316656667686970717273747576

الإحصائيات

سورة طه
ترتيب المصحف20ترتيب النزول45
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.70
عدد الآيات135عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول19تبدأ في الجزء16
تنتهي في الجزء16عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 11/29طه: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (65) الى الآية رقم (71) عدد الآيات (7)

المبارزةُ بين السَّحَرةِ وموسى، خيَّرُوه بين بدئِه بالإلقاءِ وبدئِهم بِه أدبًا منهُم، فقابلَهم بمِثلِه، فلمَّا ألقى موسى عصاه انقلبتْ حيةً وابتلعتْ ما صنعُوه، فآمَنُوا فتوعَّدَهم فرعونُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (72) الى الآية رقم (76) عدد الآيات (5)

لم يتراجعْ السحرةُ عن إيمانِهم بالرغمِ من شدَّةِ التَّهديدِ، واستَمَرُّوا في وعظِ فرعونَ وغيرِه، ثُمَّ حَذَّرَ اللهُ من عذابِه، ورَغَّبَ في جنَّتِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة طه

رالإسلام سعادة لا شقاء/ تقوية النبي ﷺ لحمل الرسالة والصبر عليها/ طغيان من أعرض عن هدي الله عز وجل

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • الإسلام هو منهج السعادة::   وقال عنه أيضًا: «وَاللَّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَطْيَبُ عَيْشًا مِنْهُ قَطُّ، مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وخلاف الرَّفَاهِيَةِ وَالنَّعِيمِ بَلْ ضِدِّهَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَطْيَبُ النَّاسِ عَيْشًا وأشرحهم صَدْرًا, وَأَقْوَاهُمْ قَلْبًا وَأَسَرُّهُمْ نَفْسًا، تَلُوحُ نَضرَةُ النَّعِيمِ عَلَى وَجْهِهِ، وَكُنَّا إذَا اشْتَدَّ بِنَا الْخَوْفُ، وَسَاءَتْ مِنَّا الظُّنُونُ، وَضَاقَتْ بِنَا الأَرْضُ أَتَيْنَاهُ، فَمَا هُوَ إلا أَنْ نَرَاهُ وَنَسْمَعَ كَلامَهُ فَيَذْهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ, وَيَنْقَلِبَ انْشِرَاحًا وَقُوَّةً وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً». هل تعلم ما السر الذي جعل كدر الدنيا عند شيخ الإسلام ابن تيمية سعادة؟ هذا ما سنعرفه من خلال سورة طه.
  • • كيف تشقى مع الرحمن؟:   رسالة السورة تظهر من البداية: ﴿طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى﴾ (1-2). ومعنى ذلك أن هذا الدين وهذا المنهج ليسا لشقاء الناس، بل إن الإسلام هو منهج السعادة، فلا شقاء مع الإسلام، رغم كل الظروف والصعوبات التي تواجهنا، لكن الشقاء يكون في ترك طريق الله. إن أردت أن تنهي الشقاء من حياتك؛ فعليك بالقرآن: ﴿طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى﴾ (1-2). إنّ أكثر من يستفيد برسالة هذه السورة هم الشباب البعيدون عن التدين، أو الذين يريدون الالتزام، لكنهم يخافون من أن التزامهم بمنهج الله تعالى سوف يمنعهم من السعادة، ويجلب عليهم الحزن والكآبة ويحرمهم من متع الحياة وأسباب اللهو والترفيه، هذا المفهوم خاطئ جدًا، لذلك تأتي السورة لتؤكد لنا أن الإسلام هو منهج السعادة. كيف ترينا سورة طه هذا المعنى؟ تعال معنا لنعيش مع آيات السورة من أولها.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «طه».
  • • معنى الاسم ::   حرفان من حروف الهجاء، وتنطق: (طاها).
  • • سبب التسمية ::   لافتتاح السورة بهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة موسى»، و«سورة الكليم»؛ لاشتمالها على قصة موسى مفصلة، وسمى الكليم؛ لأن الله تعالى كلَّمه.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام سعادة لا شقاء.
  • • علمتني السورة ::   دع المخلوق وتوجه دائمًا وأبدًا بحاجاتك للخالق، الناس لا تملك شيئًا، لكن الله بحوزته السماوات والأرض: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن على الزوج واجب الإنفاق على الأهل (المرأة) من غذاء، وكساء، ومسكن، ووسائل تدفئة وقت البرد: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العمل على كسب العيش وفعل الأسباب من سنة الأنبياء عليهم السلام: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة طه من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • جو السورة هو جو الرحمة والمن والطمأنينة والرعاية بالمختارين، فلذا جاء نظم ألفاظها سهلًا يشبه سورة مريم السابقة.
    • يذكر العوام أن «يس» و«طه» من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا غير صحيح
    • قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وليس «طه» و«يس» من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في أصح قولي العلماء، بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور؛ مثل «ص» و«ق» و«ن» ونحوها.
    • قال البقاعي: «ومن أعظم فضائلها (أي سورة طه): أن قراءة أولها كان سببًا لإسلام عمر بن الخطاب ...». والصحيح: أن ما ورد أن سورة «طه» كانت سببًا في إسلام عمر بن الخطاب لم يصح رغم شهرته.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نلزم القرآن، فهو من أعظم أسباب السعادة: ﴿طه (1) مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ﴾ (1، 2).
    • أن نتذكر دومًا أن الله تعالى مطّلع على السرائر والخفيّات, فلا تقل ولا تفعل ما يسخطه سبحانه: ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ (7).
    • أن نحذر من مصاحبة من اتبع هواه فإنها تعدي وتردي!: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ﴾ (16).
    • أن نجوّدْ عبارتنا: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ۞ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ (27، 28)، ففصاحة لسان الداعية إلى الدين والواعظ المنذر تعين على تدبر ما يقول وفِقهه.
    • أن نحافظ على أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وعند النوم: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ۞وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ (33، 34).
    • أن نسأل الله أن يلقي علينا محبة منه, وأن يضع لنا القبول في الأرض, كما أنعم على أوليائه: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ (39).
    • أن نحرص على القولِ الطَّيبِ مع كل الناس: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا﴾ (44).
    • أن نتواضع؛ لأننا مهما ملكنا، ومهما علونا، ومهما تكبرنا، فيبقى أصلنا من تراب، وإليه سنعود!: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ (55).
    • ألا نتعب أنفسنا مع المعاند؛ لأن في رأسه فكرة لا يريد تغييرها، فهي بنظره الصواب وما سواها هراء!: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ﴾ (56).
    • أن ننكر المنكر: ﴿قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ (61).
    • أن نحذر من مقولة: «أنا عبد المأمور»، فنحن مؤاخذون بأعمالنا، فالجنود لما أطاعوا فرعون: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ (78).
    • ألا نهتم كثيرًا بغضب المخلوق، المهم ألا يغضب علينا الخالق!: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ﴾ (81).
    • ألا نتردد في العودة إلى الله مهما لوثتنا الذنوب والخطايا، فالذي سترنا تحت سقف المعصية لن يخذلنا ونحن تحت جناح التوبة: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ (82).
    • أن نحرص على دخول المسجد قبلَ الأذانِ، فالأعجلُ إلى الطَّاعةِ أحرى بالرِّضا: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾ (84).
    • ألا نواجه الغاضبَ بغضبٍ مثله، بل نتلطَّف في الرَّدِ عليه، فكم من هجرٍ وفراقٍ طويلٍ كان سببُه غضبٌ بسيطٌ لم يجدْ مَن يحتويه، قال هارون لموسى: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ (94).
    • أن نقبل على القرآن الكريم تعلمًا، وتعليمًا، وعملًا؛ ففيه النجاة: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ۞ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ (99، 100).
    • أن نكثر من الدعاء بزيادة العلم: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (114).
    • أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونعوّذ أهلنا وأولادنا منه: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ (117).
    • أن نحــرص على معـرفة سـيـرة مـن ينصحنا قبـل أن نقبـل نصيحتــه: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾ (120).
    • ألا نتمنى ما عند غيرنا من زهرة الحياة الدنيا؛ فإنها إلى زوال: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ ﴾ (131).

تمرين حفظ الصفحة : 316

316

مدارسة الآية : [65] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن ..

التفسير :

[65] قال السحرة:يا موسى إما أن تلقي عصاك أولاً، وإما أن نبدأ نحن فنلقي ما معنا.

فلما تمت مكيدتهم، وانحصر مقصدهم، ولم يبق إلا العمل{ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عصاك{ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} خيروه، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي:حالة كانت

وحانت ساعة المبارزة والمنازلة. فتقدم السحرة نحو موسى- عليه السلام- وقالوا له- كما حكى القرآن عنهم-:.. يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى.

والإلقاء في الأصل: طرح الشيء، ومفعول «تلقى» محذوف للعلم به، والمراد به العصا.

أى قال السحرة لموسى على سبيل التخيير الذي يبدو فيه التحدي والتلويح بالقوة:

يا موسى إما أن تلقى أنت عصاك قبلنا، وإما أن تتركنا لنلقى حبالنا وعصينا قبلك.

قال الآلوسى: خيروه- عليه السلام- وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم.

وقيل. مراعاة للأدب معه- عليه السلام-. و «أن» مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر. أى، إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى. أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

أى: «الأمر إما إلقاؤك أو كوننا أول من ألقى..».

يقول تعالى مخبرا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى ، عليه السلام ، أنهم قالوا لموسى : ( إما أن تلقي ) أي : أنت أولا ( إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى)

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)

اختلفت القراء في قراءة قوله ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ) بهمز الألف من (فأجْمِعُوا) ، ووجِّهوا معنى ذلك إلى: فأحكموا كيدكم، واعزموا عليه، من قولهم: أجمع فلان الخروج، وأجمع &; 18-333 &; على الخروج، كما يقال: أزمع عليه، ومنه قول الشاعر:

يـا لَيـت شِـعْرِي والمُنـى لا تَنْفَـعُ

هَـلْ أغْـدُونْ يوْمـا وأمْـرِي مُجْـمعُ (7)

يعني بقوله: " مجمع "; قد أحكم وعزم عليه، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لمْ يُجْمَعْ عَلى الصَّوْمِ مِن اللَّيْلِ فَلا صَوْم لَهُ".

وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة: ( فاجْمِعُوا كَيْدكُمْ) بوصل الألف، وترك همزها، من جمعت الشيء، كأنه وجَّهه إلى معنى: فلا تدعَوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به. وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتلّ فيما ذُكر لي لقراءته ذلك كذلك بقوله فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ..

قال أبو جعفر: والصواب في قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع، لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفين، فلا وجه لأن يقال لهم: أجمعوا ما دعيتم له مما أنتم به عالمون، لأن المرء إنما يجمع ما لم يكن عنده إلى ما عنده، ولم يكن ذلك يوم تزيد في علمهم بما كانوا يعملونه من السحر، بل كان يوم إظهاره، أو كان متفرّقا مما هو عنده، بعضه إلى بعض، ولم يكن السحر متفرّقا عندهم فيجمعونه ، وأما قوله فَجَمَعَ كَيْدَهُ فغير شبيه المعنى بقوله ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ) وذلك أن فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بما يغلب به موسى مما لم يكن عنده مجتمعا حاضرا، فقيل: فتولى فرعون فجمع كيده.

وقوله ( ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ) يقول: احضروا وجيئوا صفا، والصفّ هاهنا مصدر، ولذلك وحد، ومعناه: ثم ائتوا صفوفا، وللصفّ في كلام العرب موضع آخر، وهو قول العرب: أتيت الصفّ اليوم، يعني به المصلى الذي يصلي فيه.

وقوله ( وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) يقول: قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: جمع فرعون الناس لذلك الجمع، ثم أمر السحرة فقال ( ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) أي قد أفلح من أفلج اليوم على صاحبه.

------------------------

الهوامش :

(7) البيت في ( اللسان : جمع ) ولم ينسبه قال وجمع أمره وأجمع عليه : عزم عليه ، كأنه جمع نفسه له ، والأمر مجمع . ويقال أيضا . أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا وقال آخر " يا ليت شعري . . . البيت " وقوله تعالى : " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " أي وادعوا شركاءكم قال وكذلك هي في قراءة عبد الله ؛ لأنه لا يقال أجمعت شركائي ، إنما يقال جمعت ، وقال الفراء الإجماع : الإعداد والعزيمة على الأمر قال ونصب شركائي بفعل مضمر ، كأنك قلت فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم قال أبو إسحاق الذي قاله الفراء غلط في إضماره " وادعوا شركاءكم " . لأن الكلام لا فائدة له . لأنهم كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم . قال والمعنى فأجمعوا أمركم مع شركاءكم ، وإذا كان الدعاء لغير شيء فلا فائدة فيه قالوا والواو بمعنى مع . كقولك " لو يركب الناقة وفصيلها لرضعها " المعنى لو يركب الناقة مع فصيلها قال ومن قرأ " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " بألف موصولة فإنه يعطف شركاءكم على أمركم قال ويجوز فأجمعوا أمركم مع شركائكم .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[65] ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ﴾ يعرفون من يُلقي أولًا، لكنه تظاهر بالثقة.
وقفة
[65] ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ﴾ خيروه موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي حالة كانت.
وقفة
[65] قال تعالى في قصة موسى مع السحرة: ﴿إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ﴾، والحكمة في هذا -والله أعلم- ليرى الناس صنيعهم ويتأملوه، فإذا فرغوا من بهرجهم، جاءهم الحق الواضح الجلي بعد تَطَلُّبِ له، وانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس، وكذا كان.

الإعراب :

  • ﴿ قالُوا يا مُوسى:
  • قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. يا: أداة نداء. موسى: اسم منادى علم مفرد مبني على الضم المقدر على الألف للتعذر في محل نصب.
  • ﴿ إِمّا أَنْ تُلْقِيَ:
  • إما: حرف تفصيل لا عمل له وهو هنا للتخيير. أن:حرف مصدرية ونصب. تلقي: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ والخبر محذوف تقديره: كائن أو يكون المصدر المؤول في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره أو معناه: الأمر إلقاؤك.ويجوز أن يكون المصدر المؤول في محل نصب مفعولا به لفعل مضمر تقديره:اختر أحد الأمرين «القاءك» وجملة «تلقي» صلة الموصول الحرفي «أن» لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَإِمّا أَنْ نَكُونَ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها. إما أن: أعربتا. نكون: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة وهو فعل ناقص واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.
  • ﴿ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى:
  • أول: خبر «نكون» منصوب بالفتحة وهو مضاف. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. ألقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «ألقى» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب و «أن» المصدرية وما بعدها: بتأويل مصدر معطوف على المصدر المؤول من «أن» الأولى وجملتها ويعرب إعرابه. بمعنى: اختر أحد الأمرين .. أو الأمر القاؤك أو القاؤنا.'

المتشابهات :

الأعراف: 115﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ
طه: 65﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [65] لما قبلها :     وبعد الاتفاق على الخطة؛ لم يبق إلا العمل، فخيروا موسى عليه السلام بين أمرين: أن يبدأ هو بإلقاء ما معه، أو يبدؤوا هم، وقدموه على أنفسهم إظهارًا للثقة والتحدي، قال تعالى:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [66] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ ..

التفسير :

[66] قال لهم موسى:بل ألقُوا أنتم ما معكم أولاً، فألقَوا حبالهم وعصيَّهم، فتخيل موسى مِن قوة سحرهم أنها حيات تسعى،

فقال لهم موسى:{ بَلْ أَلْقُوا} فألقوا حبالهم وعصيهم،{ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} أي:إلى موسى{ مِنْ سِحْرِهِمْ} البليغ{ أَنَّهَا تَسْعَى} أي:أنها حيات تسعى فلما خيل إلى موسى ذلك.

ثم حكى القرآن بعد ذلك أن موسى- عليه السلام- ترك فرصة البدء لهم، واستبقى لنفسه الجولة الأخيرة، فقال- تعالى-: قالَ بَلْ أَلْقُوا، فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى. والتخيل: هو إبداء أمر لا حقيقة له. ومنه الخيال، وهو الطيف الطارق في النوم.

أى: قال موسى- عليه السلام- للسحرة في الرد على تخييرهم له، ابدءوا أنتم بإلقاء ما معكم من حبال وعصى.

والفاء في قوله: فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ ... فصيحة وهي معطوفة على كلام محذوف، وإذا هي الفجائية.

أى: قال لهم موسى بل ألقوا أنتم أولا، فامتثلوا أمره وألقوا ما معهم، فإذا حبالهم وعصيهم التي طرحوها، جعلت موسى- لشدة اهتزازها واضطرابها- يخيل إليه من شدة سحرهم، أن هذه الحبال والعصى حيات تسعى على بطونها.

قال ابن كثير: وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وإنما كانت حيلة، وكانوا جمّا غفيرا، وجمعا كبيرا- أى السحرة- فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات، يركب بعضها بعضا.. .

أي : أنتم أولا ليرى ماذا تصنعون من السحر ، وليظهر للناس جلية أمرهم ، ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) . وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا ( وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ) [ الشعراء : 44 ] وقال تعالى : ( سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ) [ الأعراف : 116 ] ، وقال هاهنا ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) .

وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد ، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها ، وإنما كانت حيلة ، وكانوا جما غفيرا وجمعا كبيرا فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضا .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)

يقول تعالى ذكره: فأجمعت السحرة كيدهم، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى ( يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه.

واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذ صفا، فقال بعضهم: كانوا سبعين ألف ساحر، مع كل ساحر منهم حبل وعصا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا القاسم بن أبي بزّة، قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل، وسبعين ألف عصا، فألقى موسى عصاه، فإذا هي ثعبان مبين فاغر به فاه، فابتلع حبالهم وعصيهم فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا عند ذلك، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما، فعند ذلك قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ .

وقال آخرون: بل كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا) ، فألقوا حبالهم وعصيهم، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ليس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا.

وقال آخرون بل كانوا خمسة عشر ألفا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثت عن وهب بن منبه، قال: صف خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه.

وقال آخرون: كانوا تسع مئة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: كان السحرة ثلاث مئة من العريش، وثلاث مئة من فيوم، ويشكون في ثلاث مئة من الإسكندرية، فقالوا لموسى: إما أن تلقي ما معك قبلنا، وإما أن نلقي ما معنا قبلك، وذلك لقوله ( وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) وأن في قوله (إمَّا أنْ ) في موضع نصب، وذلك أن معنى الكلام: اختر يا موسى أحد هذين الأمرين: إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نكون أوّل من ألقى، ولو قال قائل: هو رفع، كان مذهبا، كأنه وجَّهه إلى أنه خبر، كقول القائل:

فَسِــيرَا فإمَّــا حاجَـةً تَقْضِيانهـا

وإمَّــا مَقِيــل صَــالِحٌ وصَـدِيقُ (1)

---------------

الهوامش:

(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ، الورقة 198) قال : وقوله " إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى " . . أن وأن : في موضع نصب ، والمعنى : اختر إحدى هاتين ؛ ولو رفع إذ لم يظهر الفعل ، كان صوابا ، كأنه خبر ، كقول الشاعر : فسيرا . . . البيت " . ولو رفع " فإما منا بعد وإما فداء " كان أيضا صوابا . ومذهبه كمذهب قوله : " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " والنصب في قوله " إما أن تلقي " وفي قوله " فإما منا بعد وإما فداء " : أجود من الرفع ، لأنه شيء ليس بعام ، مثل ما ترى من معنى قوله " فإمساك " و " فصيام ثلاثة أيام " لما كان المعنى يعم الناس في الإمساك بالمعروف في صيام الثلاثة الأيام في كفارة اليمين ، كان الجزاء ، فرفع لذلك ، والاختيار إنما هي فعلة واحدة .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[66] ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ ليس مهمًّا أن تكون أول من يقول، المهم أن تكون أصدق من يقول.
اسقاط
[66] ﴿فَإِذا حِبالُهُم وَعِصِيُّهُم يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّها تَسعى﴾ احترس أن تكون ممن يُخيل إليه أنه على حق بينما هو فى ضلال.
وقفة
[66] ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ الحبال والعصي لم تتغير حقيقتها ولم تسع، فالسحر تخييل، والمسحور تتغير رؤيته للشيء، فيراه على غير حقيقته، ويخيل إليه أنه شيء آخر.
وقفة
[66] ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ قال ابن القيم: «بيَّنَ سبحانه أنَّ أعينهم سُحِرَت، وذلك إما أن يكون لتغيير حصل في المرئي وهو الحبال والعصي، مثل أن يكون السحرة استغاثت بأرواح حرکتها الشياطين، فظنوا أنها تحركت بأنفسها، وإما أن يكون التغيير حدث في الرائي، حتى رأي الجبال والعصي تتحرك وهي ساكنة في أنفسها، وأما ما يقوله المنكرون: من أنَّهم فعلوا في الحبال والعصي ما أوجب حرکتها ومشيها، مثل الزئبق وغيره، حتی سعت، فهذا باطل من وجوه كثيرة».

الإعراب :

  • ﴿ قالَ بَلْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي موسى: بل: حرف اضراب لا عمل له للاستئناف.
  • ﴿ أَلْقُوا:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ :
  • وعصيهم: الفاء: استئنافية. اذا: حرف فجاءة-مفاجأة- فجائية-لا محل لها من الإعراب. حبالهم: مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. وعصيهم: معطوفة بالواو على «حبالهم» وتعرب إعرابها. والمبتدأ مع خبره: جملة اسمية استئنافية لا محل لها.
  • ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ:
  • الجملة الفعلية وما تلاها: في محل رفع خبر المبتدأ. يخيل:فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة الظاهرة. اليه: جار ومجرور متعلق بيخيل.
  • ﴿ مِنْ سِحْرِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيخيل أو بمفعول لأجله و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنَّها تَسْعى:
  • أنها: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «أن».تسعى: أي تمشي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي. وجملة «تسعى» في محل رفع خبر «أن» و «أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع نائب فاعل للفعل «يخيل» بتقدير:سعيها.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [66] لما قبلها :     ولَمَّا خيروا موسى عليه السلام بين الأمرين؛ اختار الثاني، فألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فتخيل موسى عليه السلام مِن قوة سحرهم أنها حيات تسعى، قال تعالى:
﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عصيهم:
وقرئ:
بضم العين، وهو الأصل، لأن الكسر إتباع لحركة الصاد، وحركة الصاد لأجل الياء، وهى قراءة الحسن، وعيسى.
يخيل:
وقرئ:
1- تخيل، بالتاء، مبنيا للمفعول، وهى قراءة الزهري، والحسن، وعيسى، وأبى حيوة، وقتادة، والجحدري، وروح، والوليد، وابن ذكوان.
2- تخيل، بفتح التاء، أي: تتخيل، وهى قراءة أبى السمال.

مدارسة الآية : [67] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى

التفسير :

[67] فشعر موسى في نفسه بالخوف.

{ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره.

ويبدو أن فعل السحرة هذا، قد أثر في موسى- عليه السلام- بدليل قوله- تعالى-:

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى.

والإيجاس: الإخفاء والإضمار، والخيفة: الخوف. أى فأخفى موسى- عليه السلام- في نفسه شيئا من الخوف، حين رأى حبال السحرة وعصيهم كأنها حيات تسعى على بطونها، وخوفه هذا حدث له بمقتضى الطبيعة البشرية عند ما رأى هذا الأمر الهائل من السحر، وبمقتضى أن يؤثر هذا السحر في نفوس الناس فيصرفهم عما سيفعله.

وقوله : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) أي خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه ، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ( وألق ما في يمينك ) يعني : عصاه ، فإذا هي ( تلقف ما صنعوا ) وذلك أنها صارت تنينا عظيما هائلا ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس ، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته ، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة ، نهارا ضحوة . فقامت المعجزة ، واتضح البرهان ، وبطل ما كانوا يعملون

وقوله ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا ) يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة: بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي. وقوله ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ، وفي هذا الكلام متروك، وهو: فألقوا ما معهم من الحبال والعصيّ، فإذا حبالهم، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه ، وذُكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: قالوا يا موسى، ( إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا ) فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كلّ رجل منهم ما في يده من العصي والحبال، فإذا هي حيات كأمثال الحبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا.

واختلفت القراء في قراءة قوله ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) بالياء بمعنى: يخيل إليهم سعيها، وإذا قرئ ذلك كذلك، كانت " أن " في موضع رفع ، ورُوي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: ( تُخَيَّلُ) بالتاء، بمعنى: تخيل حبالهم وعصيهم بأنها تسعى، ومن قرأ ذلك كذلك، كانت " أن " في موضع نصب لتعلق تخيل بها، وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه: ( تُخَيَّلُ إلَيْه) بمعنى: تتخيل إليه، وإذا قرئ ذلك كذلك أيضا ف " أن " في موضع نصب بمعنى: تتخيل بالسعي لهم.

والقراءة التي لا يجوز عندي في ذلك غيرها( يُخَيَّل ) بالياء، لإجماع الحجة من القراء عليه.

التدبر :

وقفة
[67] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾ كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره.
وقفة
[67] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾ الخوف الذي يعتري المؤمن (حين لقاء الباطل) طبيعي وبشارة للأمن بعده، فمن أحسه فليطمئن.
وقفة
[67] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾ المطلع على هواجس نفسك وقلقها وتخوفاتها هو الله، فإن كان ظنك به جميلًا أبدل قلقك أمان وبث الشجاعة بروحك.
وقفة
[67] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾ أي: أحسن موسي عليه السلام بالخوف فأضمره وأسره, ومن فوائد الآية: أن الخوف الذي يعتري المؤمن حين لقاء الباطل طبيعي, وبشارة للأمن بعده, فمن أحسه فليطمئن.
لمسة
[67] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾ كيف وقع الخوف في قلب موسی رغم ما رأی من آيات؟! قال الرازي: «والجواب عنه من وجوه: أحدها: أن ذلك الخوف إن كان لما طبع الآدمي عليه من ضعف القلب، وثانيها: أنه خاف أن تدخل على الناس شبهة فيما يرونه، فيظنوا أنهم قد ساووا موسی عليه السلام، ويشتبه ذلك عليهم، وثالثها: أنه خاف حيث بدءوا وتأخر إلقاؤه أن ينصرف بعض القوم قبل مشاهدة ما يلقيه، فيدوموا على اعتقاد الباطل، ورابعها: لعله عليه السلام كان مأمورًا بأن لا يفعل شيئًا إلا بالوحي، فلما تأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت خاف أن لا ينزل عليه الوحي في ذلك الوقت، فيبقى في الخجالة، وخامسها: لعله عليه السلام خاف من أنه لو أبطل سحر أولئك الحاضرين فلعل فرعون قد أعد أقوامًا آخرين، فيأتيه بهم فيحتاج مرة أخرى إلى إبطال سحرهم».
وقفة
[67] ﴿فَأَوجَسَ في نَفسِهِ خيفَةً موسى﴾ لبيان أن الخوف فطري جبلِّي -بتشديد اللام- ولكنه الخوف الداعي لأخذ الحذر وليس القعود، وأيضًا لم يظهر قلقه وخوفه، بل أخفاه فى نفسه حتى لا يشعر من حوله بذلك، وأخفاه عن أخيه كذلك لكى لا يقلق، وعن السحرة وفرعون فلا ينتهزوا الفرصة لينالوا منه سخرية وشماتة.
وقفة
[67] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾ لماذا خاف سيدنا موسى وقد نفى الله الخوف عن الأنبياء: ﴿إني لا يخاف لدي المرسلين﴾ [النمل: 10]؟ الجواب: الخوف صفة جبلية في الإنسان، فكل إنسان يخاف، ولكن الإيمان والثقة بالله عز وجل تقلل مساحة الخوف، ثم الخوف يختلف باختلاف سببه، ففرق بين الخوف على النفس، والخوف على الدعوة.
عمل
[67] لا تخف إلا الله، فليس في الوجود من يستحق الخشية سواه ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾، ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [46]، ﴿فَلَا تَخَافُوهُم﴾ [آل عمران: 175].
وقفة
[67، 68] ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لَا تَخَفْ﴾ ما أسرع فرج الله! خاطرة خوف مرت بقلبه فجاءه التثبيت قبل أن ينطق لسانه.
وقفة
[67، 68] مهما بلغ يقين الإنسان برأيه فلا بد من خوفه من مخالفيه، رمى السحرة السحر أمام موسى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ﴾، ولا بد له من معين يقول له: ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ:
  • الفاء: سببية. أوجس: فعل ماض مبني على الفتح بمعنى فأضمر. في نفسه: جار ومجرور متعلق بأوجس والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ خِيفَةً مُوسى:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. موسى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. بمعنى فأضمر موسى خوفا في نفسه مما رأى من سحرهم. وقد أخر الفاعل عن فعله.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [67] لما قبلها :     لما تخيل موسى عليه السلام مِن قوة سحرهم أنها حيات تسعى؛ شعرَ في نفسِه بالخوف، بمقتضى الطبيعة البشرية، وبمقتضى أن يؤثر هذا السحر في نفوس الناس فيصرفهم عن الحق، قال تعالى:
﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [68] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ..

التفسير :

[68] قال الله لموسى حينئذ:لا تَخَفْ من شيء، فإنك أنت الأعلى على هؤلاء السحرة وعلى فرعون وجنوده، وستغلبهم.

{ قُلْنَا} له تثبيتا وتطمينا:{ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} عليهم، أي:ستعلو عليهم وتقهرهم، ويذلوا لك ويخضعوا.

وهنا ثبته الله- تعالى- وقواه، وأوحى إليه- سبحانه- بقوله: قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى.

أى: قلنا له عند ما أوجس في نفسه خيفة من فعل السحرة: لا تخف يا موسى مما فعلوه، إنك أنت الأعلى عليهم بالغلبة والظفر. أنت الأعلى لأن معك الحق ومعهم الباطل.

وقد أكد الله- تعالى- هذه البشارة لموسى بجملة من المؤكدات أحدها: إن المؤكدة،وثانيها: تكرير الضمير وثالثها: التعبير بالعلو المفيد للاستعلاء عليهم.

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)

يعني تعالى ذكره بقوله: فأوجس في نفسه خوفا موسى فوجده.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[68] ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ﴾ أحوج ما يحتاج المؤمن لعبارات (العزة)؛ فبها ترتفع الهمة وتزكو النفس.
عمل
[68] ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ﴾ كن مع اللهِ ولا تبالي، فهو الذي يثبِّتُك، وينصرُك.
وقفة
[68] ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ﴾ لأنك خليفة الله في أرضه، فويل لمن أهان آدميته فتمسّح بحجر أو شجر أو بقر.
وقفة
[68] ﴿قُلنا لا تَخَف إِنَّكَ أَنتَ الأَعلى﴾ سبحانه جل شأنه نسب القول لنفسه وبصيغة الجمع؛ ليضفى طمأنينة وقوة لموسى عليه السلام، ووصفه سبحانه موسى بالأعلى يشرح صدره ويشعره بالقوة.

الإعراب :

  • ﴿ قُلْنا:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لا تَخَفْ:
  • لا: ناهية جازمة. تخف: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: سكون آخره وحذفت ألفه لالتقاء الساكنين وأصله «تخاف» والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن» أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل نصب توكيد لضمير المخاطب المؤكد «الكاف» في إنك. الأعلى: خبر «إن» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر أي الأغلب. ويجوز أن تكون «أنت» في محل رفع مبتدأ وخبره «الأعلى» والجملة الاسمية أَنْتَ الْأَعْلى» في محل رفع خبر «إن» بمعنى: إنك أنت المتفوق عليهم وفيه تقرير لغلبته وقهره وتفضيله.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [68] لما قبلها :     لما خاف موسى عليه السلام؛ طمأنه اللهُ عز و جل هنا، ونهاه عن الخوف، وبشره بأنه هو المنصور، قال تعالى:
﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [69] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ..

التفسير :

[69] وألق عصاك التي في يمينك تبتلع حبالهم وعصيهم، فما عملوه أمامك ما هو إلا مكر ساحرٍ وتخييل سِحْرٍ، ولا يظفر الساحر بسحره أين كان.

{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} أي:عصاك{ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} أي:كيدهم ومكرهم، ليس بمثمر لهم ولا ناجح، فإنه من كيد السحرة، الذين يموهون على الناس، ويلبسون الباطل، ويخيلون أنهم على الحق، فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا كله وأكلته، والناس ينظرون لذلك الصنيع، فعلم السحرة علما يقينا أن هذا ليس بسحر، وأنه من الله، فبادروا للإيمان.

وقوله- سبحانه-: وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا.. زيادة في تشجيعه وتثبيته.

وتلقف من اللقف بمعنى الأخذ للشيء بسرعة وخفة. يقال: لقف فلان يلقفه لقفا ولقفانا، إذا تناوله بسرعة وحذق باليد أو الفم.

وفي هذه الكلمات ثلاث قراءات سبعية، أحدها: «تلقّف» بتاء مفتوحة مخففة، بعدها لام مفتوحة، ثم قاف مشددة وفاء ساكنة، وأصل الفعل تتلقف، فحذفت إحداهما تخفيفا، وهو مجزوم في جواب الأمر وهو أَلْقِ.

وثانيها: تَلْقَفْ كالقراءة السابقة مع ضم الفاء، على أن الفعل خبر لمبتدأ محذوف.

أى: وألق ما في يمينك فهي تلقف ما صنعوا.

وثالثها: تَلْقَفْ بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف المخففة وجزم الفعل كالقراءة الأولى.

والمراد بما في يمينه عصاه، كما جاء ذلك صريحا في آيات أخرى منها قوله- تعالى-:

فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ.

وعبر عنها بقوله: ما فِي يَمِينِكَ على سبيل التهويل من شأنها، أو لتذكيره بما شاهده منها بعد أن قال الله- تعالى- له قبل ذلك وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى.. قالَ أَلْقِها يا مُوسى، فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى....

والمعنى: وألق يا موسى ما في يمينك تبتلع كل ما صنعه السحرة من تمويه وتزوير وتخييل، جعل الناس يتوهمون أن حبالهم وعصيهم تسعى.

قال ابن كثير: وذلك أنها صارت تنينا هائلا- أى حية عظيمة- ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصى حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهارا نهارا.. فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون .

وقوله: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ تعليل لقوله تَلْقَفْ ما صَنَعُوا وما موصولة وهي اسم إن، وكَيْدُ خبرها، والعائد محذوف.

والتقدير: وألق يا موسى عصاك تلقف ما صنعوه، فإن الذي صنعوه إنما هو كيد من جنس كيد السحرة وصنعهم وتمويههم.

وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أى ولا يفوز هذا الجنس من الناس حَيْثُ أَتى أى: حيث كان فحيث ظرف مكان أريد به التعميم.

أى: أن الساحر لا يفلح ولا يفوز أينما كان، وحيثما أقبل، وأنّى اتجه، لأنه يصنع للناس التخييل والتمويه والتزوير والتزييف للحقائق.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد. فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد .

ولهذا قال تعالى : ( إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) .

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد ، حدثنا ابن معاذ - أحسبه الصائغ - عن الحسن ، عن جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أخذتم - يعني الساحر - فاقتلوه " ثم قرأ : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) قال : " لا يؤمن به حيث وجد .

وقد روى أصله الترمذي موقوفا ومرفوعا .

فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه ، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه ، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل ، وأنه حق لا مرية فيه ، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون ، فعند ذلك وقعوا سجدا لله وقالوا : ( آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ) [ الشعراء : 47 ، 48 ] .

ولهذا قال ابن عباس ، وعبيد بن عمير : كانوا أول النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء بررة .

قال محمد بن كعب : كانوا ثمانين ألفا ، وقال القاسم بن أبي بزة : كانوا سبعين ألفا .

وقال السدي : بضعة وثلاثين ألفا .

وقال الثوري : عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ثمامة : كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفا .

وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفا .

وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن علي بن حمزة ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت السحرة سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيب بن واضح بمكة ، حدثنا ابن المبارك قال : قال الأوزاعي : لما خر السحرة سجدا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها .

وقوله ( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ) يقول تعالى ذكره: قلنا لموسى إذ أوجس في نفسه خيفة ( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ) على هؤلاء السحرة، وعلى فرعون وجنده، والقاهر لهم .

التدبر :

عمل
[69] ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ جعل معجزته في يده الأكرم (اليمين)، اعرض مميّزاتك ومواهبك بالشكل الأليق، وضعها في المكان الأنسب.
وقفة
[69] ‏﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ في كل عصر ومصر مهما بلغ بطش الطغاة وسحرهم وإفك إعلامهم؛ فإن عصا موسى لهم بالمرصاد ستلقفهم.
لمسة
[69] ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ أفرد اللفظ مع أنهم سحرة مجتمعون؛ ومن لطائف ذلك: أن الكيد إذا (اجتمع وتراكم) هان وضعف.
وقفة
[69] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ لا يفوز ولا ينجو الساحر حيث أتى من الأرض أو حيث احتال، ولا يحصل مقصوده بالسحر خَيرًا كان أو شرًّا.
وقفة
[69] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: (حيث أتى)، وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفيًا عامًا إلا عمن لا خير فيه؛ وهو الكافر.
وقفة
[69] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ السحر أذى وظلم للناس ومن يفعله مؤذي وظالم والله لايرضى بالظلم، والظالم المؤذي كيف ينال الفلاح؟
وقفة
[69] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ كيف لا يفلح والسحر منتشر؟ كيف لا يفلح والرسول صلى الله عليه وسلم سُحر؟ أليست (لا) النافية؟ الجواب: عدم الفلاح لا يعني عدم الانتشار، بل يعني أن الساحر لا يسعد حيث كان، وعاقبته الخسران.
تفاعل
[69] ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الخاسرين.
وقفة
[69] التلاعب بالتقنيات الإعلامية لتغيب معها الحقيقة فيها شبه بفعل سحرة فرعون! ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾، وعزاء أهل الحق ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾.
عمل
[69] أرسل رسالة تحذر فيها من السحر وأهله ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَلْقِ:
  • الواو استئنافية. ألق: فعل أمر مبني على حذف آخره-حرف العلة- والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ ما فِي يَمِينِكَ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في يمينك: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره: استقر. وجملة «استقر في يمينك» صلة الموصول لا محل لها والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ تَلْقَفْ:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. وأصله: تتلقف حذفت احدى تاءيه اختصارا.
  • ﴿ ما صَنَعُوا:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.صنعوا: بمعنى «زوروا وافتعلوا» فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «صنعوا» صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلا لأنه مفعول به التقدير ما صنعوه.
  • ﴿ إِنَّما صَنَعُوا:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ما صنعوا:أعربت. و «ما» في محل نصب اسم «إنّ».
  • ﴿ كَيْدُ ساحِرٍ:
  • كيد: خبر «إن» مرفوع بالضمة وهو مضاف. ساحر:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. يفلح:فعل مضارع مرفوع بالضمة-الساحر: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ حَيْثُ أَتى:
  • بمعنى: حيث كان وأين وجد. حيث: اسم مبني على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية بمنزلة «حين» في الزمان متعلق بلا يفلح الساحر. أتى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية «أتى» في محل جر بالاضافة'

المتشابهات :

الأعراف: 117﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
الشعراء: 45﴿فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
طه: 69﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [69] لما قبلها :     وبعد أن نهى اللهُ عز و جل موسى عليه السلام عن الخوف، وبشره بأنه هو المنصور؛ أمره هنا بأن يلقي عصاه، فانقلبتْ حيةً وابتلعتْ ما صنعُوه، قال تعالى:
﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تلقف:
1- بفتح اللام، وتشديد القاف مجزوما على جواب الأمر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بفتح اللام، وتشديد القاف والرفع على الاستئناف أو على الحال، وهى قراءة ابن عامر.
3- بإسكان اللام والفاء وتخفيف القاف، وهى قراءة أبى جعفر، وحفص، وعصمة، عن عاصم.
كيد:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، وهى قراءة مجاهد، وحميد، وزيد بن على.
ساحر:
1- اسم فاعل، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سحر، بكسر السين وإسكان الحاء، بمعنى: ذى سحر، وهى قراءة أبى بحرية، والأعمش، وطلحة، وابن أبى ليلى، وخلف، فى اختياره، وابن عيسى الأصبهانى، وابن جبير الأنطاكى، وابن جرير، وحمزة، والكسائي.

مدارسة الآية : [70] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا ..

التفسير :

[70] فألقى موسى عصاه، فبلعت ما صنعوا، فظهر الحق وقامت الحجة عليهم. فألقى السحرة أنفسهم على الأرض ساجدين وقالوا:آمنا برب هارون وموسى، لو كان هذا سحراً ما غُلِبْنا.

فوقع الحق وظهر وسطع، وبطل السحر والمكر والكيد، في ذلك المجمع العظيم.

ثم كانت بعد ذلك المفاجأة الكبرى فقد آمن السحرة حين رأوا ما رأوا بعد أن ألقى موسى ما في يمينه، قال- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.

قال الآلوسى: «والفاء في قوله فَأُلْقِيَ ... فصيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح» .

أى: فزال الخوف، وألقى موسى ما في يمينه، وصارت حية، وتلقفت حبالهم وعصيهم، وعلم السحرة أن ذلك معجزة، فخروا سجدا لله على وجوههم قائلين آمنا برب هارون وموسى.. .

والحق أن التعبير بقوله- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً.. يدل على قوة البرهان الذي عاينوه، حتى لكأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها، وأطلق- سبحانه- عليهم اسم السحرة في حال سجودهم له- تعالى- وإيمانهم به، نظرا إلى حالهم الماضية.

وهكذا النفوس النقية عند ما يتبين لها الحق، لا تلبث أن تفيء إليه، وتستجيب لأهله. قال الكرخي: خروا ساجدين لله لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم، عرفوا أنه ليس من السحر ألبتة .

وقال صاحب الكشاف: «ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود.

ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود. فما أعظم الفرق بين الإلقاءين» .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما توعد فرعون به السحرة، وموقفهم من هذا الوعيد فقال- تعالى-:

قال : وذكر عن سعيد بن سلام : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قوله : ( فألقي السحرة سجدا ) قال : رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم . وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة .

( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ) يقول: وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى.

وقوله ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى: إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر.

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر، ومكر السحر وخدعته: تخيله إلى المسحور، على خلاف ما هو به في حقيقته، فالساحر كائد بالسحر، والسحر كائد بالتخييل، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب، وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ ( كَيْدَ سِحْرٍ) بنصب كيد ، ومن قرأ ذلك كذلك، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد.

قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها.

وقوله ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) يقول: ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان. وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول: معنى ذلك: أن الساحر يُقتل حيث وُجد. وذكر بعض نحويي البصرة، أن ذلك في حرف ابن مسعود ( ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أيْنَ أتَى) وقال: العرب تقول: جئتك من حيث لا تعلم، ومن أين لا تعلم، وقال غيره من أهل العربية الأول: جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال: وأما قول العرب: جئتك من حيث لا تعلم، ومن أين لا تعلم، فإنما هو جواب لم يفهم، فاستفهم كما قالوا: أين الماء والعشب.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ مهما كان الماضي فالهداية قريبة، كانوا سحرةً فأصبحوا مهتدين بررةً.
وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ علماء كل فن هم أقرب الناس إلى الحق، لأن العلم وإن كان سحرًا وشعوذة يربي على شيء من الموضوعيّة.
وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ بينما تجهّز أدلّتك لتدمغ بها خصمك، إذ قذف الله الهداية في قلبه، فأمدّك بأدلة إضافيّة تؤيّد قولك ثم انصرف.
وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ كلما حررت فكرك من سيطرة الآخرين عليه كلما أبصرت الحق أكثر وضوحًا واخترته بإرادتك، فللعقل نور فلا تحجبه بالتقليد.
وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ قلوب الصادقين إن علمت خطأها تركته، ولن تبالي بأقوال الناس، ولن تجعل خوفها منهم أعظم من خوفها من الله.
وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾، ﴿فاقض ما أنت قاضٍ﴾ [72] سجدة واحدة فقط منحتهم هذا الثبات العظيم في وجه فرعون! كم صلاة صلينا؟! وهل لها أثر علينا؟!
وقفة
[70] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ فيه إشارةٌ إلى أن الله تعالى يَمُنّ على من يشاءُ بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت.
وقفة
[70] ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾ الإقدام ليس أنك تعرف الحق وتسكت، ولا تحرك ساكن، بل تجهر باتباعك له مهما كانت التضحيات مؤلمة وكبيرة.
وقفة
[70] ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾ في آيات أخرى ذكر الله عنهم أنهم قالوا: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ﴾ [الشعراء: 47، 48]، وسبب الاختلاف راجع لكثرة عددهم؛ لأن رؤساء السحرة كانوا سبعين، والسحرة قيل: إن عددهم يصل إلى سبعمائة، فكل تكلم من جهته، وبما يعرفه، والقرآن حكى جميع أقوالهم.
وقفة
[70] ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾ أخَّر موسى عن هارون، مع أنَّ هارون كان وزيرًا له؛ لموافقة الفواصل.
وقفة
[70] قالت السحرة: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾، وقال بعضهم: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الشعراء: 47، 48]؛ قدّم بعضهم موسى لفضله، وقدّم آخرون هارون لعُمره؛ فهارون أكبر سنًّا.
لمسة
[70] قالت السحرة: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾، ومرة قالوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الشعراء: 47، 48]؛ فمنهم من قال هذا، ومنهم من قال ذاك، قال بعض المفسرين: إن الله تعالى حتى ينقل لنا الصورة كاملة عما قاله السحرة نقلها بهذين الشكلين؛ لأنه ليس كل السحرة قالوا نفس القول.

الإعراب :

  • ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ:
  • الفاء: سببية. ألقي: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. السحرة: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ سُجَّداً:
  • حال منصوب بالفتحة بمعنى: فلما رأى السحرة ذلك خروا سجدا.
  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة بعدها في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ آمَنّا بِرَبِّ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل رفع فاعل. بربّ: جار ومجرور متعلق بآمنوا
  • ﴿ هارُونَ وَمُوسى:
  • هارون: مضاف اليه مجرور بالاضافة. وعلامة جره:الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف «التنوين» للعجمة والعلمية.وموسى: معطوف بالواو. على «هارون» ويعرب إعرابه ولم تظهر حركة الجر على الألف المقصورة للتعذر.'

المتشابهات :

الأعراف: 120﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
الشعراء: 46﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
طه: 70﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [70] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَ اللهُ عز و جل موسى عليه السلام أن يُلقيَ العصا؛ هنا حدثت المفاجأة الكبرى، فقد آمن السحرة حين رأوا أن العصا تحولت إلى حيَّة حقيقية، وابتلعت ما صنعوه، قال تعالى:
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [71] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ..

التفسير :

[71] قال فرعون للسحرة:أصدَّقتم بموسى، واتبعتموه، وأقررتم له قبل أن آذن لكم بذلك؟ إن موسى لَعظيمكم الذي عَلَّمكم السحر؛ فلذلك تابعتموه، فلأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم مخالفاً بينها، يداً من جهة ورِجْلاً من الجهة الأخرى، ولأصلبنَّكم -بربط أجسادكم- على جذوع النخل

فصارت بينة ورحمة للمؤمنين، وحجة على المعاندين فـ{ قَالَ} فرعون للسحرة:{ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} أي:كيف أقدمتم على الإيمان من دون مراجعة مني ولا إذن؟

استغرب ذلك منهم، لأدبهم معه، وذلهم، وانقيادهم له في كل أمر من أمورهم، وجعل هذا من ذاك.

ثم استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان، واستخف عقول قومه، وأظهر لهم أن هذه الغلبة من موسى للسحرة، ليس لأن الذي معه الحق، بل لأنه تمالأ هو والسحرة، ومكروا، ودبروا أن يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم، فقبل قومه هذا المكر منه، وظنوه صدقا{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} مع أن هذه المقالة التي قالها، لا تدخل عقل من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالواقع، فإن موسى أتى من مدين وحيدا، وحين أتى لم يجتمع بأحد من السحرة ولا غيرهم، بل بادر إلى دعوة فرعون وقومه، وأراهم الآيات، فأراد فرعون أن يعارض ما جاء به موسى فسعى ما أمكنه، وأرسل في مدائنه من يجمع له كل ساحر عليم.

فجاءوا إليه، ووعدهم الأجر والمنزلة عند الغلبة، وهم حرصوا غاية الحرص، وكادوا أشد الكيد، على غلبتهم لموسى، وكان منهم ما كان، فهل يمكن أن يتصور مع هذا أن يكونوا دبروا هم وموسى واتفقوا على ما صدر؟ هذا من أمحل المحال، ثم توعد فرعون السحرة فقال:{ فلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ}

كما يفعل بالمحارب الساعي بالفساد، يقطع يده اليمنى، ورجله اليسرى،{ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي:لأجل أن تشتهروا وتختزوا،{ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} يعني بزعمه هو أو الله، وأنه أشد عذابا من الله وأبقى، قلبا للحقائق، وترهيبا لمن لا عقل له.

أى: قال فرعون للسحرة بعد أن شاهدهم وقد خروا لله- تعالى- ساجدين: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أى: هل آمنتم لموسى وصدقتموه في دعوته وانقدتم له، قبل أن أعطيكم الإذن بذلك. فالاستفهام للتقريع والتهديد.

إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ أى: أن موسى الذي انقدتم له لهو كبيركم وشيخكم الذي علمكم فنون السحر، فأنتم تواطأتم معه. وآمنتم به لأنكم من أتباعه.

وغرضه من هذا القول صرف الناس عن التأسى بهم، وعن الإيمان بالحق الذي آمن به السحرة والظهور أمام قومه بمظهر الثبات والتماسك بعد أن استبد به وبهم الخوف والهلع، من هول ما رأوه.

ثم أضاف إلى قوله هذا تهديدا أشد فقال: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ.

أى: فو الله لأقطعن أيديكم اليمنى- مثلا- مع أرجلكم اليسرى، ولأصلبنكم على جذوع النخل، لتكونوا عبرة لغيركم ممن تسول له نفسه أن يفعل فعلكم.

فالمراد من قوله «من خلاف» أى: من الجهة المخالفة أو من الجانب بأن يقطع اليد اليمنى ومعها الرجل اليسرى، لأن ذلك أشد على الإنسان من قطعهما من جهة واحدة إذ قطعهما من جهة واحدة يبقى عنده شيء كامل صحيح، بخلاف قطعهما من جهتين مختلفتين فإنه إفساد للجانبين.

واختار أن يصلبهم في جذوع النخل، لأن هذه الجذوع أخشن من غيرها والتصليب عليها أشق من التصليب على غيرها، وأظهر للرائى لعلوها عن سواها. فهو لطغيانه وفجوره اختار أقسى ألوان العذاب ليصبها على هؤلاء المؤمنين.

قال الجمل: قوله: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يحتمل أن يكون حقيقة. وفي التفسير أنه نقر جذوع النخل حتى جوفها ووضعهم فيها فماتوا جوعا وعطشا.

ويحتمل أن يكون مجازا وله وجهان: أحدهما: أنه وضع حرفا مكان آخر، والأصل على جذوع النخل، والثاني: أنه شبه تمكنهم بتمكن من حواه الجذع واشتمل عليه.

وقال الكرخي «في» بمعنى «على» مجازا، من حيث إنه شبه تمكن المصلوب بالجذع، بتمكن المظروف في الظرف وهذا هو المشهور .

وقوله: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى تهديد فوق تهديد، ووعيد إثر وعيد.

أى: والله لتعلمن أيها السحرة أينا أشد تعذيبا لكم، وأبقى في إنزال الهلاك بكم، أنا أم موسى وربه.

وكأنه بهذا التهديد يريد أن يهون من كل عذاب سوى عذابه لهم، ومن كل عقاب غير عقابه إياهم.

وهذا التهديد التي حكاه الله- تعالى- هنا، قد جاء ما يشبهه في آيات أخرى منها قوله- تعالى-: قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ، إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ .

يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل ، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة ، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغلب كل الغلب - شرع في المكابرة والبهت ، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة ، فتهددهم وأوعدهم وقال ( آمنتم له ) أي : صدقتموه ( قبل أن آذن لكم ) أي : وما أمرتكم بذلك ، وافتتم علي في ذلك . وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى ، واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي ، لتظهروه ، كما قال في الآية الأخرى : ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ) [ الأعراف 123 ] .

ثم أخذ يتهددهم فقال : ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ) أي : لأجعلنكم مثلة [ ولأقتلنكم ] ولأشهرنكم .

قال ابن عباس : فكان أول من فعل ذلك . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : ( ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ) أي أنتم تقولون : إني وقومي على ضلالة ، وأنتم مع موسى وقومه على الهدى . فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه .

فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم ، هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل

القول في تأويل قوله تعالى : فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)

وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه وهو: فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحوّل ثعبانا، فالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي.

* ذكر الرواية عمن قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر، يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، قال: فتحت فما لها مثل الدحل، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر، ثم استوعبت كل شيء ألقوه من السحر، ثم جاء إليها فقبض عليها، فإذا هي عصا، فخرّ السحرة سجدا(قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) قال: فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون ( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) قال: فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون.

حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى فأوحى الله إليه لا تَخَفْ ( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا يَأْفِكُونَ ) فألقى عصاه فأكلت كل حية لهم، فلما رأوا ذلك سجدوا و ( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ).

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصيّ وخيل إليه أنها تسعى، وقال: والله إن كانت لعصيا في أيديهم، ولقد عادت حيات، وما تعدو عصاي هذه، أو كما حدّث نفسه، فأوحى الله إليه أن وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى وفرح موسى فألقى عصاه من يده، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقفها، تبتلعها حية حية، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا، قالوا: آمنا برب هارون وموسى، لو كان هذا سحر ما غلبنا.

التدبر :

وقفة
[71] ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾ ولما رأى فرعون إيمان السحرة تغيّظ ورام عقابهم، ولكنه علم أنّ العقاب على الإيمان بموسى بعد أن فتح باب المناظرة معه نكث لأصول المناظرة، فاختلق -للتشفّي من الذين آمنوا- علّة إعلانهم الإيمان قبل استئذانِ فرعون، فعدّ ذلك جرأة عليه.
وقفة
[71] ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ عندما يصل الإستبداد لمرحلة متقدمة يفرض المستبد عقله على الآخرين أنه هو العقل المفكر بالنيابة عنهم.
وقفة
[71] ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ في عُرف الطغاة ينبغي عليك أن تأخذ الإذن الرسمي قبل أن تؤمن بالله رب العالمين!
وقفة
[71] محاسبتك لإحسان المحسن وتركك لإساة المسيء مسلك جائر، ألا تقرأ قول فرعون لسحرته: ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾، فحاسبهم على إيمانهم لا على سحرهم!
وقفة
[71] ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ متى علّمهم ولم يمض على وجوده إلا أيامًا؟ أم أنها التهم المعلّبة التي لا يتعب أعوان الظلمة في سكّها؟
وقفة
[71] ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ إنما قال هذا تسترًا وتدليسًا على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ [الزخرف: 54].
وقفة
[71] ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ الماكر يعتقد أن الجميع يريدون المكر به وإحاكة المؤامرات ضده، لأن نفسه لم تتعود على الاستقامة.
وقفة
[71] يرعى سوءك ويسكت عنه ما دمت في صفه، فإذا تبت رماك بما كان يرعاه! ففرعون هو الذي علم السحرة، فلما آمنوا بموسى قال: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾.
وقفة
[71] الظالم لا يستحي أن يتهم خصمه بما يكذبه الواقع والمنطق، ففرعون هو من علم السحرة، فلما آمنوا ألقى التهمة على موسى ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾.
وقفة
[71] فرعون هو الذي جمع السحرة من المدينة واحدًا واحدًا ليهزم موسى، فلما خالفوه جعلهم خلية مؤامرة رئيسها موسى: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾.
وقفة
[71] ‏المستبدون ينسبون حتى فشلهم لخصومهم، جمع فرعون السحرة بنفسه وكافأهم إن غلبوا موسى، فلما آمنوا بموسى وتركوه، قال: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾.
وقفة
[71] ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ﴾ سياسة الترهيب وفرض السيطرة بالقوة هي أشبه بقصور الرمال، ستسقط مع موج الحق، فللباطل جولة وللحق جولات.
وقفة
[71] ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ﴾ دأب الطغاة التهديد بالعذاب الشديد لأهل الحق والإمعان في ذلك، للإذلال والإهانة.
وقفة
[71] من علامة ضعف عقول الطغـاة توعـد أهل الحق بالقوة والبطش ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾.
عمل
[71] أرسل رسالة تبشر فيها أنه ليس كل ما يهدد به الطغاة يقع؛ لأن الحكم لله أولا وآخرًا ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾.
وقفة
[71] أشهر من قتل المخالفين ليطول بقاؤه: فرعون، يبقى ولو أفنى ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾.
وقفة
[71] ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ الباطل لا يحاورك بما لك أو عليك، بل بلغة التهديد؛ لأنه لا يعترف أصلًا بحق الآخر، فالحق ما وافق هواه فقط.
لمسة
[71] قال: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ (أصلبنكم) يعدى بـ (على) أي: على جذوع، لكنه عدي بـ (في) لفائدة الانغماس وبيان شدة العذاب.
لمسة
[71] ﴿فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ في باب المجاز؛ فالأصل: (على جذوع النخل)، لكن: (في جذوع) أي يثبتهم فيها، يجعلها كأنها قبور لهم، ليدل على أنه صلبٌ متمكن، وأن المصلوب أُدخل في الجذع.
وقفة
[71] قال فرعون منتفخًا:‏ ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾ يعني أنا أو رب موسى! ‏وقد علمنا واللهِ علمَ اليقين.
وقفة
[71، 72] فرعون: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾، السحرة: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، عجيب أمرهم عمرهم بالإيمان قليل وثباتهم ثبات الجبال.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.أي قال فرعون والجملة بعده: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ آمَنْتُمْ لَهُ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك.التاء ضمير المخاطبين في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. له: جار ومجرور متعلق بآمنتم وقد عدي الفعل هنا باللام.
  • ﴿ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ:
  • ظرف زمان متعلق بآمنتم منصوب على الظرفية الزمانية وهو مضاف. أن: حرف مصدري ناصب. آذن: أي أسمح: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا وجملة «آذن» صلة الموصول الحرفي لا محل لها. لكم: جار ومجرور متعلق بآذن والميم علامة جمع الذكور و «أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير الغائب يعود على موسى مبني على الضم في محل نصب اسم «إن».لكبيركم: أي لرئيسكم. اللام لام التوكيد-المزحلقة-كبير: خبر «ان» مرفوع بالضمة.والكاف ضمير المخاطبين في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة-نعت-لكبيركم-علم: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. الكاف ضمير المخاطبين في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. السحر: مفعول به منصوب بالفتحة.وجملة عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ:
  • الفاء: سببية. اللام لام التوكيد. أقطعن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ أَيْدِيَكُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. الكاف ضمير المخاطبين في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ:
  • معطوفة بالواو على «أيديكم» وتعرب إعرابها. من خلاف: جار ومجرور بمعنى: أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى. و «من» لابتداء الغاية. والجار والمجرور مِنْ خِلافٍ» في محل نصب حال. أي لأقطعنها مختلفات.
  • ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ:
  • معطوفة بالواو على «لأقطعن» وتعرب إعرابها و «كم» أعربت في «علمكم» في جذوع: جار ومجرور متعلق بأصلب.النخل: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة أي في سيقان النخل.
  • ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ:
  • الواو: عاطفة. اللام لام التوكيد. تعلمن: فعل مضارع مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة. و «واو» الجماعة المحذوف لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع فاعل ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً:
  • ي ّ: اسم استفهام مرفوع بالضمة لأنه مبتدأ وهو مضاف و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. يريد فرعون نفسه لعنه الله وموسى «ع» ولم تعمل «لتعلمن» في «آينّا» النصب لأن «أي» لفظها لفظ‍ استفهام له الصدارة في الكلام. أشد: خبر «أينا» مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-أفعل-صيغة تفضيل.وبوزن الفعل. عذابا: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَأَبْقى:
  • معطوفة بالواو على «أشدّ» مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة على الألف للتعذر وتمييزها محذوف بمعنى: وادوم ايلاما. وعلق عمل «تعلمن» أي أبطل لفظا لا محلا لاعتراض ما له صدر الكلام بينها وبين معموليها والجملة الاسمية في محل نصب بتعلمن سدت مسد مفعوليها.'

المتشابهات :

الأعراف: 123﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ
طه: 71﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
الشعراء: 49﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     لما آمن السحرة؛ خافَ فرعونُ أن يقتدي الناسُ بهم؛ فهَدَّدَهم وتوعَّدَهم هنا بتقطيع الأيدي والأرجل والتصليب؛ ظنًّا منه أن يتراجعوا بعد هذا التهديد، قال تعالى:
﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [72] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا ..

التفسير :

[72] قال السحرة لفرعون:لن نفضلك، فنطيعك ونتبع دينك على ما جاءنا به موسى من البينات الدالة على صدقه، ووجوب متابعته وطاعة ربه، ولن نُفَضِّل ربوبيتك المزعومة على ربوبية الله الذي خلقنا، فافعل ما أنت فاعل بنا، إنما سلطانك في هذه الحياة الدنيا، وما تفعله بنا

ولهذا لما عرف السحرة الحق، ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق، أجابوه بقولهم:

{ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} أي:لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب، على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده، المعظم المبجل وحده، وأن ما سواه باطل، ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا، هذا لا يكون{ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} مما أوعدتنا به من القطع، والصلب، والعذاب.

{ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي:إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا، ينقضي ويزول ولا يضرنا، بخلاف عذاب الله، لمن استمر على كفره، فإنه دائم عظيم.

وهذا كأنه جواب منهم لقوله:{ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} وفي هذا الكلام، من السحرة، دليل على أنه ينبغي للعاقل، أن يوازن بين لذات الدنيا، ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.

ثم حكى- سبحانه- أن السحرة بعد أن استقر الإيمان في قلوبهم، قد قابلوا تهديد فرعون لهم بالاستخفاف وعدم الاكتراث فقال: قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ، وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ...

أى: قال السحرة في ردهم على تهديد فرعون لهم: لن نختارك يا فرعون ولن نرضى بأن نكون من حزبك، ولن نقدم سلامتنا من عذابك.. على ما ظهر لنا من المعجزات التي جاءنا بها موسى، والتي على رأسها عصاه التي ألقاها فإذا هي تبتلع حبالنا وعصينا.

وجملة «والذي فطرنا» الواو فيها للعطف على «ما» في قوله ما جاءَنا.

أى: لن نختارك يا فرعون على الذي جاءنا من البينات على يد موسى، ولا على الذي فطرنا أى خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة.

ويصح أن تكون هذه الواو للقسم، والموصول مقسم به، وجواب القسم محذوف دل عليه ما قبله، والمعنى: وحق الذي فطرنا لن نؤثرك يا فرعون على ما جاءنا من البينات.

وقوله: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ تصريح منهم بأن تهديده لهم لا وزن له عندهم، ورد منهم على قوله: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ.

أى: لن نقدم طاعتك على طاعة خالقنا بعد أن ظهر لنا الحق، فافعل ما أنت فاعله، ونفذ ما تريد تنفيذه في جوارحنا، فهي وحدها التي تملكها، أما قلوبنا فقد استقر الإيمان فيها، ولا تملك شيئا من صرفها عما آمنت به.

قال بعض العلماء: واعلم أن العلماء اختلفوا: هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به، أو لم يفعله بهم؟.

فقال قوم: قتلهم وصلبهم، وقوم أنكروا ذلك، وأظهر هما عندي: أنه لم يقتلهم، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله- تعالى- لأن الله قال لموسى وهارون: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ .

وقوله: إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا تعليل لعدم مبالاتهم بتهديده لهم.

أى: افعل يا فرعون ما أنت فاعله بأجسامنا، فإن فعلك هذا إنما يتعلق بحياتنا في هذه الحياة الدنيا، وهي سريعة الزوال، وعذابها أهون من عذاب الآخرة.

( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ) أي : لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين . ( والذي فطرنا ) يحتمل أن يكون قسما ، ويحتمل أن يكون معطوفا على البينات .

يعنون : لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، المبتدئ خلقنا من الطين ، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت .

( فاقض ما أنت قاض ) أي : فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك ، ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) أي : إنما لك تسلط في هذه الدار ، وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار .

وقوله ( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه: وقال فرعون للسحرة: أصدقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم ( إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ) يقول: إن موسى لعظيمكم ( الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ).

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: لما قالت السحرة ( آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) قال لهم فرعون، وأسف ورأى الغلبة والبينة: ( آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) : أي لعظيم السحار الذي علمكم.

وقوله: ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ) يقول: فلأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين، أو يسرى اليدين، ويمنى الرجلين، فيكون ذلك قطعا من خلاف، وكان فيما ذُكر أوّل من فعل ذلك فرعون، وقد ذكرنا الرواية بذلك. وقوله ( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) يقول: ولأصلبنكم على جذوع النخل، كما قال الشاعر:

هُـمْ صَلَبُـوا العَبْـدِيّ فِـي جِذعِ نَخْلَةٍ

فَــلا عَطَسَـتْ شَـيْبان إلا بأجْدَعـا (2)

يعني على، جذع نخلة، وإنما قيل: في جذوع، لأن المصلوب على الخشبة يرفع في طولها، ثم يصير عليها، فيقال: صلب عليها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا، وآمنوا عند ذلك، قال عدو الله ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ )... الآية.

حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال فرعون: ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) فقتلهم وقطعهم، كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وقال: كانوا في أوّل النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء.

وقوله ( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ) يقول: ولتعلمنَّ أيها السحرة أينا أشدّ عذابا لكم، وأدوم، أنا أو موسى.

---------------

الهوامش:

(2) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري ( اللسان : عبد ) قال : قال سيبويه : النسبة إلى عبد القيس عبدي ، وهو من القسم الذي أضيف فيه الأول ، لأنهم لو قالوا : قيسي ، لالتبس بالمضاف إلى قيس عيلان ونحوه ، قال سويد بن أبي كاهل : " وهو صلبوا . . . البيت " . قال ابن بري : قوله بأجدعا ، أي بأنف أجدع ، فحذف الموصوف ، وأقام صفته مكانه . واستشهد المؤلف بقوله : صلبوا العبدي في جذع نخلة أي على جذع نخلة ، كقول القرآن : وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ . وإنما ذلك على الاستعارة التبعية في الحرف ( في ) بتشبيه الاستعلاء بالظرفية ، بجامع التمكن في كل منهما

التدبر :

وقفة
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ﴾ الطغاة في كل زمن يظنون أنهم أهم من الحق، وأعظم من الله، ولكن يبقى الحق هو الأهم، والله هو الأعظم في قلب المؤمن.
وقفة
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ إن وضعت بموقف يتطلب منك خيار من عدة خيارات؛ فلا تختار الفاني على الباقي، مهما كانت المغريات.
تفاعل
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ قل: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
عمل
[72] لا تيأس من أحد؛ فالسحرة الذين جاءوا لنزال موسى صلبوا ولم يرتدوا ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾، ولا تفرط الثقة بأحد؛ فالذين عبروا معه البحر عبدوا العجل.
وقفة
[72] قد يعترض المتمسك بالحق مزاحمة لموارد رزقه فيؤثر ما عند الله الرزاق المتين ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾.
وقفة
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أظهروا استخفافهم بوعيده وبتعذيبه؛ إذ أصبحوا أهل إيمان ويقين، وكذلك شأن المؤمنين بالرسل إذا أشرقت عليهم أنوار الرسالة؛ فسرعان ما يكون انقلابهم عن جهالة الكفر وقساوته إلى حكمة الإيمان وثباته.
وقفة
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ وفي هذا الكلام من السحرة دليل على أنه ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
وقفة
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ الصدع بالحق لا يصدر غالبًا إلا من قلب معلَّق بالآخرة.
وقفة
[72] ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ ولمّا تمكّنَ الإيمانُ من قلوبهم علموا أنَّ عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة وأقلُّ بقاء، وأنَّ ما يحصل لهم في الآخرة من ثواب الإيمان أعظمُ وأنفعُ وأكثرُ بقاءً.
اسقاط
[72] إذا واجه الداعية تهديدًا أو بطشًا قارن بينه وبين ما ينتظره في الآخرة؛ فهان عليه وصبر ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
اسقاط
[72] ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ إذا كان هذا كلام سحرة عمرهم في الإيمان دقائق، فماذا صنع الإيمان بك يا مؤمن؟!
وقفة
[72] في الأزمات كل بلاء دون دينك عافية، قالوا: ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] ذكر الله في قصة السحرة أسباب الثبات: اليقين بالدليل: ﴿عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾، مباشرة القلب لحقيقة الدنيا والآخرة: ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، التعلق الكامل بالله: ﴿والله خير وأبقى﴾، وذكر الله عذاب المجرمين، وجزاء من تزكى، وباجتماع هذه الأمور عند العبد ييسر الله له الثبات.
وقفة
[72] ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ جيء بالموصول للإيماء إلى التعليل؛ لأن الفاطر هو المستحق للإيثار.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ حين يكبر في قلب المرء إيمانه بالله، يصغر كل خوف من المخلوق.
عمل
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ إن تبين لك درب الصواب فكن شجاعًا، وامض به، فالحياة مواقف، فليكن لك موقفًا مشرفًا رافضًا للتبعية وجانحًا للحق بكل قوته.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ الإيمان يصنع العجائب!
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ يا للروعة حينما تتخلص النفس من أوهامها.
اسقاط
[72] ﴿فَاقضِ ما أَنتَ قاضٍ﴾ كامل اليقين والاستسلام والرضا بقضاء الله، أين نحن من ذلك؟
وقفة
[72] إذا وقع الإيمان في القلب، واليقين الصادق بوعد الله، فلن يلتفت العبد إلى غيره ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾، مع أنهم كانوا سحرة!، لكن لما باشر الإيمان بشاشة قلوبهم؛ نسوا جبروت الظالم فرعون.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ إدراك حقيقة هذه الحياة الدنيا من أعظم أسباب الثبات.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أشد الأسلحة فتكًا بالطغاة: تهميشهم وعدم المبالاة بتهديداتهم.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ فافعل ما شئت، وما وصلت إليه يدك، إنما لك تسلط في هذه الدار، وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ الإيمان يغير الإنسان خلال لحظات، فقد كانوا سحرة يعبدون الدنيا، فلما آمنوا أصبحوا شهداء يبذلون أرواحهم في سبيل الله، وهذا يدلنا على أن الشعوب التي تؤمن بالله واليوم الآخر لا تحتاج سنوات طويلة للتغير إذا صدق إيمانها.
وقفة
[72] ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ الإيمان يصنع المعجزات؛ فقد كان إيمان السحرة أرسخ من الجبال، فهان عليهم عذاب الدنيا, ولم يبالوا بتهديد فرعون.
وقفة
[72] ثمن الحرية باهظ ولكنك تدفعه في العمر مرة واحدة، أما العبودية التي تبدوا رخيصة فتكلفك كل يوم ماء وجهك! تأمل رد السحرة عندما هددهم فرعون بالقتل والصلب لما آمنوا: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
اسقاط
[72] تصبح في أعلى مراتب الإيمان؛ عندما تجعل الدنيا في أدنى المراتب عندك ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] مساكين طواغيت الدنيا؛ يظنون أنهم يملكون من الأمر شيئًا، وإنما الأمر كله لله ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] كلما اشتد الابتلاء قرب الفرج ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] كان سحرة فرعون آية في اليقين الصحيح والإخلاص العالي عندما رفضوا الإغراء، وحقروا الإرهاب، وداسوا حب المال والجاه، وقالوا للملك الجبار: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، وشتان بين هؤلاء الذين يستهينون بالدنيا في سبيل الله، وبين الذين يسخرون الدين نفسه في التقرب من كبير أو الاستحواذ على حقير.
وقفة
[72] الصدع بكلمة الحق لا يأتي إلا بعد تبني مبدأ: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أجهزوا على خوفهم وحزنهم باحتقار الدنيا، ياله من دواء ناجع!
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ لم يمضِ على إيمانِهم سوى دقائق، ومع ذلكَ عَرفُوا حقيقةَ الدُّنيا وحقارتَها بجوارِ الآخِرةِ.
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ قبل دقائق كانوا يبحثون عن الأجرة الدنيوية، فلما غمرتهم الهداية باتت الدنيا شيئًا تافهًا لا يستحق التضحية.
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ مهما ضيق عليك، ومهما ينالك من الأذى؛ فتأكد أن هذه الحياة بهمها وكدرها ستنهي ويستراح منها.
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ تأمل كيف انكمشت كل الدنيا في عيون المؤمنين، وغدت حقيرة حتى أصبح يشار إليها برأس الأصبع، وبإشارة القريب هذه الحياة الدنيا.
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ كل ما يمكن أن تفعله أيها الظالم، لا يتجاوز حياة فانية زائلة، فابشر أيها المظلوم.
وقفة
[72] ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ ليس هناك تحد أعظم من هذا يتحدى به الإنسان مخاوفه وأعداءه، غاية ما يمكن أن يفعله كل الخلائق بك هو الدنيا فحسب.
وقفة
[72] ﴿إِنَّما تَقضي هذِهِ الحَياةَ الدُّنيا﴾ أقصى ما يستطيع أن يضرك أحدهم هو ما قدره الله لك.
وقفة
[72] السحرة قبل الإيمان: حرص على الدنيا: ﴿إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾ [الأعراف: 113]، وبعد الإيمان: استهانه بالدنيا ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾؛ الإيمان يجعل الدنيا = لا شئ.
وقفة
[72] من ارتحل بقلبه إلى الآخرة وأيقن بحسن إختيار ربه لهما ضره ما فاته من الدنيا ولا بكى على شئ منهافهو يراها جسراوالجسر موضعه تحت القدم ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] إنما خلقت الدنيا لتجوزها، لا لتعمرها؛ فاقتل هواك المائل إليها، واقبل نصحي، لا تعول عليها ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] الحقيقة التي لا خلاف عليها هي الموت، ورغم ذلك نتعامل معه كوهم، والوهم الذي لا خلاف عليه هو الخلود، ورغم ذلك نتعامل معه كحقيقة ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] الدنيا جسر يعبر ولا يبنى عليه ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72] ما أعظم حكمة الله في إمهال القتلة المجرمين! وما أعده لعباده المظلومين! ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
وقفة
[72، 73] قد يتسلط شيطان البشر على كل شيء فيك، وكل شيء حولك إلا شيئًا واحدًا، إنه قلبك إذا اتصل بربك، فتأمل قصة آسية امرأة فرعون، وتأمل قول السحرة حين آمنوا: ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير الغائبين في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ:
  • لن: حرف نفي ونصب واستقبال. نؤثرك: أي نختارك:فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والكاف ضمير المخاطب في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ عَلى ما جاءَنا:
  • حرف جر. ما: اسم موصول بمعنى «الذي» مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بنؤثر. جاء: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» و «نا» ضمير المتكلمين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ مِنَ الْبَيِّناتِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «ما» بمعنى من الآيات أو المعجزات الواضحات بحذف الموصوف المجرور واحلال الصفة محله وجملة جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَالَّذِي فَطَرَنا:
  • معطوفة بالواو على ما جاءَنا» وتعرب إعرابها. بمعنى وعلى الله الذي خلقنا ويجوز أن تكون الواو واو القسم وهي حرف جر.الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر مقسم به. والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف.
  • ﴿ فَاقْضِ:
  • بمعنى: «فافعل» الفاء استئنافية. اقض: فعل أمر مبني على حذف آخره «الياء» حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.
  • ﴿ ما أَنْتَ قاضٍ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. قاض:خبر «أنت» مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة من آخره لأنه اسم منقوص أو لالتقاء الساكنين سكونها وسكون التنوين والجملة الاسمية «أنت قاض» صلةالموصول لا محل لها من الإعراب. بمعنى: فافعل ما أنت فاعل بنا ممّا تهدّدنا به من أنواع التعذيب فلا نبالي به ما دمنا على الحق.
  • ﴿ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. تقضي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.هذه: اسم اشارة مبني على الكسر في محل نصب على الظرفية بمعنى إنما تصنع ما تهواه وتتحكم فينا في هذه الحياة الدنيا وهي لا تدوم أو انما تقضي في متاعها. أو يكون اسم الاشارة في محل نصب بتقضي بعد الاتساع في الظرف باجرائه مجرى المفعول به كقولك في «صمت يوم الجمعة» صيم يوم الجمعة.
  • ﴿ الْحَياةَ الدُّنْيا:
  • الحياة: صفة أو بدل من اسم الاشارة منصوبة مثله وعلامة تصبها الفتحة الظاهرة. الدنيا: صفة-نعت-للحياة منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والعائد في صلة الموصول أَنْتَ قاضٍ» ضمير مجرور محلا لأنه مضاف اليه. التقدير «ما أنت قاضيه» والضمير يعود على «ما».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     وبالرغمِ من شدَّةِ التَّهديدِ؛ لم يتراجعِ السحرةُ عن إيمانِهم، بل أظهروا استخفافهم بتهديد فرعون ووعيده، قال تعالى:
﴿ قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تقضى:
1- مبنيا للفاعل، خطابا لفرعون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مبنيا للمفعول، وهى قراءة أبى حيوة.

مدارسة الآية : [73] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا ..

التفسير :

[73] إنَّا آمنا بربنا وصدَّقْنا رسوله وعملنا بما جاء به؛ ليعفو ربُّنا عن ذنوبنا، وما أكرهتنا عليه مِن عمل السحر في معارضة موسى. والله خير لنا منك –يا فرعون- جزاء لمن أطاعه، وأبقى عذاباً لمن عصاه وخالف أمره.

{ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} أي:كفرنا ومعاصينا، فإن الإيمان مكفر للسيئات، والتوبة تجب ما قبلها، وقولهم،{ وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} الذي عارضنا به الحق، هذا دليل على أنهم غير مختارين في عملهم المتقدم، وإنما أكرههم فرعون إكراها.

والظاهر -والله أعلم- أن موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله:{ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} أثر معهم، ووقع منهم موقعا كبيرا، ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة، ثم إن فرعون ألزمهم ذلك، وأكرههم على المكر الذي أجروه، ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل إتيانهم، حيث قالوا:{ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا} فجروا على ما سنه لهم، وأكرههم عليه، ولعل هذه النكتة، التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحق بالباطل وفعلهم، ما فعلوا على وجه الإغماض، هي التي أثرت معهم، ورحمهم الله بسببها، ووفقهم للإيمان والتوبة،{ والله خير} مما وعدتنا من الأجر والمنزلة والجاه، وأبقى ثوابا وإحسانا لا ما يقول فرعون:{ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} يريد أنه أشد عذابا وأبقى. وجميع ما أتى من قصص موسى مع فرعون، يذكر الله فيه إذا أتى على قصة السحرة، أن فرعون توعدهم بالقطع والصلب، ولم يذكر أنه فعل ذلك، ولم يأت في ذلك حديث صحيح، والجزم بوقوعه، أو عدمه، يتوقف على الدليل، والله أعلم بذلك وغيره، ولكن توعده إياهم بذلك مع اقتداره، دليل على وقوعه، ولأنه لو لم يقع لذكره الله، ولاتفاق الناقلين على ذلك.

إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا وخالقنا ومالك أمرنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا السالفة، التي اقترفناها بسبب الكفر والإشراك به- سبحانه-.

وَليغفر لنا ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ لكي نعارض به موسى- عليه السلام- معارضة من هو على الباطل لمن هو على الحق، وقد كنا لا نملك أن نعصيك.

وخصوا السحر بالذكر مع دخوله في خطاياهم، للإشعار بشدة نفورهم منه، وبكثرة كراهيتهم له بعد أن هداهم الله إلى الإيمان.

وقوله: وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى تذييل قصدوا به الرد على قول فرعون لهم: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى.

أى: والله- تعالى- خير ثوابا منك يا فرعون، وأبقى جزاء وعطاء، فإن ثوابه- سبحانه- لا نقص معه، وعطاءه أبقى من كل عطاء.

( إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ) أي : ما كان منا من الآثام ، خصوصا ما أكرهتنا عليه من السحر لنعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( وما أكرهتنا عليه من السحر ) قال : أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالفرما ، وقال : علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض . قال ابن عباس : فهم من الذين آمنوا بموسى ، وهم من الذين قالوا : ( [ إنا ] آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ) .

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقوله : ( والله خير وأبقى ) أي : خير لنا منك ) وأبقى ) أي : أدوم ثوابا مما كنت وعدتنا ومنيتنا . وهو رواية عن ابن إسحاق ، رحمه الله .

وقال محمد بن كعب القرظي : ( والله خير ) أي : لنا منك إن أطيع ، ( وأبقى ) أي : منك عذابا إن عصي .

وروي نحوه عن ابن إسحاق أيضا :

والظاهر أن فرعون - لعنه الله - صمم على ذلك وفعله بهم ، رحمهم الله; ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف : أصبحوا سحرة ، وأمسوا شهداء .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)

يقول تعالى ذكره: قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به ( لَنْ نُؤْثِرَكَ ) فنتبعك ونكذب من أجلك موسى ( عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) يقول: قالوا: لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات، وعلى الذي فطرنا، ويعني بقوله (فَطَرَنا) خلقنا، فالذي من قوله ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) خفض على قوله ( مَا جَاءَنَا ) وقد يحتمل أن يكون قوله ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) خفضا على القسم، فيكون معنى الكلام: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله، وقوله ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) &; 18-341 &; يقول: فاصنع ما أنت صانع، واعمل بنا ما بدا لك ( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) يقول: إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى، ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه ( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ) أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) أي اصنع ما بدا لك ( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) أي ليس لك سلطان إلا فيها، ثم لا سلطان لك بعده.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[73] ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه: «كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء».
وقفة
[73] ﴿إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكرَهتَنا عَلَيهِ مِنَ السِّحرِ وَاللَّهُ خَيرٌ وَأَبقى﴾ تأملوا، لقد آمنوا للتو، ولكن نور الهداية فى قلوبهم انطقهم دررًا.
تفاعل
[73] ﴿لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ ادعُ الله الآن أن يغفر لك.
وقفة
[73] ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ كانوا مقهورين من فرعون وطغيانه، وقيل: كان يأمر أن يعلموا السحر لغيرهم، وسجودهم الجماعي كما قال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ﴾ [70] يشهد على أنهم كانوا مكرهين على السحر، فإنهم عند السجود لم يشذ منهم أحد.
عمل
[73] ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ اصرخ بوجه الباطل، ولا تتعثر كلماتك، ولا تتردد، فمواجهتك للظالم وثبات موقفك أمامه نصف النصر عليه.
وقفة
[73] ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ (خيرٌ) من كلِّ مَرجوٍ، (وأبقى) من كلِّ مرهوبٍ.
وقفة
[73] ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ أيقنوا بالعطاء، فاستعذبوا البلاء، وتحملوا اللأواء.
وقفة
[73] توجه للباقي الذي بيده الخير كله ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾.
وقفة
[73] إذا تركتَ شيئًا لله، ثم أتاك الشيطان أو حدثتك نفسك بالندم على تركه، فقل لها ما قاله السحرة حين آمنوا: ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾.
وقفة
[73] بعدما فقدوا قربهم من فرعون؛ قال سحرة فرعون: ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾، إذا بقي لك الله فلا يضرك ما فات.
وقفة
[73] ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ مهما جاملت الباطل ووقفت في صفه مؤيدًا، ومهما ملك الباطل من سطوة ونفوذ قاهر بنهاية لن يغنوا عنك من الله شيئًا.
اسقاط
[73] يعلمنا الموت في كل لحظة: ﴿وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾، يوقظنا من سبات اللهو والغفلة، كأنه يقول: كفاك انشغالًا بالدنيا، استعد للآخرة! حُسن المآل يا رب.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
  • «إِنَّا» إن واسمها «آمَنَّا» ماض وفاعله والجملة خبر إن «بِرَبِّنا» متعلقان بآمنا ونا مضاف إليه «لِيَغْفِرَ» اللام للتعليل والفعل المضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل والفاعل مستتر وأن وما بعدها في محل جر باللام وهما متعلقان بآمنا «لَنا» متعلقان بيغفر «خَطايانا» مفعول به منصوب ونا في محل جر مضاف إليه «وَ» الواو عاطفة «ما» اسم موصول في محل نصب معطوف على خطايانا «أَكْرَهْتَنا» ماض وفاعله ومفعوله «عَلَيْهِ» متعلقان بأكرهتنا والجملة لا محل لها لأنها صلة «مِنَ السِّحْرِ» متعلقان بمحذوف حال «وَاللَّهُ خَيْرٌ» الواو عاطفة والمبتدأ والخبر جملة معطوفة «وَأَبْقى » معطوف على خير بالرفع.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     ولَمَّا أظهرَ السحرةُ استخفافَهم بتهديد فرعون ووعيده؛ عَلَّلَوا هنا تعظيمهم لله واستهانتهم بفرعون بقولهم:
﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [74] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا ..

التفسير :

[74] قال الله تعالى:إنَّ الأمرَ مَن يأت ربه كافراً به فإن له نار جهنم يُعَذَّب بها، لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها.

يخبر تعالى أن من أتاه، وقدم عليه مجرما -أي:وصفه الجرم من كل وجه، وذلك يستلزم الكفر- واستمر على ذلك حتى مات، فإن له نار جهنم، الشديد نكالها، العظيمة أغلالها، البعيد قعرها، الأليم حرها وقرها، التي فيها من العقاب ما يذيب الأكباد والقلوب، ومن شدة ذلك أن المعذب فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له.

نعم إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ{ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}

وقوله- عز وجل-: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً ... يصح أن يكون كلاما مستأنفا ساقه الله- تعالى- لبيان سوء عاقبة المجرمين، وحسن عاقبة المؤمنين.

ويصح أن يكون من بقية كلام السحرة في ردهم على فرعون.

والمعنى: إِنَّهُ أى الحال والشأن مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ يوم القيامة في حال كونه مُجْرِماً.

أى: مرتكبا لجريمة الكفر والشرك بالله- تعالى- فَإِنَّ لَهُ أى: لهذا المجرم جَهَنَّمَ يعذب فيها عذابا شديدا من مظاهره أنه لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا يَحْيى حياة فيها راحة.

كما قال- تعالى-: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها، كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ .

الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرة لفرعون ، يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي ، ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد ، فقالوا : ( إنه من يأت ربه مجرما ) أي : يلقى الله يوم القيامة وهو مجرم ( فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا ) كقوله : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ) [ فاطر : 36 ] ، وقال : ( ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) [ الأعلى : 11 - 13 ] ، وقال تعالى : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ) [ الزخرف : 77 ] .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا إسماعيل ، أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أهل النار الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن [ الناس ] تصيبهم النار بذنوبهم ، فتميتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما ، أذن في الشفاعة ، جيء بهم ضبائر ضبائر ، فبثوا على أنهار الجنة ، فيقال : يا أهل الجنة ، أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل " فقال رجل من القوم : كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية .

وهكذا أخرجه مسلم في كتابه الصحيح من رواية شعبة وبشر بن المفضل ، كلاهما عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد به .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا أبي حدثنا حيان ، سمعت سليمان التيمي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية : ( إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما أهلها الذين هم أهلها ، فلا يموتون فيها ولا يحيون ، وأما الذين ليسوا من أهلها ، فإن النار تمسهم ، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون ، فتجعل الضبائر ، فيؤتى بهم نهرا يقال له : الحياة - أو : الحيوان - فينبتون كما ينبت القثاء في حميل السيل " .

وقوله ( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ) يقول تعالى ذكره: إنا أقررنا بتوحيد ربنا، وصدقنا بوعده ووعيده، وأن ما جاء به موسى حق ( لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ) يقول: ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) يقول: ليغفر لنا ذنوبنا، وتعلمنا ما تعلمناه من السحر، وعملنا به الذي أكرهتنا على تعلُّمه والعمل به ، وذُكر أن فرعون كان أخذهم بتعليم السحر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني موسى بن سهل، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى: ( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) قال: غلمان دفعهم فرعون إلى السحرة، تعلمهم السحر بالفَرَما.

حدثي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) قال: أمرهم بتعلم السحر، قال: تركوا كتاب الله، وأمروا قومهم بتعليم السحر.

(وما أكرهتنا عليه من السحر) قال: أمرتنا أن نتعلمه.

وقوله ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) يقول: والله خير منك يا فرعون جزاء لمن أطاعه، وأبقى عذابا لمن عصاه وخالف أمره.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) : خير منك ثوابا، وأبقى عذابا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب، ومحمد بن قيس في قول الله ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) قالا خيرا منك إن أطيع، وأبقى منك عذابا إن عُصي.

التدبر :

وقفة
[74] ﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ﴾ فلا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته، وقيل: نفس الكافر معلقة في حنجرته، كما أخبر الله تعالى عنه، فلا يموت بفراقها، ولا يحيا باستقرارها.
لمسة
[74] ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ﴾ جعل الباري جهنم للمجرمين مستحقة، وكأنها لهم وهم صائرون إليها لا محالة، وعذابهم فيها متجدد، ولذلك وُصِف المجرم بأنه لا ميّت ولا حيّ، وهذا في ظاهره يوحي بتناقض، ولكن الله أراد أن يسلب عنهم خصائص الحياة الكريمة، فحياتهم مليئة بالكدر والعذاب والألم.
وقفة
[74] ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ﴾ الجزاء من جنس العمل، فكما أنهم في الدنيا لهم حياة البدن دون الروح، فليسوا بالأموات ولا الأحياء؛ فكذلك في جهنم، نعوذ بالله من الله وعذابه.
تفاعل
[74] ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[74] ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ﴾ أصعب حياة ألا تكون مع الموتى فتستريح، ولا مع الأحياء فتسعد.
وقفة
[74، 75] الناس إما مؤمن أو مجرم ﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّهُ مَنْ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير الشأن مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والجملة الاسمية بعدها: في محل رفع خبر «إن» من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
  • ﴿ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً:
  • فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.ربه: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. والهاء ضمير الغائب يعود على «من» مبني على الضم في محل جر بالاضافة. مجرما: حال منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم.الفاء: رابطة لجواب الشرط‍.ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.له: جار ومجرور متعلق بخبر «إن» المقدم. جهنم: اسم «إن» مؤخر منصوب بالفتحة ولم تنون الكلمة لأنها ممنوعة من الصرف-التنوين-على العلمية والتأنيث.
  • ﴿ لا يَمُوتُ فِيها:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب حال. لا: نافية لا عمل لها. يموت: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. فيها: جار ومجرور متعلق بيموت والجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر «من».
  • ﴿ وَلا يَحْيى:
  • معطوفة بالواو على «لا يموت» وتعرب إعرابها. وعلامة رفع الفعل: الضمة المقدرة على الألف للتعذر بمعنى: يلقى في جهنم مع أمثاله المجرمين لا يقضى عليه فيها فيموت ويستريح ولا يمنح وسائل البقاء فيحيا حياة طيبة.'

المتشابهات :

طه: 74﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ
التوبة: 63﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا
الجن: 23﴿وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [74] لما قبلها :     وبعد كلام السحرة السابق؛ أَيَّدَ اللهُ عز و جل كلامَهم هنا، وبَيَّنَ قاعدة الجزاء الأخروي الذي أعده للمؤمنين والكافرين؛ لبيان قبح ما فعله فرعون، وحُسن ما فعله السحرة؛ ترهيبًا وترغيبًا للناس إلى قيام الساعة، قال تعالى:
﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [75] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ ..

التفسير :

[75] ومن يأت ربه مؤمناً به قد عمل الأعمال الصالحة فله المنازل العالية

ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله، متبعا لكتبه{ قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ} الواجبة والمستحبة،{ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} أي:المنازل العاليات، وفي الغرف المزخرفات، واللذات المتواصلات، والأنهار السارحات، والخلود الدائم، والسرور العظيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين فقال: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً به إيمانا حقا، وقَدْ عَمِلَ الأعمال الصَّالِحاتِ بجانب إيمانه. فَأُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات لَهُمُ بسبب إيمانهم وعملهم الصالح الدَّرَجاتُ الْعُلى أى: المنازل الرفيعة، والمكانة السامية.

وقوله : ( ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ) أي : ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب ، قد صدق ضميره بقوله وعمله ، ( فأولئك لهم الدرجات العلا ) أي : الجنة ذات الدرجات العاليات ، والغرف الآمنات ، والمساكن الطيبات .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، أنبأنا همام ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ومنها تخرج الأنهار الأربعة ، والعرش فوقها ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " .

ورواه الترمذي ، من حديث يزيد بن هارون ، عن همام ، به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، أخبرنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه قال : كان يقال : الجنة مائة درجة ، في كل درجة مائة درجة ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فيهن الياقوت والحلي ، في كل درجة أمير ، يرون له الفضل والسؤدد .

وفي الصحيحين : " أن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء ، لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء؟ قال : " بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .

وفي السنن : " وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما " .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (74)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة لفرعون ( إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ ) من خلقه (مُجْرِما) يقول: مكتسبا الكفر به، ( فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ ) يقول: فإن له جهنم مأوى ومسكنا، جزاء له على كفره ( لا يَمُوتُ فِيهَا ) فتخرج نفسه ( وَلا يَحْيَا ) فتستقر نفسه في مقرها فتطمئن، ولكنها تتعلق بالحناجر منهم .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

تفاعل
[75] ﴿فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً:
  • أعربت في الآية الكريمة السابقة. والهاء في «يأته» ضمير متصل في محل نصب للتعظيم مفعول به.
  • ﴿ قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ:
  • قد: حرف تحقيق. عمل: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «الصالحات» مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. بمعنى قد عمل صالحا في دنياه. وجملة «قد عمل الصالحات» في محل نصب حال ثان بتقدير: عاملا الصالحات. ويجوز أن تكون اعتراضية بين فعل الشرط‍ وجوابه لا محل لها.
  • ﴿ فَأُولئِكَ:
  • لفاء: واقعة في جواب الشرط‍.أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب.
  • ﴿ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «أولئك» والجملة الاسمية «فأولئك مع خبرها» جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. لهم: اللام: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. الدرجات: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. العلى: صفة-نعت-للدرجات مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. أي العليا. والعلى. جمع «عليا» وعليا: مؤنث أعلى» بمعنى:لهم المنازل الرفيعة والمكانات السامية.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [75] لما قبلها :     وبعد ذكر جزاء من يأتي ربَّه مجرمًا؛ جاء هنا ذكر جزاء من يأتي ربَّه مؤمنًا قد عمل الصالحات، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [76] :طه     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ..

التفسير :

[76]في جنات الإقامة الدائمة، تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار ماكثين فيها أبداً، وذلك النعيم المقيم ثواب من الله لمن طهَّر نفسه من الدنس والخبث والشرك، وعبد الله وحده فأطاعه واجتنب معاصيه، ولقي ربه لا يشرك بعبادته أحداً من خلقه.

{ وَذَلِكَ} الثواب،{ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} أي:تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان، إما أن لا يفعلها بالكلية، أو يتوب مما فعله منها، وزكى أيضا نفسه، ونماها بالإيمان والعمل الصالح، فإن للتزكية معنيين، التنقية، وإزالة الخبث، والزيادة بحصول الخير، وسميت الزكاة زكاة، لهذين الأمرين.

وقوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يدل على الدرجات العلى.

أى: لهم جنات باقية دائمة تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار خالِدِينَ فِيها خلودا أبديا.

وَذلِكَ العطاء الجزيل الباقي جزاء من تزكى، أى من تطهر وتجرد من دنس الكفر والمعاصي.

وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد صورت لنا بأسلوبها البليغ المؤثر، تلك المحاورات الطويلة التي دارت بين موسى وفرعون والسحرة.. والتي انتهت بانتصار الحق واندحار الباطل.

ثم ساق- سبحانه- جانبا من النعم التي أنعم بها على بنى إسرائيل، وحذرهم من جحودها، فقال- تعالى-:

وقوله : ( جنات عدن تجري ) أي : إقامة وهو بدل من الدرجات العلى ، ( [ تجري من تحتها الأنهار ] خالدين فيها ) أي : ماكثين أبدا ، ( وذلك جزاء من تزكى ) أي : طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك ، وعبد الله وحده لا شريك له ، وصدق المرسلين فيما جاءوا به من خبر وطلب .

( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا ) موحدا لا يُشرك به ( قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ ) يقول: قد عمل ما أمره به ربه، وانتهى عما نهاه عنه ( فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) يقول: فأولئك الذين لهم درجات الجنة العلى.

التدبر :

لمسة
[76] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ كم تريح هذه الجملة النفوس، وتخفف عنها العناء، فهناك لا هم ولا أحبه راحلين، بل سلام من رب رحيم، وأخوة على سرر متقابلين.
تفاعل
[76] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ سَل الله الجنة الآن.

الإعراب :

  • ﴿ جَنّاتُ عَدْنٍ:
  • بمعنى: جنات استقرار وإقامة. جنات: بدل من الدَّرَجاتُ الْعُلى» مرفوعة مثلها بالضمة. أو خبر مبتدأ محذوف بتقدير:هي جنات عدن. أو مبتدأ خبره الجملة الفعلية تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ». عدن: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع صفة-نعت- لجنات عدن. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل.من تحت: جار ومجرور متعلق بتجري أو بحال من الأنهار أي تجري الأنهار كائنة تحتها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.الأنهار: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ خالِدِينَ فِيها:
  • حال من «ها» في «تحتها» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. فيها: جار ومجرور متعلق بخالدين.
  • ﴿ وَذلِكَ جَزاءُ:
  • الواو: استئنافية. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. والاشارة الى الخلود في جنات عدن. جزاء: خبر «ذلك» مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مَنْ تَزَكّى:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. تزكى:أي تطهر: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «تزكى» صلة الموصول لا محل لها.'

المتشابهات :

المائدة: 29﴿إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ
المائدة: 85﴿فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ
التوبة: 26﴿وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
طه: 76﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى
الحشر: 17﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [76] لما قبلها :     لما ذكرَ اللهُ عز و جل أن للمؤمنين الدرجات العلا؛ فسر هنا تلك الدرجات العلا، فقال تعالى:
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف