1521213141516171819202122

الإحصائيات

سورة الأعراف
ترتيب المصحف7ترتيب النزول39
التصنيفمكيّةعدد الصفحات26.00
عدد الآيات206عدد الأجزاء1.25
عدد الأحزاب2.50عدد الأرباع10.00
ترتيب الطول4تبدأ في الجزء8
تنتهي في الجزء9عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 3/29آلمص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (12) الى الآية رقم (18) عدد الآيات (7)

ما منَعَ إبليسَ مِنَ السجودِ لآدمَ إلا الكبرُ، فطُرِدَ من الجنَّةِ، ثُمَّ طَلبَ من اللهِ البقاءَ إلى يومِ القيامةِ، وبَيَّنَ طُرِقَه في إغواءِ بني آدمَ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (19) الى الآية رقم (22) عدد الآيات (4)

أسكنَ اللهُ آدمَ وزوجَه حوَّاءَ الجنَّةَ، فوسوسَ لهما الشيطانُ حتى أكلا من الشجرةِ التي نهاهُمَا اللهُ عنها، فانكشَفَتْ عَوْرَاتُهما فجَعلا يَشُدَّانِ عليهما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ ليستُرا عَوْرَاتِهما، وناداهُمَا اللهُ معاتبًا.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأعراف

الصراع بين الحق والباطل/ احسم موقفك ولا تكن سلبيًّا

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بدأت السورة ::   بالصراع بين آدم وإبليس، وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار. وكأنها تنادينا: هذه هي بداية الصراع، أو أول صراع: (آدم وإبليس)، وهذه هي النتيجة: (فريق في الجنة وفريق في النار).
  • • ثم عرضت السورة ::   الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائمًا هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم، ونجاة المؤمنين بسبب إيمانهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأعراف».
  • • معنى الاسم ::   الأعراف: جمع عُرْفٍ، وعُرْف الجبل ونحوه: أعلاه، ويطلق على السور ونحوه، وقيل لعرف الديك: عُرف، لارتفاعه على ما سواه من جسده، والأعراف: هو ‏السور ‏الذي ‏بين ‏الجنة ‏والنار يحول بين أهليهما. وأهل الأعراف: من تساوت حسناتهم وسيئاتهم يوم القيامة، إذ يوقفون على أعالي سور بين الجنة والنار، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته.
  • • سبب التسمية ::   لورود لفظ "‏الأعراف" ‏فيها، ولم يذكر في غيرها من السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة الميقات»، و«سورة الميثاق»، «أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ» (الطُّولَيَيْن: الأنعام والأعراف، فهما أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع دائم ومستمر بين الحق والباطل، من بداية خلق آدم إلى نهاية الخلق، مرورًا بنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وفي قصص هؤلاء الأنبياء ظهر لنا كيف أن الله ينجي أولياءه ويهلك أعداءه.
  • • علمتني السورة ::   وجوب اتباع الوحي، وحرمة اتباع ما يدعو إليه أصحاب الأهواء والمبتدعة: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الوزن يوم القيامة لأعمال العباد يكون بالعدل والقسط: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب اجتباه ربه وهداه‏، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، فإنه لن يزداد من اللّه إلا بعدًا‏.
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: «مَا لِى أَرَاكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ السُّوَرِ؟ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِأَطْوَلِ الطُّولَيَيْنِ»، قُلْتُ (القائل ابن أَبِي مُلَيْكَة): «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ؟»، قَالَ: «الأَعْرَافُ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ الأَعْرَافِ فِى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، فَرَّقَهَا فِى رَكْعَتَيْنِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأعراف من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أطول سورة مكية (وكما سبق فهي أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ (الأنعام والأعراف)، فهما أطول السور المكية).
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء: آدم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى.
    • بها أول سجدة تلاوة -بحسب ترتيب المصحف-، ويبلغ عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم 15 سجدة.
    • اشتملت على 4 نداءات متتالية لبني آدم من أصل 5 نداءات ذُكرت في القرآن الكريم، وهذه النداءات الأربعة ذُكرت في الآيات (26، 27، 31، 35)، وكلها بعد سرد قصة آدم في بداية السورة، والنداء الخامس ذُكِرَ في الآية (60) من سورة يس.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبذل قصارى جهدنا في دعوة النَّاس إلى الله كما فعل الأنبياء الكرام.
    • أن نحسم موقفنا من الصراع بين الحق والباطل، فأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم.
    • ألا يكون طموحنا أدني المنازل في الجنان؛ حتى لا نكن ممن سيقفون على الأعراف ينتظرون وغيرهم سبق وفاز، ولا نرضى في العبادة أدناها.
    • ألا نتحرج في تبليغ هذا الدين وأداء فرائضه فهو الدين الحق: ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (2).
    • ألا نتكبر على عباد الله؛ فالكبر سبب معصية إبليس: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (12).
    • أن نلبس الحسن من الثياب إذا ذهبنا إلى المساجد، ولا نسرف في الأكل والشرب: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (31).
    • أن نجتنب هذه الأمور التي حرمها الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (33).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا ومن حولنا بأهمية سلامة القلب، وأنه من صفات أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ (43).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا؛ فهي دار لهو ولعب: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ...﴾ (51).
    • أن نُذَكِّر بعض البائعين -بأسلوب طيب- بأهمية العدل في الميزان: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نجمع في الدنيا بين الخوف والرجاء: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (99).
    • أن نحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ فهي من العهد الذي بينك وبين الله: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ (102).
    • أن نضمّ أسماء أحبابِنا في الدُّعاء: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي﴾ (151).
    • أن نتذكر سنة كنا غافلين عنها من سنن النبي ﷺ، ونطبقها: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ (157).
    • ألا نتهاون في الأخذِ بنصيحةِ من يعظنا ويذكِّرنا بالله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ (165).
    • أن نطلب دومًا الثبات على الصراط المستقيم، ونتعوذ من نزغات الشياطين والكفر بعد الإيمان: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ...﴾ (175).
    • أن نسأل الله تعالى صلاح قلوبنا، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا في طاعته: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ (179).
    • أن نحذر من مكر الله فيما أنعم به علينا: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (182).
    • أن نتيقن ويستقر في قلوبنا أنه لن ينفعنا أو يضرنا أحد إلا بإذن الله: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ...﴾ (188).
    • أن نقابل وسوسة الشيطان بالاستعاذة بالله منه: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ...﴾ (200).
    • أن نستمع وننصت أثناء قراءة القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (204).
    • أن نداوم على أذكار الصباح والمساء، ونُذَكِّر بهـا غيرنا: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ ... وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ (205).

تمرين حفظ الصفحة : 152

152

مدارسة الآية : [12] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ..

التفسير :

[12] قال تعالى منكراً على إبليس تَرْكَ السجود:ما منعك ألَّا تسجد إذ أمرتك؟ فقال إبليس:أنا أفضل منه خلقاً؛ لأني مخلوق من نار، وهو مخلوق من طين. فرأى أن النار أشرف من الطين.

فوبخه اللّه على ذلك وقال:{ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} لما خلقت بيديَّ، أي:شرفته وفضلته بهذه الفضيلة، التي لم تكن لغيره، فعصيت أمري وتهاونت بي؟{ قَالَ} إبليس معارضا لربه:{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله:{ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وموجب هذا أن المخلوق من نار أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين وصعودها، وهذا القياس من أفسد الأقيسة، فإنه باطل من عدة أوجه:منها:أنه في مقابلة أمر اللّه له بالسجود، والقياس إذا عارض النص، فإنه قياس باطل، لأن المقصود بالقياس، أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص، يقارب الأمور المنصوص عليها، ويكون تابعا لها. فأما قياس يعارضها، ويلزم من اعتباره إلغاءُ النصوص، فهذا القياس من أشنع الأقيسة. ومنها:أن قوله:{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} بمجردها كافية لنقص إبليس الخبيث. فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه وتكبره، والقول على اللّه بلا علم. وأي نقص أعظم من هذا؟"ومنها:أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب، فإن مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة، ومنها تظهر بركات الأرض من الأشجار وأنواع النبات، على اختلاف أجناسه وأنواعه، وأما النار ففيها الخفة والطيش والإحراق. ولهذا لما جرى من إبليس ما جرى، انحط من مرتبته العالية إلى أسفل السافلين.

أى: قال الله- تعالى- لإبليس: ما ألزمك واضطرك إلى أن لا تسجد لآدم؟ فالمنع مجاز عن الإلجاء والاضطرار. أو ما حملك ودعاك إلى ألا تسجد؟ فالمنع مجاز عن الحمل. والاستفهام للتوبيخ والتقريع.

و (لا) في قوله: أَلَّا تَسْجُدَ مزيدة للتنبيه على أن الموبخ عليه ترك السجود. وتوكيد لمعنى الفعل الذي دخلت عليه وتحقيقه، كأنه قيل: ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك.

وقد حكى القرآن ما أجاب به إبليس فقال: قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ أى: قال إبليس أنا خير من آدم، لأنى مخلوق من عنصر النار الذي هو أشرف من عنصر الطين، والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه.

قال ابن كثير: «وقول إبليس- لعنه الله- أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ.. إلخ. من العذر الذي هو أكبر من الذنب، إذ بين بأنه خير من آدم لأنه خلق من النار وآدم خلق من الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله- تعالى- خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياسا فاسدا في مقابلة نص، وهو قوله- تعالى-: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ، فشذ من بين الملائكة لترك السجود فأبعده الله عن رحمته، وكان قياسه فاسدا لأن النار ليست أشرف من الطين، فإن الطين من شأنه الرزانة والأناة والتثبت، وهو محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة، ولهذا خان إبليس عنصره، ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله. وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .

وقد حكى القرآن ما رد الله به على إبليس بقوله:

قال بعض النحاة في توجيه قوله تعالى : ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) ( لا ) هاهنا زائدة .

وقال بعضهم : زيدت لتأكيد الجحد ، كقول الشاعر :

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

فأدخل " إن " وهي للنفي ، على " ما " النافية; لتأكيد النفي ، قالوا : وكذلك هاهنا : ( ما منعك ألا تسجد ) مع تقدم قوله : ( لم يكن من الساجدين ) .

حكاهما ابن جرير وردهما ، واختار أن " منعك " تضمن معنى فعل آخر تقديره : ما أحوجك وألزمك واضطرك ألا تسجد إذ أمرتك ، ونحو ذلك . وهذا القول قوي حسن ، والله أعلم .

وقول إبليس لعنه الله : ( أنا خير منه ) من العذر الذي هو أكبر من الذنب ، كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول ، يعني لعنه الله : وأنا خير منه ، فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بين أنه خير منه ، بأنه خلق من نار ، والنار أشرف مما خلقته منه ، وهو الطين ، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ، ولم ينظر إلى التشريف العظيم ، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وقاس قياسا فاسدا في مقابلة نص قوله تعالى : ( فقعوا له ساجدين ) فشذ من بين الملائكة بترك السجود; فلهذا أبلس من الرحمة ، أي : أيس من الرحمة ، فأخطأ قبحه الله في قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضا ، فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت ، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح . والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة; ولهذا خان إبليس عنصره ، ونفع آدم عنصره في الرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله ، والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة .

وفي صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " هكذا رواه مسلم .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل ، عن عبد الله بن مسعود ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله الملائكة من نور العرش ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " قلت لنعيم بن حماد : أين سمعت هذا من عبد الرزاق ؟ قال : باليمن وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح : " وخلقت الحور العين من الزعفران "

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن كثير ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن الحسن في قوله : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) قال : قاس إبليس ، وهو أول من قاس . إسناده صحيح .

وقال : حدثني عمرو بن مالك ، حدثني يحيى بن سليم الطائفي عن هشام ، عن ابن سيرين قال : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس إسناد صحيح أيضا .

القول في تأويل قوله : قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: =(ما منعك)، أيّ شيء منعك =(ألا تسجد)، أن تدع السجود لآدم =(إذ أمرتك)، أن تسجد =" قال أنا خير منه "، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم =" خلقتني من نار وخلقته من طين ".

* * *

فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس, ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود, فكيف قيل له: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ؟ وإن كان النكير على السجود, فذلك خلافُ ما جاء به التنـزيل في سائر القرآن, وخلاف ما يعرفه المسلمون!

قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له.

غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا, ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب .

فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و " لا " ها هنا زائدة, كما قال الشاعر: (1)

أبَـى جُـودُهُ لا البُخْـلَ, وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ

نَعَـمْ, مِـنْ فَتًـى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ (2)

وقال: فسرته العرب: " أبى جوده البخل ", وجعلوا " لا " زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر " البخل ", ويجعل " لا " مضافة إليه, أراد: أبى جوده " لا " التي هي للبخل, ويجعل " لا " مضافة, لأن " لا " قد تكون للجود والبخل, لأنه لو قال له: " امنع الحق ولا تعط المسكين " فقال: " لا " كان هذا جودًا منه.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله, غير أنه زعم أن العلة في دخول " لا " في قوله: (أن لا تسجد)، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ, كالاستيثاق والتوكيد له . قال: وذلك كقولهم: (3)

مَــا إنْ رَأَيْنَــا مِثْلَهُــنَّ لِمَعْشَـرٍ

سُــودِ الــرُّؤُوسِ, فَـوَالِجٌ وَفُيُـولُ (4)

فأعاد على الجحد الذي هو " ما " جحدًا, وهو قوله " إن "، فجمعهما للتوكيد.

* * *

وقال آخر منهم: ليست " لا "، بحشو في هذا الموضع ولا صلة, (5) ولكن " المنع " هاهنا بمعنى " القول "، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود = ولكن دخل في الكلام " أن "، إذ كان " المنع " بمعنى " القول "، لا في لفظه, كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول, وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم: " ناديت أن لا تقم ", و " حلفت أن لا تجلس ", وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض " البخل " من روى: " أبى جوده لا البخل "، (6) بمعنى: كلمة البخل, لأن " لا " هي كلمة البخل, فكأنه قال: كلمة البخل.

* * *

وقال بعضهم: معنى " المنع "، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه, كالممنوع من القيام وهو يريده, فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام, إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه, فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله . قال: فلما كانت صفة " المنع " ذلك, فخوطب إبليس بالمنع فقيل له: (ما منعك ألا تسجد)، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟

* * *

قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه, وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد = فترك ذكر " أحوجك "، استغناء بمعرفة السامعين قوله: إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، أن ذلك معنى الكلام، من ذكره. (7) ثم عمل قوله: (ما منعك)، في" أن " ما كان عاملا فيه قبل " أحوجك " لو ظهر، إذ كان قد ناب عنه.

وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له, وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا, فتبين بذلك فسادُ قول من قال: " لا " في الكلام حشو لا معنى لها.

وأما قول من قال: معنى " المنع " ههنا " القول ", فلذلك دخلت " لا " مع " أن " = فإن " المنعَ" وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ" المنع "، في الأمر بترك الشيء, لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال: " فعله "، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام . وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه, فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له, لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا. (8)

وبعدُ, فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا, فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم, فيجوز أن يقال له: " أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟" ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: " ما منعك من السجود له فأحوجك, أو: فأخرجك, أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له "، على ما بيَّنت.

* * *

وأما قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم, فأحوجه إلى أن لا يسجد له, واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته = أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، (9) وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ, على الذي خلق منه آدم، (10) وهو الطين . فجهل عدوّ الله وجه الحق, وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا, والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه, فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت, وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، (11) كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته, ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة . ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: " أول مَنْ قاسَ إبليس ", يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ, وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده, ونفخه فيه من روحه, وإسجاده له الملائكة, وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته . فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا, وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! (12) وهو في ذلك أيضًا له غير كفء, لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره, فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟

14355- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي, عن هشام, عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس, وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (13)

14356- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير, عن ابن شوذب, عن مطر الورّاق, عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14357- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات: اسْجُدُوا لآدَمَ ، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر, لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره, فقال: " لا أسجد له, وأنا خير منه, وأكبر سنًّا, وأقوى خلقًا, خلقتني من نار وخلقته من طين!" يقول: إنّ النار أقوى من الطين.

14358- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار)، قال: ثم جعل ذريته من ماء.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب. وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود أنه خُلِقَ من نار وخلق آدم من طين, (14) ولكنه ابتدأ خبرًا عن نفسه, فيه دليل على موضع الجواب فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)

------------------

الهوامش :

(1) لا يعرف قائله .

(2) اللسان ( نعم ) ، أمالي ابن الشجري 2 : 228 ، 231 ، شرح شواهد المغنى 217 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة : (( لا يمنع الجوع )) ، كما أثبته ، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان . وأما في المراجع الأخرى فروايته : (( لا يمنع الجود )) .

(3) لم يعرف قائله .

(4) معاني القرآن للفراء 1 : 176 ، 374 و (( الفوالج )) جمع (( فالج )) ، وهو جمل ذو سنامين كان يجلب من السند للفحلة . و (( الفيول ) ، جمع (( فيل )) .

(5) (( الصلة )) : الزيادة ، كما سلف ، انظر فهارس المصطلحات .

(6) في المطبوعة : (( وقال بعض من روى : أبي جود لا البخل )) ، فغير ما في المخطوطة ، وأفسد الكلام إفسادًا .

(7) السياق : (( استغناء بمعرفة السامعين ... من ذكره )) .

(8) يعني أنه يجمع الصفتين معًا (( محول بينه وبينه ، وغير محول = وممنوع ، وغير ممنوع )) ، وهو تناقض .

(9) في المطبوعة : (( أشد منه يدا )) ، والصواب من المخطوطة ، و (( الأيد )) ، القوة .

(10) في المطبوعة : (( من الذي خلق منه آدم )) ، زاد (( من )) ، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس ، والصواب ما أُبت .

(11) في المطبوعة : (( وذلك الذي في جوهره ... )) حذف (( هو )) ، وفي المخطوطة : (( وذلك الذي هو من جوهره من ذلك )) ، وصوابها (( في جوهره )) ، وإنما هو خطأ من الناسخ .

(12) في المطبوعة : (( بأنه خلقه من نار )) ، واليد ما في المخطوطة .

(13) الأثر : 14355 - (( عمرو بن مالك الراسبي الغبري )) ، أبو عثمان البصري ، شيخ الطبري . قال ابن عدي : (( منكر الحديث عن الثقات ، ويسرق الحديث )) ، وقال ابن أبي حاتم : (( ترك أبي التحديث عنه )) . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 /1 / 259 .

و (( يحيى بن سليم الطائفي )) ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 4894 ، 7831 .

(14) في المطبوعة : (( أنه خلقه من نار )) ، والجيد في المخطوطة .

التدبر :

وقفة
[12] ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ دليل على أن مطلق الأمر يدل على الفور؛ لأن الله ذم امتناع سجود إبليس في الحال، والعبرة هنا: لا تؤخر أمر الله متى أتاك.
وقفة
[12] ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾، ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 32]، ﴿أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75] اختلاف العبارات عند الحكاية، يدل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاصٍ: مخالفة الأمر، ومفارقة الجماعة، والاستكبار مع تحقير آدم.
عمل
[12] تذكر صفاتٍ ونعمًا ميّزك الله بها على الآخرين، وانسب الفضل فيها لله تعالى وحده ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
وقفة
[12] ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ﴾: تعليلٌ علَّلَ به إبليس امتناعه من السجود، وهو يقتضي الاعتراض على الله تعالى في أمره بسجود الفاضل للمفضول على زعمه، وبهذا الاعتراض كفر إبليس؛ إذ ليس كفره كفر جحود.
عمل
[12] ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ﴾ اعمل اليوم عملًا فيه تواضع مع الآخرين واجتناب للكبر.
وقفة
[12] ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ الكِبر يغلّف الانحراف والعصيان بالقياس الفاسد؛ ليبرر التمسك بالعصيان، فيصد عن الحق، ويسوّغ الانحراف، ويجعل النفس تتمرد وتصرّ على باطلها، وكم صاحب هوى ضلّ وهو يظن قياسه عقلًا، وقواعده منطقًا، وانحرافه إبداعًا، وتمرده فنًا، وسوءه أدبًا، وفساده تمدنًا، وضلاله تحضرًا!
وقفة
[12] ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ قال ابن الجوزي: «والحسد أخسُّ الطَّبائع، وأوَّل معصيةٍ عُصي اللهُ بها في السَّماء: حسَدُ إبليس لآدمَ، وفي الأرض: حسَدُ قابيل هابيلَ».
وقفة
[12] ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي﴾ [القصص: 34]، ما أجمل الاعتراف بفضائل ومزايا الآخرين! فهذه هي صفاتُ الأنبياء، وإنكارُها من صفاتِ الشَّيطان: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾، فالأوَّل: أُكرِم واستجاب الله لدعواته ونصره، والثَّاني: طرده الله من الجنَّة وأعدَّ له عذابًا شديدًا.
وقفة
[12] ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ حتى إبليس يرى أنه من الأخيار !
عمل
[12] ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ احْذَرْ مِن الحسد؛ فقَد كانَ أول ذنب عُصِيَ به الله في السماء.
وقفة
[12] حجة إبليس في قوله: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ هي باطلة؛ لأنه عارض النص بالقياس.
وقفة
[12] أول ذنب عُصي الله به سببه الكِبر، وأول حجة له قياس فاسد، قال لإبليس: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
وقفة
[12] أول ذنب عُصى الله تعالى به في السماء، حسد إبليس لآدم: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾، وأول ذنب عُصى به في الأرض: حسد قابيل لهابيل: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾ [المائدة: 27].
وقفة
[12] كل مَن قال برأيه أو ذوقه أو سياسته -مع وجود النص أو عارض النص بالمعقول- فقد ضاهى إبليس، حيث لم يسلِّم ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
وقفة
[12] الكبر يجلب المعصية ثم القياس الفاسد، فإبليس استكبر فعصى ولم يسجد ﻵدم، ففسد تفضيله النار على الطين ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
اسقاط
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ كلمة إبليس التي بسببها هلك، يكررها بعضنا في نفسه كل يوم!
وقفة
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ ﻻ تقال إﻻ حينما تسيء الظن باﻵخرين.
وقفة
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ علامة الكبر.
وقفة
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ شعار إبليس الذي أهلكه، ويهلك كل من سار على خطاه.
وقفة
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ قال الأوزاعي: «إذا سمعت أحدًا يقع في غيره، فاعلم أنه إنما يقول: أنا خيرٌ منه».
عمل
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ احذر من هذه الكلمة، قالها إبليس فكان عاقبته اللعن والطرد.
وقفة
[12] ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ ثلاث كلمات قد تبدو بسيطة لكن: - فيها سوء أدب مع الله تعالى الخالق الذي خلقك وخلق غيرك. - فيها كِبْر في النفس واحتقار للآخرين، وهذا لا يأتي من قلب مؤمن بالله يعرف أصله ويعرف نهايته. - فيها سوء ظن بالآخرين، أحسن ظنك بالآخرين يحسنوا الظن بك، ويصبح قلبك سليمًا، دع الخلق للخالق وعليك بنفسك أصلحها أولًا، فأنت مسؤول عنها.
وقفة
[12] قال أبو حازم: «من رأى أنه خير من غيره فهو مستکبر؛ وذلك أن إبليس قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾، فكان ذلك استكبارًا».
وقفة
[12] إنما أهلك إبليس العُجَب بنفسه: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾، وكملت فضائل آدم باعترافه بذنبه: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23].
وقفة
[12] أربع كلمات مهلكات: أنا، لي، عندي، نحن: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾، ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾، ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾، ﴿نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ﴾.
وقفة
[12] خمسُ آياتٍ تختصر أمراض القلوب: الحسد: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾، الاستبداد: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ [غافر: 29]، الجحود: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص: 78]، الاستكبار: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: 51]، الغرور: ﴿ما أظن أن تبيد هذه أبدًا﴾ [الكهف: 35].
وقفة
[12] قال موسى عن هارون: ﴿هو أفصح مني لساناً﴾ [القصص: 34]، وقال الشيطان عن آدم ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾؛ الاعتراف بفضائل الآخرين من سمات الصالحين.
وقفة
[12] مَن رأى أنَّ أصلَه أعلى من أصل غيره وأشرف فقد شابه قِياسَ اللعين إبليس حين قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
وقفة
[12] ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ كَذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب؛ فإن مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة، ومنها تظهر بركات الأرض من الأشجار وأنواع النبات على اختلاف أجناسه وأنواعه، وأما النار ففيها الخفة والطيش والإحراق.
وقفة
[12] ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ قال ابن سيرين: «من قاس الدِّين برأيه قرنه الله مع إبليس».

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:هو يعود اليه سبحانه أي: قال الله له.
  • ﴿ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-.ألّا: مكونة من «أن» حرف مصدري ناصب و «لا» نافية زائدة لا عمل لها وهي صلة لتوكيد الفعل وتحقيقه. تسجد: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به بمعنى ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه أو يكون المصدر في محل جر بحرف جر مقدر. أي من السجود.وجملة «تَسْجُدَ» صلة «أن» لا محل لها و «ما» اسم استفهام تفيد التوبيخ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. منعك: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وجملة «مَنَعَكَ» في محل رفع خبر «ما».
  • ﴿ إِذْ أَمَرْتُكَ:
  • إذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بمنعك ومعناها «حين». أمرتك: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وجملة «أَمَرْتُكَ» في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد «إِذْ» الظرف.
  • ﴿ قالَ:
  • فعل أمر مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:هو. بمعنى: قال يا ربي.
  • ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ:
  • أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.خير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وأصله: أخير أي أفضل وحذف الألف افصح منه. جار ومجرور متعلق بخير. وجملة «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ:
  • الجملة: في محل نصب حال. خلقتني: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل والنون نون الوقاية. والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. من نار: جار ومجرور متعلق بحال محذوف من الضمير المنصوب- ياء المتكلم في «خَلَقْتَنِي» و «مِنْ» حرف جر بياني.وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ:
  • ﴿ معطوفة بالواو على «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ» وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. '

المتشابهات :

الأعراف: 12﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
ص: 76﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     لمَّا رفضَ إبليسُ أن يسجد لآدم؛ دار حوار بين رب العالمين وإبليس اللعين، فسأل اللهُ عز وجل إبليسَ موبخًا ومنكرًا عن السبب الذي حمله على عدم السجود لآدم، قال تعالى:
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [13] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ ..

التفسير :

[13] قال الله لإبليس:فاهبط من الجنة، فما يصح لك أن تتكبر فيها، فاخرج من الجنة، إنك من الذليلين الحقيرين.

فقال اللّه له:{ فَاهْبِطْ مِنْهَا} أي:من الجنة{ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} لأنها دار الطيبين الطاهرين، فلا تليق بأخبث خلق اللّه وأشرهم.{ فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} أي:المهانين الأذلين، جزاء على كبره وعجبه بالإهانة والذل

أى: قال الله- تعالى- لإبليس: فاهبط من الجنة بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي.

وقيل إن الضمير في مِنْها يعود على المنزلة التي كان فيها قبل أن يطرده الله من رحمته.

أى: فاهبط من رتبة الملكية التي كنت فيها إلى رتبة العناصر الشريرة.

وقيل: إن الضمير يعود على روضة كانت على مرتفع من الأرض خلق فيها آدم- عليه السلام-.

وقوله: فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها معناه: فما يصح ولا يستقيم ولا يليق بشأنك أن تتكبر فيها، لأنها ليست مكانا للمتكبرين وإنما هي مكان للمطيعين الخاشعين المتواضعين.

وقوله: فَاخْرُجْ تأكيد للأمر بالهبوط ومتفرع عليه.

وقوله: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ تعليل للأمر بالخروج. أى: فاخرج منها فأنت من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك وغرورك.

ثم حكى القرآن ما طلبه إبليس من الله- تعالى- وما أجاب الله به عليه.

يقول تعالى مخاطبا لإبليس بأمر قدري كوني : ( فاهبط منها ) أي : بسبب عصيانك لأمري ، وخروجك عن طاعتي ، فما يكون لك أن تتكبر فيها .

قال كثير من المفسرين : الضمير عائد إلى الجنة ، ويحتمل أن يكون عائدا إلى المنزلة التي هو فيها في الملكوت الأعلى .

( فاخرج إنك من الصاغرين ) أي : الذليلين الحقيرين ، معاملة له بنقيض قصده ، مكافأة لمراده بضده ، فعند ذلك استدرك اللعين وسأل النظرة إلى يوم الدين

القول في تأويل قوله : قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: (فاهبط منها).

وقد بيَّنا معنى " الهبوط" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (15)

* * *

=(فما يكون لك أن تتكبر فيها)، يقول تعالى ذكره: فقال الله له: " اهبط منها "، يعني: من الجنة =" فما يكون لك ", يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.

* * *

فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ, وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة, فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله, فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته.

* * *

وقوله: (فاخرج إنك من الصاغرين)، يقول: فاخرج من الجنة، إنك من الذين قد نالهم من الله الصَّغَار والذلّ والمَهانة.

* * *

يقال منه: " صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا "، وقد قيل: " صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة ". (16)

* * *

وبنحو ذلك قال السدي. (17)

14359- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (فاخرج إنك من الصاغرين)، و " الصغار "، هو الذل.

--------------------

الهوامش :

(15) انظر تفسير (( الهبوط )) فيما سلف 1 : 534 ، 548 /2 : 132 ، 239 .

(16) انظر تفسير (( الصغار )) فيما سلف ص : 96 .

(17) في المطبوعة : (( وبنحو الذي قلنا قال السدي )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

التدبر :

وقفة
[13] هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ مَحَلَّتِهِمْ مَنْ يُخْشَى مِنْ سِيرَتِهِ فُشُوُّ الْفَسَادِ بَيْنَهُمْ.
وقفة
[13] ﴿قال فاهبط منها﴾، ﴿قال اهبطا منها جميعا﴾ [طه: 123]:كل هذا الهبوط بسبب المعاصي والذنوب، وهكذا المعاصي تودي بصاحبها وتنزل من قدره، فكتب الله على صاحب المعصية الذل والهوان والصغار: ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ [الحج: 18].
وقفة
[13] ﴿قال فاهبط منها﴾ لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، والكبر هو منشأ أكثر المعاصي وبدايتها، الكبر هو بطر الحقِّ وغمط النَّاس.
لمسة
[13] ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ أي في السماء؛ خصَّها بالذِّكر لأنها مقرُّ الملائكةِ المطيعين، الذين لا يعصون اللَّهَ، وإلّاَ فليس لِإبليس أن يتكبَّر في الأرضِ أيضًا.
وقفة
[13] ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْعِزُّ إِزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي؛ فَمَنْ نَازَعَنِي بِشَيء مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ». (البخاري في الأدب المفرد 552، وصححه الألباني).
وقفة
[13] ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ من تكبر على الله أذلّه، والذنوب ليست بحجمها؛ فصغيرة مع كِبر أعظم من كبيرة مع غفلة.
لمسة
[13] ما الفرق بين: ﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا﴾، ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ [ص: ٧٧]؟ - الهبوط: يكون من أعلى لأسفل، الخروج: يكون من عمق الشيء، الهبوط جاء في سياق الاستكبار: ﴿أن تتكبر فيها﴾ ﴿من الصاغرين﴾. - الخروج يبين المكانة التي كان فيها (اخرج منها) أي الجنة، والهبوط يبين مآله الذي انتهى إليه. قال العلماء: استلذّ إبليس اللعين الخطاب مع الله تعالى في الأعراف فغضب الله تعالى عليه وجاء الطرد على أشده: ﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا﴾، ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾، ﴿قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا﴾ [١٨].
وقفة
[13] ﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾: لأن أهلها الملائكة المتواضعون، ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أي: الأذلين، ودل هذا على أن من عصى مولاه فهو ذليل.
وقفة
[13] ﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ ما ازداد أحدٌ كبرًا إلا زاده الله ذلًّا في نفوس الناس.
وقفة
[13] ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أي: الذليلين الحقيرين؛ معاملة له بنقيض قصده؛ مكافأة لمراده بضده.
وقفة
[13] ﴿فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ﴾ دلَّت الآيات على أن من عصى مولاه فهو ذليل.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ فَاهْبِطْ مِنْها:
  • قال: فعل أمر مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. فاهبط: الفاء زائدة. اهبط: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت منها. جار ومجرور متعلق باهبط والجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ فَما يَكُونُ لَكَ:
  • الفاء استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يكون: فعل مضارع تام بمعنى «يصح» مرفوع بالضمة. لك: جار ومجرور متعلق بيكون.
  • ﴿ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها:
  • أن: حرف نصب مصدري. تتكبر: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. فيها: جار ومجرور متعلق بتتكبر. و «أَنْ» وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «يَكُونُ» وجملة «تَتَكَبَّرَ» صلة أن.
  • ﴿ فَاخْرُجْ إِنَّكَ:
  • معطوفة بالفاء على «اهبط» وتعرب مثلها. إنك: إنّ: حرف مشبه بالفعل. الكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسمها.
  • ﴿ مِنَ الصَّاغِرِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «إن» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين الاسم المفرد وحركته بمعنى من الأذلّاء. '

المتشابهات :

الأعراف: 13﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا
الحجر: 34﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
ص: 77﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا كان السبب الذي حمل إبليس على عدم السجود هو الكبر والغرور والاستعلاء؛ قابله اللهُ عز وجل بالطرد من الجنة والهبوط المُشعِر بالنزول من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ، قال تعالى:
﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

التفسير :

[14] قال إبليس لله -جل وعلا- حينما يئس من رحمته:أمهلني إلى يوم البعث؛ وذلك لأتمكن من إغواء مَن أقدر عليه من بني آدم.

فلما أعلن عدو اللّه بعداوة اللّه، وعداوة آدم وذريته، سأل اللّهَ النَّظِرَةَ والإمهال إلى يوم البعث، ليتمكن من إغواء ما يقدر عليه من بني آدم.

أى: قال إبليس لله- تعالى- أخرنى ولا تمتنى إلى يوم بعث آدم وذريته من القبور، وهو وقت النفخة الثانية عند قيام الساعة. وقد أراد بذلك النجاة من الموت: إذ لا موت بعد البعث. كما أراد بذلك أن يجد فسحة من الإغواء لبنى آدم.

وقوله: أَنْظِرْنِي مأخوذ من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير. تقول أنظرته بحقي أنظره إنظارا أى: أمهلته.

قال : ( أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين ) أجابه تعالى إلى ما سأل ، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب .

القول في تأويل قوله : قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)

قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه . وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة, وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه, وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [سورة الحجر: 37-38 / سورة ص: 80 ، 81 ]، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى ذكره: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، [سورة آل عمران: 185 / سورة الأنبياء: 35 / سورة العنكبوت: 57].

* * *

و " الإنظار " في كلام العرب، التأخير. يقال منه: " أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارًا ". (18)

* * *

فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: (إنك من المنظرين) في هذا الموضع, فقد أجابه إلى ما سأل؟

قيل له: ليس الأمر كذلك, وإنما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له: " إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت = أو: إلى يوم البعث = أو إلى يوم يبعثون ", أو ما أشبه ذلك، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة.

-------------------------

الهوامش :

(18) انظر تفسير (( الإنظار )) فيما سلف 2 : 467 ، 468 /3 : 264 / 6 : 577 /11 : 267 .

التدبر :

وقفة
[14] أطول الناس أملًا أكثرهم ضلالًا ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
وقفة
[14، 15] دعا إبليس ربه فقال: ﴿أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، فاستجاب الله دعاءه: ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾، أفلا يستجيب لك؟!
وقفة
[14، 15] قال سُفْيان بن عُيَيْنَة: «لا يمنعنَّ أحدَكُم من الدُّعاءِ ما يعلمُ من نفسِه، فإنَّ اللهَ أجابَ دعاءَ شرِّ الخلقِ إبليس»: ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ... قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾.
وقفة
[14، 15] ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ هل نال إبليس تكرمة في استجابة طلبه بأن يكون من الكائنات الباقية؟ نفى هذا قوله: ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ فأفاد التأكيد بـ ﴿إِنَّكَ﴾ والإخبار بصيغة ﴿مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ أن إنظاره أمر قد قضاه الله وقدّره من قبل سؤاله، فلم يقل: «أنظرتك أو أجبت لك»، فهو أهون على الله من أن يجيب له طلبه، ولكنه أعلمه أن ما سأله أمر حاصل.
وقفة
[14، 15] الذي استجاب لشر الخلق إبليس حين قال: ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾، ألا يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات، بل ويزيدهم من فضله؟!

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:هو. بمعنى: قال ربيّ.
  • ﴿ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به. أنظرني:فعل طلب والتماس بصيغة تضرع مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. النون: نون الوقاية والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بمعنى: أمهلني. إلى يوم: جار ومجرور متعلق بأنظرني و «يَوْمِ» مضاف. يبعثون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «يُبْعَثُونَ» في محل جر بالاضافة. '

المتشابهات :

الأعراف: 14﴿ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
الحجر: 36﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
ص: 79﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     وبعد طرد إبليس من الجنة؛ طلب من الله أن يمهله، أي: لا يموت إلى يوم البعث; وذلك ليتمكن من إغواء ما يقدر عليه من بني آدم، قال تعالى:
﴿ قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [15] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ

التفسير :

[15] قال الله تعالى:إنك ممن كتبتُ عليهم تأخير الأجل إلى النفخة الأولى في «القَرْن»، إذ يموت الخلق كلهم.

ولما كانت حكمة اللّه مقتضية لابتلاء العباد واختبارهم، ليتبين الصادق من الكاذب، ومن يطيعه ومن يطيع عدوه، أجابه لما سأل، فقال:{ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}

وقوله: قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ معناه: قال الله- تعالى- له: إنك من المؤخرين إلى يوم الوقت المعلوم كما جاء في قوله- تعالى-: قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو- على الراجع- وقت النفخة الأولى فيموت كما يموت غيره. وقيل: المراد به الوقت المعلوم في علم الله أنه يموت فيه.

قال ابن كثير: أجابه الله- تعالى- إلى ما سأل. لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.

، قال : ( أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين ) أجابه تعالى إلى ما سأل ، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب .

وأما قوله: (إنك من المنظرين)، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بيَّن فيها مدة إنظاره إياه إليها, وذلك قوله: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، [سورة الحجر: 37 ، 38 / سورة ص: 80 ، 81]، كم المدة التي أنظره إليها, (19) لأنه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقل منه أو أكثر, فقد دخل في عداد المنظرين، وتمَّ فيه وعد الله الصادق, ولكنه قد بيَّن قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه, فعلم بذلك الوقت الذي أُنظِر إليه.

* * *

وبنحو ذلك كان السدي يقول.

14360- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [سورة الحجر: 36-38 / سورة ص: 80 ، 81]، فلم ينظره إلى يوم البعث, ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى, فصعق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض, فمات. (20)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: " أنظرني"، أي أخّرني وأجّلني, وأنسئْ في أجلي, ولا تمتني = إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ , يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: (إنك من المنظرين)، إلى يوم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.

* * *

فإن قال قائل: فهل أحَدٌ مُنْظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له: " إنك منهم "؟

قيل: نعم, مَنْ لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم، ممن تقوم عليه الساعة, فهم من المنظرين بآجالهم إليه . ولذلك قيل لإبليس: (إنك من المنظرين)، بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.

---------------------

الهوامش :

(19) في المطبوعة : (( على المدة )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

(20) الأثر : 14360 - (( موسى بن هارون الهمداني )) ، مضى مرارًا ، وكان في المخطوطة والمطبوعة : (( يونس بن هارون )) ، وهو خطأ محض ، فهذا إسناد دائر في التفسير .

التدبر :

وقفة
[15] ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ الخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار، فإن الكفار يسألون الله الرزق، فيرزقهم ويسقيهم.
وقفة
[15] ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ ليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيًا عنه، ولا محبًّا له، ولا راضيًا بفعله، فإنه يجيب البر والفاجر والمؤمن والكافر.
وقفة
[15] ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ استجاب الله تعالى لطلب إبليس؛ والحكمة في ذلك: إغواء الناس وابتلاؤهم واستهدافهم، فطلب إبليس بالإنظار لم يكن لذاته ولا لنفسه، بل العلة من ذلك هي: ﴿لأحتنكنّ ذريته إلا قليلا﴾ [الإسراء: 62] والاحتناك: الاستيلاء والاحتواء، فالصراع على أشده بين إبليس وبني آدم.
عمل
[15] لا تستكثر دعواتك؛ فقد حقق الله ست دعوات في لحظة: ﴿قد أوتيت سؤلك يا موسى﴾ [طه: 36]، ولا تستكثر ذنوبك؛ فقد استجاب الله لإبليس: ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل:ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. إنك: إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن».من المنظرين: جار ومجرور متعلق بخبر «إن» وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. والجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-. '

المتشابهات :

الأعراف: 15﴿ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ
الحجر: 37﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ
ص: 80﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     لما طلب إبليس من الله عز وجل أن يمهله إلى يوم البعث; أجابه الله هنا بأنه لن يموت إلى يوم النفخة الأولى في الصور، حيث يموت الخلق كلهم، ويبقى الله وحده، قال تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [16] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ ..

التفسير :

[16] قال إبليس لعنه الله:فبسبب ما أضللتني لأجتهدنَّ في إغواء بني آدم عن طريقك القويم، ولأصدَّنَّهم عن الإسلام الذي فطرتهم عليه.

أي:قال إبليس - لما أبلس وأيس من رحمة اللّه -{ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} أي:للخلق{ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي:لألزمن الصراط ولأسعى غاية جهدي على صد الناس عنه وعدم سلوكهم إياه.

ثم حكى القرآن ما توعد به إبليس آدم وذريته من كيد وأذى فقال: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.

الباء للقسم أو للسببية أى: فأقسم بإغوائك إياى، أو بسبب إغوائك إياى، لأترصدن لآدم وبنيه على طريق الحق وسبيل النجاة، كما يترصد قطاع الطرق للسائرين فيها فأصدنهم عنها وأحاول بكل السبل أن أصرفهم عن صراطك المستقيم، ولن أتكاسل عن العمل على إفسادهم وإضلالهم.

والإغواء: خلق الغي بمعنى الضلال. وأصل الغي الفساد، ومنه غوى الفصيل- كرضى- غوى، إذا بشم من اللبن ففسدت معدته، أو منع الرضاع فهزل وكاد يهلك، ثم استعمل في الضلال، يقال: غوى يغوى غيا وغواية فهو غاو، وغوى إذا ضل، وأغواه غيره: أضله.

يخبر تعالى أنه لما أنظر إبليس ( إلى يوم يبعثون ) واستوثق إبليس بذلك ، أخذ في المعاندة والتمرد ، فقال : ( فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) أي : كما أغويتني .

قال ابن عباس : كما أضللتني . وقال غيره : كما أهلكتني لأقعدن لعبادك - الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه - على ( صراطك المستقيم ) أي : طريق الحق وسبيل النجاة ، ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي .

وقال بعض النحاة : الباء هاهنا قسمية ، كأنه يقول : فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم .

قال مجاهد : ( صراطك المستقيم ) يعني : الحق .

وقال محمد بن سوقة ، عن عون بن عبد الله : يعني طريق مكة .

قال ابن جرير : والصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك كله .

قلت : لما روى الإمام أحمد :

حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو عقيل - يعني الثقفي عبد الله بن عقيل - حدثنا موسى بن المسيب ، أخبرني سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك؟ " قال : " فعصاه وأسلم " قال : " وقعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتدع أرضك وسماءك ، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول؟ فعصاه وهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد ، وهو جهاد النفس والمال ، فقال : تقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ " قال : " فعصاه ، فجاهد " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمن فعل ذلك منهم فمات ، كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو قتل كان حقا على الله ، عز وجل ، أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة "

القول في تأويل قوله : قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: (فبما أغويتني)، يقول: فبما أضللتني، كما:-

14361- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (فبما أغويتني)، يقول: أضللتني.

14362- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فبما أغويتني)، قال: فبما أضللتني.

* * *

وكان بعضهم يتأول قوله: (فبما أغويتني) ، بما أهلكتني, من قولهم: " غَوِيَ الفصيل يَغوَى غَوًى ", وذلك إذا فقد اللبن فمات, من قول الشاعر: (21)

مُعَطَّفَــةُ الأَثْنَــاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَــا

بِرَازِئِهَــا دَرًّا وَلا مَيِّــتٍ غَــوَى (22)

* * *

وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسّنه عنده، غارًّا له. (23)

وقد حكي عن بعض قبائل طيئ، أنها تقول: " أصبح فلان غاويًا "، أي: أصبح مريضًا. (24)

* * *

وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم, كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم صراطك المستقيم, كما يقال: " بالله لأفعلن كذا ".

* * *

وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة, كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني = أو: فبأنك أغويتني = لأقعدن لهم صراطك المستقيم.

* * *

قال أبو جعفر: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية، (25) من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسبابَ ذلك إليه, (26) وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان، هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر . وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيث قد قال بقوله: (فبما أغويتني) ،" فبما أصلحتني", إذ كان سبب " الإغواء " هو سبب " الإصلاح ", وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح, ولكن لما كان سبباهما مختلفين، وكان السبب الذي به غوَى وهلك من عند الله. أضاف ذلك إليه فقال: (فبما أغويتني) .

* * *

وكذلك قال محمد بن كعب القرظي, فيما:-

14363- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود, سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة, لإبليس أعلمُ بالله منهم !

* * *

وأما قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم " صراطك المستقيم ", يعني: طريقك القويم, وذلك دين الله الحق, وهو الإسلام وشرائعه. (27) وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك, ولأغوينهم كما أغويتني, ولأضلنهم كما أضللتني.

وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:- (28)

14364- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطْرِقَةٍ، (29) فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك, وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطِّوَل؟ (30) فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد, وهو جَهْدُ النفس والمال, فقال: أتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد. (31)

* * *

وروي عن عون بن عبد الله في ذلك ما:-

14365- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حَبّويه أبو يزيد, عن عبد الله بن بكير, عن محمد بن سوقة, عن عون بن عبد الله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، قال: طريق مكة. (32)

* * *

والذي قاله عون، وإن كان من صراط الله المستقيم، فليس هو الصراط كله. وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم، ولم يخصص منه شيئًا دون شيء. فالذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشبهُ بظاهر التنـزيل، وأولى بالتأويل, لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كل ما كان لهم قربة إلى الله.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى " المستقيم "، في هذا الموضع.

* ذكر من قال ذلك:

14366- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (صراطك المستقيم)، قال: الحق.

14367- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

14368- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول: (لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم)، قال: سبيل الحق, فلأضلنَّهم إلا قليلا.

* * *

قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في ذلك.

فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم, كما يقال: " توجَّه مكة "، أي إلى مكة, وكما قال الشاعر: (33)

كَــأَنِّي إذْ أَسْــعَى لأظْفَـرَ طَـائِرًا

مَـعَ النَّجْـمِ مِـنْ جَـوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (34)

بمعنى: لأظفر بطائر, فألقى " الباء "، وكما قال: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ، [سورة الأعراف: 150]، بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم, وفي طريقهم . قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز, (35) كما تقول: " قعدت لك وجهَ الطريق " و " على وجه الطريق "، لأن الطريق صفة في المعنى، (36) فاحتمل ما يحتمله " اليوم " و " الليلة " و " العام ", (37) إذا قيل: "آتيك غدًا ", و "آتيك في غد ".

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب, لأن " القعود " مقتضٍ مكانًا يقعد فيه, فكما يقال: " قعدت في مكانك ", يقال: " قعدت على صراطك ", و " في صراطك ", كما قال الشاعر: (38)

لَــدْنٌ بِهَــزِّ الْكَـفِّ يَعْسِـلُ مَتْنُـهُ

فِيـهِ, كَمَـا عَسَـلَ الطَّـرِيقَ الثَّعْلَـبُ (39)

فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان, لا يكادون يقولون: " جلست مكة "، و " قمت بغداد ".

--------------------

الهوامش :

(21) هو (( مدرج الريح الجرمي )) ، واسمه (( عامر بن المجنون )) كما في الشعر والشعراء : 713 ، وفي الوحشيات رقم : 380 ، والأغاني 3 : 115 ، وجاء في المعاني الكبير : 1047 (( عامر المجنون )) ، صوابه ما أثبت .

(22) المعاني الكبير : 1047 ، المخصص 7 : 41 ، 180 ، تهذيب إصلاح المنطق 2 : 54 ، اللسان ( غوى ) . يصف قوسًا . قال التبريزي في شرحه : (( أثناؤها )) ، أطرفها المتلئبة . و (( فصيلها )) ، السهم ، و (( رزائها )) أي : أخذ منها شيئًا . يقول : ليس فصيل هذه القوس يشرب إذا فقد اللبن .

(23) انظر تفسير (( الغي )) و (( الإغواء )) فيما سلف 5 : 416 .

(24) هذا النص ينبغي إثباته في كتب اللغة ، فلم يذكر فيها فيما علمت .

(25) (( القدرية )) هم نفاة القدر الكافرون به ، وأما المؤمنون بالقدر ، وهم أهل الحق ، فيقال لهم (( أهل الإثبات )) ، وانظر فهارس المصطلحات والفرق فيما سلف .

(26) (( التفويض )) ، رد الأسباب إليه ، وانظر بيان ذلك فيما سلف 1 : 162 ، تعليق : 3 /11 : 340 ، /12 : 92 ، وهو مقالة المعتزلة وأشباههم .

(27) انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) ، فيما سلف ص : 282 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(28) في المطبوعة : (( سبرة بن الفاكه )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب . انظر التعليق التالي ص 335 ، تعليق : 2 :

(29) (( أطرقة )) جمع (( طريق )) ، مثل (( رغيف )) و (( أرغفة )) ، وهو جمعه مع تذكير (( طريق )) ، ويجمع أيضًا على (( أطرق )) ( بضم الراء ) ، وهو جمع (( طريق )) إذا أنثتها ، نحو (( يمين )) ، و (( أيمن )) . وبهذه الأخيرة ضبط في أكثر الكتب .

(30) (( الطول )) ( بكسر الطاء وفتح الواو ) : وهو الحبل الطويل ، يشد أحد طرفيه في وتد أو في غيره ، والآخر في يد الفرس ، فيدور فيه ويرعى ، ولا يذهب لوجهه . ويعني بذلك : أن الهجرة تحبسه عن التصرف والضرب في الأرض ، والعودة إلى أرضه وسمائه ، والهجرة أمرها شديد كما تعلم .

(31) الأثر : 14364 - هذا خبر رواه الأئمة ، ذكره أبو جعفر بغير إسناده . و (( سبرة بن أبي الفاكهة )) ، و (( سبرة بن أبي الفاكهة )) ، صحابي نزل الكوفة . مترجم في التهذيب ، وأسد الغابة 2 : 260 ، والإصابة ، في اسمه والكبير للبخاري 2 /2 / 188 ، وابن أبي حاتم 2 /1 / 295 .

وهذا الخبر ، رواه أحمد في مسنده مطولا 3 : 483 ، والنسائي 6 : 21 ، 22 ، والبخاري في التاريخ 2 /2 / 188 ، 189 ، وابن الأثير في أسد الغابة 2 : 260 ، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته : (( له حديث عند النسائي ، بإسناد حسن ، إلا أن في إسناده اختلافًا )) ، ثم قال : (( وصححه ابن حبان )) .

(32) الأثر : 14365 - (( حبويه أبو يزيد )) هكذا في المخطوطة ، ولكنه غير منقوط ، وكان في المطبوعة : (( حيوة أبو يزيد )) ، تغير بلا دليل .

و (( حبويه )) ، أبو يزيد ، هو : (( إسحاق بن إسماعيل الرازي )) ، روى عن نافع بن عمر الجمحي ، وعمرو بن أبي قيس ، ونعيم بن ميسرة . روى عنه محمد بن سعيد الأصفهاني ، وعثمان وأبو بكر ابنا شيبة ، وإبراهيم بن موسى . قال يحيى بن معين : (( أرجو أن يكون صدوقًا )) . مترجم في الجرح والتعديل 1 /1 / 212 ، وعبد الغني بن سعيد في المؤتلف والمختلف : 43 ، (( حبويه )) بالباء المشددة بعد الحاء .

وسيأتي أيضًا في الإسناد رقم : 14550 .

و (( عبد الله بن بكير الغنوي الكوفي )) ، روى عن (( محمد بن سوقة )) ، وهو ليس بقوي ، وإن كان من أهل الصدق ، وذكر له ابن عدي مناكير . مترجم في لسان الميزان ، وابن أبي حاتم 2 /2 / 16 ، وميزان الاعتدال 2 : 26 .

(33) لم أعرف قائله .

(34) لم أجد البيت في غير هذا المكان .

(35) (( الصفة )) هنا حرف الجر ، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف ، ستأتي بعد قليل بمعنى (( الظرف )) . انظر التعليق التالي .

(36) (( الصفة )) هنا ، هي (( الظرف )) ، وكذلك يسميه الكوفيون .

(37) في المطبوعة : (( يحتمل ما يحتمله )) ، وفي المخطوطة سقط ، كتب : (( في المعنى ما يحتمله )) ولكني أثبت ما في معاني القرآن للفراء 1 : 375 ، فهذا نص كلامه .

(38) هو ساعدة بن جؤية الهذلي .

(39) ديوان الهذليين 1 : 190 ، سيبويه 1 : 16 ، 109 ، الخزانة 1 : 474 ، وغيرها كثير من قصيدة طويلة ، وصف في آخرها رمحه ، وهذا البيت في صفة رمح من الرماح الخطية . ورواية الديوان (( لذا )) ، أي تلذ الكف بهزه . و (( يعسل )) ، أي يضطرب . وقوله . (( فيه )) : أي في الهز . وقوله : (( عسل الطريق الثعلب )) ، أي : عسل في الطريق الثعلب واضطربت مشيته . شبه اهتزاز الرمح في يد الذي يهزه ليضرب به ، باهتزاز الثعلب في عدوه في الطريق .

التدبر :

وقفة
[16] ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ احتجاج العاصي على معصيته بالقدر مشابهة لإبليس.
وقفة
[16] ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ﴾ أعلن الشيطان عداوته لبني آدم، وتوعد أن يصدهم عن الصراط المستقيم بكل أنواع الوسائل والأساليب.
لمسة
[16] ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ﴾ ردّ إبليس اللوم إلى الله سبحانه وتعالى بأنه أغواه، وهذا تنطُّع في الكلام، سبب الإغواء هو الابتلاء، نرجع للسبب، هو ابتلاه فاختبره فلم يسجد، ورسب في الاختبار، فكانت سببًا في إضلاله، فحذف هو السبب وجاء بالنتيجة فقال: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي).
لمسة
[16] ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ اختار القعود ولم يختر الوقوف؛ لإنه في الوقوف سيتعب منه، أما القعود فإنه يكون مرتاحًا مطمئنًا، ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: 5].
وقفة
[16] ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ القعود يدل على استعداده لمحاربة المؤمنين، وقد اختار الطريق الذي يقعد إليه، وهو طريق المستقيمين، أما الضالون فليس بحاجة إلى إغوائهم؛ فهم قد أغووا أنفسهم وأراحوه من هذه المهمة.
لمسة
[16] إبليس طلب الإنظار من رب العالمين، فناسب هذا أن يقول بعدها: ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ القعود: هو المكوث في المكان مدة دائمة قد لا تنقطع، ومنه: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55]، وهذ شرف للمتقين، بخلاف الجلوس لفترة وجيزة، وذلك يدل على غيظ إبليس من بني آدم.
وقفة
[16] ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ مقعد الشيطان ليس فقط في الخمارة وأماكن الفجور، إنما يجلس كذلك على أبواب المساجد ومواطن الأجور، لكي يفسد على الطائع طاعته.
تفاعل
[16] ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ فَبِما:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة بعدها في محل نصب مفعول به- مقول القول-.فبما: الفاء استئنافية. الباء: متعلقة بفعل القسم المحذوف تقديره: فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدن، أي فبسبب أغوائك أقسم. وهي حرف جر.ما: مصدرية.
  • ﴿ أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. النون: نون الوقاية. والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به لأقعدن: اللام: واقعة في جواب القسم المحذوف. أقعدن:فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا». و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء بتقدير فباغوائك إياي أو بسبب إغوائك ايّاي. وجملة «أَغْوَيْتَنِي» صلة «ما» المصدرية ويجوز أن تكون الباء باء القسم أي فأقسم بإغوائك لاقعدن.وقيل: ما: للاستفهام كأنه قيل بأي شيء أغويتني ثم ابتدأ لأقعدن وإثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على «ما» الاستفهامية قليل شاذ. وجملة«لَأَقْعُدَنَّ» جواب القسم المحذوف لا محل لها من الإعراب. لهم: جار ومجرور متعلق بأقعدن.
  • ﴿ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ:
  • منصوب على الظرفية أو مفعول للفعل «أقعدن» معناه: أترصدن. وهو منصوب بالفتحة والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. المستقيم: صفة للصراط منصوبة مثله بالفتحة.وأصل الصراط مجرور بحرف جر «على» فحذف الجار فتعدى الفعل الى «الصراط» فانتصب على المفعولية. '

المتشابهات :

الأعراف: 16﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
الحجر: 39﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولَمَّا أجابَ اللهُ عز وجل طلب إبليس؛ توعد إبليسُ آدمَ وذريته بأن يُضلهَّم ليدخلوا النار، قال تعالى:
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [17] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ..

التفسير :

[17] ثم لآتينَّهم من جميع الجهات والجوانب، فأصدهم عن الحق، وأُحَسِّن لهم الباطل، وأرغِّبهم في الدنيا، وأشككهم في الآخرة، ولا تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك.

{ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أي:من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم. ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن وصدق ظنه فقال:{ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم، وهو يريد صدهم عنه، وعدم قيامهم به، قال تعالى:{ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وإنما نبهنا اللّه على ما قال وعزم على فعله، لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا، ونحترز منه بعلمنا، بالطريق التي يأتي منها، ومداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك، أكمل نعمة.

وقوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ زيادة بيان لحرص الشيطان على إضلال بنى آدم بشتى الوسائل، أى: آتيهم من الجهات الأربع التي اعتاد العدو أن يهاجم عدوه منها، والمراد: لأسولنّ لهم ولأضلنّهم بحيث لا أفتر عن ذلك ولا أيأس.

وقيل إن معنى ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أى: من قبل الآخرة لأنها مستقبلة آتية، وما هو كذلك فكأنه بين الأيدى. وَمِنْ خَلْفِهِمْ أى من قبل الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة «وعن أيمانهم وعن شمائلهم» أى: من جهة حسناتهم وسيئاتهم بحيث أزين لهم السيئات وأزهدهم في الحسنات.

وقوله: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ أى: مطيعين مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرب إلى الله.

وإنما قال ذلك لما رآه من الأمارات على طريق الظن كقوله- تعالى-: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

ولقد وردت آيات كثيرة وأحاديث متعددة في التحذير من الشيطان وكيده، ومن ذلك قوله- تعالى-: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ. وجاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن سبرة بن الفاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال:

أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول- أى كالفرس المربوطة بالحبل. قال: فعصاه فهاجر. قال: ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له: هو جهاد النفس والمال. فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال، قال فعصاه فجاهد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم فمات، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة» .

وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عن عبد الله بن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي. يقول: اللهم إنى أسألك العفو والعافية في ديني ودنياى وأهلى ومالي. اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي. اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقى، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.

وقوله : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ) أشككهم في آخرتهم ، ( ومن خلفهم ) أرغبهم في دنياهم ( وعن أيمانهم ) أشبه عليهم أمر دينهم ( وعن شمائلهم ) أشهي لهم المعاصي .

وقال علي بن طلحة - في رواية - والعوفي ، كلاهما عن ابن عباس : أما ( من بين أيديهم ) فمن قبل دنياهم ، وأما ) من خلفهم ) فأمر آخرتهم ، وأما ) عن أيمانهم ) فمن قبل حسناتهم ، وأما ) عن شمائلهم ) فمن قبل سيئاتهم .

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : أتاهم ( من بين أيديهم ) فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار ( ومن خلفهم ) من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها و ) عن أيمانهم ) من قبل حسناتهم بطأهم عنها ( وعن شمائلهم ) زين لهم السيئات والمعاصي ، ودعاهم إليها ، وأمرهم بها . أتاك يا ابن آدم من كل وجه ، غير أنه لم يأتك من فوقك ، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله .

وكذا روي عن إبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة والسدي ، وابن جرير إلا أنهم قالوا : ( من بين أيديهم ) الدنيا ( ومن خلفهم ) الآخرة .

وقال مجاهد : " من بين أيديهم وعن أيمانهم " : حيث يبصرون ، " ومن خلفهم وعن شمائلهم " : حيث لا يبصرون .

واختار ابن جرير أن المراد جميع طرق الخير والشر ، فالخير يصدهم عنه ، والشر يحببه لهم .

وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ولم يقل : من فوقهم; لأن الرحمة تنزل من فوقهم .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) قال : موحدين .

وقول إبليس هذا إنما هو ظن منه وتوهم ، وقد وافق في هذا - الواقع ، كما قال تعالى : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ) [ سبأ : 20 ، 21 ] .

ولهذا ورد في الحديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها ، كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده :

حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عمرو بن مجمع ، عن يونس بن خباب ، عن ابن جبير بن مطعم - يعني نافع بن جبير - عن ابن عباس - وحدثنا عمر بن الخطاب - يعني السجستاني - حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن يونس بن خباب - عن ابن جبير بن مطعم - عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي ، وأهلي ومالي ، اللهم استر عورتي ، وآمن روعتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بك اللهم أن أغتال من تحتي " تفرد به البزار وحسنه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري ، حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، سمعت عبد الله بن عمر يقول : لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي : " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " قال وكيع : يعني الخسف .

ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم من حديث عبادة بن مسلم ، به وقال الحاكم : صحيح الإسناد .

القول في تأويل قوله : ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى قوله: (لآتينهم من بين أيديهم)، من قبل الآخرة =(ومن خلفهم)، من قبل الدنيا =(وعن أيمانهم)، من قِبَل الحق =(وعن شمائلهم)، من قبل الباطل.

* ذكر من قال ذلك:

14369- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، يقول: أشككهم في آخرتهم =(ومن خلفهم)، أرغبهم في دنياهم =(وعن أيمانهم)، أشبِّه عليهم أمرَ دينهم =(وعن شمائلهم)، أشَهِّي لهم المعاصي.

* * *

وقد روي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل, وذلك ما:-

14370- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، يعني من الدنيا =(ومن خلفهم)، من الآخرة =(وعن أيمانهم)، من قبل حسناتهم =(وعن شمائلهم)، من قبل سيئاتهم.

* * *

وتحقق هذه الرواية، الأخرى التي:

14371- حدثني بها محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال: أما بين " أيديهم "، فمن قبلهم ، وأما " من خلفهم "، فأمر آخرتهم ، وأما " عن أيمانهم "، فمن قبل حسناتهم ، وأما " عن شمائلهم "، فمن قبل سيئاتهم.

14372- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية, أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار=" ومن خلفهم "، من أمر الدنيا, فزيَّنها لهم ودعاهم إليها =" وعن أيمانهم "، من قبل حسناتهم بطَّأهم عنها =" وعن شمائلهم "، زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يابن آدم من كل وجه, غير أنه لم يأتك من فوقك, لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله!

* * *

وقال آخرون: بل معنى قوله: (من بين أيديهم)، من قبل دنياهم =(ومن خلفهم)، من قبل آخرتهم.

* ذكر من قال ذلك:

14373- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم)، قال: (من بين أيديهم)، من قبل دنياهم =(ومن خلفهم)، من قبل آخرتهم =(وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم =(وعن شمائلهم)، من قبل سيئاتهم.

14374- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال: (من بين أيديهم)، من دنياهم =(ومن خلفهم)، من آخرتهم =(وعن أيمانهم)، من حسناتهم =(وعن شمائلهم)، من قِبَل سيئاتهم.

14375- حدثنا سفيان قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم)، قال: من قبل الدنيا يزيِّنها لهم =(ومن خلفهم) من قبل الآخرة يبطّئهم عنها =(وعن أيمانهم)، من قبل الحق يصدّهم عنه =(وعن شمائلهم)، من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزينه لهم.

14376- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، أما(من بين أيديهم)، فالدنيا، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها =(ومن خلفهم)، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم (40) =(وعن أيمانهم)، يعني الحق فأشككهم فيه =(وعن شمائلهم)، يعني الباطل أخفّفه عليهم وأرغّبهم فيه.

14377- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من بين أيديهم)، من دنياهم، أرغّبهم فيها =(ومن خلفهم)، آخرتهم، أكفّرهم بها وأزهِّدهم فيها =(وعن أيمانهم)، حسناتهم أزهدهم فيها =(وعن شمائلهم)، مساوئ أعمالهم، أحسِّنها إليهم.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون.

* ذكر من قال ذلك:

14378- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قول الله: (من بين أيديهم وعن أيمانهم)، قال: حيث يبصرون =(ومن خلفهم) =(وعن شمائلهم)، حيث لا يبصرون.

14379- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

14380- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير, عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم = زاد ابن حميد, قال: " يأتيهم من ثَمَّ".

14381- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل, فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل . وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه, وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به, فيصدّهم عنه, وذلك " من بين أيديهم وعن أيمانهم " = ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه, فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه, وذلك " من خلفهم وعن شمائلهم ".

* * *

وقيل: ولم يقل: " من فوقهم "، لأن رحمة الله تنـزل على عباده من فوقهم.

* ذكر من قال ذلك:

14382- حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، ولم يقل: " من فوقهم ", لأن الرحمة تنـزل من فوقهم.

* * *

وأما قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين). فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به, من إسجادك له ملائكتك, وتفضيلك إياه عليَّ = و " شكرهم إياه "، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده, واتّباع أمره ونهيه.

* * *

وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:-

14383- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين)، يقول: موحِّدين.

---------------------

الهوامش :

(40) في المطبوعة : (( وأبعدها )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

التدبر :

لمسة
[17] ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ لم يذكر هنا من فوقهم ولا من تحتهم؛ لأن رحمة الله سبحانه وتعالى تنزل منها، إذا رفع الإنسان يده إليه بالدعاء فليس لإبليس يدٌ في ذلك، وإذا وضع جبهته على الأرض ساجدًا داعيًا الله سبحانه وتعالى غُفر له فلم يذكر أنه سيأتي من تحتهم؛ لأنه ليس لإبليس موضع مع السجود.
لمسة
[17] ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ لم تأت الآية الكريمة بجهة العلو والأسفل؛ لأن الطريق إلى الله سالك، ومحصن من وساوس الشيطان، وأن طريق الافتقار إلى الله أيضًا طريق سالك ومحصن، فهناك جهتان آمنتان محصنتان، جهة العلو وجهة الافتقار إلى الله.
وقفة
[17] ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ قال قتادة: «أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله».
لمسة
[17] قال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ ولم يقل: (من فوقهم)؛ لأنه علم أن الله من فوقهم.
تفاعل
[17] ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يعصمك من الشيطان.
عمل
[17] قصة آدم مع إبليس تؤكد أن هذا العدو قد أعدَّ لك عدته، فأعِدّ أنت العدة لردّ مكائده ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.
وقفة
[17] أعظم غايات إبليس أن يكفر الإنسان بنعمة ربه ولا يشكرها ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.
عمل
[17] أكْثِرْ اليوم من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وقول: «اللهم احفظني من بيْن يديّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي».
وقفة
[17] ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ الجهات الأربع: 1- ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: أصْرِفهم عن الآخرة والاستعداد لها. 2- ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: أي أشغلهم بذرياتهم من بعدهم. 3- ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: الأيمان محل الطاعة، فأشغلهم عن فعل الطاعات. 4- ﴿وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾: أزين لهم المعاصي، وأحسّنها لهم.
وقفة
[17] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أشككهم في آخرتهم، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أرغبهم في دنياهم، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ أشبه عليهم أمر دينهم، ﴿وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ أزين لهم المعاصي.
وقفة
[17] ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ عرف إبليس قدر مقام الشكر، وأنه من أجلِّ المقامات وأشرفها، فجعل غايته أن يقطع الناس عنه.
وقفة
[17] ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ حصار الشيطان للإنسان قد يكون حصارًا زمانيًّا بأن يغطي كل لحظة في حياته من الماضي أو المستقبل، فقد أتاهم من بين أيديهم؛ أي من جهة المستقبل ليقنّطهم من توفيق الله، ومن خلفهم؛ أي من قِبَل الماضي فآيسهم فيها من رحمة الله.
وقفة
[17] ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ تهديد آخر من إبليس اللعين بغواية وإضلال بني آدم بحيث لا يفلت منه إلا القليل بعد أن توعّدهم بقوله: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾؛ وذلك بعدم شكرهم، فالشكر نقيضه الكفر: ﴿واشكرو لي ولا تكفرون﴾ [البقرة: 152].
وقفة
[17] ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ رآه وهو يلعق غطاء (الزبادي) قبل إلقائه، فصاح: «انظروا لمن يأمرنا بانتعال المال»، قال له: «ارتكبت خطأين: الإسراف، وخطأ الفهم».
عمل
‏[17] ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ قال أحدهم: «سليمان الراجحي قبل سنوات رأى فتات خبز تركته، مد يده وأكله، فأخذت درسًا صامتًا لن أنساه ما حييت»: احترام دقائق النعم من شكرها، علموا أولادكم احترامها.
لمسة
[17] لماذا جاء النفي بـ ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ ولم يقل: (ولن تجد أكثرهم شاكرين)؟ بنى إبليس اللعين كلامه على ظنّه أن أكثر بني آدم لا يشكرون الله سبحانه، فاستعمل (لا) النافية؛ لأن (لن) فيها معنى التأكيد والتأبيد، مثل: ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143] للأبد، فـ (لن) كلمة متأكّد متثبت يجزم بوقوع الحادثة، وإبليس لا يستطيع أن يقول هذا الكلام، لا يملك ذلك.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ:
  • معطوفة بثم على «لَأَقْعُدَنَّ» الواردة في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. من بين: جار ومجرور متعلق بآتينهم.
  • ﴿ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ:
  • أيدي: مضاف اليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء للثقل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة والجار والمجرور «ومن خلف» المعطوف بالواو يعرب إعراب «مِنْ بَيْنِ» و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي عطف وتعربان إعراب «مِنْ خَلْفِهِمْ» أي آتينهم مضلا.
  • ﴿ وَلا تَجِدُ:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. تجد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ:
  • مفعولان للفعل «تَجِدُ» الاول منصوب بالفتحة والثاني بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين الاسم المفرد. و «هم» في «أَكْثَرَهُمْ» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     لما توعد إبليسُ آدمَ وذريته بأن يُضلهَّم؛ بَيَّنَ هنا أنه سيأتي بني آدَمَ مِن جَميعِ الوُجوهِ، ومُختَلِفِ الطُّرُق، ليصدهم عن الإيمان والطاعة، ويحسن لهم الباطِلَ، ولَمَّا عَلِمَ الخبيثُ إبليسُ أنَّهم ضُعفاءُ، قد تغلِبُ الغفلةُ على كثيرٍ منهم، وكان جازمًا ببَذلِ مجهودِه على إغوائِهم؛ ظَنَّ وصَدَّق ظَنَّه، فقال تعالى:
﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [18] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا ..

التفسير :

[18] قال الله تعالى لإبليس:اخرج من الجنة ممقوتاً مطروداً، لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين.

أي:قال اللّه لإبليس لما قال ما قال:{ اخْرُجْ مِنْهَا} خروج صغار واحتقار، لا خروج إكرام بل{ مَذْءُومًا} أي:مذموما{ مَدْحُورًا} مبعدا عن اللّه وعن رحمته وعن كل خير.{ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} منك وممن تبعك منهم{ أَجْمَعِينَ} وهذا قسم منه تعالى، أن النار دار العصاة، لا بد أن يملأها من إبليس وأتباعه من الجن والإنس.

ثم حكى القرآن ما توعد الله به الشيطان واتباعه فقال: قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً أى:

اخرج من الجنة أو من تلك الروضة مهانا محقرا.

يقال: ذأمه يذأمه ذأما إذا عاقبه وحقره فهو مذءوم، وقوله: مَدْحُوراً أى: مطرودا مبعدا. يقال: دحره دحرا ودحورا طرده وأبعده.

لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ أى: لمن أطاعك من الجن والإنس لأملأن جهنم من كفاركم. كقوله- تعالى-: قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً.

واللام في قوله: لَمَنْ لتوطئة القسم والجواب لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ثم حكى القرآن ما أمر الله- تعالى- به آدم فقال:

أكد تعالى ، عليه اللعنة والطرد والإبعاد والنفي عن محل الملأ الأعلى بقوله : ( اخرج منها مذءوما مدحورا ) .

قال ابن جرير : أما " المذءوم " فهو المعيب ، والذأم غير مشدد : العيب . يقال : " ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم " ويتركون الهمز فيقولون : " ذمته أذيمه ذيما وذاما ، والذام والذيم أبلغ في العيب من الذم "

قال : " والمدحور " : المقصى . وهو المبعد المطرود .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما نعرف المذءوم " و " المذموم " إلا واحدا .

وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : ( اخرج منها مذءوما مدحورا ) قال : مقيتا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : صغيرا مقيتا . وقال السدي : مقيتا مطرودا . وقال قتادة : لعينا مقيتا . وقال مجاهد : منفيا مطرودا . وقال الربيع بن أنس : مذءوما : منفيا ، والمدحور : المصغر .

وقوله تعالى : ( لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ) كقوله ( قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 63 - 65 ] .

القول في تأويل قوله : قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته, وطرده إياه عن جنته, إذ عصاه وخالف أمره, وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به . يقول: قال الله له عند ذلك: (اخرج منها)، أي من الجنة =(مذؤُومًا مدحورًا)، يقول: مَعِيبًا.

* * *

و " الذأم "، العيب. يقال منه: " ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم ", ويتركون الهمز فيقولون: " ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا ", و " الذأم " و " الذيم "، أبلغ في العيب من " الذمّ"، وقد أنشد بعضهم هذا البيت: (41)

صَحِـبْتُكَ إذْ عَيْنِـي عَلَيْهَـا غِشَـاوَةٌ

فَلَمَّـا انْجَـلَتْ قَطَّعْـتُ نَفْسِـي أَذِيمُهَا (42)

وأكثر الرواة على إنشاده " ألومها ".

* * *

وأما المدحور: فهو المُقْصَى, يقال: " دحره يدحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا "، إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم: " ادحَرْ عنكَ الشيطان ". (43)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14384- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا.

14385- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " مذؤومًا " ممقوتًا.

14386- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبى قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (قال اخرج منها مذؤومًا)، يقول: صغيرًا منفيًّا.

14387- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، أما " مذؤومًا "، فمنفيًّا, وأما " مدحورا "، فمطرودًا.

14388- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (مذؤومًا)، قال: منفيًّا =(مدحورًا)، قال: مطرودًا.

14389- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: (اخرج منها مذؤومًا)، قال: منفيًّا. = و " المدحور ", قال: المصغَّر.

14390- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال:، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن يونس وإسرائيل, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس: (اخرج منها مذؤومًا)، قال: منفيًّا.

14391- حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, سأل ابن عباس: ما(اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، قال: مقيتًا. (44)

14392- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا)، فقال: ما نعرف " المذؤوم " و " المذموم " إلا واحدًا, ولكن تكون حروف منتقصة, وقد قال الشاعر لعامر: يا " عام ", ولحارث: " يا حار ", (45) وإنما أنـزل القرآن على كلام العرب.

* * *

القول في تأويل قوله : لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)

قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم = يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته = جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه, وخيَّب فيها أمله وأمنيته, ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه, (46) واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم, وسالف ما سلف من حسده لأبيهم, وبغيه عليه وعليهم, وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته, وليتذكر أولو الألباب, فينـزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها.

---------------------

الهوامش :

(41) هو الحارث بن خالد المخزومي .

(42) مضى البيت وشرحه وتخريجه ، وبغير هذه الرواية فيما سلف 1 : 265 .

(43) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 212 .

(44) الأثر : 14391 - (( أبو عمرو القرقساني )) ، (( عثمان بن يحيى )) ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب . ويزيد الأمر إشكالا أني وجدت أبا جعفر في تاريخه يذكر إسنادًا عن شيخ يقال له (( عثمان بن يحيى )) ، فيه نصه : (( حدثني عثمان بن يحيى ، عن عثمان القرقساني ، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) ، فجعل بين (( عثمان بن يحيى )) و (( سفيان بن عيينة )) رجلا يقال له (( عثمان القرقساني )) ! والذي في التفسير يدل على أن الراوي عن سفيان بن عيينة هو (( عثمان بن يحيى )) نفسه . فظني أن في إسناد التاريخ خطأ ، ولعل صوابه : (( حدثني عثمان بن يحيى بن عثمان القرقساني ، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) . هذا ما وجدت ، فعسى أن يجتمع عندي ما أتبين به صواب ذلك أو خطأه .

(45) في المطبوعة : (( ولكن يكون منتقصة ، وقال العرب لعامر ...)) ، وبين الكلام بياض . وفي المخطوطة : (( ولكن تكون ف منتقصة . وقد قال الشاعر ... )) بياض بين الكلام ، فغير ناشر المطبوعة ما في المخطوطة بلا أمانة . وفي المخطوطة فوق البياض (( كذا )) وفي الهامش حرف ( ط ) للدلالة على الخطأ . ودلتني لافاء بعد البياض أن صواب هذا الذي بيض له ناسخ المخطوطة هو (( حروف )) ، فاستقام الكلام .

ومثال الترخيم في (( عامر )) قول الحطيئة لعامر بن الطفيل :

يَـا عَـامِ ، قـد كُـنْتَ ذَا بَاعٍ وَمَكْرُمَةٍ

لَــوْ أَنَّ مَسْـعَاةَ مَـنْ جَارَيْتَـهُ أَمَـمُ

ومثال الترخيم في (( الحارث )) قول زهير :

يَـا حـارِ ، لا أُرْمَيَـنْ مِنْكُـمْ بِدَاهِيَـةٍ

لَــم يَلْقَهَـا سُـوقَةٌ قَبْـلِي وَلا مَلِـكُ

(46) في المطبوعة : (( ولم يكن ممن طمع فيها عدوه )) ، غير ما في المخطوطة لأنه لم يفهمه ، فأساء غاية الإساءة ، وافسد الكلام

التدبر :

وقفة
[18] ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا﴾ قال القشيري: «أخرجه من درجته، ومن حالته ورتبته، ونقله إلى ما استوجبه من طرده ولعنته، ثم تخليده أبدًا في عقوبته، ولا يذيقه ذرة من برد رحمته، فأصبح وهو مقدم على الجملة، وأمسى وهو أبعد الزمرة، وهذه آثار قهر العزة، فأي كبد يسمع هذه القصة ثم لا يتفتت؟!».
وقفة
[18] ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا﴾ ليس في القرآن غيره؛ لأنه سبحانه لمّا بالغ في الحكاية عنه بقوله ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ...﴾ [16]، بالغ في ذمه فقال: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا﴾، والذأم أشد الذم.
وقفة
[18] ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ خطورة المعصية، وأنها سبب لعقوبات الله الدنيوية والأخروية.
لمسة
[18] ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قسم إلهي مرعب بأن النار دار العصاة، ولا بد أن يملأها الله من إبليس وأتباعه من الجن والإنس.
وقفة
[18] ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ دلت الآية على أن التابع والمتبوع في الباطل يجتمعان غدًا في النار، ويشمل هذا من اتبع إبليس، أو اتبع جنديًّا من جنود إبليس.
تفاعل
[18] ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة بعده في محل نصب مفعول به- مقول القول-. اخرج: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. منها: جار ومجرور متعلق باخرج. مذؤوما مدحورا: الكلمتان: منصوبتان على الحال وعلامة النصب الفتحة.
  • ﴿ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ:
  • اللام: موطئة للقسم. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل مبتدأ. تبع: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بمن والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. والجملة من الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». منهم: جار ومجرور متعلق بحال محذوف من الموصول «من
  • ﴿ لَأَمْلَأَنَّ:
  • اللام واقعة في جواب القسم المقدر. وجملة «املأن» جواب القسم لا محل لها. أملأنّ: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. وجملة «لَأَمْلَأَنَّ» جواب قسم سدّ مسدّ جواب الشرط أي جواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم.
  • ﴿ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ:
  • جهنم: مفعول به منصوب بالفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث. منكم: جار ومجرور متعلق بأملانّ والميم علامة جمع الذكور بمعنى منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب.
  • ﴿ أَجْمَعِينَ:
  • توكيد معنوي مفرده: أجمع: مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو تأكيد لما قبله أي الى «منك ومنهم». والنون عوض عن حركة المفرد. '

المتشابهات :

الأعراف: 18﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ
الإسراء: 18﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا
الإسراء: 39﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     لما قال إبليس ذلك؛ أمره اللهُ عز وجل بالخروج من الجنة للمرة الثانية، وتوعده بأن يملأ النار منه ومن أتباعه من الجن والإنس، قال تعالى:
﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مذموما:
وقرئ:
مذموما، بضم الذال من غير همز، وهى قراءة الزهري، وأبى جعفر، والأعمش.
لمن:
وقرئ:
1- بفتح اللام، على أنها اللام الموطئة للقسم، وهى قراءة الجمهور.
2- بكسر اللام، على معنى: لأجل من تبعك، وهى قراءة الجحدري.

مدارسة الآية : [19] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ..

التفسير :

[19] ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة، فكُلا من ثمارها حيث شئتما، ولا تأكلا من ثمرة شجرة (عَيَّنها لهما)، فإن فعلتما ذلك كنتما من الظالمين المتجاوزين حدود الله.

أي:أمر اللّه تعالى آدم وزوجته حواء، التي أنعم اللّه بها عليه ليسكن إليها، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا، إلا أنه عين لهما شجرة، ونهاهما عن أكلها، واللّه أعلم ما هي، وليس في تعيينها فائدة لنا. وحرم عليهما أكلها، بدليل قوله:{ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}

صدر الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بالمأمور به، وتخصيص الخطاب بآدم- عليه السلام- للإيذان بأصالته بالتلقى وتعاطى المأمور به.

وقوله: اسْكُنْ من السكنى وهو اللبث والإقامة والاستقرار، دون السكون الذي هو ضد الحركة.

والزوج. يطلق على الرجل والمرأة. والمراد به هنا حواء، حيث تقول العرب للمرأة زوج ولا تكاد تقول زوجة.

والجنة. هي كل بستان ذي شجر متكاثف ملتف الأغصان، يظلل ما تحته ويستره من الجن وهو ستر الشيء عن الحواس.

وجمهور أهل السنة على أن المراد بها هنا دار الثواب التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة، لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.

ويرى جمهور علماء المعتزلة أن المراد بها هنا بستان بمكان مرتفع من الأرض، خلقه الله لإسكان آدم وزوجته. واختلفوا في مكانه، فقيل انه بفلسطين، وقيل بغيرها.

وقد ساق ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح» أدلة الفريقين دون أن يرجح شيئا منها.

والذي نراه أن الأحوط والأسلم. الكف عن تعيينها وعن القطع به، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو منصور الماتريدى في التأويلات، إذ ليس لهذه المسألة تأثير في العقيدة.

وتوجيه الخطاب إليهما في قوله: فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به. أى: كلا من مطاعم الجنة وثمارها أكلا واسعا من أى مكان أردتم.

ثم بين- سبحانه- أنه نهاهم عن الأكل من شجرة معينة فقال: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.

القرب: الدنو والمنهي عنه هو الأكل من ثمار الشجرة. وتعليق النهى على القرب منها القصد منه المبالغة في النهى عن الأكل، إذ في النهى عن القرب من الشيء نهى عن فعله من باب أولى. وأكد النهى بأن جعل عدم اجتناب الأكل من الشجرة ظلما. فقال: فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ وقد ظلما أنفسهما إذ أكلا منها، فقد ترتب على أكلا منها أن أخرجا من الجنة التي كانا يعيشان فيها عيشة راضية.

وقد تكلم العلماء كثيرا عن اسم هذه الشجرة ونوعها فقيل هي التينة، وقيل هي السنبلة، وقيل هي الكرمة ... إلخ إلا أن القرآن لم يذكر نوعها على عادته في عدم التعرض لذكر ما لم يدع المقصود من سياق القصة إلى بيانه.

وقد أحسن ابن جرير في التعبير عن هذا المعنى فقال: «والصواب في ذلك أن يقال: ان الله- تعالى- نهى آدم وزوجه عن الأكل من شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها، ولا علم عندنا بأى شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة، وقد قيل كانت شجرة البر، وقيل شجرة العنب، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به»

يذكر تعالى أنه أباح لآدم ، عليه السلام ، ولزوجته حواء الجنة أن يأكلا منها من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة . وقد تقدم الكلام على ذلك في " سورة البقرة "

القول في تأويل قوله : وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما). فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها, وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها, ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها.

* * *

وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع, فكرهنا إعادته. (47)

* * *

=(فتكونا من الظالمين)، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله.

------------------------

الهوامش :

(47) انظر ما سلف 1 : 512 - 524 .

التدبر :

وقفة
[19] ﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ لا يكتمل البيت الذي تسكن فيه إلا بالزوجة التي تسكن إليها.
وقفة
[19] ﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنةَ﴾ طمأن الله آدم بالرفيق قبل الدار؛ جمال الديار بسكانها.
وقفة
[19] ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لا ينهانا الله ﷻ عن الحرام فقط، بل عن الاقتراب منه؛ لأنه كالراعي حول الحِمى يوشك أن يقع فيه.
وقفة
[19] ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أراد ربنا وقايتنا من الحرام فأمرنا بعدم الاقتراب منه؛ كي لا تجذبنا دوامة الحرام عند الدنو منها.
لمسة
[19] ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ النهي عن القرب يقتضي النهي عن الأكل بطريق الأولى، وإنما نهى عن القرب؛ سدًّا للذريعة، فهذا أصل في سدّ الذرائع.

الإعراب :

  • ﴿ وَيا آدَمُ:
  • الواو: عاطفة. يا: أداة نداء. آدم: منادى مبني على الضم في محل نصب والاسم ممنوع من الصرف. والتقدير وقلنا يا آدم .. المنادى وما تلاها في محل نصب مفعول به للفعل المحذوف المقدر أي- مقول القول-.
  • ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ:
  • اسكن: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع توكيد للضمير المستكن في «اسْكُنْ» وزوجك:معطوفة بالواو على «أَنْتَ» مرفوعة بالضمة والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. الجنة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما:
  • الفاء: عاطفة. كلا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والألف ضمير متصل- ألف الاثنين- مبني على السكون في محل رفع فاعل. من: حرف جر. حيث: ظرف مكان مبني على الضم في محل جر بمن متعلق بكلوا. شئتما: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. الميم: حرف عماد والألف: حرف دال على تثنية المخاطب. وجملة «شِئْتُما» في محل جر مضاف اليه لوقوعها بعد «حَيْثُ» وفي قوله تعالى «اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ» حذف عامل المعطوف بالواو مع بقاء الواو وبقاء معطوفها والمعطوف عليه لان الكلام دال عليه. التقدير: ولتسكن زوجك الجنة.
  • ﴿ وَلا تَقْرَبا:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة. تقربا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والألف- ألف الاثنين- ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ هذِهِ الشَّجَرَةَ:
  • هذه:اسم اشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به. الشجرة: بدل من «هذِهِ» منصوبة مثلها وقيل أصل «هذِهِ» «هذي» والهاء بدل منها.
  • ﴿ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ:
  • الفاء سببية وهي بمعنى: لكي أو لكيلا وهنا الفاء تساوي في المعنى: لكيلا وهي عاطفة. تكونا: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية وعلامة نصبه حذف النون والألف- ألف التثنية- ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «تكون».من الظالمين: جار ومجرور متعلق بخبر «تكون» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين الاسم المفرد وحركته وجملة «تكونا من الظالمين» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق. '

المتشابهات :

البقرة: 35﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا
الأعراف: 19﴿وَ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل كيف يهين أعدائه؛ بَيَّنَ هنا كيف يكرم أولياءه؛ فذكر بعد طرده لإبليس إكرامه لآدم عليه السلام ، قال تعالى:
﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [20] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا ..

التفسير :

[20] فألقى الشيطان لآدم وحواء وسوسة لإيقاعهما في معصية الله تعالى بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها؛ لتكون عاقبتهما انكشاف ما سُتر من عوراتهما، وقال لهما في محاولة المكر بهما:إنما نهاكما ربكما عن الأكل مِن ثمر هذه الشجرة مِن أجل أن لا تكونا ملَك

فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره، فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها، وموه عليهما وقال:{ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} أي:من جنس الملائكة{ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} كما قال في الآية الأخرى:{ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}

قوله- تعالى-: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أى: ألقى إليهما إبليس الوسوسة، والوسوسة في الأصل الصوت الخفى، ومنه قيل لصوت الحلي. وسواس. والمراد بها هنا: الحديث الخفى الذي يلقيه الشيطان في قلب الإنسان ليقارف الذنب.

وقوله: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما. وُورِيَ من المواراة وهي الستر.

والسوءة. فرج الرجل والمرأة، من السوء. وسميت بذلك، لأن انكشافها يسوء صاحبها. وقيل الكلام كناية عن إزالة الحرمة وإسقاط الجاه.

والمعنى: أن إبليس وسوس إلى آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة المحرمة لتكون عاقبة ذلك أن يظهر لهما ما ستر عنهما من عوراتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر. وفي هذا التعبير تصريح بأن كشف العورة من أقبح الفواحش التي نهى الله- تعالى- عنها.

وقد حكى القرآن أن إبليس لم يكتف بالوسوسة، وإنما خدعهما بقوله: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.

أى قال لهما: ما نهاكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا كراهية أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين.

وقوله: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ استثناء مفرغ من المفعول لأجله بتقدير مضاف أو حذف حرف النفي ليكون علة. أى كراهية أن تكونا ملكين.

فعند ذلك حسدهما الشيطان ، وسعى في المكر والخديعة والوسوسة ليسلبا ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن ، وقال كذبا وافتراء : ما نهاكما ربكما عن أكل الشجرة إلا لتكونا ملكين أي : لئلا تكونا ملكين ، أو خالدين هاهنا ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما كقوله : ( قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) [ طه : 120 ] أي : لئلا تكونا ملكين ، كقوله : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) [ النساء : 176 ] أي : لئلا تضلوا ، ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) [ النحل : 15 ] أي : لئلا تميد بكم .

وكان ابن عباس ويحيى بن أبي كثير يقرءان : " إلا أن تكونا ملكين " بكسر اللام . وقرأه الجمهور بفتحها .

القول في تأويل قوله : فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فوسوس لهما)، فوسوس إليهما, وتلك " الوسوسة " كانت قوله لهما: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ، وإقسامه لهما على ذلك.

* * *

وقيل: " وسوس لهما ", والمعنى ما ذكرت, كما قيل: " غَرِضت إليه ", بمعنى: اشتقْتُ إليه, وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. (48) فكذلك معنى ذلك.

فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة:

* وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (49)

* * *

ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء, وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.

* * *

وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:-

14393- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن ابن منبه, في قوله: فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (50)

* * *

القول في تأويل قوله : وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين.

* * *

= وأسقطت " لا " من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها, كما أسقطت من قوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ، [سورة النساء: 176]. والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا.

* * *

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين, كما يقال: " إياك أن تفعل " كراهيةَ أن تفعل.

* * *

=" أو تكونا من الخالدين "، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (51)

* * *

والقراءة على فتح " اللام "، بمعنى: ملكين من الملائكة.

* * *

وروي عن ابن عباس، ما:-

14394- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى, عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ: " إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ"، بكسر " اللام ".

* * *

وعن يحيى بن أبي كثير، ما:-

14395- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج, عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم, عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: " مَلِكَيْنِ"، بكسر " اللام ".

* * *

وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ، [سورة طه: 120].

* * *

قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها, القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح " اللام " من: " مَلَكَيْنِ", بمعنى: ملكين، من الملائكة ، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة, فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه.

----------------------

الهوامش :

(48) في المطبوعة : (( كما قيل : عرضت له ، بمعنى : استبنت إليه )) ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا ، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له . وكان في المخطوطة : (( كما قيل : عرضت إليه بمعنى : اشتقت إليه )) ، هكذا ، وصواب قراءتها ما أثبت .

وقوله : (( غرضت إليه )) بمعنى : اشتقت إليه ، (( إنما تعني : غرضت من هؤلاء إليه )) ، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة :

مَــنْ ذَا رَسُــولٌ نــاصِحٌ فَمُبَلِّـغٌ

عَنِّـي عُلَيَّـةَ غَـيْرَ قَـوْلِ الكـاذِبِ ?

أَنِّـي غَــرِضْتُ إلَـى تَنَاصُفِ وَجْهِهَا

غَـرَضَ المُحِـبِّ إلـى الحَبِيبِ الغائِبِ

قوله : (( تناصف وجهها )) ، أي محاسن وجهها التي ينصف بعضها بعضًا في الحسن . قال الأخفش : (( تفسيره : غرضت من هؤلاء إليه ، لأن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل )) ويريد الأخفش أنهم يقولون : (( غرض غرضًا )) ، إذا ضجر وقلق ومل ، فلما أدخل مع الفعل (( إلى )) ، صار معناه : ضجر من هذا نزاعًا واشتياقًا إلى هذا .

وموضع الاستشهاد أن (( الوسوسة )) الصوت الخفي من حديث النفس ، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما ، فلذلك أدخل على (( الوسوسة )) (( اللام )) و (( إلى )) . ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا .

(49) ديوانه : 108 ، اللسان ( وسس ) ، وهذا بيت من أرجوزته التي مضت منها أبيات كثيرة . وهذا البيت من أبيات في صفة الصائد المختفي ، يترقب حمر الوحش ، ليصيب منها . يقول لما أحس بالصيد وأراد رميه ، وسوس نفسه بالدعاء حذر بالدعاء حذر الخيبة ورجاء الإصابة .

(50) الأثر : 14393 - (( حوثرة بن محمد بن قديد المنقري )) ، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن صاعد ، وغيرهم . ذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 /2 / 283 .

(51) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .

التدبر :

لمسة
[20] ﴿فَوَسْوَسَ﴾ تكرار الحروف في الكلمة الواحدة، إيذان بتكرار العمل، فالشيطان وسوس إلى الأبوين المرة بعد المرة، وهذه عادته ودأبه في إغواء البشر.
لمسة
[20] ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ ما الفرق بين النزغ والوسوسة؟ النزغ هو الإفساد بين الناس، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم، قال تعالى: ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ [يوسف: ١٠٠]، مع إخوة يوسف لم يقل: (وسوس)؛ لأنه كانت هناك خصومة، فقد أفسد بينهم فحاولوا أن يقتلوا يوسف، والوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ، الوسوسة أن يزين له أمرًا كفعل معصية، وأصلها الصوت الخفي، قد يكون غير مسموع وقد يكون مسموعًا، بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلامًا، لم يكن بين آدم وحواء خصومة فقال: وسوس.
تفاعل
[20] ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[20] سلاح إبليس الذي يحارب به ابن آدم هو الوسوسة والتزيين لا غير ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾.
لمسة
[20] ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا﴾ اللاَّم هنا (لامُ العاقبة والصَّيرورة)، لا لام (كيْ)؛ لأن الغرض إخراجهما من الجنَّة، لا كشف عورتهما، كما في قوله تعالى: ﴿فالتقطَهُ آلُ فِرعونَ ليكونَ لهمْ عَدُوًّا وَحَزَناً﴾ [القصص: 8]، وقول الشاعر: لِدُوا لِلمَوْتِ وَاِبْنُوا لِلخَرَابِ ... فَكُلُّكُمُ يَصيرُ إِلى التُّراب
وقفة
[20] ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا﴾ سلاح إبليس الأول في كيد بني آدم هو التعري.
وقفة
[20] ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا﴾ لم يكتف عدو الله بإِخراج أبوينا من الجنة فقط بل اجتهد في أن تتكشف عوراتهما.
وقفة
[20] من أهم وظائف الشيطان طرح الحياء وإشاعة الفحشاء ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا﴾.
وقفة
[20] ﴿مِن سَوْآتِهِمَا﴾: من عوراتهما، وسمي الفرج عورة؛ لأن إظهاره يسوء صاحبه، ودل هذا على قبح كشفها.
وقفة
[20] ﴿إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ في قراءة ابن عباس والضحاك: ملكين، بكسر اللام، فأول مدخل دخل به الشيطان على الإنسان كان حب الملك والخلود، وهو نفس المرض الذي ابتليت به الأمة اليوم: الوهن، وهو حب الدنيا وهو الملك، وكراهية الموت وهو الخلود، فانظر كيف امتد هذا المرض إلى اليوم.

الإعراب :

  • ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ:
  • الفاء: استئنافية. وسوس: فعل ماض مبني على الفتح. لهما: جار ومجرور متعلق بوسوس. الميم: حرف عماد والألف علامة التثنية. الشيطان: فاعل مرفوع بالضمة. ولهما هنا بمعنى:إليهما.
  • ﴿ لِيُبْدِيَ لَهُما:
  • اللام: للتعليل حرف جر. يبدي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لهما: أعربت وهي متعلقة بيبدي. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام. وجملة «يبدي» صلة أن لا محل لها. والجار والمجرور متعلق بوسوس.
  • ﴿ ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وري: بمعنى «خفي» فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والفعل مبني للمعلوم ورد بصيغة المجهول. يقال: ورى تورية ووارى مواراة بمعنى «أخفى» عنهما: تعرب إعراب «لَهُمَا» متعلق بوري وجملة «وري وما تلاها» صلة الموصول لا محل لها. من سوآتهما: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «ما» والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم حرف عماد والألف علامة التثنية.
  • ﴿ وَقالَ:
  • الواو: عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي وقال لهما.
  • ﴿ ما نَهاكُما رَبُّكُما:
  • الجملة وما تلاها: في محل نصب مفعول به- مقول القول-. ما: نافية لا عمل لها». نهى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الميم: حرف عماد والألف للتثنية. ربّ: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. الميم: حرف عماد والألف علامة دالة على التثنية.
  • ﴿ عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بنهى. هذه الشجرة: اسم إشارة مبني على الكسر في محل جر بعن. الشجرة: بدل من اسم الاشارة مجرور وعلامة جره الكسرة.إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ:
  • ﴿ إلّا: حرف تحقيق بعد النفي. أن: حرف مصدري ناصب. تكونا: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «تكون». ملكين: خبرها منصوب بالياء لأنه مثنى والنون عوض عن تنوين المفرد. وجملة «تَكُونا مَلَكَيْنِ» صلة «أَ
  • أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ:
  • ﴿ أو: حرف عطف للتخيير. تكونا: معطوفة على «تَكُونا» الاولى وتعرب إعرابها. من الخالدين: جار ومجرور متعلق بخبر«تكون» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا سكن آدم وحواء الجنة؛ هنا وسوس إبليسُ إلى آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة المحرمة، قال تعالى:
﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وورى:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أورى، بأبدال الواو همزة، وهو بدل جائز، وهى قراءة عبد الله.
3- ورى، بواو مضمومة من غير واو بعدها، وهى قراءة ابن وثاب.
سوءاتهما:
وقرئ:
1- سوتهما، بالإفراد وتسهيل الهمزة وإبدالها واوا وإدغام الواو فيها، وهى قراءة مجاهد، والحسن.
2- سواتهما، بتسهيل الهمز وتشديد الواو، وهى قراءة الحسن أيضا، وأبى جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح.
3- سواتهما، بواو واحدة وحذف الهمزة.
ملكين:
وقرئ:
بكسر اللام، وهى قراءة ابن عباس، والحسن بن على، والضحاك، ويحيى كثير، والزهري.

مدارسة الآية : [21] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ

التفسير :

[21] وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة، وهو كاذب في ذلك.

ومع قوله هذا أقسم لهما باللّه{ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} أي:من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت، فاغترا بذلك، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل.

ثم حكى القرآن أن إبليس لم يكتف بالوسوسة أو بالقول المجرد، وإنما أضاف إلى ذلك القسم المؤكد فقال: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ أى: أقسم لهما بالله إنه لهما لمن الناصحين المخلصين الذين يسعون لما فيه منفعتهما.

قال الآلوسى: إنما عبر بصيغة المفاعلة للمبالغة، لأن من يبارى أحدا في فعل يجد فيه. وقيل المفاعلة على بابها، والقسم وقع من الجانبين، لكنه اختلف متعلقه، فهو أقسم لهما على النصح وهما أقسما له على القبول.

( وقاسمهما ) أي : حلف لهما بالله : ( إني لكما لمن الناصحين ) فإني من قبلكما هاهنا ، وأعلم بهذا المكان ، وهذا من باب المفاعلة والمراد أحد الطرفين ، كما قال خالد بن زهير ، ابن عم أبي ذؤيب :

وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذ ما نشورها

أي : حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله ، فقال : إني خلقت قبلكما ، وأنا أعلم منكما ، فاتبعاني أرشدكما . وكان بعض أهل العلم يقول : " من خادعنا بالله خدعنا له " .

القول في تأويل قوله : وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما)، وحلف لهما, كما قال في موضع آخر: تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ ، [سورة النمل: 49]، بمعنى تحالفوا بالله ، وكما قال خالد بن زهير[ابن] عمّ أبي ذويب: (52)

وَقَاسَــمَهَا بِاللــهِ جَــهْدًا لأَنْتُــمُ

ألَـذُّ مِـنَ السَّـلْوَى إِذَا مَـا نَشُـورُهَا (53)

بمعنى: وحالفهما بالله ، وكما قال أعشى بني ثعلبة:

رَضِيعَــيْ لِبَـانٍ, ثَـدْيَ أُمٍّ تَقَاسَـمَا

بِأَسْــحَمَ دَاجٍ عَــوْضُ لا نَتَفَــرَّقُ (54)

بمعنى تحالفا.

* * *

وقوله: (إني لكما لمن الناصحين) أي: لممن ينصح لكما في مشورته لكما, وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به، من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين أو كنتما من الخالدين، كما:-

14396- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)، فحلف لهما بالله حتى خدعهما, وقد يُخْدع المؤمن بالله, فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما, فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: " من خادَعنا بالله خُدِعْنا ".

--------------------

الهوامش :

(52) جاء في المطبوعة والمخطوطة (( خالد بن زهير عم أبي ذؤيب )) ، ولم أجد هذا القول لأحد ، بل الذي قالوه أن (( خالد بن زهير الهذلي )) ، هو ابن أخت أبي ذؤيب ، أو ابن أخيه ، أو : ابن عم أبي ذؤيب . فالظاهر أن صواب الجملة هو ما أثبت . انظر خزانة الأدب 2 : 320 ، 321 /3 : 597 ، 598 ، 647 ، 648 .

(53) ديوان الهذلين 1 : 158 ، من قصائده التي تقارضها هو وأبو ذؤيب في المرأة التي كانت ضصديقة عبد عمرو بن مالك ، فكان أبو ذؤيب رسوله إليها ، فلما كبر عبد عمرو احتال لها أبو ذؤيب فأخذها منه وخادنها . وغاضبها أبو ذؤيب ، فكان رسوله إلى هذه المرأة ابن عمه خالد بن زهير ، ففعل به ما فعل هو بعبد عمرو بن مالك ، أخذ منه المرأة فخادنه ، فغاضبه أبو ذؤيب وغاضبها ، وقال لها حين جاءت تعتذر إليه :

تُرِيــدينَ كَيْمَـا تَجْـمَعِينِي وَخَـالِدًا !

وَهَـلْ يُجْمَعُ السَّيْفَان وَيْحَكِ فِي غِمْدِ !

أَخَـالِدُ ، مَـا رَاعَيْـتَ مـن ذِي قَرَابَةٍ

فَتَحْـفَظَنِي بِـالْغَيْبِ، أوْ بَعْضَ مَا تُبْدِي

دَعَــاكَ إلَيْهَــا مُقْلَتَاهــا وَجِيدُهَـا

فَمِلْـتَ كَمَـا مَـالَ المُحِـبُّ عَلَى عَمْدِ

ثم قال لخالد :

رَعَـي خَـالِدٌ سِـرِّي ، لَيَـالِيَ نَفْسُـهُ

تَـوَالَى عـلى قَصْـدِ السَّـبِيلِ أُمُورُهَا

فَلَمَّــا تَرَامَــاهُ الشَّــبَابُ وَغَيُّــهُ،

وَفـي النَّفْسِ مِنْـهُ فِتْنَـةٌ وَفُجُورُهَـا

لَـوَى رَأْسَـهُ عَنِّـي ، ومَــالَ بِـوُدِّه

أَغَـانِيجُ خَـوْدٍ كَـانَ قِدْمًـا يَزُورُهَـا

فأجابه خالد من أبيات :

فَـلا تَجْـزَعَنْ مِـنْ سُـنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَها

وَأَوَّلُ رَاضٍ سُــنَّةً مَــنْ يَسِـيرُهَا

فَـإنَّ الَّتِـي فِينَـا زَعَمْـتَ ، ومِثْلُهَـا

لَفِيــكَ ، وَلَكِــنِّي أَرَاكَ تَجُورُهَــا

تَنَقَّذْتَهَـا مِـنْ عَبْـدِ عَمْـرو بن مَالِكٍ

وأَنْـتَ صَفِـيُّ النَّفْسِ مِنْـهُ وَخِيرُهـا

يُطِيــلُ ثَــوَاءً عِنْدَهــا لِيَرُدَّهَــا

وَهَيْهَـاتَ مِنْـهُ دُورُهَــا وقُصُورهـا

وَقَاسَـــمَهَا باللــه ...............

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

و(( السلوى )) ، العسل . (( شار العسل يشوره )) ، أخذ من موضعه في الخلية .

(54) ديوانه : 150 ، اللسان ( عوض ) ( سحم ) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة . وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف 10 : 451 ، تعليق : 1 = و (( الأسحم )) ، الضارب إلى السواد ، و (( عوض )) لما يستقبل من الزمان بمعنى : (( أبدًا )) . واختلفوا في معنى (( بأسحم داج )) ، وإقسامه به . فقالوا : أراد الليل . وقالوا : أراد سواد حلمة سدي أمه . وقيل أراد الرحم وظلمته . قيل : أراد الدم ، لسواده ، تغمس فيه اليد عند التحالف .

التدبر :

وقفة
[21] ﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾ الكاذبُ غالبًا يحلف لك دون أن تطلب منه ذلك.
وقفة
[21] ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ النصح كلٌّ يدعيه حتى الشيطان الرجيم, ويزيد الشيطان أنه يقسم بالله, فلا تغتر بما تسمعه من ألفاظ حتى ترى الأفعال.
وقفة
[21] ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ أقسم لأبينا آدم فكذب، فكيف به معنا؟! أعاذنا الله وإياكم منه.
وقفة
[21] قوله تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ ليس من القِسمة، بل من القَسَم، أي حلف لهما الشيطان.
وقفة
[21] الكذب كان مطية إبليس في إخراج آدم وزوجه من الجنة ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾، فهل يليق بمؤمن أن يتصف بهذه الصفة السيئة؟!
وقفة
[21] ليس كل من يقسم بالله تعالى مدعيًا النصح يكون صادقًا؛ فتاريخ المقسم يبين حقيقته ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾.
وقفة
[21، 22] ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ ليحذرِ العاقلُ من ثقتِه بعقلِه وحِلمِه، فإنَّ عصمةَ آدمَ -مع قُربه من الله، وتقدُّم تحذير الله له من الشيطان- ما حالتْ بينه وبين الشيطان؛ ولذلك شُرعت الاستعاذة منه!

الإعراب :

  • ﴿ وَقاسَمَهُما:
  • الواو: عاطفة. قاسم: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل:ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. الميم: حرف عماد والألف علامة التثنية. وقاسمهما:بمعنى أقسم لهما وجاء على وزن المفاعلة للمبالغة.
  • ﴿ إِنِّي لَكُما:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسمها. لكما: جار ومجرور متعلق بالناصحين. الميم: حرف عماد. والألف للتثنية.
  • ﴿ لَمِنَ النَّاصِحِينَ:
  • اللام مزحلقة. للتوكيد. من الناصحين: جار ومجرور متعلق بخبر «إن» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد بتقدير: إني ناصح لكما. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     لما وسوس إبليسُ إلى آدم وحواء؛ لم يكتف بالوسوسة، وإنما أضاف القسم، فأقسم لهما أنه ناصح لهما، قال تعالى:
﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [22] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ ..

التفسير :

[22] فجرَّأهما وغرَّهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، فلما أكلا منها انكشفت لهما عوراتهما، وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة، فأخذا يَلْزَقان بعض ورق الجنة على عوراتهما، وناداهما ربهما جل وعلا:ألم أنهكما عن الأكل من تلك الشجرة، وأ

{ فَدَلَّاهُمَا} أي:نزَّلهما عن رتبتهما العالية، التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بأوضارها، فأقدما على أكلها.{ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} أي:ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع فظهرت عوراتهما، ولما ظهرت عوراتهما خَجِلا وجَعَلا يخصفان على عوراتهما من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك.{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا:{ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} فلم اقترفتما المنهي، وأطعتما عدوَّكُما؟

ثم حكى القرآن كيف نجح إبليس في خداع آدم وحواء فقال: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ. أى:

فأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية، وأطمعهما في غير مطمع بسبب ما غرهما به من القسم.

ودلاهما مأخوذ من التدلية، وأصله أن الرجل العطشان يدلى في البئر بدلوه ليشرب من مائها، فإذا ما أخرج الدلو لم يجد به ماء، فيكون مدليا فيها بغرور. والغرور إظهار النصح مع إضمار الغش، وأصله من غررت فلانا أى أصبت غرته وغفلته ونلت منه ما أريد.

ثم بين القرآن الآثار التي ترتبت على هذه الخديعة من إبليس لهما فقال: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.

أى: فلما خالفا أمر الله- تعالى- بأن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية، فتساقط عنهما لباسهما، وظهرت لهما عوراتهما. وشرعا يلزقان من ورق الجنة ورقة فوق أخرى على عوراتهما لسترها.

ويخصفان: مأخوذ من الخصف، وهو خرز طاقات النعل ونحوه بإلصاق بعضها ببعض، وفعله من باب ضرب.

قال بعض العلماء: «ولعل المعنى- والله أعلم- أنهما لما ذاقا الشجرة وقد نهيا عن الأكل منها ظهر لهما أنهما قد زلا، وخلعا ثوب الطاعة، وبدت منهما سوأة المعصية، فاستحوذ عليهما الخوف والحياء من ربهما، فأخذا يفعلان ما يفعل الخائف الخجل عادة من الاستتار والاستخفاء حتى لا يرى، وذلك بخصف أوراق الجنة عليهما ليستترا بها، وما لهما إذ ذاك حيلة سوى ذلك. فلما سمعا النداء الرباني بتقريعهما ولومهما ألهما أن يتوبا إلى الله ويستغفرا من ذنبهما بكلمات من فيض الرحمة الإلهية، فتاب الله عليهما وهو التواب الرحيم، وقال لهما فقط أولهما ولذريتهما، أو لهما ولإبليس: اهبطوا من الجنة إلى الأرض، لينفذ ما أراد الله من استخلاف آدم وذريته في الأرض، وعمارة الدنيا بهم إلى الأجل المسمى. ومنازعة عدوهم لهم فيها، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً .

ثم بين القرآن ما قاله الله- تعالى- لهما بعد أن خالفا أمره. فقال: وَناداهُما رَبُّهُما بطريق العتاب والتوبيخ أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ. أى عن الأكل منها وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ أى: ظاهر العداوة لا يفتر عن إيذائكما وإيقاع الشر بكما.

قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، قال : كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق ، كثير شعر الرأس . فلما وقع بما وقع به من الخطيئة ، بدت له عورته عند ذلك ، وكان لا يراها . فانطلق هاربا في الجنة فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة ، فقال لها : أرسليني . فقالت : إني غير مرسلتك . فناداه ربه ، عز وجل : يا آدم ، أمني تفر؟ قال : رب إني استحييتك .

وقد رواه ابن جرير ، وابن مردويه من طرق ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والموقوف أصح إسنادا .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا سفيان بن عيينة وابن المبارك ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته ، السنبلة . فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما ، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين ، يلزقان بعضه إلى بعض . فانطلق آدم ، عليه السلام ، موليا في الجنة ، فعلقت برأسه شجرة من الجنة ، فناداه : يا آدم ، أمني تفر؟ قال : لا ولكني استحييتك يا رب . قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة ، عما حرمت عليك . قال : بلى يا رب ، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا . قال : وهو قوله ، عز وجل ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كدا . قال : فأهبط من الجنة ، وكانا يأكلان منها رغدا ، فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب ، فعلم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث ، فحرث وزرع ثم سقى ، حتى إذا بلغ حصد ، ثم داسه ، ثم ذراه ، ثم طحنه ، ثم عجنه ، ثم خبزه ، ثم أكله ، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ وقال الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) قال : ورق التين . صحيح إليه .

وقال مجاهد : جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة كهيئة الثوب .

وقال وهب بن منبه في قوله : ( ينزع عنهما لباسهما ) قال : كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما ، لا يرى هذا عورة هذه ، ولا هذه عورة هذا . فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما . رواه ابن جرير بإسناد صحيح إليه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : قال آدم : أي رب ، أرأيت إن تبت واستغفرت؟ قال : إذا أدخلك الجنة . وأما إبليس فلم يسأله التوبة ، وسأله النظرة ، فأعطي كل واحد منهما الذي سأله .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أكل آدم من الشجرة قيل له : لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها . قال : حواء أمرتني . قال : فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ، ولا تضع إلا كرها . قال : فرنت عند ذلك حواء . فقيل لها : الرنة عليك وعلى ولدك .

القول في تأويل قوله : فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فدلاهما بغرور)، فخدعهما بغرور.

* * *

يقال منه: " ما زال فلان يدلّي فلانًا بغرور ", بمعنى: ما زال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل. (55)

* * *

=(فلما ذاقا الشجرة)، يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة, يقول: طعماه (56) =(بدت لهما سوآتهما) يقول: انكشفت لهما سوءاتهما, لأن الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة, فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطآ والمعصية التي ركبا (57) =(وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، يقول: أقبلا وجعلا يشدَّان عليهما من ورق الجنة، ليواريا سوءاتهما، كما:-

14397- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة، فيجعلان على سوءاتهما.

14398- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن أبي بكر, عن الحسن, عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم كأنه نخلةٌ سَحُوق، (58) كثيرُ شعر الرأس, فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها, فانطلق فارًّا, فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره, فقال لها: أرسليني! فقالت: لست بمرسلتك! فناداه ربه: يا آدم, أمنِّي تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك. (59)

14399- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك, عن الحسن, عن عمارة, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال، كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة . فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما, وكان الذي وَارى عنهما من سوءاتهما أظفارُهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ورق التين، يلصقان بعضها إلى بعض. فانطلق آدم مولّيًا في الجنة, فأخذت برأسه شجرة من الجنة, فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب ! قال: أما كان لك فيما منحتُك من الجنة وأبحتُك منها مندوحةٌ عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب, ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قول الله: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ . قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض, ثم لا تنال العيش إلا كدًّا. قال: فأهبط من الجنة, وكانا يأكلان فيها رغدًا, فأهبطا في غير رغد من طعام وشراب, فعُلّم صنعة الحديد, وأُمر بالحرث, فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسَه, ثم ذرّاه, ثم طحنه, ثم عجنه, ثم خبزه, ثم أكله, فلم يبلعْه حتى بُلِّعَ منه ما شاء الله أن يبلعَ. (60)

14400- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (يخصفان)، قال: يرقعان، كهيئة الثوب.

14401- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب.

14402- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما) وكانا قبل ذلك لا يريانها =(وطفقا يخصفان)، الآية.

14403- . . . . قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال، حدثنا الحسن, عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طُوالا كأنه نخلة سَحُوق, كثير شعر الرأس . فلما وقع بما وقع به من الخطيئة, بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنة, فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة, فقال لها: أرسليني ! قالت: إني غير مرسلتك! فناداه ربه: يا آدم, أمنّي تفرّ؟ قال: رب إني استحييتك. (61)

14404- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون, عن سفيان الثوري, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين.

14405- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين.

14406- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن حسام بن مِصَكّ، عن قتادة = وأبي بكر، عن غير قتادة = قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرًا كله, فلما وقع بالذنب، كُشِط عنه وبدت سوءته = قال أبو بكر: قال غير قتادة: (فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، قال: ورق التين. (62)

14407- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: (بدت لهما سوءاتهما)، قال: كانا لا يريان سوءاتهما.

14408- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول: يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ، [سورة الأعراف: 27]. قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورًا على فروجهما, لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوءاتهما. (63)

* * *

القول في تأويل قوله : وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها, وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين = يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا، (64) كما:-

14409- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس قوله: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب، أطعمتني حواء ! قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية! قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس! قال: ملعون مدحور ! أما أنت يا حواء فكما دمَّيت الشجرة تَدْمَيْن كل شهر. وأما أنت يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك, وسيشدخُ رأسك من لقيك ، اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ. (65)

14410- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عباد بن العوّام, عن سفيان بن حسين, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني! قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْهًا، ولا تضع إلا كرها. قال: فرنَّت حواء عند ذلك, فقيل لها: الرنّة عليك وعلى ولدك. (66)

------------------

الهوامش:

(55) انظر تفسير (( الغرور )) فيما سلف ص : 123 ، تعليق : 2 والمراجع هناك .

(56) انظر تفسير (( ذاق )) فيما سلف ص : 209 ، تعليق : 1 ، والمراجع .

(57) انظر تفسير (( بدا )) فيما سلف 5 : 582 /9 : 350 .

= وتفسير (( السوأة )) فيما سلف 10 : 229 ، وما سيأتي ص : 361 ، تعليق : 3 .

(58) (( نخلة سحوق )) هي الطويلة المفرطة التي تبعد ثمرها على المجتنى .

(59) الأثر : 14398 - (( الحجاج )) هو : (( الحجاج بن المنهال )) ، مضى مرارًا .

و(( أبو بكر )) هو (( أبو بكر الهذلي )) ، مضى برقم : 597 ، 8376 ، 13054 ، وهو ضعيف ليس بثقة .

وهذا الخبر ، ذكره ، ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 458 ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب موقوفًا غير مرفوع . ثم قال ابن كثير : (( وقد رواه ابن جرير وابن مردويه ، من طرق ، عن الحسن عن أبي كعب مرفوعًا ، والموقوف أصح إسنادًا )) . وهو كما قال . وسيأتي برقم : 14403 ، من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، موقوفًا .

(60) الأثر : 14399 - (( الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي )) ، كان على قضاء بغداد في ولاية المنصور . قال أحمد : (( متروك الحديث ، كان منكر الحديث ، وأحاديثه موضوعة ، لا يكتب حديثه )) . والقول فيه أشد من هذا . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 /2 / 300 ، وابن أبي حاتم 1 /2 / 27 .

وكان في المطبوعة : (( عن الحسن عن عمارة )) ، وهو خطأ محض ، صوابه ما أثبت من المخطوطة ، وابن كثير في تفسيره 3 : 459 .

وفي المطبوعة وابن كثير : (( فلم يبلغه ، حتى بلغ ... )) كل ذلك بالغين المعجمة ، والذي في المخطوطة مهمل ، وظني أنه الصواب المطابق للسياق .

(61) الأثر : 14403 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم : 14398 ، فهذا هو الخبر الموقوف ، وهو أصح إسنادًا من ذاك المرفوع .

(62) الأثر : 14406 - (( حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي )) ، ضعيف فاحش الخطأ والوهم . مضى برقم : 11720 . وكان في المطبوعة : (( حسام بن معبد )) لم يحسن قراءة المخطوطة .

و (( أبو بكر )) ، هو ( أبو بكر الهذلي )) ، ضعيف أيضًا ، مضى قريبًا برقم : 14398 .

(63) الأثر : 14408 - قال ابن كثير في تفسيره 3 : 460 : (( رواه ابن جرير بسند صحيح إليه )) .

(64) انظر تفسير (( مبين )) فيما سلف من فهارس اللغة ( بين ) .

(65) الأثر : 14409 - مضى الخبر مطولا بهذا الإسناد رقم : 752 ، مع اختلاف يسير في لفظه . وانظر تخريجه هناك .

(66) (( رنت المرأة ترن رنينًا )) : أي صوتت وصاحت من الحزن والجزع . و (( الرنة )) : الصيحة الحزينة عند البكاء .

التدبر :

وقفة
[22] ﴿فَدَلَّاهُمَا﴾ أي أنزلهما من مرتبتهما العالية إلى مُواقعة الخطيئة، والتَّدْلية: السقوط من علو، فالطاعة علو، والعصيان هبوط.
وقفة
[22] ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ قال ابن عباس: «غرّهما باليمين، وكان آدم يظن أنه لا يحلف أحد بالله كاذبًا».
تفاعل
[22] ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[22] ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ العُرْي الباطن من التقوى له أثر في اللباس الظاهر .
عمل
[22] ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ أكلا من شجرة فأُخرجا من الجنة؛ فلا تحقرن أي معصية.
وقفة
[22] ﴿بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ قال الرازي: «دل على أن كشف العورة من المنكرات».
وقفة
[22] لما كان وقت الهناء شُرِّف بالتصريح باسمه في النداء، فقيل: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ﴾ [19]، وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾، ولم يصرح باسمه.

الإعراب :

  • ﴿ فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ:
  • معطوفة بالفاء على «قاسَمَهُما» وتعرب إعرابها.بغرور: جار ومجرور متعلق بحال من فاعل «دل» بتقدير مغرورا.
  • ﴿ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ:
  • الفاء استئنافية. لما: «بمعنى حين» اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب. ذاقا: فعل ماض مبني على الفتح والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الشجرة: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «ذاقَا الشَّجَرَةَ» في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما:
  • بدت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لاتصالة بتاء التأنيث الساكنة. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. لهما: جار ومجرور متعلق ببدت. الميم: حرف عماد والألف علامة التثنية. سوآت: فاعل مرفوع بالضمة. الهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم حرف عماد والألف للتثنية والجملة:جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما:
  • الواو: عاطفة. طفقا: تعرب إعراب «ذاقَا». يخصفان: أصله يختصفان: أي يلزقان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عليهما:تعرب إعراب «لَهُما». والجار والمجرور متعلق بيخفضان.
  • ﴿ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما:
  • جار ومجرور متعلق بيخصفان.الجنة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. ونادى: الواو استئنافية. نادى فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم. الميم حرف عماد والألف للتثنية. ربّهما: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة الهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم حرف عماد والألف للتثنية.
  • ﴿ أَلَمْ أَنْهَكُما:
  • الألف: ألف عتاب وتوبيخ وتنبيه بلفظ استفهام. لم: حرف نفي وجزم وقلب. أنه: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره- حرف العلة- والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. الميم: حرف عماد والألف علامة التثنية.
  • ﴿ عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بأنه. تي: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بعن. اللام: للبعد والكاف حرف خطاب الميم والألفجاءتا على لغة من يفخم ويجوز أن تكونا للمشاكلة على التتابع .. لهما ..سوآتهما عليهما .. ناداهما .. ربهما .. أنهكما .. وتلكما. الشجرة: بدل من «تي» مجرورة وعلامة جرها: الكسرة.
  • ﴿ وَأَقُلْ لَكُما:
  • معطوفة بالواو على «أنه» وتعرب إعرابها وعلامة جزم الفعل السكون وحذف الواو لالتقاء الساكنين. لكما: تعرب إعراب «لَهُما» متعلق بأقل.
  • ﴿ إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الشيطان: اسمها منصوب بالفتحة. لكما: أعرب وهو متعلق بخبر إنّ. عدو: خبر «إِنَّ» مرفوع بالضمة. مبين: صفة- نعت- لعدو مرفوعة مثله بالضمة. '

المتشابهات :

الأعراف: 22﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ
طه: 121﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَـ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     وبعد الوسوسة وإظهار النصح؛ نجح إبليس هنا في خداع آدم وحواء، فأكلا من الشجرة المحرمة، قال تعالى:
﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وطفقا:
وقرئ:
بفتح الفاء، وهى قراءة أبى السمال.
يخصفان:
قرئ:
1- يخصفان، من أخصف، وهى قراءة الزهري.
2- يخصفان، بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدها، وهى قراءة الحسن، والأعرج، ومجاهد، وابن وثاب.
3- يخصفان، بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد المكسورة، رواها محبوب عن الحسن.
4- يخصفان، بالتشديد، من خصف على «فعّل» ، وهى قراءة عبد الله.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف