4265556575859606162

الإحصائيات

سورة الأحزاب
ترتيب المصحف33ترتيب النزول90
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات10.00
عدد الآيات73عدد الأجزاء0.56
عدد الأحزاب1.12عدد الأرباع4.50
ترتيب الطول15تبدأ في الجزء21
تنتهي في الجزء22عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 4/10 يا أيها النبي: 1/3

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (55) الى الآية رقم (58) عدد الآيات (4)

لمَّا ذَكَرَ اللهُ أنَّ نساءَه ﷺ لا يُسْألنَ متاعًا إلَّا مِن وراءِ حجابٍ؛ استثنَى هنا: المَحارمَ، ونساءَ المؤمنينَ، والأرقَّاءَ، ثُمَّ تشرِيفُه ﷺ بصَلاةِ اللهِ والملائكةِ عليه، وبيانُ جزاءِ إيذائِه وإيذاءِ المؤمنينَ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (59) الى الآية رقم (62) عدد الآيات (4)

= ثُمَّ أمرَ نَبيَّه ﷺ أن يأمُرَ أزواجَه وبناتِه ونساءَ المؤمنينَ عامَّةً بالحجابِ (آيةُ الحجاب)، ثُمَّ ذمُّ قومٍ عُرِفُوا بأَذيَّةِ النَّبي ﷺ والمُؤمنين، وهم المنافقون، وتهديدُهُم بالطَّردِ من المدينةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الأحزاب

غزوة الأحزاب والجانب الاجتماعي من حياته ﷺ / الاستسلام لله/ فضل النبي ﷺ وحقوقه

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • سورة الأحزاب تحدثت عن::   1- غزوة الأحزاب (أو الخندق)، وما حدث فيها من نصر الله لرسوله والمؤمنين وهزيمة المشركين واليهود ومن عاونهم. 2- الجانب الاجتماعي من حياة النبي ﷺ.
  • • النبي ﷺ في سورة الأحزاب::   افتتحت السورة بنداء النبي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ ، وتكرر فيها 5 مرات، في الآيات: (1، 28، 45، 50، 59). • وهيا نتأمل عدد المرات التي ذُكِرَ فيها النبي ﷺ في هذه السورة: محمد: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (40). النبي: ذُكِرَ 15 مرة، في الآيات (1، 6، 13، 28، 30، 32، 38، 45، 50، 53، 56، 59). رسول: ذُكِرَ 13 مرة، في الآيات (12، 21، 22، 31، 33، 36، 40، 53، 58، 66، 71). خاتم النبيين: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (40). شاهد: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (45). مبشر: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (45). نذير: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (45). داعٍ إلى الله: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (46). سراج منير: ذُكِرَ مرة واحدة في الآية (46).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأحزاب».
  • • معنى الاسم ::   الأحزاب: جمع حزْب، وهم جماعة من الناس تشابهت قلوبهم وأعمالهم.
  • • سبب التسمية ::   سُميت ‏‏سورة ‏الأحزاب ‏لأن ‏المشركين ‏تحزبوا ‏على ‏المسلمين ‏من ‏كل ‏جهة، ‏فاجتمع ‏كفار ‏مكة ‏مع ‏غطفان ‏ويهود بني ‏قريظة ‏وأوباش ‏العرب ‏على ‏حرب ‏المسلمين.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الاستسلام لأمر الله وشرعه.
  • • علمتني السورة ::   فضل النبي ﷺ وحقوقه.
  • • علمتني السورة ::   لا أحد أكبر من أن يُؤمر بالمعروف ويُنْهى عن المنكر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ﴾
  • • علمتني السورة ::   تقوى الله تعالى، وعدم طاعة الكفار والمنافقين، واتباع الكتاب والسنة، والتوكل على الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ... وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة ‏الأحزاب من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • اهتمت السورة ببيان بعض الأحكام التي تنظم حياة الأسرة والمجتمع تنظيمًا دقيقًا، وبينت ذلك من خلال بيت النبوة الذي يعتبر البيت القدوة للمسلمين، ومن هذه الأحكام: إبطال التبني، وجواز الزواج من زوجة الابن المتبنى إذا طلقها، وفرض الحجاب، وآداب الولائم، وغيرها من الأحكام.
    • هي أكثر سورة يتكرر فيها نداء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، تكرر فيها 5 مرات، في الآيات (1، 28، 45، 50، 59).
    • هي السورة الوحيدة التي ذُكِرَ فيها اسم أحد الصحابة صراحة، وهو زيد بن حارثة في الآية (37)، ولم يذكر اسم غيره من الصحابة في القرآن الكريم.
    • قَالَتْ عَائِشَةُ: «وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ (37)» ، وهذه الآية من أشد آيات العتاب، وهي دليل واضح أن القرآن من عند الله تعالى؛ فلو كان من عند رسول لله صلى الله عليه وسلم لكتم هذه الآية كما قالت عائشة.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستسلم دومًا لأمر الله وشرعه.
    • أن نتذكر أن الله قال لمحمد ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ﴾ (1)؛ إذا رأينا أنفسنا تأنف من النصيحة، ولا تحب الوعظ.
    • أن ندعو الله أن يعصِمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن: ﴿قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ (17).
    • أن نطبق بعضًا من السنن المهجورة: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (21).
    • أن نتدارس بعضًا من سير الصحابة؛ فهم قدوتنا: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (23).
    • أن نُسلم وننقاد لأوامرِ الشَّرعِ، فإنَّه من لوازمِ الإيمانِ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ (36).
    • أن نحسن سريرتنا كما نحسن علانيتنا: ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (54).
    • أن نكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (56).
    • أن نحذر من أذية الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة أمره: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ (57).
    • أن نحذر من أذية المؤمنين وقذفهم بما لم يفعلوا: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ (58).

تمرين حفظ الصفحة : 426

426

مدارسة الآية : [55] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ ..

التفسير :

[55] لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من آبائهن وأبنائهن وإخوانهن وأبناء إخوانهن وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة. وخِفْنَ الله -أيتها النساء- أن تتعدَّيْن ما حَدَّ لكنَّ، فتبدين من زينتكن ما ليس لكُنَّ أ

لما ذكر أنهن لا يسألن متاعًا إلا من وراء حجاب، وكان اللفظ عامًا [لكل أحد]احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون، من المحارم، وأنه{ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} في عدم الاحتجاب عنهم.

ولم يذكر فيها الأعمام، والأخوال، لأنهن إذا لم يحتجبن عمن هن عماته ولاخالاته، من أبناء الإخوة والأخوات، مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن، من باب أولى، ولأن منطوق الآية الأخرى، المصرحة بذكر العم والخال، مقدمة، على ما يفهم من هذه الآية.

وقوله{ وَلَا نِسَائِهِنَّ} أي:لا جناح عليهن ألا يحتجبن عن نسائهن، أي:اللاتي من جنسهن في الدين، فيكون ذلك مخرجًا لنساء الكفار، ويحتمل أن المراد جنس النساء، فإن المرأة لا تحتجب عن المرأة.{ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ما دام العبد في ملكها جميعه.

ولما رفع الجناح عن هؤلاء، شرط فيه وفي غيره، لزوم تقوى اللّه، وأن لا يكون في محذور شرعي فقال:{ وَاتَّقِينَ اللَّهَ} أي:استعملن تقواه في جميع الأحوال{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} يشهد أعمال العباد، ظاهرها وباطنها، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم، ثم يجازيهم على ذلك، أتم الجزاء وأوفاه.

قال القرطبي: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم:

ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية: لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ.. .

فالآية الكريمة مسوقة لبيان من لا يجب على النساء أن يحتجبن منه.

أى: لا حرج ولا إثم على أمهات المؤمنين ولا على غيرهن من النساء، في ترك الحجاب بالنسبة لآبائهن، أو أبنائهن أو إخوانهن، أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن، أو نسائهن اللاتي تربطهن بهن رابطة قرابة أو صداقة، أو ما ملكت أيمانهن من الذكور أو الإناث.

فهؤلاء يجوز للمرأة أن تخاطبهم بدون حجاب، وأن تظهر أمامهم بدون ساتر. وهذا لون من ألوان اليسر والسماحة في شريعة الإسلام.

ولم يذكر سبحانه- العم والخال، لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد يسمى العم أبا. كما في قوله- تعالى- حكاية عن يعقوب: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ، إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي، قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وإسماعيل كان عما ليعقوب لا أبا له.

قال الجمل: وقوله: وَلا نِسائِهِنَّ أى: ولا جناح على زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم في عدم الاحتجاب عن نسائهن، أى: عن النساء المسلمات وإضافتهن لهن من حيث المشاركة في الوصف، وهو الإسلام، وأما النساء الكافرات فيجب على أزواج النبي الاحتجاب عنهن،كما يجب على سائر المسلمات. أى: ما عدا ما يبدو عند المهنة، أما هو فلا يجب على المسلمات حجبه وستره عن الكافرات.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، أَوْ آبائِهِنَّ، أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ، أَوْ أَبْنائِهِنَّ، أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ ... الآية.

ثم عقب. سبحانه هذا الترخيص والتيسير بقوله: وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً.

والجملة الكريمة معطوفة على محذوف، والتقدير: لقد أبحت لكن يا معشر النساء مخاطبة هؤلاء الأصناف بدون حجاب: فامتثلن أمرى، واتقين الله- تعالى- في كل أحوالكن، واحرصن على العفاف والتستر والاحتشام، لأن الله- تعالى- مطلع على كل ما يصدر عنكن، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.

لما أمر تعالى النساء بالحجاب من الأجانب ، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم ، كما استثناهم في سورة النور ، عند قوله : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن ) إلى آخرها ، [ النور : 31 ] ، وفيها زيادات على هذه . وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادته . وقد سأل بعض السلف فقال : لم لم يذكر العم والخال في هاتين الآيتين ؟ فأجاب عكرمة والشعبي : بأنهما لم يذكرا; لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما . قال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، حدثنا داود ، عن الشعبي وعكرمة في قوله : ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن ) قلت : ما شأن العم والخال لم يذكرا ؟ قالا هما ينعتانها لأبنائهما . وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها .

وقوله : ( ولا نسائهن ) : يعني بذلك : عدم الاحتجاب من النساء المؤمنات .

وقوله : ( ولا ما ملكت أيمانهن ) يعني به أرقاءهن من الذكور والإناث ، كما تقدم التنبيه عليه ، وإيراد الحديث فيه .

قال سعيد بن المسيب : إنما يعني به الإماء فقط . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : ( واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا ) أي : واخشينه في الخلوة والعلانية ، فإنه شهيد على كل شيء ، لا تخفى عليه خافية ، فراقبن الرقيب .

القول في تأويل قوله تعالى : لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)

يقول تعالى ذكره: لا حرج على أزواج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في آبائهن ولا إثم.

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وضع عنهن الجناح في هؤلاء؛ فقال بعضهم: وضع عنهن الجناح في وضع جلابيبهن عندهم .

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ابن أَبي ليلى، عن &; 20-318 &; عبد الكريم، عن مجاهد في قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ ...) الآية كلها، قال: أن تضع الجلباب.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ) ومن ذكر معه أن يروهن.

وقال آخرون: وضع عنهن الجناح فيهن في ترك الاحتجاب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة في قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ ...) إلى (شَهِيدًا) : فرخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك وضع الجناح عنهن في هؤلاء المسلمين أن لا يحتجبن منهم؛ وذلك أن هذه الآية عقيب آية الحجاب، وبعد قول الله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فلا يكون قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ) استثناء من جملة الذين أمروا بسؤالهن المتاع من وراء الحجاب إذا سألوهن ذلك أولى وأشبه من أن يكون خبر مبتدأ عن غير ذلك المعنى.

فتأويل الكلام إذن: لا إثم على نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأمهات المؤمنين في إذنهن لآبائهن وترك الحجاب منهن، ولا لأبنائهن ولا لإخوانهن ولا لأبناء إخوانهن . وعنى بإخوانهن وأبناء إخوانهن إخوتهن وأبناء إخوتهن. وخرج معهم جمع ذلك مخرج جمع فتى إذا جمع فتيان، فكذلك جمع أخ إذا جمع إخوان. وأما إذا جمع إخوة، فذلك نظير جمع فتى إذا جمع فتية، ولا أبناء إخوانهن، ولم يذكر في ذلك العم على ما قال الشعبي حذرًا من أن يصفهن لأبنائه.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن

داود، عن الشعبي وعكرمة في قوله: ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) قلت: ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قال: لأنهما ينعتانها لأبنائهما، وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.

حدثنا ابن المثنى، ، قال: ثنا أَبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن داود، عن عكرمة والشعبي نحوه، غير أنه لم يذكر ينعتانها.

وقوله (وَلا نِسَائِهِنَّ) يقول: ولا جناح عليهن أيضا في أن لا يحتجبن من نساء المؤمنين.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلا نِسَائِهِنَّ) قال: نساء المؤمنات الحرائر ليس عليهن جناح أن يرين تلك الزينة، قال: وإنما هذا كله في الزينة، قال: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورة المرأة. قال: ولو نظر الرجل إلى فخذ الرجل لم أر به بأسًا، قال: (وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) فليس ينبغي لها أن تكشف قرطها للرجل، قال: وأما الكحل والخاتم والخضاب فلا بأس به، قال: والزوج له فضل والآباء من وراء الرجل لهم فضل، قال: والآخرون يتفاضلون، قال: وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة، قال: وكان أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يحتجبن من المماليك. وقوله (وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) من الرجال والنساء، وقال آخرون: من النساء. وقوله: (وَاتَّقِينَ اللَّهَ) يقول: وخفن الله أيها النساء أن تتعدين ما حد الله لكن، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن أن تبدينه، أو تتركن الحجاب الذي أمركن الله بلزومه، إلا فيما أباح لكن تركه، والْزمْنَ طاعته ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) يقول تعالى ذكره: إن الله شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن، وترككن الحجاب لمن أبحت لكن ترك ذلك له، وغير ذلك من أموركن، يقول: فاتقين الله في أنفسكن لا تلقين الله، وهو شاهد عليكم، بمعصيته، وخلاف أمره ونهيه، فتهلكن، فإنه شاهد على كل شيء.

التدبر :

وقفة
[55] ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ قال القرطبي: «لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله ونحن أيضًا نکلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية»، فالآية لبيان من لا يجب على النساء أن يحتجبن منه.
لمسة
[55] ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّـهَ﴾ خص النساء بالذكر، وعينهن في هذا الأمر؛ لقلة تحفظهن، وكثرة استرسالهن، والله أعلم.

الإعراب :

  • ﴿ لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل «ان».جناح: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب وخبرها محذوف وجوبا، عليهن: جار ومجرور متعلق بخبر «لا» و «هن» ضمير الغائبات يعود على نساء النبي. اي لا إثم كائن عليهن.
  • ﴿ فِي آبائِهِنَّ:
  • جار ومجرور متعلق بجناح. و «هن» ضمير الغائبات في محل جر بالاضافة. اي في ان لا يحتجبن من آبائهن.
  • ﴿ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «آبائهن» وتعربان اعرابها. و «لا» زائدة لتأكيد النفي.
  • ﴿ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ:
  • الواو عاطفة. لا: اعربت: ابناء: مجرورة لانها معطوفة على مجرور. اخوان: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. و «هن» ضمير الغائبات في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ:
  • تعرب اعراب وَلا أَبْناءِ إِخْاانِهِنَّ». الواو عاطفة. نسائهن: تعرب اعراب «آبائهن».
  • ﴿ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ:
  • الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. ما:اسم موصول مبني على السكون في محل جر لانه معطوف على مجرور.ملكت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. ايمان:فاعل مرفوع بالضمة. و «هن» ضمير الغائبات في محل جر بالاضافة. وجملة مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد- الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به التقدير: ما ملكته ايمانهن. وهو كناية عن الإماء بمعنى لا اثم في مقابلة كل هؤلاء من دون حجاب.
  • ﴿ وَاتَّقِينَ اللهَ:
  • الواو استئنافية نقلت الكلام من الغيبة الى المخاطبة. اتقين: فعل امر مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة. النون نون النسوة- الاناث-مبني على الفتح في محل رفع فاعل. الله: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً:
  • اعربت في الآية الكريمة السابقة. بمعنى: كان شاهدا بكل شيء من السر والعلن وظاهر الحجاب وباطنه. والمخاطبة لنساء الرسول الكريم. اي واتقين يا نساء النبي.'

المتشابهات :

النساء: 86﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
النساء: 33﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
الأحزاب: 55﴿وَاتَّقِينَ اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [55] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ اللهُ أنَّ نساءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُسْألنَ متاعًا إلَّا مِن وراءِ حجابٍ، وكان اللَّفظُ عامًّا لكُلِّ أحدٍ؛ استثنَى هنا: المَحارمَ، ونساءَ المؤمنينَ، والأرقَّاءَ، قال تعالى:
﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [56] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ..

التفسير :

[56] إن الله تعالى يُثْني على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الملائكة المقربين، وملائكتَه يُثْنون على النبي ويدعون له، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، صلُّوا على رسول الله وسلِّموا تسليماً، تحية وتعظيماً له. وصفة الصلاة على النبي -صلى الله

وهذا فيه تنبيه على كمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ورفعة درجته، وعلو منزلته عند اللّه وعند خلقه، ورفع ذكره. و{ إِنَّ اللَّهَ} تعالى{ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} عليه، أي:يثني اللّه عليه بين الملائكة، وفي الملأ الأعلى، لمحبته تعالى له، وتثني عليه الملائكة المقربون، ويدعون له ويتضرعون.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اقتداء باللّه وملائكته، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلاً لإيمانكم، وتعظيمًا له صلى اللّه عليه وسلم، ومحبة وإكرامًا، وزيادة في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، ما علم به أصحابه:"اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة

ثم أثنى الله- تعالى- على نبيه ثناء كبيرا وأمر المؤمنين بأن يعظموه ويوقروه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

قال القرطبي ما ملخصه: هذه الآية شرف الله بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حياته وموته، وذكر منزلته منه.. والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره..

والضمير في يُصَلُّونَ لله- تعالى- ولملائكته. وهذا قول من الله شرف به ملائكته..

أو في الكلام حذف. والتقدير: إن الله يصلى وملائكته يصلون.

وقال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية الكريمة، أن الله- تعالى- أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى: بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه، ثم أمر الله أهل العالم السفلى بالصلاة والتسليم عليه. ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلى جميعا .

والمعنى: إن الله- تعالى- يثنى على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم ويرضى عنه، وإن الملائكة تثنى عليه صلّى الله عليه وسلّم وتدعو له بالظفر بأعلى الدرجات وأسماها.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ أى: عظموه ووقروه وادعوا له بأرفع الدرجات وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أى: وقولوا: السلام عليك أيها النبي. والسلام: مصدر بمعنى السلامة.

أى: السلامة من النقائص والآفات ملازمة لك.

والتعبير بالجملة الاسمية في صدر الآية، للإشعار بوجوب المداومة والاستمرار على ذلك.

وخص المؤمنين بالتسليم، لأن الآية وردت بعد النهى عن إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلم، والإيذاء له صلّى الله عليه وسلّم إنما يكون من البشر.

وقد ساق المفسرون- وعلى رأسهم ابن كثير والقرطبي والآلوسى- أحاديث متعددة في فضل الإكثار من الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم، وفي كيفية الصلاة عليه..

ومنها: ما رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن عامر بن ربيعة قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «من صلّى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلّى على، فليقلّ عبد من ذلك أو ليكثر» .

ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الآية قلنا:

يا رسول الله، قد علمنا السلام، فكيف الصلاة عليك، قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

والآية الكريمة تدل على وجوب الصلاة والسلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون الصادقون هم الذين يكثرون من ذلك. قال صاحب الكشاف ما ملخصه: فإن قلت: الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة، وقد اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره صلّى الله عليه وسلّم ومنهم من قال تجب في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره.

ومنهم من أوجبها في العمر مرة.. والذي يقتضيه الاحتياط: الصلاة عليه عند كل ذكر..

لما ورد من الأخبار في ذلك.

ومنها: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على».

قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله : ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة : الدعاء . وقال ابن عباس : يصلون : يبركون . هكذا علقه البخاري عنهما .

وقد رواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية كذلك . وروي مثله عن الربيع أيضا . وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كما قاله سواء ، رواهما ابن أبي حاتم .

وقال أبو عيسى الترمذي : وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا : صلاة الرب : الرحمة ، وصلاة الملائكة : الاستغفار .

ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو الأودي ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، قال الأعمش عن عطاء بن أبي رباح ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) قال : صلاته تبارك وتعالى : سبوح قدوس ، سبقت رحمتي غضبي .

والمقصود من هذه الآية : أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه . ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر - يعني : ابن المغيرة - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام : هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه : يا موسى ، سألوك : " هل يصلي ربك ؟ " فقل : نعم ، إنما أصلي أنا وملائكتي على أنبيائي ورسلي . فأنزل الله عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى ، يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب : 41 - 43 ] . وقال تعالى : ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) [ البقرة : 155 - 157 ] . وفي الحديث : " إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " . وفي الحديث الآخر : " اللهم ، صل على آل أبي أوفى " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر - وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها - " صلى الله عليك ، وعلى زوجك .

وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه ، وكيفية الصلاة عليه ، ونحن نذكر منها إن شاء الله تعالى ما تيسر ، والله المستعان .

قال البخاري - عند تفسير هذه الآية - : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال : قيل : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟ فقال : " قولوا : اللهم ، صل على محمد ، وعلى آل محمد ، [ كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم ، بارك على محمد وعلى آل محمد ] كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم قال : سمعت ابن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا - أو : عرفنا - كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة ؟ قال : " قولوا : اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على [ آل ] إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من طرق متعددة ، عن الحكم - وهو ابن عتبة زاد البخاري : وعبد الله بن عيسى ، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا هشيم بن بشير ، عن يزيد بن أبي زياد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . قال : قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام فكيف الصلاة عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . إنك حميد مجيد " . وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : وعلينا معهم .

ورواه الترمذي بهذه الزيادة .

ومعنى قولهم : " أما السلام عليك فقد عرفناه " : هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه ، كما كان يعلمهم السورة من القرآن ، وفيه : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " .

حديث آخر : قال البخاري : حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هذا السلام فكيف نصلي عليك : قال : " قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على آل إبراهيم . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم " . [ وفي رواية ] : قال أبو صالح ، عن الليث : " على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم " .

حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي ، عن يزيد - يعني ابن الهاد - قال : " كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " .

وأخرجه النسائي وابن ماجه ، من حديث ابن الهاد ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : قرأت على عبد الرحمن : مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم " صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على [ آل ] إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .

وقد أخرجه بقية الجماعة ، سوى الترمذي ، من حديث مالك ، به .

حديث آخر : قال مسلم : حدثنا يحيى التميمي قال : قرأت على مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - قال : وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري - قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك [ يا رسول الله ] ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم " .

وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث مالك ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال : " قولوا : اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد . . . " وذكره .

ورواه الشافعي رحمه الله في مسنده ، عن أبي هريرة ، بمثله . ومن هاهنا ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ، فإن تركه لم تصح صلاته . وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة ، ويزعم أنه قد تفرد بذلك ، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم ، فيما نقله القاضي عياض . وقد تعسف القائل في رده على الشافعي ، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك ، [ وقال ما لم يحط به علما ] ، فإنه قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية ، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، منهم : ابن مسعود ، وأبو مسعود البدري ، وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : الشعبي ، وأبو جعفر الباقر ، ومقاتل بن حيان . وإليه ذهب الشافعي ، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضا ، وإليه ذهب [ الإمام ] أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي ، به . وبه قال إسحاق ابن راهويه ، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي ، رحمهم الله ، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه ، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على الآل ممن حكاه البندنيجي ، وسليم الرازي ، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي ، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولا عن الشافعي . والصحيح أنه وجه ، على أن الجمهور على خلافه ، وحكوا الإجماع على خلافه ، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث ، والله أعلم .

والغرض أن الشافعي رحمه الله لقوله بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة - سلف وخلف كما تقدم ، لله الحمد والمنة ، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديما ولا حديثا ، والله أعلم .

ومما يؤيد ذلك : الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي - وصححه - والنسائي وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، من رواية حيوة بن شريح المصري ، عن أبي هانئ حميد بن هانئ ، عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي ، عن فضالة بن عبيد ، رضي الله عنه ، قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته ، لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجل هذا " . ثم دعاه فقال له ولغيره : " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، عز وجل ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع [ بعد ] بما شاء " .

وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه ، من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار .

ولكن عبد المهيمن هذا متروك . وقد رواه الطبراني من رواية أخيه " أبي بن عباس " ، ولكن في ذلك نظر . وإنما يعرف من رواية " عبد المهيمن " ، والله أعلم .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إسماعيل ، عن أبي داود الأعمى ، عن بريدة قال : قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " .

أبو داود الأعمى اسمه : نفيع بن الحارث ، متروك .

حديث آخر موقوف : رويناه من طريق سعيد بن منصور وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون ، ثلاثتهم عن نوح بن قيس : حدثنا سلامة الكندي : أن عليا ، رضي الله عنه ، كان يعلم الناس هذا الدعاء : اللهم داحي المدحوات ، وبارئ المسموكات ، وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها . اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، ورأفة تحننك ، على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما أغلق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ جيشات الأباطيل ، كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك ، مستوفزا في مرضاتك ، غير نكل في قدم ، ولا وهن في عزم ، واعيا لوحيك ، حافظا لعهدك ، ماضيا على نفاذ أمرك ، حتى أورى قبسا لقابس ، آلاء الله تصل بأهله أسبابه ، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم ، [ وأقام ] موضحات الأعلام ، ومنيرات الإسلام ونائرات الأحكام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيدك يوم الدين ، وبعيثك نعمة ، ورسولك بالحق رحمة . اللهم افسح له مفسحات في عدلك ، واجزه مضاعفات الخير من فضلك . مهنآت له غير مكدرات ، من فوز ثوابك المعلول ، وجزيل عطائك المجمول . اللهم أعل على بناء البانين بنيانه وأكرم مثواه لديك ونزله . وأتمم له نوره ، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ، مرضي المقالة ، ذا منطق عدل ، وخطة فصل ، وحجة وبرهان عظيم .

هذا مشهور من كلام علي ، رضي الله عنه ، وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث ، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن في إسناده نظرا .

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : سلامة الكندي هذا ليس بمعروف ، ولم يدرك عليا . كذا قال . وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ ، عن سعيد بن منصور ، حدثنا نوح بن قيس ، عن سلامة الكندي قال : كان علي ، رضي الله عنه ، يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : " اللهم ، داحي المدحوات " وذكره .

حديث آخر موقوف : قال ابن ماجه : [ حدثنا الحسين بن بيان ] ، حدثنا زياد بن عبد الله ، حدثنا المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فاختة ، عن الأسود بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه ; فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه . قال : فقالوا له : فعلمنا . قال : قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، محمد عبدك ورسولك ، إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة . اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد [ وعلى آل محمد ] ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

وهذا موقوف ، وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن عمرو - أو : عمر - على الشك من الراوي قريبا من هذا .

حديث آخر : قال قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا أبو إسرائيل ، عن يونس بن خباب قال : خطبنا بفارس فقال : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، فقال : أنبأني من سمع ابن عباس يقول : هكذا أنزل . فقلنا - أو : قالوا - يا رسول الله ، علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : " اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما رحمت آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، [ وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ] .

فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما هو قول الجمهور : ويعضده حديث الأعرابي الذي قال : اللهم ، ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد حجرت واسعا " .

وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه ، قال : وأجازه أبو محمد بن أبي زيد .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا شعبة ، عن عاصم بن عبيد الله قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر " .

ورواه ابن ماجه ، من حديث شعبة ، به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ، ويونس - هو ابن محمد - قالا حدثنا ليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود ، حتى خفت - أو : خشيت - أن يكون الله قد توفاه أو قبضه . قال : فجئت أنظر ، فرفع رأسه فقال : " ما لك يا عبد الرحمن ؟ " قال : فذكرت ذلك له فقال : " إن جبريل ، عليه السلام ، قال لي : ألا أبشرك ؟ إن الله ، عز وجل ، يقول : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه " .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته ، فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجدا ، فأطال السجود ، حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها ، فدنوت منه ثم جلست ، فرفع رأسه فقال : " من هذا ؟ " فقلت : عبد الرحمن . قال : " ما شأنك ؟ " قلت : يا رسول الله ، سجدت سجدة خشيت أن [ يكون ] الله ، عز وجل ، قبض نفسك فيها . فقال : " إن جبريل أتاني فبشرني أن الله ، عز وجل ، يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه - فسجدت لله عز وجل ، شكرا " .

حديث آخر : قال [ الحافظ ] أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن ريسان ، [ حدثنا عمرو بن الربيع بن طارقة ] ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا عبد الله بن عمر ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحدا يتبعه ، ففزع عمر ، فأتاه بمطهرة من خلفه ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا في مشربة ، فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ، فقال : " أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال : من صلى عليك من أمتك واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات ، ورفعه عشر درجات " .

وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه " المستخرج على الصحيحين " .

وقد رواه إسماعيل القاضي ، عن القعنبي ، عن سلمة بن وردان ، عن أنس ، عن عمر بنحوه .

ورواه أيضا عن يعقوب بن حميد ، عن أنس بن عياض ، عن سلمة بن وردان ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب ، بنحوه .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا بندار ، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثني موسى بن يعقوب الزمعي ، حدثني عبد الله بن كيسان ; أن عبد الله بن شداد أخبره ، عن عبد الله بن مسعود ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة " .

تفرد بروايته الترمذي رحمه الله ثم قال : هذا حديث حسن غريب .

حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني آت من ربي فقال لي : ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا " . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، ألا أجعل نصف دعائي لك ؟ قال : " إن شئت " . قال : ألا أجعل ثلثي دعائي لك ؟ قال : " إن شئت " . قال : ألا أجعل دعائي لك كله ؟ قال : " إذن يكفيك الله هم الدينا وهم الآخرة " . فقال شيخ - كان بمكة ، يقال له : منيع - لسفيان : عمن أسنده ؟ قال : لا أدري .

حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا سعيد بن سلام العطار ، حدثنا سفيان - يعني الثوري - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في جوف الليل فيقول : " جاءت الراجفة ، تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه " . قال أبي : يا رسول الله ، إني أصلي من الليل ، أفأجعل لك ثلث صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشطر " . قال : أفأجعل لك شطر صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الثلثان " . قال أفأجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : " إذن يغفر الله ذنبك كله " .

وقد رواه الترمذي بنحوه فقال : حدثنا هناد ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال : " يا أيها الناس ، اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه " . قال أبي : قلت : يا رسول الله ، إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : " ما شئت " . قلت : الربع ؟ قال : " ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك " . قلت : فالنصف ؟ قال : " ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك " . قلت : فالثلثين ؟ قال : " ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك " . قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : " إذن تكفى همك ، ويغفر لك ذنبك " .

ثم قال : هذا حديث حسن .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي ، عن أبيه قال : قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال : " إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن سليمان مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبيه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم ، والسرور يرى في وجهه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا لنرى السرور في وجهك . فقال : " إنه أتاني الملك فقال : يا محمد ، أما يرضيك أن ربك ، عز وجل ، يقول : إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا ؟ قال : بلى " .

ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة ، به . وقد رواه إسماعيل القاضي ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ثابت ، عن أبي طلحة ، بنحوه .

طريق أخرى : قال [ الإمام ] أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر ، عن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن أبي طلحة الأنصاري قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس ، يرى في وجهه البشر ، قالوا : يا رسول الله ، أصبحت اليوم طيب النفس ، يرى في وجهك البشر ؟ قال : " أجل ، أتاني آت من ربي ، عز وجل ، فقال : من صلى عليك من أمتك صلاة ، كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، ورد عليه مثلها " .

وهذا أيضا إسناد جيد ، ولم يخرجوه .

حديث آخر : روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه; عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى علي واحدة ، صلى الله عليه بها عشرا " .

قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف ، وعامر بن ربيعة ، وعمار ، وأبي طلحة ، وأنس ، وأبي بن كعب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلوا علي; فإنها زكاة لكم . وسلوا الله لي الوسيلة; فإنها درجة في أعلى الجنة ، لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون أنا هو " . تفرد به أحمد ، وقد رواه البزار من طريق مجاهد ، عن أبي هريرة ، بنحوه فقال : حدثنا محمد بن إسحاق البكالي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا داود بن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلوا علي; فإنها زكاة لكم ، وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة " فسألناه - أو : أخبرنا - فقال : " هي درجة في أعلى الجنة ، وهي لرجل ، وأنا أرجو أن أكون ذلك الرجل " .

في إسناده بعض من تكلم فيه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، [ عن عبد الله بن هبيرة ] ، عن عبد الرحمن بن مريج الخولاني ، سمعت أبا قيس - مولى عمرو بن العاص - سمعت عبد الله بن عمرو يقول : من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر . وسمعت عبد الله بن عمرو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال : " أنا محمد النبي الأمي - قاله ثلاث مرات - ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش ، وتجوز بي ، عوفيت وعوفيت أمتي ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه " .

حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو سلمة الخراساني ، حدثنا أبو إسحاق ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ذكرت عنده فليصل علي ، ومن صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا " .

ورواه النسائي في " اليوم والليلة " ، من حديث أبي داود الطيالسي ، عن أبي سلمة - وهو المغيرة بن مسلم الخراساني - عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن أنس ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يونس بن عمرو - يعني يونس بن أبي إسحاق - عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى علي صلاة واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات ، وحط عنه عشر خطيئات " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد [ قالا ] : حدثنا سليمان بن بلال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن الحسين ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " البخيل من ذكرت عنده ، ثم لم يصل علي " . وقال أبو سعيد : " فلم يصل علي " .

ورواه الترمذي من حديث سليمان بن بلال ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب صحيح .

ومن الرواة من جعله من مسند " الحسين بن علي " ، ومنهم من جعله من مسند " علي " نفسه . حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن معبد بن هلال العنزي ، حدثنا رجل من أهل دمشق ، عن عوف بن مالك ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي " .

حديث آخر مرسل : قال إسماعيل : وحدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي " ، صلوات الله عليه .

حديث آخر : قال الترمذي : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي . [ ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يغفر له ] ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة " . ثم قال : حسن غريب .

قلت : وقد رواه البخاري في الأدب ، عن محمد بن عبيد الله ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة مرفوعا ، بنحوه . ورويناه من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، به . قال الترمذي : وفي الباب عن جابر وأنس .

قلت : وابن عباس ، وكعب بن عجرة ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام وعند قوله تعالى : ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ) [ الإسراء : 23 ] .

وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وهو مذهب طائفة من العلماء [ منهم الطحاوي والحليمي ] ، ويتقوى بالحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه :

حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة " .

جبارة ضعيف . ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة " . وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله [ والله أعلم ] .

وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة في المجلس مرة واحدة ، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس ، بل تستحب . نقله الترمذي عن بعضهم ، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي :

حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن صالح - مولى التوأمة - عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة ، فإن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم " .

تفرد به الترمذي من هذا الوجه . ورواه الإمام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون ، كلاهما عن ابن أبي ذئب ، عن صالح - مولى التوأمة - عن أبي هريرة ، مرفوعا مثله . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن .

وقد روي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير وجه ، وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة ، عن سليمان ، عن ذكوان ، عن أبي سعيد قال : " ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا كان عليهم حسرة ، وإن دخلوا الجنة لما يرون [ من ] الثواب " .

وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ، عليه السلام ، في العمر مرة واحدة ، امتثالا لأمر الآية ، ثم هي مستحبة في كل حال ، وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة . قال : وقد حكى الطبراني أن محمل الآية على الندب ، وادعى فيه الإجماع . قال : ولعله فيما زاد على المرة ، والواجب منه مرة كالشهادة له بالنبوة ، وما زاد على ذلك فمندوب مرغب فيه من سنن الإسلام ، وشعار أهله .

قلت : وهذا قول غريب ، فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة ، فمنها واجب ، ومنها مستحب على ما نبينه .

فمنه : بعد النداء للصلاة ; للحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، حدثنا كعب بن علقمة ، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يقول : إنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي; فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " .

وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث كعب بن علقمة

طريق أخرى : قال إسماعيل القاضي : حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا عمرو بن علي ، عن أبي بكر الجشمي ، عن صفوان بن سليم ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله لي الوسيلة ، حقت عليه شفاعتي يوم القيامة " .

حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا سعيد بن زيد ، عن ليث ، عن كعب - هو كعب الأحبار - عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلوا علي ، فإن صلاتكم علي زكاة لكم ، وسلوا الله لي الوسيلة " . قال : فإما حدثنا وإما سألناه ، فقال : " الوسيلة أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون ذلك الرجل " .

ثم رواه عن محمد بن أبي بكر ، عن معتمر ، عن ليث - وهو ابن أبي سليم - به . وكذا الحديث الآخر :

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم ، عن وفاء الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى على محمد وقال : اللهم ، أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي " .

وهذا إسناد لا بأس به ، ولم يخرجوه .

أثر آخر قال إسماعيل القاضي : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثني معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، سمعت ابن عباس يقول : اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى ، وارفع درجته العليا ، وأعطه سؤله في الآخرة والأولى ، كما آتيت إبراهيم وموسى ، عليهما السلام . إسناد جيد قوي صحيح .

ومن ذلك : عند دخول المسجد والخروج منه : للحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين ، عن جدته [ فاطمة ] بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال : " اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك " . وإذا خرج صلى على محمد وسلم ، ثم قال : " اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك " .

وقال إسماعيل القاضي : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا سفيان بن عمر التميمي ، عن سليمان الضبي ، عن علي بن الحسين قال : قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فقد قدمنا الكلام عليها في التشهد الأخير ، ومن ذهب إلى ذلك من العلماء مع الشافعي ، رحمه الله . وأما التشهد الأول فلا تجب فيه قولا واحدا ، وهل تستحب ؟ على قولين للشافعي .

ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة : فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب ، وفي الثانية أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الثالثة يدعو للميت ، وفي الرابعة يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده .

قال الشافعي ، رحمه الله : حدثنا مطرف بن مازن ، عن معمر ، عن الزهري : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة ، وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها ، ثم يسلم سرا في نفسه

ورواه النسائي ، عن أبي أمامة نفسه أنه قال : من السنة ، فذكره .

وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح .

ورواه إسماعيل القاضي ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : السنة في الصلاة على الجنازة . . . فذكره .

وهكذا روي عن أبي هريرة ، وابن عمر ، والشعبي .

ومن ذلك : في صلاة العيد : قال إسماعيل القاضي : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام الدستوائي ، حدثنا حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يوما قبل العيد ، فقال لهم : إن هذا العيد قد دنا ، فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله : تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة ، وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو ، وتكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تقرأ ، ثم تكبر وتركع ، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تركع . فقال حذيفة وأبو موسى : صدق أبو عبد الرحمن . إسناد صحيح

ومن ذلك : أنه يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي :

حدثنا أبو داود ، أخبرنا النضر بن شميل ، عن أبي قرة الأسدي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب قال : الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد حتى تصلي على نبيك .

وهكذا رواه أيوب بن موسى ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، قوله . ورواه معاذ بن الحارث ، عن أبي قرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر مرفوعا . وكذا رواه رزين بن معاوية في كتابه مرفوعا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد حتى يصلى علي ، فلا تجعلوني كغمر الراكب ، صلوا علي أول الدعاء وأوسطه وآخره " .

وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حميد الكشي [ حيث ] قال : حدثنا جعفر بن عون ، أخبرنا موسى بن عبيدة ، عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : قال جابر : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجعلوني كقدح الراكب ، إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء ، فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما فيه ، اجعلوني في أول الدعاء ، وفي ، وسط الدعاء ، وفي آخر الدعاء " . فهذا حديث غريب ، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث .

ومن [ آكد ] ذلك : دعاء القنوت : لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، من حديث أبي الحوراء ، عن الحسن بن علي ، رضي الله عنهما ، قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت تباركت [ ربنا ] وتعاليت " .

وزاد النسائي في سننه بعد هذا : وصلى الله على النبي محمد .

ومن ذلك : أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه [ في ] يوم الجمعة وليلة الجمعة : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن علي الجعفي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس الثقفي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي " . قالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ - يعني : وقد بليت - قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " .

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، من حديث حسين بن علي الجعفي . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني ، والنووي في الأذكار .

حديث آخر : قال أبو عبد الله بن ماجه : حدثنا عمرو بن سواد المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن ، عن عبادة بن نسي ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة; فإنه مشهود تشهده الملائكة . وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها " . قال : قلت : وبعد الموت ؟ قال : " [ وبعد الموت ] ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " [ فنبي الله حي يرزق ] .

هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفيه انقطاع بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء ، فإنه لم يدركه ، والله أعلم .

وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، ولكن في إسنادهما ضعف ، والله أعلم . وروي مرسلا عن الحسن البصري ، فقال إسماعيل القاضي :

حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن - هو البصري - يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس " . مرسل حسن .

وقال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فأكثروا الصلاة علي " . هذا مرسل .

وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين ، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك; لأنها عبادة ، وذكر الله فيها شرط ، فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة . هذا مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله .

ومن ذلك : أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره ، صلوات الله وسلامه عليه : قال أبو داود :

حدثنا ابن عوف - هو محمد - حدثنا المقري ، حدثنا حيوة ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي ، حتى أرد عليه السلام " .

تفرد به أبو داود ، وصححه النووي في الأذكار . ثم قال أبو داود :

حدثنا أحمد بن صالح قال

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)

يقول تعالى ذكره: إن الله وملائكته يبرّكون على النبي محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

كما حدثني علي، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ) يقول: يباركون على النبي. وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبي، وتدعو له ملائكته ويستغفرون، وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء . وقد بينا ذلك فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا ادعوا لنبي الله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) يقول: وحيوه تحية الإسلام .

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: أتى رجل النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال: سمعت الله يقول (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) الآية، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: " قلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إبْرَاهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلى آلِ مُحَمد، كَمَا بَارَكتَ عَلَى إبْرَاهيمَ إنكَ حَمِيد مَجِيدٌ".

حدثني جعفر بن محمد الكوفي، قال: ثنا يعلى بن الأجلح، عن &; 20-321 &; الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: لما نـزلت ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) قمت إليه، فقلت: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: " قل اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا أَبو إسرائيل، عن يونس بن خباب، قال: خطبنا بفارس فقال: (إِنَّ الَّلهَ وَمَلائِكَتَه ...) الآية، فقال: أنبأني من سمع ابن عباس يقول: هكذا أنـزل، فقلنا: أو قالوا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: " اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد ".

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن إبراهيم في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ...) الآية، قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا " اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ".

حدثني يعقوب الدورقي، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري، قال: لما نـزلت ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: " قولوا: اللهم صلِّ على محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم ".

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّ &; 20-322 &; اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) قال: لما نـزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صلِّ على محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم ". وقال الحسن: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم، إنك حميد مجيد ".

التدبر :

وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ أخبرنا الله أنه هو وملائكته يصلون، فلم يقل (صلَّوا)، بل قال: (يُصَلُّونَ)، فلا يزالون يصلون على محمد ﷺ، ومع ذلك نحن مأمورون أن نصلي عليه.
عمل
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ شـــارِكْـــهُــم نفس الصلاة، وأطلق لسانك، وثقِّل ميزانك، ورمِّم إيمانك.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ قال الرازي: «إذا صلى الله وملائكته عليه، فأي حاجة إلى صلاتنا؟ نقول: الصلاة عليه ليس لحاجته إليها، وإنما هو لإظهار تعظيمه، كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه، ولا حاجة له إليه، وإنما هو لإظهار تعظیمه منا، رحمة بنا، ليثيبنا عليه».
عمل
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ أكثر دومًا من الصلاة على النَّبِيِّ .
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ الله العظيم بدأ، والملائكة تابعت، وأُمر بذلك المؤمنون، صدق الله: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 4].
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ كم في هذا من شرف وعظم منزلة لنبينا ﷺ، هل تتمنى صلاة ربك؟ صل عليه ﷺ، وسيصلي عليك بكل صلاة عشرًا.
عمل
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ كن مع الملأ الأعلى في شرف الصلاة عليه؛ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ﷺ.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ أخبر الله سبحانه بمنزلة نبيه بالملأ الأعلى، ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة عليه.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فيها وجوب الصلاة والسلام عليه ﷺ، وقد أجمع عليه العلماء، وإنما اختلفوا في قدر الواجب منه، فقيل: مرة في العمر، وقيل: كلما ذكر, وقال الشافعي: في كل صلاة.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ وعبر بالنبي دون اسمه ﷺ، على خلاف الغالب في حكايته تعالى على أنبيائه عليهم السلام، إشعارًا بما اختص به ﷺ من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر، وأكد ذلك الإشعار بـ (أل) إشارة إلى أنه من المعروف الحقيق بهذا الوصف.
اسقاط
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ الله جل في علاه وملائكته الكرام يصلون على النبي، وأنت ماذا تقول؟! فهلا قلت ورددت.
وقفة
[56] علوّ منزلة النبي ﷺ عند الله وملائكته ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾.
وقفة
[56] معنى (صلاة) ومشتقاتها في القرآن: الشعيرة: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: 43]، والدعاء: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: 103]، والثناء: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾.
تفاعل
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ صل على النبي ﷺ عدة مرات.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى؛ بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعًا.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ إنه لشرفٌ أيما شرَف؛ أن تقولَ ما قاله ربُّك، وقالته ملائكتُه، وأمرك به.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ لم يأت النداء بـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وسط آية سوى هذا الموضع.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أفضل الذكر يوم الجمعة الصلاة على المصطفى.
وقفة
[56] عطر جمعتك بكثرة الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقفة
[56] ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ هى المرة الوحيدة التى جاء فيها النداء: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا﴾ فى وسط الآية وليس فى مفتتحها، فاستهلالها هنا فيه ما فيه، سبحانه جل شأنه.
وقفة
[56] بعد آيات خُصت أغلبها بالحديث عن سيد الخلق أجمعين، وآيات تنهى المؤمنين عن إيذاء الرسول ﷺ، كان لابد من آية يرينا الله فيها قدوةً ومثالًا يحتذى لكيفية الدعاء والثناء على المبعوث رحمة للعالمين فى الملأ الأعلى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾.
وقفة
[56] أكثروا من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وفي كل يوم، صلوا عليه وسلموًا تسليمًا كثيرًا ﴿إِنَّ اللَّه وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
لمسة
[56] ﴿ﱥ ﴾ فعل مضارع يفيد الاستمرار وعدم التوقف، فلماذا توقفتم؟! صلوا عليه.
وقفة
[56] ﴿يصلون على النبي﴾ صلاةُ الله على النبي ﷺ: هي ثناؤه ورضوانه عليه، وصلاة الملائكة: دعاء واستغفار له، وصلاة العباد عليه: تشريف وتعظيم لشأنِه.
وقفة
[56] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ لماذا نقول: (اللهم صلّ) ولا نقول: صلينا عليك؟ لأن الله أعلم بما يليق به ﷺ، ونحن نعجز أن نوفيه حقه.
وقفة
[56] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [مسلم 384].
وقفة
[56] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ تُصلّي عليه صلاة واحدة فيُثني عليك الله بها عشرًا.
عمل
[56] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ امتثل؛ لعلك تنال: (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا).
وقفة
[56] من أحب أحدًا أكثر من ذكره، وإن من أكبر علامات حبك للنبي ﷺ أن تكثر من الصلاة عليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقفة
[56] ربك يناديك بموجب إيمانك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، فبقدر محبتك تكون استجابتك.
وقفة
[56] اللهم إنا نشهدك على محبة رسولك العظيم الذي صليت عليه أنت وملائكتك، وأمرت إنسك وجنك بالصلاة عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «ان» منصوب للتعظيم بالفتحة وحذف خبرها لدلالة «يصلون» عليه لان الصلاة من الله سبحانه بمعنى الرحمة ومن غيره تعني الدعاء. وصلاة الملائكة هنا: التماس وتوسل والواو عاطفة. وملائكته معطوفة على اسم «ان» بتقدير: وان ملائكته وهي منصوبة وعلامة نصبها الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. التقدير: ان الله يصلي على النبي وان ملائكته يصلون.
  • ﴿ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «ن» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. على النبي: جار ومجرور متعلق بيصلون.
  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • اعربت في الآية الكريمة الحادية والاربعين.
  • ﴿ صَلُّوا عَلَيْهِ:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. عليه: جار ومجرور متعلق بصلوا بمعنى: قولوا الصلاة على الرسول. أو اللهم صلي على محمد.
  • ﴿ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً:
  • معطوفة بالواو على صَلُّوا عَلَيْهِ» وتعرب اعرابها وحذفت صلة «سلموا» اي الجار وهي عليه لان ما قبلها يدل عليها. تسليما: مفعول مطلق-مصدر-منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اي قولوا الصلاة والسّلام على الرسول. بمعنى: الدعاء بأن يترحم عليه الله ويسلم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو النَّيْسابُورِيِّ، قالَ: أخْبَرَنا الحَسَنُ بْنُ أحْمَدَ المَخْلَدِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا المُؤَمَّلُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عِيسى، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، قالَ: حَدَّثَنا أبُو حُذَيْفَةَ، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: قَدْ عَرَفْنا السَّلامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ .أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدانَ العَدْلُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو العَبّاسِ أحْمَدُ بْنُ عِيسى الوَشّاءُ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى الصُّولِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا الرِّياشِيُّ، عَنِ الأصْمَعِيِّ قالَ: سَمِعْتُ المَهْدِيَّ عَلى مِنبَرِ البَصْرَةِ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أمَرَكم بِأمْرٍ بَدَأ فِيهِ بِنَفْسِهِ وثَنّى بِمَلائِكَتِهِ، فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ . آثَرَهُ ﷺ بِها مِن بَيْنِ سائِرِ الرُّسُلِ، واخْتَصَّكم بِها مِن بَيْنِ الأنامِ، فَقابِلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِالشُّكْرِ.سَمِعْتُ الأُسْتاذَ أبا عُثْمانَ الواعِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الإمامَ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمانَ يَقُولُ: هَذا التَّشْرِيفُ الَّذِي شَرَّفَ اللَّهُ تَعالى بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ﴾ . أبْلَغُ وأتَمُّ مِن تَشْرِيفِ آدَمَ بِأمْرِ المَلائِكَةِ بِالسُّجُودِ لَهُ؛ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَ المَلائِكَةِ في ذَلِكَ التَّشْرِيفِ، وقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنْ نَفْسِهِ بِالصَّلاةِ عَلى النَّبِيِّ، ثُمَّ عَنِ المَلائِكَةِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَتَشْرِيفٌ صَدَرَ عَنْهُ أبْلَغُ مِن تَشْرِيفٍ تَخْتَصُّ بِهِ المَلائِكَةُ مِن غَيْرِ جَوازِ أنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَهم في ذَلِكَ.وهَذا الَّذِي قالَهُ سَهْلٌ مُنْتَزَعٌ مِن قَوْلِ المَهْدِيِّ، ولَعَلَّهُ رَآهُ ونَظَرَ إلَيْهِ فَأخَذَهُ مِنهُ وشَرَحَهُ، وقابَلَ ذَلِكَ بِتَشْرِيفِ آدَمَ، فَكانَ أبْلَغَ وأتَمَّ مِنهُ.وقَدْ ذُكِرَ في الصَّحِيحِ ما أخْبَرَنا أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْراهِيمَ الفارِسِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسى بْنِ عَمْرُويَهْ، قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَنا مُسْلِمٌ، قالَ: حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ وعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قالا: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”مَن صَلّى عَلَيَّ مَرَّةً واحِدَةً صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا“ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [56] لما قبلها :     وبعد بيان أحكام مُعامَلةِ أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ أثنى اللهُ هنا على نبيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثناءً كبيرًا، وأمر المؤمنين بأن يُصَلُّوا عليه ويُسَلِّموا، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وملائكته:
1- نصب، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- رفعا، عطفا على موضع اسم «إن» ، وهى قراءة ابن عباس، وعبد الوارث، عن أبى عمرو.

مدارسة الآية : [57] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..

التفسير :

[57] إن الذين يؤذون الله بالشرك أو غيره من المعاصي، ويؤذون رسول الله بالأقوال أو الأفعال، أبعدهم الله وطردهم مِن كل خير في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة عذاباً يُذلُّهم ويهينهم.

لما أمر تعالى بتعظيم رسوله صلى اللّه عليه وسلم، والصلاة والسلام عليه، نهى عن أذيته، وتوعد عليها فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وهذا يشمل كل أذية، قولية أو فعلية، من سب وشتم، أو تنقص له، أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى.{ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا} أي:أبعدهم وطردهم، ومن لعنهم [في الدنيا]أنه يحتمقتل من شتم الرسول، وآذاه.

{ وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} جزاء له على أذاه، أن يؤذى بالعذاب الأليم، فأذية الرسول، ليست كأذية غيره، لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن العبد باللّه، حتى يؤمن برسوله صلى اللّه عليه وسلم. وله من التعظيم، الذي هو من لوازم الإيمان، ما يقتضي ذلك، أن لا يكون مثل غيره.

ثم توعد- سبحانه- الذين يسيئون إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأى لون من ألوان الإساءة فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً.

والمراد بأذى الله ورسوله: ارتكاب ما يبغضان ويكرهان من الكفر والفسوق والعصيان،ويشمل ذلك ما قاله اليهود: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وما قاله النصارى: من أن المسيح ابن الله، كما يشمل ما قاله الكافرون في الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أنه كاهن أو ساحر أو شاعر..

وقيل: إن المقصود بالآية هنا: إيذاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم خاصة، وذكر الله- تعالى- معه للتشريف، وللإشارة إلى أن ما يؤذى الرسول يؤذى الله- تعالى-، كما جعلت طاعة الرسول، طاعة لله.

قال ابن كثير: والظاهر أن الآية عامة في كل من آذى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بشيء، فإن من آذاه فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، ففي الحديث الشريف: «الله الله في أصحابى، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه».

أى: إن الذين يؤذون الله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلم، بارتكاب مالا يرضياه من كفر أو شرك أو فسوق أو عصيان..

لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أى: طرد الله- تعالى- هؤلاء الذين ارتكبوا الأذى من رحمته، وأبعدهم من رضاه في الدنيا والآخرة.

وَأَعَدَّ لَهُمْ- سبحانه- في الآخرة عَذاباً مُهِيناً أى: عذابا يهينهم ويجعلهم محل الاحتقار والازدراء من غيرهم.

قول تعالى : متهددا ومتوعدا من آذاه ، بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره على ذلك ، وأذى رسوله بعيب أو تنقص ، عياذا بالله من ذلك .

قال عكرمة في قوله : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله ) : نزلت في المصورين .

وفي الصحيحين ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله ، عز وجل : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر ، وأنا الدهر ، أقلب ليله ونهاره " .

ومعنى هذا : أن الجاهلية كانوا يقولون : يا خيبة الدهر ، فعل بنا كذا وكذا . فيسندون أفعال الله تعالى إلى الدهر ، ويسبونه ، وإنما الفاعل لذلك هو الله ، عز وجل ، فنهى عن ذلك . هكذا قرره الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من العلماء ، رحمهم الله .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يؤذون الله ورسوله ) : نزلت في الذين طعنوا [ على النبي صلى الله عليه وسلم ] في تزويجه صفية بنت حيي بن أخطب .

والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء ، ومن آذاه فقد آذى الله ، ومن أطاعه فقد أطاع الله ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا يونس ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن عبيدة بن أبي رائطة الحذاء التميمي ، عن عبد الرحمن [ بن زياد ] ، عن عبد الله بن المغفل المزني قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه " .

وقد رواه الترمذي من حديث عبيدة بن أبي رائطة ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن المغفل ، به . ثم قال : وهذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)

يقول تعالى ذكره: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ) إن الذين يؤذون ربهم بمعصيتهم إياه، وركوبهم ما حرم عليهم، وقد قيل: إنه عنى بذلك أصحاب التصاوير؛ وذلك أنهم يرومون تكوين خلق مثل خلق الله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد القرشي، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سلمة بن الحجاج، عن عكرمة قال: الذين يؤذون الله ورسوله هم أصحاب التصاوير.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ) قال: يا سبحان الله ما زال أناس من جهلة بني آدم حتى تعاطوا أذى ربهم، وأما أذاهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فهو طعنهم عليه في نكاحه صفية بنت حيي فيما ذكر.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، &; 20-323 &; عن أبيه، عن ابن عباس في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ) قال: نـزلت في الذين طعنوا على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين اتخذ صفية بنت حيي بن أخطب.

وقوله (لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) يقول تعالى ذكره: أبعدهم الله من رحمته في الدنيا والآخرة وأعد لهم في الآخرة عذابًا يهينهم فيه بالخلود فيه.

التدبر :

وقفة
[57] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ تتألم لأن هناك من يؤذيك، ولا تشعر بمبرر لأذيته، يا أخي: لا عليك، ها هم يؤذون الله وقلوبهم لا تنبض إلا برحمته.
وقفة
[57] في قوله: ﴿يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: معناه يؤذون أولياء الله. الثاني: أنه جعل أذى رسوله ﷺ أذى له تشريفًا لمنزلته. الثالث: هو قوله ﷺ: «قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ: فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ: فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ» [البخاري 4974].
تفاعل
[57] ﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[57، 58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ جاءت مباشرة بعد: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله﴾، تأمل كيف قرن الأذيتين، ما أعظم جرم من يؤذي المؤمنين!

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «ان».
  • ﴿ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. يؤذون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. الواو عاطفة. رسوله: مفعول به منصوب اي ويؤذون رسوله وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لَعَنَهُمُ اللهُ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن».لعن: فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ:
  • جار ومجرور متعلق بلعنهم وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الالف للتعذر. والآخرة: معطوفة بالواو على «الدنيا» مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة الظاهرة في آخرها.
  • ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ:
  • الواو عاطفة. اعد: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو واللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بأعد.
  • ﴿ عَذاباً مُهِيناً:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. مهينا: صفة -نعت-لعذابا منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.'

المتشابهات :

النساء: 37﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا
النساء: 102﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا
النساء: 151﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا
الأحزاب: 57﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [57] لما قبلها :     وبعد الأمر بتوقير النَّبي صلى اللّه عليه وسلم وتعظيمه، والصلاة والسلام عليه؛ توعدَ اللهُ هنا الذين يسيئون إليه بأي لون من ألوان الإِساءة، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [58] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ ..

التفسير :

[58] والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بقول أو فعل من غير ذنب عملوه، فقد ارتكبوا أفحش الكذب والزور، وأتوا ذنباً ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الآخرة.

وإن كانت أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيمًا، ولهذا قال فيها:{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أي:بغير جناية منهم موجبة للأذى{ فَقَدِ احْتَمَلُوا} على ظهورهم{ بُهْتَانًا} حيث آذوهم بغير سبب{ وَإِثْمًا مُبِينًا} حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر اللّه باحترامها.

ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبًا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء، وأهل الدين، أعظم من غيرهم.

وبعد هذا الوعيد الشديد لمن آذى الله ورسوله، جاء وعيد آخر لمن آذى المؤمنين والمؤمنات، فقال- تعالى-: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.

أى: والذين يرتكبون في حق المؤمنين والمؤمنات ما يؤذيهم في أعراضهم أو في أنفسهم أو في غير ذلك مما يتعلق بهم، دون أن يكون المؤمنون أو المؤمنات قد فعلوا ما يوجب أذاهم..

فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً أى: فقد ارتكبوا إثما شنيعا، وفعلا قبيحا، وذنبا ظاهرا بينا، بسبب إيذائهم للمؤمنين والمؤمنات.

وقال- سبحانه- هنا بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ولم يقل ذلك في الآية السابقة عليها، لأن الناس بطبيعتهم يدفع بعضهم بعضا، ويعتدى بعضهم على بعض، ويؤذى بعضهم بعضا، أما الله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فلا يتصور منهما ذلك.

وجمع- سبحانه- في ذمهم بين البهتان والإثم المبين، للدلالة على فظاعة ما ارتكبوه في حق المؤمنين والمؤمنات، إذ البهتان هو الكذب الصريح الذي لا تقبله العقول، بل يحيرها ويدهشها لشدته وبعده عن الحقيقة.

والإثم المبين: هو الذنب العظيم الظاهر البين، الذي لا يخفى قبحه على أحد.

روى ابن أبى حاتم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أى الربا أربى عند الله؟.

قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أربى الربا عند الله، استحلال عرض امرئ مسلم» ثم قرأ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية.

وقوله : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) أي : ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه ، ( فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه ، على سبيل العيب والتنقص لهم ، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم; فإن الله ، عز وجل ، قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم ، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم ، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا ، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب يذمون الممدوحين ، ويمدحون المذمومين .

وقال أبو داود : حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أنه قيل : يا رسول الله ، ما الغيبة ؟ قال : " ذكرك أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .

وهكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . قال : حسن صحيح .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن عمار بن أنس ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أي الربا أربى عند الله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : "أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم " ، ثم قرأ : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .

وقوله (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ) كان مجاهد يوجه معنى قوله (يُؤْذُونَ) إلى يقفون.

ذكر الرواية عنه:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ) قال: يقفون.

فمعنى الكلام على ما قال مجاهد: والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات. ويعيبونهم طلبا لشينهم (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) يقول: بغير ما عملوا.

كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) قال: عملوا.

حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: قرأ ابن عمر: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) قال: فكيف إذا أوذي بالمعروف، فذلك يضاعف له العذاب.

حدثنا أَبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن ثور، عن ابن عمر ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) قال: كيف بالذي يأتي إليهم المعروف.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) فإياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه، ويغضب له.

وقوله (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) يقول: فقد احتملوا زورا وكذبًا وفرية شنيعة، وبهتان: أفحش الكذب، (وَإِثْمًا مُبِينًا) يقول: وإثما يبين لسامعه أنه إثم وزور.

التدبر :

وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ خَابَ وخَسِرَ من تعمَّدَ إيذاءَ أخيه المسلمِ.
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ عَنْ أَبِي صِرْمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» [ابن ماجه 2342، وحسنه الألباني]، مَنْ ضَارَّ: أي قصد إيقاع الضرر بأحد بلا حق، مَنْ شَاقَّ: أي قصد إلحاق المشقة بأحد، وفي المقابل قال عمر بن عبد العزيز: «ما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة».
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ اﻷذى هو اﻷذى سواء كان من القريب أو البعيد، سواء بالكلمة أو بالموقف أو بالنظرة، بالنهاية مؤلم!
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ فيه تحريم أذي المؤمن إلا بوجه شرعي؛ كالمعاقبة على ذنب وكل ما يؤدي للإيذاء كالبيع على بيعه والخطبة على خطبته.
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ مشاعر المؤمنين والمؤمنات حمى حرام، الله الله في أن تسبب لهم الآلام.
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ ألحقت حُرمة المؤمنين بحرمة الرسول ﷺ تنويهًا بشأنهم، وذكروا على حدة للإِشارة إلى نزول رتبتهم عن رتبة الرسول ﷺ، وهذا من الاستطراد معترض بين أحكام حُرمة النبي ﷺ وآداب أزواجه وبناته والمؤمنات.
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ يُنتقص بعض الناس بسبب بلده، أو نسبه، أو خلقته، مع أن هذا ليس باختياره، فلِمَ يؤذَ لأمر ليس من كسبه؟!
وقفة
[58] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ كتنقص أحد منهنم وازدرائه لنسبه، أو بلده، أو خلقته -وكل ذلك ليس من كسبه-؛ لذا كان العقاب شديدًا أليمًا: ﴿فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾، ويدخل في هذا اتهامه فيما هو برئ منه؛ فلنتفقد قلوبنا ولنحفظ ألسنتنا.
عمل
[58] قبل أن تظن أو تكتب أو تفعل؛ تفكر في هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
عمل
[58] استغفر للمؤمنين والمؤمنات، خاصةً من نالهم أذى منك بلسانك أو بأفعالك؛ فإن الإنسان لا يخلو من الخطأ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[58] حرمة إيذاء المؤمنين دون سبب ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[58] لا تجوز أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء، ومن ذلك الإيذاء بالمنِّ، فهو أذىً نفسي، وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.
وقفة
[58] فعل الإنسان للذنب أهون عند الله من اتهام بريء به سبب ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.
وقفة
[58] اتهام أحدٍ بما لم يفعله وإشاعته ذنب عظيم يتساهل به الكثير ﴿والذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ:
  • الواو استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ويجوز ان يكون معطوفا بالواو على «الذين» الواردة في الآية الكريمة السابقة. والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها.
  • ﴿ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. المؤمنين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. والمؤمنات: معطوفة بالواو على «المؤمنين» والمعطوف على المنصوب منصوب مثله وعلامة نصبها الكسرة لانها جمع مؤنث سالم.
  • ﴿ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من المؤمنين والمؤمنات بمعنى: وهم غير مكتسبين جناية او استحقاق للاذى. اي غير جانين. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة او تكون «ما» مصدرية. اكتسبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «اكتسبوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: بغير ما اكتسبوه او تكون صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة. التقدير: بغير اكتساب جناية جنوها.
  • ﴿ فَقَدِ احْتَمَلُوا:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» والفاء واقعة في جواب شرط‍ مقدر لان الاسم الموصول «الذين» متضمن معنى الشرط‍. قد: حرف تحقيق. احتملوا: تعرب اعراب «اكتسبوا».
  • ﴿ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. واثما: معطوفة بالواو على «بهتانا» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة. مبينا: صفة-نعت-لاثما منصوبة بالفتحة ايضا. بمعنى: فقد حملوا أنفسهم ظلما او باطلا وذنبا كبيرا واضحا.'

المتشابهات :

النساء: 48﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
النساء: 20﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا
النساء: 50﴿انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا
النساء: 112﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا
الأحزاب: 58﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا﴾ قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: رَأى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جارِيَةً مِنَ الأنْصارِ مُتَبَرِّجَةً فَضَرَبَها، وكَرِهَ ما رَأى مِن زِينَتِها، فَذَهَبَتْ إلى أهْلِها تَشْكُو عُمَرَ، فَخَرَجُوا إلَيْهِ فَآذَوْهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.وقالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، وذَلِكَ أنَّ أُناسًا مِنَ المُنافِقِينَ كانُوا يُؤْذُونَهُ ويُسْمِعُونَهُ.وقالَ الضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ والكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في الزُّناةِ الَّذِينَ كانُوا يَمْشُونَ في طُرُقِ المَدِينَةِ يَتَّبِعُونَ النِّساءَ إذا بَرَزْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضاءِ حَوائِجِهِنَّ، فَيَرَوْنَ المَرْأةَ فَيَدْنُونَ مِنها فَيَغْمِزُونَها، فَإنْ سَكَتَتِ اتَّبَعُوها، وإنْ زَجَرَتْهُمُ انْتَهَوْا عَنْها، ولَمْ يَكُونُوا يَطْلُبُونَ إلّا الإماءَ، ولَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ تُعْرَفُ الحُرَّةُ مِنَ الأمَةِ، إنَّما يَخْرُجْنَ في دِرْعٍ وخِمارٍ، فَشَكَوْنَ ذَلِكَ إلى أزْواجِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ هَذا قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُل لِّأزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ﴾ .أخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَلِيٍّ الفَقِيهُ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ الجُنَيْدِ، قالَ: حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أيُّوبَ، قالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أبِي مالِكٍ قالَ: كانَتِ النِّساءُ المُؤْمِناتُ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إلى حاجاتِهِنَّ، وكانَ المُنافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ ويُؤْذُونَهُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.وقالَ السُّدِّيُّ: كانَتِ المَدِينَةُ ضَيِّقَةَ المَنازِلِ، وكانَتِ النِّساءُ إذا كانَ اللَّيْلُ خَرَجْنَ يَقْضِينَ الحاجَةَ، وكانَ فُسّاقٌ مِن فُسّاقِ المَدِينَةِ يَخْرُجُونَ، فَإذا رَأوُا المَرْأةَ عَلَيْها قِناعٌ قالُوا: هَذِهِ حُرَّةٌ. فَتَرَكُوها، وإذا رَأوُا المَرْأةَ بِغَيْرِ قِناعٍ قالُوا: هَذِهِ أمَةٌ. فَكانُوا يُراوِدُونَها، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [58] لما قبلها :     وبعد الوعيد الشديد لمن آذى الله ورسوله؛ جاء هنا وعيد آخر لمن آذى المؤمنين والمؤمنات، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [59] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ..

التفسير :

[59] يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن مِن أرديتهن وملاحفهن؛ لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن؛ ذلك أقرب أن يميَّزن بالسَّتر والصيانة، فلا يُتعرَّض لهن بمكروه أو أذى. وكان الله غفوراً رحيماً حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم بما أ

هذه الآية، التي تسمى آية الحجاب، فأمر اللّه نبيه، أن يأمر النساء عمومًا، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر [لغيره]ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}

أن{ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه، أي:يغطين بها، وجوههن وصدورهن.

ثم ذكر حكمة ذلك، فقال:{ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} دل على وجود أذية، إن لم يحتجبن، وذلك، لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرض، فيؤذيهن، وربما استهين بهن، وظن أنهن إماء، فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن.

{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم، بأن بين لكم الأحكام، وأوضح الحلال والحرام، فهذا سد للباب من جهتهن.

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين عامة، بالاحتشام والتستر في ملابسهن فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ، يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ....

قال الآلوسى: روى عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة، تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل، من غير تمييز بين الحرائر والإماء، وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء، وربما تعرضوا للحرائر، فإذا قيل لهم قالوا: حسبناهن إماء، فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزي والتستر فلا يطمع فيهن...

وقوله: يُدْنِينَ من الإدناء بمعنى التقريب، ولتضمنه معنى السدل والإرخاء عدّى بعلى. وهو جواب للأمر، كما في قوله- تعالى-: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ....

والجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها.

والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة.

قالت أم سلمة- رضى الله عنها-: لما نزلت هذه الآية، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.

وقوله: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ بيان للحكمة من الأمر بالتستر والاحتشام.

أى: ذلك التستر والاحتشام والإدناء عليهن من جلابيبهن يجعلهن أدنى وأقرب إلى أن يعرفن ويميزن عن غيرهن من الإماء، فلا يؤذين من جهة من في قلوبهم مرض.

قال بعض العلماء: وقد يقال إن تأويل الآية على هذا الوجه، وقصرها على الحرائر، قد يفهم منه أن الشارع قد أهمل أمر الإماء، ولم يبال بما ينالهن من الإيذاء ممن ضعف إيمانهم، مع أن في ذلك من الفتنة ما فيه، فهلا كان التصون والتستر عاما في جميع النساء؟

والجواب، أن الإماء بطبيعة عملهن يكثر خروجهن وترددهن في الأسواق، فإذا كلفن أن يتقنعن ويلبسن الجلباب السابغ كلما خرجن، كان في ذلك حرج ومشقة عليهن، وليس كذلك الحرائر فإنهن مأمورات بعدم الخروج من البيوت إلا لضرورة ومع ذلك فإن القرآن الكريم قد نهى عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات جميعا، سواء الحرائر والإماء، وتوعد المؤذين بالعذاب المهين.. والشارع- أيضا- لم يحظر على الإماء التستر والتقنع، ولكنه لم يكلفهن بذلك دفعا للحرج والعسر، فللأمة أن تلبس الجلباب السابغ متى تيسر لها ذلك...

هذا، ويرى الإمام أبو حيان أن الأرجح أن المراد بنساء المؤمنين، ما يشمل الحرائر والإماء وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع، وأن الحكمة من وراء هذا الأمر بإسدال الجلابيب عليهن، درء التعرض لهن بسوء من ضعاف الإيمان.

فقد قال- رحمه الله-: والظاهر أن قوله: وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح.. ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن، ولا يلقين بما يكرهن، لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها.

ويبدو لنا أن هذا الرأى الذي اتجه إليه أبو حيان- رحمه الله- أولى بالقبول من غيره، لتمشيه مع شريعة الإسلام التي تدعو جميع النساء إلى التستر والعفاف.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أى: وكان الله- تعالى- وما زال واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه توبة صادقة مما وقع فيه من أخطاء وسيئات.

ثم هدد- سبحانه- المنافقين وأشباههم بسوء المصير، إذا ما استمروا في إيذائهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين والمؤمنات. وبين- عز وجل- أن وقت قيام الساعة مرد علمه إليه وحده. وأن الكافرين عند قيامها سيندمون ولكن لن ينفعهم الندم، فقال- تعالى-:

يقول تعالى آمرا رسوله ، صلى الله عليه وسلم تسليما ، أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء . والجلباب هو : الرداء فوق الخمار . قاله ابن مسعود ، وعبيدة ، وقتادة ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء الخراساني ، وغير واحد . وهو بمنزلة الإزار اليوم .

قاله الجوهري : الجلباب : الملحفة ، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها :

تمشي النسور إليه وهي لاهية مشي العذارى عليهن الجلابيب

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة .

وقال محمد بن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن قول الله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى .

وقال عكرمة : تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها .

وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها .

وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يونس بن يزيد قال : وسألناه يعني : الزهري - : هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر إلا محصنات . وقد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) .

وروي عن سفيان الثوري أنه قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة ، إنما ينهى عن ذلك لخوف الفتنة; لا لحرمتهن ، واستدل بقوله تعالى : ( ونساء المؤمنين ) .

وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر ، لسن بإماء ولا عواهر ، قال السدي في قوله تعالى : ( [ يا أيها النبي ] قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) قال : كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة ، يتعرضون للنساء ، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن ، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا : هذه حرة ، كفوا عنها . وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب ، قالوا : هذه أمة . فوثبوا إليها .

وقال مجاهد : يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة .

وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) أي : لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين: لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن. ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهنّ؛ لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى من قول.

ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههن ورءوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس، قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.

حدثني يعقوب قال ثنا ابن علية عن ابن عون عن محمد عن عبيدة في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ &; 20-325 &; جَلابِيبِهِنَّ ) فلبسها عندنا ابن عون قال: ولبسها عندنا محمد قال محمد: ولبسها عندي عبيدة قال ابن عون بردائه فتقنع به، فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب.

حدثني يعقوب قال ثنا هشيم قال أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن قوله ( قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه.

وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال: ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس، قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ...) إلى قوله (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. وإدناء الجلباب: أن تقنع وتشد على جبينها.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ) أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَينَ) وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة.

حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عمَّن حدثه عن أَبي صالح، قال: قدم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المدينة على غير منـزل، فكان نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن. وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل. فأنـزل الله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة.

وقوله ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) يقول تعالى ذكره: إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به، ويعلموا أنهن لسن بإماء فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه، أو تعرض بريبة (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا) لما سلف منهن من تركهن إدناءهن الجلابيب عليهن (رَحِيمًا) بهن أن يعاقبهن بعد توبتهن بإدناء الجلابيب عليهن.

التدبر :

وقفة
[59] ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين﴾ لا يليق بالداعية أن يهتم بالناس ويهمل أهل بيته، ابدأ ببيتك أولًا.
وقفة
[59] ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين﴾ بالتتبع: لا توجد سورة ذكر فيها الحجاب إلا وذكر فيها المنافقون، فمن مقاصدهم تمزيق ستور الحياء باسم التقدم.
وقفة
[59] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ هذه آية الحجاب.
وقفة
[59] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ أمر الله نبيه أن يأمر النساء عمومًا، ويبدأ بزوجاته وبناته لأن الآمر لغيره ينبغي أن يبدأ بأهله قبل غيرهم.
وقفة
[59] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ قال الرافعي عن الحجاب: «دجاجة القفص امرأة متحجبة في نظر الثعلب، وحجابها جهل وحماقة ورجعية وتخلف عن زمن الثعالب».
وقفة
[59] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ الحجاب في القلب! هذه من شبهات رد الحجاب، وهي تهمل أن الغاية الأول للحجاب: منع الرجل من الافتتان بالمرأة، وبالتالي فإن القول بأن الحجاب في القلب يغدو بلا معنى؛ لأنه يناقض وظيفة الحجاب في تغطية مفاتن المرأة، حتى لا يتسلل الشيطان إلى قلب الرجل، ويسوقه إلى الزنى وتوابعه.
وقفة
[59] ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾ تُعرف المرأة بوجهها لا بيدها ورجليها.
عمل
[59] اكتب رسالة عن فوائد حجاب المرأة ووجوبه ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾.
وقفة
[59] من صفات الحجاب الشرعي أنه يخفي معالم المتحجبة حتى لا تعرف من هي ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾.
عمل
[59] ﴿قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ أختي المسلمة: حجابك عنوان عفافك، فالتزميه.
وقفة
[59] ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ المُؤمِنينَ يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ ذلِكَ أَدنى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ الأمر بالقول لنساء المؤمنين لا يقتصر على المصطفى ﷺ ولا يقتصر على النساء فى عهد النبوة فقط ، إنما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لأمة محمد كلها وحتى قيام الساعة ويقع تحت ذلك ضرورة النصح بـ . ﴿يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ﴾
وقفة
[59] ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب.
وقفة
[59] ﴿يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ﴾ الحرة تستتر، قال الآلوسى فى الآية: «روى عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة، تخرجان ليلًا لحاجة من غير تمييز بين الحرائر والإماء، وكان في المدينة فُسَّاق يتعرضون للإماء، وربما تعرضوا للحرائر، فإذا قيل لهم قالوا: حسبناهن إماء، فأُمرت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزي والتستر فلا يُطمع فيهن».
وقفة
[59] ﴿يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ﴾ تأملوا؛ هن فى الأصل يرتدين ثيابًا واسعة فضفاضة (جَلابيبِهِنَّ)، فالحياء والستر سمت الحرة.
وقفة
[59] الاحتشام يكون في اللباس: ﴿يدنين عليهن من جلابيبهن﴾، وفي الصوت: ﴿فلا تخضعن بالقول﴾ [32]، وبالقرار في البيوت وعدم التبرج.
وقفة
[59] ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ المـرأةُ المحتشمةُ كالشمسِ تسطعُ نورًا، ولا يقوَى أحدٌ على أن يُحدِّقَ فيها بنظرةٍ سيئةٍ.
وقفة
[59] ﴿ذلك ادنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾ كلما زادت حشمة المرأة كلما زاد خجل العين من النظر إليها.
وقفة
[59] ﴿ذلك ادنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾ العفيفة تتأذى من نظرات الرجال الأجانب.
وقفة
[59، 60] لما ذكر الله تعالى آيات الحجاب في سورة الأحزاب في قوله تعالى: ﴿يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ﴾، أعقبها بقوله: ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ﴾، وهكذا تجد آيات الحجاب مصاحبة لآيات التحذير من المنافقين ومرضى القلوب، وقد تعدد هذا في سورة الأحزاب، وسورة النور، والواقع شاهد بذلك.
وقفة
[59، 60] عندما شرع الله الحجاب بقوله: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ حذر بعده المنافقين؛ لأنهم أشد خصوم العفاف ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ:
  • اعربت في الآية الكريمة الخامسة والاربعين. قل: فعل امر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. لأزواجك: جار ومجرور متعلق بقل والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «ازواجك» وتعربان اعرابها. المؤمنين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. وجملة مقول القول محذوفة لان ما بعدها يفسرها او يدل عليها. اي قل لنسائك .. أدنين: اي غطين.
  • ﴿ يُدْنِينَ:
  • فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل جزم جواب الطلب المقدر «ادنين» او جواب «قل» بمعنى اؤمر. التقدير: ان تقل لهن او ان تأمرهن يدنين. والنون نون النسوة-الاناث-ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ:
  • على: حرف جر. و «هن» ضمير الغائبات في محل جر بعلى. والجار والمجرور متعلق بيدنين. من جلابيبهن: جار ومجرور متعلق بيدنين. او تكون: من: حرف جر للتبعيض وجلابيب:اسما مجرورا بمن وعلامة جره الكسرة و «هن» ضمير الغائبات في محل جر بالاضافة. ومفعول «يدنين» محذوف لان «من» التبعيضية تدل عليه.بمعنى: يرخين عليهن جلابيبهن ويغطين بها وجوههن وابدانهن. وقيل ان معنى التبعيض هو ان يتجلببن ببعض ما لهن من الجلاليب ومفردها جلباب: اي رداء. ومعنى آخر هو ان ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقبع به حتى تتميز عن الأمة.
  • ﴿ ذلِكَ أَدْنى:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب. ادنى: خبر «ذلك» مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر بمعنى: ذلك اقرب.
  • ﴿ أَنْ يُعْرَفْنَ:
  • حرف مصدرية ونصب. يعرفن: فعل مضارع مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب بأن. والنون: نون النسوة-الاناث-ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل. وجملة «يعرفن» صلة «ان» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «ان» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. اي لان يعرفن. التقدير: لمعرفتهن اي لتمييزهن عن الإماء. والجار والمجرور متعلق بأدنى.
  • ﴿ فَلا يُؤْذَيْنَ:
  • الفاء سببية. لا: نافية لا عمل لها. يؤذين: تعرب اعراب «يعرفن» اي فلا يساء اليهن بأذى.
  • ﴿ وَكانَ اللهُ:
  • الواو استئنافية. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: اسمها مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ غَفُوراً رَحِيماً:
  • خبران لكان على التتابع منصوبان بالفتحة. ويجوز ان يكون «رحيما» صفة-نعتا-لغفورا.'

المتشابهات :

الأحزاب: 28﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
الأحزاب: 59﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا﴾ قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: رَأى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جارِيَةً مِنَ الأنْصارِ مُتَبَرِّجَةً فَضَرَبَها، وكَرِهَ ما رَأى مِن زِينَتِها، فَذَهَبَتْ إلى أهْلِها تَشْكُو عُمَرَ، فَخَرَجُوا إلَيْهِ فَآذَوْهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.وقالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، وذَلِكَ أنَّ أُناسًا مِنَ المُنافِقِينَ كانُوا يُؤْذُونَهُ ويُسْمِعُونَهُ.وقالَ الضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ والكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في الزُّناةِ الَّذِينَ كانُوا يَمْشُونَ في طُرُقِ المَدِينَةِ يَتَّبِعُونَ النِّساءَ إذا بَرَزْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضاءِ حَوائِجِهِنَّ، فَيَرَوْنَ المَرْأةَ فَيَدْنُونَ مِنها فَيَغْمِزُونَها، فَإنْ سَكَتَتِ اتَّبَعُوها، وإنْ زَجَرَتْهُمُ انْتَهَوْا عَنْها، ولَمْ يَكُونُوا يَطْلُبُونَ إلّا الإماءَ، ولَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ تُعْرَفُ الحُرَّةُ مِنَ الأمَةِ، إنَّما يَخْرُجْنَ في دِرْعٍ وخِمارٍ، فَشَكَوْنَ ذَلِكَ إلى أزْواجِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ هَذا قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُل لِّأزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ﴾ .أخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَلِيٍّ الفَقِيهُ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ الجُنَيْدِ، قالَ: حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أيُّوبَ، قالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أبِي مالِكٍ قالَ: كانَتِ النِّساءُ المُؤْمِناتُ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إلى حاجاتِهِنَّ، وكانَ المُنافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ ويُؤْذُونَهُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.وقالَ السُّدِّيُّ: كانَتِ المَدِينَةُ ضَيِّقَةَ المَنازِلِ، وكانَتِ النِّساءُ إذا كانَ اللَّيْلُ خَرَجْنَ يَقْضِينَ الحاجَةَ، وكانَ فُسّاقٌ مِن فُسّاقِ المَدِينَةِ يَخْرُجُونَ، فَإذا رَأوُا المَرْأةَ عَلَيْها قِناعٌ قالُوا: هَذِهِ حُرَّةٌ. فَتَرَكُوها، وإذا رَأوُا المَرْأةَ بِغَيْرِ قِناعٍ قالُوا: هَذِهِ أمَةٌ. فَكانُوا يُراوِدُونَها، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [59] لما قبلها :     وبعد أن نهى اللهُ عن أذى المؤمنين والمؤمنات؛ أمرَ هنا باتقاء أسباب الأذى، فأمرَ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يأمُرَ أزواجَه وبناتِه ونساءَ المؤمنينَ عامَّةً بالحجابِ (آيةُ الحجاب)، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [60] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ ..

التفسير :

[60] لئن لم يكفَّ الذين يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان والذين في قلوبهم شك وريبة، والذين ينشرون الأخبار الكاذبة في مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قبائحهم وشرورهم، لنسلِّطنَّك عليهم، ثم لا يسكنون معك فيها إلا زمناً قليلاً

وأما من جهة أهل الشر فقد توعدهم بقوله:{ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي:مرض شك أو شهوة{ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} أي:المخوفون المرهبون الأعداء، المحدثونبكثرتهم وقوتهم، وضعف المسلمين.

ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه، ليعم ذلك، كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به، وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة، من أمثال هؤلاء.

{ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي:نأمرك بعقوبتهم وقتالهم، ونسلطك عليهم، ثم إذا فعلنا ذلك، لا طاقة لهم بك، وليس لهم قوة ولا امتناع، ولهذا قال:{ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} أي:لا يجاورونك في المدينة إلا قليلاً، بأن تقتلهم أو تنفيهم.

وهذا فيه دليل، لنفي أهل الشر، الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين، فإن ذلك أحسم للشر، وأبعد منه، ويكونون

والمنافقون: جمع منافق، وهو الذي يظهر الإسلام ويخفى الكفر.

والذين في قلوبهم مرض: هم قوم ضعاف الإيمان، قليلو الثبات على الحق.

والمرجفون في المدينة: هم الذين كانوا ينشرون أخبار السوء عن المؤمنين ويلقون الأكاذيب الضارة بهم ويذيعونها بين الناس. وأصل الإرجاف: التحريك الشديد للشيء، مأخوذ من الرجفة التي هي الزلزلة. ووصف به الأخبار الكاذبة، لكونها في ذاتها متزلزلة غير ثابتة، أو لإحداثها الاضطراب في قلوب الناس.

وقد سار بعض المفسرين، على أن هذه الأوصاف الثلاثة، كل وصف منها لطائفة معينة، وسار آخرون على أن هذه الأوصاف لطائفة واحدة هي طائفة المنافقين، وأن العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات.

قال القرطبي: قوله: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ... أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد ... والواو مقحمة كما في قول الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهما ... م وليث الكتيبة في المزدحم

أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة.

وقيل: كان منهم قوم يرجفون، وقوم يتبعون النساء للريبة، وقوم يشككون المسلمين...

وقد سار صاحب الكشاف على أن هذه الأوصاف لطوائف متعددة من الفاسقين، فقال:

وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قوم كان فيهم ضعف إيمان، وقلة ثبات عليه..

وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيقولون: هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين.

والمعنى: لئن لم ينته المنافقون عن عدائكم وكيدكم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوؤهم وتنوؤهم.

وقوله: لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ جواب القسم. أى: لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد، يقال: أغرى فلان فلانا بكذا، إذا حرضه على فعله.

وقوله: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا معطوف على جواب القسم. أى: لنغرينك بهم ثم لا يبقون بعد ذلك مجاورين لك فيها إلا زمانا قليلا، يرتحلون بعده بعيدا عنكم، لكي تبتعدوا عن شرورهم.

وجاء العطف بثم في قوله: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ للإشارة إلى أن إجلاءهم عن المدينة نعمة عظيمة بالنسبة للمؤمنين، ونقمة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المنافقين وأشباههم.

ثم قال تعالى متوعدا للمنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر : ( والذين في قلوبهم مرض ) قال عكرمة وغيره : هم الزناة هاهنا ( والمرجفون في المدينة ) يعني : الذين يقولون : " جاء الأعداء " و " جاءت الحروب " ، وهو كذب وافتراء ، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق ( لنغرينك بهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي : لنسلطنك عليهم . وقال قتادة ، رحمه الله : لنحرشنك بهم . وقال السدي : لنعلمنك بهم .

( ثم لا يجاورونك فيها ) أي : في المدينة ) إلا قليلا

القول في تأويل قوله تعالى : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60)

يقول تعالى ذكره: لئن لم ينته أهل النفاق الذين يستسرون بالكفر ويظهرون الإيمان (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني: ريبة من شهوة الزنا وحب الفجور.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو بن علي قال: ثنا أَبو عبد الصمد قال ثنا مالك بن دينار عن عكرمة في قوله ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: هم الزناة.

حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا سعيد عن قتادة (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال: شهوة الزنا.

قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا أَبو صالح التمار قال: سمعت عكرمة في قوله (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال: شهوة الزنا.

حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عمن حدثه عن أَبي صالح (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال: الزناة.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أصحاب الزنا، قال: أهل الزنا من أهل النفاق الذين يطلبون النساء فيبتغون الزنا. وقرأ: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ قال: والمنافقون أصناف عشرة في براءة، قال: فالذين في قلوبهم مرض صنف منهم مرض من أمر النساء.

وقوله (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) يقول: وأهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل.

وكان إرجافهم فيما ذكر كالذي حدثني بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ...) الآية، الإرجاف: الكذب الذي كان نافقه أهل النفاق، وكانوا يقولون: أتاكم عدد وعدة. وذكر لنا أن المنافقين أرادوا أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله بهذه الآية قوله: ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) الآية، فلما أوعدهم الله بهذه الآية كتموا ذلك وأسروه.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله &; 20-328 &; ( وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ) هم أهل النفاق أيضًا الذين يرجفون برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبالمؤمنين. وقوله (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) يقول: لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) يقول: لنسلطنك عليهم.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ): أي لنحملنك عليهم لنحرشنك بهم.

قوله (ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا) يقول: ثم لننفينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فيها إلا قليلا من المدة والأجل، حتى تنفيهم عنها فنخرجهم منها.

كما حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا) أي بالمدينة.

التدبر :

وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ﴾ هؤﻻء ﻻ تزال أبواقهم تنفث سمومها منذ عهد النبي ﷺ إلى قيام الساعة، طاقة الشر هائلة عندهم!
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ﴾ عاش المنافقون في عهد رسول الله ﷺ، ولم يؤمنوا به رغم سماعهم لكلامه، ومشاهدة معجزاته، فكيف نستبعد انتشار المنافقين حولنا اليوم؟!
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ المنافقون هم الذين في قلوبهم مرض، وليسوا طائفة أخرى، بل هذه صفة من صفاتهم، كما قال الله عنهم :﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ﴾ [البقرة: 10]، ومثل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾ [الحشر: 9]، فهم أنفسهم.
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ جاءت بعد آية الحجاب بشرى بنهاية المرجفين.
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ لو نزلت على منافقي اليوم لقالوا: هذه مصادرة وتهديد لحرية التعبير.
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ وهذا فيه دليل لنفي أهل الشر الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين؛ فإن ذلك أحسم للشر، وأبعد منه.
لمسة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ لم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه؛ ليعم ذلك كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به وتدعو إليه من الشرّ؛ من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء.
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال الإمام القرطبي: «في الآية دليل على جواز ترك إنفاذ الوعيد، والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه ﷺ حتى مات، والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير وعيدهم».
وقفة
[60] ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ ... لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ النفاق سبب لنزول العذاب بصاحبه.
عمل
[60] تذكر أن عاقبة أهل النفاق إلى بوار وبعد ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ:
  • اللام موطئة للقسم-المؤذنة-.ان: حرف شرط‍ جازم. لم: حرف نفي وجزم وقلب. ينته: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-والفعل فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. وجملة «ان لم ينته المنافقون» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها.
  • ﴿ الْمُنافِقُونَ:
  • فاعل مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع لانه معطوف على مرفوع وهو «المنافقون».في قلوب: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة و «مرض» مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب بمعنى: لئن لم ينته اي يقلع المنافقون عن عداوتهم وكيدهم والذين في قلوبهم مرض الشك وهم أهل الفجور.
  • ﴿ وَالْمُرْجِفُونَ:
  • معطوفة بالواو على «المنافقون» وتعرب اعرابها بمعنى: والفسقة عن فجورهم والمرجفون اي المروجون عما يؤلفون من اخبار السوء حتى يضطرب الناس منها.
  • ﴿ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بالمرجفون. اللام واقعة في جواب القسم المقدر. نغرينك: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الاعراب والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. الباء: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بنغرينك. وجملة لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ» جواب القسم المقدر لا محل لها من الاعراب. وجواب الشرط‍ محذوف دل عليه جواب القسم. او ان جواب القسم سد مسد الجوابين. بمعنى: لنأمرنك بأن تفعل بهم الافعال التي تسوؤهم ثم بأن تضطرهم الى طلب الجلاء عن المدينة.
  • ﴿ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها:
  • حرف عطف للتراخي. لا: نافية لا عمل لها. يجاورونك: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. فيها: جار ومجرور متعلق بلا يجاورونك. بمعنى: بأن تضطرهم الى ان لا يساكنوك فيها اي عدم مجاورتك.
  • ﴿ إِلاّ قَلِيلاً:
  • اداة استثناء. قليلا: مستثنى بحرف الاستثناء منصوب وعلامة نصبه الفتحة. او هو صفة-نعت-للمستثنى الحقيقي. بمعنى: إلا زمنا او وقتا قليلا. فحذف الظرف المستثنى وحلت صفته محله. فسمي ذلك القول اغراء وهو التحرش على سبيل المجاز. وقيل في كلمة «قليلا» هي منصوبة على الحال. بمعنى: لا يجاورونك الا اقلاء اذلاء. وجملة لا يُجاوِرُونَكَ» معطوفة على «لنغرينك» لانه يجوز ان تكون جواب القسم على تقدير: لئن لم ينتهوا لا يجاورونك. يقول الزمخشري عطفت الجملة بثم لان الجلاء عن الاوطان كان اعظم عليهم واعظم من جميع ما اصيبوا به فتراخت حاله عن حال المعطوف عليه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     وبعد النهي عن أذى المؤمنين والمؤمنات؛ جاء هنا توعد قومٍ عُرِفُوا بأَذيَّةِ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُؤمنين، وهم المنافقون، وتهديدُهُم بالطَّردِ من المدينةِ، قال تعالى:
﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [61] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا ..

التفسير :

[61]مطرودين من رحمة الله، في أي مكان وُجِدوا فيه أُسِروا وقُتِّلوا تقتيلاً ما داموا مقيمين على النفاق ونشر الأخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد.

{ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}

أي:مبعدين، أينوجدوا، لا يحصل لهم أمن، ولا يقرلهم قرار، يخشون أن يقتلوا، أو يحبسوا، أو يعاقبوا.

وقوله: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أى: مطرودين من رحمة الله- تعالى- ومن فضله، أينما وجدوا وظفر بهم المؤمنون.

ومَلْعُونِينَ منصوب على الحال من فاعل يُجاوِرُونَكَ وثُقِفُوا بمعنى وجدوا.

تقول ثقفت الرجل في الحرب أثقفه، إذا أدركته وظفرت به.

وقوله: أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا بيان لما يحيق بهم من عقوبات عند الظفر بهم.

أى: هم ملعونون ومطرودون من رحمة الله بسبب سوء أفعالهم، فإذا ما أدركوا وظفر بهم، أخذوا أسارى أذلاء، وقتلوا تقتيلا شديدا، وهذا حكم الله- تعالى- فيهم حتى يقلعوا عن نفاقهم وإشاعتهم قالة السوء في المؤمنين، وإيذائهم للمسلمين والمسلمات.

ملعونين ) حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين ، ( أين ما ثقفوا ) أي : وجدوا ، ( أخذوا ) لذلتهم وقلتهم ، ( وقتلوا تقتيلا ) .

وقوله ( مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ) يقول تعالى ذكره: مطرودين منفيين (أَيْنَمَا ثُقِفُوا) يقول: حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بالله تقتيلا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (مَلْعُونِينَ) على كل حال (أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وقتلوا تَقْتِيلا) إذا هم أظهروا النفاق. ونصب قوله: (مَلْعُونِينَ) على الشتم، وقد يجوز أن يكون القليل من صفة الملعونين، فيكون &; 20-329 &; قوله (مَلْعُونِينَ) مردودا على القليل؛ فيكون معناه: ثم لا يجاورونك فيها إلا أقلاء ملعونين يقتلون حيث أصيبوا.

التدبر :

وقفة
[61] ﴿مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ لا توجد في القرآن كلمة يخاف منها المؤمن كهذه الكلمة (ملعون)، أي بعيد عن الله ﷻ .
تفاعل
[61] ﴿مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ استعذ بالله الآن من النفاق.
وقفة
[61] ﴿مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ المنافقون: حكمهم عند الله: اللعنة, وعند المؤمنين: القتل, ومن رأي أفعالهم وخيانتهم للمؤمنين في أحرج أوقاتهم علم علم اليقين أن الله أعلم بمن خلق, إذ لا يليق بهم إلا هذا, وهذا يؤكد على أن المؤمن يعمل على جهتين: جهاد الكفار وجهاد أهل النفاق, وعلى قدر إهمال أحدهما يضعف الجانب الآخر.

الإعراب :

  • ﴿ مَلْعُونِينَ:
  • حال منصوبة بالياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. التقدير: لا يجاورونك الا ملعونين. وقد دخل حرف الاستثناء على الظرف في «الا زمانا قليلا».وعلى الحال في «ملعونين» معا. كما مر في قوله تعالى إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» ولا يصح ان تنتصب «ملعونين» عن «اخذوا» لان ما بعد كلمة الشرط‍ لا يعمل فيما قبلها.
  • ﴿ أَيْنَ ما ثُقِفُوا:
  • اين: اسم شرط‍ جازم مبني على الفتح في محل نصب ظرف مكان متعلق بجوابه. و «ما» زائدة. ثقفوا: فعل ماض مبني على الضم مبني للمجهول لاتصاله بواو الجماعة في محل جزم لانه فعل الشرط‍ والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. وجملة «ثقفوا» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف «اين» بمعنى: اين ما صودفوا.
  • ﴿ أُخِذُوا:
  • تعرب اعراب «ثقفوا» والفعل «اخذ» في محل جزم لانه جواب الشرط‍ -جزاؤه-.
  • ﴿ وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً:
  • معطوفة بالواو على «اخذوا» وتعرب اعرابها. تقتيلا: مفعول مطلق-مصدر-منصوب وعلامة نصبه الفتحة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [61] لما قبلها :     وبعد تهديدهم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنهم مطرودون من رحمة الله، في أي مكان وُجِدوا فيه أُسِروا وقُتِّلوا تقتيلًا، قال تعالى:
﴿ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وقتلوا:
1- بالتشديد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالتخفيف، فيكون «تقتيلا» مصدر، على غير قياس، وهى قراءة فرقة.

مدارسة الآية : [62] :الأحزاب     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا ..

التفسير :

[62] سنة الله وطريقته في منافقي الأمم السابقة أن يؤسَروا ويُقَتَّلوا أينما كانوا، ولن تجد -أيها النبي- لطريقة الله تحويلاً ولا تغييراً.

{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أن من تمادى في العصيان، وتجرأ على ال أذى، ولم ينته منه، فإنه يعاقب عقوبة بليغة.{ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} أي تغييرًا، بل سنته تعالى وعادته، جارية مع الأسباب المقتضية لأسبابها

ثم بين- سبحانه- أن سنته قد اقتضت تأديب الفجار والفسقة حتى يقلعوا عن فجورهم وفسقهم فقال: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ... وقوله: لِسُنَّةِ منصوب على أنه مصدر مؤكد. أى: سن الله- تعالى- ذلك سنة، في الأمم الماضية من قبلكم- أيها المؤمنون- بأن جعل تأديب الذين يسعون في الأرض بالفساد، ويؤذون أهل الحق، سنة من سننه التي لا تتخلف.

وَلَنْ تَجِدَ- أيها الرسول الكريم- لِسُنَّةِ اللَّهِ الماضية في خلقه تَبْدِيلًا أو تحويلا، لقيامها على الإرادة الحكيمة، والعدالة القويمة.

ثم قال : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) أي : هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه ، أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ، ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) أي : وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير .

القول في تأويل قوله تعالى : سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (62)

يقول تعالى ذكره: ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) هؤلاء المنافقين الذين في مدينة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم معه من ضرباء هؤلاء المنافقين، إذا هم أظهروا نفاقهم أن يقتلهم تقتيلا ويلعنهم لعنًا كثيرًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ...) الآية، يقول: هكذا سنة الله فيهم إذا أظهروا النفاق.

وقوله (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرًا، فأيقن أنه غير مغير في هؤلاء المنافقين سنته.

التدبر :

وقفة
[62] ﴿سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾ السنة شرعية، وهي الأحكام التي فرضها الله، وهذه تتغير من أمة لأخرى، وسنة كونية بعقوبة أعدائه، وهذه ثابتة لا تتبدل.
وقفة
[62] عقوبة الله لأعدائه ثابتة لا تتغير، وإنما تختلف في توقيتها ونوعها ﴿سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾.
وقفة
[62] من الغفلة: النظر للأحداث نظرة جزئية دون ربطها بأسبابها وآثارها، وسنن الله في مثلها: ﴿سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً﴾.
وقفة
[62] ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلًا﴾ سنن الله ماضية فيما سبق، وما هو آت حتى قيام الساعة
وقفة
[62] ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾ قد جعل الله لكل شيء سببًا، فالفلاَّح الذي يقعد في بيته ويقول: اللهم أنبت لي الزرع؛ لا ينبت الله زرعه، فالله لا يبدِّلُ سننه وقوانينه في الخلق من أجل فلاَّح مهمل، ولا تلميذ كسلان!
وقفة
[62] ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾ عقوبة الله لأعدائه واقعة لا محالة، لكنها تختلف في موعدها ونوعها.
وقفة
[62] ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾ لا بد للمخالفين من عقوبة، دنيوية أو أخروية، وهذا من السنن الكونية.
وقفة
[62] ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾ التبديل: تغيير الشيء عما كان عليه من قبل، وسنة الله لن تتبدل في المجرمين الذين انتهكوا حرمات الله في الأرض، ﴿ولن تجد لسنة الله تحويلا﴾ [فاطر: 43] التحويل: نقل الشيء من مكان لآخر وتغيير موضعه، وعذاب الله لن يتحول عن الظالمين المجرمين.
وقفة
[62] سنن الله تعالى ثابتة لا تتبدل ولا تتغير ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ سُنَّةَ اللهِ:
  • مفعول مطلق-مصدر مؤكد-منصوب بفعل مضمر اي سن الله في الذين ينافقون الانبياء ان يقتلوا حيثما ثقفوا. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فِي الَّذِينَ خَلَوْا:
  • حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بالفعل المضمر. خلوا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة وبقيت الفتحة دالة عليها والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «خلوا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ مِنْ قَبْلُ:
  • حرف جر. قبل: اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بخلوا اي مضوا.
  • ﴿ وَلَنْ تَجِدَ:
  • الواو استئنافية: لن: حرف نفي ونصب واستقبال. تجد:فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً:
  • جار ومجرور متعلق بالمفعول. الله لفظ‍ الجلالة:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. تبديلا: مفعول به منصوب بالفتحة.'

المتشابهات :

الإسراء: 77﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا
الأحزاب: 62﴿سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا
الفتح: 23﴿سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا
فاطر: 43﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فـ لَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحۡوِيلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [62] لما قبلها :     ولَمَّا سَنَّ اللهُ للمُنافِقينَ هذا العذابَ الهائِلَ في الدُّنيا؛ بَيَّنَ أنَّ تلك عادتُه في أعدائِه، قال تعالى:
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف