2863940414243444546474849

الإحصائيات

سورة الإسراء
ترتيب المصحف17ترتيب النزول50
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول12تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء15عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 3/14 المُسبِّحات : 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (39) الى الآية رقم (44) عدد الآيات (6)

= ثُمَّ ختمَ الأوامرَ والنَّوَاهي كما بدأَها بالنَّهي عن الشِّركِ باللهِ، ثُمَّ الردُّ على المشركينَ الذينَ جعلُوا الملائكةَ إناثًا، وقالُوا معَ اللهِ آلهةٌ أُخرى، وتسبيحُ المخلوقاتِ كلِّها بحمدِه تعالى.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (45) الى الآية رقم (49) عدد الآيات (5)

لمَّا ذكرَ اللهُ في المقطعِ السابقِ أنه وَضَّحَ في القرآنِ الحججَ والمواعظَ ليتَّعظَ المشركونَ، ذمَهُم هنا لعدمِ فهمِهم القرآنَ وتدبُّرِ آياتِه، ثُمَّ اتّهامُهم له ﷺ بأنَّه ساحرٌ، وإنكارُهم للبعثِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الإسراء

استشعر قيمة القرآن/ انتصار أمة الإسراء والقرآن على أمة إسرائيل والتوراة/ المسؤولية الشخصية/ المواجهة والتثبيت/ الإمامة في الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة الإسراء؟:   قد يجيب البعض: «إنها تتحدث عن (رحلة الإسراء والمعراج)، وهذا واضح من اسمها ومن أول آية منها». أولًا: إنها آية واحدة فقط هي التي تحدثت عن رحلة (الإسراء)، وهي أول آية، آية واحدة فقط من 111 آية تتكون منها السورة، فماذا عن الـ 110 الباقية؟! ثانيًا: رحلة (المعراج) فلم تتكلم عنها السورة أبدًا، إنما جاء ذكرها في أول سورة النجم. فيبدو أن هناك موضوع آخر، وربما موضوعات تتحدث عنها سورة الإسراء.
  • • بين رحلة (الإسراء) وسورة (الإسراء)::   كانت (رحلة الإسراء والمعراج) تثبيتًا للنبي ﷺ وتأييدًا له وتكريمًا له، وتسرية عنه في وقت اشتداد المصاعب والمشاق، وما تعرض له من أذى وعداء، وكذلك كانت سورة (الإسراء) كلها تدور حول تثبيت النبي ﷺ في مواجهة المشركين المعاندين والمكذبين وتأييده بالحجج والآيات. وركزت السورة على القرآن الكريم؛ لأنه تثبيت للنبي ﷺ والمؤمنين وهم يواجهون أعاصير المحن ورياح الفتن، وهكذا يثبت الله عبادة المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن، ويحدد لهم منابع القوة التي يستمدون منها الصبر وقوة التحمل والثبات على الحق
  • • سورة الإسراء والقرآن::   سورة الإسراء هي أكثر سورة ذكر فيها القرآن 11 مرة، وركزت على قيمة القرآن وعظمته وأهميته كما لم يرد في أي سورة من سور القرآن.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الإسراء».
  • • معنى الاسم ::   الإسراء: هو السير ليلًا، والإسراء أُطْلِق على رحلة الرسول ﷺ ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
  • • سبب التسمية ::   لأنها افتتحت بذكر قصة إسراء النبي ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة بني إسرائيل»؛ لأنه ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض ما لم يذكر في غيرها، و«سورة سبحان»؛ لافتتاحها بهذه الكلمة، وذُكر التسبيح فيها في أكثر من آية.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تثبيت الله لعباده المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن.
  • • علمتني السورة ::   استشعار قيمة القرآن، وقيمة المسؤولية عنه من قراءته وتنفيذه والدعوة إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن كل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، فالإنسان إن عمل خيرًا فلنفسه، وإن أساء فعليها.
  • • علمتني السورة ::   : احذر عند الغضب من أن تدعو على نفسك، أو أولادك، أو مالك بالشر: ﴿وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي».
    • قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الإسراء من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الإسراء -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المُسَبِّحات؛ وهي سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
    • أكثر سورة يذكر فيها لفظ (القرآن)، ذُكِرَ 11 مرة، وهو ما لم يقع في سورة أخرى (تليها سورة النمل 4 مرات).
    • احتوت على السجدة الرابعة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم، في الآية (107).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتمسك بالقرآن الكريم، ونعتصم به؛ فإنه يهدي للتي هي أقوم.
    • أن نقرأ حادثة الإسراء والمعراج من صحيح البخاري، أو غيره من الكتب، ونستخلص منها الدروس والعبر: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (1).
    • أن نتيقن ونستحضر أن أول من يستفيد من إحساننا ويتضرر من إساءتنا هو نحن: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (7).
    4- أن نحذر من الدعاء على النفس والأهل بالشر، ولا نتعجل فقد يوافق ساعة استجابة: ﴿ وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا﴾ (11).
    • أن نتذكر دائمًا أن كل عمل نعمله من خير وشر سنجده مكتوبًا يوم القيامة: ﴿ وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا (13) ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا﴾ (13، 14).
    • ألا نؤثر الحياة الدنيا على الآخرة: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا (18) وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا (19) كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا (20) ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا ﴾ (18-21).
    • 7- أن نحسن إلى الوالدين ونبرهما ونتذلل لهما وندعو لهما: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا (23) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ﴾ (23، 24).
    8- أن نُحْسن إلى الأقارب والمساكين: ﴿ وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ﴾ (26). • 9- أن نحذر البخل ونبتعد عن التبذير: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا ﴾ (29).
    • ألا نخشى الفقر على أنفسنا وأهلنا؛ فالله هو الرزاق الكريم: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا﴾ (31).
    • أن نَحْذر من الوقوع في مقدمات الزنا؛ حتى لا نقع فيه: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا﴾ (32).
    • أن نَحْذر من قتل النفس المعصومة: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾ (33).
    • أن نحذر من أكل مال اليتيم، ونلزم الوفاء بالعهود: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (34).
    • ألا نتكلم بما لا نعلم؛ ونتيقن أننا سنحاسب علي ما نقول: ﴿ وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (36).
    • ألا نتكبر: ﴿ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا ﴾ (37).
    • إذا تكلمنا مع الناس فلا نقول إلا الكلام الحسن؛ حتى لا يدخل الشيطان بيننا وبينهم، وتحصل البغضاء: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا ﴾ (53).
    • أن نتنافس على القُرَب: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ﴾ (57).
    • أن نكون مع الله في السراء والضراء؛ عند النعمة نشكر الله، وعند الضر ندعو الله وحده: ﴿وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا ﴾ (83).

تمرين حفظ الصفحة : 286

286

مدارسة الآية : [39] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ ..

التفسير :

[39] ذلك الذي بينَّاه ووضَّحناه مِن هذه الأحكام الجليلة، من الأمر بمحاسن الأعمال، والنهي عن أراذل الأخلاق مما أوحيناه إليك أيها النبي. ولا تجعل -أيها الإنسان- مع الله تعالى شريكاً له في عبادته، فتُقْذف في نار جهنم تلومك نفسك والناس، وتكون مطروداً مبعداً م

{ ذَلِكَ} الذي بيناه ووضحناه من هذه الأحكام الجليلة،{ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} فإن الحكمة الأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق والنهي عن أراذل الأخلاق وأسوأ الأعمال.

وهذه الأعمال المذكورة في هذه الآيات من الحكمة العالية التي أوحاها رب العالمين لسيد المرسلين في أشرف الكتب ليأمر بها أفضل الأمم فهي من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا.

ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله كما افتتحها بذلك فقال:{ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ} أي:خالدا مخلدا فإنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.

{ مَلُومًا مَدْحُورًا} أي:قد لحقتك اللائمة واللعنة والذم من الله وملائكته والناس أجمعين.

ثم ختم- سبحانه- تلك الأحكام المحكمة، والتكاليف السامية، بقوله: ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً.

أى: ذلك الذي أمرناك به، ونهيناك عنه- أيها الرسول الكريم- بعض ما أوحاه الله- تعالى- عليك «من الحكمة» التي هي علم الشرائع ومعرفة الحق، والعمل به، وحذار أن تجعل بعد هذا البيان الحكيم، مع الله- تعالى- إلها آخر- أيها المخاطب- فتلقى وتطرح في جهنم، ملوما من نفسك ومن غيرك، مدحورا أى: مبعدا من رحمة الله- تعالى- قال صاحب الكشاف: ولقد جعل الله- تعالى- فاتحتها- أى تلك الآيات المشتملة على تلك الأوامر والنواهي- وخاتمتها، النهى عن الشرك، لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذّفيها الحكماء، وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة التي اشتملت على بضع وعشرين تكليفا، والتي ابتدأت بقوله- تعالى- لا تجعل مع الله إلها آخر ... وانتهت بقوله- سبحانه-: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ.. قد ربطت قواعد السلوك والآداب: والتكاليف الفردية والاجتماعية، بإخلاص العبادة لله- تعالى- لأن هذا الإخلاص لله- تعالى- في العقيدة والعبادة والقول والعمل.. هو رأس كل حكمة وملاكها. كما قال صاحب الكشاف- رحمه الله-.

وبعد أن ذكر- سبحانه- ما ذكر من الأوامر والنواهي في الآيات السابقة، التي بدأها وختمها بالنهى عن الإشراك بالله- تعالى- أتبع ذلك بإقامة الأدلة على استحالة أن يكون له شريك أو ولد، بل كل من في السموات ومن الأرض، خاضع لسلطانه، وما من شيء إلا ويسبح بحمده، فقال- تعالى-.

يقول تعالى هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس

( ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما ) أي تلومك نفسك ويلومك الله والخلق . ( مدحورا ) . قال ابن عباس وقتادة مطرودا

والمراد من هذا الخطاب الأمة بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه صلوات الله وسلامه عليه معصوم

يقول تعالى ذكره: هذا الذي بيَّنا لك يا محمد من الأخلاق الجميلة التي أمرناك بجميلها، ونهيناك عن قبيحها( مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ) يقول: من الحكمة التي أوحيناها إليك في كتابنا هذا.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ) قال: القرآن.

وقد بيَّنا معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ) يقول: ولا تجعل مع الله شريكا في عبادتك، فتُلقى في جهنم ملوما تلومك نفسك وعارفوك من الناس ( مَدْحُورًا) يقول:

مُبْعَدا مقصيا في النار، ولكن أخلص العبادة لله الواحد القهَّار، فتنجو من عذابه.

وبنحو الذي قلنا في قوله (مَلُومًا مًدْحُورًا) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (مَلُومًا مَدْحُورًا) يقول: مطرودا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (مَلُومًا مَدْحُورًا) قال: ملوما في عبادة الله، مدحورا في النار.

التدبر :

وقفة
[39] ﴿ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ أمر بأخلاق جميلة بدأها بالتوحيد، ونهى عن صفات رذيلة ختمها بالشرك؛ فمن ائتمر وانتهى نال الحكمة.
وقفة
[39] ﴿ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ القرآن العظيم يمنح صاحبه حكمة تسعده.
وقفة
[39] القرآن أعظم ما يحقق لك الحكمة، تأمل في سورة الإسراء: ﴿وقضى ربك﴾ [23]، إلى قوله: ﴿ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾.
وقفة
[39] ﴿ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾ فإن الحكمة الأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق، والنهي عن أراذل الأخلاق وأسوأ الأعمال.
تفاعل
[39] ﴿فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾ استعذ بالله من جهنم.

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكَ مِمّا أَوْحى:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف للخطاب والاشارة هنا إلى ما تقدم من قوله تعالى .مما: مكونة من «من» حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بالخبر. أوحى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير مما أوحاه والجملة الفعلية «أوحاه اليك ربك» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بأوحى. ربك: فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة. من الحكمة: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «ما» و «من» بيانية.
  • ﴿ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً:
  • الواو: عاطفة. وما بعدها اعرب في الآية الكريمة الثانية والعشرين. و«تلقى» فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وعلامة نصب الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر و «مدحورا» بمعنى: مطرودا من رحمة الله. '

المتشابهات :

الإسراء: 22﴿ لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا
الإسراء: 39﴿ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَ لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ من الوصايا؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا أنها من الحكمة التي أوحاها لنبيِّه صلى الله عليه وسلم لتأمر بها النَّاس، وكما بدأَت الوصايا بالنَّهي عن الشِّركِ خُتمت به، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ ..

التفسير :

[40] أفخصَّكم ربكم -أيها المشركون- بإعطائكم البنين، واتخذ لنفسه الملائكة بنات؟ إن قولكم هذا بالغ القبح والبشاعة، لا يليق بالله سبحانه وتعالى.

وهذا إنكار شديد على من زعم أن الله اتخذ من خلقه بنات فقال:{ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} أي:اختار لكم الصفوة والقسمالكامل واتخذ لنفسه من الملائكة إناثا حيث زعموا أن الملائكة بنات الله.

{ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} فيه أعظم الجرأة على الله حيث نسبتم له الولد المتضمن لحاجته واستغناء بعض المخلوقات عنه وحكمتم له بأردأ القسمين، وهن الإناث وهو الذي خلقكم واصطفاكم بالذكور فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

والخطاب في قوله- تعالى-: أَفَأَصْفاكُمْ.. للكافرين الذين قالوا، الملائكة بنات الله.

والإصفاء بالشيء: جعله خالصا. يقال: أصفى فلان فلانا بالشيء، إذا آثره به. ويقال للأشياء التي يختص السلطان بها نفسه: الصوافي. وفعله: صفا يصفو، وتضمن هنا معنى التخصيص.

والاستفهام للإنكار والتوبيخ والتهكم.

والمعنى- كما يقول صاحب الكشاف- أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد، وهم الذكور، ولم يجعل فيهم نصيبا لنفسه، واتخذ أدونهم، وهن البنات، وأنتم لا ترضونهن لأنفسكم، بل تئدوهن وتقتلونهن!! فهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم. فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردؤها وأدونها للسادات.

والمقصود من الجملة الكريمة نفى ما زعموه من أن الملائكة بنات الله بأبلغ وجه، أى: لم يخصكم ربكم بالبنين، ولم يتخذ من الملائكة إناثا، لأنه- سبحانه- تنزه عن الشريك والولد والوالد والشبيه.

قال- تعالى-: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ، سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.

وقال- تعالى-: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى.

وقوله- سبحانه-: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً تسفيه لأقوالهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة وعقولهم السقيمة.

أى: إنكم بنسبتكم البنات إلى الله- تعالى-، لتقولون قولا عظيما في قبحه وشناعته، وفي استهجان العقول السليمة له، وفيما يترتب عليه من عقوبات أليمة من الله- تعالى- لكم.

قال- تعالى-: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً.

يقول تعالى رادا على المشركين الكاذبين الزاعمين عليهم لعائن الله أن الملائكة بنات الله فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ثم ادعوا أنهم بنات الله ثم عبدوهم فأخطئوا في كل من المقامات الثلاث خطأ عظيما قال تعالى منكرا عليهم ( أفأصفاكم ربكم بالبنين ) أي خصصكم بالذكور ( واتخذ من الملائكة إناثا ) أي اختار لنفسه على زعمكم البنات ثم شدد الإنكار عليهم فقال ( إنكم لتقولون قولا عظيما ) أي في زعمكم لله ولدا ثم جعلكم ولده الإناث التي تأنفون أن يكن لكم وربما قتلتموهن بالوأد فتلك إذا قسمة ضيزى وقال الله تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) [ مريم 88 - 95 .

يقول تعالى ذكره للذين قالوا من مشركي العرب: الملائكة بنات الله (أفأصْفاكُمْ) أيها الناس (رَبُّكُمْ بالبَنينَ) يقول: أفخصكم ربكم بالذكور من الأولاد ( وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا ) وأنتم لا ترضونهن لأنفسكم، بل تئدونهن، وتقتلونهن، فجعلتم لله ما لا ترضونه لأنفسكم ( إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا ) يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين قالوا من الفرية على الله ما ذكرنا: إنكم أيها الناس لتقولون بقيلكم: الملائكة بنات الله، قولا عظيما، وتفترون على الله فرية منكم.

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا ) قال: قالت اليهود: الملائكة بنات الله.

التدبر :

وقفة
[40] ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ الزعم بأن الملائكة بنات الله افتراء كبير، وقول عظيم الإثم عند الله.
وقفة
[40] ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ وجَعْله مجرد قول؛ لأنه لا يعدو أن يكون كلامًا صدر عن غير روية؛ لأنه لو تأمله قائله أدنى تأمل؛ لوجده غير داخل تحت قضايا المقبول عقلًا.
وقفة
[40] ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ أعظم القول وأشنعه ما كان فيه طعن في ذات الله تعالى.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ:
  • الهمزة: همزة إنكار بلفظ‍ استفهام والفاء زائدة -تزيينية-.أصفاكم: أي أخصكم: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الكاف ضمير المخاطبين في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور والمخاطبون هم المشركون. ربكم: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الكاف ضمير المخاطبين في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. بالبنين: جار ومجرور متعلق بأصفى وعلامة جر الاسم: الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً:
  • الواو عاطفة. اتخذ: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من الملائكة: جار ومجرور متعلق باتخذ. اناثا: مفعول به منصوب بالفتحة. أي واتخذ لنفسه من الملائكة اناثا وهو ما تكرهونه.
  • ﴿ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل الكاف ضمير المخاطبين في محل نصب اسم «إن».والميم علامة جمع الذكور. اللام: لام الابتداء -المزحلقة-للتوكيد. تقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «لتقولون وما بعدها» في محل رفع خبر-إن-.
  • ﴿ قَوْلاً عَظِيماً:
  • أي لتقولون في الله قولا خطيرا. قولا: مقول القول منصوب على المصدر وفيه معنى التوكيد و «عظيما» صفة-نعت-لقولا منصوبة مثلها بالفتحة أي بقولكم أو بزعمكم أن الملائكة بنات الله. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     وبعد ما ذُكِرَ من الوصايا، والتى بَدأت وخُتمت بالنَّهي عن الشِّركِ؛ أنكرَ اللهُ عز وجل هنا على المشركينَ الذينَ جعلُوا الملائكةَ بنات الله، قال تعالى:
﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [41] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ ..

التفسير :

[41] ولقد وضَّحْنا ونوَّعْنا في هذا القرآن الأحكام والأمثال والمواعظ؛ ليتعظ الناس ويتدبروا ما ينفعهم فيأخذوه، وما يضرهم فيدَعوه، وما يزيد البيان والتوضيح الظالمين إلا تباعداً عن الحق، وغفلة عن النظر والاعتبار.

يخبر تعالى أنه صرف لعباده في هذا القرآن أي:نوع الأحكام ووضحها وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه وما يضرهم فيدعوه.

ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ولا ألقوا لها بالا.

ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضده وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا.

ثم بين- سبحانه- أن هذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد اشتمل على ألوان متعددة من الهدايات والآداب والأحكام، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا، وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً.

وقوله- تعالى-: صَرَّفْنا من التصريف وهو في الأصل صرف الشيء من حالة إلى أخرى، ومن جهة إلى أخرى.

والمراد به هنا: بينا، وكررنا، ومفعوله محذوف للعلم به.

والمعنى: ولقد بينا وكررنا في هذا القرآن أنواعا من الوعد والوعيد، والقصص، والأمثال، والمواعظ والأخبار، والآداب والتشريعات، ليتذكر هؤلاء الضالون ويتعظوا ويعتبروا، ويوقنوا بأنه من عند الله- تعالى- فيهديهم ذلك إلى اتباع الحق، والسير في الطريق القويم.

وقوله- تعالى-: وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً تصوير بديع لإصرارهم على كفرهم وعنادهم، وإيثارهم الغي على الرشد.

والنفور: التباعد والإعراض عن الشيء. يقال: نفرت الدابة تنفر- بكسر الفاء وضمها- نفورا، إذا جزعت وتباعدت وشردت.

أى: وما يزيدهم هذا البيان والتكرار الذي اشتمل عليه القرآن الكريم، إلا تباعدا عن الحق، وإعراضا عنه، وعكوفا على باطلهم، بسبب جحودهم وعنادهم وحسدهم للرسول صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.

وكان بعض الصالحين إذا قرأ هذه الآية قال: زادني لك خضوعا، ما زاد أعداءك نفورا.

يقول تعالى ( ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ) أي صرفنا فيه من الوعيد لعلهم يذكرون ما فيه من الحجج والبينات والمواعظ فينزجروا عما هم فيه من الشرك والظلم والإفك ( وما يزيدهم ) أي الظالمين منهم ( إلا نفورا ) أي عن الحق وبعدا منه

يقول تعالى ذكره (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) لهؤلاء المشركين المفترين على الله (فِي هَذَا القُرآن) العِبَر والآيات والحجج، وضربنا لهم فيه الأمثال، وحذّرناهم فيه وأنذرناهم (لِيَذَّكَّرُوا) يقول: ليتذكروا تلك الحجج عليهم، فيعقلوا خطأ ما هم عليه مقيمون، ويعتبروا بالعبر، فيتعظوا بها، وينيبوا من جهالتهم، فما يعتبرون بها، ولا يتذكرون بما يرد عليهم من الآيات والنُّذُر، وما يزيدهم تذكيرنا إياهم (إِلا نُفُورًا) يقول: إلا ذهابا عن الحقّ، وبُعدا منه وهربا. والنفور في هذا الموضع مصدر من قولهم: نفر فلان من هذا الأمر ينفِر منه نَفْرا ونفورا.

التدبر :

عمل
[41] اقرأ سورة من القرآن تذكرك الآخرة ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا﴾.
وقفة
[41] ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ لما ذكر فظاعة قولهم بأن الملائكة بنات الله؛ أعقب ذلك بأن في القرآن هديًا كافيًا، ولكنهم يزدادون نفورًا من تدبره.
وقفة
[41] أخبث القلوب تلك التي تنفر إذا ذكرت بالله؛ حيث يجتمع فيها الاستكبار ومكر السيئ ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنا:
  • الواو: استئنافية. اللام: للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. صرفنا: أي كررنا وبينا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و«نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والمعنى: صرفنا هذا المعنى في مواضع من التنزيل فترك المفعول لأنه معلوم. أو بمعنى صرفنا القول في هذا المعنى وأوقعنا التصديق فيه وجعلناه مكانا للتكرير.
  • ﴿ فِي هذَا الْقُرْآنِ:
  • أي على وجوه كثيرة في: حرف جر. ها: للتنبيه. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بفي. القرآن: بدل من اسم الاشارة مجرور للتعظيم بالكسرة. والجار والمجرور متعلق بصرفنا.
  • ﴿ لِيَذَّكَّرُوا:
  • أي كررناه ليتعظوا ويعتبروا. اللام: حرف جر للتعليل. يذكروا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه: حذف النون. الواو ضمير متصل-ضمير الغائبين-في محل رفع فاعل والألف فارقة. وأصله: ليتذكروا. أدغمت التاء في الذال فشدّد الذال. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بصرفنا وجملة «يذكروا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَما يَزِيدُهُمْ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها أي فما. يزيد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي هذا التكرار والتبيين. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ إِلاّ نُفُوراً:
  • إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. نفورا. تمييز منصوب بالفتحة. أي إلاّ نفورا عن الحق. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل أن الوصايا السابقة هي من الحكمة التي أوحاها لنبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ بَيَّنَ هنا أن هذا القرآن الذي أنزله على نبيِّه صلى الله عليه وسلم قد اشتمل على ألوان متعددة من الهدايات والآداب والأحكام، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

صرفنا:
1- بتشديد الراء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بتخفيف الراء، وهى قراءة الحسن.
ليذكروا:
1- أي ليتذكروا، من التذكير، أدغمت التاء فى الذال، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ليذكروا، بسكون الذال وضم الكاف، من «الذكر» ، وهى قراءة الأخوين، وطلحة وابن وثاب، والأعمش.

مدارسة الآية : [42] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ ..

التفسير :

[42] قل -أيها الرسول- للمشركين:لو أن مع الله آلهة أخرى، إذاً لطلبَتْ تلك الآلهة طريقاً إلى مغالبة الله ذي العرش العظيم.

{ قُلْ} للمشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر:{ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} أي:على موجب زعمهم وافترائهم{ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} أي:لاتخذوا سبيلا إلى الله بعبادته والإنابة إليه والتقرب وابتغاء الوسيلة، فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه إلها مع الله؟! هل هذا إلا من أظلم الظلم وأسفه السفه؟".

فعلى هذا المعنى تكون هذه الآية كقوله تعالى:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}

وكقوله تعالى:{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ}

ويحتمل أن المعنى في قوله:{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} أي:لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله، فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء فلم اتخذوها وهي بهذه الحال؟ فيكون هذا كقوله تعالى:{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}

ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على شركهم ، وأن يسوق لهم الدليل الواضح على فساد عقولهم ، فقال - تعالى - : ( قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) .

وقد قرأ جمهور القراء ( كما تقولون ) وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ( كما يقولون ) .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان ، أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه أن المعنى .

قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - إذا لطلبوا إلى ذى العرش - وهو الله عز وجل - طريقا وسبيلا لتوصلهم إليه ، لكى ينازعوه فى ملكه ، ويقاسموه إياه ، كما هى عادة الشركاء ، وكما هو ديدن الرؤساء والملوك فيما بينهم .

قال - تعالى - : ( مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ) وقال سبحانه - : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ) وهذا الاتجاه قد صدر به صاحب الكشاف كلامه فقال ما ملخصه : قوله ( إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو . أى : إذا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالية ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . . .

وأما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن المعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - ، إذا لابتغوا - أى الآلهة المزعومة - إلى ذى العرش سبيلا وطريقا ليقتربوا إليه ، ويعترفوا بفضله ، ويخلصوا له العبادة ، كما قال - تعالى - : ( أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) وقد اقتصر ابن كثير على هذا الوجه فى تفسيره للآية فقال : يقول - تعالى - : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه ، لو كان الأمر كما تقولون ، من أن معه آلهة تعبد . . لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه يبتغون إليه الوسيلة والقربة .

ومع وجاهة الرأيين ، إلا أن الرأى الأول أظهر ، لأن فى الآية فرض المحال ، وهو وجود الآلهة مع الله - تعالى - ، وافتراض وجودها المحال لا يظهر منه أنها تتقرب إليه - سبحانه - ، بل الذى يظهر منه أنها تنازعه لو كانت موجودة ، ولأن هذا الرأى يناسبه - أيضا - قوله - تعالى - بعد ذلك :

يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه العابدين معه غيره ليقربهم إليه زلفى لو كان الأمر كما تقولون وأن معه آلهة تعبد لتقرب إليه وتشفع لديه لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه بل يكرهه ويأباه وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر: لو كان الأمر كما تقولون: من أن معه آلهة، وليس ذلك كما تقولون، إذن لابتغت تلك الآلهة القُربة من الله ذي العرش العظيم، والتمست الزُّلْفة إليه، والمرتبة منه.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا ) يقول: لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنـزلته عليهم، فابتغوا ما يقرّبهم إليه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا ) قال: لابتغَوا القُرب إليه، مع أنه ليس كما يقولون.

التدبر :

وقفة
[42] ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ لو كان مع الله آلهة لاحتاجت هذه الآلهة ذا العرش سبحانه، وكأن (ذا العرش) من أسمائه التي تذكر وقت الحاجة والالتجاء.
وقفة
[42] ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ قال سعيد بن جبير: «المعنى إذًا لطلبوا طريقًا إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه؛ لأنهم شركاؤه»، مخاطبة العقل والإقناع منهج قرآني.
وقفة
[42] ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ هناك قولان لأهل العلم في المقصود من ابتغاء السبيل إلى ذي العرش: 1- أنه للمغالبة والمعازّة والمنازعة في الملك، وهذا مروي عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ومقاتل. 2- أنهم يبتغون إلى ذي العرش سبيلًا للتقرب والتزلُّف، وهذا مروى عن قتادة ومجاهد.
وقفة
[42] ﴿ذِي الْعَرْشِ﴾ لو كان مع الله آلهة لاحتاجت هذه الآلهة ذا العرش سبحانه، وكأن (ذا العرش) من أسمائه التي تذكر وقت الحاجة والالتجاء.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ:
  • لو: حرف شرط‍ غير جازم: كان: فعل ماض تام مبني على الفتح. معه: ظرف مكان متعلق بفعل كان وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. آلهة: فاعل مرفوع بالضمة والجملة ابتدائية.
  • ﴿ كَما يَقُولُونَ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» للتشبيه مبني على الفتح في محل رفع صفة-نعت-لآلهة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. يقولون: أي يزعمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يقولون» صلة الموصول لا محل لها. والعائد ضمير محذوف في محل نصب لأنه مفعول به-مقول القول-التقدير يقولونه. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية لا محل لها. وجملة «يقولون» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ إِذاً لابْتَغَوْا:
  • إذا: حرف مكافأة وجواب. اللام: واقعة في جواب «لو» ابتغوا: فعل ماض مبني على الفتح أو الضم المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع الواو ولاتصاله بواو الجماعة والفتحة دالة عليها. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «ابتغوا» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. بمعنى: لطلبوا أن يجدوا.
  • ﴿ إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً:
  • جار ومجرور متعلق بابتغوا. ذي: اسم مجرور بالى وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. العرش: مضاف إليه مجرور بالكسرة. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة. أي طريقا للتعرف إليه. '

المتشابهات :

الإسراء: 42﴿ قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
الإسراء: 95﴿ قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم
الكهف: 109﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وبعد أن أنكرَ اللهُ عز وجل على المشركينَ الذينَ جعلُوا الملائكةَ بنات الله؛ أمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم هنا أن يوبخهم على شركهم، وأن يسوق لهم الدليل الواضح على فساد عقولهم، قال تعالى:
﴿ قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [43] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا ..

التفسير :

[43] تنزَّه الله وتقدَّس عَمَّا يقوله المشركون وتعالى علواً كبيراً.

{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى} أي:تقدس وتنزه وعلت أوصافه{ عَمَّا يَقُولُونَ} من الشرك به واتخاذ الأنداد معه{ عُلُوًّا كَبِيرًا} فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر أن يكون معه آلهة فقد ضل من قال ذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا.

لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن{ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه}

وافتقر إليه العالم العلوي والسفلي فقرا ذاتيا لا ينفك عن أحد منهم في وقت من الأوقات.هذا الفقر بجميع وجوهه فقر من جهة الخلق والرزق والتدبير، وفقر من جهة الاضطرار إلى أن يكون معبودهم ومحبوبهم الذي إليه يتقربون وإليه في كل حال يفزعون

( سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ) .

أى : تنزه الله - تعالى - عما يقوله المشركون فى شأنه وتباعد ، وعلا علوا كبيرا ، فإنه - جل شأنه - لا ولد له ، فلا شريك له . . .

قال - تعالى - : ( قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) والتعبير بقوله - سبحانه - : ( إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) يشير إلى الارتفاع والتسامى على تلك الآلهة المزعومة ، وأنها دون عرشه - تعالى - وتحته ، وليست معه . .

ثم نزه نفسه الكريمة وقدسها فقال ( سبحانه وتعالى عما يقولون ) أي هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى ( علوا كبيرا ) أي تعاليا كبيرا بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد

وهذا تنـزيه من الله تعالى ذكره نفسه عما وصفه به المشركون، الجاعلون معه آلهة غيره، المضيفون إليه البنات، فقال: تنـزيها لله وعلوّا له عما تقولون أيها القوم، من الفرية والكذب، فإن ما تضيفون إليه من هذه الأمور ليس من صفته، ولا ينبغي أن يكون له صفة.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان. وقال تعالى (عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا) ولم يقل: تعاليا، كما قال وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا كما قال الشاعر:

أَنْــتَ الفِــدَاءُ لكَعْبَــةٍ هَدَّمْتَهــا

وَنَقَرْتَهــا بِيَــدَيْكَ كُــلَّ مَنَقَّــر

مُنِــعَ الحَمـامُ مَقِيلَـهُ مِـنْ سَـقْفِها

ومِـنَ الحَـطِيم فَطَـارَ كُـلَّ مُطَـيَّرِ (1)

-------------------

الهوامش :

(1) البيتان شاهدان على أن المصدرين منقر ومطير المضافين إلى كل المعرب مفعولا مطلقا ليس من لفظ الفعل السابق عليهما ، لأن المنقر من نقر بتشديد القاف ، والمطير من طير بتشديد الياء ، مع أن الفعلين السابقين ثلاثيان . ولكن العرب تجيز وضع المصادر المختلفة عن الأفعال السابقة عليها ، ومنه في القرآن : " وتبتل إليه تبتيلا " ومصدر تبتل : هو التبتل لا التبتيل ، ولكن ذلك جائز لأن الحروف الأصول مشتركة في الأفعال والمصادر التي تليها .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[43] لما أقام الدليل القاطع على كونه منزهًا عن الشركاء وعلى أن القول بإثبات الآلهة قول باطل؛ أردفه بما يدل على تنزيهه عن هذا القول الباطل فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.
تفاعل
[43] ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ سَبِّح الله الآن.

الإعراب :

  • ﴿ سُبْحانَهُ وَتَعالى:
  • أي تقدس الله وتنزه. سبحانه: مفعول مطلق منصوب بالفتحة لفعل محذوف تقديره اسبح وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. الواو: استئنافية. تعالى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو جلت قدرته.
  • ﴿ عَمّا يَقُولُونَ:
  • عما: مركبة من «عن» حرف الجر و «ما» المصدرية. يقولون: أي يصفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بسبحانه. التقدير: سبحانه وتعالى عن وصفهم. أي أنزهه عن وصفهم. وجملة «يقولون» صلة «ما» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ عُلُوًّا كَبِيراً:
  • في معنى: تعاليا والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة. علوا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة. كبيرا: صفة-نعت-لعلوا منصوبة مثلها بالفتحة. ومعنى وصف العلوّ بالكبر: المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوا به. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     ولَمَّا أقامَ اللهُ عز وجل الدَّليلَ القاطِعَ على كَونِه مُنَزَّهًا عن الشُّرَكاءِ، وعلى أنَّ القَولَ بإثباتِ الآلِهةِ قولٌ باطِلٌ؛ ذكرَ هنا ما يدُلُّ على تَنزيهِه عن هذا القَولِ الباطِلِ، قال تعالى:
﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يقولون:
قرئ:
1- بالتاء، وهى قراءة الأخوين.
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [44] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ ..

التفسير :

[44] تُسَبِّح له -سبحانه- السموات السبع والأرضون، ومَن فيهن مِن جميع المخلوقات، وكل شيء في هذا الوجود ينزه الله تعالى تنزيهاً مقروناً بالثناء والحمد له سبحانه، ولكن لا تدركون -أيها الناس- ذلك. إنه سبحانه كان حليماً بعباده لا يعاجل مَن عصاه بالعقوبة، غفورا

{ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ} من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت{ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} بلسان الحال ولسان المقال.{ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي:تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب.

{ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حيث لم يعاجل بالعقوبة من قال فيه قولا تكاد السماوات والأرض تتفطر منه وتخر له الجبال ولكنه أمهلهم وأنعم عليهم وعافاهم ورزقهم ودعاهم إلى بابه ليتوبوا من هذا الذنب العظيم ليعطيهم الثواب الجزيل ويغفر لهم ذنبهم، فلولا حلمه ومغفرته لسقطت السماوات على الأرض ولما ترك على ظهرها من دابة.

ثم بين - سبحانه - أن جميع الكائنات تسبح بحمده فقال - تعالى - : ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) .

والتسبيح : مأخوذ من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء ، فالمسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء ، ومن كل ما لا يليق به - سبحانه - .

أى تنزه الله - تعالى - وتمجده السموات السبع ، والأرض ، ومن فيهن من الإِنس والجن والملائكة وغير ذلك ، وما من شئ من مخلوقاته التى لا تحصى إلا ويسبح بحمد خالقه - تعالى - ، ولكن أنتم يا بنى آدم ( ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) لأن تسبيحهم بخلاف لغتكم ، وفوق مستوى فهمكم ، وإنما الذى يعلم تسبيحهم هو خالقهم عز وجل ، وصدق - سبحانه - إذ يقول : ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير ) والمتدبر فى هذه الآية الكريمة ، يراها تبعث فى النفوس الخشية والرهبة من الخالق - عز وجل - ، لأنها تصرح تصريحا بليغا بأن كل جماد ، وكل حيوان ، وكل طير ، وكل حشرة . . بل كل كائن فى هذا الوجود يسبح بحمده - تعالى - .

وهذا التصريح يحمل كل إنسان عاقل على طاعة الله ، وإخلاص العبادة له ، ومداومة ذكره . . حتى لا يكون - وهو الذى كرمه ربه وفضله - أقل من غيره طاعة لله - تعالى - .

وقوله : ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) تذييل قصد به بيان فضل الله - تعالى - ورحمته بعباده مع تقصيرهم فى تسبيحه وذكره .

أى : ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيماًً ) لا يعاجل المقصر بالعقوبة ، بل يمهله لعله يرعوى وينزجر عن تقصيره ومعصيته ، ( غفورا ) لمن تاب وآمن وعمل صالحا واهتدى إلى صراطه المستقيم .

هذا ، ومن العلماء من يرى أن تسبيح هذه الكائنات بلسان الحال .

قال بعض العلماء تسبيح هذه الكائنات لله - تعالى - هو دلالتها - بإمكانها وحدوثها ، وتغير شئونها ، وبديع صنعها - على وجود مبدعها ، ووحدته وقدرته ، وتنزهه عن لوازم الإِمكان والحدوث ، كما يدل الأثر على المؤثر .

فهي دلالة بلسان الحال، لا يفقهها إلا ذوو البصائر. أما الكافرون فلا يفقهون هذا التسبيح، لفرط جهلهم وانطماس بصيرتهم.. .

ومنهم من يرى أن تسبيحها بلسان المقال، أى أن التسبيح بمعناه الحقيقي، فالكل يسبح بحمد الله، ولكن بلغته الخاصة التي لا يفهمها الناس.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أى: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أى: لا تفقهون تسبيحهم- أيها الناس- لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد.

وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري وغيره، عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.

وفي حديث أبى ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسمع لهن تسبيح كحنين النحل. وكذا في يد أبى بكر وعمر وعثمان- رضى الله عنهم- وهو حديث مشهور في المسانيد ...

ثم قال ويشهد لهذا القول آية السجدة في أول سورة الحج- وهو قوله- تعالى-:لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.. .

وقال القرطبي: قوله- تعالى-: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ أعاد على السموات والأرض ضمير من يعقل، لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح. وقوله وَمَنْ فِيهِنَّ يريد الملائكة والإنس والجن، ثم عمم بعد ذلك الأشياء كلها في قوله:

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.

واختلف في هذا العموم هل هو مخصص أولا. فقالت فرقة: ليس مخصوصا، والمراد به تسبيح الدلالة، كل محدث يشهد على نفسه بأن الله- عز وجل- خالق قادر.

وقالت طائفة: هذا التسبيح حقيقة، وكل شيء على العموم يسبح تسبيحا لا يسمعه البشر: ولا يفقهونه، ولو كان ما قاله الأولون من أنه أثر الصفة والدلالة، لكان أمرا مفهوما، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه..

ويستدل لهذا القول من الكتاب بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ...

وقوله- تعالى-: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ.

ثم قال: فالصحيح أن الكل يسبح للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة، فأى تخصيص لداود، وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح. وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أولى .

والذي تطمئن إليه النفس أن التسبيح حقيقى وبلسان المقال، لأن هذا هو الظاهر من الآية الكريمة، ولأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤيد ذلك.

يقول تعالى تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن أي من المخلوقات وتنزهه وتعظمه وتجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته

ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

كما قال تعالى : ( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) [ مريم 90 - 92 .

وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا سعيد بن منصور حدثنا مسكين بن ميمون مؤذن مسجد الرملة حدثنا عروة بن رويم عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فطار به حتى بلغ السماوات السبع ، فلما رجع قال سمعت تسبيحا في السماوات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى .

وقوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .

وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل وكذا يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم [ أجمعين ، وهو حديث مشهور في المسانيد .

وقال الإمام أحمد حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فقال لهم اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه .

وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال نقيقها تسبيح "

وقال قتادة عن عبد الله بن بابي ، عن عبد الله بن عمرو أن الرجل إذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لا يقبل الله من أحد عملا حتى يقولها وإذا قال الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد قط حتى يقولها وإذا قال الله أكبر فهي تملأ ما بين السماء والأرض وإذا قال سبحان الله فهي صلاة الخلائق التي لم يدع الله أحد من خلقه إلا قرره بالصلاة والتسبيح وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله " قال أسلم عبدي واستسلم

وقال الإمام أحمد حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي ، سمعت الصقعب بن زهير يحدث ] عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج أو مزورة بديباج - فقال إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل رأس ابن رأس فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه ، فقال لا أرى عليك ثياب من لا يعقل ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال إن نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنيه فقال إني قاص عليكما الوصية آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين أنهاكما عن الشرك بالله والكبر وآمركما بلا إله إلا الله فإن السماوات والأرض وما بينهما لو وضعت في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح ولو أن السماوات والأرض كانتا حلقة فوضعت لا إله إلا الله عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء "

ورواه الإمام أحمد أيضا ، عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن الصقعب بن زهير به أطول من هذا تفرد به .

وقال ابن جرير حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي حدثنا محمد بن يعلى عن موسى بن عبيدة عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه إن نوحا عليه السلام قال لابنه يا بني آمرك أن تقول سبحان الله فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق قال الله تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) إسناده فيه ضعف فإن الربذي ضعيف عند الأكثرين

وقال عكرمة في قوله تعالى ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قال : الأسطوانة تسبح ، والشجرة تسبح - الأسطوانة السارية

وقال بعض السلف : إن صرير الباب تسبيحه وخرير الماء تسبيحه قال الله تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده )

وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال الطعام يسبح

ويشهد لهذا القول آية السجدة أول سورة الحج

وقال آخرون إنما يسبح ما كان فيه روح يعنون من حيوان أو نبات

وقال قتادة في قوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قال : كل شيء فيه الروح يسبح من شجر أو شيء فيه

وقال الحسن ، والضحاك في قوله : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قالا : كل شيء فيه الروح

وقال ابن جرير حدثنا محمد بن حميد حدثنا يحيى بن واضح وزيد بن حباب قالا : حدثنا جرير أبو الخطاب قال كنا مع يزيد الرقاشي ومعه الحسن في طعام فقدموا الخوان فقال يزيد الرقاشي يا أبا سعيد يسبح هذا الخوان ؟ فقال كان يسبح مرة .

قلت الخوان هو المائدة من الخشب فكأن الحسن رحمه الله ذهب إلى أنه لما كان حيا فيه خضرة كان يسبح فلما قطع وصار خشبة يابسة انقطع تسبيحه وقد يستأنس لهذا القول بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة ثم قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا أخرجاه في الصحيحين .

قال بعض من تكلم على هذا الحديث من العلماء إنما قال ما لم ييبسا لأنهما يسبحان ما دام فيهما خضرة فإذا يبسا انقطع تسبيحهما والله أعلم

وقوله تعالى ] ( إنه كان حليما غفورا ) أي إنه [ تعالى لا يعاجل من عصاه بالعقوبة بل يؤجله وينظره فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر كما جاء في الصحيحين إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود 102 ] الآية ، وقال الله تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج 48 ] . ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان ورجع إلى الله وتاب إليه تاب عليه كما قال تعالى : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) [ النساء 110 .

وقال هاهنا ( إنه كان حليما غفورا ) كما قال في آخر فاطر " ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ) إلى أن قال ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ) [ فاطر 41 - 45 .

وقوله ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ) يقول:

تنـزه الله أيها المشركون عما وصفتموه به إعظاما له وإجلالا السماوات السبع والأرض، ومن فيهنّ من المؤمنين به من الملائكة والإنس والجنّ، وأنتم مع إنعامه عليكم، وجميل أياديه عندكم، تفترون عليه بما تَفْتَرون.

وقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) يقول جلّ ثناؤه:

وما من شيء من خلقه إلا يسبح بحمده.

كما حدثني به نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ، قال: ثنا محمد بن يعلَى، عن موسى بن عبيدة، عن زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إِنَّ نُوحا قالَ لابْنِهِ يا بُنَيَّ آمُرُكَ أنْ تَقُولَ سُبْحانَ الله وبِحَمْدِهِ فإنَّها صَلاةُ الخَلْق، وَتَسْبِيحُ الخَلْقِ، وبِها تُرْزَقُ الخَلْقُ، قالَ الله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عيسى بن عبيد، قال: سمعت عكرمة يقول: لا يَعِيبنّ أحدكم دابته ولا ثوبه، فإن كل شيء يسبح بحمده.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) قال: الشجرة تسبح، والأسْطوانة تسبح.

حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح وزيد بن حباب، قالا ثنا جرير أبو الخطاب، قال: كنا مع يزيد الرقاشي ومعه الحسن في طعام، فقدّموا الخوان، فقال يزيد الرقاشي: يا أبا سعيد يسبح هذا الخوان: فقال: كان يسبح مرّة.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، ويونس، عن الحسن أنهما قالا في قوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) قالا كلّ شيء فيه الروح.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: الطعام يسبح.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) قال: كلّ شيء فيه الروح يسبح، من شجر أو شيء فيه الروح.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي، عن عبد الله بن عمرو، أن الرجل إذا قال: لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لا يقبل الله من أحد عملا حتى يقولها، فإذا قال الحمد لله، فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد قطّ حتى يقولها، فإذا قال الله أكبر، فهي تملأ ما بين السماء والأرض، فإذا قال سبحان الله، فهي صلاة الخلائق التي لم يَدْعُ الله أحد من خلقه إلا نوّره بالصلاة والتسبيح، فإذا قال لا حول ولا قوّة إلا بالله، قال: أسلم عبدي واستسلم.

وقوله (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) يقول تعالى ذكره : ولكن لا تفقهون تسبيح ما عدا تسبيح من كان يسبح بمثل ألسنتكم (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا) يقول: إن الله كان حليما لا يعجل على خلقه، الذين يخالفون أمره، ويكفرون به، ولولا ذلك لعاجل هؤلاء المشركين الذين يدعون معه الآلهة والأنداد بالعقوبة (غَفُورًا) يقول: ساترا عليهم ذنوبهم، إذا هم تابوا منها بالعفو منه لهم.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا) عن خلقه، فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض (غَفُورًا) لهم إذا تابوا.

التدبر :

تفاعل
[44] ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[44] ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ ما دلالة استعمال صيغة العقلاء (وَمَنْ فِيهِنَّ) فى الآية، وليس (ما)، مع أنه قال بعدها (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ)؟ لأنه قال بعدها: (تَسْبِيحَهُمْ) والميم للعقلاء، والتسبيح لا يليق إلا بالعاقل، ولم يقل تسبيحها؛ لأنه أراد الجمع حين تكلم على التسبيح عامل هذه المسبّحات معاملة العقلاء وبصيغة المذكر.
عمل
[44] تفكر في الكون كما توحيه هذه الآية: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وقفة
[44] ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ كل شيء حولك يسبح لله؛ فكن معهم مسبحًا.
وقفة
[44] للصبح معنى آخر وأنت ترتل فيه قول الله: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾.
عمل
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ كل ما حولنا يقول: «سبحان الله وبحمده»، ﻻ تسكت أيها اﻹنسان.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ كل شيء هنا يسبح لله، وبسكوتك عن التسبيح قد تتخلف عن ركب المخلوقات المسبحة.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ التسبيح دون غيره؛ لأن الكون يشاهد تقصير الجن والإنس في جانب الله فيسبحونه براءة من القصور.
وقفة
[44]﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ إن آفاق السماء وفجاج الأرض، تسبح بحمد ربها، فلماذا نشذُّ نحن ولا نصطبغ بما اصطبغ به الكون كله؟ إن العصيان اختراق لقاعدة عامة، أو هو نغمة فاجرة، بين أنغام طاهرة، ترنو إلى البارئ الأعلى في استكانة وتفان وإعظام.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ الإنسان البليد، قال رسول الله ﷺ: «لَيْسَ شَيْءٌ إِلاَّ وَهُوَ أَطْوَعُ لله تَعَالَى مِنْ ابْنِ آدَمَ». [البزار 4374، وحسنه الألباني].
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ كل شيء في هذا الكون، ومن شذَّ عن هذا فهو مذموم.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ مع عظم خلق السموات واتساعها، فقد كانت التسبيحة من خير أعمالها، شاركها المجد بحركة شفة؛ سَبِّح.
تفاعل
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[44] ﴿يسبح له من في السماوات والأرض والطير﴾ [النور: 41]، ﴿ويسبح الرعد بحمده﴾ [الرعد: 13]، ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾، نظام كوني بأكمله يسبح الله، فأين أنت منه؟
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ يا لسعادة من كان في ركب المسبحين!
عمل
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ كل ما حولك يسبح؛ فشاركهم التسبيح.
اسقاط
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ لا تكُن صامتًا في عالمٍ يعجُّ بالتسبيح.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ المخلوقات تسير إلى الله مسبحة؛ بسكوتنا عن التسبيح نتخلف عن ركب المخلوقات المسبحة.
عمل
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ الحجر، الشجر، السماوات، الدواب، كلها تسبح تسبيحًا حقيقيًا؛ فانضم لهم، وكن عبدًا لله.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ قال بعض السلف: «أما يستحيي أحدكم أن تكون راحلته التي يركبها وثوبه الذي يلبسه أكثر ذكرًا لله منه؟!».
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ ما من مخلوق في السماوات والأرض إلا يسبح بحمد الله تعالى؛ فينبغي للعبد ألا تسبقه المخلوقات بالتسبيح.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ ضجيج المخلوقات بالعبودية لا يزعج.
وقفة
[44] ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ بالتسبيح يستجلب حلم الله ومغفرته.
لمسة
[44] ﴿وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ لعل إيثار فعل: (لا تَفْقَهُونَ) دون أن يقول: (لا تعلمون)؛ للإشارة إلى أن المنفي علم دقيق.
وقفة
[44] ما دلالة استخدام (تَفْقَهُونَ) بدل (تسمعون)؟ الفقه أن تعلم ماذا يقول وماذا يريد، فالطيور تسبِّح والله تعالى قال: ﴿ويسبح الرعد بحمده﴾ [الرعد: 13]، نحن قد نسمع التسبيح لكن لا نفقهه.
عمل
[44] ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ ادع الله تعالى باسميه: (الحليم)، و(الغفور) أن يعاملك بحلمه، وأن يغفر لك ويتجاوز عن سيئاتك.
وقفة
[44] ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ فلولا حلمه ومغفرته لسقطت السماوات على الأرض، ولما ترك على ظهرها من دابة.
وقفة
[44] ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ لم يعاجل بالعقوبة من قال فيه قولا تكاد السماوات تتفطر منه، بل أمهلهم، وأنعم عليهم، وعافاهم، ورزقهم، ودعاهم إلى بابه؛ ليتوبوا.

الإعراب :

  • ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ:
  • المعنى: تسبيحها له بلسان الحال حيث تدل عليه قدرة الصانع وحكمته فكأنها تنطق بذلك أي تنزهه عن النقائص وتقدسه. تسبح: فعل مضارع مرفوع بالضمة. السموات: فاعل مرفوع بالضمة. السبع: صفة-نعت-للسماوات مرفوعة مثلها بالفتحة وتعرب اعرابها. والأرض: معطوفة بالواو على السموات مرفوعة مثلها بالضمة. وله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بالفعل «تسبح».
  • ﴿ وَمَنْ فِيهِنَّ:
  • الواو: عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع لأنه معطوف على مرفوع. في: حرف جر. هن: ضمير مبهم مبني على الفتح في محل جر بفي يعود على-السموات-والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: استقر أو هو كائن ... وجملة «استقر فيهن» صلة الموصول لا محل لها. بمعنى: ومن فيهن يسبحون، المقصود: الملائكة والثقلان أي الانس والجن.
  • ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ:
  • الواو: استئنافية. إن: مخففة مهملة بمعنى «ما» النافية. من: حرف جر زائد. شيء: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ.
  • ﴿ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها. يسبح: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بحمده: جار ومجرور في محل نصب حال بمعنى حامدا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» في محل رفع خبر المبتدأ شيء.
  • ﴿ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ:
  • الواو: زائدة. لكن: حرف ابتداء للاستدراك لا عمل لها لأنها مخففة. لا: نافية لا عمل لها. تفقهون: أي تفهمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. تسبيح: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم «ان».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. حليما غفورا: خبران منصوبان بالفتحة والجملة الفعلية كانَ حَلِيماً غَفُوراً» في محل رفع خبر «ان» أي غفورا لمن تاب منكم. '

المتشابهات :

الإسراء: 44﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
فاطر: 41﴿وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد تنزيه الله عز وجل عن الشركاء؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن السماوات السبع، والأرض، ومن فيهن من الإِنس والجن والملائكة وغير ذلك تنزه الله وتمجده، قال تعالى:
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تسبح:
1- بالتاء، وهى قراءة النحويين، وحمزة، وحفص.
وقرئ:
2- بالياء، وهى قراءة باقى السبعة.
3- سبحت، وهى قراءة عبد الله، والأعمش، وطلحة بن مصرف.

مدارسة الآية : [45] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ ..

التفسير :

[45] وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلاء المشركون، جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً ساتراً يحجب عقولهم عن فَهْمِ القرآن؛ عقاباً لهم على كفرهم وإنكارهم.

يخبر تعالى عن عقوبته للمكذبين بالحق الذين ردوه وأعرضوا عنه أنه يحول بينهم وبين الإيمان فقال:

{ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} الذي فيه الوعظ والتذكير والهدى والإيمان والخير والعلم الكثير.

{ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} يسترهم عن فهمه حقيقة وعن التحقق بحقائقه والانقياد إلى ما يدعو إليه من الخير.

والخطاب في قوله- تعالى-: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ... للرسول صلى الله عليه وسلم وقوله حِجاباً من الحجب بمعنى المنع.

قال صاحب المصباح: حجبه حجبا- من باب قتل-: منعه. ومنه قيل للستر:

حجاب لأنه يمنع المشاهدة. وقيل للبواب: حاجب، لأنه يمنع من الدخول. والأصل في الحجاب: جسم حائل بين جسدين، وقد استعمل في المعاني فقيل: العجز حاجب، أى: بين الإنسان ومراده.. .

وقوله مَسْتُوراً ساترا، فهو من إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل. كميمون بمعنى يامن. ومشئوم بمعنى شائم.

واختار بعضهم أن مستورا على معناه الظاهر، من كونه اسم مفعول، لأن ذلك الحجاب مستور عن أعين الناس فلا يرونه، أو مستورا به القارئ فلا يراه غيره، ويجوز أن يكون مستورا، أى: ذا ستر فهو للنسب كمكان مهول: ذو هول..

وللمفسرين في تفسير هذه الآية أقوال، أشهرها قولان:

أولهما يرى أصحابه، أن المراد بالحجاب المستور: ما حجب الله به قلوب هؤلاء الكافرين عن الانتفاع بهدى القرآن الكريم، بسبب جحودهم وجهلهم وإصرارهم على كفرهم. فهو حجاب معنوي خفى، حال بينهم وبين الانتفاع بالقرآن.

فهم يستمعون إليه، ولكنهم يجاهدون قلوبهم ألا ترق له، ويمانعون فطرتهم عن التأثر به، فكان استماعهم له كعدمه، وعاقبهم الله على ذلك بأن طمس بصائرهم عن فقهه.

والمعنى: وإذا قرأت- أيها الرسول الكريم- القرآن الهادي إلى الطريق التي هي أقوم، جعلنا- بقدرتنا، ومشيئتنا-، بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة، حجابا يحجبهم ويمنعهم عن إدراك أسراره وهداياته، وساترا بينك وبينهم، بحيث لا يصل القرآن إلى قلوبهم وصول انتفاع وهداية.

ويشهد لهذا المعنى قوله- تعالى-: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ .

ومن المفسرين الذين اكتفوا بهذا القول، فلم يذكروا غيره، الإمام البيضاوي، فقد قال- رحمه الله: قوله: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم مَسْتُوراً ذا ستر: كقوله- تعالى-: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أى مستورا عن الحس.. .

أما القول الثاني فيرى أصحابه: أن المراد بالحجاب المستور، أن الله- تعالى- يحجب نبيه صلى الله عليه وسلم عن أعين المشركين، بحيث لا يرونه في أوقات معينة، لحكم منها: النجاة من شرورهم.

فيكون المعنى: وإذا قرأت القرآن- أيها الرسول الكريم- جعلنا بينك وبين هؤلاء الكافرين، حجابا ساترا لك عنهم بحيث لا يرونك، عند ما تكون المصلحة في ذلك.

وقد استشهد أصحاب هذا القول بما أخرجه الحافظ أبو يعلى عن أسماء بنت أبى بكر قالت: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر- أى حجر- وهي تقول: مذمّما أتينا، وأمره عصينا، ودينه قلينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر إلى جنبه.

فقال أبو بكر: يا رسول الله، لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآنا اعتصم به منها، ومما قرأه-: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً.

فجاءت حتى قامت على أبى بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجانى: فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك.

فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أنى بنت سيدها .

ومن المفسرين الذين استظهروا هذا القول، الإمام القرطبي، فقد قال بعد أن ذكر ما روى عن أسماء بنت أبى بكر- رضى الله عنهما-: وقال سعيد بن جبير: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ جاءت امرأة أبى لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال أبو بكر لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك فإنها امرأة بذيّة.

فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه سيحال بيني وبينها» فلم تره. فقالت لأبى بكر: يا أبا بكر هجانا صاحبك.

فقال أبو بكر: والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله. فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر:

يا رسول الله، أما رأتك؟.

قال: لا. ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت.

ثم قال القرطبي: وقيل: الحجاب المستور، طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه:

ولا يدركوا ما فيه من الحكمة. قاله قتادة. وقال الحسن: أى أنهم لإعراضهم عن قراءتك، وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيتهم لك، حتى كأن على قلوبهم أغطية ...

ثم قال: والقول الأول أظهر في الآية .

ويبدو لنا أن كلا القولين صحيح في ذاته، وأن كل واحد منهما يحكى حالات معينة، ويشهد لذلك ما نقله الجمل في حاشيته على الجلالين عن شيخه فقد قال- رحمه الله-. قوله:

حِجاباً مَسْتُوراً، أى: ساترا لك عنهم فلا يرونك وهذا بالنسبة لبعضهم، كان يحجب بصره عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراده بمكروه وهو يقرأ القرآن: وبعضهم كان يحجب قلبه عن إدراك معاني القرآن.. وبعضهم كان ينفر عند قراءة القرآن.. .

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين القرآن جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورا

قال قتادة وابن زيد هو الأكنة على قلوبهم كما قال تعالى : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ) [ فصلت 5 ] أي مانع حائل أن يصل إلينا مما تقول شيء

وقوله : ( حجابا مستورا ) أي بمعنى ساتر كميمون ومشئوم بمعنى يامن وشائم لأنه من يمنهم وشأمهم

وقيل مستورا عن الأبصار فلا تراه وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى ومال إلى ترجيحه ابن جرير رحمه الله

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن الوليد بن كثير عن يزيد بن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر [ الصديق رضي الله عنها ، قالت لما نزلت ) تبت يدا أبي لهب وتب ) [ سورة المسد ] جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول مدمما أتينا أو أبينا ، قال أبو موسى الشك مني ودينه قلينا وأمره عصينا ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه أو قال معه قال : فقال أبو بكر لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآنا اعتصم به منها ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) . قال فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فانصرفت وهي تقول لقد علمت قريش أني بنت سيدها .

يقول تعالى ذكره: وإذا قرأت يا محمد القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرّون بالثواب والعقاب، جعلنا بينك وبينهم حجابا، يحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم، فينتفعوا به، عقوبة منا لهم على كفرهم. والحجاب ههنا: هو الساتر.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.

حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (حِجَابًا مَسْتُورًا) قال: هي الأكنة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) قال: قال أُبيّ: لا يفقهونه، وقرأ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ لا يخلص ذلك إليهم.

وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول: معنى قوله (حِجابًا مَسْتُورًا) حِجابا ساترا، ولكنه أخرج وهو فاعل في لفظ المفعول، كما يقال: إنك مشئوم علينا وميمون، وإنما هو شائم ويامن، لأنه من شأمهم ويمنهم. قال: والحجاب ههنا: هو الساتر، وقال: مستورا. وكان غيره من أهل العربية يقول: معنى ذلك: حجابا مستورا عن العباد فلا يرونه.

وهذا القول الثاني أظهر بمعنى الكلام أن يكون المستور هو الحجاب، فيكون معناه: أن لله سترا عن أبصار الناس فلا تدركه أبصارهم، وإن كان للقول الأوّل وجه مفهوم.

التدبر :

لمسة
[45] ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ ووصف الحجاب بالمستور مبالغة في حقيقة جنسه؛ أي: حجابًا بالغًا الغاية في حجب ما يحجبه هو، حتى كأنه مستور بساتر آخر، أو أريد أنه حجاب من غير جنس الحجب المعروفة؛ فهو حجاب لا تراه الأعين.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ بعض أهل التفسير يقولون: ساترًا، والصواب حمله على ظاهره، وأن يكون الحجاب مستورًا عن العيون فلا يرى، وذلك أبلغ.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ صوت الباطل لا تأثير له مع ذِكر الله.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ فتدبر ما ذكره الله عن أعداء الرسل من نفي فقههم وتكذيبهم، تجد بعض ذلك فيمن أعرض عن ذكر الله، وعن تدبر كتابه واتبع ما تتلوه الشياطين وما توحيه إلى أوليائها.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ حظك من فهم القرآن بقدر حجم الآخرة في قلبك.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ المقصود من الآية (الحفظ) أو القراءة فقط؟ القراءة، وهذا أقل شيء للتحصين، والحفظ أحفظ.
وقفة
[45] من أراد الله أن يحرسه ويحميه من عدوه فليقرأ القرآن: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ:
  • الواو: استئنافية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه أداة شرط‍ غير جازمة. قرأت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير المخاطب وهو الرسول الكريم (صلّى الله عليه وسلّم) في محل رفع فاعل. القرآن: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف -اذا-.
  • ﴿ جَعَلْنا:
  • الجملة الفعلية وما بعدها: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على السكون و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ:
  • بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بجعلنا وهو مضاف والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة. وبين: معطوفة على «بين» الأولى وتعرب مثلها. الذين: اسم موصول في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بيؤمنون.
  • ﴿ حِجاباً مَسْتُوراً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. مستورا: صفة-نعت- لحجابا منصوبة مثلها بالفتحة أي يحجبهم عن فهم ما تقرأ بمعنى حجابا ذا ستر وقد كان هؤلاء القوم يشوشون على النبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) عند قراءته القرآن ودعوته الناس. '

المتشابهات :

النحل: 98﴿فَـ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
الإسراء: 45﴿وَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل في صدر السورة أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وأتبع ذلك جملة من هدايات القرآن؛ بَيَّنَ هنا عدم انتفاع المشركين بهدْي القرآن، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [46] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن ..

التفسير :

[46] وجعلنا على قلوب المشركين أغطية؛ لئلا يفهموا القرآن، وجعلنا في آذانهم صمماً؛ لئلا يسمعوه، وإذا ذَكَرْتَ ربك في القرآن داعياً لتوحيده ناهياً عن الشرك به رجعوا على أعقابهم نافرين مِن قولك؛ استكباراً واستعظاماً من أن يوحِّدوا الله تعالى في عبادته.

{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي:أغطية وأغشية لا يفقهون معها القرآن بل يسمعونه سماعا تقوم به عليهم الحجة،{ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} أي:صمما عن سماعه،{ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن} داعيا لتوحيده ناهيا عن الشرك به.

{ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} من شدة بغضهم له ومحبتهم لما هم عليه من الباطل، كما قال تعالى:{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}

وقوله- تعالى-: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً يؤكد أن المشركين كانوا طوائف متعددة بالنسبة لموقفهم من القرآن الكريم، ومن النبي صلى الله عليه وسلم.

أى: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ أى:

أغطية تسترها وتمنعها من فقه القرآن الكريم، وفهمه فهما سليما.

وجعلنا- أيضا-: فِي آذانِهِمْ وَقْراً أى: صمما وثقلا عظيما يمنعهم من سماعه سماعا ينفعهم.

وقوله: - سبحانه-: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة.

أى: وإذا ذكرت أيها الرسول الكريم- ربك في القرآن وحده، دون أن تذكر معه آلهتهم المزعومة انفضوا من حولك ورجعوا على أعقابهم نافرين شاردين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ.

وبذلك ترى أن هاتين الآيتين قد صورتا قبائح المشركين المتنوعة أبلغ تصوير، لتزيد في فضيحتهم وجهلهم، ولتجعل المؤمنين يزدادون إيمانا على إيمانهم.

وقوله : ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) : جمع كنان الذي يغشى القلب ( أن يفقهوه ) أي لئلا يفهموا القرآن ( وفي آذانهم وقرا ) وهو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعا ينفعهم ويهتدون به

وقوله : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ) أي إذا وحدت الله في تلاوتك وقلت لا إله إلا الله ( ولوا ) أي أدبروا راجعين ( على أدبارهم نفورا ) ونفور جمع نافر كقعود جمع قاعد ويجوز أن يكون مصدرا من غير الفعل والله أعلم كما قال تعالى : ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) [ الزمر 45 .

قال قتادة في قوله : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) إن المسلمين لما قالوا لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم وضاقها إبليس وجنوده فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها إنها كلمة من خاصم بها فلج ومن قاتل بها نصر إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها

قول آخر في الآية

وروى ابن جرير حدثني الحسين بن محمد الذارع ، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) هم الشياطين

هذا غريب جدا في تفسيرها وإلا فالشياطين إذا قرئ القرآن أو نودي بالأذان أو ذكر الله انصرفوا .

يقول تعالى ذكره: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة عند قراءتك عليهم القرآن أكنة، وهي جمع كِنان، وذلك ما يتغشَّاها من خِذلان الله إياهم عن فهم ما يُتلى عليهم (وفِي آذانهِمْ وَقْرًا) يقول: وجعلنا في آذانهم وقرا عن سماعه، وصمما، والوَقر بالفتح في الأذن : الثقل. والوِقر بالكسر: الحِمْل. وقوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ) يقول: وإذا قلت: لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه ( وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) يقول: انفضوا، فذهبوا عنك نفورا من قولك استكبارا له واستعظاما من أن يوحِّد الله تعالى.

وبما قلنا في ذلك، قال بعض أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا ) وإن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، فصافها (2) إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نُصِر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فِئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرّون بها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) قال: بغضا لما تكلم به لئلا يسمعوه، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة، ويَستغشُون ثيابهم، قال: يلتفون بثيابهم، ويجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ولا يُنظر إليهم.

وقال آخرون: إنما عُنِي بقوله ( وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) الشياطين، وإنها تهرب من قراءة القرآن، وذكر الله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) هم الشياطين.

والقول الذي قلنا في ذلك أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل، وذلك أن الله تعالى أتبع ذلك قوله ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) فأن يكون ذلك خبرا عنهم أولى إذا كان بخبرهم متصلا من أن يكون خبرا عمن لم يجز له ذكر. وأما النفور، فإنها جمع نافر، كما القعود جمع قاعد، والجلوس جمع جالس؛ وجائز أن يكون مصدرا أخرج من غير لفظه، إذ كان قوله (وَلَّوْا) بمعنى: نفروا، فيكون معنى الكلام: نفروا نفورا، كما قال امرؤ القيس:

وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ أَيَّ إِذْلالِ (3)

إذا كان رُضْت بمعنى: أذللت، فأخرج الإذلال من معناه، لا من لفظه.

-------------------------

الهوامش :

(2) يقال : صافه ، بتشديد الفاء ، فهو مضاف : إذا رتب صفوفه في مقابله صفوف العدو ، وتصافوا عليه : اجتمعوا صفا .

(3) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر الكندي ، صدره * وصرنـا إلى الحسنى ورق كلامنا *

وهو من قصيدة عدة أبياتها 54 بيتا ، وهو الخامس والعشرون فيها ، ( انظر مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي ص 38 ) . وقد استشهد المؤلف على أن قول القرآن ، " ولوا على أدبارهم نفورا " يجوز أن يكون لفظ ( نفورا) جمع نافر ، كجلوس جمع جالس ، وقعود جمع قاعد ، ويجوز أن يكون مصدر نفر ، وهو مفعول مطلق للفعل " ولوا " لأنه يئول بمعنى نفورا كما يئول قول امرئ القيس (أي إذلال) بمعنى أي ذل مع ما بينهما من فرق في المعنى . ولكن العرب تتسمح في وضع بعض المصادر موضع بعض على التأويل .

التدبر :

وقفة
[46] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ عدم فِقْه القرآن وفهمه قد يكون عقوبةً بسبب المعاصي؛ فسارع إلى التوبة وكثرة الاستغفار.
وقفة
[46] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ القرآن أعظم وأجل من أن يدخل إلى قلوب مظلمة، تآكلت كفرًا ونفاقًا.
وقفة
[46] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ لن (يفقه) القلب القرآن ما دام عليه (حجاب)، انشغل بإزالة الغطاء باﻻستغفار.
وقفة
[46] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ أي: أغطية وأغشية لا يفقهون معها القرآن، بل يسمعونه سماعًا تقوم به عليهم الحجة.
تفاعل
[46] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ استعذ بالله من شر الغفلة.
وقفة
[46] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ أخبث القلوب تلك التي تنفر إذا ذكرت بالله؛ حيث يجتمع فيها الاستكبار ومكر السيئ.
وقفة
[46] قوله: ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ أي: وجعل تعالى في آذان أولئك المشركين الخصوم ثقلًا في آذانهم؛ فلا يسمعون القرآن الذي يتلى عليهم؛ وهذا كله من الحجاب الساتر، والأكنة، والوقر في الآذان عقوبة من الله تعالى لهم حرمهم بها من الهداية بالقرآن لسابقة الشر لهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ببغضهم للرسول وما جاء به، وحربهم له ولما جاء به من التوحيد، والدين الحق.
وقفة
[46] ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ ذكر الله تعالى -وخاصة كلمة التوحيد وقراءة القرآن- هو سبب لحفظ العبد من الشياطين.
وقفة
[46] ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ أكثر الناس لا تزيدهم آيات الله إلا نفورًا؛ لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل.
وقفة
[46] قال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله: ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من قول: «لا إله إلا الله»، ثم تلا: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً:
  • لواو: عاطفة. جعل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والجار والمجرور عَلى قُلُوبِهِمْ» متعلق بجعلنا «و «هم» ضمير الغائبين يعود على الكافرين: في محل جر بالاضافة. اكنة: أي أغطية وهو جمع كنان: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَنْ يَفْقَهُوهُ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. يفقهوه: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير الغائب في محل نصب مفعول به و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول له-لأجله-أي كراهة أن يفقهوه هذا ما يقوله البصريون وعند الكوفيين لئلا يفقهوه. ويجوز أن يكون بتقدير: منعناهم أن يفقهوه. لأنه مرتبط‍ بقوله: وجعلنا على قلوبهم أكنة وفيه معنى المنع من الفقه والمؤول دون فهم الحقيقة.
  • ﴿ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً:
  • معطوفة بالواو على جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً» أي وجعلنا في آذانهم ثقلا ... وتعرب إعرابها.
  • ﴿ وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ:
  • تعرب إعراب وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» الواردة في الآية الكريمة السابقة. والكاف في كلمة «ربك» ضمير المخاطب في محل جر بالاضافة. في القرآن: جار ومجرور متعلق بذكرت.
  • ﴿ وَحْدَهُ:
  • مصدر الفعل يحد وحده بمعنى: واحدا وحده وهو منصوب على الحالية. أي مبني على الفتح في محل نصب حال. أو مصدر سدّ مسدّ الحال. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. تراجع الآية السبعون من سورة الأعراف.
  • ﴿ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. ولوا: فعل ماض مبني على الفتح أو الضم المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة ضمير الغائبين وهم الكفار. وبقيت الفتحة دالة عليها. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. على ادبار: جار ومجرور متعلق بولوا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أي هربوا نافرين نفورا: حال منصوب بالفتحة أي نافرين مفردها: نافر. ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي التولية بمعنى هربوا تجنبا لسماع التوحيد. '

المتشابهات :

الأنعام: 25﴿وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا
الإسراء: 46﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا
الكهف: 57﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     وبعد بيان عدم انتفاع المشركين بهدْي القرآن؛ بَيَّنَ اللهُ هنا السَّبب، قال تعالى
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [47] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ..

التفسير :

[47] نحن أعلم بالذي يستمع به رؤساء قريش، إذ يستمعون إليك ومقاصدهم سيئة، فليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقَبول الحق، ونعلم تَناجيهم حين يقولون:ما تتبعون إلا رجلاً أصابه السحر فاختلط عقله.

{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} أي:إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به، وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق وإنما هم متعمدون على عدم اتباعه، ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئا ولهذا قال:{ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} أي:متناجين{ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} في مناجاتهم:{ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} فإذا كانت هذه مناجاتهم الظالمة فيما بينهم وقد بنوها على أنه مسحور فهم جازمون أنهم غير معتبرين لما قال، وأنه يهذي لا يدري ما يقول.

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال علمه. وأنه- تعالى- سيجازى هؤلاء الكافرين بما يستحقون من عقاب، فقال- عز وجل-: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى، إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.

والباء في قوله- سبحانه-: بِما يَسْتَمِعُونَ متعلقة بأعلم، ومفعول يَسْتَمِعُونَ محذوف، تقديره، القرآن.

قال الآلوسى: قوله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أى: متلبسين به من اللغو والاستخفاف، والاستهزاء بك وبالقرآن. يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم عن يمينه رجلان من بنى عبد الدار، وعن يساره رجلان منهم، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار- إذا قرأ القرآن-.

ويجوز أن تكون الباء للسببية أو بمعنى اللام. أى: نحن أعلم بما يستمعون بسببه أو لأجله من الهزء، وهم متعلقة بيستمعون.. وأفعل التفضيل في العلم والجهل يتعدى بالباء، وفي سوى ذلك يتعدى باللام، فيقال: هو أكسى للفقراء، والمراد من كونه- سبحانه- أعلم بذلك:

الوعيد لهم.. .

وإذ في قوله إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى ظرف لأعلم.

ولفظ نَجْوى مصدر بمعنى التناجي والمسارة في الحديث. وقد جعلوا عين النجوى على سبيل المبالغة، كما في قولهم: قوم عدل.

ويجوز أن يكون جمع نجىّ، كقتلى جمع قتيل أى: وإذ هم متناجون في أمرك.

والمعنى: نحن- أيها الرسول الكريم- على علم تام بأحوال المشركين عند استماعهم للقرآن الكريم. حين تتلوه عليهم، وبالطريقة التي يستمعون بها وبالغرض الذي من أجله يستمعون إليك. وعلى علم تام بأحوالهم حين يستمعون إليك فرادى: وحين يستمعون إليك ثم يتناجون فيما بينهم بالإثم والعدوان، والتواصي بمعصيتك.

فالجملة الكريمة وعيد شديد للمشركين على استماعهم المصحوب بالاستهزاء والسخرية من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن القرآن. وتسلية له صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم، وبيان لشمول علم الله- تعالى- لكل أحوالهم الظاهرة والخفية.

وقوله- تعالى-: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً بدل من قوله- تعالى-: وَإِذْ هُمْ نَجْوى.

والمسحور. هو الذي سحر فاختلط عقله، وزالت عنه الهيئة السوية.

أى: ونحن أعلم بهؤلاء الأشقياء- أيضا- عند ما يقول بعضهم لبعض: لا تتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إليه، فإنكم إن اتبعتموه تكونون قد اتبعتم رجلا مسحورا، أصابه السحر فأخرجه عن وعيه وعقله.

وقال- سبحانه-: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ بالإظهار دون الإضمار، لتسجيل الظلم عليهم فيما تفوهوا به، وأنهم سيستحقون عقوبة الظالم.

يخبر تعالى نبيه صلوات الله وسلامه ] عليه بما تناجى به رؤساء كفار قريش حين جاءوا يستمعون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا من قومهم بما قالوا من أنه رجل مسحور ، من السحر على المشهور أو من السحر وهو الرئة أي إن تتبعون إن اتبعتم محمدا - ( إلا بشرا ) يأكل [ ويشرب ، كما قال الشاعر :

فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر

وقال الراجز

ونسحر بالطعام وبالشراب

أي : نغذى وقد صوب هذا القول ابن جرير وفيه نظر لأنهم إنما أرادوا هاهنا أنه مسحور له رئى يأتيه بما استمعوه من الكلام الذي يتلوه ومنهم من قال شاعر ومنهم من قال كاهن ومنهم من قال مجنون ومنهم من قال ساحر ولهذا قال تعالى :

يقول تعالى ذكره: نحن أعلم يا محمد بما يستمع به هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قومك، إذ يستمعون إليك وأنت تقرأ كتاب الله ( وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ). وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: النجوى : فعلهم، فجعلهم هم النجوى، كما يقول: هم قوم رضا، وإنما رضا: فعلهم. وقوله ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) يقول: حين يقول المشركون بالله ما تتبعون إلا رجلا مسحورا. وعنى فيما ذُكِر بالنجوى: الذين تشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النَّدوة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) قال: هي مثل قيل الوليد بن المُغيرة ومن معه في دار الندوة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ ).... الآية ، ونجواهم أن زعموا أنه مجنون، وأنه ساحر، وقالوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ .

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يذهب بقوله ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) إلى معنى: ما تتبعون إلا رجلا له سَحْر: أي له رئة، والعرب تسمي الرئة سَحْرا، والمسحَّر من قولهم للرجل إذا جبن: قد انتفخ سَحْره، وكذلك يقال لكل ما أكَلَ أو شرب من آدميّ وغيره: مَسحور ومُسَحَّر، كما قال لبيد:

فــإنْ تَسْــأَلِينَا فِيـم نَحْـنُ فإنَّنَـا

عَصَـافِيرُ مِـنْ هَـذَا الأنـامِ المُسَحَّر (4)

وقال آخرون:

ونُسحَر بالطعام وبالشراب (5)

أي نغذّى بهما، فكأن معناه عنده كان: إن تتبعون إلا رجلا له رئة، يأكل الطعام، ويشرب الشراب، لا مَلَكا لا حاجة به إلى الطعام والشراب، والذي قال من ذلك غير بعيد من الصواب.

-----------------------

الهوامش :

(4) البيت في ( ديوان لبيد ، رواية الطوسي ، طبع فينا سنة 1880 ص 81 ) وفي شرحه : عصافير : صغار ضعاف . أي نحن أولاد قوم قد ذهبوا ومسحر معلل بالطعام والشراب . وقوله : " إنما أنت من المسحرين " : من هذا . واستشهد به المؤلف على هذا قال : والمسحر : من قولهم للرجل إذا جبن : قد انتفخ سحره . وكذلك يقال لكل ما أكل وشرب من آدمي وغيره : مسحور ومسحر كما قال لبيد : " فإن تسألينا ... " البيت . و (في اللسان : سحر ) : وقول لبيد : " فإن تسألينا ... إلخ البيت ، يكون على الوجهين ، وقوله تعالى : " إنما أنت من المسحرين " يكون من التغذية والخديعة .

(5) هذا عجز بيت من قول امرئ القيس بن حجر الكندي:

أرَانــا مُــوضِعِينَ لأَمْــرِ غَيْـبٍ

ونُسْـــحَرُ بالطَّعــامِ وبالشَّــرَابِ

عَصَـــــافِيرٌ وذِبَّــــانٌ ودُودٌ

وأجْــرأ مِــنْ مُجَلِّحَــةِ الّذئـابِ

قال صاحب اللسان بعد أن أورد البيتين : ( سحر ) أي نغذى أو نخدع . قال ابن امرئ بري: وقوله : " موضعين " معناه : مسرعين . وقوله " لأمر غيب " : يريد الموت ، وأنه قد غيب عنا وقته ، ونحن نلهى عنه بالطعام والشراب. والسحر: الخديعة. وفي "مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 79 في شرح البيت الأول من البيتين : موضعين : مسرعين . لأمر غيب : يريد الموت أو المستقبل المجهول . ويروى : لحتم غيب . ونسحر : نلهى ، أو نغذى . يقول : أرانا في هذه الدنيا مسرعين للموت الذي غيب عنا وقته ، أو لمستقبل مجهول ، لا ندري من أمره شيئا ، ونحن نعلل عنه بالطعام وبالشراب . يريد : كيف يستلذ الطعام والشراب من هو جاد إلى شرب كأس المنية . وفي شرح البيت الثاني : العصافير : ضعاف الطير ؛ والمجلح : الجريء ، والأنثى مجلحة . يقول : نحن أشبه بالعصافير والذباب والدود في ضعفنا ، ولكننا أجرأ على الشر ، وارتكاب الآثام من الذئاب الضارية .

التدبر :

وقفة
[47] ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِه﴾ أي: إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة؛ يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به، وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق، وإنما هم مصممون على عدم اتباعه، ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئًا.
عمل
[47] فى الأزمات لا تلتفت، سيقولون فيك ما ليس فيك، أأنت خيرٌ أم هو؟ وقد قالو فيه: ﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ:
  • ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. أعلم: خبر-نحن-مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن -أفعل-صيغة تفضيل ومن وزن الفعل.
  • ﴿ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ:
  • الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم. يستمعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يستمعون» صلة الموصول لا محل لها. بمعنى: نحن أعلم بالسبب الذي يدعوهم للاستماع اليك وهو الاستهزاء بك وبالقرآن. به: جار ومجرور متعلق بحال مقدر أي بالهزء أي هازئين.
  • ﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ:
  • ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق بأعلم. أي نحن أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون. يستمعون: أعربت والجملة في محل جر بالاضافة. اليك: جار ومجرور متعلق بيستمعون.
  • ﴿ وَإِذْ هُمْ نَجْوى:
  • الواو عاطفة. إذ: أعربت. أي وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى. هم: ضمير رفع منفصل ضمير الغائبين مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. نجوى: خبر-هم-مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر بتقدير الكلمة جمع نجي. أو على المصدر: ذوو نجوى وحذف الخبر وحل المضاف إليه المصدر محله. والجملة الاسمية هُمْ نَجْوى» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد-إذ-.
  • ﴿ إِذْ يَقُولُ:
  • بدل من إِذْ هُمْ» يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة. ويقول. مع فاعله: جملة: في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ الظّالِمُونَ:
  • فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. وما بعده: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ:
  • ان: نافية لا عمل لها بمعنى «ما».تتبعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. إلاّ أداة حصر لا عمل لها.
  • ﴿ رَجُلاً مَسْحُوراً:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. مسحورا: صفة-نعت- لرجلا منصوبة مثلها بالفتحة. '

المتشابهات :

الإسراء: 47﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا
الفرقان: 8﴿أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل عدم انتفاع المشركين بهدْي القرآن؛ بَيَّنَ هنا الغرض الذي يستمعون لأجله القرآن، وهو الاستهزاء والسخرية والتكذيب واتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر، قال تعالى:
﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [48] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ ..

التفسير :

[48] تفكر -أيها الرسول- متعجباً من قولهم:إن محمداً ساحر شاعر مجنون ! فجاروا وانحرفوا، ولم يهتدوا إلى طريق الحق والصواب.

قال تعالى:{ انْظُرْ} متعجبا{ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} التي هي أضل الأمثال وأبعدها عن الصواب{ فَضَلُّوا} في ذلك أو فصارت سببا لضلالهم لأنهم بنوا عليها أمرهم والمبني على فاسد أفسد منه.

{ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا}أي:لا يهتدون أي اهتداء فنصيبهم الضلال المحض والظلم الصرف.

وقوله- تعالى-: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تسلية عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيت له وللمؤمنين على الطريق الحق الذي هداهم الله- تعالى- إليه.

أى: انظر وتأمل- أيها الرسول الكريم- كيف أن هؤلاء المشركين. قد بلغ بهم الجحود والفجور، أنهم مثلوا لك الأمثال، فوصفوك تارة بأنك مسحور، وتارة بأنك شاعر.

وهم في وصفهم هذا، قد ضلوا عن الحق ضلالا بعيدا، وصاروا كالحيران الذي التبست عليه الطرق، فأمسى لا يعرف السبيل الذي يسلكه.

هذا، وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمة الله- عند تفسيره لهذه الآيات، ما يدل على أن المشركين كانوا يستمعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءته للقرآن.

فقال: قال محمد بن إسحاق في السيرة: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، أنه حدّث أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق.. خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالليل في بيته، فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا.

حتى إذا جمعتهم الطريق، تلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة التالية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا. حتى إذا جمعتهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة الثالثة، أخذ كل رجل منهم مجلسه. فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.

فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو سفيان: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها. ولا ما يراد بها.

فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل.

فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحى من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه .

ثم حكى- سبحانه- أقوالهم الباطلة، في شأن البعث والحساب يوم القيامة ورد عليها بما يزهق باطلهم، فقال- تعالى-:

( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) أي فلا يهتدون إلى الحق ولا يجدون إليه مخلصا

قال محمد بن إسحاق في السيرة : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف ابن زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا

فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد قال : يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس وأنا والذي حلفت به . قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد قال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه قال فقام عنه الأخنس وتركه .

يقول تعالى ذكره: انظر يا محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثَّلوا لك الأمثال، وشبهوا لك الأشباه، بقولهم: هو مسحور، وهو شاعر، وهو مجنون (فضلوا) يقول: فجاروا عن قصد السبيل بقيلهم ما قالوا( فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ) يقول: فلا يهتدون لطريق الحقّ لضلالهم عنه وبُعدهم منه، وأن الله قد خذلهم عن إصابته، فهم لا يقدرون على المَخْرَج مما هم فيه من كفرهم بتوفُّقهم إلى الإيمان به.

كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ) قال: مخرجا، الوليد بن المغيرة وأصحابه أيضا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ) مخرجا، الوليد بن المغيرة وأصحابه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[48] ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا﴾ عادة ما يضرب العقلاء الأمثال لتوضيح فكرة واستجلاء صورة وإثبات حقيقة، لكن خبيث الطوية يضرب المثل بهدف تشويش الصورة الواضحة والتشكيك بالفكرة السليمة، فيُضـلُّ ويضِلُّ.
وقفة
[48] ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ تشويه الصادقين بالألقاب وسيلة جاهلية، يطلقون لقبًا بالأمس يناقض لقب اليوم، والمقصود واحد.
وقفة
[48] لمن أراد أن يبني مجتمعًا فاضلًا فعليه بالآيات في سورة الإسراء من قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [23]، إلى: ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ ومثل هذه التوجيهات نجدها في أواخر سورة الأنعام، فكيف نترك توجيهات القرآن ونلهث وراء نظريات اجتماعية غربية؟!

الإعراب :

  • ﴿ انْظُرْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ:
  • كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. ضربوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لك: جار ومجرور متعلق بضربوا. الأمثال: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَضَلُّوا:
  • الفاء: سببية أو استئنافية. ضلوا: تعرب اعراب «ضربوا» أي فضلوا عن سبيل الحق في جميع ما وصفوك به.
  • ﴿ فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً:
  • الفاء: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. يستطيعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. سبيلا: مفعول به منصوب بالفتحة. أي للوصول الى الحق. '

المتشابهات :

الإسراء: 48﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا
الفرقان: 9﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [48] لما قبلها :     وبعد بيان الغرض الذي يستمع المشركون لأجله القرآن؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى الحق، قال تعالى:
﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [49] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ..

التفسير :

[49] وقال المشركون منكرين أن يُخْلَقوا خَلْقاً جديداً بعد أن تبلى عظامهم، وتصير فُتاتاً:أئِنا لمبعوثون يوم القيامة بعثاً جديداً؟

يخبر تعالى عن قول المنكرين للبعث وتكذيبهم به واستبعادهم بقولهم:{ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} أي:أجسادا بالية{ أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أي:لا يكون ذلك وهو محال بزعمهم، فجهلوا أشد الجهل حيث كذبوا رسل الله وجحدوا آيات الله وقاسوا قدرة خالق السماوات والأرض بقدرتهم الضعيفة العاجزة.

فلما رأوا أن هذا ممتنع عليهم لا يقدرون عليه جعلوا قدرة الله كذلك.

فسبحان من جعل خلقا من خلقه يزعمون أنهم أولو العقول والألباب مثالا في جهل أظهر الأشياء وأجلاها وأوضحها براهين وأعلاها ليرى عباده أنه ما ثم إلا توفيقه وإعانته أو الهلاك والضلال.

{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}

قال الإمام الرازي: اعلم أنه تعالى لما تكلم أولا في الإلهيات، ثم أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوات، ذكر في هذه الآية شبهات القوم في إنكار المعاد والبعث والقيامة.. .

والرفات: ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات. يقال: رفت فلان الشيء يرفته- بكسر الفاء وضمها-، إذا كسره وجعله يشبه التراب.

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَإِذا كُنَّا ... وفي قوله أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ..

للاستبعاد والإنكار.

أى: وقال الكافرون المنكرون لوحدانية الله- تعالى-، ولنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وللبعث والحساب، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنكار والاستبعاد، أإذا كنا يا محمد، عظاما بالية، ورفاتا يشبه التراب في تفتته ودقته، أإنا لمعادون إلى الحياة مرة أخرى، بحيث تعود إلينا أرواحنا، وتدب الحياة فينا ثانية، ونبعث على هيئة خلق جديد، غير الذي كنا عليه في الدنيا؟.

وقولهم هذا، يدل على جهلهم المطبق، بقدرة الله- تعالى- التي لا يعجزها شيء، وكرر- سبحانه- الاستفهام في الآية الكريمة، للإشعار بإيغالهم في الجحود والإنكار.

والعامل في إِذا محذوف، والتقدير: أنبعث أو أنحشر إذا كنا عظاما ورفاتا، وقد دل على هذا المحذوف قوله- تعالى-: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.

يقول تعالى مخبرا عن الكفار المستبعدين وقوع المعاد القائلين استفهام إنكار منهم لذلك ( أئذا كنا عظاما ورفاتا ) أي ترابا قاله مجاهد

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس غبارا

( أئنا لمبعوثون ) أي يوم القيامة ( خلقا جديدا ) أي بعد ما بلينا وصرنا عدما لا يذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر ( يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة ) [ النازعات 10 12 ] قال تعالى : ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) [ يس 78 ، 79 .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قريش، وقالوا بعنتهم: (أئِذَا كُنَّا عِظاما) لم نتحطم ولم نتكسَّر بعد مماتنا وبلانا(وَرُفاتا) يعني ترابا في قبورنا.

كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، يقول الله (رُفاتا) قال: ترابا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ) يقول: غُبارا، ولا واحد للرُّفات، وهو بمنـزلة الدُّقاق والحُطَام، يقال منه: رُفت يُرْفت رَفْتا فهو مرفوت: إذا صُير كالحُطام والرُّضاض.

وقوله ( أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) قالوا، إنكارا منهم للبعث بعد الموت: إنا لمبعوثون بعد مصيرنا في القبور عظاما غير منحطمة، ورفاتا منحطمة، وقد بَلِينا فصرنا فيها ترابا، خلقا مُنْشَأ كما كنا قبل الممات جديدا، نعاد كما بدئنا، فأجابهم جلّ جلاله يعرّفهم قُدرته على بعثه إياهم بعد مماتهم، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بِلاهم خلقا جديدا، على أيّ حال كانوا من الأحوال، عظاما أو رُفاتا، أو حجارة أو حديدا، أو غير ذلك مما يعظُم عندهم أن يحدث مثله خَلْقا أمثالَهم أحياء، قل يا محمد كونوا حجارة أو حديدا، أو خلقا مما يكبر في صدوركم.

التدبر :

وقفة
[49] ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ في كل القرآن الكريم ترد: (تُرَابًا وَعِظَامًا) إلا في سورة الإسراء، وردت مرتين بقوله تعالى: (عِظَامًا وَرُفَاتًا).

الإعراب :

  • ﴿ وَقالُوا:
  • ذالواو: استئنافية: قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير الغائبين في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَإِذا كُنّا عِظاماً:
  • الهمزة: همزة انكار وتعجيب بلفظ‍ استفهام. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه أداة شرط‍ غير جازمة. كنا: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير المتكلمين في محل رفع اسم «كان».عظاما: خبرها منصوب بالفتحة وجملة كُنّا عِظاماً» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف-اذا-.
  • ﴿ وَرُفاتاً:
  • معطوفة بالواو على «عظاما» منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى: حطاما أو فتاتا.
  • ﴿ أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ:
  • الهمزة. أعربت. إن: حرف مشبه بالفعل. و «نا» ضمير المتكلمين في محل نصب اسم «إنّ» اللام: لام الابتداء-المزحلقة- للتوكيد. مبعوثون: خبر «إنّ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد والجملة من «ان مع اسمها وخبرها» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ خَلْقاً جَدِيداً:
  • خلقا: منصوب بالفتحة لأنه مصدر-مفعول مطلق-لاسم المفعول-مبعوثون-بمعنى: مخلوقون خلقا أو مبعوثون بعثا. ويجوز أن يكون حالا. جديدا صفة-نعت-لخلقا منصوبة مثلها بالفتحة المنونة لأن الكلمتين نكرتان. '

المتشابهات :

الإسراء: 49﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
الإسراء: 98﴿ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
النازعات: 11﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [49] لما قبلها :     وبعد بيان ضلال المشركين؛ ذكرَ اللهُ عز وجل هنا بعض شُبهاتهم: إنكار البعث، قال تعالى:
﴿ وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف