5412526272829

الإحصائيات

سورة الحديد
ترتيب المصحف57ترتيب النزول94
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات4.20
عدد الآيات29عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.70
ترتيب الطول42تبدأ في الجزء27
تنتهي في الجزء27عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الثناء على الله: 8/14_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (25) الى الآية رقم (27) عدد الآيات (3)

= وأنَّ الغايةَ من إرسالِ الرُّسُلِ هي هدايةُ النَّاسِ، ثُمَّ بيانُ وحدةِ النُّبوةِ ووحدةِ التشريعِ، فما جاءَ أحدٌ بعدَ نوحٍ وإبراهيمَ بالنُّبوةِ إلا من سلالتِهما وعلى منهجِهما، ثُمَّ ذكرَ عيسى عليه السلام وبعضَ صفاتِ أتباعِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (28) الى الآية رقم (29) عدد الآيات (2)

وعدُ المؤمنينَ به ﷺ بعدَ الإيمانِ بالأنبياءِ قبلَه بِـ: مضاعفةِ الثَّوابِ، والنُّورِ على الصِّراطِ، ومغفرةِ الذُّنوبِ، ثُمَّ بيانُ فضلِ اللهِ على عبادِهِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحديد

التوازن بين المادية والروحانية/ الدعوة إلى الإيمان والإنفاق في سبيل الجهاد لنصرة الدين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • التوازن::   قبل أن نبدأ مع آيات السورة: لا بد أن نذكر حقيقة محزنة، أن أمتنا التي تقرأ في كتابها سورة الحديد لا تعرف كيف تصنع الحديد، أن هناك آية محورية في السورة لكنها غائبة عن حياتنا وعن أمتنا: ﴿وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ (25). فالحديد هو -بلغة اليوم- رمز للصناعات الثقيلة، واستخدام هذه الصناعات كما بينت الآية هو: ﴿بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أي الصناعات الحربية، ﴿وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ أي الصناعات التكنولوجية والمتطورة، فهو محور أساسي في صناعات الأمم في حالتي الحرب والسلم، أين نحن من سورة الحديد، وأين نحن من التطور العلمي والصناعي والتكنولوجي؟ بعد هذه الحقيقة الصعبة، تعالوا نفهم مراد ربنا من هذه السورة، حتى نفهم توازن الإسلام وشموله ونمضي في ركب التطور والحضارة.
  • • أمة وسط::   هناك ناس تفرغوا تمامًا للعمل المادي فقست قلوبهم، وهناك ناس تفرغوا تمامًا للعبادة الروحانية فترهبنوا، وكلاهما فشل، فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنتم أمة متوازنة بين العبادة وبين النجاح في الحياة، فالسورة تقول مخاطبة أمة محمد: أنتم لا ماديين كبني إسرائيل ولا متفرغين للروحانية كالنصارى، إنما أنتم متوازنون بين الاثنين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الحديد».
  • • معنى الاسم ::   الحديد: هو المعدن المعروف.
  • • سبب التسمية ::   لِوُقُوعِ لَفْظِ «الْحَدِيدِ» فِيهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ (25)، ولفظ الحديد ورد في سور أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الموازنة بين المادية والروحانية.
  • • علمتني السورة ::   التسابيحُ تملأُ كلَّ شئٍ حَولَنا، شاركْ الكَونَ: سَبِّح: ﴿سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أسباب إطفاء نور المنافقين والمنافقات يوم القيامة: فتنوا أنفسهم بالملذات والمعاصي، يسوفون التوبة، يتوعدون الذين آمنوا، يشككون في يوم البعث، غرتهم الأماني في الحياة الدنيا، استمروا على ذلك حتى ماتوا، وكان وراء ذلك الشيطان: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن حقيقة الحياة الدنيا: لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر في الأموال والأولاد، متاع، فلزم الحذر منها ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».
    وسورة الحديد من المفصل الذي فُضِّل به النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «...وإنَّ لكلّ شيءٍ لُبابًا، وإنَّ لُبابَ القُرآنِ المُفَصَّلُ».
    وسورة الحديد من المفصل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • بنهاية سورة الحديد ينتهي النصف الأول للقرآن الكريم بحسب عدد سوره البالغة 114 سورة، فمن الفاتحة إلى الحديد 57 سورة، ومن المجادلة إلى الناس 57 سورة أيضًا.
    • ويلاحظ أن النصف الأول لعدد سور القرآن استغرق تسعة أعشار القرآن (90%)، بينما النصف الثاني من عدد سور القرآن استغرق عُشْر القرآن (10%) فقط، وهذا يدل على أن سور القرآن روعي في ترتيبها طول السورة في الغالب.
    • سورة الحديد تعتبر السورة الثانية -بحسب ترتيب المصحف- من سور المُسَبِّحات، وهي سبع سور افتتحت بالتسبيح، وهي: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نفهم توازن الإسلام وشموله ونمضي في ركب التطور والحضارة.
    • ألا نكون أقل خلق الله تسبيحًا: ﴿سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (1).
    • أن نحرص على تعلم أسماء الله الحسنى والتعبد بها: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (3).
    • أن نحسن العمل، ولا نجعل الله أهون الناظرين إلينا؛ فهو بصير بما نعمل: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (4).
    • أن ننفق من أموالنا ولا نبخل: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (7).
    • أن نبتعد عن الأماني؛ فهي رأس مال المفاليس: ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ وَغَرَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾ (14).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الزهد في الدنيا: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ (20).
    • أن نسارع لنكون في الصف الأول خلف الإمام: ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ (21).
    • أن نصبر على أقدار الله، ونحتسب الأجر، ولا نتكبر في حال الفرح: ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (23).
    • أن نتبرع لعمل خيري لنصرة هذا الدين: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (25).

تمرين حفظ الصفحة : 541

541

مدارسة الآية : [25] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا ..

التفسير :

[25] لقد أرسلنا رسلنا بالحجج الواضحات، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، وأنزلنا الميزان؛ ليتعامل الناس بينهم بالعدل، وأنزلنا لهم الحديد، فيه قوة شديدة، ومنافع للناس متعددة، وليعلم الله علماً ظاهراً للخلق من ينصر دينه ورسله بالغيب. إن الله قوي لا يُق

يقول تعالى:{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} وهي الأدلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به وحقيته.

{ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم،{ وَالْمِيزَانَ} وهو العدل في الأقوال والأفعال، والدين الذي جاءت به الرسل، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق، وفي الجنايات والقصاص والحدود [والمواريث وغير ذلك]، وذلك{ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} قياما بدين الله، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها، وهذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع، وهو القيام بالقسط، وإن اختلفت أنواع العدل، بحسب الأزمنة والأحوال،{ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} من آلات الحرب، كالسلاح والدروع وغير ذلك.

{ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وهو ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات والحرف، والأواني وآلات الحرث، حتى إنه قل أن يوجد شيء إلا وهو يحتاج إلى الحديد.

{ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} أي:ليقيم تعالى سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد، فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب، التي ينفع فيها الإيمان قبل الشهادة، التي لا فائدة بوجود الإيمان فيها، لأنه حينئذ يكون ضروريا.

{ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي:لا يعجزه شيء، ولا يفوته هارب، ومن قوته وعزته أن أنزل الحديد الذي منه الآلات القوية، ومن قوته وعزته أنه قادر على الانتصار من أعدائه، ولكنه يبتلي أولياءه بأعدائه، ليعلم من ينصره بالغيب، وقرن تعالى في هذاالموضع بين الكتاب والحديد، لأن بهذين الأمرين ينصر الله دينه، ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر بإذن الله، وكلاهما قيامه بالعدل والقسط، الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله، وكمال شريعته التي شرعها على ألسنة رسله.

والمراد بالبينات في قوله- تعالى-: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ الحجج والدلائل التي تشهد لهم بأنهم رسل من عند الله- تعالى- وتدخل فيها المعجزات دخولا أوليا.

والمراد بالكتاب: جنس الكتب. وتشمل التوراة والإنجيل وغيرهما.

والميزان: الآلة المعروفة بين الناس لاستعمالها في المكاييل وغيرها.. والمراد بها العدل بين الناس في أحكامهم ومعاملاتهم.

وشاع إطلاق الميزان على العدل، باستعارة لفظ الميزان على العدل، على وجه تشبيه المعقول بالمحسوس، والمراد بإنزاله: تبليغه ونشره بين الناس.

أى: بالله لقد أرسلنا رسلنا، وأيدناهم بالحجج والبراهين الدالة على صدقهم، وأنزلنا معهم كتبنا السماوية، بأن بلغناهم إياها عن طريق وحينا، وأنزلنا معهم العدل بأن أرشدناهم إلى طرقه، وإلى إعطاء كل ذي حق حقه.

قال ابن كثير: يقول الله- تعالى-: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ أى:

بالمعجزات، والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وهو النقل الصدق وَالْمِيزانَ وهو العدل أو وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة .

وأكد- سبحانه- هذا الإرسال، للرد على أولئك الجاحدين الذين أنكروا نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولبيان أنه واحد من هؤلاء الرسل الكرام، وأن رسالته إنما هي امتداد لرسالتهم..

وقوله- تعالى-: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ علة لما قبله. أى: أرسلنا الرسل. وأنزلنا الكتاب وشرعنا العدل، ليقوم الناس بنشر ما يؤدى إلى صلاح بالهم، واستقامة أحوالهم، عن طريق التزامهم بالحق والقسط في كل أمورهم.

قال الآلوسى: «والقيام بالقسط» أى: بالعدل، يشمل التسوية في أمور التعامل باستعمال الميزان، وفي أمور المعاد باحتذاء الكتاب، وهو- أى: القسط- لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغي الاتصاف به، معاشا ومعادا .

وقوله- تعالى-: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ معطوف على ما قبله.

والمراد بإنزال الحديد: خلقه وإيجاده. وتهيئته للناس، والإنعام به عليهم، كما في قوله- سبحانه- وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ .

والمراد بالبأس الشديد: القوة الشديدة التي تؤدى إلى القتل وإلحاق الضرر بمن توجه إليه، أى: لقد أرسلنا رسلنا بالأدلة الدالة على صدقهم، وأنزلنا معهم ما يرشد الناس إلى صلاحهم.

وأوجدنا الحديد، وأنعمنا به عليكم، ليكون قوة شديدة لكم في الدفاع عن أنفسكم، وفي تأديب أعدائكم، وليكون كذلك مصدر منفعة لكم في مصالحكم وفي شئون حياتكم.

فمن الحديد تكون السيوف وآلات الحرب.. ومنه- ومعه غيره- تتكون القصور الفارهة، والمبانى العالية الواسعة، والمصانع النافعة.. وآلات الزراعة والتجارة.

فالآية الكريمة تلفت أنظار الناس إلى سنة من سنن الله- تعالى- قد أرسل الرسل وزودهم بالهدايات السماوية التي تهدى الناس إلى ما يسعدهم.. وزودهم- أيضا- بالقوة المادية التي تحمى الحق الذي جاءوا به وترد كيد الكائدين له في نحورهم، وترهب كل من يحاول الاعتداء عليه، كما قال- تعالى-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ .

ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: ما ملخصه: أى: وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق، وعانده بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة، تنزل عليه السور المكية، لبيان أن دين الله حق.

فلما قامت الحجة على من خالفه، شرع الله القتال بعد الهجرة، حماية للحق، وأمرهم بضرب رقاب من عاند الحق وكذبه.

وقد روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمرى، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

ولهذا قال- تعالى-: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ يعنى السلاح كالسيف والحراب.

وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ أى: في معايشهم كالفأس والقدوم.. وغير ذلك .

هذا، ومن المفسرين الذين فصلوا القول في منافع الحديد، وفي بيان لماذا خصه الله- تعالى- بالذكر: الإمام الفخر الرازي فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة، جعله الله سهل الوجدان، كثير الوجود. والذهب لما كانت حاجة الناس إليه قليلة، جعله الله- تعالى- عزيز الوجود.

وبهذا تتجلى رحمة الله على عباده، فإن كل شيء كانت حاجتهم إليه أكثر جعل الحصول عليه أيسر.

فالهواء- وهو أعظم ما يحتاج الإنسان إليه- جعل الله تعالى- الحصول عليه سهلا ميسورا.. فعلمنا من ذلك أن كل شيء كانت الحاجة إليه أكثر، كان وجدانه أسهل.

ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله- تعالى- أشد من الحاجة إلى كل شيء، فنرجوه من فضله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا، كما قال الشاعر:

سبحان من خص العزيز بعزة ... والناس مستغنون عن أجناسه

وأذل أنفاس الهواء وكل ذي ... نفس، فمحتاج إلى أنفاسه

وقوله: - سبحانه-: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ.. معطوف على محذوف يدل عليه السياق.

والمراد بقوله: وَلِيَعْلَمَ أى: وليظهر علمه- تعالى- للناس، حتى يشاهدوا آثاره.

أى: وأنزل- سبحانه- الحديد لكي يستعملوه في الوجوه التي شرعها الله وليظهر- سبحانه- أثر علمه حتى يشاهد الناس، من الذي سيتبع الحق منهم، فينصر دين الله- تعالى- وينصر رسله، ويستعمل نعمه فيما خلقت له حالة كونه لا يرى الله- تعالى-بعينيه، وإنما يتبع أمره، ويؤمن بوحدانيته ووجوده وعلمه وقدرته.. عن طريق ما أوحاه- سبحانه- إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

فقوله: بِالْغَيْبِ حال من فاعل يَنْصُرُهُ.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ أى: أن الله- تعالى- هو المتصف بالقوة التي ليس بعدها قوة وبالعزة التي لا تقاربها عزة.

وختمت الآية بهذا الختام، لأنه هو المناسب لإرسال الرسل، ولإنزال الكتب والحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس.

فكان هذا الختام تعليل لما قبله. أى: لأن الله- تعالى- قوى في أخذه عزيز في انتقامه فعل ما فعل من إرسال الرسل، ومن إنزال الحديد.

يقول تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) أي : بالمعجزات ، والحجج الباهرات ، والدلائل القاطعات ، ( وأنزلنا معهم الكتاب ) وهو : النقل المصدق ) والميزان ) وهو : العدل . قاله مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما . وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة ، كما قال : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) [ هود : 17 ] ، وقال : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) [ الروم : 30 ] ، وقال : ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) [ الرحمن : 7 ] ; ولهذا قال في هذه الآية : ( ليقوم الناس بالقسط ) أي : بالحق والعدل وهو : اتباع الرسل فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا به ، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق ، كما قال : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الإخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي . ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوءوا غرف الجنات ، والمنازل العاليات ، والسرر المصفوفات : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) [ الأعراف : 43 ] .

وقوله : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) أي : وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ; ولهذا أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ، وكلها جدال مع المشركين ، وبيان وإيضاح للتوحيد ، وتبيان ودلائل ، فلما قامت الحجة على من خالف ، شرع الله الهجرة ، وأمرهم بالقتال بالسيوف ، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده .

وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن حسان بن عطية ، عن أبي المنيب الجرشي الشامي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم "

ولهذا قال تعالى : ( فيه بأس شديد ) يعني : السلاح كالسيوف ، والحراب ، والسنان ، والنصال ، والدروع ، ونحوها . ( ومنافع للناس ) أي : في معايشهم كالسكة ، والفأس ، والقدوم ، والمنشار ، والإزميل ، والمجرفة ، والآلات التي يستعان بها في الحراثة ، والحياكة ، والطبخ ، والخبز ، وما لا قوام للناس بدونه ، وغير ذلك .

قال علباء بن أحمد ، عن عكرمة ، أن ابن عباس قال : ثلاثة أشياء نزلت مع آدم : السندان ، والكلبتان ، والميقعة ، يعني المطرقة . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .

وقوله : ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) أي : من نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسله ، ( إن الله قوي عزيز ) أي : هو قوي عزيز ، ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس ، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض .

يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصَّلات من البيان والدلائل، وأنـزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، والميزان بالعدل.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) قال: الميزان: العدل.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) بالحق (1) ؛ قال: الميزان: ما يعمل الناس، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويعطون، يأخذون بميزان، ويعطون بميزان، يعرف ما يأخذ وما يعطي. قال: والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون، فالكتاب للآخرة، والميزان للدنيا.

وقوله: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) يقول تعالى ذكره: ليعمل الناس بينهم بالعدل.

وقوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) يقول تعالى ذكره: وأنـزلنا لهم الحديد فيه بأس شديد، يقول: فيه قوّة شديدة، ومنافع للناس، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدوّ، وغير ذلك من منافعه.

وقد حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرِمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نـزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها، (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد: قوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) وجنُة وسلاح، وأنـزله ليعلم الله من ينصره.

وقوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنـزلنا معهم هذه الأشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب الله من ينصر دين الله ورسله بالغيب منه عنهم.

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله قويّ على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز في انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحلّ به من العقوبة.

------------------------

الهوامش:

(1) ‌لعله والميزان، والميزان بالحق

التدبر :

وقفة
[25] ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ﴾ المرادُ بالميزان: العدلُ أو العقل، وقيل: هو الميزان المعروف.
اسقاط
[25] ﴿لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ﴾ وما الهدف من ذلك؟ ﴿لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ﴾ فهل قمنا بالقسط؟!
وقفة
[25] ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ إقامة العدل من أعظم مقاصد إنزال الكُتب وإرسال الرسل.
وقفة
[25] ‏الآمرون بالعدل من الناس منزلتهم عظيمة، والقسط مقصد الرسالات والكتب.
وقفة
[25] لا يكتمل عدل الإنسان مع الخالق إلا إذا عدل مع المخلوق.
وقفة
[25] العدل من أهم مقاصد الشريعة.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أي: وجعلنا الحديد رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله ﷺ بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين وبيان وإيضاح للتوحيد وبيانات ودلالات، فلما قامت الحجة على من خالف شرع الله أمرهم بالهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده.
وقفة
[25] فيه إشارة لأولي الألباب إلى الوسائل التي تتيح الغلبة والقوة، وإشارة أخرى إلى أن الحق لا ينتصر بالحماس الجاهل، فمن فقد عدالة المبدأ وخبرة القدير المدرب فلا يلومن إلا نفسه!
وقفة
[25] سورة الحديد ذكر فيها الميزان مرة واحدة، فنتعلم منها أن نزن كل أعمالنا في الدنيا، ولا نبخس حقوق الناس لا ماديًّا ولا معنويًّا حتى نكون ممن ترجح موازينهم بالحسنات يوم القيامة فيكونوا من الفائزين الناجين.
وقفة
[25] إقامة دين الإسلام تنبني على أمرين: أحدهما هو ما ذكره بقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾؛ لأن في ذلك إقامة البراهين على الحق، وبيان الحجة، وإيضاح الأمر والنهي والثواب والعقاب، فإذا أصر الكفار على الكفر وتكذيب الرسل مع ذلك البيان والإيضاح، فإن الله تبارك وتعالى أنزل الحديد؛ أي: خلقه لبني آدم ليردع به المؤمنون الكافرين المعاندين؛ وهو قتلهم إياهم بالسيوف والرماح والسهام.
وقفة
[25] انشغال العالِم بإصلاح الدين وسكوته عن إصلاح الدنيا يرسخ علمانية تفصل الدين عن الدنيا، والله أمر بإصلاح الأمرين ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ بيان مكانة العدل في الشرائع السماوية.
وقفة
[25] اتباع هدى الأنبياء فيه صلاح الدين والدنيا.
وقفة
[25] لا حق بغير قوة؛ فمن رام نشر الهدي وإقامة العدل؛ وجب عليه امتلاك القوة التي تمكنه من بلوغ هدفه وتحقيق طموحه.
وقفة
[25] الحق والعلم دون قوة ضعفٌ وعجزٌ وصغار، والبأس والقوة دون شريعة بينة وميزان عادل فساد وخراب ودمار.
وقفة
[25] سعادة الناس وطمأنينتهم لا تقوم إلا بصلاح دينهم ودنياهم معا , دون إهمال جانب علي حساب آخر.
وقفة
[25] لا تكتمل رسالة العالم حتى يُصلح الدنيا بالميزان، كما يُصلح الدين بالكتاب.
عمل
[25] ﴿لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ﴾ بالعدلِ قامت السماواتُ والأرضُ، فاحرص على العدلِ في جميع شؤونِك.
وقفة
[25] الغاية من إقامة حكم الله تحقيق العدل ورفع الظلم ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، فلا يتصور إكراههم على التحاكم إلى النبي ﷺ مع عدم إيمانهم ورضاهم به.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أنزل الله الحديد مع الحديث لأنه يعلم أن من عباده من يرتدع بالأقوى ولا ينتفع بالتقوى.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ الحق لا بد له من قوة تحميه وتنشره.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ البأس الشديد في الحديد، وليس في الخطب والأشعار.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ أصل في جميع ما يتخذ منه من سلاح وغيره.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ قوام الدين قرآن يهدي وسيف ينصر.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ لن ينفع الأمة بعد رعاية الله لها إلا يدها التي تعرف كيف تستخدم الحديد في حماية العقيدة ونصرة المستضعفين.
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ قال الرازي: «ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة، جعله الله سهل الوجدان، كثير الوجود، والذهب لما كانت حاجة الناس إليه قليلة، جعله الله تعالى عزيز الوجود، وبهذا تتجلى رحمة الله على عباده، فإن كل شيء كانت حاجتهم إليه أكثر جعل الحصول عليه أيسر».
وقفة
[25] ﴿وَأَنزَلنَا الحَديدَ فيهِ بَأسٌ شَديدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ﴾ فليكن المؤمن كالحديد، ذا قوة فى نفسه ونافعًا لغيره فى نفس الوقت.
وقفة
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ ما من كلمةٍ أو فعلةٍ تنصرُ بها دينَ اللهِ إلا وهي محسوبةٌ لكَ.
وقفة
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ المراد به علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون فهذا معلوم منذ الأزل، هذا من تمام عدل الله أن لا يعاقب عباده إلا بما ظهر منهم.
وقفة
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ قال ابن عباس t: «ينصرونه ولا يبصرونه»، والمراد أنه ينصر الله عز وجل وينصر رسله وهو لم ير الله؛ ولذا قال البغوي: «أي قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة، وإنما يحَمَّد ويُثاب مَنْ أطاع الله بالغيب».
وقفة
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ ونصرُ الناس الله هو نصرهم دينه، وأما الله فغني عن النصر، وعطف ورسله أي: من ينصر القائمين بدينه، ويدخل فيه نصر شرائع الرسول ﷺ بعده.
عمل
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ادعُ الله أن ينصر هذا الدين.
عمل
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ تبرع لعمل خيري لنصرة هذا الدين.
عمل
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ اجتهد من الآن في نصرة دين الله، واستبشر بنصر الله لك.
عمل
[25] ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ عدد ثلاثة من مظاهر قوة الله تبارك وتعالى فيما تراه وتشاهده من حولك.
وقفة
[25] ﴿إن الله قوي عزيز﴾ سبحانه ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس!

الإعراب :

  • ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنا:
  • اللام لام الابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. ارسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. بالبينات: جار ومجرور متعلق بأرسل اي بالمعجزات والحجج.
  • ﴿ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها. مع: ظرف مكان-مفعول فيه-متعلق بأنزل و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة اي وانزلنا معهم الوحي
  • ﴿ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ:
  • معطوفة بالواو على «الكتاب» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة واللام لام التعليل وهي حرف جر-لام كي-يقوم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ النّاسُ بِالْقِسْطِ‍:
  • فاعل مرفوع بالضمة وجملة لِيَقُومَ النّاسُ» صلة «ان» المضمرة لا محل لها من الإعراب. و «ان» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بأنزلنا. بالقسط‍: جار ومجرور متعلق بيقوم اي ليقوم عليه الناس بالعدل.
  • ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ:
  • معطوفة بالواو على «انزلنا الكتاب» وتعرب إعرابها. فيه: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. بأس: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة والجملة الاسمية في محل نصب حال.
  • ﴿ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ:
  • صفة-نعت-لبأس مرفوعة مثلها بالضمة. ومنافع: معطوفة بالواو على «بأس» مرفوعة مثلها بالضمة ولم تنون لانها ممنوعة من الصرف على وزن-مفاعل-للناس: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لمنافع.
  • ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ:
  • الواو عاطفة. ليعلم الله: تعرب إعراب لِيَقُومَ النّاسُ». من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية بعده صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والواو عاطفة. رسله: معطوف على الهاء في «ينصره» منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. بالغيب: جار ومجرور في محل نصب حال اي غائبا عنهم.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة. قوي: خبرها مرفوع بالضمة. عزيز: صفة-نعت-لقوي او خبر ثان لان.'

المتشابهات :

آل عمران: 140﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ
المائدة: 94﴿لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّـهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ
الحديد: 25﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد التحريض على الإِنفاق في سبيل الله، وإعذار المتولين ليتداركوا صلاحهم باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن حكمته قد اقتضت أن يرسل رسله إلى الناس؛ ليهدوهم إلى طريق الحق، وأن الناس منهم من اتبع الرسل، ومنهم من أعرض عنهم، ومنهم من ابتدع أمورًا من عند نفسه، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ولَمَّا كان الإعراضُ بعدَ الإبلاغِ في الإيضاحِ مُوجِبًا للرَّدِّ على الفَسادِ بأنواعِ الجِهادِ؛ قال مُهَدِّدًا ومُمْتَنًّا، ترغيبًا وترهيبًا: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ولَمَّا كان طَلَبُ النُّصْرةِ مَظِنَّةً لتَوَهُّمِ الضَّعفِ؛ نفى ذلك، وذَكَر أنَّه غَنِيٌّ عن نُصرتِه بقُدرتِه وعِزَّتِه، وأنَّه إنَّما كَلَّفَهم الجِهادَ لِمَنفعةِ أنفُسِهم، وتحصيلِ ما يترَتَّبُ لهم مِن الثَّوابِ، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [26] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا ..

التفسير :

[26] ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم إلى قومهما، وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتب المنزلة، فمِن ذريتهما مهتدٍ إلى الحق، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله.

ولما ذكر نبوة الأنبياء عموما، ذكر من خواصهم النبيين الكريمين نوحا وإبراهيم اللذين جعل الله النبوة والكتاب في ذريتهما، فقال:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي:الأنبياء المتقدمين والمتأخرين كلهم من ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام، وكذلك الكتب كلها نزلت على ذرية هذين النبيين الكريمين،{ فَمِنْهُمْ} أي:ممن أرسلنا إليهم الرسل{ مُهْتَدٍ} بدعوتهم، منقاد لأمرهم، مسترشد بهداهم.

{ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي:خارجون عن [طاعة الله و] طاعة الرسل والأنبياءكما قال تعالى:{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ.. معطوف على جملة: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ عطف الخاص على العام.

أى: لقد أرسلنا رسلا كثيرين.. وبالله لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم، وجعلنا في ذريتهما عددا من الأنبياء، وأوحينا إليهم كتبنا، التي تهدى أقوامهم إلى طريق الحق، كالتوراة التي أنزلناها على موسى، وكالزبور الذي أنزلناه على داود.

وخص- سبحانه- نوحا وإبراهيم- عليهما السلام- بالذكر، لشهرتهما ولأن جميع الأنبياء من نسلمها.

والضمير في قوله- تعالى-: فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ أى: فمن ذريتهم من اهتدى إلى الدين الحق، وآمن به، وقام بأداء تكاليفه. وكثير من أفراد هذه الذرية فاسقون. أى: خارجون عن الاهتداء إلى الحق، منغمسون في الكفر والضلال.

يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا ، عليه السلام ، لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته ، وكذلك إبراهيم ، عليه السلام ، خليل الرحمن ، لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده ، إلا وهو من سلالته كما قال في الآية الأخرى : ( وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) [ يعني ] حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهما ; ولهذا قال تعالى :

يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا أيها الناس نوحا إلى خلقنا، وإبراهيم خليله إليهم رسولا(وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)، وكذلك كانت النبوّة في ذرّيتهما، وعليهم أنـزلت الكتب: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة ( فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ) يقول: فمن ذرّيتهما مهتد إلى الحقّ مستبصر، ( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ) يعني: من ذرّيتهما( فَاسِقُونَ ) يعني ضُلال، خارجون عن طاعة الله إلى معصيته.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[26] ﴿وَلَقَد أَرسَلنا نوحًا وَإِبراهيمَ وَجَعَلنا في ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالكِتابَ﴾ التربية مسئولية جسيمة؛ فاجتهد قدر الإمكان، ولكن النتيجة قد تكون: ﴿فَمِنهُم مُهتَدٍ وَكَثيرٌ مِنهُم فاسِقونَ﴾.
تفاعل
[26] ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
وقفة
[26] ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ دائمًا المؤمنون قلة، والأكثرية للفُسَّاق والكفار، ليس في الأمر جديد.
وقفة
[26] ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ صلة النسب بأهل الإيمان والصلاح لا تُغْنِي شيئًا عن الإنسان ما لم يكن هو مؤمنًا.
عمل
[26] ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ مهما اكتظت أسرتك بالخيِّرين الصالحين، فإن ذلك ليس ضمان لهدايتك وصلاحك، فاسلك طرق الهداية وسل ربك الإستقامة والثبات.
عمل
[26] ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ المهتدون على مر القرون قلة، فاحرص أن تكون منهم ولا تغتر بكثرة المفرِّطين.
وقفة
[26] ﴿فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ صلاحك في نفسك ليس عاصمًا لذريتك من بعدك؛ فأكثر من الدعاء: وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين.
وقفة
[26] ﴿وكثير منهم فاسقون﴾ تكررت في سورة الحديد ٣ مرات، وفي القرآن مثلها كثير؛ حتى لا يغتر أحد بالكثرة، أو يستدل بها على الحق، أهل الحق قليل.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ:
  • معطوفة على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. وابراهيم: معطوف بالواو على «نوحا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف للعجمة. في ذريتهما: جار ومجرور في مقام مفعول «جعلنا» الثاني او يكون في محل نصب حالا من النبوة والكتاب لانه متعلق بصفة مقدمة لهما والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. و «ما» علامة التثنية. والكتاب: معطوف بالواو على «النبوة» منصوب مثلها بالفتحة.
  • ﴿ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ:
  • الفاء استئنافية. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. مهتد: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين ولانه اسم نكرة ومنع من ظهور الحركة الثقل. اي فمن الذرية.
  • ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ:
  • الواو عاطفة. كثير: مبتدأ مرفوع بالضمة. منهم: اعربت. والجار والمجرور «منهم» متعلق بصفة محذوفة من كثير و «من» حرف جر بياني.
  • ﴿ فاسِقُونَ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

العنكبوت: 27﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ
الحديد: 26﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ نبُوَّةَ الأنبياءِ عُمومًا؛ ذكَرَ مِن خَواصِّهم النَّبِيَّيْنِ الكريمَينِ نُوحًا وإبراهيمَ اللَّذَينِ جَعَل اللهُ النُّبُوَّةَ والكتابَ في ذُرِّيَّتِهما، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [27] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا ..

التفسير :

[27] ثم أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات، وقفَّينا بعيسى بن مريم، وآتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه على دينه ليناً وشفقة، فكانوا متوادِّين فيما بينهم، وابتدعوا رهبانية بالغلوِّ في العبادة ما فرضناها عليهم، بل هم الذين

{ ثُمَّ قَفَّيْنَا} أي:أتبعنا{ عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} خص الله عيسى عليه السلام؛ لأن السياق مع النصارى، الذين يزعمون اتباع عيسى عليه السلام،{ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ} الذي هو من كتب الله الفاضلة،{ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} كما قال تعالى:{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} الآيات.

ولهذا كان النصارى ألين من غيرهم قلوبا، حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام.

{ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} والرهبانية:العبادة، فهم ابتدعوا من عند أنفسهم عبادة، ووظفوها على أنفسهم، والتزموا لوازم ما كتبها الله عليهم ولا فرضها، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قصدهم بذلك رضا الله تعالى، ومع ذلك{ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي:ما قاموا بها ولا أدوا حقوقها، فقصروا من وجهين:من جهة ابتداعهم، ومن جهة عدم قيامهم بما فرضوه على أنفسهم. فهذه الحال هي الغالب من أحوالهم.

ومنهم من هو مستقيم على أمر الله، ولهذا قال:{ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي:الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، مع إيمانهم بعيسى، كل أعطاه الله على حسب إيمانه{ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}

ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ والتقفيه إتباع الرسول برسول آخر يقال: قفا فلان أثر فلان.. إذا اتبعه، وقفى على أثره بفلان، إذا اتبعه إياه.. وأصله من القفا وهو مؤخر العنق.. فكأن الذي يتبع أثر غيره قد أتاه من جهة قفاه.

وضمير الجمع في قوله عَلى آثارِهِمْ يعود إلى نوح وإبراهيم وذريتهما الذين كانت فيهم النبوة والكتاب.

أى: ثم أرسلنا بعدهم رسولا بعد رسول. حتى انتهينا إلى عيسى- عليه السلام- وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ أى: أوحيناه إليه ليكون هداية لقومه.

قالوا: والإنجيل كلمة يونانية من النجل وهو الأصل، يقال: رحم الله ناجليه، أى:

والديه، وقيل: الإنجيل مأخوذ من نجلت الشيء إذا استخرجته وأظهرته. ويقال للماء الذي يخرج من البئر: نجل. وقيل هو من النجل الذي هو سعة العين، ومنه قولهم: طعنة نجلاء، أى: واسعة.

وسمى الإنجيل بهذا الاسم، لأنه سعة ونور وضياء، أنزله الله- تعالى- على نبيه عيسى، ليكون بشارة وهداية لقومه .

وأعاد- سبحانه- مع عيسى- عليه السلام- كلمة وَقَفَّيْنا للإشعار بأن المسافة التي كانت بين عيسى- عليه السلام- وبين آخر رسول من بنى إسرائيل كانت مسافة طويلة.

ثم بين- سبحانه- بعض السمات التي كانت واضحة في أتباع عيسى فقال: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ.

والرأفة: اللين وخفض الجناح، والرحمة. العطف والشفقة.

قالوا: وعطف الرحمة على الرأفة من باب عطف العام على الخاص، لأن الرأفة، رحمة خاصة، تتعلق بدفع الأذى والضر. أما الرحمة فهي أشمل وأعم، لأنها عطف وشفقة على كل من كان في حاجة إليها.

و «الرهبانية» معناها الفعلة المنسوبة إلى الرهبان. وهم النصارى المبالغون في الرهبة والخوف من الله- تعالى- والزهد في متاع الحياة الدنيا.

قال بعض العلماء: والرهبانية: اسم للحالة التي يكون عليها الراهب متصفا بها في غالب شئون دينه، والياء فيها ياء النسبة إلى الراهب على غير قياس، لأن قياس النسب إلى الراهب: الراهبية، والنون فيها مزيدة للمبالغة في النسبة، كما زيدت في قولهم: شعرانى، لكثير الشعر، ولحياني لعظيم اللحية «2» .

وقوله- تعالى-: ورهبانية ابتدعوها.. منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.

أى: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، فهو من باب الاشتغال.

ويصح أن يكون معطوفا على قوله: رَأْفَةً وَرَحْمَةً وقوله: ابْتَدَعُوها في موضع الصفة، والكلام على حذف مضاف، أى: وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة لهم.

وجملة: ما كتبناها عليهم، مستأنفة مبينة لجملة ابْتَدَعُوها.

والاستثناء في قوله: إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ منقطع.

والضمير في قوله: فَما رَعَوْها يعود لهؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية.

والمعنى: ثم أتبعنا كل رسول من ذرية نوح وإبراهيم برسول آخر، حتى انتهينا إلى عيسى- عليه السلام- فأرسلناه إلى بنى إسرائيل وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه وآمنوا به رَأْفَةً أى لينا وخفض جناح وَرَحْمَةً أى: شفقة وعطفا، وحب رهبانية مبتدعة منهم، أى: هم الذين ابتدعوها واخترعوها واختاروها لأنفسهم، زهدا في متاع الحياة الدنيا.

ونحن ما كتبنا عليهم هذه الرهبانية، وإنما هم الذين ابتدعوها من أجل أن يرضى الله عنهم فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها أى: ولكنهم بمرور الأيام، لم يحافظ كثير منهم على ما تقتضيه هذه الرهبانية من زهد وتقى وعفاف.. بل صارت طقوسا خالية من العبادة الصحيحة، ولم يصبر على تكاليفها إلا عدد قليل منهم.

ولذا ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.

أى: أما الذين استمروا على اتباعهم لعيسى- عليه السلام- وعلى الإيمان بالحق إيمانا صحيحا خاليا مما يفسده.. فقد أعطيناهم أجورهم الطيبة كاملة غير منقوصة.

وأما الذين بدلوا ما جاء به عيسى- عليه السلام- حيث كفروا به وقالوا: الله ثالث ثلاثة، أو قالوا: المسيح ابن الله فسيلقون ما يستحقونه من عقاب.

وقوله: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ يدل على أن الذين خرجوا عن الدين الحق الذي جاء به عيسى- عليه السلام- وفسقوا عن أمر ربهم.. أكثر من الذين آمنوا به إيمانا صحيحا.

قال الإمام ابن جرير: واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها.

فقال بعضهم: هم الذين ابتدعوها، ولم يقوموا بها، ولكنهم بدلوا وخالفوا دين الله الذي بعث به عيسى، فتنصروا وتهودوا.

وقال آخرون: بل هم قوم جاءوا من بعد الذين ابتدعوها فلم يرعوها حتى رعايتها، لأنهم كانوا كفارا.. فهم الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها.

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك لأن الله- تعالى- قد أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم، فدل ذلك على أن منهم من قد رعاها حق رعايتها.

وكثير منهم- أى: من الذين ابتدعوا الرهبانية- أهل معاص، وخروج عن طاعة الله- تعالى- وعن الإيمان به .

وقال الإمام الآلوسى ما ملخصه: وقوله- تعالى- ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ جملة مستأنفة.

وقوله- سبحانه-: إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ استثناء منقطع، أى: ما فرضناها نحن عليهم رأسا، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله.

وقوله- تعالى-: فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها أى: ما حافظوا عليها حق المحافظة، ذم لهم من حيث إن ذلك كالنذر، وهو عهد مع الله- تعالى- يجب رعايته، لا سيما إذا قصد به رضاه- عز وجل.

وجائز أن يكون الاستثناء متصلا من أعم العلل. أى: ما قضيناها عليهم لشيء من الأشياء، إلا ليبتغوا بها رضوان الله، ويستحقوا بها الثواب، ومن ضرورة ذلك أن يحافظوا عليها.. إلا أنهم لم يحافظوا عليها، ولم يرعوها حق رعايتها.

والفرق بين الوجهين: أن الأول يقتضى أنهم لم يؤمروا بها أصلا، وأن الثاني يقتضى أنهم أمروا بها، لابتغاء رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها.

والظاهر أن الضمير في قوله فَما رَعَوْها يعود لأولئك الذين ابتدعوا الرهبانية، والمراد نفى وقوع الرعاية من جميعهم، أى: فما رعاها كلهم بل بعضهم .

فالآية الكريمة تثنى على الذين أحسنوا اتباع عيسى- عليه السلام- فطهروا أرواحهم من كل دنس، وزهدوا في متع الحياة الدنيا.. وتذم الذين بدلوا ما جاء به عيسى- عليه السلام- وقالوا الأقوال الباطلة في شأنه، وفعلوا الأفعال القبيحة التي تغضب الله- تعالى-:

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بهذا النداء للمؤمنين فقال- تعالى:

( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل ) وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ) وهم الحواريون ( رأفة ورحمة ) أي : رأفة وهي الخشية ) ورحمة ) بالخلق .

وقوله : ( ورهبانية ابتدعوها ) أي : ابتدعتها أمة النصارى ( ما كتبناها عليهم ) أي : ما شرعناها لهم ، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم .

وقوله : ( إلا ابتغاء رضوان الله ) فيه قولان ، أحدهما : أنهم قصدوا بذلك رضوان الله ، قال سعيد بن جبير ، وقتادة . والآخر : ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله .

وقوله : ( فما رعوها حق رعايتها ) أي : فما قاموا بما التزموه حق القيام . وهذا ذم لهم من وجهين ، أحدهما : في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله . والثاني : في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله ، عز وجل .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي ، حدثنا السندي بن عبدويه ، حدثنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن جده ابن مسعود قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا ابن مسعود " . قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : " هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق ، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ، فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران ، فصبرت ونجت . ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط ، فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت ، وهم الذين ذكرهم الله ، عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )

وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا الصعق بن حزن ، حدثنا عقيل الجعدي ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن سويد بن غفلة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة ، نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم . . . " وذكر نحو ما تقدم ، وفيه : " ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) هم الذين آمنوا بي وصدقوني ( وكثير منهم فاسقون ) وهم الذين كذبوني وخالفوني "

ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر ، فإنه أحد الوضاعين للحديث ، ولكن قد أسنده أبو يعلى ، وسنده عن شيبان بن فروخ ، عن الصعق بن حزن به مثل ذلك فقوي الحديث من هذا الوجه .

وقال ابن جرير ، وأبو عبد الرحمن النسائي - واللفظ له - : أخبرنا الحسين بن حريث ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان بن سعيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : كان ملوك بعد عيسى ، عليه السلام ، بدلت التوراة والإنجيل ، فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ، فقيل لملوكهم : ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء ، إنهم يقرءون : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [ المائدة : 44 ] ، هذه الآيات ، مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم ، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ ، وليؤمنوا كما آمنا . فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل ، إلا ما بدلوا منها ، فقالوا : ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا : فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا أسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم . وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا . وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي ، ونحتفر الآبار ، ونحترث البقول ، فلا نرد عليكم ولا نمر بكم . وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ، ففعلوا ذلك فأنزل الله ، عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ) والآخرون قالوا : نتعبد كما تعبد فلان ، ونسيح كما ساح فلان ، ونتخذ دورا كما اتخذ فلان ، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم إلا القليل ، انحط منهم رجل من صومعته ، وجاء سائح من سياحته ، وصاحب الدير من ديره ، فآمنوا به وصدقوه ، فقال الله ، عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم والتوراة والإنجيل ، وبإيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقهم قال ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) [ الحديد : 28 ] : القرآن ، واتباعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) الذين يتشبهون بكم ( ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )

هذا السياق فيه غرابة ، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين الأخريين على غير هذا ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء : أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ، وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها ، فلما سلم قال : يرحمك الله ، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة ، أم شيء تنفلته ؟ قال : إنها المكتوبة ، وإنها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " . ثم غدوا من الغد فقالوا : نركب فننظر ونعتبر قال : نعم فركبوا جميعا ، فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا ، خاوية على عروشها فقالوا : تعرف هذه الديار ؟ قال : ما أعرفني بها وبأهلها . هؤلاء أهل الديار ، أهلكهم البغي والحسد ، إن الحسد يطفئ نور الحسنات ، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ، والعين تزني ، والكف ، والقدم ، والجسد ، واللسان ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعمر ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا سفيان ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس ، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل "

ورواه الحافظ أبو يعلى ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن عبد الله بن المبارك به ولفظه : " لكل أمة رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله "

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين - هو ابن محمد - حدثنا ابن عياش - يعني إسماعيل - عن الحجاج بن مروان الكلاعي ، وعقيل بن مدرك السلمي ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رجلا جاءه فقال : أوصني ، فقال : سألت عما سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبلك ، أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس كل شيء ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن ، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض . تفرد به أحمد

يقول تعالى ذكره: ثم أتبعنا على آثارهم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات على آثار نوح وإبراهيم برسلنا، وأتبعنا بعيسى ابن مريم، ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) يعني: الذين اتبعوا عيسى على منهاجه وشريعته، ( رَأْفَةٌ ) وهو أشدّ الرحمة، ( وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) يقول: أحدثوها( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) يقول: ما افترضنا تلك الرهبانية عليهم، ( إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ) يقول: لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) .

واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، فقال بعضهم: هم الذين ابتدعوها، لم يقوموا بها، ولكنهم بدّلوا وخالفوا دين الله الذي بعث به عيسى، فتنصروا وتهوّدوا.

وقال آخرون: بل هم قوم جاءوا من بعد الذين ابتدعوها، فلم يرعوها حقّ رعايتها، لأنهم كانوا كفارا، ولكنهم قالوا: نفعل كالذي كانوا يفعلون من ذلك أوّليًّا، فهم الذين وصف الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها.

وبنحو الذي قلنا في تأويل هذه الأحرف، إلى الموضع الذي ذكرنا أن أهل التأويل فيه مختلفون في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) فهاتان من الله، والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تُكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، فما رعوها حقّ رعايتها، ذُكر لنا أنهم رفضوا النساء، واتخذوا الصوامع.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) قال: لم تُكتب عليهم، ابتدعوها ابتغاء رضوان الله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) قال: فلم؟ قال: ابتدعوها ابتغاء رضوان الله تطوّعا، فما رَعوها حقّ رعايتها.

ذكر من قال: الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها كانوا غير الذين ابتدعوها. ولكنهم كانوا المريدي الاقتداء بهم.

حدثنا الحسين بن الحريث [أبو عمار المَرْوزِيّ] قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت ملوك بعد عيسى بدّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل، فقيل لملكهم: ما نجد شيئا أشدّ علينا من شتم يشتُمناه هؤلاء، أنهم يقرءون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ هؤلاء الآيات، مع ما يعيبوننا به في قراءتهم، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا به، قال: فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل، إلا ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك فدعونا؛ قال: فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نردّ عليكم، وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الأرض، ونهيم ونشرب كما تشرب الوحوش، فإن قدرتم علينا بأرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنوا لنا دورا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، فلا نردّ عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحد من أولئك إلا وله حميم فيهم؛ قال: ففعلوا ذلك، فأنـزل الله جلّ ثناؤه ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )، الآخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم؛ قال: فلما بعث النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولم يبق منهم إلا قليل، انحطّ رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وجاء صاحب الدار من داره، وآمنوا به وصدّقوه، فقال الله جلّ ثناؤه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: أجرين لإيمانهم بعيسى، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتصديقهم به. قال: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ : القرآن، واتباعهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقال لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا داود بن المحبر، قال: ثنا الصعق بن حزن، قال: ثنا عقيل الجعدّي، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن سويد ين غفلة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " اخْتَلَفَ مَنْ كانَ قَبْلَنا على إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، نَجا مِنْهُمْ ثَلاثُ وَهَلَكَ سائِرُهُمْ: فِرْقَةٌ مِنَ الثَّلاثِ وَازَتِ المُلُوكَ وََقاتَلَتْهُمْ على دِينِ اللهِ ودِين عيسَى ابنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَتْهُمُ المُلُوكُ؛ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طاقَةٌ بِمُوَازَاة المُلُوكِ، فأقامُوا بَينَ ظَهْرَانَيْ قَوْمَهِمْ يَدْعُونَهُمْ إلى دِينِ اللهِ ودِينِ عيسى ابن مَرْيم صَلَواتُ اللهُ عَليْه، فَقَتَلَتْهُمُ المُلُوكُ، وَنَشَرَتَهُمْ بالمَناشِير؛ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طاقَةٌ بِمُوَازَاةِ المُلُوكِ، وَلا بالمُقام بَينَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ يَدْعُونَهُمْ إلى دينِ اللهِ ودِينِ عيسَى صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، فَلَحِقُوا بالبَرَارِي والجبالِ، فَتَرَهَّبُوا فيها، فَهُوَ قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَلَّ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) قال: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله، ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) قال: ما رعاها الذين من بعدهم حقَّ رعايتها، ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) قال: وهم الذين آمنوا بي، وصدّقوني. قال ( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) قال: وفهم الذين جحدوني وكذّبوني.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا )، قال الآخرون: ممن تعبد من أهل الشرك، وفني من فني منهم، يقولون: نتعبَّد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، وهم في شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم.

* ذكر من قال: الذين لم يرعوها حق رعايتها: الذين ابتدعوها.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبى، قال ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) .... إلى قوله : ( حَقَّ رِعَايَتِهَا ) يقول: ما أطاعوني فيها، وتكلَّموا فيها بمعصية الله، وذلك أن الله عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا قليل، وكثر أهل الشرك، وذهب الرسل وقهروا، اعتزلوا في الغيران، فلم يزل بهم ذلك حتى كفرت طائفة منهم، وتركوا أمر الله عزّ وجلّ ودينه، وأخذوا بالبدعة وبالنصرانية وباليهودية، فلم يرعوها حقّ رعايتها، وثبتت طائفة على دين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، حين جاءهم بالبينات، وبعث الله عزّ وجلّ محمدا رسولا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهم كذلك، فذلك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ... إلى وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ): كان الله عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قيل أن يبعث محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا القليل، وكثر أهل الشرك، وانقطعت الرسل، اعتزلوا الناس، فصاروا في الغيران، فلم يزالوا كذلك حتى غيرت طائفة منهم، فتركوا دين الله وأمره، وعهده الذي عهده إليهم، وأخذوا بالبدع، فابتدعدوا النصرانية واليهودية، فقال الله عزّ وجلّ لهم: ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )، وثبتت طائفة منهم على دين عيسى صلوات الله عليه، حتى بعث الله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فآمنوا به.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال ثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن الله كتب عليكم صيام رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه، وإن قوما ابتدعوا بدعة لم يكتبها الله عليهم، ابتغوا بها رضوان الله، فلم يرعوها حق رعايتها،فعابهم الله بتركها، فقال: ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) .

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدلّ بذلك على أن منهم من قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك، لم يكن مستحقّ الأجر الذي قال جلّ ثناؤه: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ )، إلا أن الذين لم يرعوها حقّ رعايتها ممكن أن يكون كانوا على عهد الذين ابتدعوها، وممكن أن يكونوا كانوا بعدهم، لأن الذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعوها، فجائز في كلام العرب أن يقال: لم يرعها القوم على العموم. والمراد منهم البعض الحاضر، وقد مضى نظير ذلك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب.

وقوله: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: فأعطينا الذين آمنوا بالله ورسله من هؤلاء، الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على ابتغائهم رضوان الله، وإيمانهم به وبرسوله في الآخرة، وكثير منهم أهل معاص، وخرج عن طاعته، والإيمان به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) قال: الذين رعوا ذلك الحقّ.

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ يجعل الله في قلوب عباده من الرحمة بحسب متابعتهم للرسل.
وقفة
[27] كان النصارى ألين من غيرهم قلوبًا حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام.
وقفة
[27] خير أتباع الأنبياء قلبٌ امتلأ رأفة ورحمة، رب املأ قلوبنا منهما.
وقفة
[27] قال الله عن عيسى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾، فكل نصراني ليس في قلبه رأفة ورحمة فاتباعه كاذب.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ العقل البشري يربي على التعذيب، أما الوحي فيربي على التعبيد.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ بيان تحريم الابتداع في الدين.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ تعذيب لأنفسهم, ومن فوائد الآية: أن العقل البشري يربي على التعذيب، أما الوحي فيربي على التعبيد, وفرق بينهما كالفرق بين الله وخلقه.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ الله يأمرنا بالاتباع، لا بالابتداع.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ من ابتدع بدعة لم يوفق لإقامتها ولو اجتهد, فما بني على باطل آل إلي باطل.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ ذم الله الغلو في العبادة وحرمه، فكيف بالغلو الذي يستبيح الدماء، ويجعل التكفير سيفًا مصلتًا على رقاب أهل الإسلام!
وقفة
[27] عن عبد الرحمن بن عمر قال: ذُكِر عند عبد الرحمن بن مهدي قوم من أهل البدع، واجتهادهم في العبادة، فقال: لا يقبل الله إلا ما كان على الأمر والسُنّة؛ ثم قرأ: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾، فلم يقبل ذلك منهم، ووبَّخهم عليه، ثم قال: الزم الطريق والسنة.
وقفة
[27] ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾، ثم يقول: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾، ذم الله من لم يرعَ قربة ابتدعها لله، فكيف بمن لم يرعَ قربة شرعها الله لعباده!
لمسة
[27] قال الإمام الآلوسي: «وقوله سبحانه: ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّـهِ﴾ استثناء منقطع، أي: ما فرضناها نحن عليهم رأسًا، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله».
وقفة
[27] ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ ابتدعوها من أجل أن يرضي الله عنهم، ولكن بمرور الأيام، لم يحافظ كثير منهم على ما تقتضيه هذه الرهبانية من زهد و تقي، بل صارت طقوسًا خالية من الروح.

الإعراب :

  • ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنا:
  • حرف عطف. قفا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل اي ثم اتبعنا.
  • ﴿ عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا:
  • جار ومجرور متعلق بقفى و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى ثم اتبعناهم. برسل: جار ومجرور متعلق بقفى و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَقَفَّيْنا بِعِيسَى:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها وعلامة جر الاسم الفتحة المقدرة على الالف للتعذر بدلا من الكسرة لانه اسم اعجمي اي وعقبناهم بعيسى.
  • ﴿ ابْنِ مَرْيَمَ:
  • بدل من «عيسى» ويجوز ان تكون صفة له مجرورة وعلامة جرها الكسرة و «ابن» مضاف. مريم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف للعجمة.
  • ﴿ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ:
  • الواو عاطفة. آتينا: تعرب إعراب «قفينا» والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به اول. الانجيل: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ:
  • الواو عاطفة. جعلنا: تعرب إعراب «قفينا».في قلوب: جار ومجرور متعلق بجعل.
  • ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. اتبعوه: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. وجملة «اتبعوه» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ورحمة ورهبانية: معطوفتان بواوي العطف على «رأفة» منصوبتان مثلها وعلامة نصبهما الفتحة.
  • ﴿ ابْتَدَعُوها:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت-لرهبانية اي مبتدعة عندهم. ابتدعوا: تعرب إعراب «اتبعوا» و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ما كَتَبْناها:
  • الجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب لانها تفسيرية او في محل نصب صفة ثانية لرهبانية ويجوز ان تكون في محل نصب حالا لها بعد تعريفها اي بعد تخصيصها بالوصف. ما: نافية لا عمل لها. كتبنا: تعرب إعراب «قفينا» و «ها» اعربت في «ابتدعوها».
  • ﴿ عَلَيْهِمْ إِلاَّ:
  • حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بكتب. الا: اداة استثناء
  • ﴿ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ:
  • مستثنى بالا-استثناء منقطعا-منصوب وعلامة نصبه الفتحة اي ولكنهم ابتدعوها. ويجوز ان تكون بدلا من «ها» في «كتبناها» ويجوز ان تكون إلا: اداة حصر لا عمل لها و «ابتغاء» مفعولا له -لاجله او من اجله-اي ما فرضناها نحن عليهم لعلة من العلل الا ابتغاء رضوان الله. رضوان: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ فَما رَعَوْها:
  • الفاء استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. رعوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وبقيت الفتحة دالة على الالف المحذوفة و «ها» اعربت في «ابتدعوها».
  • ﴿ حَقَّ رِعايَتِها:
  • نائب عن المصدر-المفعول المطلق-منصوب وعلامة نصبه الفتحة. رعاية: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَآتَيْنَا الَّذِينَ:
  • الفاء استئنافية. آتينا: تعرب إعراب «قفينا».الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ:
  • تعرب إعراب اِتَّبَعُوهُ رَأْفَةً» و «هم» في «اجرهم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. و «من» حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالحرف «من» والجار والمجرور متعلق بحال من الاسم الموصول «الذين».التقدير: حال كونهم منهم.
  • ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ:
  • اعربت في الآية الكريمة السادسة والعشرين.'

المتشابهات :

المائدة: 46﴿وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ
الحديد: 27﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     لَمَّا كان عيسى عليه السَّلامُ أعظَمَ مَن جاء بعْدَ مُوسى عليه السَّلامُ مِن بني إسرائيلَ؛ خَصَّه هنا بالذِّكرِ، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

رأفة:
وقرئ:
رافة، على وزن «فعالة» .

مدارسة الآية : [28] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا ..

التفسير :

[28] يا أيها الذين آمنوا امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه، وآمنوا برسوله، يؤتكم ضعفين من رحمته، ويجعل لكم نوراً تهتدون به، ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور لعباده، رحيم بهم.

وهذا الخطاب، يحتمل أنه [خطاب] لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه، ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله{ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي:نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين، ونصيب على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم، وهذا الظاهر، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين، ظاهره وباطنه، أصوله وفروعه، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم، أعطاهم الله{ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} لا يعلم وصفهما وقدرهما إلا الله تعالى أجر على الإيمان، وأجر على التقوى، أو أجر على امتثال الأوامر، وأجر على اجتناب النواهي، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى.

{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} أي:يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل، ويغفر لكم السيئات.

{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فلا يستكثرهذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك.

أى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، اتقوا الله في كل ما تأتون وما تذرون، وداوموا على الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم واثبتوا على ذلك.

يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أى: يعطكم بسبب ذلك نصيبين وضعفين من رحمته- سبحانه- وفضله.

وأصل الكفل- كما يقول القرطبي- كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط.. أى يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي، كما يحفظ الكفل الراكب من السقوط .

وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ أى: ويجعل لكم بفضله نورا تمشون به يوم القيامة. كما قال- تعالى-: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.

وَيَغْفِرْ لَكُمْ أى: ما فرط منكم من ذنوب، بأن يزيلها عنكم.

وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: واسع المغفرة والرحمة لمن اتقاه وأطاعه.

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وعد المؤمنين على تقواهم وعلى إيمانهم برسوله، أن يؤتيهم نصيبين من رحمته.. وأن يجعل لهم نورا يمشون به، فيهديهم إلى ما يسعدهم في كل شئونهم، وأن يغفر لهم ما سبق من ذنوبهم.. فضلا منه وكرما.

قالوا: وأعطى الله- تعالى- للمؤمنين نصيبين من الأجر، لأن أولهما بسبب إيمانهم بالرسول صلى الله عليه وسلم.

وثانيهما: بسبب إيمانهم بالرسل السابقين، كما أعطى مؤمنى أهل الكتاب نصيبين من الأجر: أحدهما للإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والثاني للإيمان- بعيسى- عليه السلام- الذي نسخت شريعته بالشريعة المحمدية.

قد تقدم في رواية النسائي ، عن ابن عباس : أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب ، وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في القصص وكما في حديث الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران ، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " . أخرجاه في الصحيحين

ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك ، وعتبة بن أبي حكيم ، وغيرهما ، وهو اختيار ابن جرير .

وقال سعيد بن جبير : لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله هذه الآية في حق هذه الأمة : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أي : ضعفين ، وزادهم : ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) يعني : هدى يتبصر به من العمى والجهالة ، ويغفر لكم . فضلهم بالنور والمغفرة . ورواه ابن جرير عنه .

وهذه الآية كقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) [ الأنفال : 29 ] .

وقال سعيد بن عبد العزيز : سأل عمر بن الخطاب حبرا من أحبار يهود : كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة ؟ قال : كفل ثلاثمائة وخمسون حسنة . قال : فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين . [ ثم ] ذكر سعيد قول الله ، عز وجل : ( يؤتكم كفلين من رحمته ) قال سعيد : والكفلان في الجمعة مثل ذلك . رواه ابن جرير

ومما يؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال : من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت اليهود . ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت النصارى . ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذي عملتم . فغضبت النصارى ، واليهود ، وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء . قال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء "

قال أحمد : وحدثناه مؤمل ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، نحو حديث نافع ، عنه

انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عن سليمان بن حرب ، عن حماد ، [ عن أيوب ، ] عن نافع به . ، وعن قتيبة ، عن الليث ، عن نافع ، بمثله

وقال البخاري : حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل المسلمين ، واليهود ، والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا : لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل . فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا : ما عملنا باطل ، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه . فقال أكملوا بقية عملكم ; فإن ما بقي من النهار شيء يسير . فأبوا ، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور " انفرد به البخاري

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، خافوا الله بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، وآمنوا برسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

كما حدثني محمد بن سعد. قال: ثني أبي، ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) يعني: الذين آمنوا من أهل الكتاب.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) يعني: الذين آمنوا من أهل الكتاب.

وقوله: ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ )، يُعطكم ضعفين من الأجر، لإيمانكم بعيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، والأنبياء قبل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثم إيمانكم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين بعث نبيا. وأصل الكفل: الحظّ، وأصله: ما يكتفل به الراكبُ، فيحبسه ويحفظه عن السقوط؛ يقول: يُحَصِّنكم هذا الكِفْل من العذاب، كما يُحَصِّن الكِفْل الراكب من السقوط.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو عمار المَرْوَزِيّ، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: أجرين، لإيمانهم بعيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتصديقهم به.

قال: ثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: أجرين: إيمانهم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وإيمانهم بعيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، والتوراة والإنجيل.

وبه عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ وهارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: أجرين.

حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) يقول: ضعفين.

قال: ثنا مهران، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن حبير، قال: بعث النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم عليه، فدعاه فاستجاب له وآمن به؛ فلما كان عند انصرافه، قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلا ائذن لنا، فنأتي هذا النبيّ، فنسلم به، ونساعد هؤلاء في البحر، فإنا أعلم بالبحر منهم، فقدموا مع جعفر على النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقد تهيأ النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لوقعة أُحُد؛ فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدّة الحال، استأذنوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالوا: يا نبيّ الله إن لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا، فجئنا بأموالنا، وواسينا المسلمين بها، فأذن لهم، فانصرفوا، فأتوا بأموالهم، فواسو ا بها المسلمين، فأنـزل الله فيهم الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ .... إلى قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين؛ فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن بقوله: يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ؛ فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين، أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا، فله أجره مرتين،ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا، فأنـزل الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ )، فجعل لهم أجرهم، وزادهم النور والمغفرة، ثم قال ( لِكَيْلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) وهكذا قرأها سعيد بن جبير ( لِكَيْلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ ).

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: ضعفين.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: والكفلان أجران بإيمانهم الأوّل، وبالكتاب الذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) يعني: الذين آمنوا من أهل الكتاب، ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) يقول: أجرين بإيمانكم بالكتاب الأوّل، والذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: أجرين: أجر الدنيا، وأجر الآخرة.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن سفيان، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن أبي موسى ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال: الكفلان: ضعفان من الأجر بلسان الحَبَشة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الشعبيّ، قال: إن الناس يوم القيامة على أربع منازل: رجل كان مؤمنا بعيسى، فآمن بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فله أجران. ورجل كان كافرا بعيسى، فأمن بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فله أجر. ورجل كان كافرا بعيسى، فكفر بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فباء بغضب على غضب. ورجل كان كافرا بعيسى من مشركي العرب، فمات بكفره قبل محمد فباء بغضب.

حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: سألت سعيد بن عبد العزيز، عن الكفل كم هو؟ قال: ثلاث مئة وخمسون حسنة، والكفلان: سبع مئة حسنة. قال سعيد: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حبرا من أحبار اليهود: كم أفضل ما ضعفت لكم الحسنة؟ قال: كفل ثلاث مئة وخمسون حسنة; قال: فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين، ثم ذكر سعيد قول الله عزّ وجلّ في سورة الحديد ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ )، فقلت له: الكفلان في الجمعة مثل هذا؟ قال: نعم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا معمر بن راشد، عن فراس، عن الشعبيّ، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْن: رَجُل آمَنَ بالكِتابِ الأوَّل والكتابِ الآخِرِ، وَرَجُلٌ كانَت لَهُ أمَةٌ فأدَّبَها وأحْسَنَ تَأدِيبَهَا، ثُمَّ أعْتَقَها فَتَزَوَّجَها، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أحْسَنَ عبادَةَ رَبِّهِ، وَنَصَحَ لسيِّده ".

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: ثني صالح بن صالح الهمداني، عن عامر، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي موسى، عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، بنحوه.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الصمد، قال ثنا شعبة، عن صالح بن صالح، سمع الشعبيّ يحدّث، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، بنحوه.

حدثني محمد بن عبد الحكم، قال: أخبرنا إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب، قال، قال يحيى بن سعيد: أخبرنا نافع، أن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: " إنَّمَا آجالُكُم فِي آجال مَن خَلا مِنَ الأمَم، كَما بَينَ صَلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْس، وإنما مَثَلُكُم وَمَثَلُ اليَهُودِ والنَّصَارى كَمَثَل رَجُل اسْتأجَرَ عُمَّالا فَقَالَ: مَن يَعْمَل مِن بُكْرَةٍ إلى نِصفِ النَّهَارِ على قِيرَاطٍ قيراط، ألا فَعَمِلَتِ اليَهُودُ ثُمَّ قَالَ: مَن يَعْمَلُ مِنْ نِصفِ النَّهَارِ إلى صَلاةِ العَصْر على قِيراطٍ قيراط، ألا فَعَمِلَتِ النَّصَارِى، ثُمَّ قَالَ: مَن يعْمَل مِن صَلاةِ العَصْر إلى مَغَارِبِ الشَّمْس على قِيراطَيْن قيراطين، ألا فَعَمِلْتُم ".

حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " مَثَلُ هَذهِ الأمَّةِ، أو قال أُمَّتِي، وَمَثَلُ اليَهُودِ والنَّصَارَى، كَمثَلِ رَجُلٍ قالَ: مَنْ يَعْمَلُ لي مِن غَدوَةٍ إلى نِصْفِ النَّهارِ على قيرَاط؟ قالَتِ اليَهودُ: نَحْنُ، فعملوا؛ قال: فَمَن يَعْملُ مِن نِصفِ النهار إلى صَلاة العَصْر على قِيرَاطِ؟ قالَتِ النَّصَارَى: نَحْنُ، فَعَمِلُوا، وأنْتُم المُسْلِمُونَ تَعْمَلُونَ مِن صَلاةِ العَصْر إلى اللَّيْلِ على قِيرَاطَيْن، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ والنَّصَارَى وقالُوا: نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلا وأقَلُّ أجْرًا، قالَ هَل ظَلَمْتُكُمْ مِن أُجُورِكُمْ شَيْئا؟ قالُوا: لا قال: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيِه مَن أشاءُ".

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث وابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أُمامة الباهليّ، أنه قال: شهدت خطبة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم حجة الوداع، فقال قولا كثيرا حسنا جميلا وكان فيها: " مَن أسْلَمَ مِن أهْل الكتَابَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذي عَلَيْنَا، وَمَن أسْلَمَ مِنَ المُشْركينَ فَلَهُ أجْرُهُ، وَلَهُ الذيِ لَنا، وَعَلَيْهِ مِثَلُ الَّذي عَلَيْنا ".

وقوله: ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ): اختلف أهل التأويل في الذي عنى به النور في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به القرآن.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو عمار المروزي، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) قال: الفرقان واتباعهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) قال: الفرقان، واتباعهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثنا أبو كُرَيب، وأبو هشام، قالا ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) قال: القرآن.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد، مثله.

وقال آخرون: عُنِي بالنور في هذا الموضع: الهدى.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( تَمْشُونَ بِهِ ) قال: هدى.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورا يمشون به، والقرآن، مع اتباع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نور لمن آمن بهما وصدّقهما، وهدى؛ لأن من آمن بذلك، فقد اهتدى.

وقوله: ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) يقول: ويصفح لكم عن ذنوبكم، فيسترها عليكم، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: والله ذو مغفرة ورحمة.

التدبر :

وقفة
[28] ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ﴾ التقوى والإيمان للمرء سبيله للنور.
عمل
[28] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ﴾ أي خافوا عقابه، فاجعلوا بينكم وبين سخطه -لأنه الملك الأعظم- وقاية بحفظ الأدب معه، ولا تأمنوا مكره، فكونوا على حذر من أن يسلبكم ما وهبكم، فاتبعوا الرسول تسلموا، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا.
وقفة
[28] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك مع أن المؤمنِين مؤمنون برسوله؟! قلتُ: معناه يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكون خطابًا لأهل الكتابِ خاصة، أو معناه: يا أيها الذين آمَنوا يوم الميثاق، آمِنوا باللَّه ورسوله اليوم، أو يا أيها الذين آمنوا في العلانية باللسان، اتقوا الله وآمنوا برسوله في السِّر بتصديق القلب.
وقفة
[28] ﴿يَا يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾ ثمرة التقوى رائعة، قال القرطبي: «وأصل الكفل كساء يكتفل به الراكب، فيحفظه من السقوط، أي يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي، كما يحفظ الكفل الراكب من السقوط».
وقفة
[28] ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ أي: بيانًا وهدى، وقال ابن عباس: هو القرآن، وقيل: ضياء تمشون به في الآخرة على الصراط، وقيل: تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام فتكونوا رؤساء في دين الإسلام، لا تزول عنكم رياسة كنتم فيها؛ وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد عليه السلام.
لمسة
[28] ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ لم يقل (فيه)؛ لأن المؤمن نوره معه أينما حلَّ، فلا يحد نوره مكان، وإنما يقتبس المكان من نوره.
وقفة
[28] ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ الصلاة نور تمشي به.
وقفة
[28] ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ قال ابن القيم: «نكتة بديعة وهي أنهم يمشون على الصراط بأنوارهم، كما مشوا بها بين الناس في الدنيا، ومن لا نور له فإنه لا يستطيع أن ينقل قدمًا عن قدم على الصراط، فلا يستطيع المشي أحوج ما يكون إليه».
تفاعل
[28] ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[28] ﴿وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ما أفقرنا إلى مغفرة منك يا رب، تمحو بها ذنوبنا وتستر عيوبنا، وإلى رحمة منك تسددنا وتصلح قلوبنا وتقوم سلوكنا!

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ:
  • اداة نداء. أي: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدل من «أي» على الموضع او في محل رفع على الحركة
  • ﴿ آمَنُوا:
  • الجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ اتَّقُوا اللهَ:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.
  • ﴿ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ:
  • معطوفة بالواو على «اتقوا» وتعرب إعرابها. برسوله: جار ومجرور متعلق بآمنوا والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يُؤْتِكُمْ:
  • فعل مضارع مجزوم لانه جواب الطلب وعلامة جزمه حذف آخره وبقيت الكسرة دالة عليه والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو اي الله سبحانه والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به اول والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ كِفْلَيْنِ:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الياء لانه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد. اي نصيبين او ضعفين لان «الكفل» هو الضعف وقيل النصيب.
  • ﴿ مِنْ رَحْمَتِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيؤتي والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة. أو يكون الجار والمجرور متعلقا بصفة محذوفة من «كفلين».
  • ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً:
  • معطوفة بالواو على «يؤت» وتعرب إعرابها وعلامة جزمها السكون. لكم: جار ومجرور متعلق بيجعل والميم علامة جمع الذكور. نورا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ تَمْشُونَ بِهِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت-لنورا وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. به: جار ومجرور متعلق بتمشون اي يوم القيامة
  • ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ:
  • معطوفة بالواو على يَجْعَلْ لَكُمْ» وتعرب إعرابها وحذف مفعولها اختصارا لانه معلوم اي ويغفر لكم ما اسلفتم من الكفر والمعاصي او ويعف عنكم.
  • ﴿ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • الواو استئنافية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع بالضمة. غفور رحيم: خبران للمبتدإ اي خبر بعد خبر مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة ويجوز ان يكون «رحيم» صفة-نعتا-لغفور والكلمتان من صيغ المبالغة فعول وفعيل بمعنى فاعل.'

المتشابهات :

البقرة: 278﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
آل عمران: 102﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
المائدة: 35﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ
التوبة: 119﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
الأحزاب: 70﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
الحديد: 28﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ
الحشر: 18﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ أن مَن آمنوا من أهل الكتاب إيمانًا صحيحًا لهم أجرهم عند ربهم؛ ذكرَ هنا أن من آمنوا منهم بعيسى أولًا، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم ثانيًا؛ يؤتيهم أجرهم مرتين، لإيمانهم بنبيهم، ثم بمحمد من بعده، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ولَمَّا كان الإنسانُ لا يخلو مِن نُقصانٍ، فلا يَبلُغُ جَميعَ ما يَحِقُّ للرَّحمنِ؛ قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [29] :الحديد     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا ..

التفسير :

[29] أعطاكم الله تعالى ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، أنهم لا يقدرون على شيء مِن فضل الله يكسِبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم، وأن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه مَن يشاء مِن عباده، والله ذو الإحسان والعطاء الكثير الوا

{ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي:بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما، واتقى الله، وآمن برسوله، لأجل أن أهل الكتاب يكون لديهم علمبأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله أي:لا يحجرون على الله بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة، فيقولون:{ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} ويتمنون على الله الأماني الفاسدة، فأخبر الله تعالى أن المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المتقين لله، لهم كفلان من رحمته، ونور، ومغفرة، رغما على أنوف أهل الكتاب، وليعلموا{ أن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله،{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الذي لا يقادر قدره].

تم تفسير سورة الحديد، ولله الحمد والمنة، والحمد لله.

وقوله- سبحانه-: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ...

رد على مزاعم أهل الكتاب أنهم شعب الله المختار، وأنهم أفضل من الأمة الإسلامية.

قال الجمل ما ملخصه: لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله- تعالى- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ... قالوا للمسلمين: أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابنا وكتباكم. ومن لم يؤمن منا بكتابكم فله أجر كأجركم، فبأى شيء فضلتم علينا؟ فأنزل الله هذه الآية.

ولا زائدة، واللام متعلقة بمحذوف، هو معنى الجملة الطلبية المتضمنة لمعنى الشرط، إذ التقدير: إن تتقوا وتؤمنوا برسوله، يؤتكم الله من فضله كذا وكذا- وقد أعلمناكم بذلك- لكي يعلم أهل الكتاب عدم قدرتهم على شيء من فضل الله.

أى: أنهم لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله.. كالكفلين من رحمته وكمغفرة الذنوب- لأنهم لم يؤمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم ولم يخلصوا العبادة له- عز وجل-.. .

وقوله- سبحانه- وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ مؤكد لما قبله، ومقرر له.

أى: ليعلم أهل الكتاب عدم قدرتهم على الظفر بشيء من فضل الله إلا إذا آمنوا بالله ورسله.. وليعلموا- أيضا- أن الفضل والعطاء بيد الله- تعالى- وحده، يمنحه لمن يشاء ويختار من عباده، وهو- سبحانه- صاحب الفضل الواسع العظيم.

وعلى هذا التفسير الذي سرنا عليه يكون المقصود من الآيتين تحريض المؤمنين من هذه الأمة على الثبات على تقوى الله- تعالى- واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، وتبشيرهم بالعطاء الجزيل إذا ما فعلوا ذلك.

والرد على المتفاخرين من أهل الكتاب، الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم ليس أحد أفضل منهم، وأن الأجر ثابت لهم سواء آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم أم استمروا على كفرهم.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، أنزل الله هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ... في حق هذه الأمة.

وهي كقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

ومما يؤيد هذا القول- أى: أن هذه الآية في حق هذه الأمة- ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ ألا فعملت اليهود.

ثم قال: من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ ألا فعملت النصارى.

ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين عملتم فغضبت النصارى واليهود، وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء. قال:

هل ظلمتكم من أجركم شيئا، قالوا لا: قال فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء .

ويرى بعض المفسرين أن الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب، فيكون المعنى: يا من آمنتم بموسى وبعيسى وبمحمد- عليهم الصلاة والسلام- اتقوا الله وآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم واثبتوا على ذلك، يؤتكم الله- تعالى- كفلين من رحمته.

وليعلم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب، أنهم لن ينالوا شيئا مما ناله المؤمنون منهم.

ومن المفسرين الذين ساروا على هذا التفسير الإمام ابن جرير، فقد قال- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية: يقول- تعالى ذكره-: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين: التوراة والإنجيل، خافوا الله، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم..

أى: يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى وبمحمد- عليهما الصلاة والسلام- .

ويبدو لنا أن الخطاب في هذه الآية للمؤمنين من هذه الأمة، على سبيل الحض والتبشير، وأن قوله- تعالى- بعد ذلك: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ... واضح في ذلك، وان جعل الخطاب لمؤمنى أهل الكتاب لا دليل عليه.

ولذا قال بعض المحققين: هذه الآية الكريمة من سورة الحديد، في المؤمنين من هذه الأمة، وأن سياقها واضح في ذلك، وأن من زعم من أهل العلم أنها في أهل الكتاب فقد غلط، وان ما وعد الله به المؤمنين من هذه الأمة، أعظم مما وعد به مؤمنى أهل الكتاب .

وبعد: فهذا تفسير لسورة «الحديد» نسأل الله- تعالى- ان يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده- وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ولهذا قال تعالى : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) أي : ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله ، ولا [ على ] إعطاء ما منع الله ، ( وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )

قال ابن جرير : ( لئلا يعلم ) أي : ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها : " لكي يعلم " . وكذا حطان بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، قال ابن جرير : لأن العرب تجعل " لا " صلة في كل كلام دخل في أوله وآخره جحد غير مصرح ، فالسابق كقوله : ( ما منعك ألا تسجد ) [ الأعراف : 12 ] ، ( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) [ الأنعام : 109 ] ، ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) [ الأنبياء : 95 ] .

آخر تفسير سورة الحديد ولله الحمد والمنة.

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أهل الكتاب، يفعل بكم ربكم هذا لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي آتاكم وخصكم به، لأنهم كانوا يرون أن الله قد فضّلهم على جميع الخلق، فأعلمهم الله جلّ ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الفضل والكرامة، ما لم يؤتهم، وأن أهل الكتاب حسدوا المؤمنين لما نـزل قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، فقال الله عزّ وجلّ: فعلت ذلك؛ ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) ... الآية، قال: لما نـزلت هذه الآية، حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنـزل الله عزّ وجلّ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ ) ... الآية، قال: ذُكر لنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: " إنَّما مَثَلُنا وَمَثَلُ أهْل الكتابَيْن قَبْلَنا، كمَثَل رَجُلٍ اسْتأجَرَ أُجُرَاءَ، يَعْمَلُونَ إلى اللَّيْلِ على قيرَاطٍ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النهارُ سَئمُوا عَمَلَهُ وَمَلُّوا، فحاسَبَهُمْ، فأعَطَاهُمْ عَلى قَدْرِ ذَلكَ، ثُمَّ اسْتأجَرَ أُجُرَاءَ إلىَ اللَّيْلِ عَلى قِيرَاطَيْن، يَعْمَلُونَ لَهُ بَقيةَ عَمَلِهِ، فَقِيلَ لَهُ ما شأنُ هَؤُلاءِ أقَلَّهُمْ عَمَلا وأكْثرهُمْ أجْرًا؟ قال: مالي أُعْطِي مَنْ شِئْتُ، فأرْجُو أنْ نَكون نَحْنُ أصحاب القِيرَاطَينِ".

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: بلغنا أنها حين نـزلت حسد أهل الكتاب المسلمين، فأنـزل الله ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) .

حدثنا أبو عمار، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) : الذين يتسمعون ( أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) .

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، مثله.

وقيل ( لِئَلا يَعْلَمَ ) إنما هو ليعلم: وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( لِكَيْ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألا يَقْدِرُونَ )، لأن العرب تجعل " لا " صلة في كلّ كلام دخل في أوّله أو آخره جحد غير مصرّح، كقوله في الجحد السابق، الذي لم يصرّح به مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ، وقوله: وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ، وقوله: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ... الآية، ومعنى ذلك: أهلكناها أنهم يرجعون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو هارون الغنويّ، قال، قال خطاب بن عبد الله: ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) .

قال: ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، قال: كان سعيد بن جُبَير يقول ( لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتاب ).

وقوله: ( وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: وليعلموا أن الفضل بيد الله دونهم، ودون غيرهم من الخلق، ( يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) يقول: يعطي فضله ذلك من يشاء من خلقه، ليس ذلك إلى أحد سواه، ( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) يقول تعالى ذكره: والله ذو الفضل على خلقه، العظيم فضله.

التدبر :

وقفة
[29] ﴿وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء﴾ الفضل كله بيد الله، ولو اجتمع الخلق جميعًا على أن يحرموك قليلًا مما قدره لك لعجزوا، فأخلص التوكل على ربك ولا تخشَ فيه أحدًا.
عمل
[29] ﴿وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء﴾ بيد الله الفضل، فارفع يديك إليه، واطلبه حاجتك، فلن يقضيها لك أحد سواه.
عمل
[29] هل تشعرُ بحسدٍ في قلبِك أطفئه بهذه الآيةِ: ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
تفاعل
[29] ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[29] ﴿وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ أي مالكه ملكًا لا ينفك عنه، ولا ملك لأحد فيه معه، ولا تصرف بوجه أصلًا؛ فلذلك يخص من يشاء بما يشاء، فلا يقدر أحد على اعتراض بوجه.
وقفة
[29] الفضل والخير خزائنه بيد الله تعالى وحده ﴿وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
وقفة
[29] من مقاصد السورة: تحذير المسلمين من الوقوع في مهواة قساوة القلب التي وقع فيها أهل الكتاب من قبلهم، من إهمال ما جاءهم من الهدى حتى قست قلوبهم، وجر ذلك إلى الفسوق كثيرًا منهم.

الإعراب :

  • ﴿ لِئَلاّ يَعْلَمَ:
  • اصلها: لان لا. اللام حرف جر. ان: حرف مصدري ناصب. لا: زائدة مؤكدة لوجوب العلم. يعلم: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة وجملة يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ» صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الإعراب. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام اي ليعلم اهل الكتاب. وقرئ لكي يعلم ولكيلا يعلم ولان يعلم وليعلم.
  • ﴿ أَهْلُ الْكِتابِ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. الكتاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ أَلاّ يَقْدِرُونَ:
  • اصلها: أن: المخففة من الثقيلة اي أنه بمعنى: ان الشأن. وفصل بين «ان» وبين الفعل الذي هو خبرها بحرف النفي وان هنا ليست ناصبة بل مخففة من «ان» الثقيلة وهي حرف مشبه بالفعل. لا: نافية لا عمل لها. يقدرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «لا يقدرون» في محل رفع خبر «أن» المخففة. والجملة من اسم «أن» وخبرها صلة «أن» لا محل لها من الإعراب. و«أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل نصب سدّ مسدّ مفعولي «يعلم».
  • ﴿ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيقدرون. من فضل: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة لشيء ولفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة اي لا ينالون شيئا مما ذكر من فضل الله.
  • ﴿ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ:
  • الواو عاطفة. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الفضل: اسم «أنّ» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. بيد: جار ومجرور متعلق بخبر «أن».الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة اي في ملكه وتصرفه.
  • ﴿ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال وهي فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به اول. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. يشاء: تعرب إعراب «يؤتي» وعلامة رفعها الضمة الظاهرة في آخرها. وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب وحذف مفعول «يشاء» اختصارا اي من يشاء ايتاءه او من يشاؤه من عباده.
  • ﴿ وَاللهُ ذُو:
  • الواو عاطفة. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. ذو: خبر المبتدأ مرفوع بالواو لانه من الاسماء الخمسة وهو مضاف.
  • ﴿ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. العظيم: صفة-نعت-للفضل مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.'

المتشابهات :

آل عمران: 73﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
الحديد: 29﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ هذا الوعد لمن آمن بكتابه، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، بأن اللهَ يضاعف لهم الأجر مرتين، وكانت اليهود يزعمون أنهم أحباء الله،وأنه لن يدخل الجنة غيرهم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنه ضاعف الأجرَ للمؤمنين، وأعطاهم نورًا؛ ليعلمَ أهل الكتاب أنهم ليسوا كما يزعمون، قال تعالى:لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ولَمَّا كان رُبَّما ظَنَّ ظانٌّ أنَّه لا يَخُصُّ بالفضلِ إلَّا لأنَّه لا يَسَعُ جَميعَ النَّاسِ؛ دَفَع ذلك بقَولِه تعالى:
﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لئلا يعلم:
1- وهى قراءة الجمهور، و «لا» زائدة.
وقرئ:
2- لأن لا يعلم، وهى قراءة خطاب بن عبد الله.
3- ليعلم، وهى قراءة عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، والجحدري، وعبد الله بن سلمة، على اختلاف.
4- لينيعلم، أصله: لأن يعلم، قلبت الهمزة ياء، لكسر ما قبلها، وأدغمت النون فى الياء بغير غنة، وهى قراءة الجحدري أيضا.
5- ليلا يعلم، مثل «ليلى» اسم امرأة، و «يعلم» بالرفع، أصله: لأن لا، بفتح لام الجر، وهى لغة، فحذفت الهمزة اعتباطا، وأدغمت النون فى اللام، فاجتمعت الأمثال، وثقل النطق بها، فأبدلوا من الساكنة ياء، فصار «ليلا» ، ورفع «يعلم» ، لأن «أن» هى المخففة من الثقيلة لا الناصبة للمضارع، والأصل: لأنه لا يعلم، ورويت عن مجاهد عن الحسن.
6- كى يعلم، ورويت عن ابن عباس.
7- لكيلا يعلم، ورويت عن ابن عباس أيضا.
8- لكى يعلم، وهى قراءة عبد الله، وابن جبير.
ألا يقدرون:
1- بالنون، و «إن» هى المخففة من الثقيلة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ألا يقدروا، بحذف النون، و «أن» للناصبة للمضارع، وهى قراءة عبد الله.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف