320114115116117118119120121122123124125

الإحصائيات

سورة طه
ترتيب المصحف20ترتيب النزول45
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.70
عدد الآيات135عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول19تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 11/29طه: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (114) الى الآية رقم (114) عدد الآيات (1)

= وعدمِ التعجلِ بقراءتِه قبلَ إتمامِ الوحي.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (115) الى الآية رقم (119) عدد الآيات (5)

القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ آدمَ عليه السلام معَ إبليسَ، لمَّا أمرَ اللهُ الملائكةَ بالسجودِ لآدمَ عليه السلام فسجدُوا إلا إبليسَ، وتحذيرُ اللهِ لآدمَ عليه السلام من عداوةِ إبليسَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (120) الى الآية رقم (125) عدد الآيات (6)

إبليسُ يوسوسُ لآدمَ عليه السلام ليأكلَ من الشجرةِ، فأكلَ هو وحواءُ، ثُمَّ تابَ اللهُ عليهما، ثُمَّ يأمرُ اللهُ الجميعَ بالنزولِ للأرضِ، وبيانُ حالِ من يتبعُ الهدى ومن يعرضُ عنه، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة طه

رالإسلام سعادة لا شقاء/ تقوية النبي ﷺ لحمل الرسالة والصبر عليها/ طغيان من أعرض عن هدي الله عز وجل

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • الإسلام هو منهج السعادة::   وقال عنه أيضًا: «وَاللَّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَطْيَبُ عَيْشًا مِنْهُ قَطُّ، مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وخلاف الرَّفَاهِيَةِ وَالنَّعِيمِ بَلْ ضِدِّهَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَطْيَبُ النَّاسِ عَيْشًا وأشرحهم صَدْرًا, وَأَقْوَاهُمْ قَلْبًا وَأَسَرُّهُمْ نَفْسًا، تَلُوحُ نَضرَةُ النَّعِيمِ عَلَى وَجْهِهِ، وَكُنَّا إذَا اشْتَدَّ بِنَا الْخَوْفُ، وَسَاءَتْ مِنَّا الظُّنُونُ، وَضَاقَتْ بِنَا الأَرْضُ أَتَيْنَاهُ، فَمَا هُوَ إلا أَنْ نَرَاهُ وَنَسْمَعَ كَلامَهُ فَيَذْهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ, وَيَنْقَلِبَ انْشِرَاحًا وَقُوَّةً وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً». هل تعلم ما السر الذي جعل كدر الدنيا عند شيخ الإسلام ابن تيمية سعادة؟ هذا ما سنعرفه من خلال سورة طه.
  • • كيف تشقى مع الرحمن؟:   رسالة السورة تظهر من البداية: ﴿طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى﴾ (1-2). ومعنى ذلك أن هذا الدين وهذا المنهج ليسا لشقاء الناس، بل إن الإسلام هو منهج السعادة، فلا شقاء مع الإسلام، رغم كل الظروف والصعوبات التي تواجهنا، لكن الشقاء يكون في ترك طريق الله. إن أردت أن تنهي الشقاء من حياتك؛ فعليك بالقرآن: ﴿طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى﴾ (1-2). إنّ أكثر من يستفيد برسالة هذه السورة هم الشباب البعيدون عن التدين، أو الذين يريدون الالتزام، لكنهم يخافون من أن التزامهم بمنهج الله تعالى سوف يمنعهم من السعادة، ويجلب عليهم الحزن والكآبة ويحرمهم من متع الحياة وأسباب اللهو والترفيه، هذا المفهوم خاطئ جدًا، لذلك تأتي السورة لتؤكد لنا أن الإسلام هو منهج السعادة. كيف ترينا سورة طه هذا المعنى؟ تعال معنا لنعيش مع آيات السورة من أولها.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «طه».
  • • معنى الاسم ::   حرفان من حروف الهجاء، وتنطق: (طاها).
  • • سبب التسمية ::   لافتتاح السورة بهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة موسى»، و«سورة الكليم»؛ لاشتمالها على قصة موسى مفصلة، وسمى الكليم؛ لأن الله تعالى كلَّمه.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام سعادة لا شقاء.
  • • علمتني السورة ::   دع المخلوق وتوجه دائمًا وأبدًا بحاجاتك للخالق، الناس لا تملك شيئًا، لكن الله بحوزته السماوات والأرض: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن على الزوج واجب الإنفاق على الأهل (المرأة) من غذاء، وكساء، ومسكن، ووسائل تدفئة وقت البرد: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العمل على كسب العيش وفعل الأسباب من سنة الأنبياء عليهم السلام: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة طه من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • جو السورة هو جو الرحمة والمن والطمأنينة والرعاية بالمختارين، فلذا جاء نظم ألفاظها سهلًا يشبه سورة مريم السابقة.
    • يذكر العوام أن «يس» و«طه» من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا غير صحيح
    • قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وليس «طه» و«يس» من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في أصح قولي العلماء، بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور؛ مثل «ص» و«ق» و«ن» ونحوها.
    • قال البقاعي: «ومن أعظم فضائلها (أي سورة طه): أن قراءة أولها كان سببًا لإسلام عمر بن الخطاب ...». والصحيح: أن ما ورد أن سورة «طه» كانت سببًا في إسلام عمر بن الخطاب لم يصح رغم شهرته.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نلزم القرآن، فهو من أعظم أسباب السعادة: ﴿طه (1) مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ﴾ (1، 2).
    • أن نتذكر دومًا أن الله تعالى مطّلع على السرائر والخفيّات, فلا تقل ولا تفعل ما يسخطه سبحانه: ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ (7).
    • أن نحذر من مصاحبة من اتبع هواه فإنها تعدي وتردي!: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ﴾ (16).
    • أن نجوّدْ عبارتنا: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ۞ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ (27، 28)، ففصاحة لسان الداعية إلى الدين والواعظ المنذر تعين على تدبر ما يقول وفِقهه.
    • أن نحافظ على أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وعند النوم: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ۞وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ (33، 34).
    • أن نسأل الله أن يلقي علينا محبة منه, وأن يضع لنا القبول في الأرض, كما أنعم على أوليائه: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ (39).
    • أن نحرص على القولِ الطَّيبِ مع كل الناس: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا﴾ (44).
    • أن نتواضع؛ لأننا مهما ملكنا، ومهما علونا، ومهما تكبرنا، فيبقى أصلنا من تراب، وإليه سنعود!: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ (55).
    • ألا نتعب أنفسنا مع المعاند؛ لأن في رأسه فكرة لا يريد تغييرها، فهي بنظره الصواب وما سواها هراء!: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ﴾ (56).
    • أن ننكر المنكر: ﴿قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ (61).
    • أن نحذر من مقولة: «أنا عبد المأمور»، فنحن مؤاخذون بأعمالنا، فالجنود لما أطاعوا فرعون: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ (78).
    • ألا نهتم كثيرًا بغضب المخلوق، المهم ألا يغضب علينا الخالق!: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ﴾ (81).
    • ألا نتردد في العودة إلى الله مهما لوثتنا الذنوب والخطايا، فالذي سترنا تحت سقف المعصية لن يخذلنا ونحن تحت جناح التوبة: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ (82).
    • أن نحرص على دخول المسجد قبلَ الأذانِ، فالأعجلُ إلى الطَّاعةِ أحرى بالرِّضا: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾ (84).
    • ألا نواجه الغاضبَ بغضبٍ مثله، بل نتلطَّف في الرَّدِ عليه، فكم من هجرٍ وفراقٍ طويلٍ كان سببُه غضبٌ بسيطٌ لم يجدْ مَن يحتويه، قال هارون لموسى: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ (94).
    • أن نقبل على القرآن الكريم تعلمًا، وتعليمًا، وعملًا؛ ففيه النجاة: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ۞ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ (99، 100).
    • أن نكثر من الدعاء بزيادة العلم: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (114).
    • أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونعوّذ أهلنا وأولادنا منه: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ (117).
    • أن نحــرص على معـرفة سـيـرة مـن ينصحنا قبـل أن نقبـل نصيحتــه: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾ (120).
    • ألا نتمنى ما عند غيرنا من زهرة الحياة الدنيا؛ فإنها إلى زوال: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ ﴾ (131).

تمرين حفظ الصفحة : 320

320

مدارسة الآية : [114] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا ..

التفسير :

[114] فتنزَّه الله -سبحانه- وارتفع، وتقدَّس عن كل نقص، الملِكُ الذي قهر سلطانُه كل ملك وجبار، المتصرف بكل شيء، الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق. ولا تعجل -أيها الرسول- بمسابقة جبريل في تَلَقِّي القرآن قبل أن يَفْرَغ منه، وقل:ربِّ زدني علما

لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده، وحكمه الأمري الديني، الذي أنزله في كتابه، وكان هذا من آثار ملكه قال:{ فَتَعَالَى اللَّهُ} أي:جل وارتفع وتقدس عن كل نقص وآفة،{ الْمُلْكُ} الذي الملك وصفه، والخلق كلهم مماليك له، وأحكام الملك القدرية والشرعية، نافذة فيهم.

{ الْحَقُّ} أي:وجوده وملكه وكماله حق، فصفات الكمال، لا تكون حقيقة إلا لذي الجلال، ومن ذلك:الملك، فإن غيره من الخلق، وإن كان له ملك في بعض الأوقات، على بعض الأشياء، فإنه ملك قاصر باطل يزول، وأما الرب، فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيوما جليلا.

{ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} أي:لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل، واصبر حتى يفرغ منه، فإذا فرغ منه فاقرأه، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك إياه، كما قال تعالى:{ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم، على تلقف الوحي ومبادرته إليه، تدلعلى محبته التامة للعلم وحرصه عليه، أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم، فإن العلم خير، وكثرة الخير مطلوبة، وهي من الله، والطريق إليها الاجتهاد، والشوق للعلم، وسؤال الله، والاستعانة به، والافتقار إليه في كل وقت.

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم، فإنه سبب للحرمان، وكذلك المسئول، ينبغي له أن يستملي سؤال السائل، ويعرف المقصود منه قبل الجواب، فإن ذلك سبب لإصابة الصواب.

ثم أثنى- سبحانه- على ذاته بما يستحقه من صفات كريمة فقال: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ.

أى: فجل وعظم شأن الله- سبحانه- عن إلحاد الملحدين، وإشراك المشركين فإنه هو وحده الْمَلِكُ المتصرف في شئون خلقه، وهو وحده الإله الْحَقُّ وكل ما سواه فهو باطل.

ثم أرشد الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم إلى كيفية تلقى القرآن من جبريل- عليه السلام فقال: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ...

أى: ولا تتعجل بقراءة القرآن من قبل أن ينتهى جبريل من إبلاغه إليك، قالوا: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما قرأ عليه جبريل آية قرأها معه، وذلك لشدة حرصه على حفظ القرآن، ولشدة شوقه إلى سماعه، فأرشده الله- تعالى- في هذه الآية إلى كيفية تلقى القرآن عن جبريل، ونهاه عن التعجل في القراءة.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ

.

ثم أمر- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم: أن يسأله المزيد من العلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.

أى: وقل- أيها الرسول الكريم- مخاطبا ربك ومتوسلا إليه، يا رب زدني من علمك النافع.

قال الآلوسى: واستدلوا بالآية على فضل العلم حيث أمر صلّى الله عليه وسلّم بطلب الزيادة منه، وذكر بعضهم أنه صلّى الله عليه وسلّم ما أمر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم. وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما» وكان يقول: «اللهم زدني إيمانا وفقها ويقينا وعلما» .

ثم ساق- سبحانه- جانبا من قصة آدم- عليه السلام- فذكر لنا كيف أنه نسى عهد ربه له، فأكل من الشجرة التي نهاه الله- تعالى- عن الأكل منها، ومع ذلك فقد قبل- سبحانه- توبته، وغسل حوبته.. قال- تعالى-:

وقوله : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) كقوله تعالى في سورة " لا أقسم بيوم القيامة " ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) [ القيامة : 16 - 19 ] ، وثبت في الصحيح عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدة ، فكان مما يحرك لسانه ، فأنزل الله هذه الآية يعني : أنه ، عليه السلام ، كان إذا جاءه جبريل بالوحي ، كلما قال جبريل آية قالها معه ، من شدة حرصه على حفظ القرآن ، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه; لئلا يشق عليه . فقال : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) أي : أن نجمعه في صدرك ، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئا ، ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه )

وقال في هذه الآية : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي : بل أنصت ، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده ، ( وقل رب زدني علما ) أي : زدني منك علما .

قال ابن عيينة ، رحمه الله : ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة [ من العلم ] حتى توفاه الله عز وجل .

ولهذا جاء في الحديث : " إن الله تابع الوحي على رسوله ، حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن ثابت ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علما ، والحمد لله على كل حال " .

وأخرجه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن عبد الله بن نمير ، به . وقال : غريب من هذا الوجه . ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس ، عن أبي عاصم ، عن موسى بن عبيدة ، به . وزاد في آخره : " وأعوذ بالله من حال أهل النار " .

القول في تأويل قوله تعالى : فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)

يقول تعالى ذكره: فارتفع الذي له العبادة من جميع خلقه، الملك الذي قهر سلطانه كل ملك وجبار، الحق عما يصفه به المشركون من خلقه ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجل يا محمد بالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأه عليهم، من قبل أن يوحى إليك بيان معانيه، فعوتب على إكتابه وإملائه ما كان الله ينـزله عليه من كتابه من كان يكتبه ذلك من قبل أن يبين له معانيه، وقيل: لا تتله على أحد، ولا تمله عليه حتى نبينه لك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) قال: لا تتله على أحد حتى نبينه لك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: يقول: لا تتله على أحد حتى نتمه لك، هكذا قال القاسم: حتى نتمه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس. قوله ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) يعنى: لا تعجل حتى نبينه لك.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) : أي بيانه.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) قال: تبيانه.

حدثنا ابن المثنى وابن بشار، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) من قبل أن يبين لك بيانه.

وقوله ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) يقول تعالى ذكره: وقل يا محمد: ربّ زدني علما إلى ما علمتني أمره بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم.

التدبر :

وقفة
[114] ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ كم فيها من الإهانة لكل من ادعى الملك المطلق لنفسه، فالله هو الملك الحق وما سواه ممن يسمي ملكًا فهو لا يخلو من نقص، وأما ملك الله فلا يشوبه عجز ولا خضوع لغيره.
وقفة
[114] ﴿فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ الملك لله، هو المتصرف المتحكم، بيده الخير؛ يهبه لمن يشاء، وينزعه ممن يشاء، وكلنا عبيد صاغرون لعظمته سبحانه.
وقفة
[114] ﴿فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ يا الله، آية تخلع الفؤاد، سبحانك ربنا ما أعظمك، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
وقفة
[114] ﴿فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ وفي وصفه بالحق إيماء إلى أن مُلك غيره من الـمُتَسَمِّين بالملوك لا يخلو من نقص.
تفاعل
[114] ﴿فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[114] ﴿فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ (تعالى) مثل سبحان، ومثل تبارك، لا تقال إلا لله تعالى.
وقفة
[114] ﴿فَتَعالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ﴾ يمجد الله نفسه ويثنى على نفسه عز وجل، وواجبنا كذلك، فنثنى على الله دائمًا وأبدًا، سبحانك اللهم جلت قدرتك.
عمل
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ تمهل قليلًا، على رسلك، فلربما تجد في طيات حروفه رسالة خاصة بك، تطمئن قلبك، وتهدئ من روعك، فمرسلها العليم بحالك.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ كان ﷺ إذا ألقى عليه جبريل عليه السلام القرآن يتبعه عند تلفظ كل حرف، وكل كلمة خوفًا أن يصعد عليه السلام ولم يحفظه ﷺ، فنهى ﷺ عن ذلك، إذ ربما يشغل التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها، ونزل عليه أيضًا: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: 16].
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ من الأدب في تلقي العلم ألا تقاطع أستاذك، أو تبادره بسؤال حتى ينهي درسه.
وقفة
[114] في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ دلالات مهمة منها: أن تَعَلُّم كتاب الله إقراء وحفظًا وفهمًا لا عجلة فيه، بل هي الأناة والتؤدة.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ التَّأنِّي في تِلاوة القرآن، وتأمُّله سبَبٌ مُعِين على تدبُّره، والتَّدبُّر من أسباب زيادة العِلم.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ الله أمرَنَا بالتأني في تعلم القرآن وهُو خير العلوم كُلها، فلَا تستَعجل علَى تَعلم شيء مِن أمور العلوم الأخرى؛ لكَيْ لَا ينسَى.
وقفة
[114] من آداب التلقى: ﴿وَ لاَ تَعجَل بِالقُرآنِ مِن قَبلِ أَن يُقضى إِلَيكَ وَحيُهُ وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا﴾، الانتظار حتى يفرغ المعلم من كلامه وشرحه وعدم مقاطعته، وكذلك وجوب الدعاء لتثبيت العلم وحفظه.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ يؤخذ من هذه الآية الكريمة: الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنَّى ويصبر حتى يفرغ المعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام مُلْقِي العلم؛ فإنه سبب للحرمان.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ العلم: هو القرآن.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ طلب العلم يكون بالقرآن أولًا.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ لما كانت عجلته ﷺ على تَلَقُّف الوحي ومبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم، وحرصه عليه؛ أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم.
وقفة
[114] ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ قال مجاهد: «لا تعجل بقراءة ما أنزل إليك لأصحابك، ولا تمله عليهم حتى تتبين لك معانيه»، فهذا يدل على عدم مشروعية التعجل بالقراءة والحفظ من غير تدبر وفهم للمعاني، ويؤكده أيضًا ختم الآية قوله: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] لتزداد علمًا بالقرآن عليك أن تقرأ القرآن بتأن وتدبر، أن تدعو ربك كثيرًا بذلك ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ أدب لطالب العلم، وأنه ينبغي له أن يتأنى في تدبره وتأمله للعلم، ولا يستعجل بالحكم على الأشياء، ولا يعجب بنفسه، ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل.
وقفة
[114] من أراد أن يزداد علمًا ويتأثر عند قراءة القرآن فليتأنَّ ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] زيادة العلم لا تأتي بالعجلة في طلبه، وإنما بالتأني مع ثباتٍ يزيد ويرسخ ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] بالتدرج والتأني يثبت العلم ويرسخ، وبالعجلة يتراكم ويُنسي بعضه بعضًا ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ أن درجات العلم تبدأ بكتاب الله حفظًا وفهمًا، ثم يتزود الإنسان من العلم ما شاء؛ ولذلك أتبع في الآية تلقي القرآن بطلب التزود من العلم.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، ﴿يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: 10]، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]، بمثل هذا الأدب الإلهي أبعد الإسلام الغرور عن المسلم، فما تراه -إن كان مسلمًا- يحتقر ذا فضل، ويزدري ذا نعمة، ومن تأمل كيف دخل النبي ﷺ مكة بعدما جرى من قومه ما جرى معه، لم يشمخ بأنفه، ولم يتطاول بانتصاره، بل دخلها متواضعًا، معترفًا بفضل ربه ومنته.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ من شرف العلم أن النبي ﷺ ما أُمِر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم، وكان ﷺ يقول: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا» [الحاكم 1/690، وصححه الألباني].
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ لم يأمر الله ﷻ نبيّه ﷺ أن يطلب الزيادة في شيءٍ سوى العلم؛ فبه تُنال السيادة والحُسنى وزيادة.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ كل يوم يطلب الزيادة ولا يمتلئ علمًا، (في الإنسان جهل يسع حياة الإنسان) لو كانوا يعلمون.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ قال ابنُ حجر: «وَاضِحُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ؛ لأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُر نَبِيَّه بِطَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ الْعِلْمِ».
تفاعل
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ ادعُ الله الآن وقل: اللهم زِدْني عِلْمًا.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ من العلم المعتبر علم الحيل المشروعة ذلك أن سياق الآيات فيه.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ كل (ما لا يعلمه الواحد منا) هو من الزيادة التي لم ترزقها بعد.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (زدني): يتسع القلب والعقل بالعلم وﻻ يضيق.
وقفة
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ في كلِّ فتنةٍ تمر بنا لا تكاد تجد أحسن من وصية الازدياد من العلم والعبادة، تحسَّس مَن حولك ممن تمسَّك بذلك، ثم شاهد أثرهما عليه، وعلى هديه، تجد عجبًا!
عمل
[114] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ كان ابن مسعود t إذا قرأ هذه الآية قال: «اللهم زِدْني عِلْمًا وإيمانًا ويقينًا». (أخرجه سعيد بن منصور، وعَبْد بن حُميد كما في الدر المنثور 4/ 553).
عمل
[114] إذا أردت أن يفتح الله عليك أبواب العلوم فأكثر من الدعاء، وكرر دائمًا: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] لم يأمر الله نبيه ﷺ بالاستزادة من شىء إلا العلم ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، قال ابن القيم: «كفى بهذا شرفاً للعلم».
وقفة
[114] قيل لعبد الله بن المبارك: «إلى متى وأنت تطلب العلم؟!»، فأجاب: «لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد»، قال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] من أدب العلم والتعلّم أن تقول: «لا أدري» فيما لا تعرف؛ وذلك طريق الورع، وهو من سنن الأنبياء، فقد تعلّم موسى عليه السلام من الرجل الصالح، مع أنه دونه في الفضل والمنزلة، وقال الله تعالى لنبيّنا ﷺ: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وقفة
[114] يجب على المسلم أن يتفقه في أمور دينه؛ لينفعه ذلك في صحة العبادة وقبول العمل ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
عمل
[114] أكثر من الدعاء بزيادة العلم ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَتَعالَى:
  • اء: استئنافية. تعالى: فعل ماض فيه معنى الاستعظام. مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر.
  • ﴿ اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ:
  • لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الملك: صفتان-نعتان-على التتابع للفظ‍ الجلالة مرفوعان بالضمة، ويجوز أن يكونا بدلين من لفظ‍ الجلالة. بدلا بعد بدل.
  • ﴿ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ:
  • الواو: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تعجل: بمعنى «تتعجل» فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه: سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بالقرآن: جار ومجرور للتعظيم متعلق بتعجل.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ:
  • جار ومجرور متعلق بتعجل و «قبل» مضاف. أن: حرف مصدرية ونصب والجملة الفعلية بعدها: صلتها لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ:
  • فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. إليك: جار ومجرور متعلق بيقضي. وحيه: نائب فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير الغائب في محل جر بالاضافة و «أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ وَقُلْ:
  • الواو عاطفة. قل: فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ رَبِّ:
  • منادى بحرف نداء محذوف. والأصل: يا ربّ وهو منصوب للتعظيم وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اكتفاء بكسر ما قبلها منع من ظهور الفتحة حركة المناسبة والياء المحذوفة ضمير المتكلم في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ زِدْنِي عِلْماً:
  • فعل دعاء بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. النون نون الوقاية. والياء ضمير المتكلم في محل نصب مفعول به أول. علما: مفعول به ثان منصوب بالفتحة وفي القول حذف وهو باب التواضع والشكر لله بمعنى علمتني يا ربّ أدبا جميلا فزدني علما إلى علم'

المتشابهات :

طه: 114﴿ فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ
المؤمنون: 116﴿ فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [114] لما قبلها :     وبعد الثناءِ على القرآنِ؛ جاء هنا الثناءُ على اللهِ منزلِ القرآنِ، قال تعالى: ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) ولَمَّا كان النبى صلى الله عليه وسلم كلما قرأ عليه جبريل عليه السلام آية قرأها معه، وذلك لشدة حرصه على حفظ القرآن، ولشدة شوقه إلى سماعه؛ أرشده اللهُ هنا: لا تتعجل بقراءة القرآن من قبل أن ينتهي جبريل عليه السلام من إبلاغه إليك، قال تعالى:
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يقضى:
1- مبنيا للمفعول، و «وحيه» مرفوع به، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- نقصى، بالنون، مفتوح الياء، و «وحيه» بالنصب، وهى قراءة عبد الله، والجحدري، والحسن، وأبى حيوة، ويعقوب، وسلام الزعفراني، وابن مقسم.
3- نقضى، بالنون، ساكن الياء، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [115] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن ..

التفسير :

[115] ولقد وصينا آدم مِن قَبلِ أن يأكل من الشجرة، ألَّا يأكل منها، وقلنا له:إن إبليس عدو لك ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى أنت وزوجك في الدنيا، فوسوس إليه الشيطان، فأطاعه آدم ونسي الوصية، ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما أُمر به.

أي:ولقد وصينا آدم وأمرناه، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به، فالتزمه، وأذعن له وانقاد، وعزم على القيام به، ومع ذلك نسي ما أمر به، وانتقضت عزيمته المحكمة، فجرى عليه ما جرى، فصار عبرة لذريته، وصارت طبائعهم مثل طبيعته، نسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ فخطئوا، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته، وأقر بها واعترف، فغفرت له، ومن يشابه أباه فما ظلم.

واللام في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ عَهِدْنا ... هي الموطئة للقسم، والمعهود محذوف، وهو النهى عن الأكل من شجرة معينة، كما وضحه في آيات أخرى منها قوله- تعالى-:

وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.

أى: والله لقد عهدنا إلى آدم- عليه السلام- وأوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة مِنْ قَبْلُ أن يخالف أمرنا فيقربها ويأكل منها، أو من قبل أن نخبرك بذلك- أيها الرسول الكريم-.

والفاء في قوله فَنَسِيَ للتعقيب، والمفعول محذوف. أى: فنسي العهد الذي أخذناه عليه بعدم الأكل منها.

والنسيان هنا يرى بعضهم أنه بمعنى الترك، وقد ورد النسيان بمعنى الترك في كثير من آيات القرآن الكريم. ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أى: نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا وهو يوم القيامة.

وعليه يكون المعنى: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل بعدم الأكل من الشجرة فترك الوفاء بعهدنا وخالف ما أمرناه به.

وعلى هذا التفسير فلا إشكال في وصف الله- تعالى- له بقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى لأن آدم بمخالفته لما نهاه الله- تعالى- عنه وهو الأكل من الشجرة- صار عاصيا لأمر ربه.

ومن العلماء من يرى أن النسيان هنا على حقيقته، أى: أنه ضد التذكر فيكون المعنى:

ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ما عاهدناه عليه، وغاب عن ذهنه ما نهيناه عنه، وهو الأكل من الشجرة.

فإن قيل: إن الناسي معذور. فكيف قال الله- تعالى- في حقه: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى؟.

فالجواب: أن آدم- عليه السلام- لم يكن معذورا بالنسيان، لأن العذر بسبب الخطأ والنسيان والإكراه. من خصائص هذه الأمة الإسلامية، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تجاوز لي عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .

قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ..

للنسيان معنيان: أحدهما: الترك، أى ترك الأمر والعهد، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين، ومنه نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ وثانيهما: قال ابن عباس: «نسى» هنا من السهو والنسيان، وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسي ... وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم في ذلك الوقت مؤاخذا بالنسيان، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا.

والمراد تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم أى: أن طاعة بنى آدم للشيطان أمر قديم أى: إن نقض هؤلاء- المشركون- العهد، فإن آدم- أيضا- عهدنا إليه فنسي..» .

وقوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً مقرر لما قبله من غفلة آدم عن الوفاء بالعهد.

قال الجمل: وقوله: نَجِدْ يحتمل أنه من الوجدان بمعنى العلم، فينصب مفعولين، وهما «له» و «عزما» ويحتمل أنه من الوجود الذي هو ضد العدم فينصب مفعولا وهو عَزْماً والجار والمجرور متعلق بنجد .

والعزم: توطين النفس على الفعل، والتصميم عليه، والمضي في التنفيذ للشيء..

أى: فنسي آدم عهدنا، ولم نجد له ثبات قدم في الأمور، يجعله يصبر على عدم الأكل من الشجرة بل لانت عريكته وفترت همته بسبب خديعة الشيطان له.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي . وكذا رواه علي بن أبي طلحة ، عنه .

وقال مجاهد والحسن : ترك .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

يقول تعالى ذكره: وإن يضيع يا محمد هؤلاء الذين نصرّف لهم في هذا القرآن من الوعيد عهدي، ويخالفوا أمري، ويتركوا طاعتي، ويتبعوا أمر عدّوهم إبليس، ويطيعوه في خلاف أمري، فقديما ما فعل ذلك أبوهم آدم ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ) يقول: ولقد وصينا آدم وقلنا له إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ووسوس إليه الشيطان فأطاعه، وخالف أمري، فحلّ به من عقوبتي ما حلّ.

وعنى جلّ ثناؤه بقوله (مِنْ قَبْلُ) هؤلاء الذين أخبر أنه صرَّف لهم الوعيد في هذا القرآن، وقوله (فَنَسِيَ) يقول: فترك عهدي.

كما حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ) يقول: فترك.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (فَنَسِيَ) قال: ترك أمر ربه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: قال له يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى فقرأ حتى بلغ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى وقرأ حتى بلغ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى قال: فنسي ما عهد إليه في ذلك، قال: وهذا عهد الله إليه، قال: ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده، وأبي أن يسجد له مع من سجد له إبليس، وعصى الله الذي كرّمه وشرّفه، وأمر ملائكته فسجدوا له.

حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن، ومؤمل، قالوا: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي.

وقوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) اختلف أهل التأويل في معنى العزم هاهنا، فقال بعضهم: معناه الصبر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) أي صبرا.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: صبرا.

حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: ثنا أبو النضر، قال: ثنا شعبة، عن قَتادة، مثله.

وقال آخرون: بل معناه: الحفظ، قالوا: ومعناه: ولم نجد له حفظا لما عهدنا إليه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: حفظا لما أمرته.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن الأشجعي، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن عطية، في قوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: حفظا.

حدثنا عباد بن محمد، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن عطية، في قوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: حفظا لما أمرته به.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) يقول: لم نجد له حفظا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: العزم: المحافظة على ما أمره الله تبارك وتعالى بحفظه والتمسك به.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) يقول: لم نجعل له عزما.

حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا الحجاج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة قال: لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق الله تعالى آدم إلى يوم الساعة، ووضعت في كفة ميزان. ووضع حلم آدم في الكفة الأخرى، لرجح حلمه بأحلامهم، وقد قال الله تعالى ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ).

قال أبو جعفر: وأصل العزم اعتقاد القلب على الشيء، يقال منه: عزم فلان على كذا: إذا اعتقد عليه ونواه، ومن اعتقاد القلب: حفظ الشيء، ومنه الصبر على الشيء، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه ، فإذا كان ذلك كذلك، فلا معنى لذلك أبلغ مما بينه الله تبارك وتعالى، وهو قوله ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) فيكون تأويله: ولم نجد له عزم قلب، على الوفاء لله بعهده، ولا على حفظ ما عهد إليه.

التدبر :

وقفة
[115] ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المُمْلِي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض.
وقفة
[115] ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ يستزل الشيطان العبد من أحد طريقين: النسيان، أو ضعف العزم، قال ابن القيم: «وتأمل أول نقص دخل علی أبي البشر وسرى إلى أولاده، کيف كان من عدم العلم والعزم».
وقفة
[115] ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ نسي آدم فنسيت ذريته، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة فغفر الله له، ومن يشابه أباه فما ظلم.
وقفة
[115] ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ إن سبب فشل الناس في الحياة هو ضعف الإرادة الناتج عن النسيان.
وقفة
[115] ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ (فنسي) أي ترك، ولهذا قال بعد ذلك: ﴿وعصى آدم ربَّه فغوى﴾ [121].
وقفة
[11٥] ﴿وَلَقَد عَهِدنا إِلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلَم نَجِد لَهُ عَزمًا﴾ هو فقط ذنب واحد، وقيل أكل ناسيًا، وبسببه فترت همته وقل عزمه، فكيف بذنوبنا نحن الكثيرة؟! اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا.
وقفة
[115] تأمل: أول نقص دخل على أبي البشر وسرى إلى أولاده؛ كيف كان من عدم العلم وعدم العزم، قال تعالى: ﴿وَلَقَد عَهِدنا إِلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلَم نَجِد لَهُ عَزمًا﴾.
وقفة
[115] ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ العزم رفيقه الصبر؛ فإن تخلى عنه ضاع ما تطمح إليه؛ فكلما قوي حبل الصبر لديك كلما تسلقت من خلاله قمم المجد.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنا:
  • الواو: استئنافية. اللام: لام الابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. عهد: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. ومفعولها محذوف بمعنى: ولقد أمرنا آدم من قبل أمورا.
  • ﴿ إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ
  • جار ومجرور متعلق بعهدنا وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-لأنه معرفة وعلم وبوزن الفعل. من قبل: جار ومجرور متعلق بعهدنا وقبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن.
  • ﴿ فَنَسِيَ:
  • الفاء: استئنافية. نسي: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وحذف المفعول لأن ما قبله دل عليه. أي فنسيها. أي نسي الأمور التي أمر آدم بها.
  • ﴿ وَلَمْ نَجِدْ:
  • الواو: عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. نجد: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «نجد» يجوز أن تكون بمعنى «نعلم» فيكون الجار والمجرور «له» بمقام المفعول به الأول و «عزما» المفعول به الثاني. ويجوز أن تكون «نجد» بمعنى «عزمنا».
  • ﴿ لَهُ عَزْماً:
  • جار ومجرور متعلق بنجد. عزما: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: تصميما وثباتا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [115] لما قبلها :     وبعد أن عَهِدَ اللهُ عز و جل لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ألا يتعجل بقراءة القرآن من قبل أن ينتهي جبريل عليه السلام من إبلاغه إليك؛ ذكرَ هنا أنه عَهِدَ إلى آدم عليه السلام من قبل، فنسي، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فنسى:
وقرئ:
بضم النون وتشديد السين، أي، نساه الشيطان، وهى قراءة اليماني، والأعمش.

مدارسة الآية : [116] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ..

التفسير :

[116] واذكر -أيها الرسول- إذ قلنا للملائكة:اسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام، فأطاعوا وسجدوا، لكن إبليس امتنع من السجود.

أي:لما أكمل خلق آدم بيده، وعلمه الأسماء، وفضله، وكرمه، أمر الملائكة بالسجود له، إكراما وتعظيما وإجلالا، فبادروا بالسجود ممتثلين، وكان بينهم إبليس، فاستكبر عن أمر ربه، وامتنع من السجود لآدم وقال:{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فتبينت حينئذ، عداوته البليغة لآدم وزوجه، لما كان عدوا لله، وظهر من حسده، ما كان سبب العداوة

ثم ذكر- سبحانه- بعد ذلك بشيء من التفصيل، الأسباب التي أدت إلى نسيان آدم وضعف عزيمته فقال: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى.

أى: واذكر- أيها المخاطب- وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم سجود تكريم لا سجود عبادة، فامتثلوا لأمرنا، إلا إبليس فإنه أبى السجود لآدم تكبرا وغرورا وحسدا له على هذا التكريم.

وقوله : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) يذكر تعالى تشريف آدم وتكريمه ، وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلا .

وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة " البقرة " وفي " الأعراف " وفي " الحجر " و " الكهف " وسيأتي في آخر سورة " ص " [ إن شاء الله تعالى ] . يذكر فيها تعالى خلق آدم وأمره الملائكة بالسجود له تشريفا وتكريما ، ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديما; ولهذا قال تعالى : ( فسجدوا إلا إبليس أبى ) أي : امتنع واستكبر .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى (116)

يقول تعالى ذكره معلما نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ما كان من تضييع آدم عهده، ومعرّفه بذلك أن ولده لن يعدوا أن يكونوا في ذلك على منهاجه، إلا من عصمه الله منهم (و) اذكر يا محمد ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى ) أن يسجد له .

التدبر :

وقفة
[116] ﴿وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس﴾ ما علاقة إبليس بالملائكة؟ لماذا أتى هنا كمستثنى؟ الجواب: استثناء إبليس من الملائكة لا يعني أنه منهم؛ لأن هذا الاستثناء يسميه العلماء استثناء منقطعًا، والاستثناء المنقطع يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، ولا يخفى أن إبليس من الجن، كما قال تعالى في سورة الكهف: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبليس﴾ [الكهف: 50].
عمل
[116] ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ﴾ الله عز وجل أنعم على آدم فحسده إبليس، فرفض أن يعترف بنعمة الله عليه؛ فلا تكن أخلاقك إبليسيه في حسد إخوانك.
وقفة
[116] - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]: بيَّنت رفضه بشدة. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 31]، ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ﴾: بينتا رفضه وهما داخلتان في آية البقرة التي هي أعم وأسع. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: 11]: بيَّنت تخلفه. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: 61]: بيَّنت تصريحه. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: 50]: بيَّنت أصله. - ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [ص: 74]: بيَّنت طريقه.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الرابعة والثلاثين من سورة «البقرة» والآية الحادية والستين من سورة الاسراء أما بالنسبة للجملة «أبى» فقد قيل انها جملة مستأنفة كأنها جواب قائل لم لم يسجد؟ والوجه أن لا يقدر لها مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله فسجدوا وأن يكون معناه: أظهر الإباء.'

المتشابهات :

البقرة: 34﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
الأعلى: 11﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
الإسراء: 61﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا
الكهف: 50﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
طه: 116﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [116] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز و جل أنه عَهِدَ إلى آدم عليه السلام من قبل، فنسي؛ ذكرَ هنا القصةَ من بدايتها بشىء من التفصيل، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [117] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا ..

التفسير :

[117] فقلنا:يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك، فاحذرا منه ولا تطيعاه بمعصيتي، فيخرجكما من الجنة، فتشقى إذا أُخرجت منها.

فحذر الله آدم وزوجه منه، وقال{ لَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} إذا أخرجت منها، فإن لك فيها الرزق الهني، والراحة التامة.

ثم حكى- سبحانه- ما قاله لآدم بعد إباء إبليس عن السجود له فقال: يا آدَمُ إِنَّ هذا أى: إبليس عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ بسبب حسده لكما وحقده عليكما فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى أى: فاحذرا أن تطيعاه، فإن طاعتكما له ستؤدى بكما إلى الخروج من الجنة، فيترتب على ذلك شقاؤك، أى: تعبك في الحصول على مطالب حياتك.

وأسند سبحانه إلى إبليس الإخراج لهما من الجنة، لأنه هو المتسبب في ذلك، عن طريق الوسوسة لهما، وطاعتهما له فيما حرضهما عليه وهو الأكل من الشجرة، وعبر عن التعب في طلب المعيشة بالشقاء، لأنه بعد خروجه من الجنة سيقوم بحراثة الأرض وفلاحتها وزرعها وريها ... ثم حصدها.. ثم إعداد نتاجها للأكل، وفي كل ذلك ما فيه من شقاء وكد وتعب.

وقال- سبحانه-: فَتَشْقى ولم يقل فتشقيا كما قال فَلا يُخْرِجَنَّكُما لأن الكلام من أول القصة مع آدم وحده: أو لأن شقاء الرجل يدخل فيه شقاء أهله، كما أن سعادته سعادتهم، أو لأنه هو الذي يعود عليه التعب إذ هو المكلف بأن يقدم لها ما تحتاجه من مطالب الحياة. كالمسكن والملبس والمطعم والمشرب.

قال القرطبي ما ملخصه: قوله فَتَشْقى يعنى أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد، ولم يقل: فتشقيا لأن المعنى معروف، وآدم- عليه السلام- هو المخاطب، وهو المقصود. وأيضا لما كان هو الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص.

وفي ذلك تعليم لنا أن نفقة الزوجة على الزوج، فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج، فلما كانت نفقة حواء على آدم، كانت كذلك نفقات بناتها على بنى آدم بحق الزوجية.. .

( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ) يعني : حواء ، عليهما السلام ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) أي : إياك أن يسعى في إخراجك منها ، فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك ، فإنك هاهنا في عيش رغيد هنيء ، لا كلفة ولا مشقة .

( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ) ولذلك من شنآنه لم يسجد لك، وخالف أمري في ذلك وعصاني، فلا تطيعاه فيما يأمركما به، فيخرجكما بمعصيتكما ربكما، وطاعتكما له ( مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) يقول: فيكون عيشك من كدّ يدك، فذلك شقاؤه الذي حذّره ربه.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: أهبط إلى آدم ثور أحمر، فكان يحرث عليه، ويمسح العرق من جبينه، فهو الذي قال الله تعالى ذكره ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) فكان ذلك شقاؤه ، وقال تعالى ذكره (فَتَشْقَى) ولم يقل: فتشقيا، وقد قال: ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا ) لأن ابتداء الخطاب من الله كان لآدم عليه السلام، فكان في إعلامه العقوبة على معصيته إياه، فيما نهاه عنه من أكل الشجرة الكفاية من ذكر المرأة، إذ كان معلوما أن حكمها في ذلك حكمه. كما قال عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ اجتزئ بمعرفة السامعين معناه من ذكر فعل صاحبه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[117] ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ استعمال اسم الإشارة (هَذَا): ألا ترى أن الإنسان إذا أحب شخصًا ناداه بأحب الأسماء له، ولا تقول له: (يا هذا)؛ إلا إذا كنت غاضبًا منه، وفي قوله: ﴿إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ﴾، لم يقل: (إن الشيطان عدو لك)؛ ليطبع في الأذهان صورة تحقيره وإذلاله، فهو أدنى من أن يذكر اسمه.
وقفة
[117] ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ كان السياق أن يقول ( فتشقيا) لأن المخاطب هما آدم وحواء ،لكنه خص آدم بالذكر (فتشقى)؛ لأن الأساس أن الرجل هو الذي يعمل ويتحرك، ويتعرض للشقاء، والمرأة لا يطلب منها العمل أو الحركة، إنما هي سكن للرجل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ﴾ [الأعراف: 189].
عمل
[117] استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وعوّذ أهلك وأولادك منه ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ تأمل كيف جمع بينهما في الخروج من الجنة، وخص الذكر بالشقاء فقال: (تشقى) ولم يقل تشقيان؟ الجواب: لأن الأصل أن الذكر هو الذي يشتغل بالكسب والمعاش، وأما المرأة فهي في خدرها، وفي هذه لفتة لمن يدعو إلى خروج المرأة من منزلها إلى ميادين العمل بإطلاق، وكأن ذلك هو الأصل!
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ أسند الشقاء إلى آدم دون حواء؛ لوجهين: أ. أن في ضمن شقاء الرجل شقاء أهله، كما أن في سعادته سعادتهم؛ لأنه القيِّم عليهم. ب. من الشقاء التعب في طلب القوت، وذلك على الرجل دون المرأة؛ لأن الرجل هو الساعي على زوجته.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ هموم الدنيا والابتلاء بها وغمومها وأحزانها ما هو إلا شقاء ورثناه من أبونا آدم عندما استزله الشيطان.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ يخرجان معًا ويشقى آدم؛ شهامة الرجال من القدم.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ لم يقل: (فتشقيا)؛ وفي هذا إشارة واضحة من الله أن الرجل هو الذي يسعى على العيال.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ كل حياة دون الجنة شقاء، اللهم إنا نسألك سعادة لا نشقى بعدها أبدًا.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ من أصغي إلى قول عدوه، تجرع كأس الندم، وفي ما جرى للآباء عبرة لأولي الألباب وأصحاب الهمم.
وقفة
[117] ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ تخرجان جميعًا، ولكن (تشقى) أنت وحدك؛ لأنك أنت الذي تتكسب وتنفق على زوجتك، وكنت مكفيًّا.
وقفة
[117] هل وعدك الشيطان بالسعادة في المعصية؟ كيف صدقته وقد وعد أباك آدم بالسعادة من قبل فجلب له الشقاء؟! ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾.
لمسة
[117] قال: ﴿فَتَشْقَى﴾، ولم يقل: (فتشقيان)، فأسند ترقب الشقاء إلى آدم خاصة دون زوجه إيجازًا، لأن في شقاء أحد الزوجين شقاء للآخر؛ لتلازمهما في الحياة في كل شيء، وفيه إيحاء أيضًا إلى أن شقاء الذكر أصل شقاء زوجه، فضلًا عما في قوله: (فَتَشْقَى) من مراعاة للفاصلة القرآنية.
لمسة
[117] في قوله: ﴿فَتَشْقَى﴾؛ هو الذي يكدح، ولم يقل: (فتشقيا).

الإعراب :

  • ﴿ فَقُلْنا:
  • لفاء: استئنافية. قلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ يا آدَمُ:
  • يا: أداة نداء. آدم: منادى علم مفرد مبني على الضم في محل نصب ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-لأنه معرفة وعلى صيغة- أفعل-أي بوزن الفعل.
  • ﴿ إِنَّ هذا عَدُوٌّ:
  • الجملة بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به-مقول القول- إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «انّ» عدو: خبرها مرفوع بالضمة المنونة.
  • ﴿ لَكَ وَلِزَوْجِكَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «عدو».ولزوجك: معطوف بالواو على «لك» ويعرب إعرابه والكاف في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَلا يُخْرِجَنَّكُما:
  • الفاء سببية عاطفة وما بعدها معطوف على محذوف بتقدير: لا تطيعاه أي ابليس لكيلا يخرجنكما: لا: نافية لا عمل لها.يخرجنكما: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل نصب بأن مضمرة بعد الفاء. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:هو. الكاف: ضمير المخاطبين في محل نصب مفعول به. الميم: عماد.والألف علامة التثنية لا محل لها وجملة «يخرجنكما» صلة «أن» المضمرة لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام المضمر المقدر. ويجوز أن تكون الفاء استئنافية. و «لا» ناهية جازمة وفعلها محذوفا بتقدير: فلا تجعلاه يخرجنكما بأحبولة من أحابيله من الجنة.أي فلا تسببا لنفسكما ذلك.
  • ﴿ مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى:
  • جار ومجرور متعلق بيخرج. الفاء سببية. تشقى: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت وجملة«تشقى» صلة «أن» المضمرة لا محل لها بمعنى: فتتعب بتحمل اعباء الحياة الدنيوية.'

المتشابهات :

البقرة: 35﴿وَ قُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
طه: 117﴿فَـ قُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [117] لما قبلها :     وبعد أن رفضَ إبليسُ أن يسجدَ لآدم عليه السلام؛ حَذَّرَ اللهُ آدم عليه السلام هنا، وبَيَّنَ له أن إبليسَ عدوٌ له ولزوجه حواء، وأن طاعتَه ستؤدي بهما إلى الخروج من الجنة، قال تعالى:
﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [118] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا ..

التفسير :

[118] إن لك -يا آدم- نِعْمةً تامَّةً وعطيَّةً مستمرَّةً في هذه الجنة أن تأكل فلا تجوع، وأن تَلْبَس فلا تَعْرى.

تفسير الآيتين 118 و119:ـ

{ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} أي:تصيبك الشمس بحرها، فضمن له استمرار الطعام والشراب، والكسوة، والماء، وعدم التعب والنصب

وقوله- تعالى-: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى تعليل لما يوجبه النهى عن طاعة إبليس التي ستؤدى بهما إلى الإخراج من الجنة وإلى الشقاء في الدنيا.

والجوع: ضد الشبع. وقوله تَعْرى من العرى الذي هو خلاف اللبس.

يقال: عرى فلان من ثيابه يعرى عريا، إذا تجرد منها.

( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ) إنما قرن بين الجوع والعري; لأن الجوع ذل الباطن ، والعري ذل الظاهر .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118)

يقول تعالى ذكره، مخبرا عن قيله لآدم حين أسكنه الجنة (إنَّ لَك) يا آدم ( أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ) و " أن " في قوله ( أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ) في موضع نصب بإنَّ التي في قوله: (إنَّ لَك).

التدبر :

لمسة
[118] ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا﴾ (لَكَ) فالله بفضله جعل لآدم حقًا مضمونًا يملكه وهو له.
وقفة
[118] ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا﴾ لم يقل: أن تشبع؛ لأن الإنسان قد يشبع ويُتخم، وقد يشبع لحظة ولا يشبع وقتًا آخر!
وقفة
[118] ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ﴾ الجوع الحدث المروع الذي فجع به الإنسان بعد هبوطه إلى هنا.
وقفة
[118] من نعيم الجنة قول ربنا لأبينا آدم: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ﴾، من عِظم شأن الستر جعله الرحمن من نعيم الجنان.
وقفة
[118] كما يجب محاربة الفقر والجوع فيجب محاربة العري ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ﴾، الجوع تحاربه حتى البهائم، ويتميز الإنسان عنها بحرب العري.
وقفة
[118] السّتر والعفاف خيرٌ في الدنيا ونعيمٌ في الجنة ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. لك: جار ومجرور متعلق بخبر «إنّ» مقدم، الاّ: أصلها: أن: حرف مصدرية ونصب. و «لا» نافية لا عمل لها. تجوع: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وجملة «تجوع» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الإعراب. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب اسم «إن» مؤخر و «إن» مع اسمها وخبرها:جملة استئنافية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فِيها وَلا تَعْرى:
  • جار ومجرور متعلق بتجوع الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. تعرى: معطوفة على «تجوع» وتعرب إعرابها. وعلامة نصب الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى لا يعرى جسمك.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [118] لما قبلها :     وبعد أن حَذَّرَ اللهُ عز و جل آدم وزوجه مما يؤدي بهما إلى الخروج من الجنة؛ بَيَّنَ له هنا أن في الجنة الحاجيات والضروريات الأربع الأساسية، وهي: 1- الطَّعام. 2- اللِّباس، قال تعالى:
﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [119] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا ..

التفسير :

[119] وأن لك ألا تعطش في هذه الجنة ولا يصيبك حر الشمس.

تفسير الآيتين 118 و119:ـ

{ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} أي:تصيبك الشمس بحرها، فضمن له استمرار الطعام والشراب، والكسوة، والماء، وعدم التعب والنصب

وقوله تَضْحى أى: لا يصيبك حر الشمس في الضحى. يقال: ضحا فلان يضحى ضحوا- كسعى- إذا كان بارزا لحر الشمس في الضحى.

أى: احذر يا آدم أن تطيع إبليس فيحل بك الشقاء، وتخرج من الجنة التي لا يصيبك فيها شيء من الجوع، ولا شيء من العرى أو الظمأ، ولا شيء من حر الشمس في الضحى.. وإنما أنت فيها متمتع بكل مطالب الحياة الهنيئة الناعمة الدائمة.

قال صاحب الكشاف: الشبع والري والكسوة والسكن- هذه الأربعة- هي الأقطاب التي يدور فيها كفاح الإنسان، فذكّره استجماعها له في الجنة وأنه مكفى لا يحتاج إلى كفاية كاف، ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا.

وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعرى والظمأ والضحو، ليطرق سمعه بأسامى أصناف الشقوة التي حذره منها، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها .

( وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) وهذان أيضا متقابلان ، فالظمأ : حر الباطن ، وهو العطش . والضحى : حر الظاهر .

وقوله ( وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا ) اختلفت القرّاء في قراءتها، فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة بالكسر: وإنك، على العطف على قوله (إنَّ لَك) ، وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة والبصرة وأنك، بفتح ألفها عطفا بها على " أن " التي في قوله ( أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ) ، ووجَّهوا تأويل ذلك إلى أن لك هذا وهذا، فهذه القراءة أعجب القراءتين إليّ، لأن الله تبارك وتعالى ذكره وعد ذلك آدم حين أسكنه الجنة، فكون ذلك بأن يكون عطفا على أن لا تجوع أولى من أن يكون خبر مبتدأ، وإن كان الآخر غير بعيد من الصواب ، وعني بقوله ( لا تَظْمَأُ فِيهَا ) لا تعطش في الجنة ما دمت فيها( وَلا تَضْحَى ) ، يقول: لا تظهر للشمس فيؤذيك حرّها، كما قال ابن أبي ربيعة:

رأتْ رَجُـلا أمَّـا إذا الشَّمْسُ عارَضَتْ

فَيَضْحَــى وأمَّـا بالعشِـيّ فَيَخْـصَرُ (1)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ( وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) يقول: لا يصيبك فيها عطش ولا حرّ.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) يقول: لا يصيبك حرّ ولا أذى.

حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال: ثنا عبد الرحمن بن شريك، قال: ثني أبي، عن خصيف عن سعيد بن جُبير ( لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) قال: لا تصيبك الشمس.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا تَضْحَى ) قال: لا تصيبك الشمس .

---------------

الهوامش:

(1) البيت لعمر بن أبي ربيعة القرشي المخزومي . وقد أورده صاحب اللسان في ( ضحا ) ولم ينسبه . قال : وضحا الرجل ضحوا ( على فعل ) وضحوا ( على فعول ) وضحيا : برز للشمس وضحى بكسر الحاء يضحى في اللغتين معه ضحوا وضحيا : أصابته الشمس ، قال الله تعالى : ( وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) قال : لا يؤذيك حر الشمس . وقال الفراء : لا تضحى : لا تصيبك شمس مؤذية . قال : وفي بعض التفسير : ولا تضحى : لا تعرق . قال الأزهري : والأول أشبه بالصواب ، وأنشد : " رأت رجلا . . . البيت " . أه . وقوله " يخصر " : هو من الخصر بالتحريك ، والبرد يجده الإنسان في أطرافه .

التدبر :

لمسة
[118، 119] ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ هنالك تناسب بين الجوع والعري وبين الظمأ والحرّ، (الجوع) هو خلو الباطن من الطعام، و(العُري) هو خلو الظاهر من اللباس، و(الظمأ) ألم الباطن و(تضحى) ألم الظاهر، لا تضحى يعني لا يصيبك حرّ، ضحى أن يكون بارزًا للشمس تؤذيه، ثم الحر يؤذي إلى الظمأ.
وقفة
[118، 119] من عجائب هاتين الآيتين -رغم قصرهما-: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ﴾ أنهما جمعتا أساسيات الاقتصاد، وما يعد بنية تحتية لحياة الإنسان في سطر واحد فقط: الطعام، واللباس، والشراب، والسكن!
وقفة
[118، 119] ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ﴾جمعت في سطر واحد فقط: الطعام، واللباس، والشراب، والسكن.
لمسة
[118، 119] ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ﴾ لِمَ قابل الجوع بالعري، والظمأ بالضحى؟! قال ابن القيم: «لأن الجوع ألم الباطن والعري ألم الظاهر، فهما متناسبان في المعنى، وكذلك الظمأ مع الضحى، لأن الظمأ موجب لحرارة الباطن، والضحى موجب لحرارة الظاهر، فاقتضت الآية نفي جميع الآفات ظاهرًا وباطنًا».

الإعراب :

  • ﴿ وَأَنَّكَ:
  • الواو: عاطفة. أنك: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب اسم «أن» وفتحت همزة «أن» «لأنها» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل نصب معطوف على أن لا تجوع.
  • ﴿ لا تَظْمَؤُا فِيها:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «أنّ» لا: نافية لا عمل لها. تظمأ: فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. فيها: جار ومجرور متعلق بتظمأ بمعنى لا تعطش فيها.
  • ﴿ وَلا تَضْحى:
  • الواو: عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. تضحى: معطوفة على «تظمأ» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى ولا تتعرض لحر الشمس.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [119] لما قبلها :     3- الشَّراب. 4- السَّكن، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وأنك:
1- بفتح الهمزة، عطفا على المصدر المنسبك من «أن لا تجوع» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، عطفا على «إن لك» ، وهى قراءة شيبة، ونافع، وحفص، وابن سعدان.

مدارسة الآية : [120] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ..

التفسير :

[120] فوسوس الشيطان لآدم وقال له:هل أدلك على شجرة، إن أكلت منها خُلِّدتَ فلم تمت، وملكت مُلْكاً لا ينقضي ولا ينقطع؟

تفسير الآيتين 120 و121:ـ

ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال:{ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} فلم يزل الشيطان يسول لهما، ويزين أكل الشجرة، ويقول:{ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} أي:الشجرة التي من أكل منها خلد في الجنة.{ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} أي:لا ينقطع إذا أكلت منها، فأتاه بصورة ناصح، وتلطف له في الكلام، فاغتر به آدم، وأكلا من الشجرة فسقط في أيديهما، وسقطت كسوتهما، واتضحت معصيتهما، وبدا لكل منهما سوأة الآخر، بعد أن كانا مستورين، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك، وأصابهما من الخجل ما الله به عليم.

ثم بين- سبحانه- أن آدم- عليه السلام- مع هذه النصائح والتحذيرات لم يستطع أن يستمر على الاستجابة لنهى ربه إياه عن الأكل من الشجرة، بل تغلب عليه ضعفه فاستمع إلى مكر الشيطان، قال- تعالى-: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى.

والوسوسة: الخطرة الرديئة، وأصلها من الوسواس، وهو صوت الحلي، والهمس الخفى.

والوسواس- بكسر الواو الأولى- مصدر وبفتحها الاسم وهو من أسماء الشيطان، كما قال- تعالى-: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.

ويقال: وسوس فلان إلى فلان، أى: أوصلها إليه، ووسوس له، أى: من أجله. أى فأوصل الشيطان وسوسته إلى آدم، وأنهاها إليه، بأن قال له: يا آدم، هل أدلك على الشجرة التي من أكل منها عاش مخلدا لا يدركه الموت وصار صاحب ملك لا يفنى، ولا يصبح باليا أبدا.

وناداه باسمه، ليكون أكثر إقبالا عليه، وأمكن في الاستماع إليه.

وعرض عليه ما عرض في صورة الاستفهام الذي بمعنى الحث والحض، ليشعره بأنه ناصح له وحريص على مصلحته ومنفعته.

ثم أكد كل هذا التحريض بالقسم كما في قوله- تعالى-: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ .

وقوله : ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) قد تقدم أنه ( دلاهما بغرور ) [ الأعراف : 22 ] ; ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) [ الأعراف : 21 ] . وقد تقدم أن الله تعالى أوحى إلى آدم وزوجته أن يأكلا من كل الثمار ، ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة . فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها ، وكانت شجرة الخلد - يعني : التي من أكل منها خلد ودام مكثه . وقد جاء في الحديث ذكر شجرة الخلد ، فقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة يحدث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ، ما يقطعها وهي شجرة الخلد " . ورواه الإمام أحمد . .

وقوله ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ) يقول: فألقى إلى آدم الشيطان وحدّثه ( قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) يقول: قال له: هل أدلك على شجرة إن أكلت منها خلدت فلم تمت، وملكت ملكا لا ينقضي فيبلى.

كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ) إن أكلت منها كنت مَلكا مثل الله أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ فلا تموتان أبدا.

التدبر :

تفاعل
[120] ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
لمسة
[120] ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ ما الفرق بين النزغ والوسوسة؟ النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء، بين الإخوان، بين الناس، أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، قال تعالى: ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ [100]، الوسوسة عامة، يزين له أمر، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص، مع آدم وحواء لم تكن هناك خصومة، لكن مع إخوة يوسف حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا.
وقفة
[120] ﴿فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطانُ قالَ يا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى﴾ إن ظن الإنسان أن الشيطان لن يقربه وأنه بمأمن منه؛ فليراجع نفسه.
وقفة
[120] أعظم وسائل إغواء إبليس للإنسان إغراؤه بطول الأمل وتحقّق الرئاسة والسيادة ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
وقفة
[120] عرض المحرمات في صورة مباحات أسلوب بدأه إبليس مع آدم واتخذته ذريته من بعده ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
عمل
[120] احــرص على معـرفة سـيـرة مـن نصحك قبـل أن تقبـل نصيحتــه ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
وقفة
[120] ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ عرف أبليس الخبيث أننا نشعر بالتعاطف مع الذين ينادوننا بأسمائنا؛ فنادى أبانا آدم باسمه.
وقفة
[120] ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾ ما كل كلامٍ معسول خلفه خيرٌ مأمول!
وقفة
[120] من مكر الشيطان بابن آدم أن يغويه باﻷمور التي يجتمع فيها أحب شيئين إليه، وهما حب التملك، وديمومته ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
وقفة
[120] التعري والتساهل في الستر يتم عبر اﻹغراء بأنه من مظاهر التقدم! ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
وقفة
[120] من مداخل إبليس على بني آدم: عدم القناعة بالرزق، والتشبث بطول البقاء ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
وقفة
[120] ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾، ﴿وكلا منها رغدا حيث شئتما﴾ [البقرة: 35]، الله وسع فضله الجنة، والشيطان ضيق ظنه إلا على شجرة، فالله يوسع والشيطان يضيق.
وقفة
[120] ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ الموت يروعنا منذ الأزل.
وقفة
[120] ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾ قبل سماعك للنصيحة؛ كن فطنًا، وانظر بحال الناصح وما هو حاله معك، فإبليس يومًا لعب دور المشفق.
وقفة
[120] أحلام الإنسان منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة ﴿الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى﴾

الإعراب :

  • ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ:
  • الفاء: استئنافية. وسوس: فعل ماض مبني على الفتح. إليه: جار ومجرور متعلق بوسوس. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة وقد عدي الفعل «وسوس» بإلى بمعنى: أنهى اليه الوسوسة.أي حدثه بشر.
  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.أي قال له. والجملة الفعلية «قال» في محل نصب حال بمعنى: وسوس اليه قائلا له.
  • ﴿ يا آدَمُ هَلْ:
  • يا: أداة نداء. آدم: منادى مبني على الضم في محل نصب ولم ينون الاسم لأنه ممنوع من الصرف «التنوين» لأنه معرفة وعلى وزن-أفعل- وبوزن الفعل. هل: حرف استفهام لا محل له ولا عمل.
  • ﴿ أَدُلُّكَ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والكاف ضمير المخاطب في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ:
  • جار ومجرور متعلق بأدل. الخلد: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى الشجرة التي يخلد آكلها
  • ﴿ وَمُلْكٍ لا يَبْلى:
  • معطوفة بالواو على «الشجرة» مجرورة مثلها. لا: نافية لا عمل لها. يبلى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية «لا يبلى» في محل جر صف-نعت-لملك. بمعنى: وعلى ملك لا يضمحل. فكل من هذه الشجرة تحظ‍ بهذه الميزة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [120] لما قبلها :     وبعد ذكرِ عداوةَ إبليسِ لآدم وزوجه؛ بدأ إبليسُ هنا يوسوسُ لآدمَ عليه السلام ليأكلَ من الشجرةِ التي نهاه اللهُ عن الأكل منها، قال تعالى:
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [121] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ..

التفسير :

[121] فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورةً عن أعينهما، فأخذا ينزعان من ورق أشجار الجنة ويلصقانه عليهما؛ ليسترا ما انكشف من عوراتهما، وخالف آدم أمر ربه، فغوى بالأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الاقتراب منها.

تفسير الآيتين 120 و121:ـ

ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال:{ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} فلم يزل الشيطان يسول لهما، ويزين أكل الشجرة، ويقول:{ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} أي:الشجرة التي من أكل منها خلد في الجنة.{ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} أي:لا ينقطع إذا أكلت منها، فأتاه بصورة ناصح، وتلطف له في الكلام، فاغتر به آدم، وأكلا من الشجرة فسقط في أيديهما، وسقطت كسوتهما، واتضحت معصيتهما، وبدا لكل منهما سوأة الآخر، بعد أن كانا مستورين، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك، وأصابهما من الخجل ما الله به عليم.

فكانت نتيجة مكره بآدم وخداعه له، أن أطاعه في الأكل من الشجرة كما قال- تعالى-: فَأَكَلا مِنْها أى: فأكل آدم وزوجه من الشجرة التي نهاه ربه عن الأكل منها.

فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أى: عوراتهما، وسميت العورة سوءة، لأن انكشافها يسوء صاحبها وبحزنه، ويجعل الناس تنفر منه.

وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.. أى: وشرعا وأخذا يلزقان على أجسادهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما.

وكثير من المفسرين يقولون: إن ورق الجنة الذي أخذ آدم وحواء في لزقه على أجسادهما هو ورق شجر التين لكبر حجمه.

وقد أخذ العلماء من ذلك وجوب ستر العورة، لأن قوله- تعالى-: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ يدل على قبح انكشافها، وأنه يجب بذل أقصى الجهد في سترها.

وقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى أى: وخالف آدم أمر ربه في اجتناب الأكل من الشجرة فَغَوى أى: فأخطأ طريق الصواب، بسبب عدم طاعته ربه.

قالوا: ولكن آدم في عصيانه لربه كان متأولا، لأنه اعتقد أن النهى عن شجرة معينة لا عن النوع كله، وقالوا: وتسمية ذلك عصيانا لعلو منصبه، وقد قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

كما قالوا: إن الأسباب التي حملت آدم على الأكل من الشجرة، أن إبليس أقسم له بالله إنه له ناصح، فصدقه آدم- عليه السلام- لاعتقاده أنه لا يمكن لأحد أن يقسم بالله كاذبا، والمؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم كما جاء في الحديث الشريف.

وقول : ( فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما ) قال ابن أبي حاتم :

حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس ، كأنه نخلة سحوق . فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته . فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة ، فأخذت شعره شجرة ، فنازعها ، فنادى الرحمن : يا آدم ، مني تفر؟ فلما سمع كلام الرحمن قال : يا رب ، لا ولكن استحياء أرأيت إن تبت ورجعت ، أعائدي إلى الجنة؟ قال : نعم " فذلك قوله : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه )

وهذا منقطع بين الحسن وأبي بن كعب ، فلم يسمعه منه ، وفي رفعه نظر أيضا .

وقوله : ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) قال مجاهد : يرقعان كهيئة الثوب . وكذا قال قتادة ، والسدي .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر ، عن عون ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) قال : ينزعان ورق التين ، فيجعلانه على سوآتهما .

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

يقول تعالى ذكره: فأكل آدم وحوّاء من الشجرة التي نُهيا عن الأكل منها، وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما( فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) يقول: فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما.

كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: إنما أراد، يعني إبليس بقوله هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما، بهتك لباسهما، وكان قد علم أن لهما سوأة لما كان يقرأ من كتب الملائكة، ولم يكن آدم يعلم ذلك، وكان لباسهما الظفر، فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدمت حوّاء، فأكلت ثم قالت: يا آدم كل، فإني قد أكلت، فلم يضرّني، فلما أكل آدم بدت سوآتهما.

وقوله (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) يقول: أقبلا يشدان عليهما من ورق الجنة.

كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) يقول: أقبلا يغطيان عليهما بورق التين.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) يقول: يوصلان عليهما من ورق الجنة.

وقوله ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) يقول: وخالف أمر ربه، فتعدّى إلى ما لم يكن له أن يتعدّى إليه، من الأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها .

التدبر :

وقفة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ عصوا فبدت عوراته, فمن عصي الله ظهرت عليه آثار معصيته مباشرة لكن إذا كثرت ذنوب العبد رحم الله حاله فعفا عن أكثرها رحمة بعبده وسترًا له, وإلا ففي المجتمع الإيماني الراسخ لا يخفي أهل الفسق والنفاق إذ يعرفهم الأتقياء لكن ستر الله أعظم وأتم.
وقفة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ المعصية سبب لظهور العورات.
وقفة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ عصوا فبدت عوراتهم، من عصى الله ظهرت عليه آثار معصيته مباشرة؛ لكن إذا كثرت ذنوب العبد رحم الله حاله.
وقفة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ ما أسرع شؤم المعصية بذوق اللسان بدت آثارها.
وقفة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ أكل الحرام من أسباب العقوبة بالتعري والسفور، ولا يقع تعري النساء والرجال في أمة إلا سبق ذلك أكل الحرام.
وقفة
[121] ﴿فَأَكَلا مِنها فَبَدَت لَهُما سَوآتُهُما﴾ كلما ازداد عصيان الله؛ كلما ازداد عرى المرء وانحلاله.
وقفة
[121] أول عقوبة للإنسان التعرّي ﴿فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة﴾، وإذا انتكست الفطرة تحوّلت العقوبات إلى حضارات.
وقفة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ التمس الستر بالطاعة.
لمسة
[121] ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ ما الفرق بين الذنب والمعصية والسيئة والإثم والفحشاء والفسوق والضلال والإسراف والظلم والكفر؟ الذنب: الكبائر كما يقول أكثرهم، ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ [ آل عمران: ١٩٣]. السيئة: الصغائر، لذلك يستعمل المغفرة مع الذنب والتكفير مع السيئة، المغفرة تستر الذنب، والتكفير من كفر أي غطّى، لاحظ أيضًا المِغفَر الذي يلبسه الإنسان في الحرب يستر، التكفير هو تكفير البدن، المغفرة هو ما يمنع الضر، يقي الإنسان تحديدًا، هو يقي الإنسان معناه أن الأمر الكبير يحتاج إلى مغفرة، والصغير لا يحتاج إلى مثل هذا. واستعمل ربنا التكفير مع السيئة؛ لأنها أقل والمغفرة مع الذنب لأن الذنب قد يأتي بإيذاء أكبر، يقولون الذنوب هي الكبائر والسيئات هي الصغائر. الإسراف: السرف هو تجاوز الحد في كل فعل، في الإنفاق، أو في الأكل، أو غيره، في كل شيء. الضلال: ما يقابل الهدى، العدول عن الطريق المستقيم. العصيان: الخروج عن الطاعة، يأمرك فتعصي، ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١]، المعصية خروج عن الطاعة. الفحشاء: هو ما عظم قبحه من الأفعال والأعمال. الفسوق: هو الخروج عن الطاعة من فسقت الرطبة ما خرج عن الطريق ويمتد من أيسر الخروج إلى الكفر كله يسمى فاسقًا، الكفر سماه فسوق ﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٥٥]، والنفاق سماه فسوق ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: 18]، وليس كل فاسق كافرًا، لكن كل كافر فاسق قطعًا. الظلم: الظلم هو مجاوزة الحد عمومًا، وقد يصل إلى الكفر، ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وقد لا يصل. الكفر: فهو الخروج عن المِلّة، الكفر أصله اللغوي الستر، وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية. الفسق: أعم من الكفر يشمل الصغير والكبير، الكافر هو فاسق، المشرك فاسق، الذي يترك شيئًا من الدين هو فاسق، عمل شيئًا من المحرمات هو فاسق سواء كان قليلًا أو كبيرًا، إذن الفسق أوسع.
وقفة
[121] ﴿فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ الستر واجب شرعي وفطرة في اﻹنسان، فمن لم يبال بكشف عورته فقد تجاوز شريعته وإنسانيته.
عمل
[121] ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ لم يستسلما رغم هول الصدمة، نهضا يستتران بالأوراق، في خلقنا طاقة للتوبة والتغيير؛ لا تستسلم مهما كبرت عثرتك.
وقفة
[121] ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ مع أن الله توعدهما بالخروج بمجرد المعصية، لكنه أذن لهما بستر عوراتهما من أوراقها، ما أرحم الله!
وقفة
[121] ﴿وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ﴾ الستر يلزمه جهدًا، بينما التهتك ما أيسره!
وقفة
[121] ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾ لقد شاركت أمنا في الأكل، لكن آدم كان يملك القرار، لذا تحمل المسؤولية عليهما السلام.
وقفة
[121] ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾ تركُ المأمورِ أشدُّ خطرًا مِن فعل المحظور؛ وفعل المأمور أحب إلى الله من ترك المحظور، وذنبُ آدم عليه السلام كان بفعلِ المحظورِ، فكان عاقبته أن اجتباه ربُّه، فتابَ عليه وهدَى، وذنبُ إبليس كان بتركِ المأمور، فكان عاقبتُه ما ذكَر اللهُ سبحانه من معاقبته.
وقفة
[121] ﴿فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه﴾ [البقرة: 37] لأن المرأة حرمة ومستورة؛ أراد الله الستر لها، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾، وإذا راجعت آيات الله فلن تجد آية نسبت المعصية إلى امرأة باسمها.
وقفة
[121] الزوج هو المخاطب اﻷول عن أفعال اﻷسرة، حيث تقع عليه تبعتها سلبًا وإيجابًا ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾، ذكر آدم هنا ولم يذكر حواء مع أنها شاركته في المعصية.
عمل
[121، 122] تذكر ذنبًا كبيرًا فعلته، وأكثر من الاستغفار والإلحاح في ذلك؛ لعله يكون سببًا في اجتباء ربك لك ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾.
وقفة
[121، 122] ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾، ﴿قالا ربّنَا ظَلمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لم تَغْفِرْ لَنَا وَترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾ [الأعراف: 23]، ألا تتفكر فيما كانت معصية آدم، ثم كيف صدقه في توبته، هكذا يكون تعظيم الله والأدب معه، وتأمل معاصيك وتقصيرك.
وقفة
[121، 122] من أذنب فندم، فتاب فقد أشبه أباه (آدم)، ومن أشبه أباه فما ظلم ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَأَكَلا مِنْها:
  • الفاء: استئنافية. أكلا: فعل ماض مبني على الفتح والألف ضمير الاثنين في محل رفع فاعل. منها: جار ومجرور متعلق بأكلا.
  • ﴿ فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما:
  • الفاء: عاطفة. للتسبيب. بدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة ولالتقاء الساكنين. التاء: تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب. لهما: جار ومجرور متعلق ببدت. الميم عماد والألف علامة التثنية لا محل لها. سوآتهما أي عوراتهما: فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. الهاء ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ما: أعربت.
  • ﴿ وَطَفِقا يَخْصِفانِ:
  • الواو عاطفة. طفقا: فعل ماض ناقص من أخوات «كان» تفيد الشروع في العمل. أي بمعنى وشرعا وأخذا. والألف ضمير الاثنين-الغائبين مبني على السكون في محل رفع اسم «طفق».يخصفان:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف ضمير الاثنين-الغائبين-مبني على السكون في محل رفع فاعل بمعنى: يلزقان على «سوآتهما» والجملة الفعلية «يخصفان» في محل نصب خبر «طفق».
  • ﴿ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ:
  • جار ومجرور متعلق بيخصف والميم عماد والألف علامة التثنية لا محل له. من ورق: جار ومجرور متعلق بصفة لمفعول «يخصف» المحذوف. الجنة: مضاف اليه مجرور بالكسرة أي من ورق اشجار الجنة. بحذف المضاف إليه الأول.
  • ﴿ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ:
  • الواو عاطفة. عصى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. آدم: فاعل مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-لأنه معرفة وعلى وزن أفعل وبوزن الفعل. ربه مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة وهو مضاف والهاء ضمير الغائب في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَغَوى:
  • معطوفة بالفاء على «عصى» وتعرب إعرابها. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى فضل عن مطلوبه وخاب في مقصده.'

المتشابهات :

الأعراف: 22﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ
طه: 121﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَـ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [121] لما قبلها :     وبعد أن وسوسَ إبليسُ لآدمَ عليه السلام؛ أكلَ هو وحواءُ من الشجرةِ، فانكشفت عورتهما، قال تعالى:
﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [122] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ ..

التفسير :

[122] ثم اصطفى الله آدم وقرَّبه، وقَبِل توبته، وهداه رشده.

{ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} فبادرا إلى التوبة والإنابة، وقالا:{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فاجتباه ربه، واختاره، ويسر له التوبة{ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها، ورجع كيد العدو عليه، وبطل مكره، فتمت النعمة عليه وعلى ذريته، ووجب عليهم القيام بها والاعتراف، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم، ليلا ونهارا{ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}

وقوله- سبحانه-: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى بيان لفضل الله- تعالى- على آدم، حيث قبل توبته، ورزقه المداومة عليها.

والاجتباء: الاصطفاء والاختيار، أى: ثم بعد أن أكل آدم من الشجرة، وندم على ما فعل هو وزوجه، اجتباه ربه أى: اصطفاه وقربه واختاره فَتابَ عَلَيْهِ أى: قبل توبته وَهَدى أى: وهداه إلى الثبات عليها، وإلى المداومة على طاعة الله- تعالى- فقد اعترف هو وزوجه بخطئهما، كما في قوله- تعالى-: قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ .

وقد أوحى الله- تعالى- إليه بكلمات كانت السبب في قبول توبته، كما قال- سبحانه-: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

وقوله : ( وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا أيوب بن النجار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حاج موسى آدم ، فقال له : أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم : يا موسى ، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني - أو : قدره الله علي قبل أن يخلقني - " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " .

وهذا الحديث له طرق في الصحيحين ، وغيرهما من المسانيد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن الحارث بن أبي ذباب ، عن يزيد بن هرمز قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حج آدم وموسى عند ربهما ، فحج آدم موسى ، قال موسى : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك في جنته ، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك؟ قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجيا ، فبكم وجدت الله كتب التوراة [ قبل أن أخلق ] قال موسى : بأربعين عاما . قال آدم : فهل وجدت فيها ( وعصى آدم ربه فغوى ) قال : نعم . قال : أفتلومني على أن عملت عملا كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " .

قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . .

وقوله ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) يقول: اصطفاه ربه من بعد معصيته إياه فرزقه الرجوع إلى ما يرضى عنه، والعمل بطاعته، وذلك هو كانت توبته التي تابها عليه ، وقوله (وَهَدَى) يقول: وهداه للتوبة، فوفَّقه لها.

التدبر :

وقفة
[122] ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ اجتباه: اصطفاه، اصطفاه بعد معصيته؛ ربك رحيم عليم يصطفي من العصاة.
وقفة
[122] ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ فضيلة التوبة؛ لأن آدم عليه السلام كان بعد التوبة أحسن منه قبلها.
وقفة
[122] قد يكون الذنب فى طريقك إلى الاجتباء، والاصطفاء، والهداية، والولاية فلا تقنط ولا تبتعد، يقول تعالى بعد معصية آدم: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾.
عمل
[122] ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ قد تكثر ذنوبك وأفعال قبيحة تخجل أن يعرفها أحد، لكن لا تيأس فهنالك رب رحيم يغفر ويتجاوز، هو من يهد قلبك ويمحو ذنبك.
تفاعل
[122] ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ ادعُ الله الآن أن يتوب عليك.
تفاعل
[122] ﴿وَهَدَىٰ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
وقفة
[122، 123] ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾، ﴿قال اهبطا منها جميعاً﴾ من أسباب الثبات على التوبة تغيير البيئة.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ:
  • حرف عطف للترتيب. اجتباه أي اصطفاه: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب- في محل نصب مفعول به مقدم. ربه: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى:
  • الجملتان معطوفتان بواوي العطف على اِجْتَباهُ رَبُّهُ» وتعربان إعرابها. وفاعل «تاب» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الرب سبحانه. عليه: جار ومجرور متعلق بتاب وفاعل «هدى» ضمير مستتر جوازا تقديره هو أي ربه سبحانه. وعلامة بناء الفعل في «تاب» الفتحة الظاهرة بمعنى: تاب عليه وهداه الى التمسك بأهداب العصمة. ومفعول «هدى» محذوف لتقدم ما يدل عليه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [122] لما قبلها :     وبعد أن أكلَ آدمُ عليه السلام من الشجرةِ؛ ندمَ على ما فعل هو وزوجُه؛ فاصطفاه اللهُ وقَبِلَ توبتَه، وهداهُ الى الثباتِ عليها، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [123] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ ..

التفسير :

[123] قال الله تعالى لآدم وحواء:اهبطا من الجنة إلى الأرض جميعاً مع إبليس، فأنتما وهو أعداء، فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا، ويهتدي، ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله.

يخبر تعالى، أنه أمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى الأرض، وأن يتخذوا [آدم وبنوه]الشيطان عدوا لهم، فيأخذوا الحذر منه، ويعدوا له عدته ويحاربوه، وأنه سينزل عليهم كتبا، ويرسل إليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة إليه وإلى جنته، ويحذرونهم من هذا العدو المبين، وأنهم أي:وقت جاءهم ذلك الهدى، الذي هو الكتب والرسل، فإن من اتبعه اتبع ما أمر به، واجتنب ما نهي عنه، فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يشقى فيهما، بل قد هدي إلى صراط مستقيم، في الدنيا والآخرة، وله السعادة والأمن في الآخرة.

وقد نفى عنه الخوف والحزن في آية أخرى، بقوله:{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} واتباع الهدى، بتصديق الخبر، وعدم معارضته بالشبه، وامتثال الأمر بأن لا يعارضه بشهوة.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات ببيان ما آل إليه أمر آدم فقال- تعالى- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً....

أى: انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، فألف الاثنين هنا تعود إلى آدم وحواء.

أما الآيات الأخرى التي جاءت بضمير الجمع، والتي منها قوله- تعالى-: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ... .

فالضمير فيها يعود إلى آدم وزوجته وذريتهما.

وقوله: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أى: بعض ذريتكما لبعض عدو، بسبب التخاصم والتنازع والتدافع على حطام هذه الدنيا.

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً يا بنى آدم عن طريق إرسال الرسل وإنزال الكتب فعليكم أن تتبعوا رسلي، وتعملوا بما اشتملت عليه كتبي.

فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ بأن آمن برسلي وصدق بكتبي.

فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى لا في الدنيا ولا في الآخرة، بسبب استمساكه بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

وشبيه هذه الآية قوله- تعالى-: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .

وبعد أن بين- سبحانه- حسن عاقبة من اتبع هداه، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة من أعرض عن ذكره وطاعته فقال- تعالى-:

يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس : اهبطوا منها جميعا ، أي : من الجنة كلكم . وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة " .

( بعضكم لبعض عدو ) قال : آدم وذريته ، وإبليس وذريته .

وقوله : ( فإما يأتينكم مني هدى ) قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان .

( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)

يقول تعالى ذكره: قال الله تعالى لآدم وحوّاء ( اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا إِلَى الأرْضِ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) يقول: أنتما عدوّ إبليس وذرّيته، وإبليس عدوّكما وعدوّ ذرّيتكما.

وقوله ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ) يقول: فإن يأتكم يا آدم وحواء وإبليس مني هدى: يقول: بيان لسبيلي، وما أختاره لخلقي من دين ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ) يقول: فمن اتبع بياني ذلك وعمل به، ولم يزغ منه ( فَلا يَضِلُّ ) يقول: فلا يزول عن محجة الحق، ولكنه يرشد في الدنيا ويهتدي (ولا يَشْقَى) في الآخرة بعقاب الله، لأن الله يدخله الجنة، وينجيه من عذابه.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ).

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا حكام الرازيّ، عن أيوب بن موسى، عن مرو ثنا الملائي عن ابن عباس أنه قال: إن الله قد ضمن.... فذكر نحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن يسار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، عن رجل عن ابن عباس، بنحوه.

حدثنا عليّ بن سهل الرملي، قال: ثنا أحمد بن محمد النسائي، عن أبي سلمة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، قال: قال ابن عباس: من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة، ووقاه، أظنه أنه قال: من هول يوم القيامة، وذلك أنه قال ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) في الآخرة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[123] ﴿قال فاهبط منها﴾ [الأعراف: 113]، ﴿قال اهبطا منها جميعاً﴾ كل هذا الهبوط بسبب المعاصي والذنوب، وهكذا المعاصي تودي بصاحبها، وتنزل من قدره، فكتب الله على صاحب المعصية الذل والهوان والصغار ﴿ومن يهن الله فما له من مكرم﴾ [الحج: 18].
وقفة
[123] من اتبع هداه المنزل، فإنه لا يضل كما ضلّ الضالون ولا يَشقَى كما شَقِيَ المغضوبُ عليهم، كما قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ من أعرض عن القرآن كبرًا قصمه الله، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ هُدى الله هو طوق النجاة من الظلال والشقاء.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ من تمسّك بالقرآن تلاوةً وتدبّرًا وعملًا؛ فليُبشر بالهداية ولْينعَم بالسّعادة، هذا وعد من الله.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ الطريق عندما يكون مستقيمًا قناديله تضيء معالمه؛ فإن سلوكه راحة للنفس وأمان، عكس الطريق المتعرج المعتم.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ فإن المعرض عن القرآن: إما أن يعرض عنه كبرًا، فجزاؤه أن يقصمه الله، أو طلبًا للهدى من غيره، فجزاؤه أن يضله الله، وشاهده حديث علي t: «من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله».
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ من اتبع هدى الله فهو في نجوة من الضلال والشقاء في الأرض, وفي ذلك عوض عن الفردوس المفقود, حتى يئوب إليه في اليوم الموعود.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾، ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ [2]، السعادة مع الله، فالشريعة سهلة توصل للسعادة والفلاح.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ وعدٌ عظيم.
وقفة
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ على قدر حظك من الهداية؛ يكون حظك من السعادة.
عمل
[123] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ أبشر بالهداية والسعادة مع القرآن.
وقفة
[123] قال ابنُ عباسٍ: «تكفّلَ اللهُ لمن قرأَ القرآنَ وعمل بما فيه؛ أن لا يضلَّ في الدُّنيا، ولا يَشقى في الآخرةِ»، ثم قرأ هذه الآيةَ: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[123] تأملت قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ فوجدته على الحقيقة أن كل من اتبع القرآن والسنّة وعمل بما فيهما، فقد سلم من الضلال بلا شك، وارتفع في حقه شقاء الآخرة بلا شك إذا مات على ذلك، وكذلك شقاء الدنيا فلا يشقى أصلًا، ويبين هذا قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
وقفة
[123] السعادة عمارة القلب بالقرآن، فهو حياة ونور وشفاء لما في الصدور، وصاحبه لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[123] السعادة والهداية قرينتان كلما زادت الهداية زادت السعادة، وكل سعادة بلا هداية فوقتية لا تدوم ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[123] الذي يتبع هدىٰ الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يخشى مما هو آت ولا يندم على ما فات! ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[123] الشقاء لا يكون بفقد الدنيا ونقصها؛ وإنما بفقد الإنسان للدين وتقصيره فيه ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾.
وقفة
[123، 124] الحياة مع القرآن سبب لسعادة الدنيا والآخرة، والإعراض عنه سبب لشقاوة الدنيا والآخرة ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[123، 124] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ ملخص السعادة.
وقفة
[123، 124] هما اختيارين من الله عز وجل الأول: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾، الثاني: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة أي انزلا. والألف ضمير متصل ضمير الاثنين مبني على السكون في محل رفع فاعل. منها: جار ومجرور متعلق باهبطا. أي من الجنة الى الأرض جميعا توكيد معنوي لضمير المثنى بمعنى «كلاكما» ويجوز أن تكون حالا من الضمير المذكور منصوبا بالفتحة بمعنى: غير متفرقين.
  • ﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. الكاف ضمير المخاطبين مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. لبعض: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ. عدو: خبر «بعضكم» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ:
  • الفاء استئنافية. إما أصلها: إن: حرف شرط‍ جازم و «ما» زائدة. يأتينكم: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة فعل الشرط‍ في محل جزم بإن الكاف ضمير المخاطبين في محل نصب مفعول به مقدم. والميم علامة جمع الذكور والجملة التالية من الشرط‍ وجوابه في محل جزم بان لأنه جواب الشرط‍ ويجوز أن يكون الجواب محذوفا تقديره فاتبعوه.
  • ﴿ مِنِّي هُدىً:
  • جار ومجرور متعلق بيأتي. هدى: بمعنى «كتاب» أو «رسول» فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ:
  • لفاء: استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين في محل رفع مبتدأ. اتبع: فعل ماض فعل الشرط‍ مبني على الفتح في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ هُدايَ فَلا:
  • مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين. الفاء:واقعة في جواب الشرط‍.لا: أداة نفي لا عمل لها.
  • ﴿ يَضِلُّ وَلا:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية فلا يضل جواب شرط‍ جازم جملة فعلية مسبوقة بنفي مقترنة بالفاء في محل جزم والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «من» ولا: الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي.
  • ﴿ يَشْقى:
  • معطوفة على «يضل» وتعرب إعرابها. وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الألف للتعذر والجملة الفعلية اِتَّبَعَ هُدايَ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.'

المتشابهات :

البقرة: 36﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
الأعراف: 24﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
طه: 123﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [123] لما قبلها :     وبعد ما حدث بين آدم عليه السلام وحواء مع إبليس؛ أمرَ اللهُ الجميعَ بالنزولِ إلى الأرضِ، ثم بَيَّنَ حال من اتبع هداه، قال تعالى:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [124] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ ..

التفسير :

[124] ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة -وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} أي:كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه، أو ما هو أعظم من ذلك، بأن يكون على وجه الإنكار له، والكفر به{ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أي:فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذابا.

وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، وأنه يضيق عليه قبره، ويحصر فيه ويعذب، جزاء لإعراضه عن ذكر ربه، وهذه إحدى الآيات الدالة على عذاب القبر. والثانية قوله تعالى:{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} الآية. والثالثة قوله:{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} والرابعة قوله عن آل فرعون:{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية.

والذي أوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف، وقصرها على ذلك -والله أعلم- آخر الآية، وأن الله ذكر في آخرها عذاب يوم القيامة. وبعض المفسرين، يرى أن المعيشة الضنك، عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذاب معجل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقييدها.{ وَنَحْشُرُهُ} أي:هذا المعرض عن ذكر ربه{ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} البصر على الصحيح، كما قال تعالى:{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}

وقوله: ضَنْكاً أى: شديدة الضيق. وكل شيء ضاق فهو ضنك.

وهو مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع يقال: ضنك- ككرم- عيش فلان ضنكا وضناكة إذا ضاق.

والمعنى إن من اتبع هداي الذي جاءت به رسلي فلن يضل ولن يشقى، أما من أعرض عن ذِكْرِي أى: عن هداي الذي جاءت به رسلي، واشتملت عليه كتبي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً.

أى: فإن لهذا المعرض معيشة ضيقة مليئة بالهم والغم والأحزان وسوء العاقبة، حتى ولو ملك المال الوفير، والحطام الكثير.. فإن المعيشة الطيبة لا تكون إلا مع طاعة الله، وامتثال أمره، واجتناب نهيه ...

قال- تعالى-: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً.

قال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى-: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أى: في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى. فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة ...

وقال سفيان بن عيينة، عن أبى حازم، عن أبى سلمه، عن أبى سعيد في قوله مَعِيشَةً ضَنْكاً قال: يضيق عليه قبره. حتى تختلف أضلاعه .

والمراد بالعمى في قوله- سبحانه-: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى: عمى البصر، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً.

وقوله- سبحانه- في آية أخرى: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا .

وقيل: المراد بالعمى: هنا أنه لا حجة له يدافع بها عن نفسه، وقيل: المراد به: العمى عن كل شيء سوى جهنم.

والذي يبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الحق، لأنه هو الظاهر من الآية الكريمة، ولا قرينة تمنع من إرادة هذا الظاهر.

ويجمع بين هذه الآية وما يشبهها وبين الآيات الأخرى التي تدل على أن الكفار يبصرون ويسمعون ويتكلمون يوم القيامة، والتي منها قوله- تعالى-: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا ...

أقول: يجمع بين هذه الآية وما يشبهها، وبين الآيات الأخرى بوجوه منها: أن عماهم وصممهم في أول حشرهم، ثم يرد الله- تعالى- عليهم بعد ذلك أبصارهم وسمعهم، فيرون النار، ويسمعون ما يحزنهم.

قال الجمل: قوله: أَعْمى حال من الهاء في نحشره، والمراد عمى البصر وذلك في المحشر، فإذا دخل النار زال عنه عماه ليرى محله وحاله، فهو أعمى في حال وبصير في حال أخرى .

ومنها: تنزيل سمعهم وبصرهم وكلامهم منزلة العدم لعدم انتفاعهم بذلك فقد قال- تعالى- في شأن المنافقين: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ بتنزيل سماعهم وكلامهم وإبصارهم منزلة العدم، حيث إنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس.

( ومن أعرض عن ذكري ) أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه ( فإن له معيشة ضنكا ) أي : في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره [ ضيق ] حرج لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد . فهذا من ضنك المعيشة .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فإن له معيشة ضنكا ) قال : الشقاء .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( فإن له معيشة ضنكا ) قال : كل مال أعطيته عبدا من عبادي ، قل أو كثر ، لا يتقيني فيه ، فلا خير فيه ، وهو الضنك في المعيشة . ويقال : إن قوما ضلالا أعرضوا عن الحق ، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين ، فكانت معيشتهم ضنكا; [ و ] ذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفا لهم معايشهم ، من سوء ظنهم بالله والتكذيب ، فإذا كان العبد يكذب بالله ، ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته ، فذلك الضنك .

وقال الضحاك : هو العمل السيئ ، والرزق الخبيث ، وكذا قال عكرمة ، ومالك بن دينار .

وقال سفيان بن عيينة ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد في قوله : ( معيشة ضنكا ) قال : يضيق عليه قبره ، حتى تختلف أضلاعه فيه . قال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : ( فإن له معيشة ضنكا ) قال : " ضمة القبر " الموقوف أصح .

وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح ، عن ابن حجيرة - اسمه عبد الرحمن - عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المؤمن في قبره في روضة خضراء ، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر ، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية : ( فإن له معيشة ضنكا ) ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده ، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا ، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية ، لكل حية سبعة رؤوس ، ينفخون في جسمه ، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون " . .

رفعه منكر جدا .

وقال البزار : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد ، عن سعيد بن أبي هلال ، [ عن أبي حجيرة ] عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : ( فإن له معيشة ضنكا ) قال : " المعيشة الضنك الذي قال الله تعالى : أنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة " .

وقال أيضا : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن له معيشة ضنكا ) قال : " عذاب القبر " . إسناد جيد .

وقوله : ( ونحشره يوم القيامة أعمى ) قال مجاهد ، وأبو صالح ، والسدي : لا حجة له .

وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم .

ويحتمل أن يكون المراد : أنه يحشر أو يبعث إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا ، كما قال تعالى : ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء :

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)

يقول تعالى ذكره ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ) الذي أذكره به فتولى عنه ولم يقبله ولم يستجب له، ولم يتعظ به فينـزجر عما هو عليه مقيم من خلافه أمر ربه ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) يقول: فإن له معيشة ضيقة، والضنك من المنازل والأماكن والمعايش: الشديد، يقال: هذا منـزل ضنك: إذا كان ضيقا، وعيش ضنك: الذكر والأنثى والواحد والاثنان والجمع بلفظ واحد; ومنه قول عنترة:

وإنْ نـزلُوا بضَنْك أنـزل (2)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) يقول: الشقاء.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (ضَنْكا) قال: ضيقة.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قَتادة، في قوله ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: الضنك: الضيق.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) يقول: ضيقة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.

واختلف أهل التأويل في الموضع الذي جعل الله لهؤلاء المعرضين عن ذكره العيشة الضنك، والحال التي جعلهم فيها، فقال بعضهم: جعل ذلك لهم في الآخرة في جهنم، وذلك أنهم جعل طعامهم فيها الضريع والزقوم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو بن عليّ بن مقدم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن، في قوله: ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: في جهنم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) فقرأ حتى بلغ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ قال: هؤلاء أهل الكفر، قال: ومعيشة ضنكا في النار شوك من نار وزقوم وغسلين، والضريع: شوك من نار، وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة، ما المعيشة والحياة إلا في الآخرة، وقرأ قول الله عزّ وجلّ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي قال: لمعيشتي ، قال: والغسلين والزقوم: شيء لا يعرفه أهل الدنيا.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: في النار.

وقال آخرون: بل عنى بذلك: فإن له معيشة في الدنيا حراما قال: ووصف الله جلّ وعزّ معيشتهم بالضنك، لأن الحرام وإن اتسع فهو ضنك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة في قوله: ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: هي المعيشة التي أوسع الله عليه من الحرام.

حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب من أهل البصرة، قال: ثنا عمرو بن جرير البجلي، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم في قول الله ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: رزقا في معصيته.

حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا أبو بسطام، عن الضحاك ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: الكسب الخبيث.

حدثني محمد بن إسماعيل الصراري، قال: ثنا محمد بن سوار، قال: ثنا أبو اليقظان عمار بن محمد، عن هارون بن محمد التيمي، عن الضحاك، في قوله ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: العمل الخبيث، والرزق السيئ.

وقال آخرون ممن قال عنى أن لهؤلاء القوم المعيشة الضنك في الدنيا، إنما قيل لها ضنك وإن كانت واسعة، لأنهم ينفقون ما ينفقون من أموالهم على تكذيب منهم بالخلف من الله، وإياس من فضل الله، وسوء ظنّ منهم بربهم، فتشتدّ لذلك عليهم معيشتهم وتضيق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) يقول: كلّ مال أعطيته عبدا من عبادي قلّ أو كثر، لا يتقيني فيه، لا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة. ويقال: إن قوما ضُلالا أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين، فكانت معيشتهم ضنكا، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله عزّ وجل ليس بمخلف لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله، والتكذيب به، فإذا كان العبد يكذّب بالله، ويسيء الظنّ به، اشتدّت عليه معيشته، فذلك الضنك.

وقال آخرون: بل عنى بذلك: أن ذلك لهم في البرزخ، وهو عذاب القبر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يزيد بن مخلد الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي حازم عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدريّ، قال في قول الله ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: عذاب القبر.

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي حازم، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخُدري، قال: إن المعيشة الضنك، التي قال الله: عذاب القبر.

حدثني حوثرة بن محمد المنقري، قال: ثنا سفيان، عن أبي حازم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخُدريّ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، قال: ثنا خالد بن زيد، عن ابن أبي هلال، عن أبي حازم، عن أبي سعيد، أنه كان يقول: المعيشة الضنك: عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتخدش لحمه حتى يُبعث، وكان يقال: لو أن تنينا منها نفخ الأرض لم تنبت زرعا.

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: يطبق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهي المعيشة الضنك التي قال الله ( مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ).

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح والسديّ، في قوله ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: عذاب القبر.

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: عذاب القبر.

حدثني عبد الرحمن بن الأسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثنا أبو عُمَيس، عن عبد الله بن مخارق عن أبيه، عن عبد الله، في قوله ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: عذاب القبر.

حدثني عبد الرحيم البرقيّ، قال: ثنا ابن أبي مَريم، قال: ثنا محمد بن جعفر وابن أبي حازم، قالا ثنا أبو حازم، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدريّ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: عذاب القبر.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هو عذاب القبر الذي حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن ابن حُجَيرة عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتَدْرُونَ فِيمَ أُنـزلتْ هَذِهِ الآيَة ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) أتَدْرُونَ مَا المعيشَةُ الضَّنْكُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: عَذَابُ الكافرِ فِي قَبْرِهِ، والَّذِي نَفْسِي بَيَدِهِ أنَّه لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينا، أتَدْرُونَ ما التِّنِينُ: تسْعَةٌ وَتسْعُونَ حَيَّه، لكلّ حَيَّه سَبْعَةُ رُءُوسٍ، يَنْفُخُونَ فِي جِسْمِهِ وَيَلْسَعُونَهُ وَيخْدِشُونَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ".

وإن الله تبارك وتعالى اتبع ذلك بقوله: وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى فكان معلوما بذلك أن المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة، لأن ذلك لو كان في الآخرة لم يكن لقوله: وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى معنى مفهوم، لأن ذلك إن لم يكن تقدّمه عذاب لهم قبل الآخرة، حتى يكون الذي في الآخرة أشدّ منه، بطل معنى قوله وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ، فإذ كان ذلك كذلك، فلا تخلو تلك المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم من أن تكون لهم في حياتهم الدنيا، أو في قبورهم قبل البعث، إذ كان لا وجه لأن تكون في الآخرة لما قد بيَّنا، فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا، فقد يجب أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر الله من الكفار، فإن معيشته فيها ضنك، وفي وجودنا كثيرا منهم أوسع معيشة من كثير من المقبلين على ذكر الله تبارك وتعالى، القائلين له المؤمنين في ذلك، ما يدلّ على أن ذلك ليس كذلك، وإذ خلا القول في ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث، وهو أن ذلك في البرزخ.

وقوله ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) اختلف أهل التأويل في صفة العمى الذي ذكر الله في هذه الآية، أنه يبعث هؤلاء الكفار يوم القيامة به، فقال بعضهم: ذلك عمى عن الحجة، لا عمى عن البصر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) قال: ليس له حجة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) قال: عن الحجة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله، وقيل: يحشر أعمى البصر.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قال الله تعالى ذكره، وهو أنه يحشر أعمى عن الحجة ورؤية الشيء كما أخبر جلّ ثناؤه، فعمّ ولم يخصص.

---------------

الهوامش:

(2) هذا جزء من عجز بيت لعنترة بن عمرو بن شداد العبسي ( مختار الشعر الجاهلي طبعة الحلبي ، شرح مصطفى السقا ، ص 388 ) والبيت بتمامه هو :

إنْ يُلْحَــقُوا أكْــرُرْ وإنْ يُسْـتَلْحَمُوا

أشْــدُدْ وإنْ يُلْفَــوا بضَنْـكٍ أنْـزِل

وفي ( اللسان : ضنك ) : الضنك : الضيق من كل شيء ، الذكر والأنثى فيه سواء . ومعيشة ضنك : ضيقة . وفي التزيل : ( فإن له معيشة ضنكا) أي غير حلال .

التدبر :

وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ أي: كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية وأن يتركه على وجه الإعراض عنه أو ما هو أعظم من ذلك٠
وقفة
[124] ومن الناس من تعلَّم القرآن لكنه أهمل تلاوته، وهذا هجران للقرآن وحرمان للنفس من أجر عظيم، وسبب لنسيانه، وقد يدخل في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان خسارة كبيرة، وسبب لتسلط الشيطان على العبد، وسبب لقسوة القلب.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق، وحيرة، وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ من يقبل على ذكر الله يعيش في سعادة وهناء، ومن أعرض عنه يعيش في (ضنك).
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ ذكر الله ومعرفته يورثك الهدوء النفسي، وأن أقدار الله وإن كانت صعبة فإن خلفها حكمة، فكم يريحك هذا.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ لا يعرض أحدٌ عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه، وكان في عيشة ضنك.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ اذكر الله لتنجو من القلق والاضطرابوالهم، والحزن، وضيق الصدر، بذكر الله تحلو الحياة، وبذكر الله تأمن وتسعد، وبذكر الله يهدأ خاطرك، ويطمئن قلبك.
اسقاط
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ إذا أصَابكَ الحزن والضِّيق والهمومُ الدَّائمَة؛ فتأمل هذه الآية، وقُم بِمُراجعةِ حِساباتكَ وتقصيرِك مع اللهِ عز وجل.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ تشمل الكافر؛ فله منها حق الوعيد وتشمل المؤمن مرتكب الكبيرة؛ فله نصيبمن ضنك العيش بقدر إعراضه.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ وبقدر الاعراض تكون القسمة كلًا بكل، وجزءًا بجزء وبقدر الاقبال تكون السعادة والطمأنينة.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ من أعرض عن الوحي وذكر الله، فإن له معيشة ضنكا، ولو حضر ألف دورةٍ لتطوير ذاته.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ يقول طبيب نفسي: «زارني في العيادة جميع فئات المجتمع؛ ما عدا أهل القرآن».
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ الضنك كلمة ثقيلة على اللسان؛ فكيفَ إذا عاشها الإنسان.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ مع الضنك ارجع إلى الذكر.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ المعيشة الضنك في دار الدنيا، وفي دار البَرْزَخ، وفي الدار الآخرة لأهل الكفر والضلال.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ أي حياةً في ضيقٍ وشدَّة، فإِن قلتَ: نحنُ نرى المعرضين عن الِإيمان، في أخصب عيشة؟! قلتُ: قال ابن عباس المراد بالعيشة الضَّنْكِ: الحياة في المعصية، وإن كان في رخاءٍ ونعمة، ورُوي أنها: عذابُ القبر، أو المرادُ بها: عيشة في جهنم.
وقفة
[124] ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾ إن أحسست بمعاناة وضيق فى حياتك الدنيا، ولا تنتهى مشاكلك؛ فاعلم أنه بسبب قلة ذكرك وعبادتك والتزامك.
وقفة
[124] المرأة الإسفنجية: امرأة قلقة مضطربة؛ أرهقها الجري بعيدة عن الخشوع في الصلاة والتذلل لله، محرومة من السعادة الحقة، ترى وهم السعادة في دنيا زائفة، أعرضت عن ذكر الله، وأضاعت أوامره، فهي كئيبة حزينة، تضحك والحزن يقطع كبدها، تفرح وغيوم البؤس تحوم حول عينها، تبحث عن ابتسامة زائقة وكلمة تُلقى على قارعة الطريق، إنها تبحث عن السعادة والحياة الطيبة؛ لكنها ضلت الطريق: ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] نشرت الصحف اليوم تقريرًا حديثًا يفيد عن وجود حالة انتحار كل 40 ثانية! وأهل القرآن لا يحتارون في تفسير مثل هذه الظاهرة، فقد أيقنوا بقول ربهم: ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾ ، وتدبروا قول من أسباب السعادة كلها بيده: ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125].
وقفة
[124] سورة طه مفتاح السعادة والانشراح؛ بدأت بـ: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ [2]، واختتمت بـ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] بذكره يطمئن القلب ويصلح ويرق وبضد ذلك تستحكم الغفلة ويزداد الشقاء والضيق ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد: 28]، ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾ .
وقفة
[124] القرآن من أظهر أسباب السعادة: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ [1، 2]، وتركه من أعظم أسباب الشقاء: ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾ .
وقفة
[124] دعك منهم، لا يوجد طاقة سلبية وطاقة إيجابية، يوجد قلوب عامرة وقلوب خربة، قلوب أقلبت على الله فاطمأنت: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد: 28]، وقلوب أدبرت عنه فجعل صدور أصحابها ضيقة حرجة: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، والله ما تسعدك الحدائق ما لم تكن حديقتك بصدرك.
وقفة
[124] سعة الرزق لا يلزم منها طيب العيش، فمن فقد الإيمان ضاق عيشه ولو اتسع رزقه ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] الشقاء ثمرة الضلال، ولو كان صاحبه غارقًا في متاع الدنيا بأسرها، لذلك قال الله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] سورة طه أولها: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ [2]، وآخرها ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾؛ إن لم تتنعم بالأولى أصابتك الثانية.
وقفة
[124] واقعيًا انقطاعك عن الصلاة يعني أنك ستحرم من الراحة النفسيه في هذه الدنيا ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] ‏الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان ومن رصيد اليقين، فهم أبدًا في تعاسة وغضب ومهانة وذلة ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] المعصية تجلب كل هم وغم وضيق وحزن وحياةٍ نكدةٍ ومعيشةٍ ضنك ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] إذا شعرت بالاكتئاب والضيق والضنك في العيش؛ فراجع علاقتك بالقرآن والذكر ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] أعظم مصادر القلق في الحياة هو الإعراض عن ذكر الله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، وأعلى الذكر أن يكون القلب حيًا مع الله.
وقفة
[124] من آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها الضيق والهم والحزن والغم والأسى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] مهما انتهلت من غذاء الجسد ومتعته؛ فلن تصل للسعادة‍ والراحة وأنت في غفلة عن ذكر الله ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
وقفة
[124] ما الضابط في فهم هاتين الآيتين: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ و﴿نمتعهم قليلا﴾ [لقمان: 24]، هل هم في متاع أم معيشة ضنكًا؟ الجواب: المعيشة الضنك هي الضيق والقلق النفسي المستمر الذي يشعر به المعرض عن ذكر الله، مهما تيسر له من متاع الدنيا.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ قال الحسن: «إن العبد ليعمل الذنب فما يزال به كئيبًا».
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ إذا كان هذا لمن أعرض، فكيف بمن يحول بين الناس وذكر ربهم؟
تفاعل
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[124] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ بقدر بعدك عن الله يكون الضنك والهم والجزاء من جنس العمل.
وقفة
[124] الأشقياء هم المفلسون من معاني الإيمان ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾.
وقفة
[124] ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾، وقال تعالى: ﴿اقرأ كتابك﴾ [الإسراء: 14]، وقال: ﴿ورأى المجرمون النار﴾ [الكهف: 53]، فكيف نجمع بينها؟ الجواب: أن القيامة مواطن: ففى بعضها يكون عمى، وفى بعضها إبصارًا، ويختلف ذلك باختلاف أهل الحشر فيه، والله أعلم.
وقفة
[124] ﴿وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾ زحام شديد وعمى البصر اجتمعا معًا ليصورا مشهدًا مريعًا، يا رب سلم.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي:
  • معطوفة بالواو على «من اتبع» الواردة في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. عن ذكري: جار ومجرور متعلق بأعرض والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أي ومن أعرض عن ذلك الهدى الداعي الى ذكري.
  • ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍.ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. له: جار ومجرور متعلق بخبر «إنّ» المقدم. معيشة: اسم «إن» منصوب بالفتحة. ضنكا: صفة-نعت-لمعيشة منصوب مثلها بالفتحة. و«ضنكا» مصدر يستوي في الوصف المذكر والمؤنث بمعنى: فإنّ له معيشة ضيقة.
  • ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ:
  • الواو استئنافية. نحشره: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والهاء ضمير الغائب مبني على الضم في محل نصب مفعول به. يوم: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بنحشره.
  • ﴿ الْقِيامَةِ أَعْمى:
  • مضاف اليه مجرور بالكسرة. أعمى: حال منصوب بالفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.'

المتشابهات :

طه: 100﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا
طه: 124﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [124] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز و جل حسنَ عاقبة من اتبع هداه؛ بَيَّنَ هنا سوءَ عاقبة من أعرض عن ذكره وطاعته، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ضنكا:
1- بالفتح والتنوين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ضنكى، بألف التأنيث ولا تنوين وبالإمالة، صفة على «فعلى» من الضنك، وهى قراءة الحسن.
ونحشره:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنون وجزم الراء على التخفيف، أو العطف على موضع «فإن له» ، لأنه جواب الشرط، وهى قراءة فرقة، منهم: أبان بن تغلب.
3- ويحشره، بالياء، وهى قراءة فرقة.
4- ويحشره، بالهاء ساكنة، على لفظ الوقف، وهى قراءة.

مدارسة الآية : [125] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى ..

التفسير :

[125] قال المعرِض عن ذكر الله:ربِّ لِمَ حَشَرْتني أعمى، وقد كنت بصيراً في الدنيا؟

قال على وجه الذل والمراجعة والتألم والضجر من هذه الحالة:{ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ} في دار الدنيا{ بَصِيرًا} فما الذي صيرني إلى هذه الحالة البشعة.

وقوله- سبحانه-: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً استئناف مسوق لبيان ما يقوله ذلك المعرض عن طاعة الله يوم القيامة.

أى: قال ذلك الكافر الذي حشره الله- تعالى- يوم القيامة أعمى: يا رب لماذا حشرتني على هذه الحال مع أنى كنت في الدنيا بصيرا؟.

ولهذا يقول "رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا" أي في الدنيا.

وقوله ( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم في ذلك، ما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرزاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى ) لا حجة لي.

وقوله ( وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وقد كنت بصيرا بحجتي.

ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد ( وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) قال: عالما بحجتي.

وقال آخرون. بل معناه: وقد كنت ذا بصر أبصر به الأشياء.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) في الدنيا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) قال: كان بعيد البصر، قصير النظر، أعمى عن الحقّ.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الله عزّ شأنه وجلّ ثناؤه، عمّ بالخبر عنه بوصفه نفسه بالبصر، ولم يخصص منه معنى دون معنى، فذلك على ما عمه ، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الآية، قال: ربّ لم حشرتني أعمى عن حجتي ورؤية الأشياء، وقد كنت في الدنيا ذا بصر بذلك كله.

فإن قال قائل: وكيف قال هذا لربه ( لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى ) مع معاينته عظيم سلطانه، أجهل في ذلك الموقف أن يكون لله أن يفعل به ما شاء، أم ما وجه ذلك؟ قيل: إن ذلك منه مسألة لربه يعرّفه الجرم الذي استحق به ذلك، إذ كان قد جهله، وظنّ أن لا جرم له، استحق ذلك به منه، فقال: ربّ لأيّ ذنب ولأيّ جرم حشرتني أعمى، وقد كنت من قبل في الدنيا بصيرا وأنت لا تعاقب أحدا إلا بدون ما يستحق منك من العقاب.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[125] ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ من عاش على حالة لقى الله بها، فمن كان في الدنيا أعمى القلب حُشِرَ يوم القيامة أعمى البصر.
لمسة
[125] ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ كيف الجمع بين هذه الآية وبين آيات أخرى تدل على أن الكفار يبصرون ويسمعون، ومنها قوله: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: 38]؟ والجواب: عماهم وصممهم في وقت، وبصرهم وسمعهم في وقت آخر، قال الجمل: «والمراد عمى البصر، وذلك في المحشر، فإذا دخل النار زال عنه عماه ليرى محله وحاله، فهو أعمى في حال، وبصير في حال أخرى».

الإعراب :

  • ﴿ قالَ رَبِّ لِمَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ربّ: منادى بأداة نداء محذوفة بتقدير يا ربّ. وهو مضاف منصوب للتعظيم بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اختصارا منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والكسرة دالة على الياء المحذوفة، هي ضمير متصل في محل جر بالاضافة. لم: اللام حرف جر. و«ما» اسم استفهام مبني على السكون في محل جر باللام. وقد سقطت ألف «ما» الاستفهامية لأنها جرت بحرف جر.
  • ﴿ حَشَرْتَنِي أَعْمى:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل رفع فاعل. النون نون الوقاية لا محل لها. لأنها تقي الفعل من الكسر والياء ضمير المتكلم في محل نصب مفعول به. أعمى: حال منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً:
  • الواو حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. قد:حرف تحقيق. كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير المتكلم في محل رفع اسم «كان».بصيرا:خبرها منصوب بالفتحة أي في الدنيا.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [125] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز و جل أنه سيحشر المعرضَ عن ذكره وطاعته أعمى؛ سألَ المعرضُ ربَّه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى، وقد كان في الدنيا بصيرًا، قال تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف