4688910111213141516

الإحصائيات

سورة غافر
ترتيب المصحف40ترتيب النزول60
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.80
عدد الآيات85عدد الأجزاء0.47
عدد الأحزاب0.95عدد الأرباع3.80
ترتيب الطول21تبدأ في الجزء24
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 21/29الحواميم: 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (8) الى الآية رقم (12) عدد الآيات (5)

تكملةُ دعاءِ الملائكةِ للمؤمنينَ بدخولِ الجَنَّةِ والحِفظِ من السَّيئاتِ، ثُمَّ بيانُ مَقتِ اللهِ للكافرينَ، واعترافِهم بذنوبِهم وطلبِهم الرجوعَ إلى الدُّنيا، وبَيَّنَ سببَ عذابِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (13) الى الآية رقم (16) عدد الآيات (4)

بعدَ تهديدِ المشركينَ بالعذابِ ذكرَ ما يدلُ على توحيدِه وقدرتِه بإظهارِ الآياتِ وإنزالِ الرِّزقِ من السَّماءِ وإلقاءِ الوحي لإنذارِ النَّاسِ بالعذابِ يومَ الحِسابِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة غافر

أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر لله/ غافر الذنب لمن آمن وشديد العقاب لمن كفر

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما علاقة الدعوة بتفويض الأمر إلى الله؟:   إن الداعي إلى الله تعالى سيواجه مشاكل ومصاعب خلال دعوته، فإذا أردت أخي المسلم أن تختار طريق الدعوة إلى الله، طريق أنبياء الله تعالى، فاعلم أن هناك عقبات كثيرة فيه، وعليك أن تفوض الأمر كله لله وتتوكل عليه. لذلك جاء في هذه السورة آية محورية: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾ (51). هذه الآية موجهة إليك أخي المسلم كما هي موجهة للأنبياء: ﴿رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾، وتعدك بالنصر الرباني في الدنيا قبل الآخرة: ﴿فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾، فتوكل على الله، وفوض الأمر إليه.
  • • خير القول وخير العمل::   وسورة غافر تنضم إلى سور كثيرة في القرآن في حثها على أشرف مهمة في التاريخ: الدعوة إلى الله، لأنها طريق الأنبياء والمرسلين، فلا بد أن يحرص الإنسان عليها ويهتم بها، لا بل ينذر حياته كلها لإيصال الخير إلى الناس. والدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى. حدّث أصدقاءك عن الإسلام وعظمته ورحمته، أو انشر الكتب النافعة التي تعلّم الناس أمور دينهم وتقرّبهم إلى الله، حدّثي رفيقاتك عن الحياء والعفة بأي وسيلة تؤثر في القلب، وليس عليكم النظر إلى النتائج، إذ أن المطلوب منا هو العمل فقط، والله وحده هو الذي يهدي من يشاء.
  • • إني عذت بربي وربكم:   ولأن السورة تحدثنا عن الدعوة وتفويض الأمر إلى الله، فإننا نرى هذه المعاني مرتين في قصة موسى عليه السلام: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ﴾ (26). وحين وصل الأمر إلى التهديد بالقتل، استمر موسى عليه السلام بالدعوة إلى دين الله تعالى وفوّض أمره إلى الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ﴾ (27).
  • • وأفوض أمري إلى الله::   ونموذج التفويض الثاني، لرجل مؤمن من آل فرعون، كان يكتم إيمانه، لكنه حين رآهم يكيدون لموسى ليقتلوه، قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱلله﴾ (28)، فكانت صدمة لفرعون أن يقف رجل من حاشيته ويدافع عن موسى، وكان مؤكدًا عند الجميع أن فرعون سيبطش به، لكن المؤمن الصادق انتقل من الدعوة إلى التفويض: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱلله إِنَّ ٱلله بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ﴾ (44). فماذا حدث بعد ذلك؟: ﴿فَوقَاهُ ٱلله سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ﴾ (45). وكأن المعنى: ادع أيها المسلم إلى الله، ولا تخش في الله لومة لائم، وتوكل على من يحفظك وفوض أمرك إليه، ليحميك من أعدائك، واستعذ دومًا بالله تعالى، كما قال موسى: ﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ﴾ (27).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة غافر»، و«‏سورة ‏المؤمن»، و«سورة حم المؤمن».
  • • معنى الاسم ::   غافر: أي ساتر الذنوب ومتجاوز عنها.
  • • سبب التسمية ::   سميت «سورة غافر»؛ لورود هذا اللفظ في أول السورة الآية (3)، وسميت بـ«حم المؤمن»، و«‏سورة ‏المؤمن»؛ ‏لذكر ‏قصة ‏مؤمن ‏آل ‏فرعون، ولم تذكر هذه القصة في سورة أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   1- سورة «الطَّوْلِ»؛ لورودها في مستهلها (والطَّوْل: أي الفضل والنعمة). 2- «سورة حم الأولى»؛ لأنها السورة الأولى في ترتيب المصحف بين السور الحواميم.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن الله غافر الذنب لمن آمن، وشديد العقاب لمن كفر.
  • • علمتني السورة ::   أن الدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن من رحمة الله تعالى بنا أن السيئة بمثلها والحسنة مضاعفة: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة غافر) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة غافر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة غافر) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة غافر أول الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • هي أكثر سورة يتكرر فيها مشتقات لفظ (الجدال)، حيث تكرر فيها 5 مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن ندعو الناس إلى الله، ولا نخش في الله لومة لائم، ونتوكل عليه، ونفوض أمرنا إليه.
    • أن نحذر الجدال في آيات الله بغير علم: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ ...﴾ (4). • أن نخلص عبادتنا لله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّـهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّـهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ (12).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (19).
    • أن نحذر أن يزين لنا الشيطان أعمالنا: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ (36، 37).
    • أن نستخدم الأسلوب الوعظي المؤثر في دعوتنا إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ (41).
    • أن نحذر أن نسلم عقولنا لأحد ونتبعه دون علم؛ فإنه سيتبرأ منا يوم القيامة: ﴿... فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ...﴾ (47، 48).
    • أن نكثر من الأعمال الصالحة استعدادًا للآخرة: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ (59).
    • أن نجعل الليل راحة لأبداننا والنهار لمعاشنا: ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (61).
    • أن نبادر بالتوبة، ونحذر من تسويفها: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ...﴾ (84، 85)، فإذا وقع العذاب لا تقبل التوبة.

تمرين حفظ الصفحة : 468

468

مدارسة الآية : [8] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي ..

التفسير :

[8] ربنا وأدخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم، ومَن صلح بالإيمان والعمل الصالح من آبائهم وأزواجهم وأولادهم. إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء، الحكيم في تدبيره وصنعه.

{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} على ألسنة رسلك{ وَمَنْ صَلَحَ} أي:صلح بالإيمان والعمل الصالح{ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ} زوجاتهم وأزواجهن وأصحابهم ورفقائهم{ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}{ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} القاهر لكل شيء، فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير{ الْحَكِيمُ} الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا نسألك يا ربنا أمرا تقتضي حكمتك خلافه، بل من حكمتك التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك، المغفرة للمؤمنين.

يا رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ أى: وأدخلهم جناتك دخولا دائما لا انقطاع معه.

يقال: عدن فلان بالمكان يعدن عدنا، إذا لزمه وأقام فيه دون أن يبرحه، ومنه سمى الشيء المخزون في باطن الأرض بالمعدن، لأنه مستقر بداخلها.

الَّتِي وَعَدْتَهُمْ فضلا منك وكرما.

وأدخل معهم مَنْ صَلَحَ لدخولها بسبب إيمانهم وعملهم الطيب مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ يا مولانا الْعَزِيزُ أى: الغالب لكل شيء الْحَكِيمُ في كل تصرفاتك وأفعالك.

فالمراد بالصلاح في قوله- تعالى-: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ: من كان منهم مؤمنا بالله، وعمل عملا صالحا، ودعوا لهم بذلك. ليتم سرورهم وفرحهم إذ وجود الآباء والأزواج والذرية مع الإنسان في الجنة، يزيد سروره وانشراحه.

( ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) أي : اجمع بينهم وبينهم ، لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة ، كما قال [ تعالى ] ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) [ الطور : 21 ] أي : ساوينا بين الكل في المنزلة ، لتقر أعينهم ، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني ، بل رفعنا الناقص في العمل ، فساويناه بكثير العمل ، تفضلا منا ومنة .

قال سعيد بن جبير : إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه ، وأين هم ؟ فيقال : إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل فيقول : إني إنما عملت لي ولهم . فيلحقون به في الدرجة ، ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية : ( ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ) .

قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة ، ثم تلا هذه الآية : ( ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ) وأغش عباد الله للمؤمنين الشياطين .

وقوله : ( إنك أنت العزيز الحكيم ) أي : الذي لا يمانع ولا يغالب ، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، الحكيم في أقوالك وأفعالك ، من شرعك وقدرك

القول في تأويل قوله تعالى : رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن دعاء ملائكته لأهل الإيمان به من عباده, تقول: يا( رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ) يعني: بساتين إقامة ( الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ) يعني التي وعدت أهل الإنابة إلى طاعتك أن تدخلهموها( وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) يقول: وأدخل مع هؤلاء الذين تابوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ جنات عدن من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم, فعمل بما يرضيك عنه من الأعمال الصالحة في الدنيا, وذكر أنه يدخل مع الرجل أبواه وولده وزوجته الجنة, وإن لم يكونوا عملوا عمله بفضل رحمة الله إياه.

كما حدثنا أبو هشام, قال: ثنا يحيى بن يمان العجلي, قال: ثنا شريك, عن سعيد, قال: يدخل الرجل الجنة, فيقول: أين أبي, أين أمي, أين ولدي, أين زوجتي, فيقال: لم يعملوا مثل عملك, فيقول: كنت أعمل لي ولهم, فيقال: أدخلوهم الجنة; ثم قرأ ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) .

فمن إذن, إذ كان ذلك معناه, في موضع نصب عطفا على الهاء والميم في قوله ( وَأَدْخِلْهُمْ ) وجائز أن يكون نصبا على العطف على الهاء والميم في وعدتهم ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يقول: أنك أنت يا ربنا العزيز في انتقامه من أعدائه, الحكيم في تدبيره خلقه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[7، 8] بشراك أيها التائب! ها هم حملة عرش الرحمن يدعون لك، وهم في السماء، وأنت في الأرض! تدبر.
عمل
[8] ادعُ لغيرك من المؤمنين كما تدعو لنفسك اقتداء بالملائكة ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ﴾.
وقفة
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ أي: اجمع بينهم وبينهم؛ لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة.
وقفة
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ قال سعيد بن جبير: «يدخل المؤمن الجنة، فيقول: أين أبي؟! أين أمي؟! أين ولدي؟ أين زوجتي؟ فيقال: إنهم لم يعملوا مثل عملك، فيقول: إني كنت أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم الجنة».
وقفة
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ اللقاء والاجتماع العائلي من النعيم.
وقفة
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ لن يقدم أحدنا لوالديه أو لولده من بعده شيئًا ذخرًا أعظم من العمل الصالح؛ فإن العبد إذا كان صالحًا نفع الله بصلاحه والديه وذريته من بعده، وربما جعله الله جل وعلا ممن يشفعون في عرصات يوم القيامة.
تفاعل
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
عمل
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ ... وَمَن صَلَحَ مِنْ ...﴾ مُرْ إخوانِك وأهلِك بالصَّلاة رجاءَ أن يكونوا معكَ في الجَنَّة.
وقفة
[8] ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وتضمن ذلك أن المقارن من زوج وولد وصاحب يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله، كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
عمل
[8] ﴿رَبَّنا وَأَدخِلهُم جَنّاتِ عَدنٍ الَّتي وَعَدتَهُم وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَأَزواجِهِم وَذُرِّيّاتِهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ هذا يقين الملائكة بوعد الله، فأين يقينُك أنت؟
وقفة
[8] قال سعيد بن جبير: «إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه، أين هم؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل، فيقول: إني إنما عملت لي ولهم، فيلحقون به في الدرجة»، ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
وقفة
[8] إن عين المؤمن تقر إذا أمسى ثاويًا إلى أهله والتف حوله والداه وزوجته وبنوه وبناته، وحق له أن تقر عينه بهذا، ولهذا يجد المغتربون من الناس كمدًا في صدروهم إذا أووا إلى منازلهم ولم يلتقوا بأهليهم، ويسألون الله أن يطوي عنهم أيام الغربة، ولكن القرار الحق، والفرح الكامل، والبهجة التامة يوم أن يلتقي المؤمن بوالديه وزوجته وأبنائه وبناته في جنات النعيم، قال الله تعالى عن الملائكة: ﴿وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
وقفة
[8] ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فعزتك وحكمتك هما سبب جرأتنا على السؤال، فعزتك تقتضي استغناءك عن الانتفاع بالأشياء الثمينة، فإنعامك على الصالحين بالجنة، لا يقل ملكك مثقال ذرة، وأما حكمتك، فتقتضي معاملة المحسن بالإحسان.
وقفة
[8] ﴿إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ هى جملة اعتراضية بين دعوات الملائكة استقصاءً للرغبة في الإِجابة بداعي محبة الملائكة لأهل الصلاح لما بين نفوسهم والنفوس المؤمنة من التناسب، والعزة تقتضى الاستغناء عن كل نفيس، والحكمة تقتضي معاملة المحسن بالإِحسان.
وقفة
[8] ﴿الْعَزِيزُ﴾: القاهر لكل شيء؛ فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير، ﴿الْحَكِيمُ﴾: الذي يضع الأشياء مواضعها؛ فلا نسألك يا ربنا أمرًا تقتضي حكمتك خلافه، بل من حكمتك التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك: المغفرة للمؤمنين.

الإعراب :

  • ﴿ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ:
  • تعرب اعراب «ربنا وقهم عذاب الجحيم» الواردة في الآية الكريمة السابقة. وعلامة بناء الفعل «أدخل» سكون آخره وعلامة نصب «جنات» الكسرة بدلا من الفتحة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم. و «عدن» الاقامة. والقول هو دعاء الملائكة.
  • ﴿ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة -نعت-للجنات. وعدة: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل و«هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. وجملة «وعدتهم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والصلة العائدة الى الموصول محذوفة اختصارا لأنها معلومة. أي التي وعدتهم بها.
  • ﴿ وَمَنْ صَلَحَ:
  • الواو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على ضمير الغائبين «هم» في «ادخلهم» او في «وعدتهم» صلح: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «صلح» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والجار العائد الى الموصول «التي» محذوف اختصارا بتقدير: ومن صلح لها.
  • ﴿ مِنْ آبائِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «من» التقدير حالة كونهم من آبائهم و «من» حرف جر بياني. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «آبائهم» وتعربان اعرابها.
  • ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم «انّ».أنت: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب توكيد للضمير في «انك».
  • ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
  • خبران لإن على التتابع أي خبر بعد خبر مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة.'

المتشابهات :

الأنعام: 87﴿وَ مِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
الرعد: 23﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ
غافر: 8﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     ولَمَّا طَلَبَ الملائِكةُ مِنَ اللهِ إزالَةَ عَذابِ النَّارِ عنهم؛ طَلَبوا مِنَ اللهِ هنا إيصالَ ثَوابِ الجَنَّةِ إليهم؛ إذ كانت النَّجاةُ مِنَ العذابِ لا تَستلزِمُ الثَّوابَ، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

جنات عدن:
1- جمعا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- جنة عدن، بالإفراد، وهى قراءة زيد بن على، والأعمش، وكذا فى مصحف عبد الله.
وانظر: سورة مريم، الآية: 61.
صلح:
وقرئ:
بضم اللام، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
وذرياتهم:
1- بالجمع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالإفراد، وهى قراءة عيسى.

مدارسة الآية : [9] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ ..

التفسير :

[9] واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم، فلا تؤاخذهم بها، ومن تَصْرِف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته، وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك، وذلك هو الظَّفَر العظيم الذي لا فوز مثله.

{ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أي:الأعمال السيئة وجزاءها، لأنها تسوء صاحبها.{ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ} أي:يوم القيامة{ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن.{ وَذَلِكَ} أي:زوال المحذور بوقاية السيئات، وحصول المحبوب بحصول الرحمة،{ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز مثله، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه.

وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده التوسل بها إليه، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم.

وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه.

وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه.

وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله:{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ.

والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران:

أحدهما:معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه.

والثاني:علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه.

وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني. وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا من به الله علينا.

وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين، فليس لنا إلا التعلق بكرمه، والتوسل بإحسانه، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات، وفي جميع اللحظات، ونسأله من فضله، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته، إنه الكريم الوهاب، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها.

وتضمن ذلك، أن المقارن من زوج وولد وصاحب، يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وقد يقال:إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله:{ وَمَنْ صَلَحَ} فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم.

وَقِهِمُ يا ربنا السَّيِّئاتِ أى: احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات، ومن العقوبات التي تترتب على ذلك، بأن تتجاوز عن خطاياهم.

وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ أى: في يوم القيامة الذي تجازى فيه كل نفس مما كسبت فَقَدْ رَحِمْتَهُ أى: فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء.

وَذلِكَ الذي تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة، ومن وقايتهم السوء.

هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا يضارعه فوز، والظفر الكبير الذي لا يقاربه ظفر، والأمل الذي لا مطمع وراءه لطامع.

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.

وكعادة القرآن الكريم في قرن الترغيب بالترهيب أو العكس: جاء الحديث بعد ذلك عن الكافرين. مبينا انقطاعهم عن كل من يشفع لهم، أو يدعو لهم بخير- كما دعا الملائكة للمؤمنين- فقال- تعالى-:

( وقهم السيئات ) أي : فعلها أو وبالها ممن وقعت منه ، ( ومن تق السيئات يومئذ ) أي : يوم القيامة ، ( فقد رحمته ) أي : لطفت به ونجيته من العقوبة ، ( وذلك هو الفوز العظيم ) .

* القول في تأويل قوله تعالى : وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)

يعني تعالى ذكره بقوله مخبرا عن قيل ملائكته: وقِهِم: اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم, يقولون: لا تؤاخذهم بذلك, فتعذبهم به ( وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) يقول: ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك يوم القيامة, فقد رحمته, فنجيته من عذابك ( وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) لأنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز, وذلك لا شك هو الفوز العظيم.

وبنحو الذي قلنا في معنى السيئات قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) : أي العذاب .

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا معمر بن بشير, قال: ثنا ابن المبارك, عن معمر, عن قتادة وعن مطرف قال: وجدنا أنصح العباد للعباد ملائكة وأغش العباد للعباد الشياطين, وتلا الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... الآية.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال مطرف: وجدنا أغشّ عباد الله لعباد الله الشياطين, ووجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة.

التدبر :

وقفة
[9] ﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ أي عقوبة السيئات.
وقفة
[9] ﴿وقهم السيئات﴾ دعاء الملائكة مستجاب، فكيف تقع السيئات منهم لقوله تعالى: ﴿ويعفو عن السيئات﴾ [الشورى: 25]؟ الجواب: أن المراد: وقهم عذاب السيئات، أو جزاء السيئات.
اسقاط
[9] ﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ والقول ما زال للملائكة، فتأملوا كيف ينشغلون بعباد الله المؤمنين، فلتنشغل مثلهم بالدعاء لمن حولك من المؤمنين.
وقفة
[9] ﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ قال ابن القيم: «فهذا يتضمن طلب وقايتهم من سيئات الأعمال والتي تسوء صاحبها، فإنه سبحانه متي وقاهم العمل السيئ وقاهم جزاؤه السيء».
وقفة
[9] أجلّ رحمةٍ ينالها العبد أن يقيه الله تعالى من تبعة السيئات ﴿وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾.
وقفة
[9] ﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَومَئِذٍ فَقَد رَحِمتَهُ وَذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ ليس هناك فوزًا أعظم من أن يحجزك الله عن اقتراف السيئات برحمته.
وقفة
[9] ﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَومَئِذٍ فَقَد رَحِمتَهُ وَذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ درب أبنائك كيف يتقون السيئات منذ نعومة أظفارهم لتصير عندهم عادة؛ لينالوا رحمة الله وهذا هو الفوز العظيم
وقفة
[9] ﴿وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ التقوى والإبتعاد عن السيئات تجعلك أهلًا لرحمة الله.
تفاعل
[9] ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[9] يومًا ما سيَموت الموت، ونحيا في الجنة مُخَلَّدِين، عش على هذا الأمل إن شئت أن تعيش ﴿وذلك هو الفوز العظيم﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَقِهِمُ:
  • الواو عاطفة. ق: فعل دعاء وتوسل بصيغة طلب مبني على حذف آخره حرف العلة والكسرة تدل على الياء المحذوفة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أول. بمعنى: واحمهم.
  • ﴿ السَّيِّئاتِ:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. أي العقوبات. أو جزاء السيئات فحذف المضاف المنصوب وأقيم المضاف إليه مقامه.
  • ﴿ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ:
  • الواو عاطفة. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم لأن الفعل المتعدي الى المفعولين بعده لم يستوف مفعوله الثاني. تق: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه: حذف آخره حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:أنت. السيئات: أعربت. بمعنى: ومن تحمه جزاء السيئات.
  • ﴿ يَوْمَئِذٍ:
  • ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بتَقِ وهو مضاف و «اذ» اسم مبني على السكون في محل جر بالاضافة وحرك السكون الظاهر على آخره بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين: سكونه وسكون التنوين وهو مضاف والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر بالاضافة. التقدير: يومئذ تقي السيئات.
  • ﴿ فَقَدْ رَحِمْتَهُ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مسبوق بقد مقترن بالفاء في محل جزم بمن. الفاء واقعة في جواب الشرط‍.قد: حرف تحقيق. رحمته:فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ وَذلِكَ:
  • الواو استئنافية. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب.
  • ﴿ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «ذلك» هو:ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. الفوز خبر «هو» مرفوع بالضمة.العظيم: صفة-نعت-لفوز مرفوعة مثلها بالضمة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     ولَمَّا سألت الملائكةُ ربَّها النعيم الدائم للمومنين؛ سألوه هنا أن يُجَنبهم ارتكاب الذنوب والمعاصي، قال تعالى :
﴿ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [10] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ..

التفسير :

[10] إن الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق، وصرفوا العبادة لغيره عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم، يَمْقُتون أنفسهم أشد المقت، وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم:لمَقت الله لكم في الدنيا -حين طلب منكم الإيمان به واتباع رسله، فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن، ب

يخبر تعالى عن الفضيحة والخزي الذي يصيب الكافرين، وسؤالهم الرجعة، والخروج من النار، وامتناع ذلك عليهم وتوبيخهم، فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أطلقه ليشمل أنواع الكفر كلها، من الكفر بالله، أو بكتبه، أو برسله، أو باليوم الآخر، حين يدخلون النار، ويقرون أنهم مستحقونها، لما فعلوه من الذنوب والأوزار، فيمقتون أنفسهم لذلك أشد المقت، ويغضبون عليها غاية الغضب، فينادون عند ذلك، ويقال لهم:{ لَمَقْتُ اللَّهِ} أي:إياكم{ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} أي:حين دعتكم الرسل وأتباعهم إلى الإيمان، وأقاموا لكم من البينات ما تبين به الحق، فكفرتم وزهدتم في الإيمان الذي خلقكم الله له، وخرجتم من رحمته الواسعة، فمقتكم وأبغضكم، فهذا{ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي:فلم يزل هذا المقت مستمرًا عليكم، والسخط من الكريم حَالَّا بكم، حتى آلت بكم الحال إلى ما آلت، فاليوم حلَّ عليكم غضب الله وعقابه حين نال المؤمنون رضوان الله وثوابه.

والمقت أشد أنواع البغض والغضب. يقال: مقته مقتا، إذا غضب عليه غضبا شديدا، ومنه قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا .

والمنادى لهؤلاء الكافرين: هم الملائكة خزنة النار، أو المؤمنون. وهذا النداء إنما يكون يوم القيامة، يوم توفى كل نفس ما كسبت.

أى: إن الذين كفروا بعد أن أحاطت بهم النار، وبعد أن عادوا على أنفسهم بأشد ألوان الندامة والحسرة والمقت. لإيثارها الكفر على الإيمان.

بعد كل ذلك يُنادَوْنَ بأن يقال لهم: إن مقت الله- تعالى- لكم بسبب إصراركم على الكفر حتى هلكتم.. أشد وأعظم من مقتكم لأنفسكم مهما بلغ مقتكم لها وكراهيتكم لها.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله يُنادَوْنَ المنادى لهم الخزنة أو المؤمنون يقولون إعظاما لحسرتهم: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول، كأنه قيل: ينادون مقولا لهم: لمقت.. ومقت مصدر مضاف إلى الاسم الجليل: إضافة المصدر لفاعله، وكذا إضافة المقت الثاني إلى ضمير الخطاب..

وقوله- سبحانه-: إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ تعليل لمقت الله أى: لغضب الله- تعالى- عليكم، أشد من غضبكم على أنفسكم الأمارة بالسوء وذلك لأنكم جاءتكم دعوة الحق على ألسنة رسلكم، فأعرضتم عنها، وصممتم على الكفر والفسوق والعصيان، حتى أدرككم الموت، وها أنتم اليوم تجزون ما كنتم تعملونه في الدنيا.

يقول تعالى مخبرا عن الكفار : أنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون ، وذلك عندما باشروا من عذاب الله ما لا قبل لأحد به ، فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض ، بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة ، التي كانت سبب دخولهم إلى النار ، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارا عاليا ، نادوهم [ به ] نداء بأن مقت الله لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان ، فيكفرون ، أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة .

قال قتادة في قوله : ( لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) يقول : لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا ، فتركوه وأبوا أن يقبلوه ، أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة .

وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذر بن عبد الله الهمداني ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن جرير الطبري ، رحمهم الله .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)

يقول تعالى ذكره: إن الذين كفروا بالله ينادون في النار يوم القيامة إذا دخلوها, فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعدّ الله لهم فيها من أنواع العذاب, فيقال لهم: لمقت الله إياكم أيها القوم في الدنيا, إذ تدعون فيها للإيمان بالله فتكفرون, أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم لما حل بكم من سخط الله عليكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) قال: مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم, ومقت الله إياهم في الدنيا, إذ يدعون إلى الإيمان, فيكفرون أكبر.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ) يقول: لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا, فتركوه, وأبوا أن يقبلوا, أكبر مما مقتوا أنفسهم, حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) في النار ( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ ) في الدنيا( فَتَكْفُرُونَ ) .

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ ) ... الآية, قال: لما دخلوا النار مقتوا أنفسهم في معاصي الله التي ركبوها, فنودوا: إن مقت الله إياكم حين دعاكم إلى الإسلام أشد من مقتكم أنفسكم اليوم حين دخلتم النار.

واختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في قوله: ( لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة: هي لام الابتداء, كان ينادون يقال لهم, لأن في النداء قول. قال: ومثله في الإعراب يقال: لزيد أفضل من عمرو. وقال بعض نحويِّي الكوفة: المعنى فيه: ينادون إن مقت الله إياكم, ولكن اللام تكفي من أن تقول في الكلام: ناديت أنّ زيدا قائم, قال: ومثله قوله: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ اللام بمنـزلة " إن " في كل كلام ضارع القول مثل ينادون ويخبرون, وأشباه ذلك.

وقال آخر غيره منهم: هذه لام اليمين, تدخل مع الحكاية, وما ضارع الحكاية لتدلّ على أن ما بعدها ائتناف. قال: ولا يجوز في جوابات الأيمان أن تقوم مقام اليمين, لأن اللام كانت معها النون أو لم تكن, فاكتفي بها من اليمين, لأنها لا تقع إلا معها.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: دخلت لتؤذن أن ما بعدها ائتناف وأنها لام اليمين.

التدبر :

اسقاط
[10] المقت: شيءٌ ملأَ قلوبَ الصالحين خوفًا وفزعًا، قال المروذي: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر أخلاق الورعين، فقال: أسأل الله أن لا يمقتنا، أين نحن من هؤلاء؟! ﴿إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون﴾.
وقفة
[10] ﴿لَمَقتُ اللَّهِ أَكبَرُ﴾ وهذا جزاء من مات على الكفر.
وقفة
[10] ﴿لَمَقْتُ اللَّـهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ المقت: البغض الذي يوجبه ذنب أو عيب، وهذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار؛ فإنهم إذا دخلوها مقتوا أنفسهم؛ أي: مقت بعضهم بعضًا، ويحتمل أن يمقت كل واحد منهم نفسه، فتناديهم الملائكة، وتقول لهم: مقت الله لكم في الدنيا على كفركم أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم.
وقفة
[10] ﴿الله أكبر﴾ كم مرة سمعنا هذا الهتاف في حياتنا! لكننا فشلنا أن نوصل هذا الصوت لأعماقنا.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إنّ».
  • ﴿ كَفَرُوا:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ يُنادَوْنَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «ان» وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.أي ينادى عليهم يوم القيامة. ويقال لهم.
  • ﴿ لَمَقْتُ اللهِ:
  • اللام لام الابتداء والتوكيد. مقت: مبتدأ مرفوع بالضمة. الله:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. بتقدير: لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم فاستغني عن المفعول «أنفسكم» اكتفاء بذكرها مرة واحدة. بمعنى غضب الله عليكم والجملة الاسمية لمقت الله اكبر في محل نصب مفعول به-مقول القول-بالمضمر يقال لهم أو بينادون لأن النداء بمعنى القول. وقيل: معناه: لمقت الله اياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض. والمقت: أشد أنواع البغض فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشده.
  • ﴿ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف أفعل التفضيل وبوزن الفعل. من مقتكم: جار ومجرور متعلق بأكبر.الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْفُسَكُمْ:
  • مفعول به للمصدر «مقتكم» منصوب وعلامة نصبه الفتحة.و«كم» أعربت في «مقتكم».
  • ﴿ إِذْ تُدْعَوْنَ:
  • ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بمقت الله.تدعون: تعرب اعراب «ينادون» وجملة «تدعون» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف «إذ».
  • ﴿ إِلَى الْإِيمانِ:
  • جار ومجرور متعلق بتدعون. بمعنى: الى الدخول في الايمان.
  • ﴿ فَتَكْفُرُونَ:
  • الفاء عاطفة. تكفرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي فترفضون هذه الدعوة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ شَيئًا مِن أحوالِ المؤمِنينَ؛ ذكَرَ هنا شَيئًا مِن أحوالِ الكافِرينَ؛ ليبين الفرق، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [11] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ..

التفسير :

[11] قال الكافرون:ربنا أمتَّنا مرتين:حين كنا في بطون أمهاتنا نُطَفاً قبل نفخ الروح، وحين انقضى أجلُنا في الحياة الدنيا، وأحييتنا مرتين:في دار الدنيا يوم وُلِدْنا، ويوم بُعِثنا من قبورنا، فنحن الآن نُقِرُّ بأخطائنا السابقة، فهل لنا من طريق نخرج به من ال

فتمنوا الرجوع و{ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} يريدون الموتة الأولى وما بين النفختين على ما قيل أو العدم المحض قبل إيجادهم، ثم أماتهم بعدما أوجدهم،{ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} الحياة الدنيا والحياة الأخرى،{ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي:تحسروا وقالوا ذلك، فلم يفد ولم ينجع، ووبخوا على عدم فعل أسباب النجاة.

ثم يحكى- سبحانه- ما يقوله الكافرون بعد أن أنزل بهم- سبحانه- عقابه العادل فيقول: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ....

وأرادوا بالموتة الأولى: خلقهم من مادة لا روح فيها وهم في بطون أمهاتهم.. وأرادوا بالثانية: قبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم.

وأرادوا بالحياة الأولى: نفخ أرواحهم في أجسادهم وهي في الأرحام، وأرادوا بالثانية إعادتهم إلى الحياة يوم البعث، للحساب والجزاء.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.. .

فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا أى: أنت يا ربنا الذي- بقدرتك وحدها- أمتنا إماتتين اثنتين، وأحييتنا إحياءتين اثنتين، وها نحن قد اعترفنا بذنوبنا التي وقعت منا في الدنيا، وندمنا على ما كان منا أشد الندم..

فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ أى: فهل بعد هذا الاعتراف، في الإمكان أن تخرجنا من النار، وأن تعيدنا إلى الحياة الدنيا، لنؤمن بك حق الإيمان. ونعمل غير الذي كنا نعمل.

فأنت ترى أن الآية تصور ذلهم وحسرتهم أكمل تصوير، وأنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم، ولكن هذا التمني والتلهف جاء بعد فوات الأوان.

قال ابن كثير ما ملخصه: هذه الآية كقوله- تعالى-: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ... وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية.

وقال السدى: أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة.

وقال ابن زيد: أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم، ثم خلقهم في الأرحام. ثم أماتهم يوم القيامة.

وهذا القولان ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات.

والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله، كما قال- تعالى- وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ .

وقوله : ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) قال الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود [ رضي الله عنه ] : هذه الآية كقوله تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) [ البقرة : 28 ] وكذا قال ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، وأبو مالك . وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية .

وقال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة .

وقال ابن زيد : أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ، ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم [ ثم أحياهم ] يوم القيامة .

وهذان القولان - من السدي وابن زيد - ضعيفان ; لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات . والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما . والمقصود من هذا كله : أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله - عز وجل - في عرصات القيامة ، كما قال : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] ، فلا يجابون . ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ، ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنكال ، سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة ، فلا يجابون ، قال الله تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 27 ، 28 ] فإذا دخلوا النار وذاقوا مسها وحسيسها ومقامعها وأغلالها ، كان سؤالهم للرجعة أشد وأعظم ، ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) [ فاطر : 37 ] ، ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون . قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ) [ المؤمنون : 107 ، 108 ] ، وفي هذه الآية الكريمة تلطفوا في السؤال ، وقدموا بين يدي كلامهم مقدمة ، وهي قولهم : ( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) أي : قدرتك عظيمة ، فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتا ، ثم أمتنا ثم أحييتنا ، فأنت قادر على ما تشاء ، وقد اعترفنا بذنوبنا ، وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا ، ( فهل إلى خروج من سبيل ) أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا ؟ فإنك قادر على ذلك ; لنعمل غير الذي كنا نعمل ، فإن عدنا إلى ما كنا فيه فإنا ظالمون . فأجيبوا ألا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا . ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تجحده وتنفيه ; ولهذا قال تعالى :

وقوله: ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قد أتينا عليه في سورة البقرة, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع, ولكنا نذكر بعض ما قال بعضهم فيه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم, فأحياهم الله في الدنيا, ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها, ثم أحياهم للبعث يوم القيامة, فهما حياتان وموتتان.

وحُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول فى قوله: ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) هو قول الله كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قال: هو كقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا ... الآية.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, في قوله: ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قال: هي كالتي في البقرة وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ .

حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: ثنا عبثر, قال: ثنا حصين, عن أبي مالك في هذه الآية ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قال: خلقتنا ولم نكن شيئا ثم أمتنا, ثم أحييتنا.

حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, عن حصين, عن أبي مالك, في قوله: ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قالوا: كانوا أمواتا فأحياهم الله, ثم أماتهم, ثم أحياهم.

وقال آخرون فيه ما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قال: أميتوا في الدنيا, ثم أحيوا في قبورهم, فسئلوا أو خوطبوا, ثم أميتوا في قبورهم, ثم أحيوا في الآخرة.

وقال آخرون في ذلك ما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) قال: خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق, وقرأ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فقرأ حتى بلغ الْمُبْطِلُونَ قال: فنساهم الفعل, وأخذ عليهم الميثاق, قال: وانتزع ضلعا من أضلاع آدم القصرى, فخلق منه حواء, ذكره عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, قال: وذلك قول الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً قال: بث منهما بعد ذلك في الأرحام خلقا كثيرا, وقرأ: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ قال: خلقا بعد ذلك, قال: فلما أخذ عليهم الميثاق, أماتهم ثم خلقهم في الأرحام, ثم أماتهم, ثم أحياهم يوم القيامة, فذلك قول الله: ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) , وقرأ قول الله: وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا قال: يومئذ, وقرأ قول الله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا .

وقوله: ( فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) يقول: فأقررنا بما عملنا من الذنوب في الدنيا( فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) يقول: فهل إلى خروج من النار لنا سبيل, لنرجع إلى الدنيا, فنعمل غير الذي كنا نعمل فيها.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) : فهل إلى كرّة إلى الدنيا.

التدبر :

وقفة
[11] ﴿قالوا رَبَّنَا أَمَتَنَا اثْنَتَيْنِ وَأخيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا﴾ أي إماتتينِ وإِحيائتيْنِ، لأنهم نُطَفٌ أمواتٌ فأحيوا، ثم أمِيتُوا ثمَّ أُحيوا للبعث، وهذا كقوله تعالى ﴿كَيْفَ تَكْفُرونَ باللَّهِ وكنْتُمْ أَمْوَاتاً فأَحْياكُمْ ثمَّ يميتُكُمْ ثُمَّ يُحييكم﴾ [البقرة: 28].
وقفة
[11] ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾ ليس المهم فقط أن تؤمن، الأهم أن تؤمن قبل الوقت الضائع.
وقفة
[11] ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾: إقرار بالبعث على أكمل الوجوه، طمعًا منهم أن يخرجوا عن المقت الذي مقتهم الله؛ إذ كانوا يدعون إلى الإسلام فيكفرون، فإن قيل: كيف يكون قولهم: ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ سببًا لاعترافهم بالذنوب؟ فالجواب أنهم كانوا كافرين بالبعث، فلمَّا رأوا الإماتة والإحياء قد تكرر عليهم، علموا أن الله قادر على البعث؛ فاعترفوا بذنوبهم؛ وهي إنكار البعث، وما أوجب لهم إنكاره من المعاصي؛ فإن من لم يؤمن بالآخرة لا يبالي بالوقوع في المعاصي.
وقفة
[11] ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ الموت هنا هو ما قبل الحياة، فما هو قبل الحياة يسمى موتًا.
عمل
[11] ﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا﴾ اعترِف بذنوبِك هنا، وسل اللهَ التَّوبةَ قبل أن تعترفَ هناك ولا ينفعكَ ذلك.
وقفة
[11] ﴿فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾ قالوها بلهجة اليائس، الواثق أنه لا سبيل للرجوع، ولا طريق للهروب، ولا سكة لإعادة المحاولة.
وقفة
[11] ﴿فَهَل إِلى خُروجٍ مِن سَبيلٍ﴾ لا.

الإعراب :

  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة أصله: يا ربنا وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف وحذفت أداة النداء اكتفاء بالمنادى. و «نا» ضمير متصل -ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب مفعول به-مقول القول- أمتنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب مفعول به. اثنتين: نائبة عن المصدر-المفعول المطلق-أو توكيد له بتقدير: إماتتين منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ:
  • معطوفة بالواو على أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ» وتعرب اعرابها. أي إماتتين واحياءتين أو موتتين وحياتين. بمعنى: خلقهم أمواتا أولا واماتتهم عند انقضاء آجالهم و «اثنتين» أي احياءتين بمعنى: احياؤهم الاحياءة الاولى واحياءة البعث.
  • ﴿ فَاعْتَرَفْنا:
  • الفاء عاطفة. اعترف: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ بِذُنُوبِنا:
  • جار ومجرور متعلق باعترفنا. و «نا» ضمير متصل. و «هو» ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ:
  • الفاء استئنافية تفيد التعليل. هل: حرف استفهام لا عمل له. الى خروج: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ مِنْ سَبِيلٍ:
  • من: حرف جر زائد للتاكيد. سبيل: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر. أي فهل الى خروج من النار أي الى نوع من الخروج سريع أو بطيء من سبيل قط‍ أم اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل اليه؟'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     وبعد أن عاينَ الكافرون أهوالَ النَّار بأنفسِهم؛ أخبرَ اللهُ هنا ما يقولون في النار، قال تعالى :
﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [12] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ ..

التفسير :

[12] ذلكم العذاب الذي لكم -أيها الكافرون- بسبب أنكم كنتم إذا دُعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به، وإن يُجْعل لله شريك تُصَدِّقوا به وتتبعوه. فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه، العادل الذي لا يجور، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويرحم مَن يشاء ويعذ

{ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} أي:إذا دعي لتوحيده، وإخلاص العمل له، ونهي عن الشرك به{ كَفَرْتُمْ} به واشمأزت لذلك قلوبكم ونفرتم غاية النفور.

{ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} أي:هذا الذي أنزلكم هذ المنزل وبوأكم هذا المقيل والمحل، أنكم تكفرون بالإيمان، وتؤمنون بالكفر، ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا والآخرة، وتكرهون ما هو خير وصلاح في الدنيا والآخرة.

تؤثرون سبب الشقاوة والذل والغضب وتزهدون بما هو سبب الفوز والفلاح والظفر{ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}

{ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} العلي:الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر ومن علو قدره، كمال عدله تعالى، وأنه يضع الأشياء مواضعها، ولا يساوي بين المتقين والفجار.

{ الْكَبِيرُ} الذي له الكبرياء والعظمة والمجد، في أسمائه وصفاته وأفعاله المتنزه عن كل آفة وعيب ونقص، فإذا كان الحكم له تعالى، وقد حكم عليكم بالخلود الدائم، فحكمه لا يغير ولا يبدل.

ثم بين- سبحانه- أن تذللهم هذا لن يجديهم، وأن ما هم فيه من عذاب سببه إعراضهم عن دعوة الحق في الدنيا، فقال: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.

أى: ذلكم الذي نزل بكم من عذاب سببه، أنكم كنتم في الدنيا إذا عبد الله- تعالى- وحده، وطلب منكم ذلك كفرتم به- عز وجل-، وإن يشرك به غيره من الأصنام أو غيرها آمنتم، ومادام هذا حالكم في الدنيا، فاخسئوا في النار ولا تؤملوا في الخروج منها، بحال من الأحوال، فالحكم لله وحده دون غيره، وهو سبحانه الذي حكم عليكم بما حكم..

وهو- سبحانه- الْعَلِيِّ أى: المتعالي عن أن يكون له مماثل في ذاته أو صفاته الْكَبِيرِ أى: العظيم الذي هو أعظم وأكبر من أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد.

وجمع- سبحانه- لذاته بين هذين الوصفين للدلالة على كبريائه وعظمته.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على فضله ورحمته بعباده، وعلى وحدانيته وكمال قدرته، وعلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، وعلى أن كل نفس ستجازى في هذا اليوم بما كسبت بدون ظلم أو محاباة، لأن القضاء فيه لله الواحد القهار. فقال- تعالى-:

( ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا ) أي : أنتم هكذا تكونون ، وإن رددتم إلى الدنيا ، كما قال تعالى : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 28 ] .

وقوله : ( فالحكم لله العلي الكبير ) أي : هو الحاكم في خلقه ، العادل الذي لا يجور ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ، ويعذب من يشاء ، لا إله إلا هو .

القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)

وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر من ذكره عليه; وهو: فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك هذا الذي لكم من العذاب أيها الكافرون ( بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) , فأنكرتم أن تكون الألوهة له خالصة, وقلتم أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا .

( وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) يقول: وإن يجعل لله شريك تصدّقوا من جعل ذلك له ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) يقول: فالقضاء لله العلي على كل شيء, الكبير الذي كل شيء دونه متصاغرا له اليوم.

التدبر :

وقفة
[12] ﴿وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ ليس الإيمان هنا هو الإيمان بالله، بل معناه: إن يجعلوا لله شركاء من دونه، تُصدّقوا ذلك وتؤمنوا به.
وقفة
[12] ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ الله هو الحاكم في خلقه، والقضاء له وحده لا لغيره، ولا يمكن لأحد ردُّ حكمه وعقابه، ولا سبيل إلى النجاة لعلوِّه وكبريائه.

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكُمْ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد الكاف للخطاب. الميم علامة الجمع. أي ذلكم الذي أنتم. أو تكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: الغرض ذلكم.
  • ﴿ بِأَنَّهُ:
  • الباء حرف جر. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها وانّ مع اسمها وخبرها ما في الجملة الشرطية بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ «ذلكم» بمعنى: ذلكم الذي أنتم فيه وان لا سبيل لكم الى خروج أبدا بسبب كفركم بتوحيد الله وايمانكم بالاشراك به. بمعنى: بأنكم كنتم.
  • ﴿ إِذا دُعِيَ اللهُ:
  • ظرف لما يستقبل به من الزمان مبني على السكون متضمن معنى الشرط‍ خافض لشرطه متعلق بجوابه. دعي: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الله لفظ‍ الجلالة: نائب فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة دُعِيَ اللهُ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف
  • ﴿ وَحْدَهُ:
  • مصدر سدّ مسدّ الحال. أصله يحد وحده بمعنى: واحدا وحده وقيل منصوب عند أهل الكوفة على الظرف وعند أهل البصرة على المصدر وقيل نصب على الحال بمعنى منفردا.
  • ﴿ كَفَرْتُمْ:
  • الجملة جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل -ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور أي كفرتم به. فحذفت صلتها الجار والمجرور لأنه معلوم أو كفرتم بتوحيد الله
  • ﴿ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ:
  • الواو عاطفة. ان: حرف شرط‍ جازم. يشرك: فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط‍ مجزوم بان وعلامة جزمه: سكون آخره. به: جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.
  • ﴿ تُؤْمِنُوا:
  • الجملة الفعلية: جواب شرط‍ جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الاعراب. تؤمنوا: فعل مضارع مجزوم بإن لأنه جواب الشرط‍ -جزاؤه- وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل الألف فارقة. بمعنى: آمنتم بشركائكم.
  • ﴿ فَالْحُكْمُ لِلّهِ:
  • الفاء استئنافية. الحكم: مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ:
  • صفتان-نعتان-للفظ‍ الجلالة مجروران وعلامة جرهما:الكسرة.'

المتشابهات :

البقرة: 255﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
الشورى: 4﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
الحج: 62﴿مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
لقمان: 30﴿وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
سبإ: 23﴿قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
غافر: 12﴿ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [12] لما قبلها :     ولَمَّا طلبوا الرجوع إلى الدنيا لإصلاح ما فاتهم؛ ما كان جوابهم عما طلبوا إلا الرفض الباتَّ، مع ذكر السبب، قال تعالى:
﴿ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [13] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ ..

التفسير :

[13] هو الذي يُظْهِر لكم -أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها، ويُنَزِّل لكم من السماء مطراً تُرزَقون به، وما يتذكر بهذه الآيات إلا مَن يرجع إلى طاعة الله، ويخلص له العبادة.

يذكر تعالى نعمه العظيمة على عباده، بتبيين الحق من الباطل، بما يُرِي عباده من آياته النفسية والآفاقية والقرآنية، الدالة على كل مطلوب مقصود، الموضحة للهدى من الضلال، بحيث لا يبقى عند الناظر فيها والمتأمل لها أدنى شك في معرفة الحقائق، وهذا من أكبر نعمه على عباده، حيث لم يُبْقِ الحق مشتبهًا ولا الصواب ملتبسًا، بل نوَّع الدلالات ووضح الآيات، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة وكلما كانت المسائل أجل وأكبر، كانت الدلائل عليها أكثر وأيسر، فانظر إلى التوحيد لما كانت مسألته من أكبر المسائل، بل أكبرها، كثرت الأدلة عليها العقلية والنقلية وتنوعت، وضرب الله لها الأمثال وأكثر لها من الاستدلال، ولهذا ذكرها في هذا الموضع، ونبه على جملة من أدلتها فقال:{ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}

ولما ذكر أنه يُرِي عباده آياته، نبه على آية عظيمة فقال:{ وينزل لكم من السماء رزقا} أي:مطرًا به ترزقون وتعيشون أنتم وبهائمكم، وذلك يدل على أن النعم كلها منه، فمنه نعم الدين، وهي المسائل الدينية والأدلة عليها، وما يتبع ذلك من العمل بها. والنعم الدنيوية كلها، كالنعم الناشئة عن الغيث، الذي تحيا به البلاد والعباد. وهذا يدل دلالة قاطعة أنه وحده هو المعبود، الذي يتعين إخلاص الدين له، كما أنه -وحده- المنعم.

{ وَمَا يَتَذَكَّرُ} بالآيات حين يذكر بها{ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} إلى الله تعالى، بالإقبال على محبته وخشيته وطاعته والتضرع إليه، فهذا الذي ينتفع بالآيات، وتصير رحمة في حقه، ويزداد بها بصيرة.

والمقصود بآياته- عز وجل- في قوله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ ... الدلائل الدالة على وحدانيته وقدرته، كخلقه للشمس والقمر والليل والنهار، والبحار والأنهار، والسماء والأرض، والمطر والرعد، والنجوم والرياح، والأشجار الكبيرة والصغيرة.. إلى غير ذلك من آياته التي لا تحصى في هذا الوجود..

أى: هو- سبحانه- الذي يريكم آياته الدالة على وحدانيته وقدرته، لتزدادوا- أيها المؤمنون- إيمانا على إيمانكم، وثباتا على ثباتكم، ويقينا على يقينكم، بأن المستحق للعبادة والطاعة هو الله الواحد القهار.

وقد ساق- سبحانه- في كتابه عشرات الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته، ومن ذلك قوله- تعالى-:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ .

وقوله- عز وجل-: وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ... .

وقوله- تعالى-: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ .

والمراد بالرزق في قوله: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً.. الأمطار التي تنزل من السماء على الأرض، فتحييها بعد موتها، بأن تحولها من أرض جدباء يابسة، إلى أرض خضراء بشتى الزروع والثمار.

وأطلق- سبحانه- على المطر رزقا. لأنه سبب فيه، وأفرده بالذكر مع كونه من جملة الآيات التي يريها- تعالى- لعباده لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته، وجلائل نعمه، الموجبة لشكره- عز وجل-، ولوجوب إخلاص العبادة له.

وقوله- تعالى-: وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ بيان لمن هو أهل للانتفاع بهذه الآيات.

أى: وما يتذكر وينتفع بهذه الآيات إلا من يرجع عن المعصية إلى الطاعة وعن الكفر إلى الإيمان، وعن العناد والجحود، إلى التفكر والتدبر بقلب سليم.

فقوله يُنِيبُ من الإنابة، ومعناها الرجوع عن الكفر والمعاصي: إلى الإيمان والطاعة.

وقوله : ( هو الذي يريكم آياته ) أي : يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها ، ( وينزل لكم من السماء رزقا ) ، وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس ، من اختلاف ألوانه وطعومه ، وروائحه وأشكاله وألوانه ، وهو ماء واحد ، فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء ، ( وما يتذكر ) أي : يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها ( إلا من ينيب ) أي : من هو بصير منيب إلى الله - عز وجل - .

القول في تأويل قوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ (13)

يقول تعالى ذكره: الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته ( وَيُنـزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ) يقول ينـزل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم من الأرض, وغذاء أنعامكم عليكم ( وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ ) يقول: وما يتذكر حجج الله التي جعلها أدلة على وحدانيته, فيعتبر بها ويتعظ, ويعلم حقيقة ما تدل عليه, إلا من ينيب, يقول: إلا من يرجع إلى توحيده, ويقبل على طاعته.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِلا مَنْ يُنِيبُ ) قال: من يقبل إلى طاعة الله.

التدبر :

لمسة
[13] ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ تقديم ذكر الآيات على الرزق دليل على أن النعم الدينية أهم من النعم الدنيوية.
تفاعل
[13] ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾ سَل الله من فضله الآن.
وقفة
[13] ﴿وينزل لكم من السماء رزقا﴾ وأنت تستمتع بهذا الرزق اﻷبيض ادعو: رب ارزق من ﻻ مأوى وﻻ طعام له، ويحوطه الخوف والقتل.
وقفة
[13] ﴿وينزل لكم من السماء رزقا﴾ ورزق الله يطلب بطاعته وشكره.
وقفة
[13] ﴿وينزل لكم من السماء رزقا﴾ عندما ترى أمطار بلا موعد فتذكر أن الله قادر على تغيير الأحوال في طرفة عين، فلا تيأس وإن طال همك، فكل يوم هو في شأن جديد.
وقفة
[13] ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِنَ السَّماءِ رِزقًا﴾ لا ينزل من السماء إلا الماء، ولكنه مصدر الرزق والخير.
وقفة
[13] سؤال: ما الفرق بين الأجر والرزق؟ الجواب: الأجر قد يكون هو الجزاء علي العمل, ويقال فيما كان عقد, وما يجري مجري العقد، أما الرزق فقد يستعمل للنصيب, ويستعمل للقوت الذي يتغذي به البدن, وذلك نحو قوله تعالي: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6]، وقال: ﴿وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: 60]، ولا يصح أن يقال في هذا: أجر، وقد يستعمل الرزق للمطر, قال تعالي: ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً﴾, وله استعمالات أخري.
وقفة
[13] ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ وما دون ذلك إلا خرط القتاد.
وقفة
[13] ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ نفع الموعظة خاص بالمنيبين إلى ربهم.
وقفة
[13] ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ لن ينتفع بآيات الله، ولن يشكر رزقه وعطاءه، إلا صاحب إنابة وصدق في التوجه إلى الله.
وقفة
[13] ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية: «الفرق بين التوبة والإنابة: قيل: التوبة: هي الندم على فعل ما سبق، والإنابة: ترك المعاصي في المستقبل».
وقفة
[13] ﴿وَما يَتَذَكَّرُ إلّا مَن يُنِيبُ﴾ قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: «ما زالَ أهْلُ العِلْمِ يَعُودُونَ بِالتَّذَكُّرِ عَلى التَّفَكُّرِ، وبِالتَّفَكُّرِ عَلى التَّذَكُّرِ، ويُناطِقُونَ القُلُوبَ حَتّى نَطَقَتْ».
وقفة
[13] مَنْ لم يكن عنده إنابة فإنه يُحْرَم من الانتفاع بالآيات؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ هُوَ الَّذِي:
  • ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هو».
  • ﴿ يُرِيكُمْ آياتِهِ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.يري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول والميم علامة جمع الذكور. آياته:مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ:
  • معطوفة بالواو على «يري» وتعرب اعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة على آخره. لكم: جار ومجرور متعلق بينزل والميم علامة جمع الذكور. من السماء: جار ومجرور متعلق بينزل.
  • ﴿ رِزْقاً:
  • مفعول به منصوب وعلامة ونصبه الفتحة. أي مطرا لأنه سببية.
  • ﴿ وَما يَتَذَكَّرُ:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يتذكر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفع الضمة. أي وما يتعظ‍ وما يعتبر بآيات الله.
  • ﴿ إِلاّ مَنْ يُنِيبُ:
  • أداة حصر لا عمل لها. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. ينيب: تعرب اعراب «يري» وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. أي الا من يتوب من الشرك ويرجع الى الله.'

المتشابهات :

الرعد: 12﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ
غافر: 13﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ ما يوجِبُ التَّهديدَ الشَّديدَ في حقِّ المُشرِكينَ؛ ذكرَ هنا ما يدُلُّ على وحدانيته وقُدرتِه وحِكمتِه؛ ليَصيرَ ذلك دليلًا على أنَّه لا يَجوزُ جَعْلُ الأحجارِ المَنحوتةِ والخُشُبِ المَعبودةِ شُرَكاءَ للهِ، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ..

التفسير :

[14] فأخلصوا -أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء، وخالفوا المشركين في مسلكهم، ولو أغضبهم ذلك، فلا تبالوا بهم.

ولما كانت الآيات تثمر التذكر، والتذكر يوجب الإخلاص للّه، رتب الأمر على ذلك بالفاء الدالة على السببية فقال:{ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، والإخلاص معناه:تخليص القصد للّه تعالى في جميع العبادات الواجبه والمستحبة، حقوق الله وحقوق عباده. أي:أخلصوا للّه تعالى في كل ما تدينونه به وتتقربون به إليه.

{ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} لذلك، فلا تبالوا بهم، ولا يثنكم ذلك عن دينكم، ولا تأخذكم بالله لومة لائم، فإن الكافرين يكرهون الإخلاص لله وحده غاية الكراهة، كما قال تعالى:{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}

والفاء في قوله- تعالى-: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.. للإفصاح عن شرط مقدر. أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن كل شيء في هذا الوجود يدل على وحدانية الله- تعالى- فأخلصوا له العبادة والطاعة وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ منكم ذلك- أيها المؤمنون- فلا تلتفتوا إلى كراهيتهم، وامضوا في طريق الحق، ودعوهم يموتوا بغيظهم..

وقد أخذ العلماء من هذا الآية الكريمة، وجوب إخلاص العبادة لله- تعالى- ووجوب الإكثار من التضرع إليه بالدعاء.

ومن الأحاديث التي أوردها الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، ما رواه الإمام مسلم وأبو داود، والنسائي، وأحمد، عن أبى الزبير محمد بن مسلم المكي قال: كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة .

وقوله : ( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) أي : فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء ، وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا هشام - يعني ابن عروة بن الزبير - عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي قال : كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " قال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة .

ورواه مسلم وأبو داود والنسائي ، من طرق ، عن هشام بن عروة ، وحجاج بن أبي عثمان ، وموسى بن عقبة ، ثلاثتهم عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن الزبير قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في دبر الصلاة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له وذكر تمامه .

وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عقب الصلوات المكتوبات : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا صالح - يعني المري - عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه " .

وقوله: ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وللمؤمنين به, فاعبدوا الله أيها المؤمنون له, مخلصين له الطاعة غير مشركين به شيئا مما دونه ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) يقول: ولو كره عبادتكم إياه مخلصين له الطاعة الكافرون المشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأنداد.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[14] ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ اجعل الإخلاص أساس عباداتك ومعاملاتك.
وقفة
[14] ﴿فَادعُوا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ﴾ علمنا إذن أن المطلوب هو الدعاء والإخلاص.
وقفة
[14] ﴿فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ عن عبد الله بن الزبير t: كَانَ النَّبِىُّ ﷺ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاَةِ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، أَهْلُ النِّعْمَةِ وَالْفَضْلِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [أبو داود 1507، وصححه الألباني].
عمل
[14] ﴿فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سيرك في طريق الحق وعلى الصراط المستقيم، سيغيظ منك الكافرين وجموع المنافقين، فلا تلتفت إلى كراهيتهم، وامض لما أمرك الله.
عمل
[14] إذا عملت ما يرضي الله تعالى، وسخط عليك الكفار فلا عليك من سخطهم ﴿فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[14] استقامة المؤمن لا تؤثر فيها مواقف الكفار الرافضة لدينه ﴿فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[14] كان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الأمة! أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وليس بينهما شرط! فسئل عن هذا؟ فقال: مثل قوله: ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ [البقرة: ٢٥]، فها هنا شرط -أي: البشارة مشروطة بالإيمان والعمل الصالح-، وقوله: ﴿فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون﴾ فها هنا شرط، وأما قوله: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾ [60] ليس فيه شرط.
وقفة
[14] ﴿وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ﴾ فمهما أظهروا من ودٍّ فهم كارهون.

الإعراب :

  • ﴿ فَادْعُوا اللهَ:
  • الفاء استئنافية. ادعوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة
  • ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ:
  • حال من ضمير «ادعوا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. له: جار ومجرور متعلق بمخلصين. الدين: مفعول لاسم الفاعل-مخلصين- منصوب وعلامة نصبه الفتحة. أي من الشرك.
  • ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ:
  • الواو حالية. لو: مصدرية. كره: فعل ماض مبني على الفتح. الكافرون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. وجملة كَرِهَ الْكافِرُونَ» صلة «لو» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «لو» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر. أي حتى مع كره الكافرين. والجار والمجرور متعلق بحال من الضمير في اسم الفاعل «مخلصين» ويجوز أن يكون من «الدين» بمعنى: وان غاظ‍ ذلك اعداءكم ممن ليسوا على دينكم وحذف مفعول «كره» لأنه معلوم بمعنى ولو كرهوا ذلك.'

المتشابهات :

الأعراف: 29﴿وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
غافر: 65﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَـ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ
غافر: 14﴿ فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     ولَمَّا كانت الآياتُ تُثمِرُ التَّذَكُّرَ، والتَّذكُّرُ يُوجِبُ الإخلاصَ لله؛ أمَرَ اللهُ عِبادَهُ هنا بدُعائِهِ وإخْلاصِ الدِّينِ لَهُ، قال تعالى:
﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [15] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي ..

التفسير :

[15] إن الله هو العليُّ الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعاً مختلِفاً عن مخلوقاته، وارتفع به قَدْره، وهو صاحب العرش العظيم، ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلاً يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به، فيكونون على بصيرة من أمرهم؛ لتخوِّف الرسل عباد الله، وتنذرهم يوم

ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال:{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} أي:العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قدره، وجلت أوصافه، وتعالت ذاته، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر، وهو الإخلاص، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه، ثم ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي، فقال:{ يُلْقِي الرُّوحَ} أي:الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح، فهو تعالى{ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم.

{ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله لوحيه ودعوة عباده.

والفائدة في إرسال الرسل، هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ولهذا قال:{ لِيُنْذِرَ} من ألقى الله إليه الوحي{ يَوْمَ التَّلَاقِ} أي:يخوف العباد بذلك، ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية مما يكون فيه.

وسماه{ يوم التلاق} لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق والمخلوقون بعضهم مع بعض، والعاملون وأعمالهم وجزاؤهم.

ثم يذكر- سبحانه- بعد ذلك من صفاته العظمى، ما يزيد المؤمنين في إخلاص العبادة له، فيقول: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ.. أى: هو- تعالى- وحده صاحب الرفعة والمقام العالي، وهو وحده صاحب العرش العظيم، الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا هو..

قال الآلوسى قوله: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ رفيع صفة مشبهة أضيفت الى فاعلها من رفع الشيء إذا علا.. والدرجات: مصاعد الملائكة إلى أن يبلغوا العرش، أى: رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه.. ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه- عز شأنه- كما أن قوله- تعالى-: ذُو الْعَرْشِ كناية عن ملكه- جل جلاله-.. .

والمراد بالروح في قوله- تعالى-: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ:

الوحى الذي يوحى به على أنبيائه، وأمين هذا الوحى جبريل- عليه السلام-.

أى: هو وحده- سبحانه- الذي يلقى الوحى. حالة كون هذا الوحى ناشئا من أمره وقضائه على من يختاره لهذا الإلقاء من عباده الصالحين. فقوله مِنْ أَمْرِهِ متعلق بمحذوف حال من الروح.

وسمى الوحى روحا، لأن الأرواح تحيا به، كما أن الأجساد تحيا بالغذاء.

وقوله- تعالى-: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ بيان للوظيفة الخاصة بمن يختاره- سبحانه- من عباده لإلقاء الوحى عليه.

والإنذار: الإعلام المقترن بالتخويف والتحذير، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارا.

والمراد بيوم التلاق: يوم القيامة، وسمى بيوم التلاق لأنه يتلاقى فيه الأولون والآخرون والمؤمنون والكافرون، والظالمون والمظلومون.. الكل يتلاقى في ساحة المحشر ليقضى الله - تعالى- فيهم بقضائه العادل.

أى: يلقى- سبحانه- بوحيه على أنبيائه، لينذروا الناس ويحذروهم من سوء العذاب يوم القيامة، إذا ما استمروا في كفرهم وعصيانهم لخالقهم.

يقول تعالى [ مخبرا ] عن عظمته وكبريائه ، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها ، كما قال تعالى : ( من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ فاصبر ] ) [ المعارج : 3 ، 4 ] ، وسيأتي بيان أن هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة ، في قول جماعة من السلف والخلف ، وهو الأرجح إن شاء الله [ تعالى ] . وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء ، اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة . وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة . وقد تقدم في حديث " الأوعال " ما يدل على ارتفاعه عن السماوات السبع بشيء عظيم .

وقوله : ( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) كقوله تعالى : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا [ فاتقون ] ) [ النحل : 2 ] ، وكقوله : ( وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . [ بلسان عربي مبين ] ) [ الشعراء : 192 - 194 ] ; ولهذا قال : ( لينذر يوم التلاق ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يوم التلاق ) اسم من أسماء يوم القيامة ، حذر منه عباده .

وقال ابن جريج : قال ابن عباس : يلتقي فيه آدم وآخر ولده .

وقال ابن زيد : يلتقي فيه العباد .

وقال قتادة ، والسدي ، وبلال بن سعد ، وسفيان بن عيينة : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض .

وقال قتادة أيضا : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق والخلق .

وقال ميمون بن مهران : يلتقي [ فيه ] الظالم والمظلوم .

وقد يقال : إن يوم القيامة هو يشمل هذا كله ، ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمل من خير وشر . كما قاله آخرون .

القول في تأويل قوله تعالى : رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15)

يقول تعالى ذكره: هو رفيع الدرجات; ورفع قوله: ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ) على الابتداء; ولو جاء نصبا على الرد على قوله: فادعوا الله, كان صوابا.( ذُو الْعَرْشِ ) يقول: ذو السرير المحيط بما دونه.

وقوله: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) يقول: ينـزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع, فقال بعضهم: عني به الوحي.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتاده, قوله: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ ) قال: الوحي من أمره.

وقال آخرون: عني به القرآن والكتاب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني هارون بن إدريس الأصمّ, قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ, عن جُوَيبر, عن الضحاك في قوله: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) قال: يعني بالروح: الكتاب ينـزله على من يشاء.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) , وقرأ: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا قال: هذا القرآن هو الروح, أوحاه الله إلى جبريل, وجبريل روح نـزل به على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وقرأ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ قال. فالكتب التي أنـزلها الله على أنبيائه هي الروح, لينذر بها ما قال الله يوم التلاق, يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا قال: الروح: القرآن, كان أبي يقوله, قال ابن زيد: يقومون له صفا بين السماء والأرض حين ينـزل جل جلاله.

وقال آخرون: عني به النبوّة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قول الله: ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) قال: النبوّة على من يشاء.

وهذه الأقوال متقاربات المعاني, وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها.

وقوله: ( لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) يقول: لينذر من يلقي الروح عليه من عباده من أمر الله بإنذاره من خلقه عذاب يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض, وهو يوم التلاق, وذلك يوم القيامة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس, قوله: ( يَوْمَ التَّلاقِ ) من أسماء يوم القيامة, عظمه الله, وحذّره عباده.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يَوْمَ التَّلاقِ ) : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض, والخالق والخلق.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( يَوْمَ التَّلاقِ ) تلقي أهل السماء وأهل الأرض.

حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد ( يَوْمَ التَّلاقِ ) قال: يوم القيامة. قال: يوم تتلاقى العباد.

التدبر :

وقفة
[15] ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾ سبحانه رافع درجات الأنبياء والأولياء؛ ولذا رفع محمدًا ﷺ فوق الخلائق بالدعوة والرسالة.
لمسة
[15] ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾ (رفيع) تأتي على وزن فعيل، وتأتي بمعنى: 1- يرفع غيره، كما يرفع بعض الخلق على بعض. 2- مرتفع بذاته عن الآخرين.
وقفة
[15] ﴿رفيع الدرجات ذو العرش﴾ الله رفيع فمن (ارتقى) وصل، ومن (هبط) أبعد.
وقفة
[15] ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾ الذهاب لله (رقي)؛ لأن الله رفيع.
وقفة
[15] ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ﴾ روح ملقاة علينا كيف لا نحيا؟ أسأل الله أن يُحيي قلُوبنا بالقرآن.
وقفة
[15] ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ يمتدح العظيم نفسه بإنزال الوحي للتذكير بالآخرة، فلم أنت عنها غافل.
وقفة
[15] ﴿ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ النبوة لا تُنال بكسب العبد وصلاحه، إنما هي محض فضل من الله قال السفاريني: وَلَا تُنَالُ رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ ... بِالْكَسْبِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْفُتُوَّةِ لكِنَّهَا فَضْلٌ مِنَ الْمَوْلَى الْأَجَلِّ ... لمَنْ يَشَأ مِنْ خَلْقِهِ إِلَى الْأَجَلْ
وقفة
[15] ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾: ينزل الوحي؛ سماه روحًا لأنه تحيا القلوب به.
وقفة
[15] ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ كما أنَّ الجسد بدون الروح هو جسد ميت، كذلك القلب لا يحيا بدون روح.
عمل
[15] ﴿لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ لا تظن أن ظالمًا سيفلت بجريمته! قال ميمون بن مهران: «يلتقي فيه الظالم بالمظلوم».
وقفة
[15] ﴿يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ يعني: يوم القيامة؛ وسمي بذلك لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق, والأولون والآخرون بعضهم مع بعض وأعمالهم، وقيل: لأنه يلتقي فيه أهل السموات والأرض.

الإعراب :

  • ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجاتِ:
  • خبر ثان للمبتدإ «هو» في قوله هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ» في الآية الكريمة الثالثة عشرة. أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو رفيع الدرجات أي الله رفيع الدرجات. الدرجات: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ ذُو الْعَرْشِ:
  • خبر ثالث. أو تعرب اعراب رَفِيعُ الدَّرَجاتِ» وعلامة رفع «ذو» الواو لأنه من الاسماء الخمسة.
  • ﴿ يُلْقِي الرُّوحَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر رابع أو خبر مبتدأ محذوف تعرب اعراب رَفِيعُ الدَّرَجاتِ» على وجهي الاعراب. يلقي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الروح: مفعول به منصوب بالفتحة. أي الروح الذي هو سبب الحياة يريد به الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث عليه فاستعار له الروح.
  • ﴿ مِنْ أَمْرِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الروح» و «من» حرف جر بياني. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. أو يكون بتقدير: مبعوثا بأمره أو يكون متعلقا بيلقي بمعنى ينزل الوحي بأمره.
  • ﴿ عَلى مَنْ يَشاءُ:
  • حرف جر. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بيلقي. يشاء: تعرب اعراب «يلقي» وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: من يشاؤه
  • ﴿ مِنْ عِبادِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «من» والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لِيُنْذِرَ:
  • اللام لام التعليل حرف جر. ينذر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله سبحانه أو الملقى عليه وهو الرسول أو الروح.وجملة «ينذر» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيلقي
  • ﴿ يَوْمَ التَّلاقِ:
  • ظرف زمان-مفعول فيه-متعلق بينذر منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. التلاق: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا واختصارا واكتفاء بالكسرة الدالة عليها. بمعنى: يوم القيامة لأن الخلائق تلتقي فيه، وقيل يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض وقيل المعبود والعابد.'

المتشابهات :

النحل: 2﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِـ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا
غافر: 15﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللَّهُ مِن صِفاتِ كِبريائِه وإكرامِه كَوْنَه مُظهِرًا للآياتِ، مُنزِلًا للأرزاقِ؛ ذَكَرَ هنا ثَلاثةً أُخرى مِن صِفاتِ الجَلالِ والعَظَمةِ، قال تعالى:
﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

رفيع:
وقرئ:
بالنصب، على المدح.
لينذر:
1- مبنيا للفاعل، و «يوم» بالنصب، مفعولا على السعة، أو ظرفا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للفاعل، و «يوم» بالرفع، على الفاعلية مجازا، وهى قراءة أبى، وجماعة.
3- مبنيا للمفعول، وهى قراءة اليماني.
4- لتنذر، بالتاء، والفاعل ضمير الروح، لأنها تؤنث.
التلاق:
قرئ:
1- بياء، وبغير ياء.

مدارسة الآية : [16] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى ..

التفسير :

[16] يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم، لا يخفى على الله منهم ولا مِن أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء، يقول الله سبحانه:لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه:لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله، القهَّارِ الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.

{ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} أي:ظاهرون على الأرض، قد اجتمعوا في صعيد واحد لا عوج ولا أمت فيه، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر.

{ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} لا من ذواتهم ولا من أعمالهم، ولا من جزاء تلك الأعمال.

{ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أي:من هو المالك لذلك اليوم العظيم الجامع للأولين والآخرين، أهل السماوات وأهل الأرض، الذي انقطعت فيه الشركة في الملك، وتقطعت الأسباب، ولم يبق إلا الأعمال الصالحة أو السيئة؟ الملك{ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي:المنفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فلا شريك له في شيء منها بوجه من الوجوه.{ الْقَهَّارِ} لجميع المخلوقات، الذي دانت له المخلوقات وذلت وخضعت، خصوصًا في ذلك اليوم الذي عنت فيه الوجوه للحي القيوم، يومئذ لا تَكَلَّمُ نفس إلا بإذنه.

ثم صور- سبحانه- أحوال الناس في هذا اليوم العصيب، فقال: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ....

وهذه الجملة الكريمة بدل من قوله يَوْمَ التَّلاقِ، أى: يلقى- سبحانه- على من يشاء من عباده، لكي ينذر الناس من أهوال ذلك اليوم الذي تلتقي فيه الخلائق، والذي يظهرون فيه ظهورا تاما، دون أن يخفى منهم شيء على الله- تعالى-.

والله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من أمرهم لا في هذا اليوم ولا في غيره، ولكنه- سبحانه- ذكر بروزهم وعدم خفائهم عليه في هذا اليوم، لأنهم- لجهلهم- كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم يستطيعون التستر عنه، كما أشار- سبحانه- إلى ذلك في قوله- تعالى- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ، أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

ورحم الله صاحب الكشاف، فقد قال: قوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ أى: ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء، لأن الأرض بارزة قاع صفصف، ولا عليهم ثياب، إنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في الحديث: «يحشرون عراة حفاة غرلا» لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ أى: من أعمالهم وأحوالهم ...

فإن قلت: قوله: لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ بيان وتقرير لبروزهم، والله- تعالى- لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أم لم يبرزوا، فما معناه؟

قلت: معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب، أن الله لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه قال- تعالى-: وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ.. .

وقوله- تعالى-: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ السائل والمجيب هو الله- تعالى-.

أى: ينادى الله- تعالى- في المخلوقات في ذلك اليوم، لمن الملك في هذا اليوم الهائل الشديد؟ ثم يجيب- سبحانه- على هذا السؤال بقوله: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

قال القرطبي ما ملخصه: قال الحسن: هو السائل- تعالى- وهو المجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه سبحانه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

وعن ابن مسعود قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة، لم يعص الله- جل وعلا- عليها، فيأمر مناديا ينادى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم:

لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا.

ثم قال: والقول الأول ظاهر جدا، لأن المقصود إظهار انفراده- تعالى- بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين، وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكة .

وقوله : ( يوم هم بارزون ) أي : ظاهرون بادون كلهم ، لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم . ولهذا قال : ( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ) أي : الجميع في علمه على السواء .

وقوله : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) قد تقدم في حديث ابن عمر : أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ .

وفي حديث الصور : أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه ، فلم يبق سواه وحده لا شريك له ، حينئذ يقول : لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، ثم يجيب نفسه قائلا ( لله الواحد القهار ) أي : الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن غالب الدقاق ، حدثنا عبيد بن عبيدة ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، حدثنا أبو نضرة ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : ينادي مناد بين يدي الساعة : يا أيها الناس ، أتتكم الساعة . فيسمعها الأحياء والأموات ، قال : وينزل الله [ عز وجل ] إلى سماء الدنيا ويقول : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) .

وقوله: ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) يعني بقوله ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ) يعني المنذرين الذين أرسل الله إليهم رسله لينذروهم وهم ظاهرون يعني للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجر, ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر, ولكنهم بقاع صفصف لا أمت فيه ولا عوج . و " هم " من قوله: ( يَوْمَ هُمْ ) في موضع رفع بما بعده, كقول القائل: فعلت ذلك يوم الحجاج أمير.

واختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها لم تخفض هم بيوم وقد أضيف إليه؟ فقال بعض نحويي البصرة: أضاف يوم إلى هم في المعنى, فلذلك لا ينوّن اليوم, كما قال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ وقال: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ومعناه: هذا يوم فتنتهم, ولكن لما ابتدأ بالاسم, وبنى عليه لم يقدر على جرّه, وكانت الإضافة في المعنى إلى الفتنة, وهذا إنما يكون إذا كان اليوم في معنى إذ, وإلا فهو قبيح; ألا ترى أنك تقول: ليتك زمن زيد أمير: أي إذ زيد أمير, ولو قلت: ألقاك زمن زيدٌ أمير, لم يحسن. وقال غيره: معنى ذلك: أن الأوقات جعلت بمعنى إذ وإذا, فلذلك بقيت عل نصبها في الرفع والخفض والنصب, فقال: وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ فنصبوا, والموضع خفض, وذلك دليل على أنه جعل موضعَ الأداة, ويجوز أن يعرب بوجوه الإعراب, لأنه ظهر ظهور الأسماء; ألا ترى أنه لا يعود عليه العائد كما يعود على الأسماء, فإن عاد العائد نوّن وأعرب ولم يضف, فقيل: أعجبني يوم فيه تقول, لما أن خرج من معنى الأداة, وعاد عليه الذكر صار اسما صحيحا. وقال: وجائز فى إذ أن تقول: أتيتك إذ تقوم, كما تقول: أتيتك يوم يجلس القاضي, فيكون زمنا معلوما, فأما أتيتك يوم تقوم فلا مؤنة فيه وهو جائز عند جميعهم, وقال: وهذه التي تسمى إضافة غير محضة.

والصواب من القول عندي في ذلك, أن نصب يوم وسائر الأزمنة في مثل هذا الموضع نظير نصب الأدوات لوقوعها مواقعها, وإذا أعربت بوجوه الإعراب, فلأنها ظهرت ظهور الأسماء, فعوملت معاملتها.

وقوله: (لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ) أي ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا( شَيْءٌ ) .

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) ولكنهم برزوا له يوم القيامة, فلا يستترون بجبل ولا مدر.

وقوله: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) يعني بذلك: يقول الربّ: لمن الملك اليوم; وترك ذكر " يقول " استغناء بدلالة الكلام عليه. وقوله: ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) وقد ذكرنا الرواية الواردة بذلك فيما مضى قبل. ومعنى الكلام: يقول الربّ: لمن السلطان اليوم؟ وذلك يوم القيامة, فيحيب نفسه فيقول: ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ ) الذي لا مثل له ولا شبيه ( القَهَّارِ ) لكلّ شيء سواه بقدرته, الغالب بعزّته.

التدبر :

وقفة
[16] ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ قد تختبئ اليوم في غرفتك، أو خلف شاشتك، أو باسم مستعار على صفحتك، لكن غدًا لا مجال للاختباء، ولا فرصة للمكر والدهاء.
وقفة
[16] ﴿يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء﴾ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، اللَّهُمَّ استرنا ولا تفضحنا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّا.
وقفة
[16] ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ خضوع الجبابرة والظلمة من الملوك لله يوم القيامة.
وقفة
[16] ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ قال الحسن: «هو السائل تعالى، وهو المجيب؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه سبحانه فيقول: لله الواحد القهار».
وقفة
‏[16] ﴿لِمن الملكُ اليَوْمَ لله الوَاحِدِ الْقَهَّار﴾ ‏بدأ بالآخرة؛ لأن ملك الله في الآخرة يظهر أكثـر مما في الدنيا، فالدنيـا فيها ملـوك وفيها رؤسـاء، وفيها زعمـاء يرى العامة أن لهم تدبيرًا، ‏لكن الآخرة لا يوجد فيها هذا.

الإعراب :

  • ﴿ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ:
  • يوم: بدل من يَوْمَ التَّلاقِ» الواردة في الآية الكريمة السابقة. هم: ضمير بارز منفصل في محل رفع مبتدأ. بارزون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.والجملة الاسمية هُمْ بارِزُونَ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لا يَخْفى عَلَى اللهِ:
  • نافية لا عمل لها. يخفى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. على الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بلا يخفى. أي يوم يخرجون من أجداثهم لا يخفى عليه سبحانه.
  • ﴿ مِنْهُمْ شَيْءٌ:
  • من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بلا يخفى. شيء: فاعل مرفوع بالضمة. أي من أعمالهم وأحوالهم أو يكون الجار والمجرور «منهم» متعلقا بحال من «شيء».
  • ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب بفعل مضمر مفعول به التقدير: والمعنى: ينادي مناد فيقول لمن الملك اليوم؟ اللام حرف جر.من: اسم استفهام مبني على السكون الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. الملك: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. اليوم: ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ لِلّهِ الْااحِدِ الْقَهّارِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر لمبتدإ محذوف تقديره هو لله أو الملك لله الواحد القهار فحذف اختصارا لأن ما قبله يدل عليه. والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به-مقول القول-أي بفعل مضمر.بمعنى فيجيبه أهل المحشر قائلين أو وهم يقولون: هو لله الواحد القهار.الواحد القهار:صفتان-نعتان-للفظ‍ الجلالة مجروران. وعلامة جرهما الكسرة. أو يكون «الواحد» توكيدا للفظ‍ الجلالة و «القهار» صفة للواحد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولَمَّا وَصَفَ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ بأنه يَوْمَ التَّلاقِ، حيث يلتقي فيه الأولون والآخرون؛ صور هنا أحوالَ النَّاس في هذا اليوم العصيب، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف