41051525354555657585960

الإحصائيات

سورة الروم
ترتيب المصحف30ترتيب النزول84
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.50
عدد الآيات60عدد الأجزاء0.30
عدد الأحزاب0.57عدد الأرباع2.30
ترتيب الطول35تبدأ في الجزء21
تنتهي في الجزء21عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 16/29آلم: 4/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (51) الى الآية رقم (53) عدد الآيات (3)

= ثُمَّ شبَّهَ المشركينَ هنا بالموتى والصمّ والعُمي تسليةً له ﷺ لعدمِ انتفاعِهم بالقرآنِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (54) الى الآية رقم (57) عدد الآيات (4)

بعدَ بيانِ أدلَّةِ الآفاقِ (الرِّياحِ والمطرِ)، ذكرَ هنا دليلاً من الأنفسِ وهو خَلْقُ الآدميّ، ثُمَّ بيانُ ما يحدثُ يومَ القيامةِ من مناقشاتٍ بينَ المجرمينَ وبينَ أهلِ الإيمانِ حولَ البعثِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (58) الى الآية رقم (60) عدد الآيات (3)

ختامُ السورةِ بأن اللهَ قد أعذرَ إلى النَّاسِ بما بيَّنَه لهم في القرآنِ، وأمرَه ﷺ بالصَّبرِ على الأذى.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الروم

آيات الله واضحة بينة، فكيف لا تؤمنون؟! / بيد الله مقاليد الأمور، ووعده لا يُخْلف

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • آية تاريخية::   نزلت الآيات الأولى من السورة عندما قامت حرب بين الفرس والروم في عهد النبي ، فانتصر الفرس على الروم انتصارًا ساحقًا، وكان الروم نصارى بينما الفرس مجوس يعبدون النار، فاستبشر المشركون أنهم سينتصرون على المؤمنين كما انتصر الفرس على الروم وهم أهل كتاب.
  • • آية كونية::   يضاف للآية السابقة آية أخرى لم يفهمها الأوائل ولم ينتبهوا لها، تزيدنا إيمانًا بهذا الكتاب المبيّن وآياته المبهرة: فالسورة تقول عن هذه المعركة -التي دارت بين الفرس والروم- أنها حصلت في أدنى الأرض: ﴿غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِى أَدْنَى ٱلأَرْضِ ...﴾، وهذه الآية لا يستطيع أحد من عصرنا إنكارها، فقد دل العلم الحديث أن المكان الذي حدثت فيه المعركة، المعروف بحوض البحر الميت حاليًا، هو أدنى (أخفض) مكان على الكرة الأرضية، حيث تنخفض عن سطح البحر بعمق 395 مترًا، وقد أكدت ذلك صور وقياسات الأقمار الصناعية، فماذا يملك كل مكذّب قديمًا أو حديثًا بعد هذه الآيات؟!
  • • آية اقتصادية::   وتمضي السورة لتذكر لنا آية أخرى، آية مادية نراها في الدنيا، ليست آية علمية بل آية اقتصادية، اسمع قوله تعالى: ﴿وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن رِبًا لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱلله وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن زَكَوٰةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ﴾ (39)، والمعنى أن الربا لا يزيد المال بل ينقصه، ويأتي علم الاقتصاد الحديث فيثبت أن أفضل وسيلة تجعل الاقتصاد مستقرًا هي أن تكون نسبة الفائدة صفرًا بالمئة، أي بإلغاء الفوائد كليًا، ثم يثبت علم الاقتصاد أيضًا أن الزكاة هي من أفضل الأساليب التنموية. ولعل هذا هو سر مجيء آية الربا والزكاة ضمن آيات الكون المنظورة الدالة على الإيمان بالله. كأن السورة تقول للناس كلهم، في كل العصور: انظروا إلى آيات الله في كل المجالات: في التاريخ، والكون، والاقتصاد.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الروم».
  • • معنى الاسم ::   : الروم: اسم قوم، يقال أصلهم من روما، وكانت لهم مملكة تحتل قطعة من أوروبا وقطعة من آسيا، وعاصمتهم القسطنطينية، وقد امتد سلطانهم في بلاد كثيرة.
  • • سبب التسمية ::   لافتتاحها بذكر هزيمة الروم، ثم الإخبار بانتصارهم على الفرس في المستقبل، وهذه اللفظة لم ترد إلا مرة واحدة في القرآن الكريم.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن مقاليد الأمور بيد الله، ووعده لا يُخْلف.
  • • علمتني السورة ::   : اعمل لدنياك؛ ولكن لا تغفل عن الآخرة: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من مظاهر رحمة الله تعالى بين الزوجين: السكن، والمودة، والرحمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن اختلاف الألسن كاختلاف الألوان من آيات الله، والسخرية بالألسن واللغات واللهجات عصبية مقيتة كالسخرية بالألوان: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي رَوْحٍ الْكَلَاعِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الرُّومِ فَلَبَسَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا، قَالَ: «إِنَّمَا لَبَسَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَجْلِ أَقْوَامٍ يَأْتُونَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ؛ فَإِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الروم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أفاضت سورة الروم في ذكر الأدلة المتعددة التي تشهد بوحدانية الله تعالى وكمال قدرته.
    • هي أكثر سورة ذكر فيها قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ءايَـٰتِهِ﴾، تكرر فيها 7 مرات.
    • جرت عادة السور التي تبدأ بالحروف المقطعة (وهي: 29 سورة) أن يأتي الحديث عن القرآن الكريم بعد الأحرف المقطعة مباشرة؛ إلا أربع سور، وهي: مريم والعنكبوت والروم والقلم.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتأمل آيات الله ونؤمن بها، فهي ظاهرة وواضحة.
    • أن نربط ما نتعلمه من علوم دنيوية بعظمة الله وقدرته حتى تنتفع به: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (7).
    • أن نأخذ العبرة والعظة من الأمم السابقة: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ...﴾ (9).
    • أن نسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوفقنا لحسن اتباعه: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ (13).
    • أن نكثر من الحمد والتسبيح لله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ (17، 18).
    • أن نحذر من اتباع الهوى؛ فهذا هو الضلال: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ (29).
    • أن نخلص العبادة لله وحده في السراء والضراء: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ (33).
    • إذا أذاقنا الله رحمة فلنفرح فرح شكر؛ وليس فرح بطر وتكبر: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ (36).
    • أن نعلم أن الأرزاق بيد الله تعالى؛ ونرضى بما قسم الله لنا: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (37).
    • أن نشكر الله عند النعم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (46).
    • أن نسأل الله حسن الخاتمة: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ (54).
    • ألا نتنازل عن الحق من أجل غوغائية أهل الباطل: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ (60).

تمرين حفظ الصفحة : 410

410

مدارسة الآية : [51] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ..

التفسير :

[51] ولئن أرسلنا على زروعهم ونباتهم ريحاً مفسدة، فرأوا نباتهم قد فسد بتلك الريح، فصار من بعد خضرته مصفراً، لمكثوا من بعد رؤيتهم له يكفرون بالله ويجحدون نعمه.

يخبر تعالى عن حالة الخلق وأنهم مع هذه النعم عليهم بإحياء الأرض بعد موتها ونشر رحمة اللّه تعالى لو أرسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر وعلى زروعهم ريحا مضرة متلفة أو منقصة،{ فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} قد تداعى إلى التلف{ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} فينسون النعم الماضية ويبادرون إلى الكفر.

وبعد أن صور- سبحانه- أحوال الناس عند رؤيتهم للرياح التي تثير السحب المحملة بالأمطار، وأنهم عند رؤيتها يفرحون ويستبشرون. بعد أن صور ذلك بأسلوب بديع، أتبع ذلك بتصوير حالهم عند ما يرون ريحا تحمل لهم الرمال والأتربة، وتضر بمزروعاتهم فقال- تعالى- وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ.

والضمير في «رأوه» يعود إلى النبات المفهوم من السياق. أى: هذا حال الناس عند ما يرون الرياح التي تحمل لهم الأمطار، أما إذا أرسلنا عليهم ريحا معها الأتربة والرمال، فرأوا نباتهم وزروعهم قد اصفرت واضمحلت وأصابها ما يضرها أو يتلفها.. فإنهم يظلون من بعد إرسال تلك الريح عليهم، يكفرون بنعم الله، ويجحدون آلاءه السابقة، ويقابلون ما أرسلناه عليهم بالسخط والضيق، لا بالاستسلام لقضائنا، وملازمة طاعتنا.

قال الآلوسى ما ملخصه: واللام في قوله: وَلَئِنْ موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط، والفاء في «فرأوه» فصيحة، واللام في قوله «لظلوا» لام جواب القسم الساد مسد الجوابين، والماضي بمعنى المستقبل.. وفيما ذكر- سبحانه- من ذمهم على عدم تثبتهم ما لا يخفى، حيث كان من الواجب عليهم أن يتوكلوا على الله- تعالى- في كل حال، ويلجئوا إليه بالاستغفار، إذا احتبس منهم المطر، ولا ييأسوا من روح الله- تعالى-ويبادروا إلى الشكر بالطاعة، إذا أصابهم برحمته، وأن يصبروا على بلائه إذا اعترى زرعهم آفة، فعكسوا الأمر، وأبوا ما يجديهم، وأتوا بما يؤذيهم ... » .

ثم قال تعالى : ( ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ) ، يقول ( ولئن أرسلنا ريحا ) يابسة على الزرع الذي زرعوه ، ونبت وشب واستوى على سوقه ، فرأوه مصفرا ، أي : قد اصفر وشرع في الفساد ، لظلوا من بعده ، أي : بعد هذا الحال يكفرون ، أي : يجحدون ما تقدم [ إليهم ] من النعم ، كما قال : ( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) [ الواقعة : 63 - 67 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ، حدثنا هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، قال : الرياح ثمانية ، أربعة منها رحمة ، وأربعة عذاب ، فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات . وأما العذاب فالعقيم والصرصر ، وهما في البر ، والعاصف والقاصف ، وهما في البحر [ فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ، ولاقحا للسحاب تلقحه بحمله الماء ، كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل ، وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيما ، وأودعه عذابا أليما ، وجعله نقمة على من يشاء من عباده ، فيجعله صرصرا وعاتيا ومفسدا لما يمر عليه ، والرياح مختلفة في مهابها : صبا ودبور ، وجنوب ، وشمال ، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف ، فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان ، وأخرى تجففه ، وأخرى تهلكه وتعطبه ، وأخرى تسيره وتصلبه ، وأخرى توهنه وتضعفه ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عبد الله بن عياش ، حدثني عبد الله بن سليمان ، عن دراج ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الريح مسخرة من الثانية - يعني الأرض الثانية - فلما أراد الله أن يهلك عادا ، أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا ، فقال : يا رب ، أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور . قال له الجبار تبارك وتعالى : لا إذا تكفأ الأرض وما عليها ، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم " ، فهي التي قال الله في كتابه : ( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) [ الذرايات : 42 ] . هذا حديث غريب ، ورفعه منكر . والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)

يقول تعالى ذكره: ولئن أرسلنا ريحا مفسدة ما أنبته الغيث الذي أنـزلناه من السماء، فرأى هؤلاء الذين أصابهم الله بذلك الغيث الذي حييت به أرضوهم، وأعشبت ونبتت به زروعهم، ما أنبتته أرضوهم بذلك الغيث من الزرع مصفرّا، قد فسد بتلك الريح التي أرسلناها، فصار من بعد خضرته مصفرا، لظلوا من بعد استبشارهم، وفرحتهم به يكفرون بربهم.

التدبر :

وقفة
[51] ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ جاءت بـ (إن) التي تدل على القلة.
وقفة
[51] ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ جاءت بالماضي الذي يدل على الانتهاء، وفي الخير جاءت بالمضارع الذي يدل على التجدد والاستمرار، كما قال تعالى: ﴿اللَّـهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [48].
وقفة
[51] ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ جاءت مفردة (ريحًا) وهذا يدل على قلتها، وأن الأصل هو إرسال الريح بالخير.
وقفة
[51] ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ عميان البصيرة! تأتي الريح شديدة باردة فيصفر الزرع، ويذبل، فيكفرون تسخطًا على الأقدار، بدلًا من التضرع إلى القهار؛ ليرفع عنهم الأضرار.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنا:
  • الواو عاطفة. اللام: موطئة للقسم-اللام المؤذنة-إن:حرف شرط‍ جازم بمعنى ولو أرسلنا. ارسل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا فعل الشرط‍ في محل جزم بإن و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة «ان أرسلنا» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الفاء عاطفة. رأوه: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة وللتخلص من التقاء الساكنين. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. بمعنى فأبصروا أثر رحمة الله لأن رحمة الله هي الغيث وأثرها النبات ولأن معنى آثار الرحمة أي آثار رحمة الله: النبات واسم النبات يقع على القليل والكثير لأنه مصدر سمي به ما ينبت. مصفرا: حال من السحاب لأنه اذا كان كذلك لم يمطر أو من الزرع منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ:
  • الجملة جواب القسم لا محل لها من الاعراب وجواب الشرط‍ محذوف لأن جواب القسم دل عليه. أو انّ جواب القسم سدّ مسدّ الجوابين. أي جواب القسم وجواب الشرط‍.اللام واقعة في جواب القسم المقدر. ظلوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «ظل» والألف فارقة. بمعنى:ليظلن. من بعده: جار ومجرور متعلق بظلوا أو بخبره والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يَكْفُرُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب خبر «ظل» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وحذفت صلتها اختصارا لأنها معلومة بمعنى يكفرون برحمة الله.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [51] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ حالَ الناس عند رؤيتهم للرياح التي تثير السحب المحملة بالأمطار، وأنهم عند رؤيتها يفرحون ويستبشرون؛ بَيَّنَ هنا حالهم عندما يرون ريحًا تحمل لهم الرمال والأتربة، وتضر بمزروعاتهم، قال تعالى:
﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مصفرا:
وقرئ:
مصفارا، بألف بعد الفاء، وهى قراءة جناح بن حبيش.

مدارسة الآية : [52] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا ..

التفسير :

[52] فإنك -أيها الرسول- لا تُسْمع مَن مات قلبه، أو سدَّ أذنه عن سماع الحق، فلا تجزع ولا تحزن على عدم إيمان هؤلاء المشركين بك، فإنهم كالصم والموتى لا يسمعون، ولا يشعرون ولو كانوا حاضرين، فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟

وهؤلاء لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر{ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} وبالأولى{ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} فإن الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد والسماع النافع كتوفر هذه الموانع المذكورة عن سماع الصوت الحسي.

ثم سلى- سبحانه- نبيه عما لحقه منهم من أذى، بعد أن ذكر له جانبا من تقلب أحوالهم، فقال- تعالى-: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى، وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. أى: فاصبر- أيها الرسول- لحكم ربك، واثبت على ما أنت عليه من حق فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى إذا ناديتهم وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا ما دعوتهم أو وعظتهم.

وقوله إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ بيان لإعراضهم عن الحق، بعد بيان كونهم كالأموات وكالصم.

قول تعالى : كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها ، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون ، وهم مع ذلك مدبرون عنك ، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق ، وردهم عن ضلالتهم ، بل ذلك إلى الله تعالى ، فإنه بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء ، ويهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وليس ذلك لأحد سواه; ولهذا قال :

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)

يقول تعالى ذكره: (فَإنَّكَ) يا محمد، (لا تُسْمِعُ المَوتَى) يقول: لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم، وإنما هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين، الذين قد ختم الله على أسماعهم، فسلبهم فهم ما يُتلى عليهم من مواعظ تنـزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم، بأن تجعل لهم أسماعا.

وقوله: (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) يقول: وكما لا تقدر أن تُسمع الصمّ الذين قد سلبوا السمع -الدعاء، إذا هم ولوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه، لسماع ذلك وفهمه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى) : هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر، (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) يقول: لو أن أصمَّ ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[52] ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ الموتى يسمعون! يسمعون قرع نعالنا ونحن ننصرف عنهم بعد دفنهم، لكن السماع المنفي هنا هو سماع الانتفاع.
وقفة
[52] ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ الحي الذي لا ينتفع بسماع الموعظة حاله أسوأ من الميت.
وقفة
[52] ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ هذه أشد حالات الإعراض فجاجة، فالله نفى السمع عن الأصم، فهو لا يسمعك ولو كان مقابلًا لك، فكيف إذا أدبر؟! وقيد الله الصمم بهذه الحالة؛ لأن الأصم قد يستدل على كلامك من إشاراتك أو حركة شفتيك إذا كنت أمامه، لكن لو كنت مدبرًا فلن يراك، وبالتالي لن يفهمك.
وقفة
[52] يمتنع الانتفاع بالمواعظ حين تتوفر الموانع: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.
وقفة
[52] ﴿فَإِنَّكَ لا تُسمِعُ المَوتى وَلا تُسمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ﴾ الموتى كالصُّم سواء بسواء لا يستمعون للنصح والإرشاد، فاللهم لا تجعلنا منهم.

الإعراب :

  • ﴿ فَإِنَّكَ:
  • الفاء حرف دال على تعليل على محذوف تابع للآية السابقة بمعنى وبدل أن يكفروا برحمة الله كان يجدر بهم أن يشكروه سبحانه ويصبروا على ما أصابهم لأن لله في ذلك حكمة ولكن أنى لهم أن يعوا هذه المواعظ‍ فانك لا تسمع الموتى لأنهم لا ينتفعون بما يسمعون. انك: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل في محل نصب اسمها.
  • ﴿ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «ان» لا: نافية لا عمل لها. تسمع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الموتى: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر وقد شبهوا بالموتى وهم أحياء.
  • ﴿ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ:
  • معطوفة بالواو على لا تُسْمِعُ الْمَوْتى» وتعرب اعرابها. وعلامة نصب «الصم» الفتحة الظاهرة على آخره: الدعاء أي النداء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِذا وَلَّوْا:
  • إذا: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب وهي هنا لحكاية الحال فلا يراد بها المستقبل. ولوا: فعل ماض مبني على الفتح او الضم المقدر للتعذر على الالف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «ولوا» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مُدْبِرِينَ:
  • حال من ضمير «ولوا» أو توكيد من معناه منصوب على الحالية بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى أعرضوا هاربين وهو توكيد لحال الأصم.'

المتشابهات :

الأنبياء: 45﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ
النمل: 80﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ
الروم: 52﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [52] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ أنواعَ الأدِلَّةِ وأصنافَ الأمثلةِ، ووعَدَ وأوعَدَ، ولم يَزِدْ المشركينَ كلُّ هذا إلَّا كُفرًا وإصرارًا؛ شبَّهَهم هنا بالموتى والصُّمِّ تسليةً له صلى الله عليه وسلم لعدمِ انتفاعِهم بالقرآنِ، قال تعالى:
﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [53] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ..

التفسير :

[53] وما أنت -أيها الرسول- بمرشد مَن أعماه الله عن طريق الهدى، ما تُسمع سماع انتفاع إلا مَن يؤمن بآياتنا، فهم خاضعون ممتثلون لأمر الله.

{ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} لأنهم لا يقبلون الإبصار بسبب عماهم فليس منهمقابلية له.

{ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} فهؤلاء الذين ينفع فيهم إسماع الهدى المؤمنون بآياتنا بقلوبهم المنقادون لأوامرنا المسلمون لنا، لأن معهم الداعي القوي لقبول النصائح والمواعظ وهو استعدادهم للإيمان بكل آية من آيات اللّه واستعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من أوامر اللّه ونواهيه.

ثم وصفهم بالعمى فقال: وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ بسبب فقدهم الانتفاع بأبصارهم، كما فقدوا الانتفاع ببصائرهم.

إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا أى: ما تستطيع أن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ أى: منقادون للحق ومتبعون له.

فالآيتان الكريمتان تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من هؤلاء المشركين، وعن إخفاق جهوده مع كثير منهم، لانطماس بصائرهم، حيث شبههم- سبحانه- بالموتى وبالصم وبالعمى، في عدم انتفاعهم بالوعظ والإرشاد..

وبعد هذا التطواف في أعماق الأنفس والآفاق. أخذت السورة الكريمة في أواخرها، تذكر الناس بمراحل حياتهم، وبأحوالهم يوم القيامة، وبفضائل القرآن الكريم، وبأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بالصبر والثبات.. قال- تعالى-:

( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) أي : خاضعون مستجيبون مطيعون ، فأولئك هم الذين يستمعون الحق ويتبعونه ، وهذا حال المؤمنين ، والأول مثل الكافرين ، كما قال تعالى : ( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ) [ الأنعام : 36 ] .

وقد استدلت أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، بهذه الآية : ( إنك لا تسمع الموتى ) ، على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر ، بعد ثلاثة أيام ، ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم ، حتى قال له عمر : يا رسول الله ، ما تخاطب من قوم قد جيفوا ؟ فقال : " والذي نفسي بيده ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يجيبون " . وتأولته عائشة على أنه قال : " إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " .

وقال قتادة : أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعا وتوبيخا ونقمة .

والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر ، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة ، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححا [ له ] ، عن ابن عباس مرفوعا : " ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم ، كان يعرفه في الدنيا ، فيسلم عليه ، إلا رد الله عليه روحه ، حتى يرد عليه السلام " .

[ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له ، إذا انصرفوا عنه ، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلم : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد ، والسلف مجمعون على هذا ، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر ، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده ، إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم " .

وروي عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : إذا مر رجل بقبر يعرفه فسلم عليه ، رد عليه السلام .

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن رجل من آل عاصم الجحدري قال : رأيت عاصما الجحدري في منامي بعد موته بسنتين ، فقلت : أليس قد مت ؟ قال : بلى ، قلت : فأين أنت ؟ قال : أنا - والله - في روضة من رياض الجنة ، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني ، فنتلقى أخباركم . قال : قلت : أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال : هيهات! قد بليت الأجسام ، وإنما تتلاقى الأرواح ، قال : قلت : فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال : نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس ، قال : قلت : فكيف ذلك دون الأيام كلها ؟ قال : لفضل يوم الجمعة وعظمته .

قال : وحدثنا محمد بن الحسين ، ثنا بكر بن محمد ، ثنا حسن القصاب قال : كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتي أهل الجبان ، فنقف على القبور فنسلم عليهم ، وندعو لهم ثم ننصرف ، فقلت ذات يوم : لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين ؟ قال : بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها . قال : ثنا محمد ، ثنا عبد العزيز بن أبان قال : ثنا سفيان الثوري قال : بلغني عن الضحاك أنه قال : من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته ، فقيل له : وكيف ذلك ؟ قال : لمكان يوم الجمعة .

حدثنا خالد بن خداش ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي التياح يقول : كان مطرف يغدو ، فإذا كان يوم الجمعة أدلج . قال : وسمعت أبا التياح يقول : بلغنا أنه كان ينزل بغوطة ، فأقبل ليلة حتى إذا كان عند المقابر يقوم وهو على فرسه ، فرأى أهل القبور كل صاحب قبر جالسا على قبره ، فقالوا : هذا مطرف يأتي الجمعة ويصلون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا : نعم ، ونعلم ما يقول فيه الطير . قلت : وما يقولون ؟ قال : يقولون سلام عليكم; حدثني محمد بن الحسن ، ثنا يحيى بن أبي بكر ، ثنا الفضل بن الموفق ابن خال سفيان بن عيينة قال : لما مات أبي جزعت عليه جزعا شديدا ، فكنت آتي قبره في كل يوم ، ثم قصرت عن ذلك ما شاء الله ، ثم إني أتيته يوما ، فبينا أنا جالس عند القبر غلبتني عيناي فنمت ، فرأيت كأن قبر أبي قد انفرج ، وكأنه قاعد في قبره متوشح أكفانه ، عليه سحنة الموتى ، قال : فكأني بكيت لما رأيته . قال : يا بني ، ما أبطأ بك عني ؟ قلت : وإنك لتعلم بمجيئي ؟ قال : ما جئت مرة إلا علمتها ، وقد كنت تأتيني فأسر بك ويسر من حولي بدعائك ، قال : فكنت آتيه بعد ذلك كثيرا .

حدثني محمد ، حدثنا يحيى بن بسطام ، ثنا عثمان بن سويد الطفاوي قال : وكانت أمه من العابدات ، وكان يقال لها : راهبة ، قال : لما احتضرت رفعت رأسها إلى السماء فقالت : يا ذخري وذخيرتي من عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي ، لا تخذلني عند الموت ولا توحشني . قال : فماتت . فكنت آتيها في كل جمعة فأدعو لها وأستغفر لها ولأهل القبور ، فرأيتها ذات يوم في منامي ، فقلت لها : يا أمي ، كيف أنت ؟ قالت : أي بني ، إن للموت لكربة شديدة ، وإني بحمد الله لفي برزخ محمود يفرش فيه الريحان ، ونتوسد السندس والإستبرق إلى يوم النشور ، فقلت لها : ألك حاجة ؟ قالت : نعم ، قلت : وما هي ؟ قالت : لا تدع ما كنت تصنع من زياراتنا والدعاء لنا ، فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من أهلك ، يقال لي : يا راهبة ، هذا ابنك ، قد أقبل ، فأسر ويسر بذلك من حولي من الأموات .

حدثني محمد ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن سليمان ، حدثنا بشر بن منصور قال : لما كان زمن الطاعون كان رجل يختلف إلى الجبان ، فيشهد الصلاة على الجنائز ، فإذا أمسى وقف على المقابر فقال : آنس الله وحشتكم ، ورحم غربتكم ، وتجاوز عن مسيئكم ، وقبل حسناتكم ، لا يزيد على هؤلاء الكلمات ، قال : فأمسيت ذات ليلة وانصرفت إلى أهلي ولم آت المقابر فأدعو كما كنت أدعو ، قال : فبينا أنا نائم إذا بخلق قد جاءوني ، فقلت : ما أنتم وما حاجتكم ؟ قالوا : نحن أهل المقابر ، قلت : ما حاجتكم ؟ قالوا : إنك عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك ، قلت : وما هي ؟ قالوا : الدعوات التي كنت تدعو بها ، قال : قلت فإني أعود لذلك ، قال : فما تركتها بعد .

وأبلغ من ذلك أن الميت يعلم بعمل الحي من أقاربه وإخوانه . قال عبد الله بن المبارك : حدثني ثور بن يزيد ، عن إبراهيم ، عن أيوب قال : تعرض أعمال الأحياء على الموتى ، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وإن رأوا سوءا قالوا : اللهم راجع به .

وذكر ابن أبي الدنيا عن أحمد بن أبي الحوارى قال : ثنا محمد أخي قال : دخل عباد بن عباد على إبراهيم بن صالح وهو على فلسطين فقال : عظني ، قال : بم أعظك ، أصلحك الله ؟ بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى ، فانظر ما يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك ، فبكى إبراهيم حتى أخضل لحيته . قال ابن أبي الدنيا : وحدثني محمد بن الحسين ، ثنا خالد بن عمرو الأموي ، ثنا صدقة بن سليمان الجعفري قال : كانت لي شرة سمجة ، فمات أبي فتبت وندمت على ما فرطت ، ثم زللت أيما زلة ، فرأيت أبي في المنام ، فقال : أي بني ، ما كان أشد فرحي بك وأعمالك تعرض علينا ، فنشبهها بأعمال الصالحين ، فلما كانت هذه المرة استحييت لذلك حياء شديدا ، فلا تخزني فيمن حولي من الأموات ، قال : فكنت أسمعه بعد ذلك يقول في دعائه في السحر ، وكان جارا لي بالكوفة : أسألك إيابة لا رجعة فيها ولا حور ، يا مصلح الصالحين ، ويا هادي المضلين ، ويا أرحم الراحمين .

وهذا باب فيه آثار كثيرة عن الصحابة . وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن رواحة يقول : اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة ، كان يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله .

وقد شرع السلام على الموتى ، والسلام على من لم يشعر ولا يعلم بالمسلم محال ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا : " سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية " ، فهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد ، وإن لم يسمع المسلم الرد ، والله أعلم ] .

وقوله: ( وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد بمسدّد من أعماه الله عن الاستقامة، ومحجة الحقّ، فلم يوفقه لإصابة الرشد، فصارفه عن ضلالته التي هو عليها، وركوبه الجائر من الطرق إلى سبيل الرشاد، يقول: ليس ذلك بيدك ولا إليك، ولا يقدر على ذلك أحد غيري؛ لأني القادر على كل شيء. وقيل: (بهاد العمي عن ضلالتهم) ولم يقل: من ضلالتهم، لأن معنى الكلام ما وصفت، من أنه: وما أنت بصارفهم عنه، فحمل على المعنى. ولو قيل: من ضلالتهم، كان صوابا. وكان معناه: ما أنت بمانعهم من ضلالتهم.

وقوله: (إنْ تُسْمعُ إلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) يقول تعالى ذكره لنبيه: ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلا من يؤمن بآياتنا، لأن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبَّره وفهمه وعقله، وعمل بما فيه، وانتهى إلى حدود الله الذي حدّ فيه، فهو الذي يسمع السماع النافع.

وقوله: (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) يقول: فهم خاضعون لله بطاعته، متذللون لمواعظ كتابه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[53] ﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ﴾ هدايةُ التَّوفيقِ بيدِ اللهِ، وليست بيدِ الدُّعاةِ.
وقفة
[53] ﴿وَما أَنتَ بِهادِ العُميِ عَن ضَلالَتِهِم﴾ نعم، ما على الرسول إلا البلاغ.
وقفة
[53] ﴿إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ کلما كنت أكثر إيمانًا كنت أكثر سماعًا وانتفاعًا، والسماع هنا سماع فهم وانقياد، لا سماع أذن مع إعراض.
تفاعل
[53] ﴿إِن تُسمِعُ إِلّا مَن يُؤمِنُ بِآياتِنا فَهُم مُسلِمونَ﴾ قل: «اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه».

الإعراب :

  • ﴿ وَما أَنْتَ:
  • الواو عاطفة. ما: نافية تعمل في لغة أهل الحجاز تشبيها بليس وهو قول البصريين أيضا ونافية لا تعمل في لغة أهل نجد وهو قول الكوفيين أيضا. أنت: ضمير منفصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل رفع اسم «ما» على اللغة الأولى أو مبتدأ على اللغة الثانية.
  • ﴿ بِهادِ الْعُمْيِ:
  • الباء حرف جر زائد للتأكيد. هادي: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على اللغة الأولى أو مرفوع محلا على اللغة الثانية لأنه خبر «ما» أو خبر المبتدأ وعلامة نصبه أو رفعه فتحة أو ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. وحذف ياء الكلمة اختصارا واكتفاء بالكسرة الدالة عليه. وقيل حذفت لأنها تحذف في النكرة أو حذفت للوصل أي تكتب ولا تلفظ‍ مثل: أولي. العمي: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ عَنْ ضَلالَتِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بهادي. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنْ تُسْمِعُ:
  • ان: نافية لأنها مخففة مهملة بمعنى «ما».تسمع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أي لا يجدي اسماعك الا على الذين علم الله ايمانهم.
  • ﴿ إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ:
  • الا: أداة حصر لا عمل لها. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يؤمن: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ بِآياتِنا:
  • جار ومجرور متعلق بيؤمن. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وجملة يُؤْمِنُ بِآياتِنا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فَهُمْ مُسْلِمُونَ:
  • الفاء حرف دال على التعليل والجملة الاسمية بعده:تعليلية لا محل لها من الاعراب. هم: ضمير منفصل-ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. مسلمون: خبر «هم» مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. بمعنى منقادون الى الله.'

المتشابهات :

النمل: 81﴿ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ
الروم: 53﴿ وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [53] لما قبلها :     وبعد أن شبَّهَ اللهُ المشركينَ بالموتى والصُّمِّ؛ شبَّهَهم هنا بالعُمي، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [54] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ..

التفسير :

[54] الله تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين، وهو النطفة، ثم جعل من بعد ضعف الطفولة قوة الشَّباب واكتماله، ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم، يخلق الله ما يشاء من الضعف والقوة، وهو العليم بخلقه، القادر على كل شيء.

يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام إلى أن ولد، وهو في سن الطفولية وهو إذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال اللّه يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم.

{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} بحسب حكمته. ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.

وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.

قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ..

استدلال آخر على قدرته- تعالى- ومعنى مِنْ ضَعْفٍ من نطفة ضعيفة، أو في حال ضعف، وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر.. وقرأ الجمهور بضم الضاد، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها، والضعف- بالضم والفتح- خلاف القوة، وقيل بالفتح في الرأى، وبالضم في الجسد ... » .

وقال- سبحانه-: خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ولم يقل خلقكم ضعافا.. للإشعار بأن الضعف هو مادتهم الأولى التي تركب منها كيانهم، فهو شامل لتكوينهم الجسدى، والعقلي، والعاطفى، والنفسي ... إلخ. أى: الله- تعالى- بقدرته، هو الذي خلقكم من ضعف ترون جانبا من مظاهره في حالة طفولتكم وحداثة سنكم ...

ثُمَّ جَعَلَ- سبحانه- مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً أى: ثم جعل لكم من بعد مرحلة الضعف مرحلة أخرى تتمثل فيها القوة بكل صورها الجسدية والعقلية والنفسية..

ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً أى: ثم جعل من بعد مرحلة القوة، مرحلة ضعف آخر، تعقبه مرحلة أخرى أشد منه في الضعف، وهي مرحلة الشيب والهرم والشيخوخة التي هي أرذل العمر، وفيها يصير الإنسان أشبه ما يكون بالطفل الصغير في كثير من أحواله..

يَخْلُقُ- سبحانه- ما يَشاءُ خلقه وَهُوَ الْعَلِيمُ بكل شيء الْقَدِيرُ على كل شيء.

فأنت ترى أن هذه الآية قد جمعت مراحل حياة الإنسان بصورها المختلفة.

ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالا بعد حال ، فأصله من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم يصير عظاما ثم يكسى لحما ، وينفخ فيه الروح ، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفا واهن القوى . ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرا ، ثم حدثا ، ثم مراهقا ، ثم شابا . وهو القوة بعد الضعف ، ثم يشرع في النقص فيكتهل ، ثم يشيخ ثم يهرم ، وهو الضعف بعد القوة . فتضعف الهمة والحركة والبطش ، وتشيب اللمة ، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة; ولهذا قال : ( ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء ) أي : يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد ، ( وهو العليم القدير ) .

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن فضيل ويزيد ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، قال : قرأت على ابن عمر : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا ) ، فقال : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا ) ، ثم قال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي ، فأخذ علي كما أخذت عليك .

ورواه أبو داود والترمذي - وحسنه - من حديث فضيل ، به . ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، بنحوه .

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث من مشركي قريش، محتجا عليهم بأنه القادر على ذلك، وعلى ما يشاء: (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أيها الناس (مِنْ ضَعْفٍ) يقول: من نطفة وماء مهين، فأنشأكم بشرا سويا، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) يقول: ثم جعل لكم قوّة على التصرّف، من بعد خلقه إياكم من ضعف، ومن بعد ضعفكم بالصغر والطفولة، (ثُم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) يقول: ثم أحدث لكم الضعف، بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم، وشيبة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي من نطفة ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا ) الهرم (وَشَيْبَةً) الشمط.

وقوله: (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يقول تعالى ذكر: يخلق ما يشاء من ضعف وقوّة وشباب وشيب (وَهُوَ العَلِيمُ) بتدبير خلقه (القَدِيرُ) على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول: واعلموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء.

التدبر :

لمسة
[54] ﴿الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الضَّعْفَ صفةٌ، والمخاطبون لم يخلقوا من صفةٍ بل من عينٍ، وهي الماءُ أو الترابُ؟ قلتُ: المرادُ بالضعفِ (الضعيفُ)، من إطلاقِ المصدر على اسم الفاعل، كقولهم: رجلٌ عدْلٌ، أي: عادل، فمعناه من ضعيف وهو النطفة.
وقفة
[54] لماذا التكبر؟! يقول سبحانه: ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ﴾ بلغ من ضعف الإنسان أن كلمة تُفرحه وأخرى تُحزنه، وشوكة تُدميه وهدية تُرضيه!
وقفة
[54] ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ الضعف الأول: كون الإنسان من ماء مهين، وكونه ضعيفًا في حال الطفولية، والضعف الثاني الأخير الهرم.
وقفة
[54] ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ الطفل = ضعف، والوالدان عند الكبر = ضعف + شيبة.
وقفة
[54] ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ راع أبويك عند الكبر! لاحظ أنه وصف الطفولة بالضعف، ثم وصف الشيخوخة بالضعف مع الشيبة، فوالداك عند الكبر أضعف من أطفالك، وأولى بالرعاية.
وقفة
[54] مراحل العمر عبرة لمن يعتبر ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾.
عمل
[54] احذر أن تضيع قوة شبابك وصحتك في غفلة ولهو ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾.
وقفة
[54] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ بعد أن تكلم عن الآيات الكونية، شرع يتكلم عن الآيات التي في نفوس الناس.
وقفة
[54] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ يكفينا عجزًا أننا نتقلب بغير إرادتنا.
عمل
[54] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ الضعف يحيط بك أيها الإنسان؛ فلا تتكبر.
وقفة
[54] ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ فهل يصعُبُ عليهِ أن يَجعلَ من بعد حُزنِكَ فرَحًا، ويأسِك أمَلًا، وضيقتِك انفراجًا؟!
وقفة
[54] ﴿ثُمَّ جعل مِن بعد ضَعْفٍ قوَّةً﴾ فمن كان في فترة قوته (الشباب) ضعيفًا في علاقته بربه، فيا ليت شعري متى يقوى؟!
تفاعل
[54] سل الله تعالى حسن الخاتمة ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾.
وقفة
[54] ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ إذا أردت أن تعرف حقيقة الدنيا؛ فانظر إلى رجل كبير قد احدودب ظهره وابيض شعره متكئٌ على عصاه، وتصور نفسك مكانه.
وقفة
[54] ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ لكل مغتر بالدنيا: شاهد أقوى الأقوياء، وتابع أجمل الجميلات، ثم تأمل حالهم بعد عشرات السنوات، وقد حلت النظارة مكان النضارة، وأنهكتهم الأمراض والآفات بعد التمتع بالحدائق والجنات.

الإعراب :

  • ﴿ اللهُ الَّذِي:
  • لفظ‍ الجلالة مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ. بمعنى الله هو الذي والجملة الفعلية يَخْلُقُ ما يَشاءُ» في محل نصب حال. أو يكون الاسم الموصول «الذي» صفة-نعتا-للفظ‍ الجلالة والجملة الفعلية يَخْلُقُ ما يَشاءُ» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ خَلَقَكُمْ:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ مِنْ ضَعْفٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من ضمير المخاطبين في «خلقكم» بمعنى خلقكم ضعفاء أو بمعنى ابتدأكم في أول الأمر ضعافا وذلك حال الطفولة.
  • ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً:
  • ثم: عاطفة: للترتيب والتراخي.جعل: تعرب اعراب «خلق» من بعد: جار ومجرور متعلق بمفعول «جعل» ضعف: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. قوة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. بمعنى: خلقكم ضعافا ثم أمدكم بقوة أي قواكم.
  • ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً:
  • معطوفة بثم على ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ وَشَيْبَةً:
  • معطوفة بالواو على «ضعفا» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة بمعنى ثم أضعفكم بالهرم والشيخوخة.
  • ﴿ يَخْلُقُ ما يَشاءُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء: تعرب اعراب «يخلق» وجملة «يشاء» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: ما يشاؤه. أو ما يشاء خلقه.وفي هذا التقدير يكون مفعول «يشاء» محذوفا اختصارا لأن ما قبله يدل عليه.
  • ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ:
  • الواو عاطفة. هو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.العليم القدير: خبران متتابعان للمبتدإ مرفوعان بالضمة. ويجوز أن يكون «القدير» صفة-نعتا-للعليم.'

المتشابهات :

الروم: 40﴿ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
الروم: 54﴿ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [54] لما قبلها :     وبعد بيانِ أدلَّةِ الآفاقِ (الرِّياحِ والمطرِ) على وحدانية الله وقدرتِه؛ ذكرَ اللهُ هنا دليلًا من الأنفسِ وهو خَلْقُ الإنسان، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ضعف ... ضعف:
1- بفتح الضاد، فيهما، وهى قراءة عاصم، وحمزة، وعبد الله، وأبى رجاء.
وقرئ:
2- بضمها، فيهما، وهى قراءة الجمهور.
3- بضم الأول وفتح الثاني، ورويت عن أبى عبد الرحمن، والجحدري، والضحاك.
4- بضمتين، فيهما، وهى قراءة عيسى.

مدارسة الآية : [55] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ..

التفسير :

[55] ويوم تجيء القيامة ويبعث الله الخلق من قبورهم يقسم المشركون ما مكثوا في الدنيا غير فترة قصيرة من الزمن، كذبوا في قسمهم كما كانوا يكذبون في الدنيا، ويُصْرفون عن الحقِّ الذي جاءت به الرسل.

يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه وأنه إذا قامت الساعة{ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} باللّه أنهم{ مَا لَبِثُوا} في الدنيا إلَا{ سَاعَة} وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر واستقصار لمدة الدنيا.

ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له قال تعالى:{ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} أي:ما زالوا -وهم في الدنيا- يؤفكون عن الحقائق ويأتفكون الكذب، ففي الدنيا كذَّبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون، وفي الآخرة أنكروا الأمر المحسوس وهو اللبث الطويل في الدنيا، فهذا خلقهم القبيح والعبد يبعث على ما مات عليه.

ثم بين- سبحانه- ما يقوله المجرمون عند ما يبعثون من قبورهم للحساب فقال:

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ.

والمراد بالساعة: يوم القيامة، وسميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من عمر الدنيا، أو لأنها تقع بغتة، والمراد بقيامها: حصولها ووجودها، وقيام الخلائق في ذلك الوقت للحساب أى: وحين تقوم الساعة ويرى المجرمون أنفسهم وقد خرجوا من قبورهم للحساب بسرعة ودهشة، يقسمون بأنهم ما لبثوا في قبورهم أو في دنياهم، غير وقت قليل من الزمان.

قال ابن كثير: يخبر الله- تعالى- عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأصنام، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم- أيضا- فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة. ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم .

وقوله: كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ تذييل قصد به بيان ما جبلوا عليه من كذب.

ويؤفكون من الإفك بمعنى الكذب. يقال: أفك الرجل، إذا صرف عن الخير والصدق أى: مثل هذا الكذب الذي تفوهوا به في الآخرة كانوا يفعلون في الدنيا، فهم في الدارين لا ينفكون عن الكذب وعن اختلاق الباطل.

يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان ، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا ، فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة ، ومقصودهم هم بذلك عدم قيام الحجة عليهم ، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم . قال الله تعالى : ( كذلك كانوا يؤفكون)

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)

يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء ساعة البعث، فيبعث الخلق من قبورهم، يقسم المجرمون، وهم الذين كانوا يكفرون بالله في الدنيا، ويكتسبون فيها الآثام، وإقسامهم: حلفهم بالله (ما لَبِثُوا غيرَ ساعَةٍ) : يقول: يقسمون بأنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة واحدة، يقول الله جلّ ثناؤه: كذلك في الدنيا كانوا يؤفكون: يقول: كذبوا في قيلهم وقَسَمِهِم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا في الدنيا يكذبون ويحلفون على الكذب وهم يعلمون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ) أي: يكذبون في الدنيا، وإنما يعني بقوله: (يُؤفَكُونَ) عن الصدق، ويَصُدُّون عنه إلى الكذب.

التدبر :

وقفة
[55] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ حتى بعد قيام الساعة يوجد غافلون، ليس لجهل الإنسان حدود.
وقفة
[55] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ الدنيا كلها في جوار الآخرة ساعة، فكيف بعتم خلود الآخرة بنعیم ساعة، وليته كان نعيمًا خالصًا، بل معه تنغيص وهموم وأحزان وغموم!
وقفة
[55] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضًا، فمنه: إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا، ومقصودهم بذلك: عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم.
وقفة
[55] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ لا تستلذ بالحياه كثيرًا، وتنسى سبب وجودك فيها.
وقفة
[55] لن يبقى من ساعات اللهو والعبث والمتعة المحرمة إلا ذكرى ساعة واحدة تُذكِر بالمعصية وتزيد في الحسرة: ﴿وَيَومَ تَقومُ السّاعَةُ يُقسِمُ المُجرِمونَ ما لَبِثوا غَيرَ ساعَةٍ﴾.
وقفة
[55] ومن شواهد قصر الدنيا قوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾؛ رُب ساعة شهوة أورثت ندمًا طويلًا.
عمل
[55] ﴿لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً﴾ [الأحقاف: 35]، ﴿مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ دُنيا وصفها الله كأنَّها (ساعة)؛ لا تعملْ لأجلِها فقط وتنسَ الآخرة.
وقفة
[55، 56] لو لم يكن للعلم وأهله العاملين به من شرف إلا أن بركة علمهم تبقى، ويمتد أثرها حتى في عرصات القيامة، فهم شهود الله على بطلان عبادة المشركين كما في قوله تعالى: ﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ﴾ [النحل: 27]، وشهود على منكري البعث كما في سورة الروم: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ... وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ:
  • الواو استئنافية. يوم: مفعول فيه-ظرف زمان- بمعنى «حين» أو وقت منصوب على الظرفية الزمانية وعلامة نصبه الفتحة.تقوم: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الساعة: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة تَقُومُ السّاعَةُ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ:
  • يقسم: فعل مضارع مرفوع بالضمة. المجرمون:فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. بمعنى ويوم تقوم القيامة يحلف المجرمون.
  • ﴿ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ:
  • ما: نافية لا عمل لها. لبثوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. غير: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.ساعة: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى: ما مكثوا في الدنيا أو في القبور أو بين فناء الدنيا الى البعث غير ساعة. والأصح أن تكون «غير» في محل نصب على الاستثناء بمعنى: سوى ساعة أو الا ساعة.
  • ﴿ كَذلِكَ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والجملة الفعلية بعده في محل رفع خبره. أو في محل نصب نائب عن المصدر-المفعول المطلق-أو صفة للمصدر المحذوف بتقدير: مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون. بمعنى قبل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن وجه الحقيقة. ذا:اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة واللام للبعد والكاف حرف خطاب. وجملة ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ» بتأويل «ما لبثنا» جواب القسم لا محل لها.
  • ﴿ كانُوا:
  • فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة.
  • ﴿ يُؤْفَكُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.بمعنى مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا وهكذا كانوا يبنون أمرهم على خلاف الحق أو مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الآن.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [55] لما قبلها :     وبعد أن ذكَرَ اللهُ عَدَمَ انتِفاعِ المُشرِكينَ بالقُرآنِ، وشبَّهَهم بالأمواتِ والصُّمِّ والعُمْيِ، فظَهَرت فَظاعةُ حالِهم في العاجِلةِ؛ أتْبَع ذلك بوَصفِ حالِهم حينَ تقومُ السَّاعةُ في استصحابِ مكابَرتِهم التي عاشوا عليها في الدُّنيا، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [56] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ..

التفسير :

[56] وقال الذين أوتوا العلم والإيمان بالله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين:لقد مكثتم فيما كتب الله مما سبق في علمه من يوم خُلقتم إلى أن بُعثتم، فهذا يوم البعث، ولكنكم كنتم لا تعلمون، فأنكرتموه في الدنيا، وكذَّبتم به.

{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ} أي:مَنَّ اللّه عليهم بهما وصارا وصفا لهم العلم بالحق والإيمان المستلزم إيثار الحق، وإذا كانوا عالمين بالحق مؤثرين له لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع مناسبا لأحوالهم.

فلهذا قالوا الحق:{ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي:في قضائه وقدره، الذي كتبه اللّه عليكم وفي حكمه{ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} أي:عمرتم عُمْرًا يتذكر فيه المتذكر ويتدبر فيه المتدبر ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث ووصلتم إلى هذه الحال.

{ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فلذلك أنكرتموه في الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة، فلم يزل الجهل شعاركم وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم.

ثم حكى- سبحانه- ما قاله أهل العلم والإيمان في الرد عليهم، فقال: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ.

أى: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان من الملائكة والمؤمنين الصادقين في الرد على هؤلاء المجرمين: لقد لبثتم في علم الله وقضائه بعد مفارقتكم الدنيا إلى يوم البعث، أى: إلى الوقت الذي حدده- سبحانه- لبعثكم، والفاء في قوله- تعالى-: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ هي الفصيحة. اى: إن كنتم منكرين للبعث، فهذا يومه تشاهدونه بأعينكم. ولا تستطيعون إنكاره الآن كما كنتم تنكرونه في الدنيا.

فالجملة الكريمة، المقصود بها توبيخهم وتأنيبهم على إنكارهم ليوم الحساب.

وقوله وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ زيادة في تقريعهم. أى: فهذا يوم البعث ماثل أمامكم. ولكنكم كنتم في الدنيا لا تعلمون أنه حق وصدق. بل كنتم بسبب كفركم وعنادكم تستخفون به وبمن يحدثكم عنه، فاليوم تذوقون سوء عاقبة إنكاركم له، واستهزائكم به.

أي : فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة ، كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا ، فيقولون لهم حين يحلفون ما لبثوا غير ساعة : ( لقد لبثتم في كتاب الله ) أي : في كتاب الأعمال ، ( إلى يوم البعث ) أي : من يوم خلقتم إلى أن بعثتم ، ( ولكنكم كنتم لا تعلمون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56)

كان قَتادة يقول: هذا من المقدّم الذي معناه التأخير.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) قال: هذا من مقاديم الكلام. وتأويلها: وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله (1) .

وذُكر عن ابن جُرَيج أنه كان يقول: معنى ذلك: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله، والإيمان بالله وكتابه.

وقوله: (فِي كِتابِ اللهِ) يقول: فيما كتب الله مما سبق في علمه أنكم تلبثونه (فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ) يقول: فهذا يوم يبعث الناس من قبورهم (وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) يقول: ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون، وأنكم مبعوثون من بعد الموت، فلذلك كنتم تكذبون.

------------------------

الهوامش:

(1) في فتح القدير للشوكاني (4 : 224) قال الواحدي: والمفسرون حملوا هذا على التقديم والتأخير، على تقدير: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله. وهذا غير ما قدره قتادة في حديثه الذي رواه المؤلف هنا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[56] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ﴾ اجتماع العلم والإيمان يجعل تصورات الإنسان منضبطة، ورؤيته هي الأقرب للصواب.
وقفة
[56] لا ينفع الأمة إلا عالم، جمع مع العلم قوة إيمان ﴿وقال الذين أوتوا العلم والإيمان﴾، والعالم بلا إيمان يقود أمته إلى هواه وهواها.
وقفة
[56] ﴿وَقَالَ آلَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالِإيمَانَ لَقَدْ لَبَثْتُمْ فِي كِتَابِ الله﴾ أي لبثتم في قبوركم في علم كتاب الله، أو في خبره، أو في قضاء الله.
وقفة
[56] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وعطف الإيمان على العلم للاهتمام به؛ لأن العلم بدون إيمان لا يرشد إلى العقائد الحق التي بها الفوز في الحياة الآخرة.
وقفة
[56] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ مواجهة حاسمة قادمة بين الملائكة والأنبياء والمؤمنين من جهة، ومن أنكر البعث من جهة أخرى، فيزداد المؤمنون فرحة، ويزداد المجرمون حسرة.
وقفة
[56] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ المجرم إذا حشر، علم أن مصيره إلى النار، فيستقل العمر، ويختار تأخير الحشر، والبقاء في القبر، والمؤمن إذا حشر، علم أن مصيره إلى الجنة، فيستطیل انتظاره في ساحات القيامة، ولا يريد التأخر لحظة عن جنة الخلد في دار المقامة، وعندها يختلف الفريقان، ويجري بينها هذا الحوار.
عمل
[56] العلم عطية من الله تعالى، والجهد والذكاء مجرد سبب، فأكثر من قولك: «رب زدني علمًا» ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
عمل
[56] ﴿أوتوا العلم﴾، ﴿مما عُلِّمت﴾ [الكهف: 66]، ﴿وعلَّمناه﴾ [الكهف: 65]؛ لا تغتر بعلمك، إنما هو شيء أوتيته وعُلمته، ليس لك منه شيء.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ الَّذِينَ:
  • الواو استئنافية. قال: فعل ماض مبني على الفتح. الذين:اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
  • ﴿ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ:
  • الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. أوتوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم الظاهر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. العلم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.والإيمان: معطوفة بالواو على «العلم» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.
  • ﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. لبثتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فِي كِتابِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بلبثتم. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة بمعنى لقد مكثتم كما ثبت في كتاب الله كائنين الى يوم القيامة. البعث: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. أو يكون الجار والمجرور إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ» متعلقا بمصدر واقع موقع الحال أي لابثين لبثا الى يوم الحساب.
  • ﴿ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم والشرط‍ محذوف دل عليه الكلام بتقدير: ان كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث فقد تبين بطلان قولكم. الفاء واقعة في جواب شرط‍ محذوف. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يوم: خبر المبتدأ «هذا» أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو يوم البعث. والجملة الاسمية «هو يوم البعث» في محل رفع خبر المبتدأ الأول «هذا» البعث مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ وَلكِنَّكُمْ:
  • الواو: للاستدراك. لكنكم: حرف مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب اسم «لكن» والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لكن» كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. لا: نافية لا عمل لها. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا تَعْلَمُونَ» في محل نصب خبر «كان» وحذف مفعولها اختصارا لأنه سبقه ما يدل عليه. بمعنى لا تعلمون أن وعد الله حق فكذبتم الرسل.'

المتشابهات :

النحل: 27﴿وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ
القصص: 80﴿وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
الروم: 56﴿وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [56] لما قبلها :     ولَمَّا وصَفَ اللهُ الجاهِلينَ؛ وصَفَ هنا العُلَماءَ، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

البعث ... البعث:
1- بفتح العين، فيهما، وهى قراءة الحسن.
وقرئ:
1- بكسرها، فيهما.

مدارسة الآية : [57] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ..

التفسير :

[57] فيوم القيامة لا ينفع الظالمين ما يقدمونه من أعذار، ولا يُطلب منهم إرضاء الله تعالى بالتوبة والطاعة، بل يُعاقبون بسيئاتهم ومعاصيهم.

{ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} فإن كذبوا وزعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة أو ما تمكنوا من الإيمان ظهر كذبهم بشهادة أهل العلم والإيمان، وشهادة جلودهم وأيديهم وأرجلهم، وإن طلبوا الإعذار وأنهم يردون ولا يعودون لما نُهوا عنه لم يُمَكَّنُوا فإنه فات وقت الإعذار فلا تقبل معذرتهم،{ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي:يزال عتبهم والعتاب عنهم.

ولذا قال- سبحانه- بعد ذلك: فَيَوْمَئِذٍ أى: فيوم أن تقوم الساعة ويقف الناس للحساب. لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ أى لا ينفعهم الاعتذار، ولا يفيدهم علمهم بأن الساعة حق. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أى: ولا هم يقبل منهم الرجوع إلى الله- تعالى- بالتوبة والعمل الصالح.

قال الآلوسى: والاستعتاب: طلب العتبى، وهي الاسم من الإعتاب، بمعنى إزالة العتب. أى: لا يطلب منهم إزالة عتب الله- تعالى- وغضبه عليهم، لأنهم قد حق عليهم العذاب..» .

قال الله تعالى : ( فيومئذ ) أي : يوم القيامة ، ( لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ) أي : [ لا ينفعهم ] اعتذارهم عما فعلوا ، ( ولا هم يستعتبون ) أي : ولا هم يرجعون إلى الدنيا ، كما قال تعالى : ( وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ) [ فصلت : 24 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)

يقول تعالى ذكره: فيوم يبعثون من قبورهم (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) يعني: المكذّبين بالبعث في الدنيا(معذرتهم)، وهو قولهم: ما علمنا أنه يكون، ولا أنا نُبعث (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) يقول: ولا هؤلاء الظلمة يُسترجعون يومئذ عما كانوا يكذّبون به في الدنيا.

التدبر :

وقفة
[57] ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ الاعتذار قبل الموت بلحظة تفتح له أبواب القبول، لكن بعد خروج الروح بلحظة لا ينفع العبد الظلوم الجهول.
عمل
[57] تُبْ إلى الله سبحانه من كل ذنوبك قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه التوبة ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾.
وقفة
[57] ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي لا يُطلب منهم الإعتاب أي الرجوع إلى الله تعالى، إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع قوله في فصّلت: ﴿وإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ المُعْتَبِين﴾ [فصلت: 24] حيث جعلهم مطلوبًا منهم الِإعتابُ، وثَمَّ طالبينَ له؟! قلت: معنى قوله: ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتبونَ﴾ أي ولا هم يُقالون عثَراتِهم، بالردِّ إلى الدنيا، ومعنى قوله: ﴿وإِن يَسْتعتِبُوا فَمَا هم من المُعْتَبينَ﴾ [فصلت: 24] أي إن يستقيلوا فما هم من المُقَالين، فلا تنافي.
وقفة
[57] ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ يقال: استعتبه فأعتبني، أي استرضيته فأرضاني، والمعنى: لا يطلب منهم ولا يقبل الرجوع إلى الله بالتوبة والعمل الصالح؛ لإزالة عتب الله وغضبه عليهم.

الإعراب :

  • ﴿ فَيَوْمَئِذٍ:
  • الفاء حرف دال على التعليل. يوم: ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بلا ينفع وهو مضاف. اذ: اسم مبني على السكون الظاهر على آخره وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين:سكونه وسكون التنوين وهو في محل جر بالاضافة وهو مضاف أيضا والجملة المحذوفة المعوض عنها بالتنوين في محل جر بالاضافة. التقدير: فيومئذ تقوم الساعة لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم.
  • ﴿ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ:
  • لا: نافية لا عمل لها. ينفع: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم والجملة الفعلية بعده: صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. معذرة: فاعل «ينفع» مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ:
  • الواو: حالية. لا: نافية لا عمل لها. هم:ضمير منفصل-ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. يستعتبون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «يستعتبون» في محل رفع خبر «هم» والجملة الاسمية في محل نصب حال. بمعنى ولا يسترضون بدعوتهم الى النوبة والطاعة من قولك: استعتبني صاحبي فأعتبته أي استرضاني فأرضيته اذا كنت جانيا عليه. أي فلا يعذرون.'

المتشابهات :

النحل: 84﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
الروم: 57﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
الجاثية: 35﴿فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [57] لما قبلها :     وبعد ذكرِ يوم البعث؛ بَيَّنَ اللهُ أن في هذا اليوم لا يقبل من المكذبين بالبعث والحساب اعتذار عما فعلوه، قال تعالى:
﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [58] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا ..

التفسير :

[58] ولقد بينَّا للناس في هذا القرآن مِن كل مثل من أجل إقامة الحجة عليهم وإثبات وحدانية الله جل وعلا، ولئن جئتهم -أيها الرسول- بأي حجة تدل على صدقك ليقولَنَّ الذين كفروا بك:ما أنتم -أيها الرسول وأتباعك- إلا مبطلون فيما تجيئوننا به من الأمور.

أي:{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} لأجل عنايتنا ورحمتنا ولطفنا وحسن تعليمنا{ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} تتضح به الحقائق وتعرف به الأمور وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الأمثال التي يضربها اللّه في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. وفي الإخبار بما سيكون وجلاء حقيقته [حتى]كأنه وقع.

ومنه في هذا الموضع ذكر اللّه تعالى ما يكون يوم القيامة وحالة المجرمين فيه وشدة أسفهم وأنه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب.

ولكن أبى الظالمون الكافرون إلا معاندة الحق الواضح ولهذا قال:{ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ} أي:أي آية تدل على صحة ما جئت به{ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ} أي:قالوا للحق:إنه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم وطَبْعِ اللّه على قلوبهم وجهلهم المفرط .

ثم بين- سبحانه- موقفهم من القرآن الكريم، وأنهم لو اتبعوا توجيهاته لنجوا من العذاب المهين، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ...

أى: وبالله لقد ضربنا للناس في هذا القرآن العظيم، كل مثل حكيم، من شأنه أن يهدى القلوب إلى الحق، ويرشد النفوس إلى ما يسعدها ...

وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ أى ولئن جئت- أيها الرسول- هؤلاء المشركين بآية بينة تدل على صدقك فيما تبلغه عن ربك.

لَيَقُولَنَّ على سبيل التطاول والتبجح إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ أى: ما أنتم إلا متبعون للباطل أيها المؤمنون بما يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.

قول تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) أي : قد بينا لهم الحق ، ووضحناه لهم ، وضربنا لهم فيه الأمثال ليتبينوا الحق ويتبعوه . ( ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ) أي : لو رأوا أي آية كانت ، سواء كانت باقتراحهم أو غيره ، لا يؤمنون بها ، ويعتقدون أنها سحر وباطل ، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه ، كما قال [ الله ] تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] ; ولهذا قال هاهنا :

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ (58)

يقول تعالى ذكره: ولقد مثلنا للناس في هذا القرآن من كل مثل احتجاجا عليهم، وتنبيها لهم عن وحدانية الله. وقوله: (َولئنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) يقول: ولئن جئت يا محمد هؤلاء القوم بآية، يقول: بدلالة على صدق ما تقول ( لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ) يقول: ليقولنّ الذين جحدوا رسالتك، وأنكروا نبوّتك، إن أنتم أيها المصدّقون محمدا فيما أتاكم به إلا مبطلون فيما تجيئوننا به من هذه الأمور.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[58] ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ إشارة إلى دور القرآن في إزالة الأعذار، وأنه أتي بها يكفي الناس من الإنذار، فأقام الحجة على الكل.
وقفة
[58] ﴿وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾ يتهمون النبي الذي يوحى إليه بأنه على باطل، فلا تتعجَّب إن اتهموك إن سرتَ على منهج الوحي بنفس التهمة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ:
  • الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد:حرف تحقيق. ضرب: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. للناس: جار ومجرور متعلق بضربنا.
  • ﴿ فِي هذَا الْقُرْآنِ:
  • في: حرف جر. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بضربنا. القرآن: بدل من اسم الاشارة مجرور مثله وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة لمفعول «ضربنا» المحذوف بمعنى:ضربنا مثلا من كل مثل. أو يكون الجار والمجرور في موقع التمييز و «من» للتبيين بمعنى: ولقد وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن مثل قوله تعالى وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أي تفيض دمعا. فالجار والمجرور محله النصب على التمييز. مثل: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ:
  • الواو استئنافية. اللام موطئة للقسم-اللام المؤذنة-ان حرف شرط‍ جازم. جئت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن التاء ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به وجملة «إن جئتهم» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ بِآيَةٍ:
  • جار ومجرور متعلق بجئت. وحذف الجار البياني لأنه معلوم بتقدير:بآية من القرآن.
  • ﴿ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • الجملة: جواب القسم لا محل لها من الاعراب وجواب الشرط‍ محذوف دل عليه جواب القسم أو جواب القسم سدّ مسدّ الجوابين واللام واقعة في جواب القسم المقدر. يقولن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الاعراب. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «كفروا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ:
  • الجملة في محل نصب مفعول به-مقول القول-ان:مخففة مهملة بمعنى «ما» نافية لا عمل لها. أنتم: ضمير منفصل-ضمير المخاطبين-في محل رفع مبتدأ. الا: أداة حصر لا عمل لها. مبطلون:خبر «أنتم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين لمفرد.بمعنى ما أنتم الا أدعياء مزورون.'

المتشابهات :

الروم: 58﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ
الزمر: 27﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [58] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ من الأدلة على الوحدانية والبعث ما ذكر، وأعاد وكرر البراهين والأمثال؛ بَيَّنَ هنا أن من طلب شيئًا بعد ذلك فهو معاند مكابر، فإن من كذب الدليل الواضح، لا يصعب عليه تكذيب غيره من الدلائل، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [59] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ ..

التفسير :

[59] مثل ذلك الختم يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به -أيها الرسول- من عند الله من هذه العبر والآيات البينات.

{ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} فلا يدخلها خير ولا تدرك الأشياء على حقيقتها بل ترى الحق باطلا والباطل حقا.

ثم يعقب- سبحانه- على هذا التطاول والغرور بقوله: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. والطبع: الختم على الشيء حتى لا يخرج منه ما هو بداخله، ولا يدخل فيه ما هو خارج عنه.

أى: مثل هذا الطبع العجيب، يطبع الله- تعالى- على قلوب هؤلاء الذين لا يعلمون،ولا يعملون على إزالة جهلهم، لتوهمهم أنهم ليسوا بجهلاء، وهذا أسوأ أنواع الجهل، لأنه جهل مركب، إذ صاحبه يجهل أنه جاهل. فهو كما قال الشاعر:

قال حمار الحكيم يوما ... لو أنصفونى لكنت أركب

لأننى جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل مركب

( كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ) أي : اصبر على مخالفتهم وعنادهم ، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك ، وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ، ( ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) أي : بل اثبت على ما بعثك الله به ، فإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع ، بل الحق كله منحصر فيه .

قال سعيد عن قتادة : نادى رجل من الخوارج عليا ، رضي الله عنه ، وهو في الصلاة - صلاة الغداة - فقال : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) [ الزمر : 65 ] ، فأنصت له علي حتى فهم ما قال ، فأجابه وهو في الصلاة : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال :

حدثنا ابن وكيع ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن علي بن ربيعة قال : نادى رجل من الخوارج عليا وهو في صلاة الفجر ، فقال : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأجابه علي وهو في الصلاة : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .

طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شريك ، عن عمران بن ظبيان ، عن أبي تحيا قال : صلى علي رضي الله عنه ، صلاة الفجر ، فناداه رجل من الخوارج : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأجابه علي ، وهو في الصلاة : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59)

يقول تعالى ذكره: كذلك يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمد من عند الله من هذه العِبر والعظات، والآيات البيِّنات، فلا يفقهون عن الله حُجة، ولا يفهمون عنه ما يتلو عليهم من آي كتابه، فهم لذلك في طغيانهم يتردّدون.

التدبر :

وقفة
[59] ﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال الباجي: «معنی الطبع على القلب: أن يجعل بمنزلة المختوم عليه، لا يصل إليه شيء من الخير».
تفاعل
[59] ﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[59] أسوأ أحوال الإنسان عندما يطبع على قلبه لكثرة ذنوبه؛ فيصبح لا يفهم، ولا يعقل شيئًا ﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وقفة
[59] الختم على القلوب سببه الذنوب ﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
تفاعل
[59] ادع الله تعالى أن يجعل قلبك سليمًا, وأن يثبت قلبك على دينه ﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وقفة
[59] ﴿قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لا يعلمون أنهم جهلاء؛ لذا لا يعملون على إزالة جهلهم، وهو أسوأ أنواع الجهل؛ لأنه جهل مركب.

الإعراب :

  • ﴿ كَذلِكَ:
  • الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب نائب عن المصدر-المفعول المطلق أي يطبع طبعا مثل ذلك. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة واللام للبعد والكاف حرف خطاب.
  • ﴿ يَطْبَعُ اللهُ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ‍ للجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلى قُلُوبِ:
  • جار ومجرور متعلق بيطبع. بمعنى يمنع الله ألطافه على قلوب الجهلة حتى تقبل الحق وقيل: يغلق الله قلوب الجهلة أي يختم على قلوبهم.
  • ﴿ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.لا: نافية لا عمل لها. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا يَعْلَمُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.'

المتشابهات :

الأعراف: 101﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ
الروم: 59﴿ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
غافر: 35﴿كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [59] لما قبلها :     وبعد بيان أنه مهما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل سينكروه؛ بَيَّنَ هنا أن ذلك بطبع الله على قلوبهم، قال تعالى:
﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [60] :الروم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ..

التفسير :

[60] فاصبر -أيها الرسول- على ما ينالك مِن أذى قومك وتكذيبهم لك، إن ما وعدك الله به من نصر وتمكين وثواب حق لا شك فيه، ولا يستفزَّنَّك عن دينك الذين لا يوقنون بالميعاد، ولا يصدِّقون بالبعث والجزاء.

{ فَاصْبِرْ} على ما أمرت به وعلى دعوتهم إلى اللّه، ولو رأيت منهم إعراضا فلا يصدنك ذلك.

{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي:لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.

{ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} أي:قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهممنك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقةوهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف [العقل]خفيفه.

فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على هؤلاء الجاهلين، فقال: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

أى: إذا كان الأمر كما وصفنا لك من أحوال هؤلاء المشركين، فاصبر على أذاهم، وعلى جهالاتهم، فإن وعد الله- تعالى- بنصرك عليهم حق لا شك في ذلك.

وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ أى: ولا يزعجنك ويحملنك على عدم الصبر، الذين لا يوقنون بصحة ما تتلو عليهم من آيات، ولا بما تدعوهم إليه من رشد وخير.

وهكذا ختمت السورة الكريمة بالوعد بالنصر، كما افتتحت بالوعد به، للمؤمنين الصادقين وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.

وبعد: فهذه هي سورة الروم، وهذا تفسير محرر لها، نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

( كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ) أي : اصبر على مخالفتهم وعنادهم ، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك ، وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ، ( ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) أي : بل اثبت على ما بعثك الله به ، فإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع ، بل الحق كله منحصر فيه .

قال سعيد عن قتادة : نادى رجل من الخوارج عليا ، رضي الله عنه ، وهو في الصلاة - صلاة الغداة - فقال : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) [ الزمر : 65 ] ، فأنصت له علي حتى فهم ما قال ، فأجابه وهو في الصلاة : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال :

حدثنا ابن وكيع ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن علي بن ربيعة قال : نادى رجل من الخوارج عليا وهو في صلاة الفجر ، فقال : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأجابه علي وهو في الصلاة : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .

طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شريك ، عن عمران بن ظبيان ، عن أبي تحيا قال : صلى علي رضي الله عنه ، صلاة الفجر ، فناداه رجل من الخوارج : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأجابه علي ، وهو في الصلاة : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .

[ ما روي في فضل هذه السورة الشريفة ، واستحباب قراءتها في الفجر ] :

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، سمعت شبيبا - أبا روح - يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح ، فقرأ فيها الروم فأوهم ، فقال : " إنه يلبس علينا القرآن ، فإن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء " .

وهذا إسناد حسن ومتن حسن وفيه سر عجيب ، ونبأ غريب ، وهو أنه ، عليه السلام تأثر بنقصان وضوء من ائتم به ، فدل ذلك أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام .

[ آخر تفسير سورة " الروم " ] .

القول في تأويل قوله تعالى : فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60)

يقول تعالى ذكره: فاصبر يا محمد لما ينالك من أذاهم، وبلِّغهم رسالة ربك، فإن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم، والظفر بهم، وتمكينك وتمكين أصحابك وتُبَّاعك في الأرض حقّ(وَلا يسْتَخِفَّنَّك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) يقول: ولا يستخفنّ حلمك ورأيك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمعاد ولا يصدّقون بالبعث بعد الممات، فيثبطوك عن أمر الله والنفوذ لما كلَّفك من تبليغهم رسالته.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سعيد بن جُبَير، عن عليّ بن ربيعة، أن رجلا من الخوارج، قرأ خلف عليّ رضي الله عنه : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فقال عليّ: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ).

قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة عن عليّ بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج عليا رضي الله عنه، وهو في صلاة الفجر، فقال: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فأجابه عليّ رضي الله عنه وهو في الصلاة: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ).

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) قال: قال رجل من الخوارج خلف عليّ في صلاة الغداة: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فأنصت له عليّ رضي الله عنه حتى فهم ما قال؛ فأجابه وهو في الصلاة: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ).

آخر تفسير سورة الروم.

التدبر :

وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ جاء الحديث عن صدق وعد الله بعد الصبر؛ لأنه مما يعين على الصبر، فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملًا؛ هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ مهما يطل الأمد، ومهما تتعقد الأمور، ومهما تتقلب الأسباب، إنه وعد من يملك التحقيق، ومن وعد لأنه أراد.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ إن وعد الله بنصرة المظلوم فوعده صادق، وإن وعد أن يجعل بعد العسر يسر فوعده صادق، لكن المشكلة بمن ﻻ يصبر.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ لماذا الصبر؟ لأن وعد الله لك بالنصرة وإظهار الدين وإعلاء كلمة الحق محقق، ولا بد من إنجازه والوفاء به لا محالة! وهذا هو زاد الصبر إن أوشك صبرنا على النفاد.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ سورة الروم سورة مكية، والجهاد لم يؤذن به في مكة، فما هو إلا الصبر، يأمر الله به رسوله، ويأمر به رسوله الناس.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ ختمت السورة بالوعد بالنصر، كما افتتحت بالوعد به، فسورة الروم هي مبشرة للمؤمنين، ونازعة القلق من قلوب المصلحين، وهي من أهم جرعات اليقين.
وقفة
[60] الطريقُ طويلةٌ، لابد لها من إيمان عميق وصبر جميل: ﴿فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ في الآية دليل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر.
وقفة
[60] ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ من صدق أراجيف المكذبين كان في ركب أهل الخفة والطيش.
عمل
[60] لا تتنازل عن الحق من أجل غوغائية أهل الباطل ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.
وقفة
[60] سوء فهم معنى الصبر ولوازمه وآثاره أورث اندفاعًا وتنازلًا وقنوطًا! ولو تدبر أولئك آيات الصبر في القرآن لأدركوا أنه قرين العمل الجاد واليقين، وبذلك يتحقق الفتح المبين: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.
وقفة
[60] رسالة ربانية إلى كل مصلح وداعية ومجاهد: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾، أمرٌ في أولها، ونهي عن آخرها، وخبر مؤكد في وسطها.
عمل
[60] اعمل لدينك وفق منهاج النبوة، وأحسن الظن بالله، واحذر الاستعجال أو اليأس، فكثير مما بشر به النبي ﷺ لم يتحقق في حياته، كفتح فارس والروم: ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾.
وقفة
[60] حزن بعض كبار الصحابة بعد صلح الحديبية، فإذا الذي حسبوه ضعفًا كان انتصارًا وفتحًا مبينًا، فعلى المسلم عند الشدائد أن يتفاءل، ويأخذ بالأسباب المشروعة، متوكلًا على الله، واثقًا بحسن العاقبة: ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾.
وقفة
[60] مع قوة الاقتناع بالحق إلا أن كثرة المخالفين تجعل صاحب الحق يضعف تمسكه والواجب الصبر والثبات ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون﴾.
وقفة
[60] ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ﴾ قال السعدي: «أي لا شك فيه، وهذا مما يعين على الصبر، فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع، بل سيجده کاملًا هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير».
وقفة
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ أي لا تضطرب لكلامهم، ولا تقلق، ولا يذهب عقلك بسبب ما يصنع هؤلاء المجرمون، ولا تتسرع في قرارك، ولا تخرج عن طبعك وهدوئك ولا عن إيمانك، بل ثق في وعدنا، واطمئن لقضائنا.
وقفة
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ ﻻ يثقل اﻹنسان إﻻ (اليقين)، فعلى قدره (يصعب زعزعته واﻻستخفاف به).
وقفة
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ هذا شعار ينبغي أن تتدثر به في زمن الفتن.
وقفة
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ منهجٌ يحث على التأني، ويقوي الصبر، ويربي في المجتمع رد الأمر لأهله، ونتيجته النجاة وصواب الرأي.
وقفة
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾، ﴿فاستخف قومه فاطاعوه﴾ [الزخرف: 54] تأثير الزيف الدعائي في قلب الحقائق خطير على المجتمع.
وقفة
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ من المهم أن تكون راسيًا.
عمل
[60] ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ إياك وإدمان قراءة كلام أهل الاستخفاف، أهل الشبهات والشكوك، والسفهاء؛ فقد تدمر عقيدتك.

الإعراب :

  • ﴿ فَاصْبِرْ:
  • الفاء سببية. اصبر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. وعد: اسم «ان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة. حق: خبر «انّ» مرفوع بالضمة. بمعنى: إنّ وعد الله بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله حق لا بدّ من إظهاره وانجازه.
  • ﴿ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. يستخفنك: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الاعراب. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. بمعنى ولا يقلقنك أو ولا يحملنك على الخفة والقلق تعنتهم.
  • ﴿ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. لا:نافية لا عمل لها. يوقنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا يُوقِنُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بمعنى تكبر الذين لا يعتقدون بما جئتهم فيه من المعجزات.'

المتشابهات :

الروم: 60﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ
غافر: 55﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
غافر: 77﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     وبعد بيان ما حدث من تكذيب المشركين، وإصرارهم على الكفر؛ ختمَ اللهُ السورةَ بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وكل داعية بالصبر على أذى قومه والثبات، فإن نصرَ الله كائن لا محالة، قال تعالى:
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لا يستخفنك:
1- بخاء معجمة، من «الاستخفاف» ، وتشديد النون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بخاء معجمة، من «الاستخفاف» ، وإسكان النون وهى قراءة ابن أبى عبلة، ويعقوب.
3- بحاء مهملة وقاف، من «الاستحقاق» ، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، ويعقوب.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف