46341424344454647

الإحصائيات

سورة الزمر
ترتيب المصحف39ترتيب النزول59
التصنيفمكيّةعدد الصفحات8.90
عدد الآيات75عدد الأجزاء0.43
عدد الأحزاب0.85عدد الأرباع3.40
ترتيب الطول23تبدأ في الجزء23
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 7/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (41) الى الآية رقم (44) عدد الآيات (4)

= ثُمَّ بَيَّنَ لنبيِّه ﷺ أنَّه أنزلَ عليهِ القرآنَ لهدايةِ النَّاسِ، فمن اهتدى فاهتداؤُه لنفسِه، ومَن ضلَّ فضلالُه على نفسِه، وما عليكَ إلا البلاغُ، ثُمَّ بعضُ أدلَّةِ الوحدانيةِ والقدرةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (45) الى الآية رقم (48) عدد الآيات (4)

نوعٌ آخرُ من أعمالِ المشركينَ القبيحةِ: اشمئزازُهم إذا ذُكِرَ اللهُ، وإذا ذُكِرَ غيرُهُ فَرِحُوا، ثُمَّ بيانُ افتداءِ الكافرِ يومَ القيامةِ نفسَه بما في الأرضِ من أموالٍ ومثلِهِ، ولن يُقْبلَ منه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الزمر

الإخلاص لله/ المقابلات بين أحوال المؤمنين الموحِّدين وأحوال المشركين المكذبين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هدفها واضح جدًا::   أهمية الإخلاص لله، وأن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى، ونبتعد عن الرياء. فمن أراد أن يختبر نفسه ويعرف مدى إخلاصه في عمله، وهل يدخل الرياء (أو الشرك الخفي) في عمله أم لا؟ فعليه أن يقرأ سورة الزُّمَر، ويعرض قلبه على آياتها.
  • • ميزان الإخلاص::   إياك أن يكون في عملك نية لغير الله، إياك أن تقول: فلان يراني، والناس تشير إلي، وتقول: هذا يحفظ القرآن، هذا يداوم على الصلاة في المسجد. أخلص لله تعالى في عبادتك، أخلصي لله تعالى في إرضائك لزوجك وطاعتك له، أخلصوا أيها الآباء والأمهات في تربية أولادكم على طاعة الله تعالى ونصرة الإسلام، أخلصوا في حياتكم كلها لله، تضمنوا زمرة المؤمنين في الجنة، وتكونوا ممن فهم سورة الزُّمَر، وحقّق مراد ربنا من هذه السورة.
  • • أيهما أصلح لك؟:   وبعد ذلك يضرب الله لنا مثلاً جميلاً يناسب معنى الإخلاص: ﴿ضَرَبَ ٱلله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (29). فهل يستوي من يعمل عند سيد واحد ومن يعمل عند عدة أسياد؟ وهل يكون الموظف الذي عنده مدير واحد كالموظف الذي يتلقى أوامره من عدة مدراء، بآراء ووظائف مختلفة؟ لذلك تأتي بعد هذا المثل مباشرة: ﴿ٱلْحَمْدُ لله﴾؛ لأن التوحيد نعمة تريح القلب وتصون العبد من الزلل، الحمد لله على نعمة التوحيد، وأنه إله واحد؛ لأن إخلاص العمل لله أنفع لقلبك وأجمع لهمتك وأدعى لقبول العمل، تعود عليك بركته في الدنيا، وأجره مضاعفاً في الآخرة.
  • • لماذا (الزمر)؟:   وكالعادة، يبقى سؤال مهم: وهو الحكمة من تسمية سورة الإخلاص لله باسم سورة الزمر.والسبب -والله أعلم- هو أن أكثر ما يعينك على إخلاص العمل لله تعالى، أن تكون في زمرة صالحة، أي صحبة صالحة، فسميّت السورة بهذا الاسم حتى تتذكر الزمرتين، زمرة أهل الجنة وزمرة أهل النار، كلما قرأت السورة، وتختار بنفسك من يعينك على الإخلاص ويكون رفيقًا لك في الدنيا، ومرافقًا لك عند دخول الجنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة الزُّمر».
  • • معنى الاسم ::   الزُّمر: جمع زُمْرَة، والزُّمْرَة: الجماعةُ من الناس والفوجُ، والزُّمر: الجماعات.
  • • سبب التسمية ::   : ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏في آخرها ‏زُمرة ‏السعداء ‏من ‏أهل ‏الجنة، وزُمرة ‏الأشقياء ‏من ‏أهل ‏النار، ولم يُذكر لفظ (الزمر) في غيرها قط.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة الغُرَف»؛ لورود هذا اللفظ في الآية (20).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الإخلاص لله، وأن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن القرآن منزل من الله تعالى؛ فعلينا أن نتدبره ونعمل بما جاء فيه: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الله غني عن عبادتنا، وأن كل إنسان يحمل أوزاره يوم القيامة: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الخير والشر بيد الله تعالى، فلا أخشى أحدًا غيره: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ قال: «مَا في القُرآنِ آيةٌ أعظمُ فَرَجًا منْ آيةٍ في سورةِ الزُّمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (53)».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الزمر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • اهتمت السورة بالتأكيد على توحيد العبادة لله وحده.
    • اهتمت السورة أيضًا بالتأكيد على إخلاص العبادة لله وحده، والابتعاد عن الرياء، وقد تكرر مشتقات لفظ (الإخلاص) أربع مرات، مرة بلفظ (الخالص)، وثلاث مرات بلفظ (مخلصًا)، وهي تعتبر أكثر سورة تكرر فيها هذا اللفظ بعد سورة الصافات؛ حيث تكرر فيها لفظ (المخلصين) خمس مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى، ونبتعد عن الرياء.
    • أن نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (3).
    • أن نعرف الله في الرخاء كما نعرفه في الشدة: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ (8).
    • ألا نحرم أنفسنا من صلاة الليل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (9).
    • أن نهاجر في أرض الله الواسعة إذا ضيق علينا في بلد ولم نستطع إقامة شعائر الله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ﴾ (10).
    • أن نلزم الصدق من الآن في كل أقوالنا: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (33). • أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (53).
    • أن نحذر من الكذب على الله تعالى، والقول بما لا نعلم: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّـهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (60).
    • أن نخلص العبادة لله تعالى ولا تشرك به شيئًا، فالشرك محبط للأعمال الصالحة: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّـهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (65، 66).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (69، 70).

تمرين حفظ الصفحة : 463

463

مدارسة الآية : [41] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ ..

التفسير :

[41] إنا أنزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن بالحق هداية للعالمين، إلى طريق الرشاد، فمن اهتدى بنوره، وعمل بما فيه، واستقام على منهجه، فنفعُ ذلك يعود على نفسه، ومَن ضلَّ بعد ما تبين له الهدى، فإنما يعود ضرره على نفسه، ولن يضرَّ الله شيئاً، وما أنت -أيها الرسو

يخبر تعالى أنه أنزل على رسوله الكتاب المشتمل على الحق، في أخباره وأوامره ونواهيه، الذي هو مادة الهداية، وبلاغ لمن أراد الوصول إلى اللّه وإلى دار كرامته، وأنه قامت به الحجة على العالمين.

{ فَمَنِ اهْتَدَى} بنوره واتبع أوامره فإن نفع ذلك يعود إلى نفسه{ وَمَنْ ضَلَّ} بعدما تبين له الهدى{ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لا يضر اللّه شيئا.{ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، وتجبرهم على ما تشاء، وإنما أنت مبلغ تؤدي إليهم ما أمرت به.

ثم أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم عما أصابه منهم، فقال- تعالى-:

إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ....

أى: إنا أنزلنا عليك- أيها الرسول الكريم- القرآن لأجل منفعة الناس ومصلحتهم، وقد أنزلناه متلبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.

فَمَنِ اهْتَدى إلى الصراط المستقيم، وإلى الحق المبين فهدايته تعود إلى نفسه وَمَنْ ضَلَّ عن الطريق المستقيم، فإثم ضلاله. إنما يعود على نفسه وحدها.

وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِوَكِيلٍ أى: بمكلف بهدايتهم، وبإجبارهم على اتباعك، وإنما أنت عليك البلاغ، ونحن علينا الحساب.

يقول تعالى مخاطبا رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - : ( إنا أنزلنا عليك الكتاب ) يعني : القرآن ( للناس بالحق ) أي : لجميع الخلق من الإنس والجن لتنذرهم به ، ( فمن اهتدى فلنفسه ) أي : فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه ، ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) أي : إنما يرجع وبال ذلك على نفسه ، ( وما أنت عليهم بوكيل ) أي : بموكل أن يهتدوا ، ( إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) [ هود : 12 ] ، ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنا أنـزلنا عليك يا محمد الكتاب تبيانا للناس بالحقّ( فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ ) يقول: فمن عمل بما في الكتاب الذي أنـزلناه إليه واتبعه فلنفسه, يقول: فإنما عمل بذلك لنفسه, وإياها بغى الخير لا غيرها, لأنه أكسبها رضا الله والفوز بالجنة, والنجاة من النار.( وَمَنْ ضَلَّ ) يقول: ومن جار عن الكتاب الذي أنـزلناه إليك, والبيان الذي بيَّناه لك, فضل عن قصد المحجة, وزال عن سواء السبيل, فإنما يجور على نفسه, وإليها يسوق العطب والهلاك, لأنه يكسبها سخط الله, وأليم عقابه, والخزي الدائم.( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد على من أرسلتك إليه من الناس برقيب ترقب أعمالهم, وتحفظ عليهم أفعالهم, إنما أنت رسول , وإنما عليك البلاغ, وعلينا الحساب.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) أي بحفيظ.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) قال: بحفيظ.

التدبر :

وقفة
[41] ﴿إِنّا أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ لِلنّاسِ بِالحَقِّ فَمَنِ اهتَدى فَلِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها﴾ الكتاب نزله جل شأنه للناس كافة، من اتبعه وارتضاه دينًا ومنهجًا فاز، ومن اختار الابتعاد وعدم الإتباع فلا يلومنَّ إلا نفسه.
وقفة
[41] ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ من أحسن منكم، فإحسانه إلى نفسه اكتسبه، ومن أساء فبلاؤه على نفسه جلَبَه، والله أغنى الأغنياء عن طاعة المقبلين، ولا تضره زلَّات المعرضين.

الإعراب :

  • ﴿ إِنّا أَنْزَلْنا:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «ان» انزل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.وجملة «أنزلنا» وما بعدها: في محل رفع خبر «انّ».
  • ﴿ عَلَيْكَ الْكِتابَ:
  • جار ومجرور متعلق بالفعل «أنزل» الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ لِلنّاسِ بِالْحَقِّ:
  • جار ومجرور متعلق بأنزلنا. أي أنزلناه عليك لأجل الناس أي لأجل حاجاتهم اليه. بالحق: جار ومجرور متعلق بصفة-نعت- لمصدر-مفعول مطلق-محذوف تقديره: انزالا ملتبسا بالحق أو متعلق بحال محذوفة من الكتاب. بتقدير: أنزلنا عليك الكتاب ملتبسا بالحق أو معه الحق.
  • ﴿ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ:
  • أعربت في الآية الشريفة الثامنة بعد المائة من سورة يونس. بمعنى: فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه ومن اختار الضلالة فقد ضرها.'

المتشابهات :

يونس: 108﴿فَـ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ
الإسراء: 15﴿ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ
النمل: 92﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَـ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ
الزمر: 41﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     وبعد تهديدِ المشركين تارةً بالدَّلائِلِ، وتارةً بضَربِ الأمثالِ، وتارةً بذِكرِ الوَعدِ والوَعيدِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعظُمُ عليه إصرارُهم على الكُفرِ، وعَدَمُ إيمانِهم بما أنزَلَ اللهُ عليه؛ ذكرَ اللهُ هنا ما يُزيلُ ذلك الحُزنَ عن قَلبِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأخْبَره أنَّه أنزَلَ عليه القرآنَ لهدايةِ النَّاسِ، فمن اهتدى فاهتداؤُه لنفسِه، ومَن ضلَّ فضلالُه على نفسِه، وما عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلا البلاغُ، قال تعالى:
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [42] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ..

التفسير :

[42] الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس حين موتها، وهذه الوفاة الكبرى وفاة الموت بانقضاء الأجل، ويقبض التي لم تمت في منامها، وهي الموتة الصغرى، فيحبس من هاتين النفسين النفسَ التي قضى عليها الموت، وهي نفس مَن مات، ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها

يخبر تعالى أنه المتفرد بالتصرف بالعباد، في حال يقظتهم ونومهم، وفي حال حياتهم وموتهم، فقال:{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} وهذه الوفاة الكبرى، وفاة الموت.

وإخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه، لا ينافي أنه قد وكل بذلك ملك الموت وأعوانه، كما قال تعالى:{ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه، باعتبار أنه الخالق المدبر، ويضيفها إلى أسبابها، باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سببا.

وقوله:{ وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} وهذه الموتة الصغرى، أي:ويمسك النفس التي لم تمت في منامها،{ فَيُمْسِكُ} من هاتين النفسين النفس{ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} وهي نفس من كان مات، أو قضي أن يموت في منامه.

{ وَيُرْسِلُ} النفس{ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي:إلى استكمال رزقها وأجلها.{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} على كمال اقتداره، وإحيائه الموتى بعد موتهم.

وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وأنها مخلوقة مدبرة، يتصرف اللّه فيها في الوفاة والإمساك والإرسال، وأن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ، فتجتمع، فتتحادث، فيرسل اللّه أرواح الأحياء، ويمسك أرواح الأموات.

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال قدرته، ونفاذ مشيئته فقال- تعالى-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ...

أى: الله- بقدرته وحدها يقبض أرواح مخلوقاته حين انتهاء آجالها بأن يقطع تعلقها بالأجسام قطعا كليا، ويسلب هذه الأجسام والأبدان ما به قوام حياتها، بأن تصير أجساما هامدة لا إدراك لها. ولا حركة فيها.

وقوله- تعالى-: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها معطوف على الأنفس، أى: يسلب الحياة عن الأنفس التي انتهى أجلها سلبا ظاهرا وباطنا، ويسلب الحياة عنها سلبا ظاهرا فقط في حال نومها. إذ أنها في حالة النوم تشبه الموتى من حيث عدم التمييز والتصرف.

فالآية الكريمة تشير إلى أن التوفي للأنفس أعم من الموت، إذ أن هناك وفاتين. وفاة كبرى وتكون عن طريق الموت، ووفاة صغرى وتكون عن طريق النوم. كما قال- تعالى- وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ.. أى: يجعلكم تنامون فيه نوما يشبه الموت في انقطاع الإدراك والإحساس..

وقوله- تعالى-: فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى بيان لحالة الأنفس التي انتهى أجلها، والتي لم ينته أجلها بعد.

أى: الله- تعالى- وحده هو الذي يتوفى الأنفس حين الموت، وحين النوم، أما الأنفس التي انتهى أجلها فيمسك- سبحانه- أرواحها إمساكا تاما بحيث لا تعود إلى أبدانها مرة أخرى، وأما التي لم يحن وقت موتها، فإن الله- تعالى- يعيدها إلى أبدانها عند اليقظة من نومها، وتستمر على هذه الحالة إلى أجل مسمى في علمه- تعالى- فإذا ما انتهى أجلها الذي حدده- سبحانه- لها، خرجت تلك الأرواح من أبدانها خروجا تاما، كما هو الشأن في الحالة الأولى.

ولا شك أن الله- تعالى- الذي قدر على ذلك، قادر أيضا- على إعادة الأرواح إلى أجسادها عند البعث والنشور يوم القيامة.

فالآية الكريمة مسوقة لبيان كمال قدرة الله- تعالى- ولبيان أن البعث حق، وأنه يسير على قدرة الله التي لا يعجزها شيء.

ولا منافاة بين هذه الآية التي صرحت بأن الله- تعالى- هو الذي يتوفى الأنفس عند موتها، وبين قوله- تعالى-: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ.. وقوله- تعالى- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ... لأن المتوفى في الحقيقة هو الله- تعالى- وملك الموت إنما يقبض الأرواح بإذنه- سبحانه- ولملك الموت أعوان وجنود من الملائكة ينتزعون الأرواح بأمره المستمد من أمر الله- عز وجل-.

قال القرطبي: «فإذا يقبض الله الروح في حالين: في حالة النوم وحالة الموت، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض. وما يقبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة.

وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته، وانفراده بالألوهية، وأنه يفعل ما يشاء ويحيى ويميت، ولا يقدر على ذلك سواه. .

واسم الإشارة في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يعود إلى المذكور من التوفي والإمساك والإرسال.

أى: إن في ذلك الذي ذكرناه لكم من قدرتنا على توفى الأنفس وإمساكها وإرسالها، لآيات بينات على وحدانيتنا وقدرتنا، لقوم يحسنون التأمل والتفكير والتدبر، فيما أرشدناهم إليه وأخبرناهم به.

ثم قال تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء ، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى ، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان ، والوفاة الصغرى عند المنام ، كما قال تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ) [ الأنعام : 61 ، 60 ] ، فذكر الوفاتين : الصغرى ثم الكبرى . وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى ; ولهذا قال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) فيه دلالة على أنها تجتمع في الملأ الأعلى ، كما ورد بذلك الحديث المرفوع الذي رواه ابن منده وغيره . وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " .

وقال بعض السلف [ رحمهم الله ] يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا ، فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف ( فيمسك التي قضى عليها الموت ) التي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى .

قال السدي : إلى بقية أجلها . وقال ابن عباس : يمسك أنفس الأموات ، ويرسل أنفس الأحياء ، ولا يغلط . ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)

يقول تعالى ذكره: ومن الدلالة على أن الألوهة لله الواحد القهار خالصة دون كلّ ما سواه, أنه يميت ويحيي, ويفعل ما يشاء, ولا يقدر على ذلك شيء سواه، فجعل ذلك خبرا نبههم به على عظيم قُدرته, فقال: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) فيقبضها عند فناء أجلها, وانقضاء مدة حياتها, ويتوفى أيضا التي لم تمت في منامها, كما التي ماتت عند مماتها( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ) ذكر أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام, فيتعارف ما شاء الله منها, فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها, وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى وذلك إلى انقضاء مدة حياتها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ... الآية. قال: يجمع بين أرواح الأحياء, وأرواح الأموات, فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف, فيمسك التي قضى عليها الموت, ويُرسل الأخرى إلى أجسادها.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط , عن السديّ, في قوله: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) قال: تقبض الأرواح عند نيام النائم, فتقبض روحه في منامه, فتلقى الأرواح بعضها بعضا: أرواح الموتى وأرواح النيام, فتلتقي فتساءل, قال: فيخلي عن أرواح الأحياء, فترجع إلى أجسادها, وتريد الأخرى أن ترجع, فيحبس التي قضى عليها الموت, ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى, قال: إلى بقية آجالها.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ) قال: فالنوم وفاة ( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى ) التي لم يقبضها( إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ).

وقوله: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن في قبض الله نفس النائم والميت وإرساله بعدُ نَفس هذا ترجع إلى جسمها, وحبسه لغيرها عن جسمها لعبرة وعظة لمن تفكر وتدبر, وبيانا له أن الله يحيي من يشاء من خلقه إذا شاء, ويميت من شاء إذا شاء.

التدبر :

وقفة
[42] ﴿اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ إخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه لا ينافـي أنه قد وكَّل بذلك ملك الموت وأعوانه، لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه باعتبار أنه الخالق المدبر، ويضيفها إلى أسبابها باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سببًا.
عمل
[42] ﴿اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ أي نومها، فجهز نفسك عند كل نومة أنك قد لا تقوم منها إلا على صيحة يوم القيامة.
وقفة
[42] ﴿اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا نَامَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَكَ» [أحمد 4/289، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح].
عمل
[42] ﴿اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ قل عند النوم: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ » [البخاري 6315].
وقفة
[42] النوم والاستيقاظ درسان يوميان للتعريف بالموت والبعث ﴿اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ﴾.
عمل
[42] احرص على أذكارك قبل أن تنام، وادعُ الله الذي يتوفى نفسك في منامك أن يرحمها إن أمسكها وأن يحفظها إن ردَّها عليك، ولا تنس أن تحمد الله وتشكره عندما تستيقظ وقد ردَّ عليك روحك وأذن لك بيوم جديد وفرصة للتوبة والعمل الصالح والذكر.
وقفة
[42] ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ حتى النوم يستحق التفكر والتأمل
وقفة
[42] ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ النَّومُ والاستيقاظُ تذكيرٌ يوميٌ بالموتِ والبعثِ؛ فالنَّومُ موتٌ أصغرُ، والاستيقاظُ بعثٌ أصغرُ.
وقفة
[42] ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ يتوفي الله نفسين: النفس التي ماتت موتًا حقيقيًّا، والنفس التي ماتت بالنوم موتًا مؤقتًا، ثم يمسك روح التي ماتت عنده، ويرسل الأخرى أي يردها إلى بدن النائم ليستيقظ، ويتكرر هذا الأمر كل ليلة.
وقفة
[42] ﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ﴾ أشعر بالطمأنينة واللطف حين أتأمل مقارنة القرآن بين النوم والوفاة، النوم راحة للروح والبدن.
وقفة
[42] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: لَدلالات على قدرته؛ حيث لم يغلط في إمساك ما يمسك من الأرواح، وإرسال ما يرسل منها، قال مقاتل: «لعلامات لقوم يتفكرون في أمر البعث»، يعني: أن توفي نفس النائم وإرسالها بعد التوفي دليل على البعث.
وقفة
[42] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ تمر هذه الآيات على عميان البصائر مرور الكرام، لكنها تمر على المؤمنين الذين يتفكرون، فتزيدهم إيمانًا بقدرة الله وكمال سلطانه ووحدانيته.
عمل
[42] تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة بلا تفكر، كما جاء عن بعض السلف ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وقفة
[42] آيات الله في الكون وفي الأنفس لا يدركها إلا من تدبرها بعقله وقلبه وحواسه ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ:
  • الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.يتوفى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الانفس: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ» في محل رفع خبر المبتدأ. أي يقبض الأرواح.
  • ﴿ حِينَ مَوْتِها:
  • ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بيتوفى وهو مضاف.موت: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف.و«ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة بمعنى: حين موت أجسادها.
  • ﴿ وَالَّتِي:
  • الواو عاطفة. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به بيتوفى. أي ويتوفى الأنفس التي. فحذف المفعول الموصوف لأن ما قبله يدل عليه وأقيمت الصفة مقامه.
  • ﴿ لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تمت: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: سكون آخره وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. في منام: جار ومجرور متعلق بيتوفى و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أي يتوفاها حين تنام أي حين نومها تشبيها للنائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما ان الموتى كذلك.
  • ﴿ فَيُمْسِكُ:
  • الفاء: استئنافية. يمسك: تعرب اعراب «يتوفى» وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة.
  • ﴿ الَّتِي:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أي فيمسك الأنفس التي. فأقيمت الصفة مقام الموصوف.
  • ﴿ قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ:
  • الجملة صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.قضى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. عليها: جار ومجرور متعلق بقضى. الموت:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. بمعنى: الموت الحقيق فلا يردها في وقتها حية أي فيمسكها عنده ولا يردها لجسدها حية.
  • ﴿ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى:
  • معطوفة بالواو على «يمسك التي» وتعرب اعرابها. أي ويرسل الأنفس النائمة. وعلامة نصب المفعول به «الأخرى» الفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:
  • جار ومجرور متعلق بيرسل. مسمى: صفة-نعت- لاجل مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة للتعذر على الألف قبل تنوينها ونونت لأنها اسم مقصور مذكر نكرة. أي الى موعد مقرر لا تتأخر عنه ولا تتقدم. أي الى وقت ضربه سبحانه لموتها.
  • ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في: حرف جر. ذا:اسم اشارة مبني على السكون في محل جر في. اللام للبعد والكاف للخطاب. والجار والمجرور متعلق بخبر «انّ» المتقدم. أي ان في توفي الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وارسالها الى أجل مسمى.
  • ﴿ لَآياتٍ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-آيات: اسم «انّ» منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم
  • ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من آيات. يتفكرون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.وجملة «يتفكرون» في محل جر صفة-نعت-لقوم.'

المتشابهات :

الرعد: 3﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
الروم: 21﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
الروم: 42﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
الجاثية: 13﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ اللهُ أنَّه أنزَلَ الكتابَ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحقِّ؛ ذكرَ هنا ما يدل على كمال قدرته، ونفاذ مشيئته، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

قضى:
1- مبنيا للفاعل، و «الموت» نصبا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للمفعول، و «الموت» رفعا، وهى قراءة ابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وعيسى، وحمزة، والكسائي.

مدارسة الآية : [43] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ..

التفسير :

[43] أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء، تشفع لهم عند الله في حاجاتهم؟ قل -أيها الرسول- لهم:أتتخذونها شفعاء كما تزعمون، ولو كانت الآلهة لا تملك شيئاً، ولا تعقل عبادتكم لها؟

ينكر تعالى، على من اتخذ من دونه شفعاء يتعلق بهم ويسألهم ويعبدهم.{ قُلْ} لهم - مبينا جهلهم، وأنها لا تستحق شيئا من العبادة-:{ أَوَلَوْ كَانُوا} أي:من اتخذتم من الشفعاء{ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا} أي:لا مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بل وليس لهم عقل، يستحقون أن يمدحوا به، لأنها جمادات من أحجار وأشجار وصور وأموات،.فهل يقال:إن لمن اتخذها عقلا؟ أم هو من أضل الناس وأجهلهم وأعظمهم ظلما؟.

ثم نعى- سبحانه- على الكفار غفلتهم وعدم تفكرهم فقال: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ.

و «أم» هنا بمعنى بل والهمزة، والاستفهام للإنكار، والمراد بالشفعاء تلك الأصنام التي زعموا أنها ستشفع لهم يوم القيامة.

والمعنى: لقد ترك هؤلاء المشركون التفكر والتدبر في دلائل وحدانيته وقدرته- سبحانه- ولم يلتفتوا إلى ما ينفعهم، بل اتخذوا الأصنام آلهة لينالوا بواسطتها الشفاعة عند الله.

قل لهم- أيها الرسول الكريم- مرشدا ومنبها: أتفعلون ذلك ولو كانت هذه الآلهة لا تملك شيئا من أمرها، ولا تعقل شيئا مما يتوجهون به إليها؟

يقول تعالى ذاما للمشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله ، وهم الأصنام والأنداد ، التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان حداهم على ذلك ، وهي لا تملك شيئا من الأمر ، بل وليس لها عقل تعقل به ، ولا سمع تسمع به ، ولا بصر تبصر به ، بل هي جمادات أسوأ حالا من الحيوان بكثير .

القول في تأويل قوله تعالى : أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ (43)

يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم. وقوله: ( قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لهم: أتتخذون هذه الآلهة شفعاء كما تزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا, ولا يعقلون شيئا, قل لهم: إن تكونوا تعبدونها لذلك, وتشفع لكم عند الله, فأخلصوا عبادتكم لله, وأفردوه بالألوهة, فإن الشفاعة جميعا له, لا يشفع عنده إلا من أذن له, ورضي له قولا وأنتم متى أخلصتم له العبادة, فدعوتموه, وشفعكم ( لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) , يقول: له سلطان السموات والأرض ومُلكها , وما تعبدون أيها المشركون من دونه له، يقول: فاعبدوا الملك لا المملوك الذي لا يملك شيئا.( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: ثم إلى الله مصيركم, وهو معاقبكم على إشراككم به, إن متم على شرككم.

ومعنى الكلام: لله الشفاعة جميعا, له مُلك السموات والأرض, فاعبدوا المالك الذي له مُلك السموات والأرض, الذي يقدر على نفعكم في الدنيا, وعلى ضركم فيها, وعند مرجعكم إليه بعد مماتكم, فإنكم إليه ترجعون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ) الآلهة ( قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا ) الشفاعة.

التدبر :

وقفة
[43] ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ ولما كانت الشفاعة أمرًا معنويًّا؛ كان معنى ملكها تحصيل إجابتها، والكلام تهكم؛ إذ كيف يشفع من لا يعقل؟! فإنه لعدم عقله لا يتصور خُطُورُ معنى الشفاعة عنده، فضلًا عن أن تتوجه إرادته إلى الاستشفاع؛ فاتخاذهم شفعاء من الحماقة.
وقفة
[43] ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ استعمال الدليل العقل أبلغ في الإقناع وإقامة الحجة، فكيف يطلبون شفاعة من لا يملك شيئًا، ولا عقل له؟
وقفة
[43] ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ كلما زاد الإيمان، قلت الحاجة إلى الأدلة الحسية، وحدث اليقين بالأدلة الغيبية.
وقفة
[43] ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ قدَّم النَّقل على العقل، قال أبو الزناد: «إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرًا على خلاف الرأي، فما يجد المسلمون بدًّا من اتباعها، من ذلك أن الحائض تقضى الصيام، ولا تقضي الصلاة».

الإعراب :

  • ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا:
  • حرف اضراب بمعنى «بل» والهمزة للإنكار. وكسرت الميم لالتقاء الساكنين. اتخذوا فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و أَمِ اتَّخَذُوا» بمعنى:بل اتخذ قريش لهم.
  • ﴿ مِنْ دُونِ اللهِ:
  • جار ومجرور في مقام المفعول الثاني لاتخذوا. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ شُفَعاءَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-فعلاء-بمعنى: وسطاء يشفعون لهم عند الله.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ أَوَلَوْ كانُوا:
  • الهمزة همزة انكار بلفظ‍ استفهام. الواو عاطفة على معطوف عليه مضمر بتقدير: أيشفعون ولو كانوا. أو تكون حالية بتقدير:أيشفعون مع كونهم لا يملكون. لو: مصدرية. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. وجملة «كانوا مع خبرها» صلة «لو» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «لو» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب حال.
  • ﴿ لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان».لا: نافية لا عمل لها. يملكون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. شيئا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلا يَعْقِلُونَ:
  • معطوفة بالواو على لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً» وتعرب إعرابها.وحذف مفعولها لأن ما قبله يدل عليه. أي ولا يعقلون شيئا بمعنى: لا يدركون أو يفهمون.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     وبعد ذِكرِ أدلةِ وحدانية الله وقدرته؛ أنكرَ اللهُ على المشركين اتخاذ الأصنام شفعاء، قال تعالى:
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ ..

التفسير :

[44] قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين:لله الشفاعة جميعاً، له ملك السموات والأرض وما فيهما، فالأمر كله لله وحده، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ورضاه عن المشفوع له، فهو الذي يملك السموات والأرض ويتصرف فيهما، فالواجب أن تُطلب الشفاعة ممن يملكها، وأن تُخلص له

{ قُلْ} لهم:{ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} لأن الأمر كله للّه.وكل شفيع فهو يخافه، ولا يقدر أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا أراد رحمة عبده، أذن للشفيع الكريم عنده أن يشفع، رحمة بالاثنين. ثم قرر أن الشفاعة كلها له بقوله{ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي:جميع ما فيهما من الذوات والأفعال والصفات. فالواجب أن تطلب الشفاعة ممن يملكها، وتخلص له العبادة.{ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيجازي المخلص له بالثواب الجزيل، ومن أشرك به بالعذاب الوبيل.

ثم أمر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن الله- تعالى- هو مالك الشفاعة كلها، وأنه لن يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه، فقال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ...

أى: قل لهم: الله- تعالى- هو المالك للشفاعة كلها، وآلهتكم هذه لا تملك شيئا من ذلك، بل أنتم وآلهتكم- أيها المشركون- ستكونون وقودا لنار جهنم.

وهو سبحانه-: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا تاما لا تصرف لأحد في شيء منهما معه، ولا شفاعة لأحد إلا بإذنه.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يوم القيامة فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

ثم بين- سبحانه- أحوال هؤلاء المشركين، عند ما يذكر- سبحانه- وحده دون أن تذكر معه آلهتهم، كما بين أحوالهم السيئة يوم القيامة، وكيف أنهم يندمون ولا ينفعهم الندم، وكيف أنهم لو ملكوا في هذا اليوم ما في الأرض جميعا ومثله معه، لقدموه فداء لأنفسهم من أهوال عذاب يوم القيامة.. فقال- تعالى-:

ثم قال : قل : أي يا محمد لهؤلاء الزاعمين أن ما اتخذوه شفعاء لهم عند الله ، أخبرهم أن الشفاعة لا تنفع عند الله إلا لمن ارتضاه وأذن له ، فمرجعها كلها إليه ، ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [ البقرة : 255 ] .

( له ملك السماوات والأرض ) أي : هو المتصرف في جميع ذلك . ( ثم إليه ترجعون ) أي : يوم القيامة ، فيحكم بينكم بعدله ، ويجزي كلا بعمله .

حدثني محمد بن عمرو, قال. ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.

التدبر :

عمل
[44] الشفاعة كلها بيد الله تعالى؛ فاطلبها منه سبحانه ﴿قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾.
وقفة
[44] ﴿قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ نص في أن الشفاعة لله وحده، كما قال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، فلا شافع إلا من شفاعته.
وقفة
[44] ﴿قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لا يشفع الأنبياء ولا الشهداء ولا العلماء ولا الأطفال فضلًا عن الأصنام إلا بإذن الله.
وقفة
[44] ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَميعاً لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ ثُمَّ إليه تُرْجَعُونَ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن للأنبياء، والعلماء، والشهداء، والأطفال، شفاعةٌ؟ قلتُ: معناه أن أحدًا لا يملكها إلَّا بتحليلها، كما قال تعالى: ﴿منْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَن ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28].

الإعراب :

  • ﴿ قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ:
  • قل: أعربت في الآية السابقة. لله: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. الشفاعة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ جَمِيعاً:
  • توكيد للشفاعة بمعنى «جميعها» وباسقاط‍ الضمير نوّنت أي كلها.ويجوز أن تكون حالا من الشفاعة. بمعنى: «مجتمعة» منصوبة بالفتحة المنونة.
  • ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ملك:مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» مجرورة مثلها. وتعرب مثلها.
  • ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:
  • ثم: حرف عطف يدل على الترتيب. إليه: جار ومجرور متعلق بترجعون. ترجعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وهو مبني للمجهول والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. بمعنى: له ملك السموات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     ولَمَّا نَفَى اللهُ أنْ يكونَ لأصْنامِهم شَيءٌ مِن الشَّفاعةِ؛ أمرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم هنا أن يخبرهم أن الشَّفاعةَ كُلَّها للهِ، وأنه لن يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه، قال تعالى:
﴿ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [45] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ..

التفسير :

[45] وإذا ذُكِر الله وحده نفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات، وإذا ذُكِر الذين مِن دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون؛ لكون الشرك موافقاً لأهوائهم.

يذكر تعالى حالة المشركين، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم{ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ} توحيدا له، وأمر بإخلاص الدين له، وترك ما يعبد من دونه، أنهم يشمئزون وينفرون، ويكرهون ذلك أشد الكراهة.

{ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} من الأصنام والأنداد، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها،{ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بذلك، فرحا بذكر معبوداتهم، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها، ولكن موعدهم يوم الجزاء. فهناك يؤخذ الحق منهم، وينظر:هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللّه شيئا؟.

وقوله- تعالى-: اشْمَأَزَّتْ.. أى: نفرت وانقبضت وذعرت، مأخوذ من الشّمز، وهو نفور النفس مما تكرهه.

قال الإمام الرازي: اعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبيحة للمشركين وهو أنك إذا ذكرت الله وحده.. ظهرت آثار النفرة في وجوههم وقلوبهم، وإذا ذكرت الأصنام والأوثان ظهرت آثار الفرح.. وذلك يدل على الجهل والحماقة، لأن ذكر الله رأس السعادة، وعنوان الخيرات، وأما ذكر الأصنام فهو رأس الحماقات..» .

أى: إنك- أيها الرسول الكريم- إذا ذكرت الله- تعالى- وحده، ونسبت إليه ما يليق به- سبحانه- من وحدانيته وقدرته.. دون أن تذكر معه الأصنام اشمأزت وانقبضت وذعرت نفوس هؤلاء المشركين الجهلاء، أما إذا ذكرت آلهتهم سواء أذكرت الله- تعالى- معها أم لم تذكره، إذا هم يستبشرون ويبتهجون..

والتعبير بالاشمئزاز والاستبشار، يشعر بأنهم قد بلغوا الغاية في الأمرين، فهم عند ذكر الله- تعالى- تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها غما وهما وانقباضا وذعرا. وعند ذكر أصنامهم تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها- أيضا- بهجة وسرورا حتى لتظهر آثار ذلك على بشرتهم ...

وحالهم هذا يدل على أنهم قد بلغوا الغاية- أيضا- في الجهالة والسفاهة والغفلة..

وهذا الذي ذكرته الآية الكريمة من اشمئزاز الكافرين عند ذكر الله- تعالى- واستبشارهم عند ذكر غيره، نرى ما يشبهه عند كثير من الناس..

فكم من أناس إذا حدثتهم عن ذات الله- تعالى- وصفاته، وعن سلامة دينه وتشريعاته، وعن آداب قرآنه وهداياته، وعن كل ما يتعلق بوجوب تنفيذ أوامره ونواهيه.. انقبضت نفوسهم، واكفهرت وجوههم، وتمنوا لو أنك تركت الحديث عن ذلك.

أما إذا سمعوا ما يتعلق بالتشريعات والنظم التي هي من صنع البشر- استبشرت نفوسهم، وابتهجت أساريرهم..

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ، وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً

قال الآلوسى: وقد رأينا كثيرا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله- تعالى- بها المشركين، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم.. وينقبضون من ذكر الله- تعالى- وحده- ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه- عز وجل- وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله. وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره..» .

ثم قال تعالى ذاما للمشركين أيضا : ( وإذا ذكر الله وحده ) أي : إذا قيل : لا إله إلا الله ( اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) قال مجاهد : ( اشمأزت ) انقبضت .

وقال السدي : نفرت . وقال قتادة : كفرت واستكبرت . وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : استكبرت . كما قال تعالى : ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) [ الصافات : 35 ] ، أي : عن المتابعة والانقياد لها . فقلوبهم لا تقبل الخير ، ومن لم يقبل الخير يقبل الشر ; ولهذا قال : ( وإذا ذكر الذين من دونه ) أي : من الأصنام والأنداد ، قاله مجاهد ، ( إذا هم يستبشرون ) أي : يفرحون ويسرون .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)

يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد الله جل ثناؤه بالذكر, فدعي وحده, وقيل لا إله إلا الله, اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات. وعنى بقوله: ( اشْمَأَزَّتْ ) : نفرت من توحيد الله.( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) يقول: وإذا ذُكر الآلهة التي يدعونها من دون الله مع الله, فقيل: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتها لترتجى, إذ الذين لا يؤمنون بالآخرة يستبشرون بذلك ويفرحون.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) : أي نفرت قلوبهم واستكبرت ( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) الآلهة ( إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ).

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( اشْمَأَزَّتْ ) قال: انقبضت, قال: وذلك يوم قرأ عليهم " النجم " عند باب الكعبة.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ قوله: ( اشْمَأَزَّتْ ) قال: نفرت ( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) أوثانهم.

التدبر :

اسقاط
[45] ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ﴾ لتعرف قدر ربك عندك؛ فانظر إلى قلب هل يفرح بذكره؟!
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ كلما زاد إيمانك انشرح صدرك لذكر الله وسماعه، وكلما قل إيمانك قل الذكر حتى يشمئز منه.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ بعض بني جلدتنا تحمر أنوفهم غضبًا إذا استدعَيْت أحكام الشرع في خطابك، أو استشهدت بآيات القرآن، والعجيب أنهم في عداد المسلمين.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ إذا مات القلب أظلم، فآثر الظلام على الضوء، والعذاب على النجاة.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ معناها: أن الكفار يكرهون توحيد الله، ويحبون الإشراك به، ومعنى (اشْمَأَزَّتْ): انقبضت من شدة الكراهية.
وقفة
[45] ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ إذا ذُكِر الله وحده عند الكفار أصابهم ضيق وهم؛ لأنهم يتذكرون ما أمر به وما نهى عنه وهم معرضون عن هذا كله.
وقفة
[45] ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ إذا أردت أن ترى بأم عينك وبصيرة قلبك دلالة هذه الآية فانظر من يرعبه صوت: الله أكبر.
وقفة
[45] ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ قلوب الكافرين تنفر من ذكر الله تعالى عصيانًا وكفرًا وبعدًا له.
عمل
[45] اذكر الله تعالى بمأثوراتٍ متنوعة من الذكر ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾.
وقفة
[45] ينفرون من الحق لأنهم اعتادوا على الباطل، كالعين تنفر من النور إذا اعتادت على الظلام ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾.
وقفة
[45] قوم إذا ذكرتَ البخاري اكفهروا، وإن نقلت عن ابن باز سفهوا، قد قال الله من قبل: ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾؛ فلا تستغرب.
وقفة
[45] الأنس بأقوال المفكرين والفلاسفة، والوحشة عند كلام الله، علامة على ضعف الإيمان أو زواله ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾.
وقفة
[45] ﴿وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ [الرعد: 28] لا يطمئن القلب إلا بذكر خالقه، فهذه علامة حبه والقرب منه، واتباع هديه والفوز في جنته، وقلوب تشمئزّ من ذكر الله ﴿وإذا ذكرت الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾، فهذه والله علامة الشقاء والضنك والتعاسة والخسران في الآخرة.
وقفة
[45] القلوب الميتة لا تطيق حب الله، فتتسلى بحب من سواه: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.
وقفة
[45] مريض القلب يأنف من ذكر الدين، ويستبشر بذكر غيره ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.
وقفة
[45] الفرح بتحليل الماديين، والنفرة من كلام الله: نفاق ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.
وقفة
[45] تأمَّل في نفرة كثير من غلاة المدنية من نصوص القرآن والسنة، وابتهاجهم بذكر الأعلام والمفاهيم الغربية وقارنها بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا:
  • الواو: حرف عطف. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط‍ مبني على السكون خافض لشرطه متعلق بجوابه.
  • ﴿ ذُكِرَ اللهُ:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة. ذكر: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الله: نائب فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ وَحْدَهُ:
  • مصدر سدّ مسدّ الحال. أصله: يحدو وحده بمعنى واحدا وحده.وقد اختلف في اعرابها فهو منصوب عند الكوفيين على الظرفية وعند البصريين على المصدر بتقدير: أو حدته ايحادا ثم وضعت «وحده» هذا الموضع. أو ذكر الله منفردا انفرادا ثم وضعت «وحده» موضعه. ونصبه على الحال أي منفردا.
  • ﴿ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. اشمأزت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب. قلوب: فاعل مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. أي نفرت وانقبضت صدورهم.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بلا يؤمنون
  • ﴿ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ:
  • معطوفة بالواو على إِذا ذُكِرَ اللهُ» وتعرب اعرابها.الذين: اسم موصول في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ مِنْ دُونِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة لا محل لها من الاعراب والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف اليه. وهم آلهتهم أي الأوثان.
  • ﴿ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ:
  • إذا: حرف فجاءة لا عمل لها سادة مسد الفاء في المجازاة والعامل فيها تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. يستبشرون: تعرب اعراب «يؤمنون» وجملة «يستبشرون» في محل رفع خبر «هم» والجملة الاسمية هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب بمعنى امتلأت قلوبهم سرورا فرحا بذكر آلهتهم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ أنَّ شُفَعاءَهم ليسَت بأهلٍ للشَّفاعةِ، وعلى أنَّ الأمرَ كُلَّه مَقصورٌ عليه؛ ذكرَ هنا نوعًا آخرَ من أعمالِ المشركينَ القبيحةِ: اشمئزازهم إذا ذُكِرَ اللهُ، وإذا ذُكِرَ غيرُهُ فَرِحُوا، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [46] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..

التفسير :

[46] قل:اللهم يا خالق السموات والأرض ومبدعَهما على غير مثال سبق، عالمَ السر والعلانية، أنت تفصل بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من القول فيك، وفي عظمتك وسلطانك والإيمان بك وبرسولك، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى ص

ولهذا قال{ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي:خالقهما ومدبرهما.{ عَالِمَ الْغَيْبِ} الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا{ وَالشَّهَادَةِ} الذي نشاهده.

{ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وإن من أعظم الاختلاف اختلاف الموحدين المخلصين القائلين:إن ما هم عليه هو الحق، وإن لهم الحسنى في الآخرة دون غيرهم، والمشركين الذين اتخذوا من دونك الأنداد والأوثان، وسووا فيك من لا يسوى شيئا، وتنقصوك غاية التنقص، واستبشروا عند ذكر آلهتهم، واشمأزوا عند ذكرك، وزعموا مع هذا أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، وأن لهم الحسنى.

قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}

وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله:{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} إلى أن قال:{ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}

وقال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ففي هذه الآية، بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه، وعموم حكمه بين عباده،.فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات، وعلمه المحيط بكل شيء، دال على حكمه بين عباده وبعثهم، وعلمه بأعمالهم، خيرها وشرها، وبمقادير جزائها، وخلقه دال على علمه{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يلتجئ إلى خالقه وحده من شرور هؤلاء المشركين، وأن يفوض أمره إليه، فقال- تعالى- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

ولفظ: اللَّهُمَّ أصله يا الله. فلما استعمل دون حرف النداء. عوض عنه بالميم المشددة التي في آخره.

ولفظ «فاطر، وعالم» منصوبان على النداء.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- على سبيل الاستعاذة والاعتزال لما عليه هؤلاء المشركون من جهل وسفه، يا الله، يا خالق السموات والأرض ويا عالم الغائب والمشاهد.

والخفى والظاهر من أمور خلقك، أنت وحدك الذي تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا، فتجازى كل نفس بما تستحقه من ثواب أو عقاب.

وما دام الأمر كذلك، فاهدني إلى صراطك المستقيم، وجنبني الشرك والمشركين.

فالمقصود بالآية الكريمة تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم عما فعله المشركون معه، وإرشاده إلى ما يعصمه من كيدهم. وتعليم العباد وجوب الالتجاء إلى الله- تعالى- وحده- لدفع كيد أعدائه عنهم.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث، منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة: بأى شيء كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟

قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته بقوله: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض. عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم..»

وقال صاحب الكشاف: «بعل- بكسر العين- أى: دهش وفزع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من شدّة شكيمتهم في الكفر، فقيل له: «ادع الله بأسمائه الحسنى، وقل: أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم، ولا حيلة لغيرك فيهم» . وفيه وصف لحالهم، وإعذار لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وتسلية له، ووعيد لهم.. .

يقول تعالى بعد ما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمة ، لهم في حبهم الشرك ، ونفرتهم عن التوحيد ( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ) أي : ادع أنت الله وحده لا شريك له ، الذي خلق السماوات والأرض وفطرها ، أي : جعلها على غير مثال سبق ، ( عالم الغيب والشهادة ) أي : السر والعلانية ، ( أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) أي : في دنياهم ، ستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم ، وقيامهم من قبورهم .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة [ - رضي الله عنها - ] بأي شيء كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، وأخبرنا سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قال : اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، إني أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد ، إلا قال الله - عز وجل - لملائكته يوم القيامة : إن عبدي قد عهد إلي عهدا فأوفوه إياه ، فيدخله الله الجنة " .

قال سهيل : فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن أن عونا أخبر بكذا وكذا ؟ فقال : ما في أهلنا جارية إلا وهي تقول هذا في خدرها . انفرد به الإمام أحمد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حيي بن عبد الله ; أن أبا عبد الرحمن حدثه قال : أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاسا وقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا يقول : " اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت رب كل شيء ، وإله كل شيء ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، والملائكة يشهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه ، وأعوذ بك أن أقترف على نفسي إثما ، أو أجره إلى مسلم " .

قال أبو عبد الرحمن : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمه عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام . تفرد به أحمد أيضا .

وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا ابن عياش ، عن محمد بن زياد الألهاني ، عن أبي راشد الحبراني قال : أتيت عبد الله بن عمرو فقلت له : حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فألقى بين يدي صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق قال : يا رسول الله ، علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا بكر ، قل اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، لا إله إلا أنت ، رب كل شي ومليكه ، أعوذ بك من شر نفسي ، وشر الشيطان وشركه ، أو أقترف على نفسي سوءا ، أو أجره إلى مسلم " .

ورواه الترمذي ، عن الحسن بن عرفة ، عن إسماعيل بن عياش ، به ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا شيبان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : قال أبو بكر الصديق : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعي من الليل : " اللهم فاطر السماوات والأرض " إلى آخره .

القول في تأويل قوله تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد, الله خالق السموات والأرض ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) الذي لا تراه الأبصار, ولا تحسه العيون والشهادة الذي تشهده أبصار خلقه, وتراه أعينهم ( أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ) فتفصل بينهم بالحق يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم ( فِيمَا كَانُوا فِيهِ ) في الدنيا( يَخْتَلِفُونَ ) من القول فيك, وفي عظمتك وسلطانك, وغير ذلك من اختلافهم بينهم, فتقضي يومئذ بيننا وبين هؤلاء المشركين الذين إذا ذكرت وحدك اشمأزّت قلوبهم, إذا ذكر مَنْ دونك استبشروا بالحقّ.

وبنحو ذلك قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) فاطر: قال خالق. وفي قوله ( عَالِمُ الْغَيْبِ ) قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه,( وَالشَّهَادَةِ ) : ما عرف العباد وشهدوا, فهو يعلمه.

التدبر :

وقفة
[46] ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ مشعر بصفة القدرة، وتقديمُه قبل وصف العِلم لأن شعور الناس بقدرته سابق على شعورهم بعلمه، ولأن القدرة أشدُّ مناسبة لطلب الحكم؛ لأن الحكم إلزام وقهر، فهو من آثار القدرة مباشرةً.
وقفة
[46] ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [مسلم 770].
وقفة
[46] قال سعيد بن جُبير: «إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط، فسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾».
وقفة
[46] ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ بدأ بعلم الغيب الذي تكون فيه أكثر الأسرار والأوزار، فلا يُغريك الظلام بالآثام.

الإعراب :

  • ﴿ قُلِ:
  • فعل أمر مبني على السكون الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ اللهُمَّ:
  • لفظ‍ الجلالة: مبني على الضم في محل نصب لأنه منادى بأداة نداء محذوفة والميم المشددة عوض عن أداة النداء المحذوفة وحذفت أداة النداء لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه.
  • ﴿ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
  • فاطر: بدل من المنادى «اللهم» المنصوب محلا وبدل المنصوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة أو يكون منصوبا بأداة نداء محذوفة تقديره: يا فاطر وحذفت أداة النداء اكتفاء بالمنادى من باب التعظيم وهو منادى مضاف وعلامة نصبه الفتحة. السموات: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى يا خالق. الأرض: معطوفة بالواو على «السموات».وتعرب مثلها.
  • ﴿ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ:
  • تعرب اعراب فاطِرَ السَّماااتِ وَالْأَرْضِ»بمعنى: عالم الظاهر والباطن من أمور الكون.
  • ﴿ أَنْتَ تَحْكُمُ:
  • ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. تحكم:فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وجملة «تحكم» في محل رفع خبر «أنت» أي تحكم بينهم يوم القيامة.
  • ﴿ بَيْنَ عِبادِكَ:
  • ظرف مكان متعلق بتحكم منصوب على الظرفية وهو مضاف.عبادك: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فِي ما:
  • حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي.والجار والمجرور متعلق بتحكم.
  • ﴿ كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. فيه: جار ومجرور متعلق بيختلفون. يختلفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يختلفون» في محل نصب خبر «كان» أي فيما يختلفون فيه من أمور الدين.'

المتشابهات :

آل عمران: 26﴿ قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ
الزمر: 46﴿ قُلِ اللَّـهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [46] لما قبلها :     وبعد بيان أنَّ المشركينَ مُصمِّمون على باطِلِهم؛ أمَرَ اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يلتجئ إليه وحده من شرور هؤلاء المشركين، وأن يفوض أمره إليه، قال تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [47] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا ..

التفسير :

[47] ولو أن لهؤلاء المشركين بالله ما في الأرض جميعاً مِن مال وذخائر، ومثله معه مضاعفاً، لَبذلوه يوم القيامة؛ ليفتدوا به من سوء العذاب، ولو بذلوه وافتدوا به ما قُبِل منهم، ولا أغنى عنهم من عذاب الله شيئاً، وظهر لهم يومئذٍ من أمر الله وعذابه ما لم يكونوا يح

لما ذكر تعالى أنه الحاكم بين عباده، وذكر مقالة المشركين وشناعتها، كأن النفوس تشوقت إلى ما يفعل اللّه بهم يوم القيامة، فأخبر أن لهم{ سُوءَ الْعَذَابِ} أي:أشده وأفظعه، كما قالوا أشد الكفر وأشنعه، وأنهم على - الفرض والتقدير - لو كان لهم ما في الأرض جميعا، من ذهبها وفضتها ولؤلؤها وحيواناتها وأشجارها وزروعها وجميع أوانيها وأثاثها ومثله معه، ثم بذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب وينجوا منه، ما قبل منهم، ولا أغنى عنهم من عذاب اللّه شيئا،{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

{ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} أي:يظنون من السخط العظيم، والمقت الكبير، وقد كانوا يحكمون لأنفسهم بغير ذلك.

وبعد هذه التسلية من الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم بين- سبحانه- لهؤلاء الذين إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم.. بين لهم ما لهم من سوء المصير فقال: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...

أى: أن العذاب المعد لهؤلاء المشركين شيء رهيب، ولو أن لهم جميع ما أعد في الأرض من خيرات، ولهم- أيضا- مثل ذلك منضما إليه، لقدموه فداء لأنفسهم، أملا في النجاة من سوء العذاب الذي ينتظرهم يوم القيامة.

فالآية الكريمة وعيد لهم ليس بعده وعيد، وتيئيس لهم من النجاة ليس بعده تيئيس.

ومن الآيات الكثيرة التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ، ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ .

وقوله : ( ولو أن للذين ظلموا ) وهم المشركون ، ( ما في الأرض جميعا ومثله معه ) أي : ولو أن جميع ملك الأرض وضعفه معه ( لافتدوا به من سوء العذاب ) أي : الذي أوجبه الله لهم يوم القيامة ، ومع هذا لا يتقبل منهم الفداء ولو كان ملء الأرض ذهبا ، كما قال في الآية الأخرى : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) أي : وظهر لهم من الله من العذاب والنكال بهم ما لم يكن في بالهم ولا في حسابهم ، .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)

يقول تعالى ذكره: ولو أن لهؤلاء المشركين بالله يوم القيامة, وهم الذين ظلموا أنفسهم ( مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ) في الدنيا من أموالها وزينتها( وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) مضاعفا, فقبل ذلك منهم عوضا من أنفسهم, لفدوا بذلك كله أنفسهم عوضا منها, لينجو من سوء عذاب الله, الذي هو معذّبهم به يومئذ ( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ) يقول: وظهر لهم يومئذ من أمر الله وعذابه, الذي كان أعدّه لهم, ما لم يكونوا قبل ذلك يحتسبون أنه أعدّه لهم.

التدبر :

عمل
[47] ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ﴾ يا ابن آدم؛ قد أمرك الله اليوم بما هو أقل من ذلك؛ فلا تبخل.
وقفة
[47] ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ﴾ افتداء الكافر يوم القيامة نفسه بكل ما يملك مع بخله به في الدنيا، ولن يُقْبل منه.
وقفة
[47] ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ﴾ لو تصدَّقوا اليوم بمثقال ذرة اليوم لتقبل منهم ما أنفقوه، لكن يوم القيامة لا يُقبل منهم ضعف كنوز الأرض لو بذلوه.
وقفة
[47] ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ﴾ لو بكوا في الدنيا دمعة واحدة، لمحت كثيرًا من سيئاتهم، لكن يوم القيامة لو بكوا أنهار الدماء، لم ينفع بكاؤهم.
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ قال مجاهد: «عملوا أعمالًا توهموا أنها حسنات، فإذا هي سيئات».
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، قال الفضيل: «عملوا أعمالًا وحسِبوا أنَّها حسناتٌ، فإذا هي سيئاتٌ».
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ قال سفيانُ الثَّوري في هذه الآيةِ: «ويلٌ لأهلِ الرِّياءِ، ويلٌ لأهلِ الرِّياءِ، هذه آيتُهم وقصَّتُهم».
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ حينما تتبدد الأوهام وينصب ميزان العدل، جبال من الحسنات تعود هباء، وذرة من الخير تعود جبالًا!
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ قال مجاهد: «عملوا أعمالًا توهموا أنها حسنات، فإذا هي سيئات»، نعوذ بالله من الخذلان.
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ قال سفيان الثوري: «ويلٌ لأهل الرياء، ويلٌ لأهل الرياء، هذه آيتُهم وقِصَّتُهم».
وقفة
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ سيئات نسوها، أعمال لم يظنوا أنها سيئات، أعمال ظنوها قربات وهي عليهم وبال.
تفاعل
[47] ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[47] قال عكرمة بن عمار: «جزِع محمد بن المنكدر عند موته جزعًا شديدًا، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب».
وقفة
[47] قِيْلَ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ -إعجابًا به-: أَنْتَ أَنْتَ، وَمَنْ مِثْلُكَ؟! قَالَ: «لاَ تَقُوْلُوا هَكَذَا، لاَ أَدْرِي مَا يَبْدُو لِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ سَمِعْتُ اللهَ يَقُوْلُ: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾».
عمل
[47] احرص على تفقد عملك من إخلاص النية وموافقته للسنة ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.
عمل
[47] حدد عملًا أنت متردد في صحته، واسأل أحد العلماء عن حكمه ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.
وقفة
[47] قد يعمل الإنسان عملًا يظنه لله، وهو يفعله للناس، فالإخلاص عزيز ﴿وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون﴾.
وقفة
[47] تيقَّن من سلامة منهجك وإخلاص قلبك، قبل أن تفاجأ غدًا بأن ما كنت تحسبه حسنًا وصوابًا، ليس إلا ضلالًا: ﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾.
وقفة
[47] قام ابن المنكدر يصلي من الليل، فكثر بكاؤه في صلاته، ففزع أهله، فأرسلوا إلى صديقه أبي حازم، فسأله: ما الذي أبكاك؟ فقال: مرَّ بي قوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، فبكى أبو حازم معه واشتد بكاؤهما، فقال أهل ابن المنكدر: «جئنا بك؛ لتفرج عنه فزدته!».

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ أَنَّ:
  • الواو استئنافية. لو: حرف شرط‍ غير جازم. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «ان» واسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره «ثبت» التقدير: لو ثبت تملكهم كل ما في الأرض لافتدوا به.
  • ﴿ لِلَّذِينَ:
  • اللام حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر «ان» المقدم.
  • ﴿ ظَلَمُوا:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وحذف مفعولها اختصارا أي ظلموا أنفسهم.
  • ﴿ ما فِي الْأَرْضِ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم «انّ» في الأرض: جار ومجرور متعلق بمضمر محذوف تقديره: استقر أو هو مستقر.وجملة «استقر في الأرض» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ جَمِيعاً:
  • توكيد للمؤكد ما فِي الْأَرْضِ» ويجوز أن يكون حالا من «ما» وهو منصوب. وهو على الوجه الأول أي كله وعلى الوجه الثاني أي كون الكلمة حالا بمعنى: مجتمعين.
  • ﴿ وَمِثْلَهُ مَعَهُ:
  • معطوفة بالواو على الموصول الثاني «ما» منصوبة مثله وعلامة نصبها الفتحة وهي مضافة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.بتقدير: وانّ لهم مثله. مع: ظرف مكان متعلق بحال محذوفة لمثله. بتقدير: كائنا أو موازيا. منصوب على الظرفية وهو مضاف والهاء ضمير ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لافْتَدَوْا بِهِ:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. واللام واقعة في جواب «لو» افتدوا: فعل ماض مبني على الفتح أو الضم المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة ولالتقاء الساكنين. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والفتحة دالة على الألف المحذوفة. به: جار ومجرور متعلق بافتدوا. أي تعدى الفعل بحرف الجر لأن التقدير: لافتدوه. بمعنى لبذلوا كل ما ملكوا لفداء أنفسهم به.
  • ﴿ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ:
  • جار ومجرور متعلق بمفعول له محذوف بتقدير:لتحاموا به من سوء العذاب أي توقيا أو تجنبا من شدة العذاب بمعنى:خوفا من شدته. العذاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة
  • ﴿ يَوْمَ الْقِيامَةِ:
  • مفعول فيه-ظرف زمان-متعلق بافتدوا. وهو منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. القيامة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ وَبَدا لَهُمْ:
  • الواو عاطفة. بدا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق ببدا. أي لظهر أو تبين لهم
  • ﴿ مِنَ اللهِ ما:
  • جار ومجرور متعلق ببدا. أي من عذاب الله فحذف المضاف المجرور وحل محله المضاف اليه. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل «بدا».
  • ﴿ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكونوا: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع اسمها والألف فارقة. يحتسبون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يحتسبون» في محل نصب خبر «يكون» بمعنى: ما لم يكن يخطر لهم على بال جزاء ما اقترفوه.'

المتشابهات :

المائدة: 36﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
الرعد: 18﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ
الزمر: 47﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [47] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ أنَّه الحاكِمُ بيْنَ عِبادِه، وذكَرَ مَقالةَ المُشرِكينَ وشناعتَها؛ كأنَّ النُّفوسَ تشَوَّفَت إلى ما يَفعَلُ اللهُ بهم يومَ القيامةِ؛ أخبَرَ هنا أنَّ لهم سُوءَ العَذابِ، أي: أشَدَّه وأفْظَعَه، كما قالوا أشَدَّ الكُفرِ وأشْنَعَه، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف