنب ويُقر ويتوب ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[112] من قلب الحقيقة فرمى بخطيئته من هو بريئ منها، فليستعد لعظيم عقوبة الله له ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[112] فعل الإنسان للمعصية أهون عند الله من اتهام بريء بها ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[112] ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ لو رمى فاجرًا لكان أدعى لتصديقه، لكن أدعياء النزاهة يغيضهم (الأبرياء).

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً:
  • معطوفة بواو العطف على «مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً» في الآية الكريمة السابقة وتعرب مثلها.
  • ﴿ أَوْ إِثْماً ثُمَّ:
  • أو: حرف عطف. إثما: معطوفة على «خَطِيئَةً» منصوبة مثلها بالفتحة. ثم: حرف عطف.
  • ﴿ يَرْمِ بِهِ:
  • معطوفة على «يَكْسِبْ» وتعرب إعرابها وعلامة جزم الفعل حذف آخره. به: جار ومجرور.
  • ﴿ بَرِيئاً فَقَدِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. فقد: الفاء رابطة لجواب الشرط. قد: حرف تحقيق وقد حرك آخره بالكسر لالتقاء الساكنين و «بِهِ» جار ومجرور متعلق بيرمي والضمير في «بِهِ» يعود على «إِثْماً».
  • ﴿ احْتَمَلَ بُهْتاناً:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بهتانا: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة «فَقَدِ احْتَمَلَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ وَإِثْماً مُبِيناً:
  • معطوفة بواو العطف على «بُهْتاناً» منصوبة مثلها بالفتحة. مبينا: صفة لإثما منصوبة بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 48﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
النساء: 20﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا
النساء: 50﴿انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا
النساء: 112﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا
الأحزاب: 58﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [112] لما قبلها :     بعدَ ذكرِ قصَّةِ اتِّهامِ اليهودي ظلمًا؛ يأتي هنا التحذير من اتهام البريء، ولو كان غير مسلم، قال تعالى:
﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [113] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ..

التفسير :

[113] ولولا أن الله تعالى قد مَنَّ عليك -أيها الرسول- ورحمك بنعمة النبوة، فعصمك بتوفيقه بما أوحى إليك، لعزمت جماعة من الذين يخونون أنفسهم أن يُزِلُّوك عن طريق الحق، وما يُزِلُّون بذلك إلا أنفسهم، وما يقدرون على إيذائك لعصمة الله لك، وأنزل الله عليك القرآن

ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال:{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} وذلك أن هذه الآيات الكريمات قد ذكر المفسرون أن سبب نزولها:أن أهل بيت سرقوا في المدينة، فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة، وأخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك. واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رءوس الناس، وقالوا:إنه لم يسرق وإنما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء. فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ صاحبهم، فأنزل الله هذه الآيات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين، فإن المخاصمة عن المبطل من الضلال، فإن الضلال نوعان:ضلال في العلم، وهو الجهل بالحق. وضلال في العمل، وهو العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال [كما حفظه عن الضلال في الأعمال] وأخبر أن كيدهم ومكرهم يعود على أنفسهم، كحالة كل ماكر، فقال:{ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم يحصل لهم فيه مقصودهم، ولم يحصل لهم إلا الخيبة والحرمان والإثم والخسران. وهذه نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم تتضمن النعمة بالعمل، وهو التوفيق لفعل ما يجب، والعصمة له عن كل محرم. ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال:{ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} أي:أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء وعلم الأولين والآخِرين. والحكمة:إما السُّنَّة التي قد قال فيها بعض السلف:إن السُّنَّة تنزل عليه كما ينزل القرآن. وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها، وتنزيل الأشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه.{ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله:{ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين، فكان أعلم الخلق على الإطلاق، وأجمعهم لصفات الكمال، وأكملهم فيها، ولهذا قال:{ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من فضله على كل مخلوق وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها

ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ.

أى: ولولا فضل الله عليك ورحمته بك- يا محمد- بأن وهبك النبوة، وعصمك من كيد الناس وأذاهم، وأحاطك علما بما يبيتونه من سوء لولا ذلك لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ

أى: من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم وهم طعمة وأشياعه الذين دافعوا عنه، ومن كان على شاكلتهم في النفاق والجدال بالباطل أَنْ يُضِلُّوكَ

أى: لهمت طائفة من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض أن يضلوك عن القضاء بالحق بين الناس، ولكن الله- تعالى- حال بينهم وبين هذا الهم بإشعارهم بأن ما يفعلونه معك من سوء سيكشفه الله لك عن طريق الوحى.

وقوله وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ

أى: أنهم بمحاولتهم إخفاء الحق والدفاع عن الخائن، وتعاونهم على الإثم والعدوان، ما يضلون إلا أنفسهم، لأن سوء عاقبة ذلك ستعود عليهم وحدهم، أما أنت يا محمد فقد عصمك الله من شرورهم، وحماك من كل انحراف عن الحق والعدل.

وقوله وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

معطوف على ما قبله. أى هم بمحاولتهم إخفاء الحق

ما يضرونك بأى قدر من الضر. لأنك إنما قضيت بينهم بما هو الظاهر من أحوالهم، وهو الذي تحكم بمقتضاه، أما الأمور الخفية التي تخالف الحق فمرجع علمها إلى الله وحده.

ومِنْ

في قوله مِنْ شَيْءٍ

زائدة لتأكيد النفي. وشيء أصله النصب على أنه مفعول مطلق لقوله يَضُرُّونَكَ

. أى: وما يضرونك شيئا من الضرر وقد جر لأجل حرف الجر الزائد.

وقوله وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

معطوف على قوله وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

لزيادة التقرير، ولزيادة بيان ما وهبه الله- تعالى- لنبيه من خير ورعاية وعصمة أى: أن الله- تعالى- قد امتن عليك يا محمد بأن أنزل عليك القرآن الذي يهدى للتي هي أقوم، وأنزل عليك الحكمة أى العلم النافع الذي يجعلك تصيب الحق في قولك وعملك «وعلمك ما لم تكن تعلم» من أخبار الأولين والآخرين، ومن خفيات الأمور، ومن أمور الدين والشرائع.

وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

أى وكان فضل الله عليك عظيما عظما لا تحده عبارة، ولا تحيط به إشارة.

فالآية الكريمة فيها ما فيها من التنويه بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن مظاهر فضل الله عليه ورحمته به.

وبعد فإن المتأمل في هذه الآيات الكريمة، ليراها تهدى الناس إلى ما يسعدهم في كل زمان ومكان متى اتبعوا توجيهاتها وإرشاداتها.

إنها تأمرهم في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يلتزموا الحق في كل أقوالهم وأعمالهم، حتى ولو كان الذي عليه الحق من أقرب الناس إليهم، وكان الذي له الحق من أعدى أعدائهم، وتنهاهم عن الدفاع عن الخائنين الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وتبين لهم أن دفاعهم عنهم لن يفيده أمام الله- تعالى-.

ثم تفتح للعصاة باب التوبة لكي يفيئوا إلى رشدهم ويعودوا إلى طاعة ربهم وتخبرهم أن شؤم المعصية سيعود إليهم وحدهم ... وتنبههم إلى أن من أشد الذنوب عند الله- تعالى- أن يفعل الشخص فاحشة ثم يقذف بها غيره.

ثم تسوق الآيات في ختامها جانبا من فضل الله على نبيه ورحمته به، لكي يزداد ثباتا واطمئنانا» ويزداد أعداؤه خوفا وضعفا واضطرابا.

وهكذا نرى الآيات الكريمة تهدى الناس إلى الحق الذي لا يميل مع الهوى، ولا مع العصبية. ولا يترجح مع الحب أو البغض حتى ولو كان الذي عليه الحق ممن يظهرون الإسلام ويعاملون معاملة المسلمين، وكان الذي له الحق من اليهود الذين لم يتركوا مسلكا لمحاربة الدعوة الإسلامية إلا سلكوه والذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ومع ذلك أنكروه وحاربوه.

فهل رأيت- أخى القارئ- عدالة تقترب من هذه العدالة في سموها ونقائها واستقامة منهجها؟

إن هذه الآيات لتشهد بأن هذا القرآن من عند الله، لأن البشر مهما استقامت طبائعهم، فإنهم ليس في استطاعتهم أن يصلوا إلى هذا المستوي الرفيع الذي تشير إليه الآيات، والذي يكشف لكل عاقل أن هذا القرآن من عند الله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن كثيرا من كلام الناس لا خير فيه، وأن العاقل هو الذي يحرص على القول النافع والعمل الطيب. وأن الذين يتبعون الطريق المخالف لطريق الحق سينالهم عذاب شديد من خالقهم فقال- سبحانه-:

وقوله : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) قال الإمام ابن أبي حاتم : أنبأنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق . عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان - وذكر قصة بني أبيرق ، فأنزل الله : ( لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) يعني : أسير بن عروة وأصحابه . يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم ، وهم صلحاء برآء ، ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسوله صلى الله عليه وسلم .

ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال ، وعصمته له ، وما أنزل عليه من الكتاب ، وهو القرآن ، والحكمة ، وهي السنة : ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) أي : [ من ] قبل نزول ذلك عليك ، كقوله : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب [ ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ] ) [ الشورى : 52 ، 53 ] وقال تعالى : ( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ) [ القصص : 86 ] ; ولهذا قال تعالى : ( وكان فضل الله عليك عظيما )

القول في تأويل قوله : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " لا خير في كثير من نجواهم "، لا خير في كثير من نجوى الناس جميعًا=" إلا من أمر بصدقة أو معروف "، و " المعروف "، هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البر والخير، (1) =" أو إصلاح بين الناس "، وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين، بما أباح الله الإصلاح بينهما، ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة، على ما أذن الله وأمر به.

= ثم أخبر جل ثناؤه بما وعد من فعل ذلك فقال: " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاةِ الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا "، يقول: ومن يأمر بصدقة أو معروف من الأمر، أو يصلح بين الناس=" ابتغاء مرضاة الله "، يعني: طلب رضى الله بفعله ذلك (2) =" فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا "، يقول: فسوف نعطيه جزاءً لما فعل من ذلك عظيمًا، (3) ولا حدَّ لمبلغ ما سمى الله " عظيمًا " يعلمه سواه. (4)

* * *

واختلف أهل العربية في معنى قوله: " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة ".

فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: لا خير في كثير من نجواهم، إلا في نجوى من أمر بصدقة= كأنه عطف بـ " مَنْ" على " الهاء والميم " التي في" نجواهم ". (5) وذلك خطأ عند أهل العربية، لأن " إلا " لا تعطف على " الهاء والميم " في مثل هذا الموضع، من أجل أنه لم ينله الجحد.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة: قد تكون " مَنْ" في موضع خفض ونصب. أما الخفض، فعلى قولك: لا خير في كثير من نجواهم إلا فيمن أمر بصدقة. فتكون " النجوى " على هذا التأويل، هم الرجال المناجون، كما قال جل ثناؤه: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ [سورة المجادلة: 7]، وكما قال وَإِذْ هُمْ نَجْوَى [سورة الإسراء: 47].

وأما النصب، فعلى أن تجعل " النجوى " فعلا (6) فيكون نصبًا، لأنه حينئذ يكون استثناء منقطعًا، لأن " مَنْ" خلاف " النجوى "، (7) فيكون ذلك نظير قول الشاعر. (8)

...... وَمَــا بِالرَّبْعِ مِــنْ أَحَدِ

إِلا أَوَارِيَّ لأيـًا مَا أُبَيِّنُهــا...... (9)

وقد يحتمل " مَنْ" على هذا التأويل أن يكون رفعًا، كما قال الشاعر: (10)

وَبَلْــدَةٍ لَيْــسَ بِهَـــا أنِيسُ

إلا اليَعَـــافِيرُ وَإلا العِيــسُ (11)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك، أن تجعل " من " في موضع خفض، بالردِّ على " النجوى "= وتكون " النجوى " بمعنى جمع المتناجين، خرج مخرج " السكرى " و " الجرحى " و " المرضى ". وذلك أن ذلك أظهر معانيه.

فيكون تأويل الكلام: لا خير في كثير من المتناجين، يا محمد، من الناس، إلا فيمن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، فإن أولئك فيهم الخير.

-------------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"المعروف" فيما سلف 3 : 371 / 7 : 105 ، وغيرهما من المواضع في فهارس اللغة.

(2) انظر تفسير"الابتغاء" فيما سلف ص: 170 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(3) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف ص: 113 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(4) انظر تفسير"عظيم" فيما سلف 6 : 518.

(5) في المطبوعة: "كأنه عطف من" بحذف الباء ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.

(6) قوله: "فعلا" أي مصدرًا.

(7) في المطبوعة: "لأنه من خلاف النجوى" ، والصواب المحض من المخطوطة.

(8) هو النابغة الذبياني.

(9) مضى الشعر وتخريجه وتمامه فيما سلف 1 : 183 ، 523 ، وهو في معاني القرآن للفراء 1 : 288.

(10) هو جران العود النميري.

(11) ديوانه: 52 ، سيبويه 1 : 133 ، 365 ، معاني القرآن للفراء 1 : 288 ، ومجالس ثعلب: 316 ، 452 ، الخزانة 4: 197 ، والعيني (هامش الخزانة) 3 : 107 ، وسيأتي في التفسير: 12: 28 / 27 : 39 (بولاق) ، ثم في مئات من كتب النحو والعربية. ورواية هذا الشعر في ديوانه:

قَــدْ نَــدَعُ المَــنْزِلَ يــا لَمِيسُ

يَعْتَسُّ فيـــه السَّــبُعُ الجَــرُوسُ

الـــذِّئْبُ، أو ذُو لِبَـــدٍ هَمُـــوسُ

بَسَابِسًـــــا، لَيْسَ بِــــهِ أَنِيسُ

إلا اليَعَـــــــــافِيرُ وَإلا العِيسُ

وَبَقَــــرٌ مُلَمَّـــــعٌ كُنُـــوسُ

كَأَنَّمَـــا هُــنَّ الجَــوَارِي المِيسُ

"يعتس": يطلب ما يأكل ، "الجروس" هنا الشديد الأكل ، وأخطأ صاحب الخزانة فقال: "من الجرس ، وهو الصوت الخفي" ، وليس ذلك من صفات الذئب ، وحسبه عواؤه إذا جاع ، نفيًا لوصفه بخفاء الصوت! ، وقد بين في البيت الثالث أنه يعني"الذئب". و"ذو لبد" هو الأسد و"اللبدة" ما بين كتفيه من الوبر."هموس" من صفة الأسد ، يقال تارة: هو الذي يمشي مشيًا يخفيه ، فلا يسمع صوت وطئه. ويقال تارة أخرى: شديد الغمز بضرسه في أكله. وهذا هو المراد هنا ، فإنه أراد ذكر خلاء هذه الديار ، وما فيها من المخاوف."بسابس" قفار خلاء. وأما رواية: "وبلدة" فإن"البلدة" هنا: هي الأرض القفر التي يأوى إليها الحيوان. و"اليعافير" جمع"يعفور" ، وهو الظبي في لون التراب. و"العيس" جمع"أعيس" وهو الظبي الأبيض فيه أدمة."كنوس" جمع"كانس" ، وهو الظبي أو البقر إذا دخل كناسه ، وهو بيته في الشجر يستتر فيه. و"الميس" جمع"ميساء" ، وهي التي تتبختر وتختال كالعروس في مشيتها.

ثم انظر الخزانة ، ومجالس ثعلب. وانظر ما سلف كله في معاني القرآن للفراء 1 : 287 ، 288.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[113] هموا أن يوقعوا النبي ﷺ في الخطأ، لولا فضل الله عليه وعصمته له، أما تخاف أنت على نفسك من الضلال، وقد كثر حولك الضلال!
وقفة
[113] حتى الأنبياء لم يسلموا من محاولات الإغواء والإضلال: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾ فمن يأمن البلاء بعد نبينا ﷺ؟! ومن الذي يظن أنه بمعزل عن الفتنة ؟! نسأل الله الثبات على الحق.
تفاعل
[113] ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
عمل
[113] ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ عدد ثلاثًا من نعم الله تعالى عليك، واشكره عليها؛ فإن الله تعالى يحب منك ذلك.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ:
  • الواو: استئنافية. لولا: حرف شرط غير جازم- حرف امتناع لوجود. فضل: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف وجوبا. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ:
  • جار ومجرور. ورحمته: معطوف بواو العطف على «فَضْلُ» مرفوع مثله بالضمة. و «عَلَيْكَ» متعلق بفضل ويجوز أن يتعلق بحال محذوفة منه.
  • ﴿ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْلا». همت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء: تاء التأنيث الساكنة لا عمل لها. طائفة: فاعل مرفوع بالضمة منهم من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن وجملة «همت طائفة» جواب شرط غير جازم لا محل لها والجار والمجرور «مِنْهُمْ» متعلق بصفة محذوفة من طائفة.
  • ﴿ أَنْ يُضِلُّوكَ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يضلوك: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به و «أَنْ» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف أي لهمّوا بضلالك والجار والمجرور متعلق بهموا وجملة «يُضِلُّوكَ» صلة «أَنْ» لا محل لها.
  • ﴿ وَما يُضِلُّونَ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يضلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ:
  • أداة حصر لا عمل لها. أنفسهم: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ:
  • تعرب إعراب «وَما يُضِلُّونَ». والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. من شيء: جار ومجرور متعلق بيضرونك.
  • ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ:
  • الواو: حالية. أنزل: أي قد أنزل: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عليك: جار ومجرور متعلق بأنزل.
  • ﴿ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة والحكمة معطوف بالواو على «الْكِتابَ» منصوب مثله. وجملة «أنزل عليك الكتاب» في محل نصب حال.
  • ﴿ وَعَلَّمَكَ:
  • معطوف بواو العطف على «أَنْزَلَ» ويعرب مثله وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. والكاف في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه: سكون آخره وحذفت واوه لالتقاء الساكنين واسمه: ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. تعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وجملة «تَعْلَمُ» في محل نصب خبر «تَكُنْ» والجملة الفعلية «لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به أي تعلمه.
  • ﴿ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ:
  • الواو: عاطفة. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح فضل: اسم «كانَ» مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ عَلَيْكَ عَظِيماً:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «كانَ». عظيما: خبر «كانَ» منصوب بالفتحة المنونة. '

المتشابهات :

آل عمران: 69﴿وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
النساء: 113﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ
النساء: 113﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
الإسراء: 87﴿إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقالعمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآنإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادةإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا الله لغفر لهموَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيدوَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللهوَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.قال ابن العربيإِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآيةهذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.وقال ابن عطيةسببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.وقال القرطبيفي هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.وقال ابن كثيروقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.وقال ابن عاشورجمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين: الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.* النتيجة:أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [113] لما قبلها :     وبعدَ ذكرِ قصَّةِ اتِّهامِ اليهودي ظلمًا؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا نِعمَتَه على نبيِّه صلى الله عليه وسلم في عِصمتِه عمَّا أرادوه مِن مُجادلتِه عن الخائنِ، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف