414293031323334

الإحصائيات

سورة لقمان
ترتيب المصحف31ترتيب النزول57
التصنيفمكيّةعدد الصفحات4.00
عدد الآيات34عدد الأجزاء0.15
عدد الأحزاب0.33عدد الأرباع1.30
ترتيب الطول45تبدأ في الجزء21
تنتهي في الجزء21عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 17/29آلم: 5/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (29) الى الآية رقم (32) عدد الآيات (4)

بعدَ بيانِ قدرتِهِ تعالى على البعثِ، بَيَّنَ هنا أنَّه قادرٌ على تغييرِ أحوالِ ما هو أعظمُ حالًا من الإنسانِ، وذلكَ بتغييرِ أحوالِ الأرضِ وليلِها ونهارِها، ثُمَّ بَيَّنَ تناقضَ المشركينَ من اللجوءِ إليه حينَ الضَّراءِ، ونسيانِه حالَ السَّراءِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (33) الى الآية رقم (34) عدد الآيات (2)

ختامُ السورةِ بالأمرِ بتقوى اللهِ والخَوفِ من يومِ القيامةِ وعدمِ الاغترارِ بالدُّنيا وبيانِ ما استأثرَ اللهُ بعلمِه (مفاتحُ الغيبِ الخَمسة).

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة لقمان

تربية الأبناء/ الحكمة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا لقمان؟:   كل سور القرآن التي حملت أسماء لأشخاص في عناوينها كانت لأنبياء ورسل: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، محمد، نوح عليهم السلام، لكن هناك استثناءين اثنين: الأول: مريم، والثاني: لقمان. وجود اسم مريم مفهوم تمامًا، فمريم بنت عمران عليها السلام أم نبي الله عيسى عليه السلام، وهي أيضًا أفضل امرأة على الإطلاق، وقد تكرر اسم مريم في القرآن 34 مرة، وهي المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها في القرآن صراحة. لكن لقمان شيء آخر، شيء مختلف يجبرنا على التوقف طويلًا، إذ ليس من السهل أبدًا أن تكون في هذه المقارنة، أن يوضع اسمك في موضع لم يكن إلا للأنبياء. لم يذكر القرآن أن لقمان كان فاتحًا عظيمًا، أو قائدًا عادلًا، أو عابدًا، أو زاهدًا. ربما كان أحد هذه الأشياء أو كلها، لكننا لا نعرف ذلك، لأن القرآن لم يذكرها عنه، بل ذكر شيئًا مختلفًا.
  • • إذن ماذا كان لقمان؟ ما الذي نقله القرآن الكريم عنه؟:   الجواب: كان مربيًا، هذا ما أظهره القرآن منه، هذا هو الجزء الذي جعله يستحق مكانته. مربي؟! هذا فقط؟! نعم، كان مربيًا، قد ننظر إلى الأمر على أنه مجرد عمل تكميلي أو تحصيل حاصل، لكن هذا العمل كان مهمًا لدرجة جعلت من لقمان في الموضع الذي هو فيه. لكنه لم يكن أي مربي بالتأكيد، كان (حكيمًا)، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...﴾
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «لقمان».
  • • معنى الاسم ::   لقمان: هو رجل صالح آتاه الله الحكمة، واشتهر باسم (لقمان الحكيم)، واختُلِف في نبوته، فذهب الجمهور إلى أنه رجل صالح حكيم وليس بنبي.
  • • سبب التسمية ::   : لاشتمالها ‏على ‏وصايا ‏لقمان الحكيم لابنه.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية تربية الأجيال، وما ينبغي أن يُربَّى عليه الأبناء.
  • • علمتني السورة ::   أن نفع الطاعة وضرر المعصية عائد على العبد: ﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
  • • علمتني السورة ::   الإحسان إلى الوالدين في غير معصية الله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وهذا لا ينافـي بر الوالدين في غير المعصية: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة لقمان من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (34)».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • احتوت السورة على 8 آيات تعتبر من الآيات الجوامع؛ حيث جمعت وصايا لقمان الحكيم لابنه.
    • ركزت السورة على العلاقة بين الآباء والأبناء، حيث حثت الآباء على حسن تربية أبنائهم من خلال وصايا لقمان الحكيم لابنه، وكذلك حثت الأبناء على بر والديهما (في الآية 14)، ورغم ذلك أكدت على المسؤولية الفردية في ختام السورة، بأن كلًا من الأب والابن مسؤول على عمله يوم القيامة (في الآية 33).
    • جاء في سورة لقمان آيتان توضحان آيتين ذكرتا في سورة الأنعام، فقد ذُكِرَ الظلم في سورة الأنعام مجملًا في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (82)، وجاءت سورة لقمان فوضحت أن المقصود بالظلم الشرك، قال تعالى: ﴿... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (13)، وذكرت مفاتيح الغيب في سورة الأنعام مجملة في قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ...﴾ (59)، وجاء تفصيلها في آخر آية من سورة لقمان في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ...﴾ (34)، وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن، وهو من أفضل طرق التفسير، وخاصة إذا كان بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم كما في الموضعين السابقين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقترب من أبنائنا ونعظهم ونرشدهم ونوجههم، ونجلس معهم ونتحدث إليهم، فإن لم نقم بهذا الأمر تركنا الشوارع تربي أبناءنا، والقنوات الفضائية تهدم أخلاقهم، ورفاق السوء تفسد سلوكياتهم.
    • أن نتجنب كل ما يضل عن سبيل الله من لهو الحديث وما لا فائدة منه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...﴾ (6).
    • أن نستعذ بالله من الاستكبار على خلق الله، أو على الانقياد لشرعه: ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (7).
    • أن نعوّد أنفسنا بأن نخاطب أهلنا وأولادنا ومن حولنا بألطف كلمة وبأحب الأسماء إليهم: ﴿يَا بُنَيَّ﴾ (13).
    • أن نُربي أولادنا بما وصى به لقمان الحكيم ولده: إخلاص العبادة لله وحده، الخوف والخشية من الله تعالى، إقامة الصلاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصبر، عدم الكبر، الاعتدال في المشي، خفض الصوت: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّـهُ ...﴾ (16-19).
    • ألا نتكبّر على الناس، ولا نعبِس في وجوههم، فالنبيّ ﷺ كان لا يُرى إلّا مُتبسّمًا متواضعًا: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ (18).
    • أن نحذر الجدال في الله بغير علم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ (20).
    • أن نحذر من تقديس كلام السابقين دون عرضه على كتاب الله وسنة رسوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (21).
    • أن نتفكر في خلق الله تعالى وعظمته: ﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ... أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ...﴾ (28-31).
    • أن نتذكر موقفًا صعبًا نجانا الله منه، ونحمد الله على نعمة النجاة، ثم نعمل عملًا صالحًا شكرًا لله: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ (32).
    • أن نبادر بالعمل، ونحذر التسويف: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ (34).

تمرين حفظ الصفحة : 414

414

مدارسة الآية : [29] :لقمان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ ..

التفسير :

[29] ألم تر أن الله يأخذ من ساعات الليل، فيطول النهار ويقصر الليل، ويأخذ من ساعات النهار، فيطول الليل ويقصر النهار، وذلَّل لكم الشمس والقمر، يجري كل منهما في مداره إلى أجل معلوم محدد، وأن الله مُطَّلع على كل أعمال الخلق مِن خير أو شر، لا يخفى عليه منها شي

وهذا فيه أيضا، انفراده بالتصرف والتدبير، وسعة تصرفه بإيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، أي:إدخال أحدهما على الآخر، فإذا دخل أحدهما، ذهب الآخر.

وتسخيره للشمس والقمر، يجريان بتدبير ونظام، لم يختل منذ خلقهما، ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم، في دينهم ودنياهم، ما به يعتبرون وينتفعون.

و{ كُلّ} منهما{ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إذا جاء ذلك الأجل، انقطع جريانهما، وتعطل سلطانهما، وذلك في يوم القيامة، حين تكور الشمس، ويخسف القمر، وتنتهي دار الدنيا، وتبتدئ الدار الآخرة.

{ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من خير وشر{ خَبِيرٌ} لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيكم على تلك الأعمال، بالثواب للمطيعين، والعقاب للعاصين.

والاستفهام في قوله- سبحانه-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ... للتقرير.

والخطاب لكل من يصلح له ليعتبر ويتعظ، ويخلص العبادة لله- تعالى-.

وقوله يُولِجُ من الإيلاج بمعنى الإدخال. يقال: ولج فلان منزله، إذا دخله ...

ثم استعير لزيادة زمان النهار في الليل وعكسه، بحسب المطالع.

أى: لقد رأيت وشاهدت- أيها العاقل- أن الله- تعالى-، يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، ويزيد في أحدهما وينقص من الآخر، على حسب مشيئته وحكمته..

وأنه- سبحانه- سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.. أى: ذللهما وجعلهما لمنفعة الناس ومصلحتهم، كما جعلهما يسيران هما والليل والنهار، بنظام بديع لا يتخلف.

وقوله: كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى كل من الشمس والقمر يجريان في مدارهما بنظام ثابت محكم، إلى الوقت الذي حدده- سبحانه- لنهاية سيرهما، وهو يوم القيامة. قال ابن كثير: قوله: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قيل: إلى غاية محدودة.

وقيل: إلى يوم القيامة، وكلا المعنيين صحيح. ويستشهد للقول الأول بحديث أبى ذر الذي في الصحيحين، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا ذر، أتدرى أين تذهب هذه الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن ربها، فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت» .

وقال الجمل: قوله: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قاله هنا بلفظ إِلى، وفي سورتي فاطر والزمر، بلفظ «لأجل» ، لأن ما هنا وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهى إليه الخلق، وهما قوله: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ ... الآية. وقوله اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً..

الآية، فناسب هنا ذكر إلى الدالة على الانتهاء، وما في فاطر والزمر خال عن ذلك. إذ ما في فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهائه، وما في الزمر ذكر مع ابتدائه، فناسب ذكر اللام، والمعنى يجرى كل كما ذكر لبلوغ أجل مسمى .

وجملة وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ معطوفة على قوله: أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ.. أى: لقد علمت أن الله- تعالى- قد فعل ذلك، وأنه- سبحانه- خبير ومطلع على كل عمل تعملونه- أيها الناس- دون أن يخفى عليه شيء منها.

يخبر تعالى أنه ( يولج الليل في النهار ) بمعنى : يأخذ منه في النهار ، فيطول ذلك ويقصر هذا ، وهذا يكون زمن الصيف يطول النهار إلى الغاية ، ثم يسرع في النقص فيطول الليل ويقصر النهار ، وهذا يكون في زمن الشتاء ، ( وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى ) قيل : إلى غاية محدودة . وقيل : إلى يوم القيامة . وكلا المعنيين صحيح ، ويستشهد للقول الأول بحديث أبي ذر ، رضي الله عنه ، الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا ذر ، أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟ " . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ، ثم تستأذن ربها فيوشك أن يقال لها : ارجعي من حيث جئت " .

وقال ابن أبي الحاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس أنه قال : الشمس بمنزلة الساقية ، تجري بالنهار في السماء في فلكها ، فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها ، قال : وكذلك القمر . إسناده صحيح .

وقوله : ( وأن الله بما تعملون خبير ) ، كقوله : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ) [ الحج : 70 ] . ومعنى هذا : أنه تعالى الخالق العالم بجميع الأشياء ، كقوله : ( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) [ الطلاق : 12 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)

يقول تعالى ذكره: (ألَمْ تَرَ) يا محمد بعينك (أنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) يقول: يزيد من نقصان ساعات الليل في ساعات النهار (وَيُولجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار في ساعات اللَّيل.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) نقصان الليل في زيادة النهار (وَيُولجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) نقصان النهار في زيادة الليل.

وقوله: (وَسَخَّر الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أجَل مُسَمًّى) يقول تعالى ذكره : وسخر الشمس والقمر لمصالح خلقه ومنافعهم، (كلٌّ يجري) يقول: كلّ ذلك يجري بأمره إلى وقت معلوم، وأجل محدود إذا بلغه كوّرت الشمس والقمر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: لذلك كله وقت وحد معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه.

وقوله: (وَأنَّ اللهَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يقول: وإن الله بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميع ذلك، وخرج هذا الكلام خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنيّ به المشركون، وذلك &; 20-155 &; أنه تعالى ذكره: نبه بقوله: ( أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) على موضع حجته من جهل عظمته، وأشرك في عبادته معه غيره، يدلّ على ذلك قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ .

التدبر :

وقفة
[29] نقص الليل والنهار وزيادتهما وتسخير الشمس والقمر: آيات دالة على قدرة الله سبحانه، ونعمٌ تستحق الشكر.
وقفة
[29] ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ والابتداء بالليل؛ لأن أمره أعجب كيف تغشَى ظُلمته تلك الأنوار النهارية.
وقفة
[29] ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ في الليل والنهار جاء بالفعل المضارع (يولج)؛ لأنه عملية يومية، وفي الشمس والقمر جاء بالفعل الماضي (سخر) أي سُخِر مرة واحدة، واستقر على ذلك.
وقفة
[29] ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هذا إخبار بحركة الشمس والقمر من مئات السنين، فكشف العلم الحديث مثلًا أن سرعة دوران الشمس حول مركز مجرة درب التبانة يساوي 220 کیلو متر في الثانية الواحدة.
وقفة
[29] ﴿كُلٌّ يَجري إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ الكون كله يتحرك ويجرى بأمر الله، حتى ينتهي أجله، أو تقوم الساعة، ولا يعلم كائن من كان متى هو هذا الأجل، والله وحده يعلم.
وقفة
[29] ﴿كُلٌّ يَجري إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ من نعم الله على الإنسان أنه لا يعلم متى يحين أجله، وكيف ستكون الخاتمة، فاللهم حسن الخاتمة نرجو.
وقفة
[29] ﴿وَأَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ من قدر على هذه الأجرام الضخمة والأعمال العظيمة، لا بد أن يكون عالمًا بها، أفلا يكون عالمًا بأعمالكم وأنتم الأصغر والأهون؟!
لمسة
[29] ﴿وَأَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ لم قدم (بِمَا تَعْمَلُونَ) بدلًا من قوله: (خبير بما تعملون)؟! والجواب: الحصر هنا إضافي، والغرض منه التحذير، كأنه قال: لو لم يكن خبيرًا بشيء لكان خبيرًا بأعمالكم، فاحذروه.

الإعراب :

  • ﴿ أَلَمْ تَرَ:
  • الألف ألف استفهام لفظا ومعناه التقدير. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تر: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. ويجوز أن يكون المخاطب من لم ير ولم يسمع لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في التعجيب وفي هذه الحالة يكون الفاعل ضميرا مستترا جوازا تقديره هو.
  • ﴿ أَنَّ اللهَ يُولِجُ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة. يولج: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يولج» مع مفعولها في محل رفع خبر «أن» و «أنّ» مع ما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي «تر».
  • ﴿ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. في النهار: جار ومجرور متعلق بيولج.
  • ﴿ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها. بمعنى يدخل أو يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا.
  • ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ:
  • الواو استئنافية. سخر: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى ذلل. الشمس: مفعول به منصوب بالفتحة و «القمر» معطوف بالواو على الشمس ويعرب اعرابها. منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.
  • ﴿ كُلٌّ يَجْرِي:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة بمعنى كل منهما أي كل واحد من الشمس والقمر. يجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «يجري» في محل رفع خبر «كل» بمعنى يجري في فلكه.
  • ﴿ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:
  • جار ومجرور متعلق بيجري. مسمى: صفة-نعت- لأجل مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المقدرة للتعذر على الألف قبل تنوينها وقد نونت ألف الكلمة لأنها مقصور نكرة بمعنى الى موعد مقرر وقيل «الأجل المسمى» هو يوم القيامة.
  • ﴿ وَأَنَّ اللهَ بِما:
  • معطوفة بالواو على أَنَّ اللهَ» وتعرب إعرابها. بما: الباء حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبر «أن».
  • ﴿ تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «تعملون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. خبير: خبر «أنّ» مرفوع بالضمة. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية وصلتها «تعملون» لا محل لها. و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبر «أن» بتقدير: بعملكم. أي وأن الله عالم بخفايا وأسرار كل شيء من أعمالكم. والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: بما تعملونه.'

المتشابهات :

آل عمران: 27﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ
الحج: 61﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ
لقمان: 29﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
فاطر: 13﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى
الحديد: 6﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     وبعد بيانِ قدرتِهِ تعالى على البعثِ؛ بَيَّنَ هنا أنَّه قادرٌ على تغييرِ أحوالِ ما هو أعظمُ حالًا من الإنسانِ، وذلكَ بتغييرِ أحوالِ الأرضِ وليلِها ونهارِها، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تعملون:
وقرئ:
يعملون، بياء الغيبة، وهى قراءة عياش، عن أبى عمرو.

مدارسة الآية : [30] :لقمان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ..

التفسير :

[30] ذلك كله من عظيم قدْرة الله؛ لتعلموا وتقروا أن الله هو الحق في ذاته وصفاته وأفعاله، وأن ما يدعون من دونه الباطل، وأن الله هو العلي بذاته وقَدْره وقهره فوق جميع مخلوقاته، الكبير على كل شيء، وكل ما عداه خاضع له، فهو وحده المستحق أن يُعبد دون مَن سواه.

{ ذَلِكَ} الذي بين لكم من عظمته وصفاته، ما بيَّن{ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} في ذاته وفي صفاته، ودينه حق، ورسله حق، ووعده حق، ووعيده حق، وعبادته هي الحق.

{ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} في ذاته وصفاته، فلولا إيجاد اللّه له لما وجد، ولولا إمداده لَمَا بَقِيَ، فإذا كان باطلا، كانت عبادته أبطل وأبطل.

{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} بذاته، فوق جميع مخلوقاته، الذي علت صفاته، أن يقاس بها صفات أحد من الخلق، وعلا على الخلق فقهرهم{ الْكَبِيرُ} الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض.

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ.. يعود إلى ما تقدم ذكره من إيلاج الليل في النهار، وتسخير الشمس والقمر. وهو مبتدأ. وقوله بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ خبره.

والباء للسببية. أى: ذلك الذي فعلناه سببه، أن الله- تعالى- هو الإله الحق، الذي لا إله سواه، وأن ما يدعون من دونه من آلهة أخرى هو الْباطِلُ الذي لا يصح أن يسمى بهذا الاسم، لأنه مخلوق زائل متغير، لا يضر ولا ينفع.

وقوله : ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ) أي : إنما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق ، أي : الموجود الحق ، الإله الحق ، وأن كل ما سواه باطل فإنه الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه; لأن كل ما في السماوات والأرض الجميع خلقه وعبيده ، لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه ، ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك ; ولهذا قال : ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) أي : العلي : الذي لا أعلى منه ، الكبير : الذي هو أكبر من كل شيء ، فكل شيء خاضع حقير بالنسبة إليه

القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)

يقول تعالى ذكره : هذا الذي أخبرتك يا محمد أن الله فعله من إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل، وغير ذلك من عظيم قُدرته، إنما فعله بأنه الله حقا، دون ما يدعوه هؤلاء المشركون به، وأنه لا يقدر على فعل ذلك سواه، ولا تصلح الألوهة إلا لمن فعل ذلك بقُدرته.

وقوله.(وأنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الباطِلُ) يقول تعالى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء المشركون من دون الله الباطل الذي يضمحلّ، فيبيد ويفنى (وأنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) يقول تعالى ذكره: وبأن الله هو العليُّ، يقول: ذو العلوّ على كلّ شيء، وكلّ ما دونه فله متذلل منقاد، الكبير الذي كل شيء دونه، فله متصاغر.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[30] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ قال الرازي: «والحق هو الثبوت، والثابت الله، وهو الثابت المطلق الذي لا زوال له، فهو الحق وما عداه الباطل؛ لأن الباطل هو الزائل، يقال: بطل ظله إذا زال».
وقفة
[30] ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ ما يَدعونَ مِن دونِهِ الباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبيرُ﴾ نجد أنه مهما علا الباطل وكبر وانتفش وساد؛ فالله أعلى وأكبر من كل باطل، ومن كل شئ.
وقفة
[30] ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ الآية تتناول نوعي الدعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة والطلب، ودعاء العبادة شامل لكل القُرُبات الظاهرة والباطنة؛ لأنَّ المتعبِّدَ لله طالبٌ وداعٍ بلسان حاله، وأما دعاء المسألة فهو أن يطلب الدَّاعي ما ينفعه، وكشف ضره.

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب والاشارة الى ما يعود اليه سبحانه أي ذلك وصف من عجائب قدرته وحكمته أو ذلك الموحى اليك من هذه الآيات. بأن الباء حرف جر. أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «أن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ بتقدير: بسبب بيان أن الله هو الحق. أي ذلك الموصوف من عجائب قدرته سببه أن الله هو الحق.
  • ﴿ هُوَ الْحَقُّ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر «أنّ» هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الحق: خبره مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ:
  • الواو عاطفة. ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم «أن» يدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يدعون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير ما يدعونه أي ما يعبدونه.
  • ﴿ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ:
  • جار ومجرور متعلق بيدعون أو بحال محذوفة من «ما» والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة و «الباطل» خبر «أنّ» مرفوع بالضمة بمعنى وأنّ الها غيره سبحانه باطل الإلهية لأنه جماد والله هو الحق الثابت الالهية والتقدير هو الباطل فحذف المبتدأ «هو» لأنه معلوم دل عليه ما قبله فأقيم خبره مقامه.
  • ﴿ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ:
  • الواو عاطفة وما بعدها يعرب اعراب «أن الله هو الحق» الكبير: خبر ثان لهو. بمعنى الكبير عن أن يشرك به. أي أن الله هو العلي الشأن الكبير السلطان.'

المتشابهات :

الحج: 6﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الحج: 62﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
لقمان: 30﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعد بيان كَمال ملكه وعِلمِه وقُدرتِه تعالى؛ وجبَ أن نقر أن الله هو الحق في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :لقمان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي ..

التفسير :

[31] ألم تر -أيها المشاهد- أن السفن تجري في البحر بأمر الله نعمة منه على خلقه؛ ليريكم من عبره وحججه عليكم ما تعتبرون به؟ إن في جَرْي السفن في البحر لَدلالات لكل صبَّار عن محارم الله وعلى طاعته وعلى أقداره، شكور لنعمه.

أي:ألم تر من آثار قدرته ورحمته، وعنايته بعباده، أن سخر البحر، تجري فيه الفلك، بأمره القدري [ولطفه وإحسانه،{ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} ففيها الانتفاع والاعتبار]

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} فهم المنتفعون بالآيات، صبار على الضراء، شكور على السراء، صبار على طاعة اللّه وعن معصيته، وعلى أقداره، شكور للّه، على نعمه الدينية والدنيوية.

ثم ذكر- سبحانه- الناس بنعمة أخرى من نعمه التي لا تحصى فقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ ...

أى: ولقد علمت- أيضا- وشاهدت- أيها العاقل- حال السفن، وهي تجرى في البحر، بمشيئة الله وقدرته، وبلطفه ورحمته وإحسانه. ليطلعكم على بعض آياته الدالة على باهر قدرته، وسمو حكمته وسابغ نعمته.

إِنَّ فِي ذلِكَ الذي شاهدتموه وانتفعتم به من السفن وغيرها لَآياتٍ واضحات على قدرة الله- تعالى- ورحمته لعباده لِكُلِّ صَبَّارٍ أى: لكل إنسان كثير الصبر شَكُورٍ. أى: كثير الشكر لله- تعالى- على نعمه ورحمته.

يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره ، أي : بلطفه وتسخيره; فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت ; ولهذا قال : ( ليريكم من آياته ) أي : من قدرته ، ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) أي : صبار في الضراء ، شكور في الرخاء .

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أن السفن تجري في البحر نعمة من الله على خلقه (لِيُرِيكُمْ مِنْ آياتِهِ) يقول: ليريكم من عبره وحججه عليكم ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) يقول: إن في جري الفلك في البحر دلالة على أن الله الذي أجراها هو الحقّ، وأنّ ما يدعون من دونه الباطل (لكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) يقول: لكلّ من صبر نفسه عن محارم الله، وشكره على نعمه فلم يكفره.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: كان مطرف يقول: إنّ من أحبّ عباد الله إليه: الصبَّار الشَّكور.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله، ألم تر إلى قوله: (إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، &; 20-156 &; (إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُوقِنينَ)، (إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُؤْمِنينَ).

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن الشعبيّ(إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) قال: الصبر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله.

إن قال قائل: وكيف خصّ هذه الدلالة بأنها دلالة للصبَّار الشَّكور دون سائر الخلق؟ قيل: لأنّ الصبر والشكر من أفعال ذوي الحجى والعقول، فأخبر أن في ذلك لآيات لكلّ ذي عقل؛ لأن الآيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتمييز.

التدبر :

وقفة
[31] ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّـهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ ووجه إيثار خلقي الصبر والشكر هنا؛ للكناية بهما من بين شعب الإيمان، أنهما أنسب بمقام السير في البحر؛ إذ راكب البحر بين خطر وسلامة، وهما مظهر الصبر والشكر.
عمل
[31] شاهد صورًا عن السفن، أو اقرأ شيئًا عنها؛ لتتعرف على عظيم نعمة الله علينا بها ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّـهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾.
وقفة
[31] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ أي: صبار لقضائه، شكور على نعمائه، وقال أهل المعاني: أراد لكل مؤمن بهذه الصفة؛ لأن الصبر والشكر من أفضل خصال الإيمان.
وقفة
[31] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ ذكر النعم يدعو إلى الشكر، وذكر النقم يقتضي الصبر على فعل المأمور وإن كرهته النفس، وعن المحظور وإن أحبته النفس؛ لئلا يصيبه ما أصاب غيره من النقمة.
وقفة
[31] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ الصبر والشكر وسيلتان للاعتبار بآيات الله.
عمل
[31] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ أكثِرْ مِن شكر الله عند كل نعمة حتى يعينك على الصبر عند كل بلاء، فإن النّعم لا تدوم، ولست مِن البلاء بمعصوم.
وقفة
[31] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ صبار على المكاره والشدائد يتحملها لوجه الله ولا يتسخطها بل يصبر عليها، شكور لنعمة اللّه تعالى يقر بها ويعترف.
وقفة
[31] ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ صبر لما رأى الأهوال في البحر، ثم شكر الله تعالى على نعمته، التي لم يرها من قبل.
وقفة
[31] ﴿صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ تقديم الصبر على الشكر، يفهم منه أن الإنسان إذا صبر على مصاعب البحث والاستنباط والعمل، فإنه تظهر له نعم كثيرة سيؤدي شكرها.
وقفة
[31، 32] ﴿كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ الختار هو الغدار، وجاءت مقابلة لقوله: ﴿صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة والعشرين. أي أن السفن تسبح.
  • ﴿ فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ:
  • جاران ومجروران متعلقان بتجري. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة بمعنى بإحسانه ورحمته وفضله أو من نعمته.
  • ﴿ لِيُرِيَكُمْ:
  • اللام حرف جر للتعليل. يريكم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول وحذف مفعوله الثاني لأن «من» التبعيضية في «من آيات» تدل عليه. والميم علامة جمع الذكور .. وجملة «يريكم» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بتجري.
  • ﴿ مِنْ آياتِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيريكم والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في: حرف جر. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد والكاف للخطاب والجار والمجرور متعلق بخبر «انّ» المقدم.
  • ﴿ لَآياتٍ لِكُلِّ:
  • اللام لام التوكيد-المزحلقة-آيات اسم «انّ» منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. لكل: جار ومجرور متعلق بصفة لآيات.
  • ﴿ صَبّارٍ شَكُورٍ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. شكور: صفة-نعت-لصبار مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة بمعنى ان في ذلك الفضل لدلائل لكل صبار على بلائه شكور لنعمائه وهما صفتان للمؤمن بمعنى الكثير الصبر الكثير الشكر وهما من صيغ المبالغة «فعال» مبالغة لاسم الفاعل صابر و «فعول»: مبالغة لاسم الفاعل «شاكر».'

المتشابهات :

ابراهيم: 5﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
لقمان: 31﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّـهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
سبإ: 19﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
الشورى: 33﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ آيةً سَماويَّةً؛ ذكَرَ هنا آيةً أرضيَّةً، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بنعمة الله:
1- على الإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بنعمات، بكسر النون وسكون العين، جمعا بالألف والتاء، وهى قراءة الأعرج، والأعمش، وابن يعمر.
3- بنعمات، بفتح النون وكسر العين، وبالألف والتاء، وهى قراءة ابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [32] :لقمان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا ..

التفسير :

[32] وإذا ركب المشركون السفن وعَلَتْهم الأمواج مِن حولهم كالسحب والجبال، أصابهم الخوف والذعر من الغرق، ففزعوا إلى الله، وأخلصوا دعاءهم له، فلما نجاهم إلى البر فمنهم متوسط لم يقم بشكر الله على وجه الكمال، ومنهم كافر بنعمة الله جاحد لها، وما يكفر بآياتنا وح

ذكر تعالى حال الناس، عند ركوبهم البحر، وغشيان الأمواج كالظلفوقهم، أنهم يخلصون الدعاء [للّه]والعبادة:{ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} انقسموا فريقين:

فرقة مقتصدة، أي:لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم.

وفرقة كافرة بنعمة اللّه، جاحدة لها، ولهذا قال:{ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ}أي غدار، ومن غدره، أنه عاهد ربه، لئن أنجيتنا من البحر وشدته، لنكونن من الشاكرين، فغدر ولم يف بذلك،{ كَفُور} بنعم اللّه. فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه؟

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أحوال الناس عند ما تحيط بهم المصائب وهم في وسط البحر فقال: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.

وقوله غَشِيَهُمْ من الغشاء بمعنى: الغطاء. فيقال: غشى الظلام المكان، إذا حل به وأصل «الموج» الحركة والازدحام. ومنه قولهم: ماج البحر إذا اضطرب وارتفع ماؤه.

والظلل: جمع ظلة- كغرفة وغرف-، وهي ما أظل غيره من سحاب أو جبل أو غيرهما.

أى: وإذا ما ركب الناس في السفن، وأحاطت بهم الأمواج من كل جانب، وأوشكت أن تعلوهم وتغطيهم ... في تلك الحالة لجئوا إلى الله- تعالى- وحده، يدعونه بإخلاص وطاعة وتضرع، أن ينجيهم مما هم فيه من بلاء..

فَلَمَّا نَجَّاهُمْ- سبحانه- بفضله وإحسانه، وأوصلهم إِلَى الْبَرِّ انقسموا إلى قسمين، أما القسم الأول، فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ أى:

فمنهم من هو مقتصد، أى: متوسط في عبادته وطاعته، يعيش حياته بين الخوف والرجاء.

قال ابن كثير: قال ابن زيد: هو المتوسط في العمل، ثم قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله- تعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ فالمقتصد هاهنا هو المتوسط في العمل. ويحتمل أن يكون مرادا هنا- أيضا- ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال، والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر، ثم بعد ما أنعم الله عليه من الخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والمبادرة إلى الخيرات، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا، والحالة هذه .

وأما القسم الثاني فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ.

والختار: من الختر، وهو أبشع وأقبح الغدر والخديعة. يقال: فلان خاتر وختار وختير، إذا كان شديد الغدر والنقض لعهوده، ومنه قول الشاعر:

وإنك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر

والكفور: هو الشديد الكفران والجحود لنعم الله- تعالى-.

أى: وما يجحد بآياتنا الدالة على قدرتنا ورحمتنا، إلا من كان كثير النقض لعهودنا، شديد النكران لنعمنا.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بدعوة الناس إلا الاستعداد ليوم الحساب وإلى مراقبة الله- تعالى- في كل أحوالهم، لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء منها. فقال:

ثم قال : ( وإذا غشيهم موج كالظلل ) أي : كالجبال والغمام ، ( دعوا الله مخلصين له الدين ) ، كما قال تعالى : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) [ الإسراء : 67 ] ، وقال ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) [ العنكبوت : 65 ] .

ثم قال : ( فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) قال مجاهد : أي كافر . كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد ، كما قال تعالى : ( فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ العنكبوت : 65 ] .

وقال ابن زيد : هو المتوسط في العمل .

وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) [ فاطر : 32 ] ، فالمقتصد هاهنا هو : المتوسط في العمل . ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر ، ثم بعدما أنعم عليه من الخلاص ، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والدؤوب في العبادة ، والمبادرة إلى الخيرات . فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه ، والله أعلم .

وقوله : ( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) : فالختار : هو الغدار . قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وهو الذي كلما عاهد نقض عهده ، والختر : أتم الغدر وأبلغه ، قال عمرو بن معديكرب :

وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر

وقوله : ( كفور ) أي : جحود للنعم لا يشكرها ، بل يتناساها ولا يذكرها .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)

يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الآلهة والأوثان في البحر -إذا ركبوا في الفُلك- موج كالظُلل، وهي جمع ظُلَّة، شبَّه بها الموج في شدة سواد كثرة الماء، قال نابغة بني جعدة في صفة بحر:

يُماشِـــيهِنَّ أخْــضَرُ ذُو ظــلال

عَـــلى حافاتِــهِ فِلَــق الدّنــانِ (1)

وشبه الموج وهو واحد بالظلل، وهي جماع، لأن الموج يأتي شيء منه بعد شيء، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. وقوله: (دَعَوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل، فخافوا الغرق، فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له الطاعة، لا يشركون به هنالك شيئا، ولا يدعون معه أحدا سواه، ولا يستغيثون بغيره. قوله: (فَلَمَّا نجَّاهُمْ إلى البَرّ) مما كانوا يخافونه في البحر من الغرق والهلاك إلى البرّ.(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) يقول: فمنهم مقتصد في قوله وإقراره بربه، وهو مع ذلك مضمر الكفر به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: المقتصد في القول وهو كافر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) قال: المقتصد الذي على صلاح من الأمر.

وقوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) يقول تعالى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كلّ غدّار بعهده، والختر عند العرب: أقبح الغدر، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:

وَإنَّــكَ لَــوْ رأيْــتَ أبـا عُمَـيْرٍ

مَــلأتَ يَـدَيْكَ مِـنْ غَـدْرٍ وَخَـتْرٍ (2)

وقوله: (كَفُور) يعني: جحودا للنعم، غير شاكر ما أسدى إليه من نعمة.

وبنحو الذي قلنا في معنى الختار قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد (كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) قال: كلّ غَدّار.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (كُلُّ خَتَّارٍ) قال: غدّار.

حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا ثنا ابن علية، عن أبي رجاء عن الحسن في قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: غدّار.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) الختار: الغدار، كلّ غدار بذمته كفور بربه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: كلّ جحاد كفور.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: الختار: الغدّار، كما تقول: غدرني.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر، قال: سمعت قَتادة قال: الذي يغدر بعهده.

قال: ثنا المحاربي، عن جُوَيبر، عن الضحاك، قال: الغدّار.

قال: ثنا أبي: عن الأعمش، عن سمر بن عطية الكاهلي، عن عليّ رضي الله عنه قال: المكر غدر، والغدر كفر.

-----------------------

الهوامش :

(1) البيت في (مجاز القرآن لأبي عبيدة الورقة 191 ب) قال عند تفسير قوله تعالى: (وإذا غشيهم موج كالظلل): واحدتها: ظلة. ومجازه: من شدة سواد كثرة الماء ومعظمه. قال النابغة الجعدي وهو يصف البحر: "يماشيهن ... فلق الدنان". يريد : أن البحر يمتد معهن في سيرهن. وظلال البحر: أمواجه، لأنها ترفع فتظل السفينة ومن فيها. والدنان بالدال المهملة: جمع دن بالفتح، هو راقود الخمر الكبير.

(2) البيت في (مجاز القرآن لأبي عبيدة، الورقة 191 ب) عند تفسير قوله تعالى: (كل مختار كفور) قال: الختر: الكبر والغدر، قال عمرو بن معد يكرب "وإنك لو رأيت" البيت وفي (اللسان ختر): الختر شبيه بالغدر والخديعة، وقيل: هو الخديعة بعينها، وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه، ختر يختر، فهو خاتر، وختار للمبالغة، والفعل من بابي ضرب ونصر.

التدبر :

عمل
[32] ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ﴾ لا تجعل الدعاء كالدواء، لا تستعمله إلا عند البلاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ؛ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» [الترمذي 3382، وحسنه الألباني].
وقفة
[32] ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ ... فَلَمَّا نَجَّاهُمْ﴾ المشركون كانوا يدْعُون اللهَ إذا اضطرُوا فيُجيبُ دعاءهم، فكيف بالمؤمنين؟!
وقفة
[32] بعض مشركي هذا الزمان أشد من كفار قريش؛ لأنهم يشركون في الرخاء والشدة, أما مشركو قريش فكانوا يشركون في الرخاء، ويوحّدون في الشدة ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾.
عمل
[32] تذكر موقفًا صعبًا نجاك الله منه، واحمد الله على نعمة النجاة، ثم اعمل عملًا صالحًا شكرًا لله ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾.
وقفة
[32] ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ ما أقبح الغدر بعد العهد والتهاون بعد الإنعام! قال ابن كثير: «قال ابن زيد: هو المتوسط في العمل، وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: 32]، فالمقتصد ها هنا هو: المتوسط في العمل، ويحتمل أن يكون مرادًا هنا أيضًا، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر، ثم بعدما أنعم عليه من الخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرًا والحالة هذه، والله أعلم».
وقفة
[32] ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ يستدل بفساد الظاهر على فساد الباطن، فجحود الآيات في الظاهر، سببه الغدر والكفر المستقران في قلب العبد في الباطن.
وقفة
[32] ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ أقبح الغدر هو الغدر مع الله، قال زيد بن أسلم: «والختر: أتم الغدر وأبلغه».
وقفة
[32] ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ (ختَّار) أي: غدّار، شديد الغدر؛ وذلك أنه جحد نعمة الله غدرًا.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا:
  • الواو استئنافية. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون متضمن معنى الشرط‍ خافض لشرطه متعلق بجوابه. والجملة الفعلية بعده: في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ غَشِيَهُمْ مَوْجٌ:
  • فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. موج: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ كَالظُّلَلِ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» للتشبيه مبني على الفتح في محل رفع صفة -نعت-لموج. الظلل: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. أي واذا غطاهم موج مرتفع كالجبال أو السحاب يظلهم.
  • ﴿ دَعَوُا اللهَ:
  • الجملة الفعلية جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. دعوا: فعل ماض مبني على الفتح أو الضم للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله لفظ‍ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ:
  • حال من ضمير «دعوا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. له: جار ومجرور متعلق بمخلصين. الدين: مفعول به لاسم الفاعل «مخلصين» منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ:
  • الفاء عاطفة. لما: اسم شرط‍ غير جازم بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب. نجى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. الى البر: جار ومجرور متعلق بنجاهم ويجوز أن يكون متعلقا بحال محذوفة من الضمير «هم» في «نجاهم» بمعنى نجاهم موصلين أو سالمين الى البر وجواب «لما» محذوف بمعنى أو بتقدير: فلما نجاهم الى البر عادوا الى ما كانوا عليه.
  • ﴿ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ:
  • الفاء استئنافية. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. مقتصد: مبتدأ مرفوع بالضمة. بمعنى فمنهم معتدل أي بقي على الطريق المستقيم. وفي القول حذف بمعنى: ومنهم من رجع الى ضلالته.
  • ﴿ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يجحد: فعل مضارع مرفوع بالضمة بمعنى يكفر: بآيات: جار ومجرور متعلق بيجحد و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ:
  • الا: أداة حصر لا عمل لها. كل: فاعل «يجحد» مرفوع بالضمة. ختار: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى «غدار» كفور: صفة-نعت-لختار مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة. وهي صيغة مبالغة فعول بمعنى فاعل أي كثير الكفر.'

المتشابهات :

يونس: 22﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
العنكبوت: 65﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
لقمان: 32﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ
غافر: 14﴿ فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ أن في ذلك لآيات؛ بَيَّنَ هنا أن المشركين ينسون الله في السراء، ويلجؤون إليه حين الضراء، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كالظلل:
وقرئ:
كالظلال، والظلل والظلال: جمع ظلة، وهى قراءة محمد بن الحنفية.

مدارسة الآية : [33] :لقمان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ..

التفسير :

[33] يا أيها الناس اتقوا ربكم وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واحذروا يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ولا مولود عن أبيه شيئاً، إن وعد الله حق لا ريب فيه، فلا تنخدعوا بالحياة الدنيا وزخرفها فتنسيكم الأخرى، ولا يخدعنكم بالله خادع من شياطين

يأمر تعالى الناس بتقواه، التي هي امتثال أوامره، وترك زواجره، ويستلفتهم لخشية يوم القيامة، اليوم الشديد، الذي فيه كل أحد لا يهمه إلا نفسه فـ{ لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} لا يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته، قد تم على كل عبد عمله، وتحقق عليه جزاؤه.

فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل، مما يقوي العبد ويسهِّل عليه تقوى اللّه، وهذا من رحمة اللّه بالعباد، يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم، ويعدهم عليها الثواب، ويحذرهم من العقاب، ويزعجهم إليه بالمواعظ والمخوفات، فلك الحمد يا رب العالمين.

{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فلا تمتروا فيه، ولا تعملوا عمل غير المصدق، فلهذا قال:{ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن.

{ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الذي هو الشيطان، الذي ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات، فإن للّه على عباده حقا، وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه بأعمالهم، وهل وفوا حقه أم قصروا فيه.

وهذا أمر يجب الاهتمام به، وأن يجعله العبد نصب عينيه، ورأس مال تجارته، التي يسعى إليها.

ومن أعظم العوائق عنه والقواطع دونه، الدنيا الفتانة، والشيطان الموسوس الْمُسَوِّل، فنهى تعالى عباده، أن تغرهم الدنيا، أو يغرهم باللّه الغرور{ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}

والمعنى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ بأن تطيعوه ولا تعصوه، وبأن تشكروه ولا تكفروه، واخشوا يوما، أى: وخافوا أهوال يوم عظيم.

لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ أى: لا يستطيع والد أن ينفع ولده بشيء من النفع في هذا اليوم. أو أن يقضى عنه شيئا من الأشياء.

وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً أى: ولا يستطيع المولود- أيضا- أن يدفع عن والده شيئا مما يحتاجه منه.

وخص- سبحانه- الوالد والمولود بالذكر، لأن رابطة المحبة والمودة بينهما هي أقوى الروابط وأوثقها، فإذا انتفى النفع بينهما في هذا اليوم، كان انتفاؤه بالنسبة لغيرهما من باب أولى.

وقوله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أى: إن ما وعد الله- تعالى- به عباده من البعث والحساب والثواب والعقاب، حق وثابت ثبوتا لا يقبل الشك أو التخلف.

وما دام الأمر كذلك فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا أى: فلا تخدعنكم الحياة الدنيا بزخارفها وشهواتها ومتعها، ولا تشغلنكم عن طاعة الله- تعالى- وعن حسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد. فإن الكيّس الفطن هو الذي يتزود لهذا اليوم بالإيمان الحق، والعمل الصالح النافع.

وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أى: ولا يصرفنكم الشيطان عن طاعة الله، وعن امتثال أمره. فالمراد بالغرور: الشيطان. أو كل ما يصرفك عن طاعة الله- تعالى.

قال الآلوسى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أى: الشيطان، كما روى عن ابن عباس وغيره. بأن يحملكم على المعاصي بتزيينها لكم ... وعن أبى عبيدة: كل شيء غرك حتى تعصى الله- تعالى- فهو غرور سواء أكان شيطانا أم غيره وعلى ذلك ذهب الراغب فقال:

الغرور كل ما يغر الإنسان من مال أو جاه أو شهوة أو شيطان.. وأصل الغرور: من غر فلان فلانا، إذا أصاب غرته، أى: غفلته، ونال منه ما يريد. والمراد به الخداع..

والظاهر أن «بالله» صلة «يغرنكم» أى: لا يخدعنكم بذكر شيء من شئونه- تعالى-، يجركم بها على معاصيه- سبحانه- .

يقول تعالى منذرا للناس يوم المعاد ، وآمرا لهم بتقواه والخوف منه ، والخشية من يوم القيامة حيث ( لا يجزي والد عن ولده ) أي : لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه . وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يتقبل منه .

ثم عاد بالموعظة عليهم بقوله : ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ) [ أي : لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة ] . ( ولا يغرنكم بالله الغرور ) يعني : الشيطان . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة . فإنه يغر ابن آدم ويعده ويمنيه ، وليس من ذلك شيء بل كما قال تعالى : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) [ النساء : 120 ] .

قال وهب بن منبه : قال عزير ، عليه السلام : لما رأيت بلاء قومي اشتد حزني وكثر همي ، وأرق نومي ، فضرعت إلى ربي وصليت وصمت فأنا في ذلك أتضرع أبكي إذ أتاني الملك فقلت له : أخبرني هل تشفع أرواح المصدقين للظلمة ، أو الآباء لأبنائهم ؟ قال : إن القيامة فيها فصل القضاء وملك ظاهر ، ليس فيه رخصة ، لا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الرحمن ، ولا يؤخذ فيه والد عن ولده ، ولا ولد عن والده ، ولا أخ عن أخيه ، ولا عبد عن سيده ، ولا يهتم أحد بغيره ولا يحزن لحزنه ، ولا أحد يرحمه ، كل مشفق على نفسه ، ولا يؤخذ إنسان عن إنسان ، كل يهم همه ويبكي عوله ، ويحمل وزره ، ولا يحمل وزره معه غيره . رواه ابن أبي حاتم .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)

يقول تعالى ذكره: أيها المشركون من قريش، اتقوا الله، وخافوا أن يحلّ بكم سخطه في يوم لا يغني والد عن ولده، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا؛ لأن الأمر يصير هنالك بيد من لا يغالب، ولا تنفع عنده الشفاعة والوسائل، إلا وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا. وقوله: (إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقّ) يقول: اعلموا أن مجيء هذا اليوم حقّ، وذلك أن الله قد وعد عباده ولا خلف لوعده (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا) يقول: فلا تخدعنكم زينة الحياة الدنيا ولذّاتها، فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم. وقوله: (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغَرُورُ) يقول: ولا يخدعنَّكم بالله خادع. والغَرور بفتح الغين: هو ما غرّ الإنسان من شيء كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا، أو دنيا، وأما الغُرور بضم الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (ولا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (الغَرُور) قال: الشيطان.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (وَلا يَغُرنَّكُمْ باللهِ الغَرُور) ذاكم الشيطان.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد المروزي، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (الغَرُورُ) قال: الشيطان.

وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَير قوله: (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُورُ) قال: إن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة.

التدبر :

لمسة
[33] ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ قدّم الوالد على الولد؛ لأن الأب أكثر شفقة على الولد، وأحرص على الدفع عنه.
وقفة
[33] ﴿اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده﴾ هولٌ يجعل الوالد على عظيم شفقته لا يدفع عن ولده؛ ألا نخشاه؟!
وقفة
[33] بالخوف تنصلح القلوب، خوفنا الله مرة بأفعاله فقال: ﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا﴾، ومرة بصفاته فقال: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: 14]، ومرة ثالثة بذاته فقال: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 28].
عمل
[33] ﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ عملك عملك، صلاتك صلاتك، صلاحك صلاحك، لن تنفعك غدًا قرابتك ولا والدك ولا ولدك.
وقفة
[33] ﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ قال ابن كثير بعد أن ذكر هذه الآية: «فهذا أبلغ المقامات: أن كلًا من الوالد وولده، لا يغني أحدهما عن الآخر شيئًا».
وقفة
[33] ﴿وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ بدأ بالأب قبل الابن؛ لأن الأب أكثر حنانًا بالابن من الابن بالأب.
وقفة
[33] ﴿وَلَا مَوْلُودٌ﴾ مولود أبلغ في التعبير من كلمة (ولد)؛ لأن المولود لا تطلق إلا على الابن مباشرة، أما (الولد) فتشمل الابن، وابن الابن (الحفيد).
وقفة
[33] ﴿إنَّ وعد الله حقٌّ﴾ أي لا شكَّ فيه، وهذا مما يُعين على الصبر؛ فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملًا؛ هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسَّر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير.
وقفة
[33] الخوف من القيامة يقي من الاغترار بالدنيا، ومن الخضوع لوساوس الشياطين ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾.
عمل
[33] في زحمة الفتن تذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾.
وقفة
[33] ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ الواجب على العاقل أن لا يغتر بالدنيا وزهرتها وحسنها وبهجتها فيشتغل بها عن الآخرة الباقية والنعم الدائمة.
وقفة
[33] ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ من الطبيعي أن ترى السفينة في الماء، لكن من الخطر أن ترى الماء في السفينة؛ فكن أنت في قلب الدنيا ولا تجعل الدنيا في قلبك.
وقفة
[33] ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أسـوء الظنـون أن نظن أن الدنيا دار البهجة الدائم، بل هي الطريق إلى النعيم المقيم.
وقفة
[33] ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾ غرور الدُّنيا: أن يشتغل بنعيمِها عن الآخرةِ، والغُرور باللهِ: أن يعملَ بالمعاصي ثم يتمنَّى المغفرةَ.
وقفة
[33] ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾ من أعظم ما يصرف ويعيق عن طاعة الله: التعلق بالدنيا والانقياد لخطوات الشيطان.
عمل
[33] تذكر شيئًا من زينة الدنيا تعلق به قلبك، ثم اكتب ثلاثة من عيوبه؛ حتى يخف تعلقك به ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾.
وقفة
[33] ربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه لا يغير ما به، ويظن أن ذلك من محبة الله له، وأنه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك، فهذا من الغرور ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾.
وقفة
[33] ﴿ولا يغرنكم بالله الغَرور﴾، ﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغُرور﴾ [الحديد: 20] (الْغَرُورُ) بفتح الغين هو الشيطان، وبضم الغين هي الدنيا بزخرفها وزينتها وملذاتها.
وقفة
[33] ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾ والْغَرُورُ بفتح الغين: هو ما غر الإنسان من شيء كائنًا ما كان، شیطانًا كان أو إنسانًا، أو دنيا، قال الضحاك ومجاهد: «الْغَرُورُ: الشيطان».
وقفة
[33] ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ﴾ قال سعيد بن جبير: «أن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة».
وقفة
[33] ختم السورة بهذه الآيات لئلا يتوهم الآباء بعد أن أمر الله أبناءهم في أول السورة بالإحسان إليهم، أنهم قد ينفعونهم في الآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ:
  • يا: أداة نداء. أي اسم منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الناس: بدل من «أي» أو عطف بيان لأنها غير متصرفة-جامدة-غير مشتقة مرفوعة على لفظ‍ «أي» لا محلها وعلامة رفعها الضمة.
  • ﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بمعنى «خافوا» ربكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَاخْشَوْا يَوْماً:
  • معطوفة بالواو على اِتَّقُوا رَبَّكُمْ» وتعرب إعرابها ونكر «يوما» لعظمته.
  • ﴿ لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت- ليوما. لا: نافية لا عمل لها. يجزي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. والد: فاعل مرفوع بالضمة. عن ولده: جار ومجرور متعلق بلا يجزي والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. والتقدير: أو المعنى لا يجزي فيه فحذف الجار «الصلة» أي لا يغني أو لا ينفع أو لا يشفع.
  • ﴿ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ:
  • الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي والجملة الاسمية بعدها مؤكدة. مولود: معطوفة على «والد» مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. جاز: خبر «هو» مرفوع بالضمة المقدرة أو الظاهرة على الياء المحذوفة وقد حذفت الياء من الاسم لأنه منقوص نكرة. والجملة الاسمية «هو جاز» في محل رفع صفة -نعت-لمولود.
  • ﴿ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً:
  • أعربت. شيئا: مفعول به ليجزي أو لجاز أي لاسم الفاعل منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. حق: خبر «انّ» مرفوع بالضمة و «وعد» اسمها منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ:
  • الفاء استئنافية حرف دال على التعليل. لا: ناهية جازمة. تغرنكم: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الاعراب. الكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور بمعنى فلا تضلنكم.
  • ﴿ الْحَياةُ الدُّنْيا:
  • فاعل مرفوع بالضمة. الدنيا: صفة-نعت-للحياة مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بلا يغرنكم. و «الغرور» هو الشيطان الكثير التغرير والتضليل.'

المتشابهات :

البقرة: 21﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
النساء: 1﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
الحج: 1﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
لقمان: 33﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ الدَّلائِلَ على الوحدانيَّةِ والحَشرِ مِن أوَّلِ السُّورةِ؛ أمَرَ هنا بالتَّقْوى على سَبيلِ الموعِظةِ والتَّذكيرِ بهذا اليَومِ العظيمِ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لا يجزى:
1- مضارع «جزى» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضم الياء وفتح الزاى، مبنيا للمفعول، وهى قراءة عكرمة.
3- لا يجزئ، بضم الياء وكسر الزاى، مهموزا، ومعناه: لا يغنى، وهى قراءة أبى السمال، وعامر بن عبد الله، وأبى السوار.
تغرنكم:
وقرئ:
بالنون الخفيفة، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وابن أبى عبلة، ويعقوب.
الغرور:
1- بالفتح، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالضم، وهى قراءة سماك بن حرب، وأبى حيوة.

مدارسة الآية : [34] :لقمان     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ..

التفسير :

[34] إن الله -وحده لا غيره- يعلم متى تقوم الساعة، وهو الذي ينزل المطر من السحاب، لا يقدر على ذلك أحد غيره، ويعلم ما في أرحام الإناث، ويعلم ما تكسبه كل نفس في غدها، وما تعلم نفس بأيِّ أرض تموت. بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه. إن الله عليم خبير محيط

قد تقرر أن اللّه تعالى أحاط علمه بالغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، وقد يطلع اللّه عباده على كثير من الأمور الغيبية، وهذه [الأمور]الخمسة، من الأمور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات، فلا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فضلا عن غيرهما، فقال:{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} أي:يعلم متى مرساها، كما قال تعالى:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} الآية.

{ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أي:هو المنفرد بإنزاله، وعلم وقت نزوله.

{ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} فهو الذي أنشأ ما فيها، وعلم ما هو، هل هو ذكر أم أنثى، ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه:هل هو ذكر أم أنثى؟ فيقضي اللّه ما يشاء.

{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} من كسب دينها ودنياها،{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} بل اللّه تعالى، هو المختص بعلم ذلك جميعه.

ولما خصص هذه الأشياء، عمم علمه بجميع الأشياء فقال:{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} محيط بالظواهر والبواطن، والخفايا والخبايا، والسرائر، ومن حكمته التامة، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد، لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك.

تم تفسير سورة لقمان بفضل اللّه وعونه، والحمد للّه.

ثم بين- سبحانه- جانبا من الأمور التي استأثر- عز وجل- بعلمها فقال: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أى: عنده وحده علم وقتها، وعلم قيامها، كما قال- تعالى-:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ.. .

وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ أى: وينزل بقدرته المطر، ويعلم وحده وقت نزوله. وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ أى: ويعلم ما في أرحام الأمهات من ذكر أو أنثى.

وَما تَدْرِي نَفْسٌ من النفوس كائنة من كانت ماذا تَكْسِبُ غَداً من خير أو شر، ومن رزق قليل أو كثير، لأنها لا تملك عمرها إلى الغد.

وَما تَدْرِي نَفْسٌ من النفوس- أيضا- كائنة من كانت بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ أى: بأى مكان ينتهى أجلها.

إِنَّ اللَّهَ- تعالى- عَلِيمٌ بكل شيء خَبِيرٌ بما يجرى في نفوس عباده.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث والآثار، منها ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر- رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ هذه الآية» ..

وعن مجاهد قال: جاء رجل من أهل البادية فقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن امرأتي حبلى فأخبرنى ما تلد؟ وبلادنا جدبة فأخبرنى متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرنى متى أموت؟ فأنزل الله الآية» .

وهذه الأمور الخمسة من الأمور التي استأثر الله- تعالى- بها على سبيل العلم اليقيني الشامل المطابق للواقع..

ولا مانع من أن يطلع الله- تعالى- بفضله وكرمه، بعض أصفيائه على شيء منها.

وليست المغيبات محصورة في هذه الخمسة، بل كل غيب لا يعلمه إلا الله- تعالى- داخل فيما استأثر الله- تعالى- بعلمه، وإنما خصت هذه الخمسة بالذكر لأنها من أهم المغيبات، أو لأن السؤال كان عنها.

وما يخبر به المنجم والطيب وعلماء الأرصاد الجوية من الأمور التي لم تتكشف بعد، فمبناه على الظن لا على اليقين، وعلى احتمال الخطأ والصواب.

أما علم الله- تعالى- بهذه الأمور وغيرها، فهو علم يقيني قطعى شامل. لا يحتمل الظن أو الشك أو الخطأ.

وصدق الله إذ يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ، وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

وبعد: فهذا تفسير محرر لسورة «لقمان» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها ، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها; فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب ، ( لا يجليها لوقتها إلا هو ) [ الأعراف : 187 ] ، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله ، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه . وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [ الله ] تعالى سواه ، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى ، أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك ، ومن شاء الله من خلقه . وكذلك لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها ، ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان ، لا علم لأحد بذلك . وهذه شبيهة بقوله تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) الآية [ الأنعام : 59 ] . وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس : مفاتيح الغيب .

قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني حسين بن واقد ، حدثني عبد الله بن بريدة ، سمعت أبي - بريدة - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) .

هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجوه .

حديث ابن عمر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) .

انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه في " كتاب الاستسقاء " من صحيحه ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن سفيان بن سعيد الثوري ، به . ورواه في التفسير من وجه آخر فقال :

حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر : أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمس " . ثم قرأ : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) انفرد به أيضا .

ورواه الإمام أحمد عن غندر ، عن شعبة ، عن عمر بن محمد ; أنه سمع أباه يحدث ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) .

[ حديث ابن مسعود ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثني عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة قال : قال عبد الله : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) ] .

وكذا رواه عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، به . وزاد في آخره : قال : قلت له : أنت سمعته من عبد الله ؟ قال : نعم . أكثر من خمسين مرة .

ورواه أيضا عن وكيع ، عن مسعر ، عن عمرو بن مرة به .

وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه .

حديث أبي هريرة : قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إسحاق ، عن جرير ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس ، إذ أتاه رجل يمشي ، فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : " الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ، وتؤمن بالبعث الآخر " . قال : يا رسول الله ، ما الإسلام ؟ قال : " الإسلام : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان " . فقال : يا رسول الله ، ما الإحسان ؟ قال : " الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها ، فذاك من أشراطها . وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس ، فذاك من أشراطها ، في خمس لا يعلمهن إلا الله . ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) ، ثم انصرف الرجل فقال : " ردوه علي " . فأخذوا ليردوه ، فلم يروا شيئا ، فقال : " هذا جبريل ، جاء ليعلم الناس دينهم " .

ورواه البخاري أيضا في " كتاب الإيمان " ، ومسلم من طرق ، عن أبي حيان ، به . وقد تكلمنا عليه في أول شرح البخاري . وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله ، وهو من أفراد مسلم .

حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شهر ، حدثنا عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا له ، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، [ حدثني ] ما الإسلام ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل ، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله " . قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت ؟ قال : " إذا فعلت ذلك فقد أسلمت " . قال : يا رسول الله ، فحدثني ما الإيمان ؟ قال : " الإيمان : أن تؤمن بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وتؤمن بالموت ، وبالحياة بعد الموت ، وتؤمن بالجنة والنار ، والحساب والميزان ، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره " . قال : فإذا فعلت ذلك فقد آمنت ؟ قال : " إذا فعلت ذلك فقد آمنت " . قال : يا رسول الله ، حدثني ما الإحسان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك " . قال : يا رسول الله ، فحدثني متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله . في خمس لا يعلمهن إلا هو : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) ، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك ؟ " . قال : أجل ، يا رسول الله ، فحدثني . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيت الأمة ولدت ربتها - أو : ربها - ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان ، ورأيت الحفاة الجياع العالة [ كانوا رؤوس الناس ، فذلك من معالم الساعة وأشراطها " . قال : يا رسول الله ، ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة ؟ قال : " العرب " ] .

حديث غريب ، ولم يخرجوه .

حديث رجل من بني عامر : روى الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن رجل من بني عامر ; أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرجي إليه ، فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له : فليقل : " السلام عليكم ، أأدخل ؟ " قال : فسمعته يقول ذلك ، فقلت : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن ، فدخلت ، فقلت : بم أتيتنا به ؟ قال : " لم آتكم إلا بخير ، أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأن تدعوا اللات والعزى ، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات; وأن تصوموا من السنة شهرا ، وأن تحجوا البيت ، وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم " . قال : فقال : فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ قال : " قد علم الله عز وجل خيرا ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل : الخمس : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) . وهذا إسناد صحيح .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى ، فأخبرني ما تلد ؟ وبلادنا جدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ؟ فأنزل الله عز وجل : ( إن الله عنده علم الساعة [ وينزل الغيث ] ) ، إلى قوله : ( إن الله عليم خبير ) . قال مجاهد : وهي مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) [ الأنعام : 59 ] . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .

وقال الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) .

وقوله : ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) : قال قتادة : أشياء استأثر الله بهن ، فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا ( إن الله عنده علم الساعة ) ، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أي سنة أو في أي شهر ، أو ليل أو نهار ، ( وينزل الغيث ) ، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، ليلا أو نهارا ، ( ويعلم ما في الأرحام ) ، فلا يعلم أحد ما في الأرحام ، أذكر أم أنثى ، أحمر أو أسود ، وما هو ، ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) ، أخير أم شر ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ، لعلك المصاب غدا ، ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض ، أفي بحر أم بر ، أو سهل أو جبل ؟

وقد جاء في الحديث : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة " ، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير ، في مسند أسامة بن زيد :

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي المليح ، عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما جعل الله ميتة عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة " .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مطر بن عكامس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قضى الله ميتة عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة " .

وهكذا رواه الترمذي في " القدر " ، من حديث سفيان الثوري ، به . ثم قال : " حسن غريب ، ولا يعرف لمطر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث . وقد رواه أبو داود في " المراسيل " ، فالله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن أبي المليح بن أسامة عن أبي عزة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض روح عبد بأرض جعل له فيها - أو قال : بها - حاجة " .

وأبو عزة هذا هو : يسار بن عبد الله ، ويقال : ابن عبد الهذلي .

وأخرجه الترمذي من حديث إسماعيل [ بن إبراهيم - وهو ابن علية ، وقال : صحيح .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأصفهاني ، حدثنا المؤمل بن إسماعيل ] ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة ، فلم ينته حتى يقدمها " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) .

حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ومحمد بن يحيى القطعي قالا حدثنا عمر بن علي ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة " . ثم قال البزار : وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرفعه إلا عمر بن علي المقدمي . وقال ابن أبي الدنيا : حدثني سليمان بن أبي مسيح قال : أنشدني محمد بن الحكم لأعشى همدان :

فما تزود مما كان يجمعه سوى حنوط غداة البين مع خرق وغير نفحة أعواد تشب له

وقل ذلك من زاد لمنطلق! لا تأسين على شيء فكل فتى

إلى منيته سيار في عنق وكل من ظن أن الموت يخطئه

معلل بأعاليل من الحمق بأيما بلدة تقدر منيته

إن لا يسير إليها طائعا يسق

أورده الحافظ ابن عساكر ، رحمه الله ، في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث ، وهو أعشى همدان ، وكان الشعبي زوج أخته ، وهو مزوج بأخت الشعبي أيضا ، وقد كان ممن طلب العلم وتفقه ، ثم عدل إلى صناعة الشعر فعرف به .

وقد رواه ابن ماجه عن أحمد بن ثابت وعمر بن شبة ، كلاهما عن عمر بن علي مرفوعا : " إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثبته إليها حاجة ، فإذا بلغ أقصى أثره ، قبضه الله عز وجل ، فتقول الأرض يوم القيامة : رب ، هذا ما أودعتني " .

قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي المليح ، عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما جعل الله منية عبد بأرض ، إلا جعل له إليها حاجة " .

[ آخر تفسير سورة " لقمان " والحمد لله رب العالمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ]

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)

يقول تعالى ذكره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا هو آتيكم؛ علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلا بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قبل لكم به. وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة. والمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال: (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره (وينـزلُ الغيْثَ) من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره، (وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ) أرحام الإناث (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا) يقول: وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد، (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ) يقول: وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها(إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) يقول: إن الذي يعلم ذلك كله هو الله دون كلّ أحد سواه، إنه ذو علم بكلّ شيء، لا يخفى عليه شيء، خبير بما هو كائن، وما قد كان.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قال: جاء رجل - قال أبو جعفر: أحسبه أنا، قال: - إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حُبلى، فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادنا محل جدبة، فأخبرني متى ينـزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت، فأخبرني متى أموت، فأنـزل الله: (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغَيْثَ) إلى آخر السورة، قال: فكان مجاهد يقول: هنّ مفاتح الغيب التي قال الله وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الآية، أشياء من الغيب، استأثر الله بهنّ، فلم يطلع عليهنّ ملَكا مقرّبا، ولا نبيا مرسلا(إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أيّ سنة، أو في أيّ شهر، أو ليل، أو نهار (ويُنـزلُ الغَيْثَ) فلا يعلم أحد متى ينـزل الغيث، ليلا أو نهارا ينـزل؟(وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ) فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟(وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) خير أم شرّ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا؟(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبيّ، قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلم الغيب إلا الله فقد كذب، وأعظم الفرية على الله، قال الله: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ .

حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن شُعيب أن رجلا قال: يا رسول الله، هل من العلم علم لم تؤته؟ قال: " لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْما كَثِيرًا، وَعِلما حَسنًا "، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغَيْثَ) إلى (إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَفاتِحُ الغَيبِ خَمْسَةٌ" ثم قرأ هؤلاء الآيات (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة) إلى آخرها.

حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ، (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغَيْثَ وَيعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ )" الآية، ثم قال: " لا يعْلَمُ ما فِي غَدٍ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى يَنـزلُ الغَيْثَ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى قِيامُ السَّاعَةِ إلا اللهُ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ ما فِي الأرْحامِ إلا اللهُ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ."

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَفاتحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلا اللهُ: إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الغيْثَ وَيعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْري نَفْسٌ بأيّ أرضٍ تَمُوتُ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كلّ شيء أوتيه نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا علم الغيب الخمس: ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنـزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ).

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تكْسبُ غَدًا).

قال: تنا جرير وابن علية، عن أبي خباب، عن أبي زُرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ: (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنـزلُ الغَيْثَ ...) الآية ".

حدثني أبو شُرَحبيل، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا إسماعيل، عن جعفر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: كلّ شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس، ثم قرأ هذه الآية (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَة) إلى آخرها.

وقيل: (بأيّ أرض تموت)، وفيه لغة أخرى: (بأيَّةِ أرْضٍ) فمن قال: (بأيّ أرْضٍ) اجتز بتأنيث الأرض من أن يظهر في (أيِّ) تأنيث آخر، ومن قال (بأيَّة أرْضٍ) فأنث، (أي) قال: قد تجتزئ بأي مما أضيف إليه، فلا بدّ من التأنيث، كقول القائل: مررت بامرأة، فيقال له: بأيةٍ، ومررت برجل، فيقال له بأيٍّ؟ ويقال: أي امرأة جاءتك وجاءك، وأية امرأة جاءتك.

آخر تفسير سورة لقمان.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[34] خمسة لا يعلمها إلا الله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
وقفة
[34] إحاطة علم الله بالغيب كله ﴿إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
وقفة
[34] ادّعاء علم الغيب كفر, ومن يزعم أنَّ أحدًا من الأنبياء والأولياء يعلم الغيب فقد ادّعى مشاركة المخلوق للخالق ﴿إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
وقفة
[34] مفاتيح لا يعلمها إلا الله ﴿إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ لُقِّبت هذه الخمسة في كلام النبي ﷺ بمفاتح الغيب، وفسر بها قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59].
وقفة
[34] حتی رسول الله لا يعلم الغيب، عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ». [البخاري 4001].
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ تقف النفس أمام هذه الأستار خاشعة تدرك علمها المحدود، وعجزها الواضح، ويتساقط عنها غرور المعرفة المدعاة، وتعرف أن الناس لم يؤتوا من العلم إلا قليلًا.
وقفة
[34] هذه الخمسة هي مفاتيح الغيب، قَالَ ﷺ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ»، ثم قرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. [البخاري 4627].
وقفة
[34] من لطائف التفسير النبوي أنه فسر آيتين من سورة الأنعام بآيتين من سورة لقمان، ففسر آية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: 82]، بآية: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، وفسر آية: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59]، بآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34].
وقفة
[34] ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ لا يعلم جنسه ذكر أو أنثى وحسب، وإنما يعلم رزقه وأجله وحاله منذ أن كان في رحم أمه إلى أن يموت.
وقفة
[34] حين يقصر بعض الناس قوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ على معرفة جنس الجنين، أو القدرة على تحديده -بإذن الله- فإن ذلك يحدث لهم إشكالات، بينما هي تشمل: الرزق، والأجل، والسعادة والشقاء، وغير ذلك مما يتصل بحياة الجنين، وحينها تزول تلك الإشكالات التي يثيرها بعضهم بسبب تقدم الطب في علم الأجنة.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ دع عنك تنبؤاتهم، فهم لا يعلمون ماذا سيكسبون في الغد! واسأل عالم الغيب، ومن عنده مفاتيحه.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ لا تدري لعلَ غدًا يصلُح حالك، ويذهب الله همّك ويرتاح بالك، ثق بربك وألح عليه في سؤالك.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ كل من يخوفك بالمستقبل -فوالذي أنزل القرآن- إنه لا يدري ماذا يحصل لنفسه غدًا، فكيف بك وبالعالم! عش مطمئنًا.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ وما يُدريك؟ لعل همومك تذهب ويحل الأُنس مكانها غدًا! تفاءل.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ مَن أصبح وهو يأمل أن يمسي، أو أمسى وهو يأمل أن يصبح، لم يخلُ من الفتور والتسويف، ولا يقدر إلا على سيرِ ضعيف.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ لم يقل: (ماذا تعمل غدًا) لماذا؟ لأن النفوس تعلم ماذا ستعمل فى غداها، لكن تكسبه أم لا هذا فى علم الله.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ غدًا بإذن الله يصلح حالك، وتُفرج همومك، وما يدريك؟
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ وما يُدرِيك؟ فربما يكون الغد إصلَاح لِحالك، وتفريج لهمُومك، وتحقيق لأمنياتِك.
تفاعل
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ اللَّهُمَّ أنت العالم بالسرائر؛ فأصلحها، وأنت العالم بالحوائج؛ فاقضها، وأنت العالم بالذنوب؛ فاغفرها، وأنت العالم بالعيوب؛ فاسترها.
وقفة
[34] المفاجأة الوحيدة: أن لا تتفاجأ ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾.
وقفة
[34] توقيتان لا ندري ما حالنا فيهما: توقيت زماني: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾، وتوقيت مكاني: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾، فاعمل قبل المباغتة.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ ليس لك إلا الساعة التي أنت فيها الآن !
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ من توكّل على الله شرح صدره، فالأرزاق كُتِبت والآجال قُدّرت ولله حِكمته.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ لا ندري من يسبق الآخر؛ الأمنيات أم الوفاة؟ فلنعمل لهما سويًا.
وقفة
[34] لا معنى لمحاسبة النفس نهاية العام؛ بل من يضمن بلوغ نهاية العام حتى يؤجل المحاسبة إليه ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
عمل
[34] سارع لفعل الخيرات ﴿وما تدري نفس بأي أرض تموت﴾.
وقفة
[34] ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ لو قدّر الله لفلان أن يموت في بلد ما؛ جعل له حاجة هناك، فيسافر وتقبض روحه، وكأنه سافر ليموت.
عمل
[34] احذر التسويف، وعليك بالعمل ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
وقفة
[34] كان عمر بن الخطاب يطلب الشهادة في بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعجب الناس إذ لم تعد المدينة دار حرب ثم رزقها وهو يصلي في محراب النبي صلى الله عليه وسلم؛ توفيق ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
عمل
[34] لا تلتفت لتحليلاتهم وتوقعاتهم؛ فالأمر كله لله ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ خمسة أمور خفية على البشر لا يعلمها إلا الله تعالى، فجاءت الفاصلة بقوله ﴿عليم﴾ بها كامل العلم، ﴿خبير﴾ لأنها تخفى في علمها على البشر.
وقفة
[34] ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ختم بهذه الصفات بعد أن ذكر الموت والساعة والرزق، لكي يثق العبد بربه تبارك وتعالى وبأفعاله، وأنه عليم خبير بما يصلحكم، وما يصلح لكم.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ اللهَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «انّ» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.
  • ﴿ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر «انّ» عنده: ظرف زمان متعلق بخبر مقدم وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. علم: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الساعة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة أي يعلم وقت قيام القيامة.
  • ﴿ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ:
  • الواو عاطفة. ينزل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الغيث: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وعطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية على معناها: أي يعلم وقت قيام الساعة وينزل الغيث أو على معنى متى قيام الساعة ومتى نزول المطر في وقته ويجوز أن تكون الجملة استئنافية.
  • ﴿ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ:
  • معطوفة بالواو على «ينزل» وتعرب إعرابها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في الأرحام: جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة. بتقدير: ما استقر أو ما هو مستقر في الأرحام بمعنى ما تحمله الأرحام أذكر أم أنثى.
  • ﴿ وَما تَدْرِي نَفْسٌ:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. تدري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل أي وما تعرف. نفس: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ ماذا تَكْسِبُ غَداً:
  • ماذا: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل تكسب ويجوز أن تكون في محل رفع مبتدأ والجملة الفعلية «تكسب» في محل رفع خبرها والوجه الأول أصح. ويجوز أن تكون «ما» اسم استفهام في محل رفع مبتدأ. و «ذا» اسما موصولا بمعنى «الذي» في محل رفع خبر «ما» وجملة «تكسب» صلتها والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب لأنه مفعول به. التقدير: ما الذي تكسبه. تكسب: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. غدا: أصلها: غدو. حذفت اللام وجعلت الدال حرف اعراب والكلمة ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة أي ماذا تكسب من خير أو شر. والظرف متعلق بتكسب.
  • ﴿ وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ:
  • أعربت. بأي: جار ومجرور متعلق بتدري. ولم تلحق «أي» هاء التأنيث لأنه اسم يستعمل بلفظ‍ واحد للمذكر والمؤنث وقد يطابق والتذكير والتأنيث. أرض: مضاف اليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ تَمُوتُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «انّ» منصوب للتعظيم وعلامة نصبه الفتحة. عليم: خبر «انّ» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ خَبِيرٌ:
  • خبر ثان لأنّ. أي خبر بعد خبر مرفوع بالضمة ويجوز أن يكون صفة -نعتا-لعليم مرفوعا بالضمة الظاهرة على آخره.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ﴾ نَزَلَتْ في الحارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حارِثَةَ بْنِ مُحارِبِ بْن حَفْصَةَ، مِن أهْلِ البادِيَةِ، أتى النَّبِيَّ ﷺ فَسَألَهُ عَنِ السّاعَةِ ووَقْتِها، وقالَ: إنَّ أرْضَنا أجْدَبَتْ، فَمَتى يَنْزِلُ الغَيْثُ ؟ وتَرَكْتُ امْرَأتِي حُبْلى، فَماذا تَلِدُ ؟ وقَدْ عَلِمْتُ أيْنَ وُلِدْتُ، فَبِأيِّ أرْضٍ أمُوتُ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ.أخْبَرَنا أبُو عُثْمانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ الفَضْلِ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا حَمْدانُ السُّلَمِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قالَ: حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ، قالَ: حَدَّثَنا إياسُ بْنُ سَلَمَةَ، قالَ: حَدَّثَنِي أبِي أنَّهُ كانَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إذْ جاءَ رَجُلٌ بِفَرَسٍ لَهُ يَقُودُها عَقُوقٍ، ومَعَها مُهْرٌ لَهُ يَتْبَعُها، فَقالَ لَهُ: مَن أنْتَ ؟ قالَ: ”أنا نَبِيُّ اللَّهِ“ . قالَ: ومَن نَبِيُّ اللَّهِ ؟ قالَ: ”رَسُولُ اللَّهِ“ . قالَ: مَتى تَقُومُ السّاعَةُ ؟ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”غَيْبٌ، ولا يَعْلَمُ الغَيْبَ إلّا اللَّهُ“ . قالَ: ما في بَطْنِ فَرَسِي هَذِهِ ؟ قالَ: ”غَيْبٌ، ولا يَعْلَمُ الغَيْبَ إلّا اللَّهُ“ . فَقالَ: أرِنِي سَيْفَكَ. فَأعْطاهُ النَّبِيُّ ﷺ سَيْفَهُ، فَهَزَّهُ الرَّجُلُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ”أما إنَّكَ لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَطِيعَ الَّذِي أرَدْتَ“ . قالَ: وقَدْ كانَ الرَّجُلُ قالَ: أذْهَبُ إلَيْهِ فَأسْألُهُ عَنْ هَذِهِ الخِصالِ ثُمَّ أضْرِبُ عُنُقَهُ.أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أبِي إسْحاقَ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمانَ بْنِ أبِي سُوَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو حُذَيْفَةَ، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلّا اللَّهُ تَعالى: لا يَعْلَمُ مَتى تَقُومُ السّاعَةُ إلّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلّا اللَّهُ، ولا تَعْلَمُ نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتى يَنْزِلُ الغَيْثُ إلّا اللَّهُ“ .رَواهُ البُخارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيانَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     وبعد التَّذكيرِ يبوم القيامة؛ ختمَ اللهُ السورةَ بدعوة الناس إلى الاستعدد لهذا اليوم، وإلى مراقبة الله في كل أحوالهم؛ لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

بأى أرض:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بأية أرض، بتاء التأنيث، وهى قراءة موسى الأسوارى، وابن أبى عبلة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف