28418192021222324252627

الإحصائيات

سورة الإسراء
ترتيب المصحف17ترتيب النزول50
التصنيفمكيّةعدد الصفحات11.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول12تبدأ في الجزء15
تنتهي في الجزء15عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 3/14 المُسبِّحات : 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (18) الى الآية رقم (22) عدد الآيات (5)

بعدَ أن بَيَّنَ اللهُ ارتباطَ كلِّ إنسانٍ بعملِه؛ قَسَّمَ هنا النَّاسَ قسمينِ: قسمًا يريدُ الدُّنيا ويعملُ لها ومآلُه النَّارُ، وقسمًا يريدُ الآخرةَ ويعملُ لها ومآلُه الجَنَّةُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (23) الى الآية رقم (27) عدد الآيات (5)

بعدَ بيانِ أنَّ النَّاسَ قسمانِ، والتَّرغيبِ في درجاتِ الآخرةِ، بَيَّنَ اللهُ هنا الأعمالَ التي تُنالُ بها تلك الدرجاتُ: عدمَ الشركِ باللهِ، وبرَ الوالدينَ، والإحسانَ للأقاربِ والمحتاجينَ، ثُمَّ ذَمَّ التبذيرَ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الإسراء

استشعر قيمة القرآن/ انتصار أمة الإسراء والقرآن على أمة إسرائيل والتوراة/ المسؤولية الشخصية/ المواجهة والتثبيت/ الإمامة في الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • عن أي شيء تتحدث سورة الإسراء؟:   قد يجيب البعض: «إنها تتحدث عن (رحلة الإسراء والمعراج)، وهذا واضح من اسمها ومن أول آية منها». أولًا: إنها آية واحدة فقط هي التي تحدثت عن رحلة (الإسراء)، وهي أول آية، آية واحدة فقط من 111 آية تتكون منها السورة، فماذا عن الـ 110 الباقية؟! ثانيًا: رحلة (المعراج) فلم تتكلم عنها السورة أبدًا، إنما جاء ذكرها في أول سورة النجم. فيبدو أن هناك موضوع آخر، وربما موضوعات تتحدث عنها سورة الإسراء.
  • • بين رحلة (الإسراء) وسورة (الإسراء)::   كانت (رحلة الإسراء والمعراج) تثبيتًا للنبي ﷺ وتأييدًا له وتكريمًا له، وتسرية عنه في وقت اشتداد المصاعب والمشاق، وما تعرض له من أذى وعداء، وكذلك كانت سورة (الإسراء) كلها تدور حول تثبيت النبي ﷺ في مواجهة المشركين المعاندين والمكذبين وتأييده بالحجج والآيات. وركزت السورة على القرآن الكريم؛ لأنه تثبيت للنبي ﷺ والمؤمنين وهم يواجهون أعاصير المحن ورياح الفتن، وهكذا يثبت الله عبادة المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن، ويحدد لهم منابع القوة التي يستمدون منها الصبر وقوة التحمل والثبات على الحق
  • • سورة الإسراء والقرآن::   سورة الإسراء هي أكثر سورة ذكر فيها القرآن 11 مرة، وركزت على قيمة القرآن وعظمته وأهميته كما لم يرد في أي سورة من سور القرآن.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الإسراء».
  • • معنى الاسم ::   الإسراء: هو السير ليلًا، والإسراء أُطْلِق على رحلة الرسول ﷺ ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
  • • سبب التسمية ::   لأنها افتتحت بذكر قصة إسراء النبي ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة بني إسرائيل»؛ لأنه ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض ما لم يذكر في غيرها، و«سورة سبحان»؛ لافتتاحها بهذه الكلمة، وذُكر التسبيح فيها في أكثر من آية.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   تثبيت الله لعباده المؤمنين في أوقات الشدائد والفتن.
  • • علمتني السورة ::   استشعار قيمة القرآن، وقيمة المسؤولية عنه من قراءته وتنفيذه والدعوة إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن كل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، فالإنسان إن عمل خيرًا فلنفسه، وإن أساء فعليها.
  • • علمتني السورة ::   : احذر عند الغضب من أن تدعو على نفسك، أو أولادك، أو مالك بالشر: ﴿وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي».
    • قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الإسراء من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الإسراء -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المُسَبِّحات؛ وهي سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
    • أكثر سورة يذكر فيها لفظ (القرآن)، ذُكِرَ 11 مرة، وهو ما لم يقع في سورة أخرى (تليها سورة النمل 4 مرات).
    • احتوت على السجدة الرابعة -بحسب ترتيب المصحف- من سجدات التلاوة في القرآن الكريم، في الآية (107).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتمسك بالقرآن الكريم، ونعتصم به؛ فإنه يهدي للتي هي أقوم.
    • أن نقرأ حادثة الإسراء والمعراج من صحيح البخاري، أو غيره من الكتب، ونستخلص منها الدروس والعبر: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (1).
    • أن نتيقن ونستحضر أن أول من يستفيد من إحساننا ويتضرر من إساءتنا هو نحن: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (7).
    4- أن نحذر من الدعاء على النفس والأهل بالشر، ولا نتعجل فقد يوافق ساعة استجابة: ﴿ وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا﴾ (11).
    • أن نتذكر دائمًا أن كل عمل نعمله من خير وشر سنجده مكتوبًا يوم القيامة: ﴿ وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا (13) ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا﴾ (13، 14).
    • ألا نؤثر الحياة الدنيا على الآخرة: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا (18) وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا (19) كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا (20) ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا ﴾ (18-21).
    • 7- أن نحسن إلى الوالدين ونبرهما ونتذلل لهما وندعو لهما: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا (23) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ﴾ (23، 24).
    8- أن نُحْسن إلى الأقارب والمساكين: ﴿ وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ﴾ (26). • 9- أن نحذر البخل ونبتعد عن التبذير: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا ﴾ (29).
    • ألا نخشى الفقر على أنفسنا وأهلنا؛ فالله هو الرزاق الكريم: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا﴾ (31).
    • أن نَحْذر من الوقوع في مقدمات الزنا؛ حتى لا نقع فيه: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا﴾ (32).
    • أن نَحْذر من قتل النفس المعصومة: ﴿ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾ (33).
    • أن نحذر من أكل مال اليتيم، ونلزم الوفاء بالعهود: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (34).
    • ألا نتكلم بما لا نعلم؛ ونتيقن أننا سنحاسب علي ما نقول: ﴿ وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا ﴾ (36).
    • ألا نتكبر: ﴿ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا ﴾ (37).
    • إذا تكلمنا مع الناس فلا نقول إلا الكلام الحسن؛ حتى لا يدخل الشيطان بيننا وبينهم، وتحصل البغضاء: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا ﴾ (53).
    • أن نتنافس على القُرَب: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ﴾ (57).
    • أن نكون مع الله في السراء والضراء؛ عند النعمة نشكر الله، وعند الضر ندعو الله وحده: ﴿وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا ﴾ (83).

تمرين حفظ الصفحة : 284

284

مدارسة الآية : [18] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا ..

التفسير :

[18] من كان طلبه الدنيا العاجلة، وسعى لها وحدها، ولم يصدِّق بالآخرة، ولم يعمل لها، عجَّل الله له فيها ما يشاؤه الله ويريده مما كتبه له في اللوح المحفوظ، ثم يجعل الله له في الآخرة جهنم، يدخلها ملوماً مطروداً من رحمته عز وجل؛ وذلك بسبب إرادته الدنيا وسعيه ل

يخبر تعالى أن{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ} الدنيا{ العاجلة} المنقضية الزائلة فعمل لها وسعى، ونسي المبتدأ أو المنتهى أن الله يعجل له من حطامها ومتاعها ما يشاؤه ويريده مما كتب [الله] له في اللوح المحفوظ ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له.

ثم يجعل له في الآخرة{ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا} أي:يباشر عذابها{ مَذْمُومًا مَدْحُورًا} أي:في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه، والبعد عن رحمة الله فيجمع له بين العذاب والفضيحة.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك مصير الذين يؤثرون العاجلة على الآجلة، فقال- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ.

والمراد بالعاجلة: دار الدنيا، وهي صفة لموصوف محذوف أى: الدار العاجلة التي ينتهى كل شيء فيها بسرعة وعجلة.

أى: من كان يريد بقوله وعمله وسعيه، زينة الدار العاجلة وشهواتها فحسب، دون التفات إلى ثواب الدار الآخرة، عَجَّلْنا لَهُ فِيها أى: عجلنا لذلك الإنسان في هذه الدنيا، ما نَشاءُ تعجيله له من زينتها ومتعها..

وهذا العطاء العاجل المقيد بمشيئتنا ليس لكل الناس، وإنما هو لِمَنْ نُرِيدُ عطاءه منهم، بمقتضى حكمتنا وإرادتنا.

فأنت ترى أنه- سبحانه- قد قيد العطاء لمن يريد العاجلة بمشيئته وإرادته.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: «من كانت العاجلة همه، ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد. فقيد الأمر تقييدين: أحدهما: تقييد المعجل بمشيئته، والثاني: تقييد المعجل له بإرادته.

وهكذا الحال، ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموا فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقى فقد اختار مراده، وهو غنى الآخرة فما يبالى أوتى حظا من الدنيا أو لم يؤت. فإن أوتى فبها شكر، وإن لم يؤت صبر، فربما كان الفقر خيرا له، وأعون على مراده.

وقوله لِمَنْ نُرِيدُ بدل من لَهُ وهو بدل البعض من الكل، لأن الضمير يرجع إلى من وهو في معنى الكثرة ومفعول نريد محذوف. أى: لمن نريد عطاءه.

وقوله: ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً بيان لسوء مصير هذا المريد للعاجلة في الآخرة.

ويَصْلاها أى: يلقى فيها ويذوق حرها وسعيرها: يقال: صليت الشاة: شويتها.

وصلى فلان بالنار- من باب تعب- إذا وجد حرها.

ومَذْمُوماً من الذم الذي هو ضد المدح.

ومَدْحُوراً من الدحور بمعنى الطرد واللعن. يقال: دحره دحرا ودحورا، إذا طرده وأبعده.

أى: من كان يريد بسعيه الدنيا وزينتها أعطيناه منها ما نشاء إعطاءه له، أما في الآخرة فقد جعلنا له جهنم يدخلها، ويصلى حرها ولهيبها، حالة كونه «مذموما» أى مبغوضا بسبب سوء صنيعه، «مدحورا» أى: مطرودا ومبعدا من رحمة الله- تعالى-.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي لفظ هذه الآية فوائد: منها: أن العقاب عبارة عن مضرة مقرونة بالإهانة والذم، بشرط أن تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة فقوله: ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها إشارة إلى المضرة العظيمة. وقوله مَذْمُوماً إشارة إلى الإهانة

والذم. وقوله مَدْحُوراً إشارة إلى البعد والطرد عن رحمة الله- تعالى-.

وهي تفيد كون تلك المضرة خالية عن شوب النفع والرحمة، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدل بالراحة والخلاص.. .

يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له ، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما يشاء .

وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات فإنه قال : ( عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها ) أي : في الآخرة ) يصلاها ) أي : يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ) مذموما ) أي : في حال كونه مذموما على سوء تصرفه وصنيعه ؛ إذ اختار الفاني على الباقي ) مدحورا ) : مبعدا مقصيا حقيرا ذليلا مهانا .

قال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا دويد ، عن أبي إسحاق ، عن زرعة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " .

يقول تعالى ذكره: من كان طلبه الدنيا العاجلة ولها يعمل ويسعى، وإياها يبتغي، لا يوقن بمعاد، ولا يرجو ثوابا ولا عقابا من ربه على عمله (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) يقول: يعجل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الدنيا عليه، أو تقتيرها لمن أراد الله أن يفعل ذلك به، أو إهلاكه بما يشاء من عقوباته.(ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها) يقول: ثم أصليناه عند مقدمه علينا في الآخرة جهنم، (مَذْمُوما) على قلة شكره إيانا، وسوء صنيعه فيما سلف من أيادينا عنده في الدنيا(مَدْحُورًا) يقول: مبعدا: مقصى في النار.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) يقول: من كانت الدنيا همّه وسدمه وطلبته ونيته، عجَّل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطرّه إلى جهنم، قال ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ) مذموما في نعمة الله مدحورا في نقمة الله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو طيبة شيخ من أهل المصيصة، أنه سمع أبا إسحاق الفزاري يقول ( عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) قال: لمن نريد هلكته.

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (مَذْمُوما) يقول: ملوما.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) قال: العاجلة: الدنيا.

التدبر :

وقفة
[18] هل تأملت قوله تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾ لتعلم أنه لن يأتيك من الدنيا إلا ما قسم لك؛ فإياك أن تشغلك عن آخرتك.
وقفة
[18] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾ مهما اجتهدت في تحصيل دنياك؛ فلن يتحقق لك إلا ما يشاءه الله؛ فاجعل غايتك الآخرة.
وقفة
[18] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾ إن قلتَ: قضيَّتُه أنَّ من لم يتركِ الدنيا يكونُ من أهل النار، وليس كذلك؟! قلتُ: المراد من لم يُردْ بإسلامه وعبادته إلَّا الدنيا، وهذا لا يكون إلَّا كافراَ، أو منافقاً.
وقفة
[18] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ فيا حسرةَ من جعل الدنيا أكبر همه!
وقفة
[18] ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا َذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ أن النعم في الدنيا لا ينبغي أن يُسْتَدل بها على رضا الله تعالى؛ لأن الدنيا قد تحصل مع أن عاقبتها المصير إلى عذاب الله.
وقفة
[18] ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ أي: في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه، والبعد عن رحمة الله، فيجمع له بين العذاب والفضيحة.
تفاعل
[18] ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[18، 19] تأمل قوله تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾، ولم يقل: (عجلنا له ما يريده)؛ بل قال: ﴿مَا نَشَاءُ﴾، لا ما يشاء هو، ﴿لِمَن نُّرِيدُ﴾، فمن الناس: من يعطى ما يريد من الدنيا، ومنهم: من يعطى شيئًا منه، ومنهم: من لا يعطى شيئًا أبدًا، أما الآخرة فلا بد أن يجني ثمرتها إذا أراد بعمله وجه الله: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾.
لمسة
[18، 19] استعمال صيغة المضارع: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾، وصيغة الماضي: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ لماذا؟ استعمال فعل المضارع مع الشرط إذا كان مضمون أن يتكرر، (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) من كان همُّه وديدنه الاستمرار في الدنيا فقط ولا يريد الآخرة، (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) القدر الذي نشاؤه لا يشاؤه هو، ليس بالضرورة أن ينفذ الله له إرادته فالأمر لله، بينما الآخرة تحتاج إلى إيمان وسعي، لكنه ما قال من كان يريد الآخرة، وإنما (أَرَادَ) وهذا من رحمته سبحانه فهو يسعى على قدر ما يسعى، فمجرد إرادته والسعي لها وهو مؤمن ربنا يجزيه وهذه رحمة عظيمة.

الإعراب :

  • ﴿ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ:
  • محل رفع مبتدأ. والجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه: في محل رفع خبر «من».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بمن واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من».يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية يُرِيدُ الْعاجِلَةَ» في محل نصب خبر «كان».العاجلة: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: الحياة العاجلة مفضلا إياها على جزاء الآخرة. وقد حلت الصفة-العاجلة-محل الموصوف المحذوف-الحياة-لأن كلمة «العاجلة» من الصفات التي تجري مجرى الأسماء.
  • ﴿ عَجَّلْنا لَهُ فِيها:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم غير مقترن بالفاء فلا محل لها من الاعراب. عجل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. له: جار ومجرور متعلق بعجلنا وضمير الغائب يعود على «من».فيها: جار ومجرور متعلق بعجلنا وضمير الغائبة يعود على العاجلة.
  • ﴿ ما نَشاءُ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به لعجلنا أو مفعول به مقدم لفعل «نشاء» و «نشاء» فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. أي الله تعالى وهو ضمير التعظيم والتفخيم أو ضمير الواحد جلت قدرته وجملة «نشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ لِمَنْ نُرِيدُ:
  • اللام: حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام. والجار والمجرور بدل من «له» وهو بدل بعض من-كل- والبدل في محل جر لأن المبدل منه موضعه الجرّ. نريد: تعرب اعراب نشاء وجملة «نريد» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير محذوف في محل نصب لأنه مفعول به التقدير: لمن نريدهم.
  • ﴿ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ:
  • ثم: عاطفة. جعلنا له: تعرب اعراب عَجَّلْنا لَهُ» جهنم: مفعول به منصوب بالفتحة وهو ممنوع من الصرف.
  • ﴿ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً:
  • بمعنى: دفعنا به الى جهنم يدخلها. يصلى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «ها» ضمير الغائبة في محل نصب مفعول به. والجملة في محل نصب صفة-نعت-لجهنم. أو حال من ضمير «له». مذموما مدحورا: حالان منصوبان بالفتحة وحكم الاثنين فيهما حكم الواحد أي جامع للصفتين. و «مدحورا» مطرودا من رحمتنا-من رحمة الله سبحانه. '

المتشابهات :

النساء: 134﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
هود: 15﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
الإسراء: 18﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
فاطر: 10﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا
الشورى: 20﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
الشورى: 20﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل ارتباطَ كلِّ إنسانٍ بعملِه؛ قَسَّمَ النَّاسَ هنا إلى فريقين: الفريق الأول: يريدُ الدُّنيا ويعملُ لها، ومآلُه النَّارُ، قال تعالى:
﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ما نشاء:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ما يشاء، بالياء، وهى قراءة نافع.

مدارسة الآية : [19] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا ..

التفسير :

[19] ومَن قصد بعمله الصالح ثواب الدار الآخرة الباقية، وسعى لها بطاعة الله تعالى، وهو مؤمن بالله وثوابه وعظيم جزائه، فأولئك كان عملهم مقبولاً مُدَّخراً لهم عند ربهم، وسيثابون عليه.

{ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ} فرضيها وآثرها على الدنيا{ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} الذي دعت إليه الكتب السماوية والآثار النبوية فعمل بذلك على قدر إمكانه{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

{ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} أي:مقبولا منمى مدخرا لهم أجرهم وثوابهم عند ربهم.

وقوله- سبحانه-: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً بيان لحسن عاقبة المؤمنين الصادقين بعد بيان سوء عاقبة المؤثرين لمتع الدنيا وشهواتها.

أى: ومن أراد بقوله وعمله ثواب الدار الآخرة، وما فيها من عطاء غير مقطوع، وسعى لهذه الدار سعيها الذي يوصله إلى مرضاة الله- تعالى- حالة كونه مؤمنا بالله- تعالى- وبكل ما يجب الإيمان به، فَأُولئِكَ الذي فعلوا ذلك، كانَ سَعْيُهُمْ للدار الآخرة سعيا مَشْكُوراً: من الله- تعالى-، حيث يقبله- سبحانه- منهم، ويكافئهم عليه بما يستحقون من ثواب لا يعلم مقداره إلا هو- سبحانه- وعبر- عز وجل- بالسعي عن أعمالهم الصالحة، للإشعار بجدهم وحرصهم على أداء ما يرضيه- تعالى- بدون إبطاء أو تأخير، إذ السعى يطلق على المشي الذي تصاحبه السرعة. وأشار- سبحانه- إليهم بأولئك، للإشعار بعلو درجاتهم وسمو مراتبهم.

قال بعض العلماء ما ملخصه: وفي الآية الدليل الواضح على أن الأعمال الصالحة لا تنفع إلا مع الإيمان بالله- تعالى- لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة.

ولذا قال- سبحانه-: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ ...

وقد أوضح- سبحانه- هذا في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً....

ومفهوم هذه الآية وأمثالها، أن غير المؤمن إذا قدم عملا صالحا في الدنيا لا ينفعه في الآخرة لفقد شرط الإيمان، قال- تعالى-: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها» .

وقوله : ( ومن أراد الآخرة ) أي : أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ( وسعى لها سعيها ) أي : طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول ) وهو مؤمن ) أي : وقلبه مؤمن ، أي : مصدق بالثواب والجزاء ( فأولئك كان سعيهم مشكورا )

يقول تعالى ذكره: من أراد الآخرة وإياها طلب، ولها عمل عملها، الذي هو طاعة الله وما يرضيه عنه، وأضاف السعي إلى الهاء والألف، وهي كناية عن الآخرة، فقال: وسعى للآخرة سعي الآخرة، ومعناه:

وعمل لها عملها لمعرفة السامعين بمعنى ذلك، وأن معناه: وسعى لها سعيه لها وهو مؤمن، يقول: هو مؤمن مصدّق بثواب الله، وعظم جزائه على سعيه لها، غير مكذّب به تكذيب من أراد العاجلة، يقول الله جلّ ثناؤه (فَأُولَئِكَ) يعني: فمن فعل ذلك (كانَ سَعْيُهُمْ) يعني عملهم بطاعة الله (مَشْكُورًا) وشكر الله إياهم على سعيهم ذلك حسن جزائه لهم على أعمالهم الصالحة، وتجاوزه لهم عن سيئها برحمته.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) شكر الله لهم حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا﴾ أمنيات قلبك المجردة من السعي والعمل لن تجلب لك رزقًا، ولن تحقق لك جنة وسعادة.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا﴾ أي السعي اللائق بالآخرة، وهو الإتيان بما أمر الله، والانتهاء عما نهى عنه، وفائدة (لها): اعتبار النية والإخلاص، وفائدة (وهو مؤمن): أن الكافر إذا قدم عملًا صالحًا في الدنيا، فلن ينفعه في الآخرة لفقده شرط الإيمان.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا﴾ من أراد اﻵخرة؛ بادر لها.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا﴾ الشكر يكون للسعي لا للإرادة، الإرادة بلا سعي أماني كاذبة.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ للسعي قيمة عظيمة في حياة المسلم، فالإرادة الجبارة والسعي الحثيث قرينا نجاح، كما أن التكاسل والتواكل قرينا فشل.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ تركوا العاجلة وآثروا الآخرة مؤمنين بها، وسعوا لها بالعمل، فهؤلاء يشكر الله سعيهم.
وقفة
[19] الجنان ليست أماني وكسل، بل إرادة وسعي وعمل، مثلث الفلاح: إرادة وسعي وإيمان ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾.
وقفة
[19] تدبر هذه الصفات التي وصف الله بها الصادقين في طلب الآخرة: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ فلا بد من إرادة، لكنها لا تكفي وحدها بل لا بد من السعي: ﴿وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا﴾ والإرادة والسعي لا يكفيان وحدهما بل لا بد من الإيمان: ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾، فاللهم امنن علينا بذلك.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ وجدت العمل للآخرة سالمًا من كل عيب، خالصًا من كل كدر، موصلًا إلى طرد الهم على الحقيقة!
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ في الآية تنبيه على أن إرادة خير الآخرة من غير سعي غرور، وأن إرادة كل شيء لابد لنجاحها من السعي في أسباب حصوله.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ مجرد الرغبة في الآخرة لا يكفي، بل لا بد من الإيمان والعمل مع تلك الرغبة.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ إرادة قلبك وأمانيه المجردة من السعي والعمل لن تحقق لك جنة ولن تجلب لك نعيمًا .
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ طالب الآخرة يحتاج إلى: إرادة، سعي، إيمان.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ إرادة لا عمل معها أمنية فارغة ودعوى زائفة؛ لا تحدثنى عن الآخرة وقلبك مشتت فى أودية الدنيا.
وقفة
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ كم هو جميل أن نتمنى الجنة! ولكن الأجمل أن نستعد ونعد الزاد لها؛ فالأمنيات وحدها لا تكفي.
تفاعل
[19] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ جميل أن نستعد ونعد الزاد للجنة؛ قل: «اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك».
عمل
[19] لا تمش إلى الآخرة مشيًا؛ بل اسع مخلصًا ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾.
وقفة
[19] ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ شرط الإيمان: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً؛ يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» [مسلم 2808، أفضى إلى الآخرة: أي صار إليها].
وقفة
[19] ﴿فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ قال قتادة: «شكر الله لهم حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم».
وقفة
[19] ﴿فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ أيرهقك السعي للآخرة ولك رب يشكر خطاك الواهنة وجهادك المستمر للثبات؟ بل ويضاعف أجرك لصدق إيمانك؟!
تفاعل
[19] ﴿فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ:
  • ومن معطوفة بالواو على مَنْ كانَ» وتعرب إعرابها. أراد: فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. الآخرة: مفعول به منصوب بالفتحة أي الحياة الآخرة. حذف الموصوف وحلت الصفة محله.
  • ﴿ وَسَعى لَها:
  • الواو: عاطفة. سعى: تعرب إعراب «أراد» والفعل مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. لها: جار ومجرور متعلق بسعى.
  • ﴿ سَعْيَها:
  • منصوب على المصدر-مفعول مطلق منصوب بالفتحة وهو مضاف و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ:
  • الواو اعتراضية أو حالية والجملة الاسمية بعدها: اعتراضية لا محل لها أو في محل نصب حال. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. مؤمن: خبر «هو» مرفوع بالضمة بمعنى وهو مؤمن ايمانا لا شرك معه.
  • ﴿ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍ و «أولاء» اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. سعي: اسم «كان» مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. مشكورا خبر «كان» منصوب بالفتحة. والجملة الفعلية كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً» بمعنى مقبولا عند الله في محل رفع خبر «أولئك». ';$GRAMMER['17']['20'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     والفريق الثاني: يريدُ الآخرةَ ويعملُ لها، ومآلُه الجَنَّةُ، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [20] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ ..

التفسير :

[20] كل فريق من العاملين للدنيا الفانية، والعاملين للآخرة الباقية نزيده مِن رزقنا، فنرزق المؤمنين والكافرين في الدنيا؛ فإن الرزق مِن عطاء ربك تفضلاً منه، وما كان عطاء ربك ممنوعاً من أحد مؤمناً كان أم كافراً.

ومع هذا فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا فكلا يمده الله منها لأنه عطاؤه وإحسانه.

{ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} أي:ممنوعا من أحد بل جميع الخلق راتعون بفضله وإحسانه.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على كمال قدرته، وسعة عطائه فقال: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ولفظ «كلا» هنا مفعول به للفعل نمد، والتنوين عوض عن المضاف إليه. أى: نمد كل واحد من الفريقين.

وقوله نُمِدُّ من الإمداد بمعنى الزيادة. يقال: أمد القائد الجيش بالجند، إذا زاده وقواه.

والمراد باسم الإشارة الأول «هؤلاء» : المؤثرون للعاجلة، والمراد بالثاني الراغبون في ثواب الآخرة.

والمعنى: كلا من الفريقين نمده من فضلنا وإحساننا فنعطى ما نريد إعطاءه لمن يريد العاجلة ولمن يريد الآجلة دون أن ينقص مما عندنا شيء، ودون أن يخرج عن مشيئتنا شيء.

وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ أيها الرسول الكريم مَحْظُوراً أى: ممنوعا لا عن المؤمن ولا عن الكافر، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

من الحظر بمعنى المنع يقال: حظره يحظره- من باب قتل- فهو محظور، أى: ممنوع.

يقول تعالى : ( كلا ) أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة نمدهم فيما هم فيه ( من عطاء ربك ) أي هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور فيعطي كلا ما يستحقه من الشقاوة والسعادة ولا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى ولا مغير لما أراد ولهذا قال : ( وما كان عطاء ربك محظورا ) أي ممنوعا ، أي لا يمنعه أحد ولا يرده راد

قال قتادة ( وما كان عطاء ربك محظورا ) أي منقوصا

وقال الحسن وابن جريج وابن زيد ممنوعا

يقول تعالى ذكره: يمدّ ربك يا محمد كلا الفريقين من مريدي العاجلة، ومريدي الآخرة، الساعي لها سعيها وهو مؤمن في هذه الدنيا من عطائه، فيرزقهما جميعا من رزقه إلى بلوغهما الأمد، واستيفائهما الأجل ما كتب لهما، ثم تختلف بهما الأحوال بعد الممات، وتفترق بهما بعد الورود المصادر، ففريق مريدي العاجلة إلى جهنم مصدَرهم، وفريق مريدي الآخرة إلى الجنة مآبهم ( وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) يقول: وما كان عطاء ربك الذي يؤتيه من يشاء من خلقه في الدنيا ممنوعا عمن بسطه عليه لا يقدر أحد من خلقه منعه من ذلك، وقد آتاه الله إياه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) : أي منقوصا، وإن الله عزّ وجلَّ قسم الدنيا بين البرّ والفّاجِر، والآخرة خصوصا عند ربك للمتقين.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) قال: منقوصا.

حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سهل بن أبي الصلت السراج، قال: سمعت الحسن يقول ( كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ) قال: كلا نعطي من الدنيا البرّ والفاجر.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ .... الآية وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ .... ثم قال ( كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ) قال ابن عباس: فيرزق من أراد الدنيا، ويرزق من أراد الآخرة. قال ابن جريج ( وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) قال: ممنوعا.

حدثنا بشر، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ ) أهل الدنيا وأهل الآخرة ( مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) قال: ممنوعا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ ) أهل الدنيا وأهل الآخرة ( مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) من برّ ولا فاجر، قال: والمحظور: الممنوع، وقرأ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا .

التدبر :

وقفة
[20] ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ يعطي الله تعالى الدنيا من يحب ومن لا يحب، وعطاؤه دائر بين التكريم والابتلاء والاستدراج.
وقفة
[20] ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب.
وقفة
[20] ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أي قوة تستطيع أن تمنعك ما كتب الله لك، وأن تعطيك ما لم يقدره الله عليك؟! ثق بربك وبقدرته.
وقفة
[20] ﴿نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ﴾ الله عز وجل يزيد الشيء لمن يريد الزيادة منه، حتى الكفر والمرض من أراد الزيادة منهما؛ فإنه يزيده منهما، كما قال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: 10].
عمل
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أقدم؛ ما كان عطاء الله ممنوعًا عن أحد.
عمل
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ العطايا الربانية غير ممنوعة؛ عليك أن تطلبها بسجدة ودمعة.
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ عطاؤه ليس كعطاء ملوك الدنيا، بل يعطي من يحب ومن لا يحب، المهم أن تسأله هدايته، فهو أجزل عطاء.
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ كل أمنياتك وآمالك قد فتحت لها خزائن الكريم، ما عليك إلا الطلب.
وقفة
[20]﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ من أعظم عطائه سبحانه؛ أن يمنح قلبك الرضا بأي حالة كنت؛ سراء أو ضراء، وبهذا تعيش حياة هنيئة مطمئنة.
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ عطاء الله على قدره، وطلب العبد على قدره، وعطايا الله ليست عطاء ملك من ملوك الأرض، كمًّا لا نوعًا، وهي غير محظورة عن أحد، بل متاحة للجميع.
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ فسل ما شئت وتمنَّ، لا تكف عن سعيك، ولا تقنط، لا يحرم من كفر به أيحرمك وأنت تدعوه متيقنًا بقدرته وحده؟!
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ عطاء الله لا يمنع من أحد بفضله وإحسانه وكرمه، فماذا سألت الله اليوم من العطاء؟
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ كم تفتح هذه الآية من أبواب أمل! وما أجمل قول الشاعر: وَتَشاء أنتَ مِن البشائِرِ قَطرَةً ... وَيَشاء ربّكَ أن يُغِيثك بالمَطَر وَتَشاءُ أنتَ مِن الأمَاني نجمَةً ... وَيَشاء ربكَ أن يُناوِلك القَمر
وقفة
[20] ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أي ممنوعًا، إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أنَّا نشاهد الواحدَ لا يقدر على جنيه، وآخرُ معه الألوف؟! قلتُ: المراد بالعطاء هنا الرِّزقُ، واللهُ سوَّى في ضمانه بين المطيع والعاصي من العباد، فلا تفاوت بينهم في أصل الرزق، وإنما التفاوتُ بينهم في مقادير الأملاكِ، وإنما لم يمنع الكفَّارَ الرّزقَ، كما منعهم الهدايةَ؛ لأنَّ في منعهِ له هلاكَهم، وقيامَ الحجة لهم، بأن يقولوا: لو أمهلتنا ورزقتنا، لبقينا أحياءَ فآمنَّا، ولأنه لو منعهم الرزق لكان قد عاجَلهم بالعقوبة، ولكان ذلك من صفاتِ البخلاء، واللَّهُ منزَّه عن ذلك، لأنه حليمٌ كريمٌ، ولأن إعطاء الرزق لجميع العبادِ عدلٌ، وعدلُ اللهِ عامٌّ، وهِبةُ الهدايةِ فضلٌ، والفضلُ بيدِ اللَّهِ يؤتيه من يشاء.

الإعراب :

لم يذكر المصنف هنا شيء

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ عز وجل عن نَفسِه بما يشيرُ إلى التَّوسِعةِ على مَن يُريدُ مِن أهلِ الباطِلِ؛ بَيَّنَ هنا أن عطاءَه ورزقَه الدنيوي مضمونٌ مكفولٌ لكلا الفريقين، قال تعالى:
﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [21] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى ..

التفسير :

[21] تأمل -أيها الرسول- في كيفية تفضيل الله بعض الناس على بعض في الدنيا في الرزق والعمل، ولَلآخرة أكبرُ درجات للمؤمنين وأكبر تفضيلاً.

{ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} في الدنيا بسعة الأرزاق وقلتها، واليسر والعسر والعلم والجهل والعقل والسفه وغير ذلك من الأمور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها.

{ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها إلى الآخرة بوجه من الوجوه.

فكم بين من هو في الغرف العاليات واللذات المتنوعات والسرور والخيرات والأفراح ممن هو يتقلب في الجحيم ويعذب بالعذاب الأليم، وقد حل عليه سخط الرب الرحيم وكل من الدارين بين أهلها من التفاوت ما لا يمكن أحدا عده.

ثم أمر- سبحانه- عباده بالنظر والتأمل في أحوال خلقه، ليزدادوا عظة وعبرة، فقال:

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا.

أى: انظر- أيها العاقل- نظر تأمل وتدبر واعتبار في أحوال الناس، لترى عن طريق المشاهدة كيف فضل الله- تعالى- بعض الناس على بعض في هذه الحياة، فهذا غنى وذاك فقير، وهذا قوى وذاك ضعيف، وهذا ذكى وذاك خامل، وهذا مالك وذاك مملوك..

إلى غير ذلك من الأحوال التي تدل على تفاوت الناس في هذه الدنيا، على حسب ما تقتضيه إرادة الله- تعالى- وحكمته، ومشيئته.

أما في الآخرة فالناس فيها أكبر تفاضلا وتفاوتا في الدرجات والمنازل، مما كانوا عليه في الدنيا.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: وقوله: وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا أى: ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العلا ونعيمها وسرورها.

ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين: «إن أهل الدرجات العلا ليرون أهل عليين، كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء» .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لنا سنة من سنن الله- تعالى- في إهلاك الأمم، وأنه- تعالى- ما أهلكها إلا بعد أن عتت عن أمره، وعصت رسله، كما أنها بينت لنا سوء عاقبة الذين يؤثرون متع الدنيا على طاعة الله- تعالى-، وحسن عاقبة الذين يريدون الآخرة وما فيها من ثواب جزيل، وأن الفريقين لا ينالون مما يطلبونه إلا ما قدره الله- تعالى- لهم، وأن عطاءه للناس جميعا لا ينقص مما عنده شيئا، وأن حكمته- سبحانه- قد اقتضت تفضيل بعض الناس على بعض في الدنيا والآخرة، وصدق- عز وجل- حيث يقول: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: بعد أن بين- سبحانه- أن الناس فريقان: فريق يريد بعمله الدنيا فقط، وفريق يريد بعمله طاعة الله، ثم شرط ذلك بشرائط ثلاثة: أولها: إرادة الآخرة، وثانيها: أن يسعى سعيا موافقا لطلب الآخرة، وثالثها: أن يكون مؤمنا.

لا جرم فصل في هذه الآيات تلك المجملات: فبدأ أولا بشرح حقيقة الإيمان ... ثم ذكر عقبيه سائر الأعمال ... .

ثم قال تعالى ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) في الدنيا فمنهم الغني والفقير وبين ذلك والحسن والقبيح وبين ذلك ومن يموت صغيرا ، ومن يعمر حتى يبقى شيخا كبيرا وبين ذلك ( وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) أي ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها ومنهم من يكون في الدرجات العلى ونعيمها وسرورها ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه كما أن أهل الدرجات يتفاوتون فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض وفي الصحيحين إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء " ولهذا قال تعالى : ( وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) ] .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد بعين قلبك إلى هذين الفريقين اللذين هم أحدهما الدار العاجلة، وإياها يطلب، ولها يعمل؛ والآخر الذي يريد الدار الآخرة، ولها يسعى موقنا بثواب الله على سعيه، كيف فضَّلنا أحد الفريقين على الآخر، بأن بصّرنا هذا رشده، وهديناه للسبيل التي هي أقوم، ويسرناه للذي هو أهدى وأرشد، وخذلنا هذا الآخر، فأضللناه عن طريق الحقّ، وأغشينا بصره عن سبيل الرشد ( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ ) يقول: وفريق مريد الآخرة أكبر في الدار الآخرة درجات بعضهم على بعض لتفاوت منازلهم بأعمالهم في الجنة وأكبر تفضيلا بتفضيل الله بعضهم على بعض من هؤلاء الفريق الآخرين في الدنيا فيما بسطنا لهم فيها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) : أي في الدنيا( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ) وإن للمؤمنين في الجنة منازل، وإن لهم فضائل بأعمالهم، وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ بينَ أَعْلَى أَهْلِ الجَنَّةِ وأسْفَلِهِمْ دَرَجَةً كالنَّجْمِ يُرَى فِي مَشارِقِ الأرْضِ ومَغَارِبها ".

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[21] ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ الخطاب للنبي ﷺ، والمقصود إسماع قومه، وهذا مشاهد في الدنيا، فطلاب الآخرة يتفاضلون في الإيمان والحسنات، وطلاب الدنيا يتفاضلون في المال والثروات.
وقفة
[21] ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ مهما تباعدت المستويات في الدنيا فهي محدودة الزمان والإمكانيات، والإنسان يعجز عن إدراك هذا التفضيل المتقارب، فهل لنا أن نتصور تفضيل الآخرة الباقية فنعمل لها، ولها فقط.
وقفة
[21] ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ أهل الاخرة يتفاضلون أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا، وكذلك درجاتهم تتفاضل.
وقفة
[21] ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ أكبر فروقات الدنيا: الفقير والملك, والمستخدم والوزير, والمعدم والغني, والآية أظهرت أن التفاضل في الآخرة أكبر من ذلك بكثير بناء على الأعمال, فمن خلال مشاهدة المؤمن لفروقات الدنيا فعليه أن يعمل ليكون الفرق في صالحه في الآخرة.
وقفة
[21] ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ إن أذهلك تفاوت أحوال أهل الدنيا؛ فتأمل تفاوتهم يوم القيامة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ». [مسلم 2831].
وقفة
[21] ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ في الدنيا يتفاضل الناس بعضهم على بعض في الرزق والمراتب، ولكن التفاضل الحقيقي يكون في الآخرة، فهي أعظم تفاوتًا في درجات النعيم و أعظم تفضيلاً من الدنيا.
وقفة
[21] البون الشاسع بين الطلاب في الدرجات والمعدلات ما هو إلا معيار من معايير التفاضل في أمر الدنيا، وقد جاء التوجيه القرآني بالحث -عند الانشغال بالتفاضل الدنيوي- على تذكر التفاضل الأخروي، الذي هو أكبر وأعظم، والمؤمن الموفق له في كل شيء عبرة: ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.
وقفة
[21] حين تعظُم الفروق في الدنيا بين الناس غنىً وفقرًا، فهي في الآخرة أعظم في كل شيء ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.
وقفة
[21] يتفاوت الناس في مقامهم عند ربهم ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ هذا في الدنيا، لكنه لا يقارن بـــ ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.
وقفة
[21] كلما تقرأ سير الأنبياء والمصلحين والعابدين؛ سل نفسك: هذا مكانتهم في الدنيا فكيف بالآخرة؟! ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.
وقفة
[21] ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ لا تظن الدنيا آخر المطاف، قال ابن کثير: «ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا، فإن منهم من في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العلا ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين کما بين السماء والأرض».
وقفة
[21] ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ الأعلى يرى فضله على من هو أسفل منه، والأسفل لا يرى أن فوقه أحدًا.
وقفة
[21] ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ التفاضل الحقيقي في الآخرة؛ وليس في الدنيا.
وقفة
[21] ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها إلى الآخرة؛ فكم بين مَن في الغرف العاليات والخيرات، ومن يتقلب في الجحيم ويعذب بالعذاب الأليم!
وقفة
[21] ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ الأولُ على دفعتك، الأعلى في درجاتك، الأميز بين زُملاءك؛ كل هذا ليسَ بشيء إذا لم ترتقي في آخرتك.
وقفة
[21] ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ منازل الخلق وتفاضلهم في الدنيا يذكر المؤمن بتفاوت المنازل في الأخرة.
عمل
[21] إذا رأيت من فُضِّلَ عليك في أمور الدنيا؛ فاقرأ وتأمل قول الله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ انْظُرْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بمعنى انظر بعين الاعتبار. والجملة بعدها في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ كَيْفَ فَضَّلْنا:
  • اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. فضل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. على بعض: جار ومجرور متعلق بفضلنا.
  • ﴿ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ:
  • الواو: استئنافية. اللام: لام التوكيد. الآخرة: مبتدأ مرفوع بالضمة. أكبر: خبرها مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه اسم ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن أفعل. صيغة تفضيل ولكونه على وزن الفعل.
  • ﴿ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً:
  • تمييز منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. وأكبر تفضيلا معطوفة بالواو على أَكْبَرُ دَرَجاتٍ» وتعرب إعرابها. وعلامة نصب-تفضيلا-الفتحة الظاهرة. '

المتشابهات :

البقرة: 253﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ
الإسراء: 21﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [21] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل أن عطاءَه ورزقَه الدنيوي مضمونٌ مكفولٌ لكلا الفريقين؛ بَيَّنَ هنا أن عطاءَ الدنيا متفاوت، ثم نبه أن التفاوت في الآخرة أكبر وأعظم، قال تعالى:
﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أكبر:
وقرئ:
أكثر، بالثاء المثلثة.

مدارسة الآية : [22] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا ..

التفسير :

[22] لا تجعل -أيها الإنسان- مع الله شريكاً له في عبادته، فتبوء بالمذمة والخِذْلان.

أي:لا تعتقد أن أحدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة ولا تشرك بالله أحدا منهم فإن ذلك داع للذم والخذلان، فالله وملائكته ورسله قد نهوا عن الشرك وذموا من عمله أشد الذم ورتبوا عليه من الأسماء المذمومة، والأوصاف المقبوحة ما كان به متعاطيه، أشنع الخلق وصفا وأقبحهم نعتا.

وله من الخذلان في أمر دينه ودنياه بحسب ما تركه من التعلق بربه، فمن تعلق بغيره فهو مخذول قد وكل إلى من تعلق به ولا أحد من الخلق ينفع أحدا إلا بإذن الله، كما أن من جعل مع الله إلها آخر له الذم والخذلان، فمن وحده وأخلص دينه لله وتعلق به دون غيره فإنه محمود معان في جميع أحواله.

والخطاب في قوله- تعالى-: لا تَجْعَلْ ... لكل من يصلح له.

والقعود في قوله «فتقعد» قيل بمعنى المكث: كما يقول القائل: فلان قاعد في أسوأ حال، أى: ماكث في أسوأ حال، سواء أكان قاعدا أم غير قاعد. وقيل بمعنى العجز، لأن العرب تقول: فلان ما أقعده عن المكارم، أى: ما أعجزه عنها، وقيل هو بمعنى الصيرورة، من قولهم: فلان شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة، أى: صارت.

والذي تطمئن إليه النفس أن القعود على حقيقته، لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائرا نادما على ما فرط منه.

وقوله- سبحانه-: مَخْذُولًا من الخذلان، وهو ترك النصرة عند الحاجة إليها.

يقال: خذل فلان صديقه، أى: امتنع عن نصره وعونه مع حاجته الشديدة إليهما.

والمعنى: لا تجعل- أيها المخاطب- مع الله- تعالى- إلها آخر في عبادتك أو خضوعك، فتقعد جامعا على نفسك مصيبتين:

مصيبة الذم من الله- تعالى- ومن أوليائه، لأنك تركت عبادة من له الخلق والأمر، وعبدت ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.

ومصيبة الخذلان، بحيث لا تجد من يعينك أو ينصرك، في ساعة أنت أحوج ما تكون فيها إلى العون والنصر.

وجاء الخطاب في قوله- تعالى-: لا تَجْعَلْ عاما، لكي يشعر كل فرد يصلح للخطاب أن هذا النهى موجه إليه، وصادر إلى شخصه. لأن سلامة الاعتقاد مسألة شخصية، مسئول عنها كل فرد بذاته وسيحمل وحده تبعة انحرافه عن طريق الحق يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

وقوله فَتَقْعُدَ منصوب لأنه وقع بعد الفاء جوابا للنهى. وقوله مَذْمُوماً مَخْذُولًا حالان من الفاعل.

وفي هذه الجملة الكريمة تصوير بديع لحال الإنسان المشرك، وقد حط به الذم والخذلان، فقعد مهموما مستكينا عاجزا عن تحصيل الخيرات، ومن السعى في تحصيلها.

قال الآلوسى: وفي الآية الكريمة إشعار بأن الموحد جامع بين المدح والنصرة .

ثم ساق- سبحانه- بضع عشرة آية، تناولت مجموعة من التكاليف تزيد على عشرين أمرا ونهيا.

وهذه التكاليف قد افتتحت بالنهى عن الإشراك بالله- تعالى- وبالأمر بالإحسان إلى الوالدين قال- تعالى-:

يقول تعالى والمراد المكلفون من الأمة لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكا ( فتقعد مذموما ) على إشراكك ( مخذولا ) لأن الرب تعالى لا ينصرك بل يكلك إلى الذي عبدت معه وهو لا يملك لك ضرا ولا نفعا لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له وقد قال الإمام أحمد

حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب عن عبد الله هو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما أجل [ عاجل وإما غنى عاجل

ورواه أبو داود والترمذي من حديث بشير بن سلمان به ، وقال الترمذي حسن صحيح غريب

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تجعل يا محمد مع الله شريكا في ألوهته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة، وأفرد له الألوهة، فإنه لا إله غيره، فإنك إن تجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه، تقعد مذموما: يقول: تصير ملوما على ما ضيعت من شكر الله على ما أنعم به عليك من نعمه، وتصييرك الشكر لغير من أولاك المعروف، وفي إشراكك في الحمد من لم يشركه في النعمة عليك غيره، مخذولا قد أسلمك ربك لمن بغاك سوءا، وإذا أسلمك ربك الذي هو ناصر أوليائه لم يكن لك من دونه وليّ ينصرك ويدفع عنك.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا ) يقول: مذموما في نعمة الله، وهذا الكلام وإن كان خرج على وجه الخطاب لنبيّ لله صلى الله عليه وسلم، فهو معنيّ به جميع من لزمه التكليف من عباد الله جلّ وعزّ.

التدبر :

وقفة
[22] ﴿لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا﴾ حين نفكر في من نعلق عليه أملًا أو نرجوه لحاجة؛ ينالنا من الخذلان بقدر ذلك، لكن مع الله لن نخذل.
لمسة
[22] ما الفرق بين (مَّدْحُورًا) و(مَّخْذُولًا)؟ الدحر: هو الطرد والإبعاد، (مَّدْحُورًا) يعني مطرودًا مبعدًا من رحمة الله، فهو مدحور، الخذلان: هو أن تترك نصرته، ﴿لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا﴾ هذا ضعيف كيف تنتصر به؟ تجعله مع الله وتتصور أن ينصرك؟! هذا سيترك نصرتك ويخذلك، فهذا مخذول.

الإعراب :

  • ﴿ لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ:
  • لا: ناهية جازمة. تجعل: بمعنى «تتخذ» فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مع: ظرف مكان منصوب على الظرفية أو في محل نصب متعلق بلا تجعل وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ إِلهاً آخَرَ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. آخر: صفة: نعت-لإلها منصوب بالفتحة وهو ممنوع من الصرف على وزن أفعل.
  • ﴿ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً:
  • الفاء: سببية بمعنى لكيلا. تقعد: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مذموما: مخذولا: أعربت في الآية الكريمة الثامنة عشرة. و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق. وجملة «تقعد» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. '

المتشابهات :

الإسراء: 22﴿ لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا
الإسراء: 39﴿ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَ لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [22] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل أنَّ النَّاسَ فَريقانِ؛ الأول: يريدُ بعَمَلِه الدُّنيا فقط، وهم أهلُ العِقابِ، والثاني: يريدُ بعَمَلِه الآخرة، وهم أهلُ الثَّوابِ؛ ذكرَ اللهُ هنا مجموعة من الوصايا التي مَن التزم بها كان ساعيًا للآخرة: 1- الوصيةُ الأولى: النهيُ عن الشرك، قال تعالى:
﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [23] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ..

التفسير :

[23] وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة، وأمر بالإحسان إلى الأب والأم، وبخاصة حالةُ الشيخوخة إذا كانا في رعايتك، فلا تضجر ولا تستثقل شيئاً تراه من أحدهما أو منهما، ولا تُسْمِعهما قولاً سيئاً، حتى ولا التأفيف الذي هو

لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال:{ وَقَضَى رَبُّكَ} قضاء دينيا وأمر أمرا شرعيا{ أَنْ لَا تَعْبُدُوا} أحدا من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات.

{ إِلَّا إِيَّاهُ} لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال، وله من تلك الصفة أعظمها على وجه لا يشبهه أحد من خلقه، وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور فهو المتفرد بذلك كله وغيره ليس له من ذلك شيء.

ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال:{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي:أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر.

{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} أي:إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف.{ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية.

{ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي:تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا،{ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.

ثم أتبع- سبحانه- الأمر بوحدانيته، بالأمر بالإحسان إلى الوالدين فقال:

وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

أى: وقضى- أيضا- بأن تحسنوا- أيها المخاطبون- إلى الوالدين إحسانا كاملا لا يشوبه سوء أو مكروه.

وقرأ ابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين، والباقون بالكسر بدون تنوين.. .

وقوله وَلا تَنْهَرْهُما من النهر بمعنى الزجر، يقال نهر فلان فلانا إذا زجره بغلظة.

والمعنى: كن- أيها المخاطب- محسنا إحسانا تاما بأبويك.

فإذا ما بلغ عِنْدَكَ أى: في رعايتك وكفالتك أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما سن الكبر والضعف فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ أى: قولا يدل على التضجر منهما والاستثقال لأى تصرف من تصرفاتهما.

قال البيضاوي: والنهى عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الإيذاء قياسا بطريق الأولى، وقيل عرفا كقولك: فلان لا يملك النقير والقطمير- فإن هذا القول يدل على أنه لا يملك شيئا قليلا أو كثيرا .

وقوله وَلا تَنْهَرْهُما أى: ولا تزجرهما عما يتعاطيانه من الأفعال التي لا تعجبك.

فالمراد من النهى الأول: المنع من إظهار التضجر منهما مطلقا.

والمراد من النهى الثاني: المنع من إظهار المخالفة لهما على سبيل الرد والتكذيب والتغليظ في القول.

والتعبير بقوله: عِنْدَكَ يشير إلى أن الوالدين قد صارا في كنف الابن وتحت رعايته، بعد أن بلغ أشده واستوى، وبعد أن أصبح مسئولا عنهما، بعد أن كانا هما مسئولين عنه.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى عِنْدَكَ قلت هو أن يكبرا ويعجزا، وكانا كلّا على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما عنده في بيته وكنفه، وذلك أشق عليه وأشد احتمالا وصبرا، وربما تولى منهما ما كانا يتوليانه منه في حالة الطفولة، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطاءة الخلق، ولين الجانب، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما، أو يستثقل من مؤنهما: أف، فضلا عما يزيد عليه .

والتقييد بحالة الكبر في قوله- تعالى-: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ جرى مجرى الغالب، إذ أنهما يحتاجان إلى الرعاية في حالة الكبر، أكثر من احتياجهما إلى ذلك في حالة قوتهما وشبابهما، وإلا فالإحسان إليهما، والعناية بشأنهما. واجب على الأبناء سواء كان الآباء في سن الكبر أم في سن الشباب أم في غيرهما.

وقوله- سبحانه-: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً أمر بالكلام الطيب معهما. بعد النهى عن الكلام الذي يدل على الضجر والقلق من فعلهما.

أى: وقل لهما بدل التأفيف والزجر، قولا كريما حسنا، يقتضيه حسن الأدب معهما، والاحترام لهما والعطف عليهما.

يقول تعالى آمرا بعبادته وحده لا شريك له فإن القضاء هاهنا بمعنى الأمر

قال مجاهد ( وقضى ) يعني وصى وكذا قرأ أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود والضحاك بن مزاحم ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال ( وبالوالدين إحسانا ) أي وأمر بالوالدين إحسانا كما قال في الآية الأخرى ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان 14 .

وقوله ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ) أي لا تسمعهما قولا سيئا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ ( ولا تنهرهما ) أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله : ( ولا تنهرهما ) أي لا تنفض يدك على والديك

ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال ( وقل لهما قولا كريما ) أي لينا طيبا حسنا بتأدب وتوقير وتعظيم

يعني بذلك تعالى ذكره حكم ربك يا محمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا الله، فإنه لا ينبغي أن يعبد غيره، وقد اختلفت ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله (وَقَضَى رَبُّكَ ) وإن كان معنى جميعهم في ذلك واحدا.

* ذكر ما قالوا في ذلك: حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) يقول: أمر.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا زكريا بن سلام، قال: جاء رجل إلى الحسن، فقال : إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال: إنك عصيتَ ربك، وبانت منك امرأتك، فقال الرجل: قضى الله ذلك عليّ، قال الحسن، وكان فصيحا: ما قضى الله: أي ما أمر الله، وقرأ هذه الآية ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) فقال الناس: تكلم الحسن في القدر.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) : أي أمر ربك في ألا تعبدوا إلا إياه، فهذا قضاء الله العاجل، وكان يُقال في بعض الحكمة: من أرضى والديه: أرض خالقه، ومن أسخط والديه، فقد أسخط ربه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وفي حرف ابن مسعود: (وَصَّى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ).

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث ، قال: ثني ابن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال: أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال: هذا على قراءة أبيّ بن كعب، قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت المصحف عند نصير فيه: (وَوَصَّى رَبُّكَ) يعني: وقضى ربك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) قال: وأوصى ربك.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه.

حدثني الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قرأها(وَوَصَّى رَبُّكَ) وقال: إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا.

وقوله ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) يقول: وأمركم بالوالدين إحسانا أن تحسنوا إليهما وتبرّوهما. ومعنى الكلام: وأمركم أن تحسنوا إلى الوالدين، فلما حذفت " أن " تعلق القضاء بالإحسان، كما يقال في الكلام: آمرك به خيرا، وأوصيك به خيرا، بمعنى: آمرك أن تفعل به خيرا، ثم تحذف " أن " فيتعلق الأمر والوصية بالخبر، كما قال الشاعر:

عَجِــبْتُ مِــنْ دَهْمـاءَ إِذْ تَشْـكُونا

ومِــنْ أبــي دَهْمـاءَ إِذْ يُوصِينـا

خَيْرًا بها كأننا جافُونا (1)

وعمل يوصينا في الخير.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ) فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفيين (إِمَّا يَبْلُغَنَّ) على التوحيد على توجيه ذلك إلى أحدهما لأن أحدهما واحد، فوحدوا(يَبْلُغَنَّ) لتوحيده، وجعلوا قوله (أوْ كِلاهُما) معطوفا على الأحد. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين (إِما يَبْلُغانَ) على التثنية وكسر النون وتشديدها، وقالوا: قد ذكر الوالدان قبل، وقوله (يَبْلُغانّ) خبر عنهما بعد ما قدّم أسماءهما، قالوا: والفعل إذا جاء بعد الاسم كان الكلام أن يكون فيه دليل على أنه خبر عن اثنين أو جماعة. قالوا: والدليل على أنه خبر عن اثنين في الفعل المستقبل الألف والنون. قالوا: وقوله (أحَدُهُما أوْ كِلاهُما) كلام مستأنف، كما قيل فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وكقوله وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ثم ابتدأ فقال الَّذِينَ ظَلَمُوا .

وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك، قراءة من قرأه (إما يَبْلُغَنَّ) على التوحيد على أنه خبر عن أحدهما، لأن الخبر عن الأمر بالإحسان في الوالدين، قد تناهى عند قوله (وَبالوَالِدَيْنِ إحْسانا) ثم ابتدأ قوله ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ).

وقوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذّى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب في الأجر صبرك عليه منهما، كما صبرا عليك في صغرك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن محبب، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ) قال: إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويخرآن، فلا تقل لهما أف تقذّرهما.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد إما يَبْلُغانَّ عِندك الكبر فلا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول ، كما كانا يميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما.

وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى " أفّ"، فقال بعضهم: معناه:

كلّ ما غلظ من الكلام وقبُح. وقال آخرون: الأفّ: وسخ الأظفار والتف كلّ ما رفعت بيدك من الأرض من شيء حقير، وللعرب في " أُفّ" لغات ستّ رفعها بالتنوين وغير التنوين وخفضها كذلك ونصبها، فمن خفض ذلك بالتنوين ، وهي قراءة عامة أهل المدينة، شبهها بالأصوات التي لا معنى لها، كقولهم في حكاية الصوت غاق غاق، فخفضوا القاف ونوّنوها، وكان حكمها السكون، فإنه لا شيء يعربها من أجل مجيئها بعد حرف ساكن وهو الألف، فكرهوا أن يجمعوا بين ساكنين، فحرّكوا إلى أقرب الحركات من السكون، وذلك الكسر، لأن المجزوم إذا حرّك، فإنما يحرّك إلى الكسر، وأما الذين خفضوا بغير تنوين، وهي قراءة عامة قرّاء الكوفيين والبصريين، فإنهم قالوا: إنما يدخلون التنوين فيما جاء من الأصوات ناقصا، كالذي يأتي على حرفين مثل: مه وصه وبخ، فيتمم بالتنوين لنقصانه عن أبنيه الأسماء. قالوا: وأفّ تامّ لا حاجة بما إلى تتمته بغيره، لأنه قد جاء على ثلاثة أحرف.

قالوا: وإنما كسرنا الفاء الثانية لئلا نجمع بين ساكنين. وأما من ضمّ ونوّن ، فإنه قال: هو اسم كسائر الأسماء التي تُعرف وليس بصوت، وعدل به عن الأصوات، وأما من ضمّ ذلك بغير تنوين، فإنه قال: ليس هو بأسم متمكن فيُعرب بإعراب الأسماء المتمكنة، وقالوا: نضمه كما نضمّ قوله لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وكما نضمّ الاسم في النداء المفرد، فنقول: يا زيد. ومن نصبه بغير تنوين، وهو قراءة بعض المكيين وأهل الشام فإنه شبهه بقولهم: مدّ يا هذا وردّ. ومن نصب بالتنوين، فإنه أعمل الفعل فيه، وجعله اسما صحيحا، فيقول: ما قلت له: أفا ولا تفا. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قُرِئت: أفّ، وأفا لغة جعلوها مثل نعتها. وقرأ بعضهم " أُفّ"، وذلك أن بعض العرب يقول: " أفّ لك " على الحكاية: أي لا تقل لهما هذا القول. قال: والرفع قبيح، لأنه لم يجيء بعده بلام، والذين قالوا: " أُفّ" فكسروا كثير ، وهو أجود. وكسر بعضهم ونوّن. وقال بعضهم: " أفي"، كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه، فقال: أفي هذا لكما، والمكسور من هذا منوّن وغير منوّن على أنه اسم غير متمكن، نحو أمس وما أشبهه، والمفتوح بغير تنوين كذلك. وقال بعض أهل العربية: كل هذه الحركات الستّ تدخل في " أفّ" حكاية تشبه بالاسم مرّة وبالصوت أخرى. قال: وأكثر ما تُكسر الأصوات بالتنوين إذا كانت على حرفين مثل صه ومه وبخ. وإذا كانت على ثلاثة أحرف شبهت بالأدوات " أفَّ" مثل: ليت ومَدَّ، وأُفَّ مثل مُدَّ يُشبه بالأدوات (2) . وإذا قال أَفَّ مثل صَهَّ. وقالوا سمعت مِضَّ يا هذا ومِضُّ. وحُكي عن الكسائي أنه قال: سمعت " ما علمك أهلك إلا مِضٍّ ومِضُّ"، وهذا كإِفٍّ وأفُّ. ومن قال: " أُفًّا " جعله مثل سُحْقا وبُعدا.

والذي هو أولى بالصحة عندي في قراءة ذلك، قراءة من قرأه (فلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) بكسر الفاء بغير تنوين لعلَّتين: إحداهما: أنها أشهر اللغات فيها وأفصحها عند العرب؛ والثانية: أن حظّ كلّ ما لم يكن له معرّب من الكلام السكون؛ فلما كان ذلك كذلك. وكانت الفاء في أفّ حظها الوقوف، ثم لم يكن إلى ذلك سبيل لاجتماع الساكنين فيه، وكان حكم الساكن إذا حُرّك أن يحرّك إلى الكسر حرّكت إلى الكسر، كما قيل: مُدِّ وشُدِّ ورُدِّ الباب.

وقوله (وَلا تَنْهَرْهُما) يقول جلّ ثناؤه: ولا تزجُرهما.

كما حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمَسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا واصل الرَّقاشيّ، عن عطاء بن أبي رَباح، في قوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ) قال : لا تنفض يدك على والديك، يقال منه: نَهَرَه يَنهره نَهْرا، وانتهره ينتهره انتهارا.

وأما قوله ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) فإنه يقول جلّ ثناؤه: وقل لهما قولا جميلا حسنا.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) قال: أحسن ما تجد من القول.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن عبد الله بن المختار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب ( قَوْلا كَرِيما) قالا لا تمتنع من شيء يريدانه.

قال أبو جعفر: وهذا الحديث خطأ، أعني حديث هشام بن عُروة، إنما هو عن هشام بن عروة، عن أبيه، ليس فيه عمر، حدّث عن ابن عُلية وغيره، عن عبد الله بن المختار.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) : أي قولا ليِّنا سهلا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني حَرْملة بن عمران، عن أبي الهَدَّاج التُّجِيبي، قال: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما ذكر الله عزّ وجلّ في القرآن من برّ الوالدين، فقد عرفته، إلا قوله ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) ما هذا القول الكريم؟ فقال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظّ.

-------------------------

الهوامش :

(1) الأبيات الثلاثة من مشطور الرجز . وهي من شواهد الفراء في ( معاني القرآن ص 178) قال : والعرب تقول : أوصيك به خيرا ، وآمرك به خيرا ، وكأن معناه : آمرك أن تفعل به خيرا ، ثم تحذف أن ، فتوصل الخير بالوصية وبالأمر ، قال الشاعر : "عجبت ... الأبيات" .

(2) ليس كلام المؤلف في تخريج اللغات الست في كلمة " أف" واضحا ،وقد بينته المعاجم (اللسان : أفف) ، انظر معاني القرآن للفراء (مصورة الجامعة رقم 24059 ص 179) ففيه ما يوضح هذا الموضع من كلام المؤلف ، وهو كثير لم نرد أن نطول به ذيول الكتاب.

التدبر :

لمسة
[23] ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ﴾ الربُّ في اللغة هو المربِّي، والله هو الذي أنشأنا وربَّانا أجمعين، والآن الوصية في المربِّي، وهما الأبوان؛ فناسب ذكر الربِّ الذي هو المربِّي في الوصية فيمن ربياه.
وقفة
[23] ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ مع كونه قضاء الخلَّاق تمليه القيم ومحاسن الأخلاق، فما أقبح العُقوق! وما أسوأ العقَّاق !
وقفة
[23] لمن أراد أن يبني مجتمعًا فاضلًا فعليه بالآيات في سورة الإسراء من قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، إلى: ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ [48]، ومثل هذه التوجيهات نجدها في أواخر سورة الأنعام، فكيف نترك توجيهات القرآن ونلهث وراء نظريات اجتماعية غربية؟!
عمل
[23] لاحظ الاقتران بين الشرك وعقوق الوالدين: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، ليس فقط مجرد بِرٍّ وعطاء، وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لائق يدل على احترامك لهما، ولا تَمُنَّ عليهما إطلاقًا.
وقفة
[23] القرآن أعظم ما يحقق لك الحكمة، تأمل قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، إلى قوله: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ [39].
وقفة
[23] ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ وإنما خص حالة الكبر؛ لأنهما حينئذ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما لضعفهما.
لمسة
[23] ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (أُف): معناها قول مكروه؛ يقال عند الضجر ونحوه، وإنما المراد بها أقل كلمة مكروهة تصدر من الإنسان، فنهى الله تعالى أن يقال ذلك للوالدين، فأولى وأحرى ألا يقال لهما ما فوق ذلك.
وقفة
[23] صفات الحكمة التي أوحاها الله لنبيه: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
وقفة
[23] ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ في عبادة الله تعالى نهى عن عبادة غيره، وفي بر الوالدين أمر بالإحسان إليهما، فلماذا لم يجعل صيغة الخطاب واحدة، صيغة نهي عن عقوق الوالدين، كما هي صيغة نهي عن عبادة الله تعالى فيقول: (ولا تسيئوا إلى الوالدين)؟ السبب في ذلك أن فضل الوالدين مشاهد محسوس لا يمكن إنكاره، ولا يحتاج إلى التدليل عليه، أما عبادة الله تعالى فهناك من ينكرها، ولذلك جاء النهي عن عبادة غيره عز وجل.
وقفة
[23] ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ من قام بعبادة الله أعين على بقية حقوق الله، ومن بر والديه أُعِين على بقية حقوق الآدميين.
لمسة
[23] لماذا قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ﴾ وليس (بالأبوين)؟ الوالدان: الوالد من الولادة، والمرأة هي التى تلد وليس الرجل، ولكنه تغليب للأم، فيقال والد ووالدة والدان، والأبوين: تغليب للأبِّ وليس للأم، فالرجل هو من يقال عنه أبٌّ، وفي القرآن كله لم يأتى البرُّ بهما أو الدعاء لهما إلا بلفظ الوالدين إلماحًا إلى الولادة، وأن الأم أحق وأولى بحسن الصحبة: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: 83، النساء: 36، الأنعام: 151، الإسراء: 23]، ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ [العنكبوت: 8، لقمان: 14، الأحقاف: 15]، ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ [نوح: 28]، لكن الأب يأتى في مواضع أخرى كالمواريث.
وقفة
[23] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ من أعجب العجب وأجهل الجهل وأظلم الظلم أن يعرف المسلم والمسلمة حقوق الأزواج والأبناء والأحفاد والأصدقاء والجيران والأبعدين، ولا يعرف حق الوالدين وخصوصا الأم.
وقفة
[23] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ لنسأل أنفسنا هل وصلنا إلى درجة (إحسانًا) في أقوالنا وأفعالنا وتعاملنا مع والدينا جميعا؟!
عمل
[23] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ما آخر عمل أحسنت به إلى والديك ؟!
لمسة
[23] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ في تعليق الحكم -وهو الأمر بالإحسان- بلفظ (الوالدين) المشتق من الولادة، إيذان بعليتها في الحكم، فيستحقان الإحسان بالوالدية، سواء أكانا مؤمنين أم كافرين، بارين أو فاجرين، محسنين إليه أو مسيئين.
لمسة
[23] قال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وليس (إلى الوالدين)، مع أن الأصل في الإحسان أن يكون بـ (إلى) مثل: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: 77]، والفرق بينهما: أن (الإحسان إلى) عامة، أما (الإحسان بهما) أى إلصاق الإحسان بهما، وليس مجرد الإحسان من بعيد، وقسم جعل معناها اللطف أى: الطف بهما، هذا تضمين لفظى قد يكون نوعًا من التوسع في المعنى، وكلاهما يؤدى إلى زيادة الإحسان إليهما.
وقفة
[23] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ من أعظم الحقوق في هذه الدنيا حق الوالدين، فالإحسان إليهما يعني الجنة بفضل الله ورحمته، فهنيئًا هنيئًا لمن أدرك والديه وأحسن برَّهما.
وقفة
[23] بر الوالدين ليس مناوبات وظيفية بينك وبين إخوانك؛ بل مزاحمات على أبواب الجنة ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
لمسة
[23] ﴿إِحْسَانًا﴾ ما الفرق بين الإحسان والحسن؟ الإحسان أحسن من الحسن؛ فالإحسان أن يتعدى خيرك إلى الآخرين، أما الحسن فهو حسن في نفسه، هناك فرق بين أن تعامل شخصًا معاملة حسنة، وأن تحسن إليه، فالإحسان أمكن وأقوى من الحسن، فهو معاملة حسنة وزيادة.
لمسة
[23] قال: ﴿إِحْسَانًا﴾ ولم يقل: (وأحسِن) وإنما جاء بالمصدر، وهو آكد.
وقفة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ﴾ إمّا عبارة عن (إن) الشرطية و(ما) زائدة مؤكدة لو أُسقطت تزيل التوكيد على أية حال، (يَبْلُغَنَّ) نون التوكيد الثقيلة إذن هذا الأمر فيه شدة وثقل وفيه توكيد.
لمسة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾ لاحظ التقييد بالظرف (عندك)! إنه يشعر بمسئوليتك تجاه أبويك ولو كانا في منزل مستقل، بل ولو كانا في بلد وأنت في بلد غيره.
وقفة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾ الوالدان عند الكبر أكثر ما يحتاجان له، هو إشعارهما بالأهمية، والاهتمام، والمبادرة لقضاء مرادهما قبل الطلب، أشعرهما أنهما ملء السمع والبصر، بين الطفل وبين كبير السن قواسم مشتركة، على رأسهما: تأثرهما وحبهما لمن يقدرهما ويحترمهما، هل تتذكر هذا وأنت طفل؟
اسقاط
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾ عندما كنا صغارًا محتاجين للرعاية كنا عند والدينا، فلما كبرا وضعفا فالموفق من يفوز باحتضان والديه عنده.
وقفة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾ في حال الكِبَر يحتاج الوالدان مزيدَ رعاية وعناية، حيث تضعفُ قواهما البدنية والعقلية، فالموفَّقُ من لازمهما ولاطفهما في تلك الحال.
لمسة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾ فائدة ذكر (عِنْدَكَ) أنهما يكبران في بيته وكنفه، ويكونان كَلاًّ عليه، لا كافل لهما غيره، وربَّما ناله منهما من المشاقِّ، ما كان ينالهما منه في حال الصِّغَر.
لمسة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾ استخدام الضمير (عندك) وتقديمه للاهتمام، فهي وصية من الله أن تحافظ على والديك، ولا ترمِ بهما في دور العجزة، فالإسلام بريء من هذه الفعلة الشنعاء.
لمسة
[23] قال عن الوالدين: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾، (عندك): يحرم من الآية من لم (يسكن) مع والديه، إذ لن يختبر نفسه في (الصبر على ألفاظهما).
وقفة
[23] يحتاج الوالدان في كبرهما إلى مراعاة خاصة، أعظم مما يحتاجان إليه في شبابهما وقوتهما؛ ذلك أنهما ينتظران من أبنائهم رد الجميل وحسن الوفاء، ويصبح حسهما مرهفًا؛ فتسعدهما الكلمة الطيبة، ويحزنان لما خالف ذلك، مهما كانت يسيرة في نظر المتكلم، تدبر: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ﴾.
وقفة
[23] قال أحدهم: «ما أدركت سر التنصيص على بر الوالدين عند الكبر: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ حتى شاب والداي»، فالوالدان عند الكبر، أكثر ما يحتاجان للابن، أشعرهما أنهما ملء السمع والبصر، فبين الطفل وبين كبير السن قواسم مشتركة، على رأسهما: تأثرهما وحبهما لمن يقدرهما ويحترمهما، هل تتذكر هذا وأنت طفل؟
عمل
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ حيث صارا عندك رد إليهما بعض ما قدماه لك عندما كنت عندهما.
لمسة
[23] ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (أحدهما أو كلاهما) قدم (أحدهما) والله أعلم لأن حالة انفراد أحدهما تجعل الإحسان إليه أيسر والحق أوجب، ضخ طاقة برك لمن بقي منهما.
لمسة
[23] ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ (أف) في اللغة هى اسم فعل بمعنى ضجر، أى لا تسمعهما أى كلمة تشعرهما بالضجر.
وقفة
[23] ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ الله العظيم يحرس مشاعرك من أن يقال لك: (أف)، وهو سبحانه وتعالى يشتمونه ليل نهار: فماذا فعلت أنت؟!
وقفة
[23] ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ كان يبكي طيلة الليل فيسهران من أجله، أما يكفي ذاك الصراخ في وجوههما حتى يقول (أف) إذا كبر؟!
اسقاط
[23] ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ جعل الهواء قولًا، فنهى عنه، فكيف بالقول الصريح القبيح؟!
وقفة
[23] ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ (أف) كلمة تضجر قرآنية مذهلة الإعجاز، مخرجي حرفيها من أبعد نقطتين، وكأن كل ما بينهما من أفانين مخارج كلمات التضجر منهي عنه، فلا يليق بالوالدين إلا أجمل الكلام وألطفه.
وقفة
[23] قال ابن عقيل: «من أَحْسَنِ ظني بربي، أن لطفه بلغ أن وصى بي ولدي إذا كبرت فقال: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾» فما أحوجنا -أهل القرآن- أن نحسن الظن بربنا مهما طال الزمن واشتدت المحن.
وقفة
[23] ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ بسبب انطراح الكبير وطول ثوائه وفراغه؛ تكثر أسئلته ويضعف سمعه ويبطئ فهمه؛ فنهي عن نهره والتأفف في وجهه.
وقفة
[23] لم ترد كلمة (النَّهْرَ) في القرآن إلا في موضعين: ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾، ﴿وأما السائل فلا تنهر﴾ [الضحى: 10]، فإياك أن تغتر بنفسك فتَقْسُوَ عليهم.
عمل
[23] ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ فتش عن كنوز الكلمات الكريمة التي تشرق بها أرواحهم، نقب عن جواهر الحروف التي تطيب خواطرهم،كن عبقريًا في إسعادهم.
وقفة
[23] ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أي: قولًا حسنًا جميلًا لينًا، قال عطاء بن أبي رباح: «لا تُسَمِّهما، ولا تُكَنِّهما، وقُل لهما: يا أَبَتَاه، ويا أُمَّاه».
وقفة
[23] ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ الإحسان إلى الوالدين فرض لازم واجب، وقد قرن الله شكرهما بشكره؛ لعظيم فضلهما.
وقفة
[23] ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أمر الله بالقول الكريم للوالدين، فيا ترى ما الفرق بينه وبين القول الحسن الذي أمر الله أن نخاطب به الناس؟!
عمل
[23] ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ قدم اليوم هدية لوالديك، وقل لهما قولًا يعجبهما.
وقفة
[23] ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ لو لم يكن من فضل الكلمة الكريمة الطيبة إلا أن الله بدأ في أعظم الحقوق بعد حقه تعالى لكفى.
وقفة
[23، 24] اللسان أثره كبير على قلب الوالدين ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾، ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَقَضى رَبُّكَ:
  • الواو: استئنافية. قضى: أي أمر: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. ربك: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالاضافة
  • ﴿ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ:
  • ألا: مكونة من «أن» بمعنى «أي» حرف تفسير لا محل له و «لا» جازمة ناهية. تعبدوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «لا تعبدوا» تفسيرية لا محل لها. و «أن» المدغمة بلا وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر أي بأن لا تعبدوا والجار والمجرور متعلق بقضى. إلا: اداة استثناء ويجوز أن تكون أداة حصر. إياه: ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا والهاء حرف للغائب. ويكون مفعول أَلاّ تَعْبُدُوا» محذوفا تقديره ألاّ تعبدوا أحدا إلا إياه أي ألاّ تعبدوا غيره واذا جعلت «إلا» أداة حصر كانت «إياه» ضميرا منفصلا في محل نصب مفعول «تعبدوا» أي ألا تعبدوا إلاه والوجه الأول أي الاستثناء أوجه.
  • ﴿ وَبِالْاالِدَيْنِ إِحْساناً:
  • الواو عاطفة. بالوالدين: جار ومجرور متعلق بفعل المصدر «احسانا» وعلامة جر الاسم الياء لأنه مثنى والنون عوض من التنوين في المفرد. إحسانا: منصوب لأنه-مصدر-مفعول مطلق منصوب بمضمر تقديره وأحسنوا بالوالدين احسانا أو قضى بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ:
  • اما: مكونة من «ان» حرف شرط‍ جازم و «ما» زائدة للتأكيد بدليل دخول نون التوكيد الثقيلة في الفعل. يبلغن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة فعل الشرط‍ في محل جزم بان والنون لا محل لها. عندك: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة متعلق بيبلغن وهو مضاف والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-في محل جر بالاضافة. الكبر: مفعول به مقدم منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما:
  • أحد: فاعل «يبلغن» مرفوع بالضمة. الهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الميم حرف عماد والألف حرف دال على التثنية. أو: حرف عطف. كلاهما: معطوفة على «أحدهما» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الاسم الألف لأنه مثنى أي معناه مثنى ولفظه مفرد.
  • ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط‍.لا: ناهية جازمة. تقل: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: سكون آخره وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لهما: جار ومجرور الميم حرف عماد والألف حرف دال على التثنية. والجار والمجرور متعلق بلا تقل. أفّ: اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. أو هو صوت يدل على تضجر وفيه لغات عديدة. وجملة «أفّ» في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ وَلا تَنْهَرْهُما:
  • الواو: عاطفة. لا تنهرهما: معطوفة على «لا تقل» وتعرب إعرابها. الهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به الميم حرف عماد والألف حرف دال على التثنية بمعنى: لا تزجرهما.
  • ﴿ وَقُلْ لَهُما:
  • الواو: استئنافية بمعنى «بل».قل: فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لهما: أعربت بمعنى بل قل لهما بدل التأفيف والنهر قولا جميلا أي كما يقتضيه حسن الأدب أي نحو قولك لهما يا أبتاه ويا أماه.
  • ﴿ قَوْلاً كَرِيماً:
  • مصدر-مفعول مطلق فيه معنى التوكيد سدّ مسدّ المفعول به. كريما صفة لقولا منصوبة بالفتحة. '

المتشابهات :

البقرة: 83﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
النساء: 36﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
الأنعام: 151﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ
الإسراء: 23﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [23] لما قبلها :     (ولَمَّا نهى اللهُ عز وجل عن الشرك به؛ أمرَ هنا بالتوحيد) 2- الوصيةُ الثانيةُ: الأمرُ بالتوحيد. 3- الوصيةُ الثالثةُ: الإحسانُ إلى الوالدين، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا/ ولَمَّا كان اللهُ عز وجل عليمًا بما في الطِّباعِ مِن مَلالِ الوَلَدِ لوالديه عند الكِبَر، قال تعالى :/إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وقضى:
1- فعلا ماضيا، من القضاء، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- وقضاء، مصدر «قضى» ، مرفوع على الابتداء، وهى قراءة بعض ولد معاذ بن جبل.
أف:
قرئ:
1- بالكسر والتشديد مع التنوين، وهى قراءة الحسن، والأعرج، وأبى جعفر، وشيبة، وعيسى، ونافع، وحفص.
2- بالكسر والتشديد من غير تنوين، وهى قراءة أبى عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبى بكر.
3- بالفتح مشددة من غير تنوين، وهى قراءة ابن كثير، وابن عامر.
4- بضم الفاء من غير تنوين، وهى قراءة أبى السمال.
5- بالنصب والتشديد مع التنوين، وهى قراءة زيد بن على.
6- خفيفة، وهى قراءة ابن عباس.
7- بالرفع والتنوين، حكاها هارون.

مدارسة الآية : [24] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ ..

التفسير :

[24] وكُنْ لأمك وأبيك ذليلاً متواضعاً رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتاً، كما صبرا على تربيتك طفلاً ضعيف الحول والقوة.

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي:تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد.

{ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} أي:ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيرا.

وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية.

وقوله: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.. زيادة في تبجيلهما والتلطف معهما في القول والفعل والمعاملة على اختلاف ألوانها.

أى: وبجانب القول الكريم الذي يجب أن تقوله لهما، عليك أن تكون متواضعا معهما، متلطفا في معاشرتهما، لا ترفع فيهما عينا، ولا ترفض لهما قولا، مع الرحمة التامة بهما، والشفقة التي لا نهاية لها عليهما.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: وقوله: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ المقصود منه المبالغة في التواضع.

وذكر القفال في تقريره وجهين: الأول: أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية. فكأنه قال للولد:

اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك.

والثاني: أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه. فصار خفض الجناح كناية عن التواضع .

وإضافة الجناح إلى الذل إضافة بيانية، أى: اخفض لهما جناحك الذليل ومِنَ في قوله مِنَ الرَّحْمَةِ ابتدائية. أى تواضع لهما تواضعا ناشئا من فرط رحمتك عليهما.

قال الآلوسى: وإنما احتاجا إلى ذلك، لافتقارهما إلى من كان أفقر الخلق إليهما، واحتياج المرء إلى من كان محتاجا إليه أدعى إلى الرحمة، كما قال الشاعر:

يا من أتى يسألنى عن فاقتي ... ما حال من يسأل من سائله؟

ما ذلة السلطان إلا إذا ... أصبح محتاجا إلى عامله

وقوله: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً تذكير للإنسان بحال ضعفه وطفولته، وحاجته إلى الرعاية والحنان.

أى: وقل في الدعاء لهما: يا رب ارحمهما برحمتك الواسعة، واشملهما بمغفرتك الغامرة،جزاء ما بذلا من رعاية لي في صغرى، فأنت القادر على مثوبتهما ومكافأتهما.

قال الجمل: والكاف في قوله كَما رَبَّيانِي.. فيها قولان: أحدهما أنها نعت لمصدر محذوف.

أى: ارحمهما رحمة مثل رحمتهما لي، والثاني أنها للتعليل. أى: ارحمهما لأجل تربيتهما لي، كما في قوله وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ .

( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) أي تواضع لهما بفعلك ) وقل رب ارحمهما ) أي في كبرهما وعند وفاتهما ( كما ربياني صغيرا )

قال ابن عباس ثم أنزل الله [ تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) [ التوبة 113 .

وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال آمين آمين آمين فقالوا يا رسول الله علام أمنت قال أتاني جبريل فقال يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقل آمين فقلت : آمين ثم قال رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له قل آمين فقلت : آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين فقلت : آمين .

حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا هشيم حدثنا علي بن زيد أخبرنا زرارة بن أوفى عن مالك بن الحارث رجل منهم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ومن أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزى بكل عضو منه عضوا منه

ثم قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد فذكر معناه إلا أنه قال عن رجل من قومه يقال له مالك أو ابن مالك وزاد ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله .

حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن زرارة بن أوفى عن مالك بن عمرو القشيري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار مكان كل عظم من عظامه محررة بعظم من عظامه ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله عز وجل ومن ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله وجبت له الجنة "

حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج ومحمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن قتادة سمعت زرارة بن أوفى يحدث عن أبي بن مالك القشيري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه

ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة به وفيه زيادات أخر

حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما أو كلاهما عند الكبر ولم يدخل الجنة

صحيح من هذا الوجه ولم يخرجه سوى مسلم من حديث أبي عوانة وجرير وسليمان بن بلال عن سهيل به .

حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا ربعي بن إبراهيم قال أحمد وهو أخو إسماعيل ابن علية وكان يفضل على أخيه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ! ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان فانسلخ قبل أن يغفر له! ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة قال ربعي لا أعلمه إلا قال أحدهما

ورواه الترمذي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي عن ربعي بن إبراهيم ثم قال غريب من هذا الوجه .

حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل حدثنا أسيد بن علي عن أبيه علي بن عبيد عن أبي أسيد وهو مالك بن ربيعة الساعدي ، قال بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به قال : نعم خصال أربع الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهو الذي بقي عليك بعد موتهما من برهما "

ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن سليمان وهو ابن الغسيل به .

حديث آخر وقال الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك ؟ فقال فهل لك من أم قال . نعم فقال : الزمها فإن الجنة عند رجليها ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول

ورواه النسائي وابن ماجه من حديث ابن جريج به .

حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يوصيكم بآبائكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب

وقد أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عياش به .

حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا يونس حدثنا أبو عوانة عن الأشعث بن سليم عن أبيه ، عن رجل من بني يربوع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو يكلم الناس يقول يد المعطي [ العليا أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك .

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا عمرو بن سفيان حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن ليث بن أبي سليم عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها ؟ قال لا ولا بزفرة واحدة أو كما قال ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه .

قلت والحسن بن أبي جعفر ضعيف والله أعلم

يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، في قوله: ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: لا تمتنع من شيء يُحبانه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الأشجعي ، قال: سمعت هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحبَّاه.

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: لا تمتنع من شيء أحباه.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَة، عن عبد الله بن المختار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: هو أن لا تمتنع من شيء يريدانه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المقرئ أبو عبد الرحمن، عن حرملة بن عمران، عن أبي الهداج، قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: ألم تر إلى قول العبد المذنب للسيد الفظّ الغليظ. والذُّلّ بضم الذال والذّلَّة مصدران من الذليل، وذلك أن يتذلل، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل: قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلا وذلك نظير القلّ والقلة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ، والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة، والقاف من القِلَّة، لما قال الأعشى:

وَمَا كُنْتُ قُلا قبلَ ذلكَ أزْيَبَا (3)

يريد: القلة، وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم: دابة ذَلول: بينة الذلّ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة.

ومنه قول الله جلّ ثناؤه هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا يُجمع ذلك ذُلُلا كما قال جلّ ثناؤه فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا . وكان مجاهد يتأوّل ذلك أنه لا يتوعَّر عليها مكان سلكته.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق والشام ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ) بضمّ الذال على أنه مصدر من الذليل. وقرأ ذلك سعيد بن جبير وعاصم الجَحْدَرِيّ: (جَناحَ الذِّلّ) بكسر الذال.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهز بن أسد، قال: ثنا أبو عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذلولا.

حدثنا نصر بن عليّ، قال: أخبرني عمر بن شقيق، قال: سمعت عاصما الجحدري يقرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذَلولا.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عمر بن شقيق، عن عاصم، مثله.

قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوّله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها وبكسرها.

حدثنا نصر وابن بشار؛ وحُدثت عن الفراء، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر جعفر بن إياس. عن سعيد بن جبير، أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ) قال الفرّاء: وأخبرني الحكم بن ظهير، عن عاصم بن أبى النَّجود، أنه قرأها الذِّلّ أيضا، فسألت أبا بكر فقال: الذِّل قرأها عاصم.

وأما قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فإنه يقول: ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل ربّ ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك، كما تعطفا عليّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) هكذا عُلِّمتم، وبهذا أمرتم، خذوا تعليم الله وأدبه، ذُكر لنا " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيهِ أوْ أحَدَهُما ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذلكَ فأبْعَدَهُ الله وأسْحَقَهُ". ولكن كانوا يرون أنه من بَرّ والديه، وكان فيه أدنى تُقى، فإن ذلك مُبْلِغه جسيم الخير، وقال جماعة من أهل العلم: إن قول الله جلّ ثناؤه ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) منسوخ بقوله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) ثم أنـزل الله عزّ وجلّ بعد هذا مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قال في سورة بني إسرائيل (إمَّا يَبْلُغانّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدهُمُا أو كِلاهُما).... إلى قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فنسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ... الآية.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا ).... الآية، قال: نسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . .. الآية.

وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا في كلّ الآباء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويلها على الخصوص، فيكون معنى الكلام: وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنين، كما رَبياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقوله ربياني: نَمَّياني .

------------------

الهوامش :

(3) هذا عجز بيت للأعشى ميمون بن قيس ( ديوان طبع القاهرة ، بشرح الدكتور محمد حسين ص 115) من قصيدة يهجو بها عمرو بن المنذر بن عبدان ، ويعاتب بني سعد بن قيس : وصدره : "فأرضوه أن أعطوه مني ظلامة" . وقال في (لسان العرب: زيب) الأزيب: الدعي ؛ قال الأعشى يذكر رجلا من قيس عيلان ، كان جارا لعمرو بن المنذر ، وكان اتهم هداجا قائد الأعشى بأنه سرق راحلة له ، لأنه وجد بعض لحمها في بيته ، فأخذ هداج وضرب والأعشى جالس ؛ فقام ناس منهم فأخذوا من الأعشى قيمة الراحلة ، فقال الأعشى :

دَعـا رَهْطَـهُ حَـوْلِي فَجَاءُوا لِنَصْرِهِ

وَنَــادَيْتُ حَــيًّ بالمُسَــانَّاهِ غُيَّبًـا

فَـأَعْطَوْهُ مِنِّـيَ النِّصْفَ أَوْ ضَعْفُوا لَهُ

وَمـا كُـنْتُ قُـلاّ قَبْـلَ ذَلِـكَ أَزْيَبَــا

أي كنت غريبا في ذلك الموضع ، لا ناصر لي . والنصف : النصفة . يقول : أرضوه وأعطوه النصف أو فوقه . والقل من الرجال الخسيس ، ومنه قول الأعشى . أ هـ .

التدبر :

عمل
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ يتمثل بجلوسك بين يدي والديك في جلسة خضوع وذلة مستمعًا مصغيًا، لا ترفع فوقهما صوتًا، ولا تقدم عليهما رأيًا.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ سحر الهوان وبهجة الذل.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ ما رضي لهما بجناح هو للذل أصلًا حتى أمر بخفضه أيضًا.
اسقاط
[24] ربك يأمرك بالذلة لهما: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾، وأنت تضع جوالك على الصامت حين اتصال والدتك لتستكمل حديثك مع أصحابك؟! الدنيا بحذافيرها فداء قدمها.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ الوالدان: كلما انخفض لهما جناحك؛ زاد في السماء علوك وارتفاعك.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ لا يجتمع الذل والرحمة في أسمى وأعظم معنى إلا لوالديك.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ صيغ التمييز عن التواضع بتصويره في هيئة تذلُّلِ الطائر عندما يعتريه خوفٌ من طائر أشد منه إذ يخفض جناحه متذللًا!
لمسة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ قدم الذل على الرحمة، كمال البر أن يشعرا بتذلك لهما أكثر من رحمتك.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ إنْ خَفضتَ لهما في حال قوتك؛ قَيَّض الله مَن يخفض لك حال ضعفك.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ ليس من البر، سأل رجل الإمام أحمد: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟! قال له الإمام: لا تطلقها، فقال: أليس النبي ﷺ قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال الإمام أحمد: وهل أبوك مثل عمر؟!
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ صِيغَ التعبيرُ عن التواضعِ بتصويره في هيئة تذلُّلِ الطائر عندما يعتريه خوفٌ من طائرٍ أشدَّ منه، إذْ يخفض جناحَه متذلِّلًا.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ ينبغى بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه فى خير ذلة، فى أقواله وسكناته ونظره، ولا يحدَّ إليهما بصره، فإن تلك هى نظرة الغاضب.
اسقاط
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ من الفخر لك أن تتذلل لوالديك؛ فهي طاعة أمر الله بها.
عمل
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ إذا لم تستطع أن تنافس البررة في برهم لوالديهم؛ فأكثر من الاستغفار والدعاء لهما، فإن هذا من أعظم البر.
عمل
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ انخفض لوالديك وتذلَّل لهما ترتفع عند ربك بالكرامة والأجر.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ وصلا من الضعف لدرجة ابتلاء الولد، فإن كان عاقًّا تعالَى عليهما وتكبَّر، وإن كان بارًّا ذلَّ لهما وتواضع.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ قد استظللت دهرًا تحت جناحيهما؛ فاخفض لهما جناحيك متى كبرت وكبرا.
اسقاط
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ إذا لم تشعر بالذل والهوان والصغار والتلاشي؛ فأنت لا تعرف شيئًا اسمه البر.
وقفة
[24] ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ قال أحدهم: «ما رأيت أرق وألطف بالوالدين من هذه الآية».
وقفة
[24] من كان له أم أو كان له أب فقد فتح له باب الجنة، فمن الذي يمر بباب الجنة مفتوحًا فلا يدخلها؟! ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
عمل
[24] ثمة أمران في دنياك ﻻ يمكن لك أن ترتفع بهما إﻻ إذا انخفضت لهما، فإياك إياك أن تضيعهما، إنهما برك بوالديك ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
وقفة
[24] ﴿جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ العادة أن الرحمة يرافقها شعور بالاستعلاء على المرحوم، لكنهم أمروا برحمة خاصة تذل بسببها النفوس وتخضع.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ ما أرحم الله! لو لم يفتح للبررة هذا الباب؛ لتقطعت قلوبهم لفوات آبائهم.
وقفة
[24] ضُرِبَ رجلٌ ضربًا شديدًا فصبر، وضُرب ابنه فجزع، فقيل له في ذلك، فقال: «ضرب جلدي فصبرت فلما ضرب قلبي فلم أصبر» ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ قال أحد الأولاد الناجين من مجزرة مسجد ديالى: «نجوت بسبب إلقاء أبي نفسه فوقي، وكنت أسمع حشرجته وهو ينزف من صدره، ويقول: سوي نفسك ميت ابني».
لمسة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي﴾ جاءت بلفظ رب مناسب لـ (رَبَّيَانِي) و(رَبُّكَ)، ولم يرد في القرآن دعاء إلا بلفظ الرب إلا في موطن واحد؛ فالربُّ هو المربِّي وهو المُنعم وهو المتفضل.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ في الآية إيماء إلى أن الدعاء لهما مستجاب؛ لأن الله أذن فيه.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ وفُهِمَ من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحَقُّ، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين؛ فإن له على من رباه حق التربية.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ في الحياة قد يتغيَّر عليك الصديق والقريب والحبيب وكل شيء إلا قلب الوالدين يبقى وفيًّا لك.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ أثمن ما يقدِّمه الولد لوالديه الدعاء؛ وهو عبادة ميسورة، ومِن أوفى البر في حياتهما وبعد مماتهما.
عمل
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ تذكر أنك كنت -وأنت صغير- تنام في أي مكان في المنزل، ولكنك تستيقظ وأنت في سريرك، من الذي نقلك إلى السرير؟ رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ ومن رحمة الله لهما أن يهديهما للإيمان والعمل الصالح، فالدعاء لوالديك يشمل صلاح دينهما وعمران آخرتهما.
عمل
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ قال الآلوسي: «والظاهر أن الأمر للوجوب، فيجب على الولد أن يدعو لوالديه بالرحمة»، اجعل لنفسك وردًا ثابتًا للدعاء لوالديك.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ يقول عامر بن عبد الله بن الزبير: «مات أبي فما سألت الله حولًا كاملًا إلا العفو عنه».
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ علم الولد أنه عاجز عن بر والديه بما يقابل جميلهم؛ فدعا الله أن يتولى ذلك برحمته.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ من البر الدعاء للوالدين؛ فلا تنسيك مشاغل الدنيا الدعاء لهما الأحياء منهم والأموات.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ التربية أعظم حقوق الأبناء على الآباء.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ التربية أعظم ثمرة إذا زرعت في الأبناء في سن مبكرة وهم صغار.
وقفة
[24] ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ من حقوق الوالدين: ملازمة الدعاء لهما.
وقفة
[24] قال أحدهم: «عندما كنت صغيرًا كنت أتأفف حين تعقد أمي إزار قميصي، كنت أريد أن أخرج إلى الدنيا بسرعة، اليوم أبيع الدنيا لتعقد لي زرًّا واحدًا» ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
وقفة
[24] هما اللذان يحملان همَّك معك، ويقوِّمان ظهرك إذا أحنته المصائب، يسهران إذا أصابك أذى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
وقفة
[24] أجمل الجلسات وأنفعها وأدفئها جلسة الوالدين، فهنيئًا لمن كان له والدان أو أحدهما على قيد الحياة ﴿رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
وقفة
[24] ﴿ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ لم يقل: (كما أطعماني)؛ ليعلم قيمة وأثر التربية على الأبناء.
لمسة
[24] ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية، فيزيده ذلك إشفاقًا لهما وحنانًا عليهما.
وقفة
[24] ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ حين يرحل أحد الوالدين أو كلاهما تحدث عن كل ذكرى جميلة فقط، كم في مذكرات الناس وأحاديثهم من إخلال بهذا المبدأ العظيم!
وقفة
[24] يقول أحد الصالحين: «لم أرَ شخصًا ناجحًا في حياته إلا وكان له من بر الوالدين نصيبٌ»، قل: «اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا».

الإعراب :

  • ﴿ وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ:
  • بمعنى: وتذلل لهما أي لوالديك رحمة بهما. الواو عاطفة-اخفض: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لهما: جار ومجرور متعلق باخفض الميم حرف عماد والألف علامة التثنية. جناح: مفعول به منصوب بالفتحة. الذل: مضاف إليه مجرور بالكسرة. من الرحمة: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الجناح».
  • ﴿ وَقُلْ رَبِّ:
  • معطوفة بالواو على «اخفض» وتعرب إعرابها وحذفت واو «قل» وأصلها: قول. لالتقاء الساكنين و «ربّ» اسم منادى بأداة نداء محذوفة أي يا ربّ منصوب للتعظيم بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اكتفاء بكسر ما قبلها منع من ظهور هذه الفتحة اشتغال المحل بالحركة المناسبة والياء المحذوفة اختصارا ضمير المتكلم في محل جر بالاضافة وبقيت الكسرة دالة عليها.
  • ﴿ ارْحَمْهُما:
  • فعل دعاء بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الهاء ضمير الغائب في محل نصب مفعول به. والميم حرف عماد والألف حرف دال على التثنية.
  • ﴿ كَما رَبَّيانِي صَغِيراً:
  • بمعنى جزاء رحمتهما بي وتربيتهما إياي وأنا صغير. الكاف: اسم مبني على الفتح في محل نصب صفة أو نائب عن مصدر فعل مقدر بمعنى ارحمهما وجازهما مجازاة مثل جزاء تربيتهما لي. ما: مصدرية. ربياني: فعل ماض مبني على الفتح والألف ضمير الاثنين في محل رفع فاعل. النون للوقاية والياء ضمير المتكلم في محل نصب مفعول به. صغيرا: حال منصوب بالفتحة. بمعنى وأنا صغير. و «ما» المصدرية وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة. وجملة رَبَّيانِي صَغِيراً» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     4- الوصيةُ الرابعةُ: التواضعُ والتذللُ للوالدين، قال تعالى:
﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الذل:
1- بضم الذال، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- الذل، بكسر الذال، وذلك على الاستعارة فى الناس لأن ذلك يستعمل فى الدواب، وهى قراءة ابن عباس، وعروة بن الزبير، والجحدري، وابن وثاب.

مدارسة الآية : [25] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ..

التفسير :

[25] ربكم -أيها الناس- أعلم بما في ضمائركم مِن خير وشر. إن تكن إرادتكم ومقاصدكم مرضاة الله وما يقربكم إليه، فإنه كان -سبحانه- للراجعين إليه في جميع الأوقات غفوراً، فمَن عَلِمَ الله أنه ليس في قلبه إلا الإنابة إليه ومحبته، فإنه يعفو عنه، ويغفر له ما يعرض م

أي:ربكم تعالى مطلع على ما أكنته سرائركم من خير وشر وهو لا ينظر إلى أعمالكم وأبدانكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وما فيها من الخير والشر.

{ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ} بأن تكون إرادتكم ومقاصدكم دائرة على مرضاة الله ورغبتكم فيما يقربكم إليه وليس في قلوبكم إرادات مستقرة لغير الله.

{ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ} أي:الرجاعين إليه في جميع الأوقات{ غَفُورًا} فمن اطلع الله على قلبه وعلم أنه ليس فيه إلا الإنابة إليه ومحبته ومحبة ما يقرب إليه فإنه وإن جرى منه في بعض الأوقات ما هو مقتضى الطبائع البشرية فإن الله يعفو عنه ويغفر له الأمور العارضة غير المستقرة.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات التي سمت بمنزلة الوالدين، بما يدل على كمال علمه، وعلى التحذير من عقابه، فقال- تعالى-: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً.

والأوابون: جمع أواب. وهو الكثير الأوبة والتوبة والرجوع إلى الله- تعالى- يقال:

آب فلان يئوب إذا رجع.

قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الأواب هو التائب من الذنب، الراجع عن معصية الله إلى طاعته، ومما يكرهه إلى ما يرضاه، لأن الأواب إنما هو فعال من قول القائل: آب فلان من سفره إلى منزله، كما قال الشاعر:

وكل ذي غيبة يئوب ... وغائب الموت لا يؤوب

أى: ربكم- أيها الناس- أعلم بما في نفوسكم، وضمائركم، سواء أكان خيرا أو شرا، وسواء كنتم تضمرون البر بآبائكم أم تخفون الإساءة إليهما، ومع ذلك فإنكم إن تكونوا صالحين- أى: قاصدين الصلاح والبر بهما، والرجوع عما فرط منكم في حقهما أو في حق غيرهما- فالله- تعالى- يقبل توبتكم، فإنه- سبحانه- بفضله وكرمه كان للأوابين- أى الرجاعين إليه بالتوبة مما فرط منهم- غفورا لذنوبهم.

فالآية الكريمة وعيد لمن تهاون في حقوق أبويه، وفي كل حق أوجبه الله عليه، ووعد لمن رجع إليه- سبحانه- بالتوبة الصادقة.

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أمرت بالإحسان إلى الوالدين، بأسلوب يستجيش عواطف البر والرحمة في قلوب الأبناء، ويبعثهم على احترامهما ورعايتهما والتواضع لهما، وتحذيرهم من الإساءة إليهما، ويفتح باب التوبة أمام من قصر في حقهما أو حق غيرهما.

وقد كرر القرآن هذا الأمر للأبناء بالإحسان إلى الآباء، ولم يفعل ذلك مع الآباء.

وذلك لأن الحياة- كما يقول بعض العلماء- وهي مندفعة في طريقها بالأحياء، توجه اهتمامهم القوى إلى الأمام. إلى الذرية. إلى الناشئة الجديدة، إلى الجيل المقبل. وقلما توجه اهتمامهم إلى الوراء. إلى الأبوة، إلى الحياة المولية إلى الجيل الذاهب.

ومن ثم تحتاج البنوة إلى استجاشة وجدانها بقوة لتنعطف إلى الخلف، وتتلفت إلى الآباء والأمهات.

إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد. إلى التضحية بكل شيء حتى بالذات، وكما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات، ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر، كذلك يمتص الأولاد، كل رحيق، وكل عافية، وكل جهد، وكل اهتمام من الوالدين، فإذا هما شيخوخة فانية- إن أمهلهما الأجل- وهما مع ذلك سعيدان.

فأما الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كله ويندفعون بدورهم إلى الأمام. إلى الزوجات والذرية ... وهكذا تندفع الحياة.

ومن ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء. إنما يحتاج هؤلاء إلى استجاشة وجدانهم بقوة، ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف.

وهنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين، في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد، بعد الأمر المؤكد بعبادة الله .

هذا، وقد ساق المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات، كثيرا من الأحاديث والآثار التي توجه الأبناء إلى رعاية الآباء، واحترامهم، والعطف عليهم، والرحمة بهم، والاهتمام بشئونهم.

قال الإمام ابن كثير: وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة، منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال: آمين. آمين. آمين.

فقالوا: يا رسول الله، علام أمنت؟ قال: أتانى جبريل فقال: يا محمد، رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقل: آمين فقلت آمين. ثم قال: رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، قل: آمين. فقلت آمين. ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. قل: آمين، فقلت: آمين» .

وعن مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما أنا جالس عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، هل بقي على من بر أبوى شيء بعد موتهما أبر هما به؟

قال: «نعم: خصال أربع. الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك بعد موتهما من برهما» .

وقال القرطبي: أمر الله- سبحانه- بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك. كما قرن شكرهما بشكره، فقال: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أى الأعمال أحب إلى الله- تعالى-؟. قال: «الصلاة على وقتها. قلت: ثم أى؟ قال: «بر الوالدين» ، قلت ثم أى: قال: الجهاد في سبيل الله» ...

ثم قال القرطبي- رحمه الله-: ومن عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن من برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه. ما لم يكن ذلك الأمر معصية، ولا يختص برهما بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما.

ففي صحيح البخاري عن أسماء قالت: قدمت أمى وهي مشركة فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمى قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ - أى وهي راغبة في برى وصلتي، أو وهي راغبة عن الإسلام كارهة له- قال: «نعم صلى أمك» .

ثم قال القرطبي: ومن الإحسان إليهما والبر بهما، إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما.

فعن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» .

قال ابن المنذر: في هذا الحديث النهى عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع.

ثم قال: ومن تمام برهما: صلة أهل ودهما، ففي الصحيح عن ابن عمر قال: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى» .

وكان صلى الله عليه وسلم يهدى لصديقات خديجة برّا بها ووفاء لها وهي زوجته، فما ظنك بالوالدين .

وبعد أن بين- سبحانه- ما يجب على الإنسان نحو خالقه- عز وجل- ونحو والديه، أتبع ذلك ببيان ما يجب على هذا الإنسان نحو أقاربه، ونحو المسكين وابن السبيل، ونحو ماله الذي هو نعمة من نعم الله عليه. فقال- تعالى-:

قال سعيد بن جبير هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به وفي رواية لا يريد إلا الخير بذلك - فقال ربكم أعلم بما في نفوسكم

وقوله [ تعالى ] : ( ربكم أعلم بما في نفوسكم )

وقوله تعالى ( فإنه كان للأوابين غفورا ) قال قتادة للمطيعين أهل الصلاة

وعن ابن عباس المسبحين وفي رواية عنه المطيعين المحسنين

وقال بعضهم هم الذين يصلون بين العشاءين وقال بعضهم هم الذين يصلون الضحى

وقال شعبة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله ( فإنه كان للأوابين غفورا ) قال الذي يصيب الذنب ثم يتوب ويصيب الذنب ثم يتوب

وكذا رواه عبد الرزاق عن الثوري ومعمر عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب نحوه وكذا رواه الليث وابن جريج عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب به وكذا قال عطاء بن يسار

وقال مجاهد وسعيد بن جبير هم الراجعون إلى الخير

وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله ( فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : هو الذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها ووافقه على ذلك مجاهد .

وقال عبد الرزاق أخبرنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير في قوله ( فإنه كان للأوابين غفورا ) قال كنا نعد الأواب الحفيظ أن يقول اللهم اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا .

وقال ابن جرير والأولى في ذلك قول من قال هو التائب من الذنب الراجع عن المعصية إلى الطاعة مما يكره الله إلى ما يحبه ويرضاه .

وهذا الذي قاله هو الصواب لأن الأواب مشتق من الأوب وهو الرجوع يقال آب فلان إذا رجع قال الله تعالى : ( إن إلينا إيابهم ) [ الغاشية 25 ، وفي الحديث الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون .

يقول تعالى ذكره (رَبُّكُمْ) أيها الناس (أعْلَمُ) منكم (بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم، والبرّ بهم، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم، والعقوق لهم، وغير ذلك من ضمائر صدوركم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهو مجازيكم على حَسَن ذلك وسيِّئه، فاحذروا أن تُضمروا لهم سوءا، وتعقِدوا لهم عقوقا. وقوله (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ) يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابين بعد الزَّلة، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ) قال: البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير، فقال ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ).

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرني أبي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، بمثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن حبيب بن أبي ثابت، في قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤاخَذ به.

واختلف أهل التأويل، في تأويل قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا )

فقال بعضهم: هم المسبِّحون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة؛ وحدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: المسبحين.

حدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا أبو خيثمة زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمرو بن شرحبيل، قال: الأوّاب: المسبح.

وقال آخرون: هم المطيعون المحسنون.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) يقول: للمطيعين المحسنين.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هم المطيعون، وأهل الصلاة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: للمطيعين المصلين.

وقال آخرون: بل هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن ابن المنكدر يرفعه ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الصلاة بين المغرب والعشاء.

وقال آخرون: هم الذين يصلُّون الضُّحَى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا رباح أبو سليمان الرقاء، قال: سمعت عونا العُقيليّ يقول في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذين يصلون صلاة الضحى.

وقال آخرون: بل هو الراجع من ذنبه، التائب منه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن الوليد القرشيّ، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان بن داود، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب في هذا الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ).

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يُسْأَل عن هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، بنحوه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سعيد بن المسيب، بنحوه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هو العبد يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: فذكر مثله.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا الثَّوريّ ومعمر، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب، قال: الأوّاب: الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الراجعين إلى الخير.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد وأبو داود وهشام، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، بنحوه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان؛ وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، جميعا عن منصور، عن مجاهد عن عبيد بن عمير ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يذكر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر الله منها.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن منصور ، عن مجاهد، قال: الأوّاب: الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، أنه قال في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يذكر ذنبه ثم يتوب.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قالا ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله جلّ ثناؤه (للأوَّابِين غَفُورًا) قال: الأوّابون: الراجعون التائبون.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

قال ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: الرجل يذنب ثم يتوب ثلاثا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يتذكر ذنوبه، فيستغفر الله لها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن عطاء بن يسار، أنه قال في قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) يذنب العبد ثم يتوب، فيتوب الله عليه؛ ثم يذنب فيتوب، فيتوب الله عليه؛ ثم يذنب الثالثة، فإن تاب، تاب الله عليه توبة لا تُمْحَى.

وقد رُوي عن عبيد بن عمير، غير القول الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، في قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: كنا نَعُدّ الأوّاب: الحفيظ، أن يقول: اللهمّ اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الأوّاب: هو التائب ما الذنب، الراجع من معصية الله إلى طاعته، ومما يكرهه إلى ما يرضاه، لأن الأوّاب إنما هو فعَّال، من قول القائل: آب فلان من كذا إما من سفره إلى منـزله، أو من حال إلى حال، كما قال عَبيد بن الأبرص:

وكُــــلُّ ذِي غَيْبَـــةٍ يَئُـــوبُ

وغـــائِبُ المَـــوْتِ لا يَئُــوبُ (4)

فهو يئوب أوبا ، وهو رجل آئب من سفره، وأوّاب من ذنوبه.

------------------------

الهوامش :

(4) البيت لعبيد بن الأبرص الشاعر الجاهلي (ديوانه ص 7 طبعة ليدن سنة 1913) من قصيدته التي مطلعها: "أقفر من أهله ملحوب" . يقول : كل غائب تنتظر أوبته ، إلا من مات فلا أوبة له إلى الدنيا. والبيت شاهد على أن الأواب الرجاع، الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، من آب يئوب إذا رجع (انظر اللسان: أوب). وفيه أيضا : قال أبو بكر في قولهم : رجل أواب ، سبعة أقوال : الراحم ، والتائب ، والمسبح ، والذي يرجع إلى التوبة ثم يذنب ثم يتوب ، والمطيع، والذي يذكر ذنبه في الخلاء ، فيستغفر الله منه. أ هـ . وكل هذه المعاني راجعة إلى المعنى اللغوي ، وهو الرجوع عن الشيء إلى غيره.

التدبر :

وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ لكمال علمه فإنه؛ (ﻻ يعاجل) بالفضيحة وهو خير الغافرين.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ (الله ﻻ غيره) يعلم ما في النوايا.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ قد تتعثر محاولاتك في بر والديك، وتخفق اجتهاداتك في إرضائهما، لكن الله يعلم نيتك، إنه أرحم بالولد من والديه.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُم﴾ جاءت بعد: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [23]، وفيها تسلية لمن يقر بفضل والديه، يحبهم، يدعو لهم، لكنه لم يوفق في برهم .
عمل
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ لا يضرك ظُنون الخلق وآراؤهم فيك! أصلح ما بينك وبين الله، فهو بك أعلم!
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ ندير علاقاتنا ولو مع أقرب الأحبة بحذر شديد لئلا يساء فهمنا، لكن مع الله لا نقلق، لأنه يعلم بِنِيَّاتنا.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ يعلم ما تضمرون ويفهم رغباتكم! فلن يضيع خيرًا نويته، وحِيلَ بينك وبينه، فلكل امرئ ما نوى.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ إن تألمتَ لقولٍ ليس فيك، فيكفيك عِلْمُ الله بما فيك.
وقفة
[25] مهما أخفيتم الرياء والنفاق ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُم﴾.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ أرِح قلبك، لا يضيع الله صدق النوايا.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ قد تعجز عن وصف آلامك وشرح أوجاعك؛ لست بحاجة لذلك، الله أعلم بها، لكن قل: «يا رب».
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ اكذب على من شئت، نافق من شئت، تصنَّع كيفما شئت؛ ولكن تأكَّد: كل هذه الحيل مكشوفة عند الله.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ قد يسيء بعض الناس بك الظن، وقد يظنُّك آخرون أطهر من ماء الغمام، ولن ينفعك هؤلاء، ولن يضرك أولئك، المهم هو حقيقتك وما يعلمه الله عنك؛ فأصلح ما بينك وبين الله، ثم امضِ مطمئنًّا.
اسقاط
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ لو قال لك ملك: «لا تقلق، أنا أعرف ما يمر بك»؛ لافترش قلبك السكون وتغطى بالاطمئنان، ملك الملوك سبحانه يقولها لنا؛ فاطمئنوا.
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ إياك أن يكون برك بأبويك نفاقًا ورياء؛ سارع بالرجوع، فربك عفوٌّ غفور.
تفاعل
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ قل: «اللهم أصلح لنا أحوالنا».
وقفة
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ لا تحزنْ حتَّى وإنْ لم يعلم أحد صِدقَ نواياك؛ فإن الله يعلم جميع النَّوايا التي في داخلك.
عمل
[25] ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ لا تضرك ظنون الخلق وآراؤهم، أَصلِح ما بينك وبين الله، ثم امض فـ (هو أعلم بك).
وقفة
[25] قد تتلعثمُ كلماتُك، وتـتعثرُ حـروفـُك، وتــهربُ لـغـتُك، لكنَّ اللهَ يعلمُ من قلبِك أنك تحِبُّه ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾.
وقفة
[25] لكل كلمة لم تستطع البوح بها، لكل إحسان لم تستطع إيصاله، لكل خطأ لم تقصده، لكل شخص لم يفهمك: ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾.
وقفة
[25] ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ علم الله بما في قلوب الأبناء من اللوعة والندم من التقصير؛ فطمأنهم سبحانه.
عمل
[25] ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ الناس تجهل ما في نفسك، والله وحده يعلم؛ فراقب سرك.
وقفة
[25] أصلح النية يُصلح الله لك العمل ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾.
وقفة
[25] بر الوالدين ليس تفضُّلًا من الولد، ولا مجرد واجب يؤديه على مضض، وإنما اعتراف بالجميل، وردٌّ لجزء يسير لصاحبي الفضل العظيم، وهو دين تسدِّد بعضه لوالديك، وقبل ذلك معاملة مع الله المطَّلع على السر وأخفى، القائل: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾.
وقفة
[25] ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ قال سعيد بن المسيب : «هو الذي يصيب الذنب ثم يتوب، ويصيب الذنب ثم يتوب».
وقفة
[25] ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ الأوابين: جمع أوَّاب، وهو الراجع إلى الله تعالى.
وقفة
[25] ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ ليس لك إلا الله.

الإعراب :

  • ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ:
  • رب: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. الكاف ضمير المخاطبين في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. أعلم: خبر مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن أفعل-صيغة-تفضيل وبوزن الفعل.
  • ﴿ بِما فِي نُفُوسِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بأعلم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. في نفوسكم: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف بتقدير: بما وجد أو يعتمل في نفوسكم أو بما هو مستقر بنفوسكم من قصد البر بوالديكم. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة «استقر في نفوسكم» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. تكونوا: فعل مضارع ناقص فعل الشرط‍ مجزوم بان وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «تكون» والألف فارقة. صالحين: خبرها منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى: ان تكونوا قاصدين للصلاح.
  • ﴿ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مسبوق بحرف توكيد مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: واقعة في جواب الشرط‍. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إنّ».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. للأوابين أي للتوابين: جار ومجرور متعلق بخبر كان وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. غفورا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. والجملة الفعلية كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً» في محل رفع خبر «ان». '

المتشابهات :

الإسراء: 25﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ
الإسراء: 54﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ
الإسراء: 84﴿قُلۡ كُلّٞ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَـ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلٗا
الكهف: 19﴿وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد الأمرِ بالإحسانِ إلى الوالدين والتواضع والتذلل لهما، وقد يَظهَرُ من الولَد نادِرةٌ مُخِلَّةٌ بتَعظيمِ والديه؛ لذا بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّه عالمٌ بأحوالِ قُلوبِكم، فإن كانت تلك الهَفوةُ ليست لأجلِ العُقوقِ، بل ظهَرت بمقتضى الجبِلَّةِ البَشريَّةِ، كانت في محَلِّ الغُفرانِ، قال تعالى:
﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [26] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ ..

التفسير :

[26] وأحسِنْ إلى كل مَن له صلة قرابة بك، وأعطه حقه من الإحسان والبر، وأعط المسكين الذي لا يَمْلك ما يكفيه ويسدُّ حاجته، والمسافر المنقطع عن أهله وماله، ولا تنفق مالك في غير طاعة الله، أو على وجه الإسراف والتبذير.

يقول تعالى:{ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} من البر والإكرام الواجب والمسنون وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة.

{ وَالْمِسْكِينَ} آته حقه من الزكاة ومن غيرها لتزول مسكنته{ وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو الغريب المنقطع به عن بلده، فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه

قال أبو حيان في البحر: «لما أمر الله- تعالى- ببر الوالدين، أمر بصلة القرابة. قال الحسن: نزلت في قرابة النبي صلى الله عليه وسلم. والظاهر أنه خطاب لمن خوطب بقوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ ... وألحق هنا ما يتعين له من صلة الرحم، وسد الخلة، والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه. قال نحوه: ابن عباس وعكرمة والحسن وغيرهم» .

والمراد بذوي القربى: من تربطك بهم صلة القرابة سواء أكانوا من المحارم أم لا.

والمسكين: هو من لا يملك شيئا من المال، أو يملك مالا يسد حاجته، وهذا النوع من الناس في حاجة إلى العناية والرعاية، لأنهم في الغالب يفضلون الاكتفاء بالقليل، على إراقة ماء وجوههم بالسؤال.

وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟

قال الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا» .

وابن السبيل: هو المسافر المنقطع عن ماله سمى بذلك- كما يقول الآلوسى- لملازمته السبيل- أى: الطريق- في السفر. أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته» .

وهذا النوع من الناس- أيضا- في حاجة الى المساعدة والمعاونة، حتى يستطيع الوصول إلى بلده.

وفي هذا الأمر تنبيه إلى أن المسلمين وإن اختلفت أوطانهم ينبغي أن يكونوا في التعاطف والتعاون على متاعب الحياة كالأسرة الواحدة.

والمعنى: وأعط- أيها العاقل- ذوى قرباك حقوقهم الثابتة لهم من البر، وصلة الرحم، والمعاونة، والزيارة، وحسن المعاشرة، والوقوف إلى جانبهم في السراء والضراء، ونحو ذلك مما توجبه تعاليم دينك الحنيف.

وأعط- كذلك- المسكين وابن السبيل حقوقهما التي شرعها الله- تعالى- لهما، من الإحسان إليهما، ومعاونتهما على ما يسد حاجتهما.

وقدم- سبحانه- الأقارب على غيرهم، لأنهم أولى بالمعروف، ولأن إعطاءهم إحسان وصلة رحم.

روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم، عن سليمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة على المسكين صدقة. وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة» .

وقوله- سبحانه-: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً نهى عن وضع المال في غير موضعه الذي شرعه الله- تعالى- مأخوذ من تفريق البذر وإلقائه في الأرض كيفما كان من غير تعهد لمواقعه، ثم استعير لتضييع المال في غير وجوهه.

قال صاحب الكشاف: التبذير تفريق المال فيما لا ينبغي، وإنفاقه على وجه الإسراف، وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها، وتبذر أموالها في الفخر والسمعة، وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر الله- تعالى- بالنفقة في وجوهها، مما يقرب منه ويزلف.. .

وقال ابن كثير: وقوله وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطا، كما قال- تعالى-: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً.

وقال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق. وكذا قال ابن عباس.

وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا. ولو أنفق مدا في غير حقه كان تبذيرا .

لما ذكر تعالى بر الوالدين عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام كما تقدم في الحديث أمك وأباك ثم أدناك أدناك وفي رواية ثم الأقرب فالأقرب

وفي الحديث من أحب أن يبسط له رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه "

وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا أبو يحيى التيمي حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال لما نزلت هذه الآية ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك ثم قال لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التيمي وحميد بن حماد بن أبي الخوار

وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده لأن الآية مكية ، و فدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا

وقد تقدم الكلام على المساكين وابن السبيل في سورة براءة بما أغنى عن إعادته هاهنا

قوله تعالى ] ( ولا تبذر تبذيرا ) لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه بل يكون وسطا كما قال في الآية الأخرى ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) [ الفرقان 67 .

اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله (وآتِ ذَا القُرْبى) فقال بعضهم: عَنى به: قرابة الميت من قِبَل أبيه وأمه. أمر الله جلّ ثناؤه عباده بصلتها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عمرانُ بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا حبيب المعلم، قال : سأل رجل الحسن، قال: أُعْطِي قرابتي زكاة مالي فقال: إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الآية (وآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ).

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله (وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ) قال: صلته التي تريد أن تصله بها ما كنت تريد أن تفعله إليه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه ، عن ابن عباس، قوله ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) قال: هو أن تصل ذا القرابة والمسكين وتُحسن إلى ابن السبيل.

وقال آخرون: بل عنى به قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المزَنيّ، عن السُّديّ، عن أبي الديلم، قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السلام لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن ؟ قال: نعم، قال: أفما قرأت في بني إسرائيل (وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ) قال: وإنكم لَلْقرابة التي أمر الله جلّ ثناؤه أن يُؤتى حقه، قال: نعم.

وأولى التأويلين عندي بالصواب، تأويل من تأوّل ذلك أنها بمعنى وصية الله عباده بصلة قرابات أنفسهم وأرحامهم من قِبَل آبائهم وأمهاتهم، وذلك أن الله عزّ وجلّ عَقَّب ذلك عقيب حَضّه عباده على برّ الآباء والأمَّهات، فالواجب أن يكون ذلك حَضًّا على صلة أنسابهم دون أنساب غيرهم التي لم يجر لها ذكر، وإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: وأعط يا محمد ذا قرابتك حقه من صلتك إياه، وبرّك به، والعطف عليه، وخرج ذلك مَخْرج الخطاب لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بحكمه جميع من لزمته فرائض الله، يدلّ على ذلك ابتداؤه الوصية بقوله جلّ ثناؤه وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا فوجَّه الخطاب بقوله وَقَضَى رَبُّكَ إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ فرجع بالخطاب به إلى الجميع، ثم صرف الخطاب بقوله إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ إلى إفراده به. والمعنيّ بكل ذلك جميع من لزمته فرائض الله عزّ وجلّ، أفرد بالخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، أو عمّ به هو وجميع أمته.

وقوله (والمِسْكِينَ) وهو الذلَّة من أهل الحاجة. وقد دللنا فيما مضى على معنى المسكين بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله ( وَابْنَ السَّبِيلِ) يعني: المسافر المنقطع به، يقول تعالى: وصِل قرابتك، فأعطه حقه من صلتك إياه، والمسكين ذا الحاجة، والمجتاز بك المنقطع به، فأعنه، وقوّه على قطع سفره. وقد قيل: إنما عنى بالأمر بإتيان ابن السبيل حقه أن يضاف ثلاثة أيام.

والقول الأوّل عندي أولى بالصواب، لأن الله تعالى لم يُخصصْ من حقوقه شيئا دون شيء في كتابه، ولا على لسان رسوله، فذلك عامّ في كلّ حق له أن يُعطاه من ضيافة أو حمولة أو مَعُونة على سفره.

وقوله (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) يقول: ولا تفرّق يا محمد ما أعطاك الله من مال في معصيته تفريقا. وأصل التبذير: التفريق في السّرَف؛ ومنه قول الشاعر:

أُنــاسٌ أجارُونــا فَكـانَ جِـوَارُهُمْ

أعـاصِيرَ مِـنْ فِسْـقِ العِـرَاقِ المُبَذَّرِ (5)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي العبيدين، قال: قال عبد الله في قوله (وَلا تُبَذّرْ تَبْذيرًا) قال: التبذير في غير الحقّ، وهو الإسراف.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين، قال: سُئل عبد الله عن المبذّر فقال: الإنفاق في غير حقّ.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن أبي العُبيدين (6) ضرير البصر، أنه سأل عبد الله بن مسعود عن هذه الآية (ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) قال: إنفاق المال في غير حقه.

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العُبيدين، عن عبد الله، مثله.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار أن أبا العبيدين كان ضرير البصر، سأل ابن مسعود فقال: ما التبذير؟ فقال: إنفاق المال في غير حقه.

حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، قال: أخبرنا سلمة بن كُهيل، عن أبي العُبيدين، وكانت به زَمانة، وكان عبد الله يعرف له ذلك، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما التبذير؟ فذكر مثله.

حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو الحوءب، عن عمار بن زُريق، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مُضرِب، عن أبي العُبيدين، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدّث أن التبذير: النفقة في غير حقه.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير العنبري، قال: ثنا شعبة، قال: كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة، فأتى على دار تُبنى بجصّ وآجر، فقال: هذا التبذير في قول عبد الله: إنفاق المال في غير حقه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلا تُبَذّرْ تَبْذِيرًا) قال: المبذّر: المنفق في غير حقه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عباد، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: المبذّر: المنفق في غير حقه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس، قال: لا تنفق في الباطل، فإن المبذّر: هو المسرف في غير حقّ.

قال ابن جريج وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحقّ ما كان تبذيرا، ولو أنفق مدّا في باطل كان تبذيرا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلا تُبَذّرْ تَبْذِيرًا) قال: التبذير: النفقة في معصية الله، وفي غير الحقّ وفي الفساد.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) قال: بدأ بالوالدين قبل هذا، فلما فرغ من الوالدين وحقهما، ذكر هؤلاء وقال (لا تُبَذّرْ تَبْذِيرًا) : لا تعطِ في معاصي الله.

-----------------------

الهوامش :

(5) هو معاوية بن سبرة السوائي، أبو العبيدين: مصغر عبدين، الأعمى الكوفى. مات سنة 98 ه. (عن خلاصة الخزرجي).

(6) لم أقف على قائله، ويقال. أجار فلان فلانا : إذا خفره ومنعه أن يظلمه ظالم . وجوارهم عنا بمعنى إجارتهم . والأعاصير : جمع إعصار ، وهو الريح التي تستدير وتحمل ما على الأرض من تراب وغيره . والفسق : الخروج عن الطاعة أو عن جميل الأخلاق .

والمبذر : اسم مفعول من التبذير ، وهو تفريق المال ونحوه وإفساده بالإسراف . قال في ( اللسان : بذر ) : والتبذير : إفساد المال وإنفاقه في السرف . وقيل : التبذير : أن ينفق المال في المعاصي . أ هـ . وعلى هذا المعنى استشهد المؤلف بالبيت .

التدبر :

وقفة
[26] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ﴾ (حقه) انتبه: الحق له هو.
عمل
[26] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ وصى الله في كتابه بابن السبيل 8 مرات، وابن السبيل: الغريب، إذا رأيت الغرباء تذكر وصية الله.
وقفة
[26] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ لو لم ينزل الله في حقوق الفقراء والمحتاجين إلا هذه الآية لكفى.
عمل
[26] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ لا تنس أنك محاسب على المال.
عمل
[26] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ صل قرابتك اليوم بزيارة، أو مكالمة هاتفية، أو تصدق على أحد المحتاجين.
لمسة
[26] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ قَدَّمَ اللهُ القرابة على المساكين؛ لأن حقوقهم تهضم بحكم (حزازات النفوس).
وقفة
[26] قال أحدهم: «ما رأيت أحدًا يؤتي حق ماله من الزكاة والصدقة وهو مبذر للمال، تأمل قول الله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾».
وقفة
[26] ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ قال مجاهد: «لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيرًا، ولو أنفق مدًا في باطل كان تبذيرًا».

الإعراب :

  • ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبى:
  • الواو: عاطفة. آت: أي أعط‍: فعل أمر مبني على حذف آخره-حرف العلة-.والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. ذا: مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. القربى: أي القرابة: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ:
  • حقه: مفعول به ثان منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة أي وأعط‍ هؤلاء من مالك حقهم في الزكاة. والمسكين وابن السبيل: معطوفتان على ذَا الْقُرْبى» بواوي العطف منصوبتان بالفتحة. السبيل: مضاف إليه مجرور بالكسرة. ابن السبيل: أي المسافر.
  • ﴿ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً:
  • الواو عاطفة. لا ناهية جازمة. تبذر: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. تبذيرا: منصوبة على المصدر-مفعول مطلق-منصوب بالفتحة وحذف المفعول لمعرفته من السياق. أي ولا تبذر مالك تبذيرا. '

المتشابهات :

الإسراء: 26﴿وَ آتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا
الروم: 38﴿فَـ آتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     (وبعد أن أمرَ اللهُ عز وجل ببر الوالدين؛ أمرَ هنا بصلة القرابة) 5- الوصيةُ الخامسةُ: أداءُ حقوق الأقارب والمساكين وأبناء السببيل. 6- الوصيةُ السادسةُ: النهيُ عن التبذير، قال تعالى:
﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [27] :الإسراء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ..

التفسير :

[27] إن المسرفين والمنفقين أموالهم في معاصي الله هم أشباه الشياطين في الشر والفساد والمعصية، وكان الشيطان كثيرَ الكفران شديدَ الجحود لنعمة ربه.

{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار{ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}

وقوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ، وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً تعليل للنهى عن التبذير، وتنفير منه بأبلغ أسلوب.

والمراد بأخوة الشياطين: المماثلة لهم في الصفات السيئة، والسلوك القبيح.

قال الإمام الرازي: والمراد من هذه الأخوة، التشبه بهم في هذا الفعل القبيح، وذلك لأن العرب يسمون الملازم للشيء أخا له، فيقولون: فلان أخو الكرم والجود. وأخو السفر، إذا كان مواظبا على هذه الأعمال .

أى: كن- أيها العاقل- متوسطا في نفقتك، ولا تبذر تبذيرا. لأن المبذرين يماثلون ويشابهون الشياطين في صفاتهم القبيحة، وكان الشيطان في كل وقت وفي كل حال جحودا لنعم ربه، لا يشكره عليها، بل يضعها في غير ما خلقت له هذه النعم.

وفي تشبيه المبذر بالشيطان في سلوكه السيئ، وفي عصيانه لربه، إشعار بأن صفة التبذير من أقبح الصفات التي يجب على العاقل أن يبتعد عنها، حتى لا يكون مماثلا للشيطان الجاحد لنعم ربه.

ثم قال منفرا عن التبذير والسرف : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) أي أشباههم في ذلك

وقال ابن مسعود التبذير الإنفاق في غير حق وكذا قال ابن عباس

وقال مجاهد لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ولو أنفق مدا في غير حقه كان تبذيرا

وقال قتادة التبذير النفقة في معصية الله تعالى وفي غير الحق وفي الفساد

وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا ليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن أنس بن مالك أنه قال أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والجار والمسكين " . فقال يا رسول الله أقلل لي فقال : ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) فقال : : حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها وإثمها على من بدلها "

وقوله تعالى ] ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته ولهذا قال : ( وكان الشيطان لربه كفورا ) أي جحودا لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته بل أقبل على معصيته ومخالفته

وأما قوله ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) فإنه يعني: إنّ المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين، وكذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنة قوم وتابع أثرهم: هو أخوهم ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) يقول: وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعمها عليه جحودا لا يشكره عليه، ولكنه يكفرها بترك طاعة الله، وركوبه معصيته، فكذلك إخوانه من بني آدم المبذّرون أموالهم في معاصي الله، لا يشكرون الله على نعمه عليهم، ولكنهم يخالفون أمره ويعصُونه، ويستنون فيما أنعم الله عليهم به من الأموال التي خوّلهموها عزّ وجل سنته من ترك الشكر عليها، وتلقِّيها بالكُفران.

كالذي حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (إِنَّ المُبَذّرِينَ): إن المنفقين في معاصي الله ( كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ).

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ المبذر (يحرم) أخاه من اﻹيمان، و(ينفع) أخاه من الشيطان.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ تبذيرك الذي تروم به نيل ثناء وشهرة ورياسة؛ إنما هو محض رضا منك بمؤاخاة من أمرنا الله بالاستعاذة منهم.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ رسالة إلى المسرفين بالنِّعم بحجة الكرم: احذر أن تكون من أصحاب الشيطان.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ فكر جيدًا ورتب نفقاتك، فلا تنثرها يمنة ويسرة، كما تنثر البذور، فلربما ترعرعت بذورك في حقول معاصٍ، فاقتربت من مسالك الشياطين.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ من أنفق ماله في الشهوات زائدة على قدر الحاجات، وعرضه بذلك للنفاد؛ فهو مبذر.
عمل
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ اكتب رسالة تبيِّن فيها خطر التبذير والإسراف.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ إلى الذين يعبثون بالأموال ويبذرونها ليحذروا أن يكونوا من إخوان الشياطين.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ يحرِّم الإسلام التبذير، والتبذير إنفاق المال في غير حقه.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ الإسراف يكون بالإنفاق بكثرة على شيء حلال، والتبذير يكون بالإنفاق سواءً بكثرة أو قلة في شيء حرام.
وقفة
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ قال ابن عاشور: «التبذير يدعو إليه الشيطان؛ لأنه إما إنفاق في الفساد، وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات، فيعطل الإنفاق في الخير، وكل ذلك يرضي الشيطان، فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وإخوانه».
تفاعل
[27] ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
عمل
[27] ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ لا تجحد نعمة ربك عليك بترك طاعته، بل اشكره واحرص على هجر معصيته.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ:
  • رف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. المبذرين: اسم «إنّ» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ كانُوا إِخْاانَ الشَّياطِينِ:
  • الجملة في محل رفع خبر «إنّ».كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. اخوان: خبر «كان» منصوب بالفتحة. الشياطين: مضاف إليه مجرور بالكسرة. أي كانوا اخوان الشياطين في الشر.
  • ﴿ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً:
  • الواو: عاطفة. كان: فعل ماض مبني على الفتح. الشيطان: اسم «كان» مرفوع بالضمة. لربه: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر كان. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. كفورا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. والكلمة للمبالغة أي كثير الكفر. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     وبعد النهي عن التبذير؛ شَبَّه اللهُ عز وجل هنا المبذرَ بالشَّيطان، وجعله أخًا مماثلًا له؛ لأنه تجاوزَ الحدَّ في الإنفاقِ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف