22313141516171819

الإحصائيات

سورة هود
ترتيب المصحف11ترتيب النزول52
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.00
عدد الآيات123عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.90
ترتيب الطول8تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء12عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 5/29آلر: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (13) الى الآية رقم (16) عدد الآيات (4)

لمَّا طلبَ مُشركُو مكّةَ إنزالَ كنزٍ أو مجيءَ مَلَكٍ معَ النَّبي ﷺ يُصَدِّقُه، تحدَّاهُم بأن يأتُوا بعشرِ سورٍ من القرآنِ، فإن عجزُوا تأكَّد أنَّه من عندِ اللهِ، ولمَّا كانَ سببُ التّكذيبِ هو حظوظُ الدُّنيا ذمَّ من يريدُ بعملِه الدنيا.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (17) الى الآية رقم (19) عدد الآيات (3)

بعدَ أنْ ذكرَ اللهُ تعالى منْ كانَ يريدُ الدُّنيا، أعقبَه هنا بذكرِ من كانَ يريدُ الآخرةَ ويعملُ لها، ثم بيان ذُلّ المكذِّبينَ وفضيحتِهم في الآخرةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة هود

الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف/ التوازن (أو: الثبات على الحق دون تهور أو ركون)

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • السورة تقدم 7 نماذج من الأنبياء الكرام::   في ظل هذه الأجواء تنزل سورة "هود" لتقول: اثبتوا واستمروا في الدعوة. نزلت بهدف : تثبيت النبي ﷺ والذين معه على الحق. نزلت تنادي: الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف.
  • • سورة هود شيبت النبي ﷺ::   ذكرت السورة 7 نماذج من الأنبياء الكرام، وصبرهم على ما لاقوه من أقوامهم، كل منهم يواجه الجاهلية الضالة ويتلقى الإعراض والتكذيب والسخرية والاستهزاء والتهديد والإيذاء، وهم: نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، شعيب، موسى. وهم الأنبياء أنفسهم الذين ذُكروا في سورة الشعراء والعنكبوت (لكن ليس بنفس هذا الترتيب). وأيضًا نفس الأنبياء الذين ذكروا في سورة الأعراف إلا إبراهيم (وبنفس ترتيب هود). وكأنها تقول للنبي ﷺ وأصحابه: هذا ما حدث للأنبياء قبلكم، أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم، ومع هذا ثبتوا وصبروا واستمروا؛ فاثبتوا واصبروا واستمروا مثلهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «هود».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله هود عليه السلام، أرسله الله إلى عاد في الأحقاف التي تقع جنوب الجزيزة العربية بين عُمان وحضر موت.
  • • سبب التسمية ::   لتكرار اسمه فيها خمس مرات، ولأنه ما حكي عنه فيها أطول مما حكي عنه في غيرها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات الشدائد والمحن.
  • • علمتني السورة ::   أن التوحيد أول الواجبات: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العبرة بالأحسن، لا بالأكثر! فالله لم يقل: (أكثر عملًا)، بل قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن أقارن بين خاتمة المجرمين والمؤمنين، فقد وجدت الكافرين في النار، ليس لهم أولياء يدفعون عنهم العذاب الأليم، أما المؤمنون فـ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (23)، فالفريق الأول (الكفار) مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني (المؤمنون) كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (24).
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْت»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كَوِّرَتْ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة هود من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عَنْ كَعْب الأحبار قَالَ: «فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ الْأَنْعَامُ، وَخَاتِمَتُهَا هُودٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة هود من السور الخمس التي شيبت النبي صلى الله عليه وسلم (حديث: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» سبق قبل قليل).
    • سورة هود احتوت على أطول قصة لنوح في القرآن الكريم، وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور، ولا سورة الأعراف على طولها، ولا سورة نوح التي أفردت لقصته.
    • سورة هود تشبه سورة الأعراف من حيث الموضوع؛ فكلتاهما تتناولان قصة التوحيد في مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ من خلال قصص الأنبياء، ولكن تبقى لكل سورة أسلوبها الخاص؛ فمثلًا نجد سورة الأعراف ركزت وفصلت كثيرًا في قصة موسى خاصة مع بني إسرائيل في ما يقارب من 70 آية من السورة، بينما قصة موسى ذكرت في 4 آيات من سورة هود، ونجد سورة هود فصلت أكثر في قصة نوح من سورة الأعراف.
    • سورة هود وسورة النحل تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نصبر ونستمر في الدعوة إلى الله رغم كل الظروف، دون أي تهور أو ركون.
    • أن نستغفر الله دومًا ونتوب إليه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، فإذا تم هذا كان العيشُ الهانئ في الدنيا: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، والتكريم في الآخرة: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ (3).
    • أن نراقب الله في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (5).
    • أن نجتهد في طلب الرزق، متيقنين أن الله هو الرزاق: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (6).
    • ألا نتكبر إذا أصابنا الخير بعد الشر؛ بل نشكر الله تعالى على نعمه: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ (10).
    • أن نراجع مشروعاتنا في الحياة؛ هل سننتفع بها في الآخرة؟: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (16).
    • أن نعمل أعمالًا صالحة تشهد لنا بها الأشهاد يوم القيامة: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ (18).
    • أن نتقي ظلم أنفسنا بالمعاصي، أو ظلم غيرنا بإضلالهم: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (18، 19).
    • أن نصلي ركعتين، ثم ندعو الله ونتضرع إليه أن يرزقنا الإخبات إليه (أي: التواضع والتسليم له): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ (23).
    • ألا نحتقر أحدًا في دعوتنا لمكانته الاجتماعية أو المادية: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (27).
    • أن نحتسب في تعليم المسلمين ودعوتهم إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـه﴾ (29).
    • أن نكثر من زيارة الضعفاء، ونقدّم لهم الهدايا والعطايا: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ﴾ (30).
    • ألا نيأس إذا قَلَّ من يسمع نصحنا، أو كَثُرَ مخالفونا؛ فإنَّ الأنبياء قد أفنوا أعمارهم الطويلة في الدعوة، ولم يستجب لبعضهم إلا القليل: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (40).
    • أن نُذَكِّر من حولنا بنعم الله تعالى عليهم وإحسانه لهم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه﴾ (61).
    • أن نلقي السلام، وأن نرد بأحسن منه، فضيوف إبراهيم عليه السلام حين دخلوا سلموا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا﴾ (69)، وهو رد: ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ هم حيـَّوه بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث، ورد عليهم بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت، فكان رد إبراهيم عليه السلام بأحسن من تحيتهم.
    • أن نتم الكيل والوزن، ولا نبخس الناس أشياءهم: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نفتش في أنفسنا: هل ظلمنا أحدًا في عرض، أو مال، أو غيره، ثم نردّ الحقوق لأهلها: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (85).
    • أن نبتعد عن الظلم والظالمين: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (113).
    • أن نحافظ على أداء الصلوات أول وقتها مع الجماعة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ (114).
    • أن ننكر على أهل البدع أو المجاهرين بالمعاصي بأسلوب حكيم: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ (116).

تمرين حفظ الصفحة : 223

223

مدارسة الآية : [13] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ ..

التفسير :

[13] بل أيقول هؤلاء المشركون من أهل «مكة»:إن محمداً قد افترى هذا القرآن؟ قل لهم:إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا مَن استطعتم مِن جميع خلق الله ليساعدوكم على الإتيان بهذه السور العشر، إن كنتم صادقين في دعواكم.

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي:افترى محمد هذا القرآن؟

فأجابهم بقوله:{ قُلْ} لهم{ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أنه قد افتراه، فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، وأنتم الأعداء حقا، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته، فإن كنتم صادقين، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات.

وأَمْ هنا منقطعة بمعنى بل التي للإضراب وهو انتقال المتكلم من غرض إلى آخر والافتراء: الكذب المتعمد الذي لا توجد أدنى شبهة لقائله.

والمعنى: إن هؤلاء المشركين لم يكتفوا بما طلبوه منك يا محمد، بل تجاوزوا ذلك إلى ما هو أشد جرما، وهو قولهم إنك افتريت القرآن الكريم، واخترعته من عند نفسك.

وقوله: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...

أمر من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويكبت نفوسهم.

أى: قل لهم يا محمد على سبيل التحدي: إن كان الأمر كما تزعمون من أنى قد افتريت هذا القرآن، فأنا واحد منكم وبشر مثلكم فهاتوا أنتم عشر سور مختلقات من عند أنفسكم، تشبه ما جئت به في حسن النظم، وبراعة الأسلوب، وحكمة المعنى، وادعوا لمعاونتكم في بلوغ هذا الأمر كل من تتوسمون فيه المعاونة غير الله- تعالى- لأنه هو- سبحانه- القادر على أن يأتى بمثله.

وجواب الشرط في قوله- سبحانه- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف دل عليه ما تقدم.

أى: إن كنتم صادقين في زعمكم أنى افتريت هذا القرآن، فهاتوا أنتم عشر سور مثله مفتريات من عند أنفسكم.

والمتأمل لآيات القرآن الكريم، يرى أن الله- تعالى- قد تحدى المشركين تارة بأن يأتوا بمثله كما في سورتي الإسراء والطور. ففي سورة الإسراء يقول- سبحانه- قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وفي سورة الطور يقول- سبحانه- فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ .

وتارة تحداهم بأن يأتوا بعشر سور من مثله كما في هذه السورة، وتارة تحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة من مثله كما في سورتي البقرة ويونس، ففي سورة البقرة وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... وفي سورة يونس يقول- سبحانه-: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ . وقد عجزوا عن الإتيان بمثل أقصر سورة، وهم من هم في فصاحتهم، فثبت أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-.

ثم بين تعالى إعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ، ولا بعشر سور [ من ] مثله ، ولا بسورة من مثله; لأن كلام الرب لا يشبهه كلام المخلوقين ، كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات ، وذاته لا يشبهها شيء ، تعالى وتقدس وتنزه ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .

القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كفاك حجةً على حقيقة ما أتيتهم به، ودلالةً على صحة نبوّتك ، هذا القرآن ، من سائر الآيات غيره، إذ كانت الآيات إنما تكون لمن أعطيها دلالة على صدقه، لعجز جميع الخلق عن أن يأتوا بمثلها. وهذا القرآن ، جميع الخلق عَجَزَةٌ عن أن يأتوا بمثله، (1) فان هم قالوا: " افتريته "، أي : اختلقته وتكذَّبته. (2)

* * *

، ودلّ على أن معنى الكلام ما ذكرنا ، قوله: (أم يقولون افتراه) إلى آخر الآية. ويعني تعالى ذكره بقوله: (أم يقولون افتراه) ، أي : أيقولون افتراه ؟

* * *

، وقد دللنا على سبب إدخال العرب " أم " في مثل هذا الموضع . (3)

* * *

، فقل لهم: يأتوا بعشر سُور مثل هذا القرآن " مفتريات "، يعني مفتعلات مختلقات، إن كان ما أتيتكم به من هذا القرآن مفترًى ، وليس بآية معجزةٍ كسائر ما سُئلته من الآيات، كالكنـز الذي قلتم: هَلا أنـزل عليه ؟ أو الملك الذي قلتم: هلا جاء معه نذيرًا له مصدقًا ! فإنكم قومي ، وأنتم من أهل لساني، وأنا رجل منكم، ومحال أن أقدر أخلق وحدي مائة سورة وأربع عشرة سورة، ولا تقدروا بأجمعكم أن تفتروا وتختلقوا عشر سور مثلها، ولا سيما إذا استعنتم في ذلك بمن شئتم من الخلق.

يقول جل ثناؤه: قل لهم: وادعوا من استطعتم أن تدعوهم من دون الله ، يعني سوى الله، لا افتراء ذلك واختلاقه من الآلهة، فإن أنتم لم تقدروا على أن تفتروا عشر سور مثله، فقد تبين لكم أنكم كذبةٌ في قولكم : (افتراه)، وصحّت عندكم حقيقة ما أتيتكم به أنه من عند الله. ولم يكن لكم أن تتخيروا الآيات على ربكم، وقد جاءكم من الحجة على حقيقة ما تكذبون به أنه من عند الله ، مثل الذي تسألون من الحجة وترغبون أنكم تصدِّقون بمجيئها.

* * *

وقوله: (إن كنتم صادقين)، لقوله: (فأتوا بعشر سور مثله) ، وإنما هو: قل : فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، إن كنتم صادقين أن هذا القرآن افتراه محمد ، وادعوا من استطعتم من دون الله على ذلك ، من الآلهة والأنداد.

18008- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريح: ( أم يقولون افتراه) ، قد قالوه ، (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات). وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ، قال: يشهدون أنها مثله ، هكذا قال القاسم في حديثه. (4)

-------------------------

الهوامش :

(1) في المطبوعة : " جميع الخلق عجزت " ، غير ما في المخطوطة ، فأفسد الكلام إفسادًا .

(2) انظر تفسير " الافتراء " فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى ) .

(3) انظر تفسير " أم " فيما سلف 2 : 492 / 3 : 97 / ثم 14 : 165 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(4) يعني أنه قال : " وادعوا شهداءكم " ، وإن لم يكن ذلك في هذه الآية ، بل هو في غيرها ، وهي آية سورة البقرة : 23 :

( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[13] ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ قال الماوردي عن إعجاز القرآن: «ومن إعجازه: أن تلاوته تختص بخمسة بواعث عليه لا توجد في غيره، أحدهما: هشاشة مخرجه، والثاني: بهجة رونقه، والثالث: سلاسة نظمه، والرابع: حسن قبوله، والخامس: أن قارئه لا يكل، وسامعه لا يمل، وهذا في غيره من الكلام معدوم».
وقفة
[13] ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ إعجاز القرآن يتمثل في ما اشتمل عليه مما نظمه أحدهم في تسعة ألوان فقال: ألا إنما القرآن تسعةُ أحْرُف ... أتتك في البيت بعدُ خُذْهَا بِلاَ زَلَل حلالٌ، حرامٌ، محكمٌ، متشابِهٌ ... بَشِيرٌ، نَذِيرٌ، قِصّةٌ، عِظَةٌ، مَثَلُ
وقفة
[13] ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ تحدي الله تعالى للمشركين بالإتيان بعشر سور من مثل القرآن، وبيان عجزهم عن الإتيان بذلك.
لمسة
[13] لما تحداهم بالإتيان بمثله في قوله: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: 34]، ثم تحداهم أن يأتوا ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾؛ فعجزوا عن ذا وذاك، ثم تحداهم أن يأتوا ﴿بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [يونس: 38]؛ فعجزوا، فإن الخلائق لا يمكنهم أن يأتوا بمثله، ولا بسورة مثله.

الإعراب :

  • ﴿ أم يقولون:
  • ذأم: حرف عطف وهي هنا منقطعة وليست متصلة لأنها غير مسبوقة بهمزة استفهام أو همزة تسوية. يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ افتراه:
  • الجملة في محل نصب مفعول به -مقول القول- افترى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى: اختلق هذا القرآن.
  • ﴿ قل:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. أي قل لهم.
  • ﴿ فأتوا بعشر سور:
  • الفاء واقعة في جواب شرط مقدم. ائتوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بعشر: جار ومجرور متعلق بائتوا سور: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ مثله مفتريات:
  • مثل: بدل من \"عشر\" مجرور بالكسر بمعنى: أمثاله ذهابًا إلى مماثلة كل واحدة من السور له. مفتريات: صفة -نعت- لعشر سور مجرورة بالكسرة أيضًا. بمعنى: مختلقات.
  • ﴿ وادعوا من:
  • وادعوا: معطوفة بالواو على \"ائتوا\" وتعرب مثلها. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به وكسرت نون الكلمة لالتقاء الساكنين. بمعنى: ونادوا من شئتم ليعينوكم على تأليفها.
  • ﴿ استطعتم من دون:
  • فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. من دون: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من \"من\" وجملة \"استطعتم\" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ الله إنْ كنتم صادقين:
  • لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. إنْ: حرف شرط جازم. كنتم: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بأنْ. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم \"كان\" والميم علامة جمع الذكور. صادقين: خبر \"كان\" منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد. بمعنى: إنْ كنتم صادقين في أنه ليس من الله. وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه. التقدير: إنْ كنتم صادقين فاتوا بعشر سور مثله مفتريات. '

المتشابهات :

يونس: 38﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
هود: 13﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
هود: 35﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ
السجدة: 3﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
الأحقاف: 8﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [13] لما قبلها :     ولمَّا طلبَ مُشركُو مكّةَ إنزالَ كنزٍ أو مجيءَ مَلَكٍ معَ النَّبي r يُصَدِّقُه؛ تحدَّاهُم اللهُ عز وجل هنا بأن يأتُوا بعشرِ سورٍ من القرآنِ، قال تعالى:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [14] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ ..

التفسير :

[14] فإن لم يستجب هؤلاء المشركون لكم -أيها الرسول- ومَن آمن معك- لما تدعونهم إليه؛ لِعَجْز الجميع عن ذلك، فاعلموا أن هذا القرآن إنما أنزله الله على رسوله بعلمه وليس من قول البشر، واعلموا أن لا إله يُعبد بحق إلا الله، فهل أنتم -بعد قيام هذه الحجة عليكم- مس

{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} على شيء من ذلكم{ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [من عند الله]لقيام الدليل والمقتضي، وانتفاء المعارض.

{ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي:واعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي:هو وحده المستحق للألوهية والعبادة،{ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي:منقادون لألوهيته، مستسلمون لعبوديته، وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين.

خصوصا إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيا على أمره، مقبلا على شأنه، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها. بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض، على جميع المسائل والمطالب. وفيها أن هذا القرآن، معجز بنفسه، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور من مثله، بل ولا بسورة من مثله، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء، تحداهم الله بذلك، فلم يعارضوه، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك.

وفيها:أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن، علم القرآن، وعلم التوحيد، لقوله تعالى:{ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}

وقوله- سبحانه- فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ، وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إرشاد لهؤلاء المشركين إلى طريق الحق والسعادة لو كانوا يعقلون، إذ الخطاب موجه إليهم لعلهم يثوبون إلى الرشد.

والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الذين تحديتهم أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، وأبحت لهم أن يستعينوا في ذلك بمن شاءوا من البشر، قل لهم: فإن لم يستجب لدعوتكم من استعنتم بهم في الإتيان بعشر سور من مثل القرآن.. وهم لن يستجيبوا لكم قطعا- فَاعْلَمُوا أيها الناس أن هذا القرآن أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وحده، وبقدرته وحدها. ولا يقدر على إنزاله بتلك الصورة أحد سواه.

واعلموا- أيضا- أنه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ- سبحانه- فهو الإله الحق، الذي تعنو له الوجوه، وتخضع له القلوب، وتتجه إليه النفوس بالعبادة والطاعة.

فَهَلْ أَنْتُمْ أيها المشركون بعد كل تلك الأدلة الواضحة الدالة على وحدانية الله، وعلى أن هذا القرآن من عنده مُسْلِمُونَ أى: داخلون في الإسلام، متبعون لما جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم.

والمراد بالعلم في قوله فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ ... : الاعتقاد الجازم البالغ نهاية اليقين، أى فأيقنوا أن هذا القرآن ما أنزل إلا ملابسا لعلم الله- تعالى- المحيط بكل شيء.

والفاء في قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ للتفريع، والاستفهام هنا المقصود به الحض على الفعل وعدم تأخيره.

أى: فهل أنتم بعد كل هذه الأدلة على صدق ما جاءكم به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تشكون في أن الإسلام هو الدين الحق؟ إن الشك في ذلك لا يكون من عاقل، فبادروا إلى الدخول في الإسلام إن كنتم من ذوى العقول التي تعقل ما يقال لها.

ويرى بعض العلماء أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أو إليه وحده صلى الله عليه وسلم وعلى سبيل التعظيم وعليه يكون المعنى:

«فإن لم يستجب لكم- أيها المؤمنون- هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوة الحق، بعد أن ثبت عجزهم عن الإتيان بما تحديتموهم به فَاعْلَمُوا أى فازدادوا علما ويقينا وثباتا، بأن هذا القرآن «إنما أنزل بعلم الله» الذي لا يعزب عنه شيء، وازدادوا علما بأنه لا إله إلا هو- سبحانه- مستحق للعبادة والطاعة، فهل أنتم بعد كل ذلك مُسْلِمُونَ أى ثابتون على الإسلام، وملتزمون بكل أوامره ونواهيه.

ومع أننا نرى أن القولين صحيحان من حيث المعنى، إلا أننا نفضل الرأى الأول القائل بأن الخطاب للمشركين، لأن سياق الآيات السابقة في شأنهم فلأن يكون الخطاب لهم هنا أولى.

ثم بين- سبحانه- سوء مصير الذين لا يريدون بأقوالهم وأعمالهم وجه الله- تعالى- فقال:

ثم قال تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لكم ) أي : فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه ، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك ، وأن هذا الكلام منزل من عند الله ، متضمن علمه وأمره ونهيه ، ( وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) .

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: فإن لم يستجب لكمْ من تدعون من دون الله إلى أنْ يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أنـزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الله وإذنه، وأن محمدًا لم يفتره، ولا يقدر أن يفتريه ، (وأن لا إله إلا هو)، يقول: وأيقنوا أيضًا أن لا معبود يستحق الألوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والأمر، فاخلعوا الأنداد والآلهة ، وأفردوا له العبادة.

* * *

وقد قيل: إن قوله: (فإن لم يستجيبوا لكم) خطاب من الله لنبيه، كأنه قال: فإن لم يستجب لك هؤلاء الكفار ، يا محمد، فاعلموا ، أيها المشركون ، أنما أنـزل بعلم الله ، وذلك تأويل بعيد من المفهوم.

* * *

وقوله: (فهل أنتم مسلمون) ، يقول: فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة، ومخلصون له العبادة ، بعد ثبوت الحجة عليكم؟

* * *

وكان مجاهد يقول: عني بهذا القول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

18009- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهل أنتم مسلمون) ، قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

18010- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال ،

18010- وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) ، قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

18011- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

* * *

وقيل: (فإن لم يستجيبوا لكم) ، والخطاب في أوّل الكلام قد جرى لواحدٍ، وذلك قوله: قُلْ فَأْتُوا ، ولم يقل: " فإن لم يستجيبوا لك " على نحو ما قد بينا قبلُ في خطاب رئيس القوم وصاحب أمرهم، أن العرب تخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الجمع، إذا كانَ خطابه خطابًا لأتباعه وجنده، وأحيانًا مخرج خطاب الواحد ، إذا كان في نفسه واحدًا. (5)

--------------------

الهوامش :

(5) انظر ما سلف 12 : 298 ، 549 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[14] ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّـهِ وَأَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ إن أعرض هؤلاء فأقبلوا وإن شكوا فأيقنوا، وإن تزلزلوا فاثبتوا، فالعلم هنا معناه زيادة اليقين، والإسلام هنا بمعنى الثبات على الإسلام، والالتزام بأوامره ونواهيه.
وقفة
[14] مما يطلب فيه العلم ولا يكفي غلبة الظن: علم القرآن، وعلم التوحيد؛ لقوله تعالى: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّـهِ وَأَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ﴾.
وقفة
[14] ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ هذا هي غاية المناظرة الحقة والجدال بالتي هي أحسن، وليست مجرد نقاش أو حوار أجوف بلا ثمرة، أو مجرد لفت الأنظار أو الفخر والتعالي، فالقرآن يعلم أتباعه والدعاة إليه أنهم لله ويدعو إليه وإلى الاستسلام لأمره.
وقفة
[14] ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ لم يكتفِ بقول بمجرد العلم بقوله فاعلموا أنه لا إله إلا هو؛ لأنه لو صدَّق المرء بقلبه، وعلم الحق، ولم يكن منقادًا فلم ينفعه ذلك، فإذن بعد العلم طلَبَ أن يدخلوا في الإسلام؛ للانقياد والاستجابة لأمر الله.
لمسة
[14] الاستفهام في: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ أقوى من قوله: (أسلموا)؛ فيه تحفيز، ألا يدعوكم هذا للإسلام؟ ألا تنقادون لأمر الله؟

الإعراب :

  • ﴿ فإلَّم يستجيبوا لكم:
  • الفاء: استئنافية. إلم: مكونة من \"إن\" حرف شرط جازم و \"لم\" حرف جزم ونفي وقلب. يستجيبوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون فعل الشرط في محل جزم بإنْ والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لكم: جار ومجرور متعلق بيستجيبوا والميم علامة جمع الذكور والخطاب للرسول وللمؤمنين أو يكون الجمع لتعظيم رسول الله (-صلى الله عليه وسلم-).
  • ﴿ فاعلموا:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. والجملة: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. اعلموا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أنماّ أنزل بعلم الله:
  • كافة ومكفوفة أو مؤلفة من \"أنّ\" الحوف المشبه بالفعل و \"ما\" الاسم الموصول المبني على السكون في محل نصب اسمها وخبرها \"بعلم الله\" بتقدير: هو من علم الله. أنزل: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو أي الكتاب. بعلم: جار ومجرور متعلق بحال من الضمير التقدير نزل ملتبسًا بما لا يعلمه إلا الله. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم والجملة المقدرة: انّ هذا الكتاب نزِّل ملتبسًا بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي: اعلموا.
  • ﴿ وأنْ لا إله إلّا هو:
  • الواو عاظفة أي اعلموا عند ذلك. أنْ: مخففة من \"أن\" الثقيلة وخبرها جملة اسمية واسمها ضمير الشأن والحديث تقديره: وأنه. لا: نافية للجنمس تعمل عمل \"إنّ\". إله: اسم \"لا\" مبني على الفتح للتعظيم في محل نصب وخبر \"لا\" محذوف وجوبًا تقديره: كائن أو موجود إلّا أداة حصر أو استثناء. هو ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع لأنّه بدل من وضع لا إله. لأن وضع \"لا\" وما عملت فيه الرفع بالابتداء. ولو كان المستثنى نصبًا لكان إلّا إيّاه وجملة \"لا إله إلاّ هو في محل رفع خبر \"أن\" وأن مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي \"اعلموا\" والجملة: من اسم \"أن\" وخبرها صلة\" \"أن\" لا محل لها.
  • ﴿ فهل أنتم مسلمون:
  • الفاء: استئنافية للتعليل. هل حرف استفهام لا محل لها من الإعراب. أنتم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. مسلمون: خبر \"أنتم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون للمفرد أي عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

هود: 14﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّـهِ وَأَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ
القصص: 50﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     ولمَّا تحدى اللهُ عز وجل مُشركي مكّةَ بأن يأتُوا بعشرِ سورٍ من القرآنِ، ولهم أن يستعينوا في ذلك بمن شاءوا من البشر؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنهم إن لم يستجيبوا -وهم لن يستجيبوا قطعًا-؛ تأكَّد أنَّ هذا القرآن من عندِ اللهِ، قال تعالى:
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أنزل:
وقرئ:
نزل، بفتح النون والزاى وتشديدهما، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [15] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ..

التفسير :

[15] من كان يريد بعمله الحياةَ الدنيا ومُتَعها نُعطهم ما قُسِم لهم من ثواب أعمالهم في الحياة الدنيا كاملاً غير منقوص.

يقول تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} أي:كل إرادته مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة، من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث. قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته شيئا، فهذا لا يكون إلا كافرا، لأنه لو كان مؤمنا، لكان ما معه من الإيمان يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا، بل نفس إيمانه وما تيسر له من الأعمال أثر من آثار إرادته الدار الآخرة.

ولكن هذا الشقي، الذي كأنه خلق للدنيا وحدها{ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} أي:نعطيهم ما قسم لهم في أم الكتاب من ثواب الدنيا.

{ وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} أي:لا ينقصون شيئا مما قدر لهم، ولكن هذا منتهى نعيمهم.

أى: من كان يريد بأقواله الحسنة وبأعماله الطيبة على حسب الظاهر، الحصول على (الحياة الدنيا وزينتها) من مال وجاه ومنصب وغير ذلك من المتع الدنيوية، بدون التفات إلى ما يقربه من ثواب الآخرة.

من كانوا يريدون ذلك نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها أى: نوصل إليهم- بإرادتنا ومشيئتنا- ثمار جهودهم وأعمالهم في هذه الدنيا.

والتعبير بكان في قوله مَنْ كانَ يُرِيدُ ... يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم، بدون تطلع إلى خير الآخرة.

وعدى الفعل نُوَفِّ بإلى، مع أنه يتعدى بنفسه، لتضمينه معنى نوصل.

وقوله- سبحانه- وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ تذييل قصد به تأكيد ما سبقه، وتبيين مظهر من مظاهر عدل الله- تعالى- مع عباده في دنياهم.

والبخس: نقص الحق ظلما. يقال: بخس فلان فلانا حقه إذا ظلمه ونقصه.

أى: وهم في هذه الدنيا لا ينقصون شيئا من نتائج جهودهم وأعمالهم، حتى ولو كانت جهودا لا إخلاص معها ولا إيمان.

قال العوفي ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا ، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا ، يقول : من عمل صالحا التماس الدنيا ، صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل ، لا يعمله إلا التماس الدنيا ، يقول الله : أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة ، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا ، وهو في الآخرة من الخاسرين .

وهكذا روي عن مجاهد ، والضحاك ، وغير واحد .

وقال أنس بن مالك ، والحسن : نزلت في اليهود والنصارى . وقال مجاهد وغيره : نزلت في أهل الرياء .

وقال قتادة : من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته ، جازاه الله بحسناته في الدنيا ، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء . وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة .

وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا .

القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا، وإيّاها وَزينتها يطلب به ، (6) نوفّ إليهم أجور أعمالهم فيها وثوابها (7) ، (وهم فيها) يقول: وهم في الدنيا ، (لا يبخسون) ، يقول: لا ينقصون أجرها، ولكنهم يوفونه فيها. (8)

* * *

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18012- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) الآية، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم ، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا. يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا ، صومًا أو صلاةً أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا لالتماس الدنيا ، يقول الله: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعملُ التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين.

18013- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) ، قال: ثوابَ ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صَنَعوا فيها.

* * *

18014- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها) ، قال: وَزْنَ ما عملوا من خير أعطوا في الدنيا، (9) وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها. قال: هي مثل الآية التي في الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ، [سورة الروم: 39]

18015- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) ، قال: من عمل للدنيا وُفِّيهُ في الدنيا.

18016- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) ، قال: من عمل عملا مما أمر الله به ، من صلاة أو صدقة ، لا يريد بها وجهَ الله ، أعطاه الله في الدنيا ثوابَ ذلك مثلَ ما أنفق ، فذلك قوله: (نوفّ إليهم أعمالهم فيها) ، في الدنيا، (وهم فيها لا يبخسون) ، أجر ما عملوا فيها، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ، الآية.

18017- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عيسى ، يعني ابن ميمون ، عن مجاهد في قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) ، قال: ممن لا يقبل منه ، جُوزِي به ، يُعطَى ثوابَه.

18018- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن عيسى الجرشي، عن مجاهد: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها)، قال: ممن لا يقبل منه ، يعجّل له في الدنيا. (10)

18019- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) ، أي: لا يظلمون. يقول: من كانت الدنيا همَّه وسَدَمه (11) وطَلِبته ونيّته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة، وليس له حسنة يعطى بها جزاءً. وأما المؤمن ، فيجازى بحسناته في الدنيا ، ويثاب عليها في الآخرة ، (وهم فيها لا يبخسون) أي : في الآخرة لا يظلمون.

18020- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق ، جميعًا، عن معمر، عن قتادة: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها)، الآية، قال: من كان إنما هِمّته الدنيا ، إياها يطلب ، أعطاه الله مالا وأعطاه فيها ما يعيش، وكان ذلك قصاصًا له بعمله.(وهم فيها لا يبخسون) ، قال: لا يظلمون.

18021-. . .. قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ليث بن أبي سلم، عن محمد بن كعب القرظي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحسن من محسن ، فقد وقع أجره على الله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة . (12)

18022- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) ، الآية، يقول: من عمل عملا صالحًا في غير تقوى ، يعني من أهل الشرك ، أعطي على ذلك أجرًا في الدنيا: يصل رحمًا، يعطي سائلا يرحم مضطرًّا ، في نحو هذا من أعمال البرّ ، يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا، ويُوسِّع عليه في المعيشة والرزق، ويقرُّ عينه فيما خَوَّله، ويدفع عنه من مكاره الدنيا ، في نحو هذا، وليس له في الآخرة من نصيب.

18023- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير قال ، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس في قوله: (نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) ، قال: هي في اليهود والنصارى.

18024-. . . . قال، حدثنا حفص بن عمر قال ، حدثنا يزيد بن زريع، عن أبي رجاء الأزدي، عن الحسن: (نوف إليهم أعمالهم فيها) ، قال: طيباتهم.

18025- حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

18026- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

18027- حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن وهيب: أنه بلغه أن مجاهدًا كان يقول في هذه الآية: هم أهل الرياء، هم أهل الرياء.

18028-. . . . قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح قال ، حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان، أن عقبة بن مسلم حدثه، أنّ شُفيّ بن ماتع الأصبحي حدثه: أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال من هذا؟ فقالوا أبو هريرة! فدنوت منه حتى قعدت بين يديه ، وهو يحدِّث الناس، فلما سكت وَخَلا (13) قلت: أنشدك بحقِّ ، وبحقِّ، (14) لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقَلته وعلمتَه . قال: فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثًا حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ثم نَشَغ نشغةً، (15) ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثًا حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما فيه أحدٌ غيري وغيره ! ثم نشَغ أبو هريرة نشغةً شديدة، ثم مال خارًّا على وجهه، واشتدّ به طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ، نـزل إلى القيامة ليقضي بينهم ، (16) وكل أمة جاثيةٌ، فأوّل من يدعى به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قُتِل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنـزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا رب ! قال: فماذا عملت فيما عُلِّمت؟ قال: كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار! فيقول الله له: كذبت ! وتقول له الملائكة: كذبت ! ويقول الله له: بل أردت أن يقال: " فلان قارئ" فقد قيل ذلك ! ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسِّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب ! قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم ، وأتصدَّق. فيقول الله له: كذبت ! وتقول الملائكة: كذبت ! ويقول الله له: بل أردت أن يقال: " فلان جواد "، فقد قيل ذلك! ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيماذا قُتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت ! وتقول له الملائكة: كذبت ! ويقول الله له: بل أردت أن يقال: " فلان جريء "، وقد قيل ذلك ! ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة. (17)

، قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن شفيًّا هو الذي دخل على معاوية، فأخبره بهذا.

قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم : أنه كان سيَّافًا لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل فحدّثه بهذا عن أبي هريرة، فقال أبو هريرة : وقد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس! ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هلك، وقلنا: [قد جاءنا ] هذا الرجل بشرٍّ ! (18) ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال: صدق الله ورسوله : (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) ، وقرأ إلى: وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . (19)

18029- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن مجاهد: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) الآية، قال: ممن لا يتقبل منه، يصوم ويصلي يريد به الدنيا، ويدفع عنه هَمّ الآخرة (20) ، (وهم فيها لا يبخسون)، لا ينقصون.

---------------------

الهوامش :

(6) في المطبوعة : " وأثاثها وزينتها يطلب به " ، فأفسد الكلام وضامه ، وهو في المخطوطة على الصواب كما أثبته .

(7) انظر تفسير " الزينة " فيما سلف ص : 177 ، تعليق : 2 ، 5 ، والمراجع هناك .

، وتفسير " التوفية " فيما سلف من فهارس اللغة ( وفى ) .

(8) انظر تفسير " البخس " فيما سلف 6 : 56 / 12 : 555 .

(9) في المطبوعة : " وربما عملوا من خير أعطوه في الدنيا " ، وهو كلام متلو لا معنى له .

وفي المخطوطة ما أثبته ، إلا أن فيه " ورب ما عملوا " غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت .

(10) الأثر : 18018 - " عيسى الجرشي " ، هو " عيسى بن ميمون الجرشي المكي " ، المذكور في الخبر السالف ، مضى قبل مرات ، آخرها رقم : 14677 .

(11) " السدم " ( بفتحتين ) : الولوع بالشيء واللهج به . والغم بطلبه ، والندم على فوته ، وفي الحديث :

"مَنْ كانت الدنيا همَّه وسَدَمَه ، جَعَل الله فَقْرَه بين عينيه " .

(12) الأثر : 18021 - هذا خبر مرسل .

(13) في المطبوعة : " وخلى " ، والصواب ما أثبت ، كما في المخطوطة .

(14) " بحق ، وبحق " هذا قسم عليه ، يريد : " بحق كذا " ، وهو اختصار .

(15) " نشغ الرجل " ، شهق حتى يكاد يبلغ به الغشى . قال أبو عبيدة : " وإنما يفعل ذلك الإنسان شوقا إلى صاحبه ، أو إلى شيء فائت ، وأسفا عليه وحبا للقائه " .

(16) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " نزل إلى القيامة " ، وأنا في شك منها شديد ، وأظن الصواب ما في رواية الترمذي :

" ينزل إلى العباد ليقضى بينهم " .

(17) في المطبوعة والمخطوطة : " تسعر لهم " ، والصواب ما أثبت من سنن الترمذي .

(18) في المطبوعة : " قلنا هذا الرجل شر " ، وهو فاسد جدا ، وفي المخطوطة مثله إلا أن فيها : " بشر " ، والصواب ما أثبته من سنن الترمذي ، ووضعت الزيادة بين القوسين .

(19) الأثر : 18028 - " ابن المبارك " ، هو " عبد الله بن المبارك " ، الإمام المشهور، و " حيوة بن شريح التجيبي المصري " ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 16382 ." والوليد بن أبي الوليد القرشي ، أبو عثمان " ، ثقة ، مضى برقم : 5455 ." وعقبة بن مسلم التجيبي المصري " ، تابعي ثقة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 13240 ، 13241 ." وشفي بن ماتع الأصبحي المصري " ، تابعي ثقة ، من ثقات المصريين ، كان عالمًا حكيمًا . وعده ابن جرير الطبري في الصحابة ، ولا يكاد يثبت . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7 / 2 / 201 ، والكبير 2 / 2 / 267 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 389 ، والإصابة في ترجمته في القسم الرابع من حرف الشين . وقال الحافظ ابن حجر : " وأورد حديثه بقي بن مخلد في مسنده أيضًا . ولم أر له رواية عن صحابي إلا عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وحديثه عنه في السنن . وجزم بأنه تابعي ، وأن حديثه مرسل : البخاري وابن حبان ، وأبو حاتم الرازي ، وغيرهم " . وهذا الخبر رواه الترمذي في " كتاب الزهد " ، في باب " الرياء والسمعة " ، وقال : " هذا حديث حسن غريب " ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالترمذي إذا قال : حسن غريب ، قد يعني به أنه غريب من ذلك الطريق ، لكن المتن له شواهد صار بها من جملة الحسن " ، قلت : وغرابة هذا الحديث ، رواية " شفي بن ماتع " ، عن " أبي هريرة " ، وشفي لا تعرف له رواية مشهورة ثانية إلا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ، وإن كانت روايته عن أبي هريرة حسنة ، على غرابتها ، لأنه خليق أن يروى عنه ، وخليق أن يلقاه مرة بالمدينة ، كما جاء في هذا الخبر . وقد رواه مختصرًا ، النسائي في سننه 6 : 23 ، من طريق أخرى ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد ، عن جريج ، عن يوسف بن يوسف ، عن سليمان بن يسار ، قال : تفرق الناس عن أبي هريرة ، فقال له قائل من أهل الشأم ، أيها الشيخ ، حدثني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث ، فكأن هذا القائل من أهل الشأم هو " شفي بن ماتع " ، وأنه كان بالشأم قبل أن يسكن مصر ، و" شفي " ، في الطبقة الثانية من تابعي أهل مصر ، كما عده ابن سعد . و" سليمان بن يسار الهلالي " ، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وسمع من أبي هريرة ، فكأن هذا القائل ، أو شفي بن ماتع ، كان يومئذ صغيرًا وهو يسأل أبا هريرة بالمدينة ، وكأن خبر النسائي ، هو الشاهد من الحديث الصحيح الذي جعل الترمذي يصف الخبر الأول بأنه " حسن غريب " .

(20) في المخطوطة والمطبوعة : " ويدفع عنه وهم الآخرة " . ولا معنى له ، وأرجح أن الصواب ما أثبت .

التدبر :

وقفة
[15] أي: كل إرادته مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته شيئًا، فهذا لا يكون إلا كافرًا؛ لأنه لو كان مؤمنًا لكان ما معه من الإيمان يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا.
لمسة
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ هل (من) هنا تفيد التبعيض؟ لا، هذه ليست تبعيض، هذه شرطية.
لمسة
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ لاحظ التعبير بقوله (كان)؛ مما يفيد الاستمرار والإصرار على إرادة الدنيا بأعمالهم، دون التطلع إلى أجر الآخرة، فهذا ديدنهم المستمر.
وقفة
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ قال ميمون بن مهران: «ليس أحد يعمل حسنة إلا وُفِّي ثوابها، فإن كان مسلمًا مخلصًا وُفِّي في الدنيا والآخرة، وإن كان كافرًا وُفِّي في الدنيا».
وقفة
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ هذه الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله، قال أبو يوسف: «يا قوم أريدوا بعملكم الله تعالى، فإني لم أجلس مجلسًا قط أنوي فيه أن أعلوهم، إلا لم أقم حتى أفتضح».
وقفة
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ قال مجاهد: «هي في الكفرة، وفي أهل الرياء من المؤمنين».
عمل
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ اجعل عطاء ونعيم الآخرة نصب عينيك؛ فلا تبتغِ بعملٍ أو قولٍ، إلا مرضاة ربك.
وقفة
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ أول درجات الابتلاء التعلق بالآخرة، فمن تعلق بالدنيا سينهزم في طريق الدعوة أمام مغريات الحياة وضغوطها، وياله من تذكير وتنبيه على خطورة هذا المزلق الخفي، مهما صلحت المظاهر؛ فإن تعلق القلب محل نظر الرب.
اسقاط
[15] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ منْ كانت الدُّنيا همه وطلبه ونيته؛ جازاه الله بحسناته في الدُّنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأمَّا المؤمن فيجازى بحسناتِه في الدُّنيا، ويُثاب عليها في الآخرة.
وقفة
[15] نية مغلفة بحب الشهرة وفتن الدنيا قد تفقدك أجر عملك في الاخرة ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾.
وقفة
[15, 16] ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قيل: هو لأهل الرياء، يقال لهم: (صمتم، وصليتم، وتصدقتم، وجاهدتم، وقرأتم، ليقال ذلك، فقد قيل ذلك)، ثم يذهب بهم إلى النار.

الإعراب :

  • ﴿ من كان يريد:
  • من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بمن. واسمها: ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. وجملة \"يريد\" في محل نصب خبر \"كان\".
  • ﴿ الحياة الدنيا وزينتها:
  • الحياة: مفعول به منصوب بالفتحة. الدنيا: صفة -نعت- للحياة منصوبة مثلها بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. وزينة: معطوفة بالواو على \"الحياة\" منصوبة مثلها بالفتحة و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. والجملة من فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر \"من\".
  • ﴿ نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها:
  • نوفّ: فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره -حرف العلة- أي الياء والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. وقد وقع جواب الشرط مضارعًا لفظًا بمعنى الماضي. إليهم: جار ومجرور متعلق بنوف \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن. أعمال: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى جزاء جهودهم وحذف المفعول المضاف وحلّ المضاف إليه محلّه و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. فيها: جار ومجرور متعلق بأعمالهمَ أو بصفة محذوفة منها والمعنى: وفَّينْا إليهم جزاء جهودهم هذه وجملة \"نوفّ\" وما بعدها: جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وهم فيها لا يُبْخَسُون:
  • الواو: حالية والجملة: في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فيها: جار ومجرور متعلق بيبخسون. لا: نافية لا عمل لها. يبخسون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون مبني للمجهول والواو ضمير متصل في محل نائب فاعل ومعمولها محذوف. التقدير: لا يبخسون ذرة مما يعملون والجملة الفعلية \"لا ييخسون\" في محل رفع خبر \"هم\". '

المتشابهات :

النساء: 134﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
هود: 15﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
الإسراء: 18﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
فاطر: 10﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا
الشورى: 20﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَ
الشورى: 20﴿حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَ مَّن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     وبعد أن أقامَ اللهُ عز وجل الحجة على أن الإسلام حق، وأن القرآن من عند الله، وليس بالمفترى من عند محمد صلى الله عليه وسلم كما يدعيه المشركون، بَيَّنَ هنا أن الباعث لهم على المعارضة والتكذيب ليس إلا شهواتهم وحظوظهم الدنيوية، والإسلام يدعو إلى إيثار الآخرة على الأولى، قال تعالى:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نوف:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة طلحة بن ميمون.
3- يوف، مضارع «أوفى» ، وهى قراءة زيد بن على.
4- نوفى، بالتخفيف وإثبات الياء، وهى قراءة الحسن.

مدارسة الآية : [16] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ..

التفسير :

[16] أولئك ليس لهم في الآخرة إلا نار جهنم يقاسون حرَّها، وذهب عنهم نَفْع ما عملوه، وكان عملهم باطلاً؛ لأنه لم يكن لوجه الله.

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} خالدين فيها أبدا، لا يفتَّر عنهم العذاب، وقد حرموا جزيل الثواب.

{ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} أي:في الدنيا، أي:بطل واضمحل ما عملوه مما يكيدون به الحق وأهله، وما عملوه من أعمال الخير التي لا أساس لها، ولا وجود لشرطها، وهو الإيمان.

ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم في الآخرة فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

أى: أولئك الذين أرادوا بأقوالهم وأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها، ليس لهم في الآخرة إلا النار، لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة في الدنيا وبقيت عليهم أوزار نياتهم السيئة في الآخرة.

وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها أى: وفسد ما صنعوه في الدنيا من أعمال الخير، لأنهم لم يقصدوا بها وجه الله- تعالى- وإنما قصدوا بها الرياء ورضى الناس ...

وقوله وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: وباطل في نفسه ما كانوا يعملونه في الدنيا من أعمال ظاهرها البر والصلاح، لأنه لا ثمرة له ولا ثواب في الآخرة لأن الأعمال بالنيات، ونيات هؤلاء المرائين، لم تكن تلتفت إلى ثواب الله، وإنما كانت متجهة اتجاها كليا إلى الحياة الدنيا وزينتها، إلى إرضاء المخلوق لا الخالق.

وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ .

وقوله- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً. انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا .

هذا ومن العلماء من يرى أن هاتين الآيتين مسوقتان في شأن الكفار ومن على شاكلتهم من الضالة كاليهود والنصارى والمنافقين ... لأن قوله- تعالى- أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ... لا يليق إلا بهم.

والذي نراه أن هاتين الآيتين تتناولان الكفار ومن على شاكلتهم تناولا أوليا، ولكن هذا لا يمنع من أنهما يندرج تحت وعيدهما كل من قصد بأقواله وأعماله الحياة الدنيا وزينتها، ونبذ كل معاني الإخلاص والطاعة لله رب العالمين.

ومما يشهد لذلك أن هناك أحاديث كثيرة، حذرت من الرياء، وتوعدت مقترفه بأشد أنواع العقوبات ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو داود عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» - أى رائحتها- .

وصفوة القول: أن الآيتين الكريمتين تسوقان سنة من سنن الله مع عباده في هذه الدنيا، هي أن الله- تعالى- لا ينقص الناس شيئا من ثمار جهودهم وأعمالهم في هذه الدنيا، إلا أن هذه الجهود وتلك الأعمال التي ظاهرها الصلاح، إن كان المقصود بها الحياة الدنيا وزينتها وجدوا نتائجها وثمارها في الدنيا فحسب.

وإن كان المقصود بها رضا الله- تعالى- وثواب الآخرة، وجدوا ثمارها ونتائجها الحسنة يوم القيامة، بجانب تمتعهم بما أحله الله لهم في الدنيا من طيبات.

وذلك لأن العمل للحياة الأخرى- في شريعة الإسلام- لا يحول بين العمل النافع في الحياة الدنيا، ولا ينقص شيئا من آثاره وثماره، بل إنه يزكيه وينميه ويباركه.. ورحم الله القائل: ليس أحد يعمل حسنة إلا وفّى ثوابها فإن كان مسلما مخلصا وفّى ثوابها في الدنيا والآخرة، وإن كان كافرا وفي ثوابها في الدنيا.

وبعد أن بين- سبحانه- حال الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها، أتبع ذلك بيان حال الذين يريدون الحق والصواب فيما يفعلون ويتركون فقال- تعالى-:

وقال تعالى : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) [ الإسراء : 18 - 21 ] ، وقال تعالى : ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ) [ الشورى : 20 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين ذكرت أنّا نوفيهم أجور أعمالهم في الدنيا ، (ليس لهم في الآخرة إلا النار) ، يصلونها ، (وحبط ما صنعوا فيها) ، يقول: وذهب ما عملوا في الدنيا، (21) ، (وباطل ما كانوا يعملون) ، لأنهم كانوا يعملون لغير الله، فأبطله الله وأحبط عامله أجره.

---------------------

الهوامش :

(21) انظر تفسير " حبط " فيما سلف 14 : 344 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[16] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ إذا أُعْطِي الكافر مبتغاه من الدنيا فليس له في الآخرة إلا النار.
وقفة
[16] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قال ابن عاشور: «تنبيه المسلمين بأن لا يغتروا بظاهر حسن حال الكافرين في الدنيا، وأن لا يحسبوا أيضًا أن الكفر يوجب تعجيل العذاب، فأوقِظوا من هذا التوهم».
تفاعل
[16] ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[16] ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ الضمير (فيها) فيه احتمالان الأول أنه حبط في الآخرة الذي صنعوه في الدنيا، ويحتمل حبط ما صنعوا في الدنيا، وكلاهما مرادان مقصودان، ولو قدَّم وقال حبط فيها ما صنعوا كان ينصرف للذهن للآخرة فقط ولا يصح للدنيا، لكن في هذا التأخير جمع الأمرين.
وقفة
[16] ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ذكر الحبوط مع الصُنع أولًا: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾، ثم البطلان مع العمل ثانيًا: ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، الحبوط لم يرد في القرآن إلا في الأعمال: ﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: 5]، ﴿فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: 217]، أما البطلان فهو أعمٌّ، في العمل وغير العمل، في القضاء والاعتقاد: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ [آل عمران: 191]، فالحبوط أخص، فذكره مع الصنع الذي هو أخص، والبطلان أعم، ذكره مع العمل الذي هو أعم.
لمسة
[16] ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ جمعت الآية بين فعلين ربما يكون بينهما تقارب دلالي: (صَنَعُواْ) و(يَعْمَلُونَ)؛ الصنع هو إجادة العمل، والعمل عام سواء بإجادة أم بغير إجادة، سواء ما صنعوه أو ما عملوه من غير صنع كلاهما ذهب هباء.
عمل
[16] راجع مشروعاتك في الحياة؛ هل ستنتفع بها في الآخرة؟ ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أولئك:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ ويجوز أن يكون في محل جر بدلًا من ضمير \"إليهم أعمالهم\" الواردة في الآية الكريمة السابقة بتقدير: نوفّ إلى أولئك. أعمالهم فيها. والكاف: حرف خطاب.
  • ﴿ الذين ليس لهم:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر \"أولئك\". ليس: فعل ماضٍ ناقص. لهم: جار ومجرور متعلق بخبر \"ليس\" المقدم والجملة من ليس مع اسمها وخبرها: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ في الآخرة إلاّ النار:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة مقدمة من النار. إلّا: أداة حصر لا عمل لها. النار: اسم \"ليس\" المؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وحبط ما صنعوا فيها:
  • الواو: استئنافية. حبط: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. صنعوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: ما صنعوه. فيها: جار ومجرور متعلق بصنعوا وجملة \"صنعوا\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وباطل ما كانوا يعملون:
  • الواو: عاطفة. باطل: خبر مقدم مرفوع بالضمة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. كانوا: فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم \"كان\" والألف فارقة. يعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة \"يعملون\" في محل نصب خبر \"كانوا\" والجملة الفعلية \"كانوا يعملون\" صلة الموصول لا محل لها. والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: يعملونه وبمعنى: وبطل ما صنعوه في الدنيا وبطل ما كانوا يعملونه فيها. ويجوز أن تكون \"باطل\" مبتدأ. و \"ما\" المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع خبر \"باطل\" أي بطل عملهم. أو يكون المصدر في محل رفع فاعلًا لاسم الفاعل -باطل- بتقدير: وبطل عملهم. وجملة \"كانوا يعملون\" صلة لا محل لها من الإعراب. '

المتشابهات :

الأعراف: 139﴿إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
هود: 16﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ عز وجل حالَ من يريدُ الحياةَ الدُّنيا في الدُّنيا؛ بيَّنَ هنا حالَهم في الآخرة، قال تعالى:
﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وباطل:
وقرئ:
1- وبطل، على أنه فعل ماض، وهى قراءة زيد بن على.
2- وباطلا، بالنصب، على أنه خبر «كان» مقدم، وهى قراءة أبى، وابن مسعود.

مدارسة الآية : [17] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن ..

التفسير :

[17] أفمَن كان على حجة وبصيرة من ربه فيما يؤمن به، ويدعو إليه بالوحي الذي أنزل الله فيه هذه البينة، ويتلوها برهان آخرُ يشهد على كونه من عند الله، وهو جبريل أو محمد عليهما السلام، ويؤيد ذلك برهان ثالث من قَبْل القرآن، وهو التوراة -الكتاب الذي أُنزل على موس

يذكر تعالى، حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه، وحججه الموقنين بذلك، وأنهم لا يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم، فقال:{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} بالوحي الذي أنزلالله فيه المسائل المهمة، ودلائلها الظاهرة، فتيقن تلك البينة.

{ وَيَتْلُوهُ} أي:يتلو هذه البينة والبرهان برهان آخر{ شَاهِدٌ مِنْهُ} وهو شاهد الفطرة المستقيمة، والعقل الصحيح، حين شهد حقيقة ما أوحاه الله وشرعه، وعلم بعقله حسنه، فازداد بذلك إيمانا إلى إيمانه.

{ و} ثم شاهد ثالث وهو{ كِتَابُ مُوسَى} التوراة التي جعلها الله{ إِمَامًا} للناس{ وَرَحْمَةً} لهم، يشهد لهذا القرآن بالصدق، ويوافقه فيما جاء به من الحق.

أي:أفمن كان بهذا الوصف قد تواردت عليه شواهد الإيمان، وقامت لديه أدلة اليقين، كمن هو في الظلمات والجهالات، ليس بخارج منها؟!

لا يستوون عند الله، ولا عند عباد الله،{ أُولَئِكَ} أي:الذين وفقوا لقيام الأدلة عندهم،{ يُؤْمِنُونَ} بالقرآن حقيقة، فيثمر لهم إيمانهم كل خير في الدنيا والآخرة.

{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ} أي:القرآن{ مِنَ الْأَحْزَابِ} أي:سائر طوائف أهل الأرض، المتحزبة على رد الحق،{ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} لا بد من وروده إليها{ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ منه} أي:في أدنى شك{ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} إما جهلا منهم وضلالا، وإما ظلما وعنادا وبغيا، وإلا فمن كان قصده حسنا وفهمه مستقيما، فلا بد أن يؤمن به، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه.

قال صاحب المنار ما ملخصه: البينة ما تبين به الحق من كل شيء بحسبه كالبرهان في العقليات والنصوص في النقليات، والخوارق في الإلهيات، والتجارب في الحسيات، والشهادات في القضائيات، والاستقراء في إثبات الكليات، وقد نطق القرآن بأن الرسل قد جاءوا أقوامهم بالبينات وأن كل نبي منهم كان يحتج على قومه بأنه على بينة من ربه وأنه جاءهم ببينة من ربهم، كما ترى في قصصهم في هذه السورة وفي غيرها ... » .

وقوله: وَيَتْلُوهُ ... من التلو بمعنى الاقتفاء والاتباع. يقال: تلا فلان فلانا إذا كان تابعا له ومقتفيا أثره. والمراد به هنا: التأييد والتقوية.

وللمفسرين أقوال متعددة في المقصود بقوله- تعالى- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وبقوله- سبحانه- وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ.

وفي مرجع الضمائر في قوله «ربه- ويتلوه- ومنه» ...

وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب أن يكون المقصود بقوله- تعالى- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنون.

وبقوله تعالى- وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ القرآن الكريم الذي أنزله الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون معجزة له شاهدة بصدقه.

والضمير في قوله من ربه يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي قوله وَيَتْلُوهُ يعود إلى القرآن الكريم، وفي قوله مِنْهُ يعود إلى الله- تعالى-.

وعلى هذا القول يكون المعنى: أفمن كان على حجة واضحة من عند ربه تهديه إلى الحق والصواب في كل أقواله وأفعاله، وهو هذا الرسول الكريم وأتباعه ويؤيده ويقويه في دعوته شاهد من ربه هو هذا القرآن الكريم المعجز لسائر البشر..

أفمن كان هذا شأنه كمن ليس كذلك؟

أو أفمن كان هذا شأنه كمن استحوذ عليه الشيطان فجعله لا يريد إلا الحياة الدنيا وزينتها؟ كلا إنهما لا يستويان.

وشهادة القرآن الكريم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، تتجلى في إعجازه، فقد تحدى النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا مع فصاحتهم وبلاغتهم، فثبت بذلك أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-.

وإنما جعلنا هذا القول أقرب الأقوال إلى الصواب، لأنه هو الذي يتسق مع ما يفيده ظاهر الآية الكريمة، ولأننا عند ما نقرأ هذه السورة الكريمة وغيرها، نجد الرسل الكرام كثيرا ما يؤكدون لأقوامهم- أنهم- أى الرسل على بينة من ربهم.

فهذا نوح- عليه السلام- يقول لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ.

وهذا صالح- عليه السلام- يقول لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ....

وهذا شعيب- عليه السلام- يقول لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً..

وهكذا نجد كل نبي يؤكد لقومه أنه جاءهم على بينة من ربه وما دام الأمر كذلك فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل من جاء قومه على بينة من ربه، والمؤمنون به صلى الله عليه وسلم يقتدون به في ذلك.

ويرى بعضهم أن المراد بالبينة القرآن الكريم. وبالشاهد إعجازه وبالموصول مؤمنو أهل الكتاب وأن الضميرين في قوله «ويتلوه- ومنه» يعودان إلى القرآن الكريم وإعجازه.

وعلى هذا الرأى يكون المعنى: أفمن كان على برهان جلى من ربه يدل على حقية الإسلام وهو القرآن ويؤيده ويقويه- أى القرآن- شاهد منه على كونه من عند الله وهذا الشاهد هو إعجازه للبشر عن أن يأتوا بسورة من مثله.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ: أصل البينة الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، وتطلق على الدليل مطلقا.. والتنوين فيها للتعظيم، أى:

بينة عظيمة الشأن والمراد بها القرآن، وباعتبار ذلك أو البرهان جاء الضمير الراجع إليها في قوله وَيَتْلُوهُ مذكرا وقوله وَيَتْلُوهُ أى يتبعه شاهِدٌ عظيم يشهد بكونه من عند الله وهو إعجازه..» .

ومعنى كون ذلك الشاهد تابعا له، أنه وصف له لا ينفك عنه.. وكذا الضمير في «منه» - يعود إلى القرآن- وهو متعلق بمحذوف وقع صفة لشاهد ومعنى كونه منه أنه غير خارج عنه..» .

ومن المفسرين من يرى أن المراد بالبينة القرآن الكريم- أيضا- ويرى أن المراد بالشاهد جبريل- عليه السلام- وأن قوله- سبحانه- وَيَتْلُوهُ من التلاوة بمعنى القراءة لا من التّلو بمعنى الاتباع.

وعلى هذا الرأى يكون المعنى: أفمن كان على برهان جلى من ربه يدل على حقية الإسلام وهو القرآن ويتلو هذا القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد من الله- تعالى- هو جبريل- عليه السلام-.

فالضمير في وَيَتْلُوهُ على هذا الرأى يعود الى جبريل- عليه السلام- وفي «منه» يعود على الله تعالى-.

وهناك أقوال أخرى في تفسير الآية الكريمة رأينا من الخير أن نضرب عنها صفحا لضعفها «2» .

وقوله وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً دليل آخر على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته. وهو معطوف على شاهد والضمير في قوله وَمِنْ قَبْلِهِ ... يعود على شاهد- أيضا-.

وقوله إِماماً وَرَحْمَةً منصوبان على الحالية من قوله كِتابُ.

والمعنى ومن قبل هذا الشاهد على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم أنزل الله- تعالى- على موسى كتابه التوراة مشتملا على صفات الرسول صلى الله عليه وسلم وإِماماً يؤتم به في أمور الدين والدنيا ورحمة لبنى إسرائيل من العذاب إذا ما آمنوا به واتبعوا تعاليمه.

قال الشوكانى: وإنما قدم الشاهد على كتاب موسى مع كونه متأخرا في الوجود لكونه- أى الشاهد بمعنى المعجز- وصفا لازما غير مفارق فكان أغرق في الوصفية من كتاب موسى.

وهي شهادة كتاب موسى وهو التوراة أنه بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وأخبر بأنه رسول من الله- تعالى- .

واسم الإشاره في قوله أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعود الى الموصوفين بأنهم على بينة من ربهم وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنون الصادقون.

أى: أولئك الموصوفون بأنهم على بينة من ربهم يؤمنون بأن الإسلام هو الدين الحق وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول صدق وبأن القرآن من عند الله- تعالى- وحده.

فالضمير في قوله بِهِ يعود على كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ويدخل في ذلك دخولا أوليا القرآن الكريم.

وقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ بيان لسوء عاقبة الكافرين بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بيان حسن عاقبة المؤمنين به.

والأحزاب جمع حزب وهم الذين تحزبوا وتجمعوا من أهل مكة وغيرهم لمحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته.

أى: ومن يكفر بهذا القرآن وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من هدايات فإن نار جهنم هي المكان الذي ينتظره وينتظر كل متحزب ضد دعوته صلى الله عليه وسلم.

وفي جعل النار موعدا لهذا الكافر بالقرآن إشعار بأن فيها ما لا يحيط به الوصف من ألوان العذاب الذي يجعله لا يموت فيها ولا يحيا.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالحض على النظر الصحيح الذي يؤدى إلى اليقين بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا يشوبه باطل فقال- تعالى-: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.

أى: فلا تك- أيها العاقل- في شك من أن هذا القرآن من عند الله ومن أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الصدق، بل عليك أن تعتقد اعتقادا جازما في صحة ذلك، لأن ما جاء به صلى الله عليه وسلم هو الحق الثابت من عند ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بذلك لانطماس بصائرهم، ولتقليدهم لآبائهم، ولإيثارهم الغي على الرشد.

وبذلك نرى الآية الكريمة قد ميزت بين من كان على الحق ومن كان على الباطل وساقت حشودا من الأدلة الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، وعلى صحة ما عليه أتباعه، وأمرتهم بالثبات على الحق الذي آمنوا به، وتوعدت المتحزبين ضد دعوة الإسلام بنار جهنم التي هي بئس القرار.

هذا، وهذه الآية الكريمة هي من الآيات التي قيل بأنها مدنية، وبمراجعتنا لتفسيرها لم نجد ما يؤيد ذلك، بل الذي نراه أن السورة كلها مكية كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في المقدمة.

ثم وصف- سبحانه- الكافرين بالإسلام ببضعة عشر وصفا. وبين سوء مصيرهم كما بين حسن عاقبة المؤمنين وضرب مثلا لحال الفريقين فقال- تعالى-:

يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى التي فطر عليها عباده ، من الاعتراف له بأنه لا إله إلا هو ، كما قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) [ الروم : 30 ] ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " . وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم " . وفي المسند والسنن : " كل مولود يولد على هذه الملة ، حتى يعرب عنه لسانه " الحديث ، فالمؤمن باق على هذه الفطرة . [ وقوله : ( ويتلوه شاهد منه ) أي ] : وجاءه شاهد من الله ، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء ، من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة المختتمة بشريعة محمد ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . ولهذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو العالية ، والضحاك ، وإبراهيم النخعي ، والسدي ، وغير واحد في قوله تعالى : ( ويتلوه شاهد منه ) إنه جبريل عليه السلام .

وعن علي ، والحسن ، وقتادة : هو محمد ، صلى الله عليه وسلم .

وكلاهما قريب في المعنى; لأن كلا من جبريل ومحمد ، صلوات الله عليهما ، بلغ رسالة الله تعالى ، فجبريل إلى محمد ، ومحمد إلى الأمة .

وقيل : هو علي . وهو ضعيف لا يثبت له قائل ، والأول والثاني هو الحق; وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة ، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة ، والفطرة تصدقها وتؤمن بها; ولهذا قال تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) وهو القرآن ، بلغه جبريل إلى النبي [ محمد ] صلى الله عليه وسلم ، وبلغه النبي محمد إلى أمته .

ثم قال تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى ) أي : ومن قبل [ هذا ] القرآن كتاب موسى ، وهو التوراة ، ( إماما ورحمة ) أي : أنزل الله تعالى إلى تلك الأمة إماما لهم ، وقدوة يقتدون بها ، ورحمة من الله بهم . فمن آمن بها حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن; ولهذا قال تعالى : ( أولئك يؤمنون به ) .

ثم قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) أي : ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض مشركيهم : أهل الكتاب وغيرهم ، من سائر طوائف بني آدم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ، ممن بلغه القرآن ، كما قال تعالى : ( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] ، وقال تعالى : ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] . وقال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) وفي صحيح مسلم ، من حديث شعبة ، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار " .

وقال أيوب السختياني ، عن سعيد بن جبير قال : كنت لا أسمع بحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجهه إلا وجدت مصداقه - أو قال : تصديقه - في القرآن ، فبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، فلا يؤمن بي إلا دخل النار " . فجعلت أقول : أين مصداقه في كتاب الله ؟ قال : وقلما سمعت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وجدت له تصديقا في القرآن ، حتى وجدت هذه الآية : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) قال : " من الملل كلها " .

قوله : ( فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ) أي : القرآن حق من الله ، لا مرية فيه ولا شك ، كما قال تعالى : ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) [ السجدة : 1 ، 2 ] ، وقال تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه [ هدى للمتقين ] ) [ البقرة : 1 ، 2 ] .

وقوله : ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) كما قال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ، وقال تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) [ الأنعام : 116 ] ، وقال تعالى : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) [ سبأ : 20 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (أفمن كان على بينة من ربه) ، قد بين له دينه فتبينه (22) ، (ويتلوه شاهد منه). (23)

* * *

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: يعني بقوله: (أفمن كان على بينة من ربه) ، محمدًا صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

18030- حدثني محمد بن خلف قال ، حدثنا حسين بن محمد قال ، حدثنا شيبان، عن قتادة، عن عروة، عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبت ، أنت التالي في (ويتلوه شاهد منه) ؟ قال: لا والله يا بنيّ ! وددت أني كنت أنا هو، ولكنه لسانُه

18031- حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، ، عن الحسن: (ويتلوه شاهد منه) قال: لسانه.

18032- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قوله: (ويتلوه شاهد منه) قال: لسانه.

18033- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا الحكم بن عبد الله أبو النعمان العجلي قال ، حدثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. (24)

18034- حدثني علي بن الحسن الأزدي قال ، حدثنا المعافى بن عمران، عن قرة بن خالد، عن الحسن، مثله.

18035- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) ، وهو محمد ، كان على بيّنة من ربه.

18036- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قوله: (ويتلوه شاهد منه) قال: لسانه.

18037- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ويتلوه شاهد منه)، قال: لسانه هو الشاهد.

18038- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.

18039- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا غندر، عن عوف، عن الحسن، مثله.

* * *

وقال آخرون: يعني بقوله: (ويتلوه شاهد منه)، محمدًا صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

18040- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن سليمان العلاف، عن الحسين بن علي في قوله: (ويتلوه شاهد منه) قال: الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم . (25)

18041- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا غندر، عن عوف، قال، حدثني سليمان العلاف قال: بلغني أن الحسن بن علي قال: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: محمد صلى الله عليه وسلم.

18042-. . . . قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن سليمان العلاف، سمع الحَسَن بن علي: (ويتلوه شاهد منه) ، يقول: محمد، هو الشاهد من الله. (26)

18043- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) ، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان على بينة من ربه، والقرآن يتلوه شاهدٌ أيضًا من الله ، (27) بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

18044- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: (أفمن كان على بينة من ربه) ، قال: النبي صلى الله عليه وسلم.

18045- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، مثله.

18046-. . .. قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

18047- حدثنا الحارث قال ، حدثنا أبو خالد، سمعت سفيان يقول: (أفمن كان على بينة من ربه) ، قال: محمد صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقال آخرون: هو علي بن أبي طالب.

*ذكر من قال ذلك:

18048- حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا رزيق بن مرزوق قال ، حدثنا صباح الفراء، عن جابر، عن عبد الله بن نجيّ قال، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نـزلت فيه الآية والآيتان. فقال له رجُل: فأنتَ فأي شيء نـزل فيك؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نـزلت في هود : (ويتلوه شاهد منه). (28)

* * *

وقال آخرون: هو جبريل.

*ذكر من قال ذلك:

18049- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ويتلوه شاهد منه) ، إنه كان يقول: جبريل.

18050- حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: جبريل.

18051- وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى ، بإسناده عن إبراهيم فقال: قال : يقولون : " علي" ، إنما هو جبريل.

18052- حدثنا أبو كريب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد قال: هو جبريل، تلا التوراة والإنجيل والقرآن، وهو الشاهد من الله.

18053- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، وحدثنا محمد بن عبد الله المخرّميّ ، قال ، حدثنا جعفر بن عون قال ، حدثنا سفيان ، وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم: (ويتلوه شاهد منه) قال: جبريل.

18054- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

18055-. . . . قال، حدثنا سهل بن يوسف قال ، حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

18056- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.

18057-. . . . قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال: جبريل.

18058-. . . . قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: جبريل.

18059-. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: جبريل

18060-. . . . حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) ، يعني محمدًا هو على بينة من الله ، (ويتلوه شاهد منه) ، جبريل ، شاهدٌ من الله ، يتلو على محمد ما بُعث به.

18061- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: هو جبريل

18062-. . . . قال، حدثنا أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، قال: هو جبريل.

18063-. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: جبريل.

18064-. . . . حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أفمن كان على بينة من ربه)، يعني محمدًا ، على بينة من ربه ، (ويتلوه شاهد منه) ، فهو جبريل ، شاهد من الله بالذي يتلو من كتاب الله الذي أنـزل على محمد قال: ويقال: (ويتلوه شاهد منه) ، يقول: يحفظه المَلَك الذي معه.

18065- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال،كان مجاهد يقول في قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) ، قال: يعني محمدًا، (ويتلوه شاهد منه) ، قال: جبريل.

* * *

وقال آخرون: هو ملك يحفظه.

*ذكر من قال ذلك:

18066- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: معه حافظ من الله ، مَلَكٌ.

18067- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون، وسويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن مجاهد: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: ملك يحفظه.

18068-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن سمع مجاهدًا: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: الملك.

18069- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويتلوه شاهد منه) ، يتبعه حافظٌ من الله ، مَلَكٌ.

18070- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن أيوب، عن مجاهد: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: الملك يحفظه: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، [سورة البقرة: 121] قال: يتّبعونه حقّ اتباعه.

18071- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ويتلوه شاهد منه) ، قال: حافظ من الله ، مَلكٌ.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصواب في تأويل قوله: (ويتلوه شاهد منه)، قولُ من قال: " هو جبريل "، لدلالة قوله: (ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً) ، على صحة ذلك . وذلك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يتلُ قبل القرآن كتاب موسى، فيكون ذلك دليلا على صحة قول من قال: " عنى به لسان محمد صلى الله عليه وسلم، أو: محمد نفسه، أو : عليّ" على قول من قال: " عني به علي". ولا يعلم أنّ أحدًا كان تلا ذلك قبل القرآن ، أو جاء به، ممن ذكر أهل التأويل أنه عنى بقوله: (ويتلوه شاهد منه) ، غير جبريل عليه السلام.

* * *

فإن قال قائل: فإن كان ذلك دليلك على أن المعنيَّ به جبريل، فقد يجب أن تكون القراءة في قوله: (ومن قبله كتاب موسى) بالنصب ، لأن معنى الكلام على ما تأولتَ يجب أن يكون: ويتلو القرآنَ شاهدٌ من الله، ومن قبل القرآن كتابَ موسى؟

قيل: إن القراء في الأمصار قد أجمعت على قراءة ذلك بالرفع فلم يكن لأحد خلافها، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالنصب ، كانت قراءة صحيحةً ومعنى صحيحًا.

فإن قال: فما وجه رفعهم إذًا " الكتاب " على ما ادعيت من التأويل؟

قيل: وجه رفعهم هذا أنهم ابتدؤوا الخبر عن مجيء كتاب موسى قبل كتابنا المنـزل على محمد، فرفعوه ب " من " [ومنه]، (29) والقراءة كذلك، والمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبريل ذلك قبل القرآن، وأن المراد من معناه ذلك ، وإن كان الخبر مستأنفًا على ما وصفت ، اكتفاءً بدلالة الكلام على معناه.

* * *

وأما قوله: (إمامًا) فإنه نصب على القطع من " كتاب موسى " ، (30) وقوله (ورحمة) ، عطف على " الإمام ". كأنه قيل: ومن قبله كتاب موسى إمامًا لبني إسرائيل يأتمُّون به، ورحمةً من الله تلاه على موسى، كما:-

18072- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن أبيه، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (ومن قبله كتاب موسى) ، قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى.

* * *

وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً) ، ، " كمن هو في الضلالة متردد لا يهتدي لرشد، ولا يعرف حقًّا من باطل، ولا يطلب بعمله إلا الحياة الدنيا وزينتها ". وذلك نظير قوله: أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [سورة الزمر: 9] (31) والدليل على حقيقة ما قلنا في ذلك أن ذلك عقيب قوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، الآية، ثم قيل: أهذا خير ، أمن كان على بينة من ربه؟ والعرب تفعل ذلك كثيرًا إذا كان فيما ذكرت دلالة على مرادها على ما حذفت، وذلك كقول الشاعر: (32)

وَأُقْسِــمُ لَـوْ شَـيْءٌ أَتَانَـا رَسُـولُه

سِـواكَ وَلَكِـنْ لَـمْ نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعًا (33)

* * *

وقوله: (أولئك يؤمنون به) ، يقول: هؤلاء الذين ذكرت ، يصدقون ويقرّون به ، إن كفر به هؤلاء المشركون الذين يقولون: إن محمدًا افتراه.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ومن يكفر بهذا القرآن ، فيجحد أنه من عند الله ، (من الأحزاب) وهم المتحزّبة على مللهم (34) ، (فالنار موعده)، أنه يصير إليها في الآخرة بتكذيبه. يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فلا تك في مرية منه) ، يقول: فلا تك في شك منه، (35) من أن موعدَ من كفر بالقرآن من الأحزاب النارُ، وأن هذا القرآن الذي أنـزلناه إليك من عند الله.

ثم ابتدأ جل ثناؤه الخبر عن القرآن فقال: إن هذا القرآن الذي أنـزلناه إليك ، يا محمد ، الحقّ من ربك لا شك فيه، ولكنّ أكثر الناس لا يصدِّقون بأن ذلك كذلك.

* * *

فإن قال قائل: أوَ كان النبي صلى الله عليه وسلم في شكٍّ من أن القرآن من عند الله، وأنه حق، حتى قيل له: " فلا تك في مرية منه "؟

قيل: هذا نظير قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ [ سورة يونس: 94] ، وقد بينا ذلك هنالك. (36)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18073- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا أيوب قال: نبئت أن سعيد بن جبير قال: ما بلغني حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على وَجهه إلا وجدت مصداقَه في كتاب الله تعالى، حتى قال " لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصرانيّ، ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار ". قال سعيد، فقلت : أين هذا في كتاب الله؟ حتى أتيت على هذه الآية: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) ، قال: من أهل الملل كُلّها.

18074- حدثنا محمد بن عبد الله المخرّمي ، وابن وكيع قالا حدثنا جعفر بن عون قال ، حدثنا سفيان، عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله: (ومن يكفُر به من الأحزاب) ، قال: من الملل كلها.

18075- حدثني يعقوب ، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال ، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير قال: كنت لا أسمع بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وَجهه، إلا وجدت مصداقه ، أو قال تصديقه ، في القرآن، فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار " ، فجعلت أقول: أين مصداقُها؟ حتى أتيت على هذه: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ، إلى قوله: (فالنار موعده) ، قال: فالأحزاب، الملل كلها.

18076- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، حدثني أيوب، عن سعيد بن جبير قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، فلا يؤمن بي إلا دخل النار " ، فجعلت أقول: أين مصداقها في كتاب الله؟ قال: وقلَّما سمعت حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وجدتُ له تصديقًا في القرآن، حتى وجدت هذه الآيات: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) ، الملل كلها. (37)

18077-. . .. قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) ، قال: الكفارُ أحزابٌ كلهم على الكفر.

18078- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ ، [سورة الرعد: 36] ، أي : يكفر ببعضه، وهم اليهود والنصارى. قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ، ولا يهودي ولا نصراني ، ثم يموت قبل أن يؤمن بي، إلا دخل النار ".

18079- حدثني المثنى قال ، حدثنا يوسف بن عدي النضري قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني، فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة. (38)

-----------------------

الهوامش :

(22) انظر تفسير " البينة " فيما سلف من فهارس اللغة ( بين ) .

(23) انظر تفسير " يتلو " ، و " شاهد " فيما سلف من فهارس اللغة ( تلا ) ، ( شهد ) .

(24) الأثر : 18033 - " الحكم بن عبد الله " ، " أبو النعمان العجلي " ، ثقة ، مضى برقم : 17013 .

(25) الأثر : 18040 - " سليمان العلاف " ، مترجم في الكبير 2 / 2 / 31 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 153 ، ولم يذكرا فيه جرحًا ، وقالا : إنه بلغه عن الحسن ، روى عنه عوف ، وقال البخاري : مرسل . وكأنه يعني هذا الحديث ، انظر الخبر التالي . وكان في المطبوعة والمخطوطة " عن الحسين بن علي " ، وهو خطأ ، يدل عليه ما ذكرته ، وانظر الخبر التالي ، والذي يليه .

(26) الأثران : 18041 ، 18042 - " سليمان العلاف " ، انظر التعليق السالف ، وفي الأثرين " الحسين بن علي " في المخطوطة والمطبوعة ، والصواب ما أثبت كما مر ذلك في التعليق على الأثر السالف .

(27) في المطبوعة : " شاهد منه أيضًا " ، والذي في المخطوطة هو الجيد .

(28) الأثر : 18048 - " رزيق بن مرزوق الكوفي المقرئ البجلي " ، روى عن أبي الأحوص ، وابن عيينة ، وسهل بن شعيب ، وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي ، وأبو حاتم الرازي ، وقال : " صدوق " مترجم في ابن أبي حاتم 1 / 2 / 506 ." وصباح الفراء " ، لم أجده ، وأخشى أن يكون هو " صباح بن يحيى المزني " ، وهو الشيعي المتروك الذي سلف برقم : 16113 ." وجابر " هو الجعفي " جابر بن يزيد الجعفي " . وهو ضعيف ، بل ربما كان القول فيه أشد ، وكان فوق ذلك رافضيًا يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن حبان : " كان من أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان يقول : إن عليا يرجع إلى الدنيا " مضى مرارًا آخرها رقم : 14008 . " وعبد الله بن نجي بن سلمة الكوفي الحضرمي " ، ليس بالقوي ، كان أبوه على مطهرة علي رضي الله عنه ، قال البخاري : " فيه نظر " ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 184 . وميزان الاعتدال 2 : 82 ، وقال الذهبي : " روى عنه جابر الجعفي ، فمنكرة من جابر " ، ووثقه النسائي .

وكان في المطبوعة " عبد الله بن يحيى " ، لم يحسن قراءة المخطوطة فيعرف الاسم .

(29) في المطبوعة : " فرفعوه بمن قبله والقراءة كذلك " ، غير ما في المخطوطة ، لهذه الكلمة التي وضعتها بين القوسين ، وأنا أخشى أن تكون زيادة لا معنى لها ، ولذلك أثبتها بين القوسين ، كما في المخطوطة .

وانظر تفسير الآية في معاني القرآن للفراء .

(30) " القطع " ، الحال ، كما سلف ص : 76 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(31) انظر تفسير الآية في معاني القرآن للفراء .

(32) هو امرؤ القيس .

(33) ديوانه : 113 ، والخزانة 4 : 227 ، وغيرهما كثير ، وسيأتي في التفسير 13 : 102 / 23 : 128 / 29 : 67 ( بولاق ) ، وهذا البيت قد كثر الاستدلال به على الحذف ، إلا أن البغدادي أفاد فائدة جيدة فقال : " وعذرهم في تقدير الجواب أن هذا البيت ساقط في أكثر الروايات ، وقد ذكره الزجاجي في أماليه الصغرى والكبرى في جملة أبيات ثمانية ، رواها المبرد من قصيدة لأمرئ القيس ، ورأينا أن نقتصر عليها ، وهي :

بَعَثْــتُ إلَيْهــا والنُّجـوم خَـوَاضِعٌ

حِــذَارًا عَلَيْهَــا أنْ تَقُـومَ فَتَسْـمَعَا

فَجَـاءتْ قَطُـوفَ المَشْيِ هَائِبَةَ السُّرَى

يُــدَافِعُ رُكْنَـاهَــا كَـوَاعِبَ أرْبَعَـا

يُزَجِّيهَـا مَشْـىَ الـنَّزِيفِ وَقَـدْ جَرَى

صُبَـابُ الكَـرَى فِـي مُخِّـهِ فَتَقَطَّعَـا

تَقُــولُ وَقَـدْ جَرَّدْتُهَـا مِـنْ ثِيَابِهَـا

كَمَـا رُعْـتَ مَكْحُـولَ المَـدَامِع أَتْلَعَا

أَجِــدَّكَ لَـوْ شَـيْءٌ أَتَانـا رَسُـولُهُ

سِـوَاكَ وَلكِـنْ لـم نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعَا

إِذَنْ لَرَدَدْنَــاهُ , وَلَــوْ طَـالَ مَكْثُـهُ

لَدَيْنَــا , وَلَكِنَّــا بِحُــبِّكَ وُلَّعَــا

فَبِتْنَـا تَصُـدُّ الوُحْـشُ عَنَّـا , كَأَنَّنَـا

قَتِيـلاَنِ لم يَعْلَـمْ النَّـاسُ لَنَا مَصْرَعَا

إِذَا أَخَذَتْهَـا هِـزَّةُ الـرَّوْعِ , أَمْسَـكَتْ

بِمَنْكِـبِ مِقْـدَامٍ عَـلَى الهَـوْلِ أرْوَعَا

هذا ما قاله البغدادي ، وفيه قول لا يتسع له هذا المكان ، ولكن فيه فائدة تقيد .

(34) انظر تفسير " الحزب " فيما سلف 1 : 244 / 10 : 428 .

(35) انظر تفسير " المرية " فيما سلف من فهارس اللغة ( مري ) .

(36) انظر ما سلف قريبًا ص : 200 - 203 .

(37) الآثار : 18073 - 18077 - هذه الآثار عن سعيد بن جبير ، والتي روى فيها الخبر مرسلا ، رواه الحاكم في المستدرك 2 : 342 ، موصولا مرفوعًا من حديث ابن عباس . وذلك من طريق عبد الرازق ، عن معمر ، عن أبي عمرو البصري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وقال الحاكم " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي .

وانظر حديث أبي هريرة ، في صحيح مسلم 2 : 186 ، وما سيأتي من حديث أبي موسى رقم : 18079 .

(38) الأثر : 18079 - " يوسف بن عدي النصري " ، هكذا في المخطوطة غير منقوط ، وفي المطبوعة : " النضري " ولا أدري من أين أتى بإعجامه هذا . والذي مر بنا في الخبر رقم : 10309 ، رواية المثنى ، عن يوسف بن عدي ، عن ابن المبارك " وظننت هناك أنه : " يوسف بن عدي بن رزيق التيمي " ، فلا أدري ما هذه النسبة التي هنا ، إلا أني أظن أنها " المصري " ، لأن " يوسف بن عدي " ، وإن يكن كوفيًا ، إلا أنه سكن مصر ، ومات بها سنة 232 .وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 4 : 396 ، عن طريق محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، بهذا اللفظ . ومثله 4 : 398 ، من طريق عفان ، عن شعبة .وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8 : 261 ، 262 ، مطولا ، وفيه من قول أبي موسى الأشعري : " فقلت : ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا في كتاب الله عز وجل ، فقرأت فوجدت : {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } ، فهذا نحو ما قاله سعيد بن جبير في الآثار السالفة . وقال الهيثمي بعد : " رواه الطبراني ، واللفظ له ، وأحمد بنحوه في الروايتين ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، والبزار أيضًا باختصار" .

التدبر :

لمسة
[17] ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أين خبره؟ الجواب: هو محذوف لدلالة الكلام عليه، وهو كثير في القرآن جريًا على عادة كلام العرب، لفهم المعنى منه، تقديره: كمن هو ضال كفور.
عمل
[17] سل الله أن يرزقك العلم والتفقه في الدين، واحرص على الابتعاد عن أكل الحرام لتكون على بينة من ربك ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾.
وقفة
[17] ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ومعناه: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها، أو من كان على بينة من ربه كمن هو في الضلالة والجهالة.
لمسة
[17] ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ مضارع فيه تجدد واستمرار، ما قال: (تلاه).
وقفة
[17] ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ ليس معنى (يتلوه) هنا من التلاوة؛ بل المعنى -في هذا السياق- يتبعه.
لمسة
[17] ﴿شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ ذكر شاهدين، شاهد من قبله كتاب موسى، وشاهد يتلوه، فاستغرق كل الزمن الماضي والحال والاستقبال، فهذا الشاهد يمكن أن يكون مستمرًا إلى يوم القيامة، وفي كل زمان قد يظهر شاهد ودليل جديد على صحته ولا تنقضي عجائبه.
وقفة
[17] قال سعيد بن جبير: «كنت لا أسمع بحديث عن النبي  على وجهه إلا وجدت تصديقه في القرآن، فبلغني حديث: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار»، فجعلت أقول: أين مصداقه في كتاب الله؟ حتى وجدت هذه الآية: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾».
لمسة
[17] قال تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ﴾، ولم يقل: (ومن كفر)؛ حتى يشمل كل من يكفر إلى يوم القيامة.
تفاعل
[17] ﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
لمسة
[17] النهي الذي ورد في الآية: ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أبلغ ما يكون النهي؛ جاء بالفاء الدالة على السبب، يعني بعد أن ذكرنا الأسباب الموجبة على صحة الدعوة (فَلاَ تَكُ)، ثم جاء بالنهي (لا)، ثم حذف النون (تَكُ)، ثم قال: (فِي مِرْيَةٍ)، ولم يقل: (على مرية) أو (ممتريًا) أو (شاكًا)، و(في) ظرفية يعني: لا تكن في الشك، كما يكون الشخص في اللُجة أُخرج منها، ثم نكَّر المرية حتى يشمل كل شك، ثم قال (مِّنْهُ) من القرآن، لم يقل: (لا تك في مرية) لأن الإنسان يشك في أمور كثيرة، لكن المقصود هنا القرآن، ثم قال: (إِنَّهُ الْحَقُّ) أكَّد بـإنَّ، ثم عرَّف الحق؛ ليدل على أنه وحده الحق ولا حق سواه، فلو اتبعت أي كتاب آخر كان اتباعك باطلًا، فكل كتاب آخر منسوخ، ثم ذكر الجهة التي تدل على أحقيته (مِن رَّبِّكَ)، ثم قال: (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) حتى يحتاط للمسألة، وحذَّر قبلها بأن الذي لا يؤمن موعده النار: (وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ).

الإعراب :

  • ﴿ أفمن كان على بيِّنة من ربه:
  • ذالهمزة: حرف استفهام لا عمل له. الفاء: زائدة أو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ والجملة بعده: صلة. لا محل لها من الإعراب. على بينِّةٍ: جار ومجرور متعلق بخبر \"كان\" بمعنى جاعلًا دينه على بينّة أي على دليل أو برهان من ربّه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من بينة والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. ويجوز أن تكون \"من\" في محل جر بحرف جر مقدر والجار والمجرور في محل رفع خبرًا للمبتدأ في الآية الكريمة قبل السابقة بمعنى: أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه. و \"كان\" فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر تقديره هو.
  • ﴿ ويتلوه شاهد منه:
  • الواو: عاطفة. يتلوه: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. شاهد: فاعل مرفوع بالضمة، منه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من شاهد بمعنى ويتبع هذا الدليل أو البرهان شاهد من الله وهو القرآن.
  • ﴿ ومن قبله كتاب موسى:
  • الواو عاطفة. من قبله: جار ومجرور للتعظيم تعرب إعراب منه. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة والهاء تعود على القرآن. كتاب: فاعل مرفوع بالضمة بفعل \"يتلوه\" أيضًا. بمعنى ويتدو ذلك البرهان أيضًا من قبل القرآن كتاب موسى وهو شاهد آخر يؤيده وهو التوراة. موسى: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة أو الكسرة المقدرة على الألف للتعذر وقد شرح هذا التقدير في الآيات السابقات.
  • ﴿ إمامًا ورحمة:
  • إمامًا: حال منصوب بالفتحة ورحمة معطوفة بالواو على \"إمامًا\" منصوبة بالفتحة أيضًا أي كتابًا مؤتمًا به في الدين قدوة فيه لطائفة كبيرة من الناس. ورحمة: أي ونعمة عظيمة لهم أي المنزل إليهم.
  • ﴿ أولئك يؤمنون به:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. والإشارة إلى من كان على بينة من ربه. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. به: جار ومجرور متعلق بيؤمنون. أي بالقرآن. وجملة \"يؤمنون به\" في محل رفع خبر أولئك.
  • ﴿ ومن يكفر بِه من الأحزاب:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني عَلى السكون في محل رفع مبتدأ. يكفر: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. به: جار ومجرور متعلق بيكفر. من الأحزاب: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من \"من\" الشرطية.
  • ﴿ فالنار موعده:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط والجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. النار: مبتدأ مرفوع بالضمة. موعده. خبر مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة. والجملة من فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر \"من\".
  • ﴿ فلا تكُ في مرية منه:
  • الفاء: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تك: فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره -النون- المحذوفة للتخفيف جوازًا وحذفت الواو وجوبًا لالتقاء الساكنين واسمها ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. في مرية: جار ومجرور متعلق بخبر \"تك\" أي في شك. منه: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"مرية\".
  • ﴿ إنهّ الحقّ من ربك:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\". الحق: خبر \"إنّ\" مرفوع بالضمة. من ربك: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من \"الحق\" والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ ولكنّ أكثر الناس:
  • الواو: استئنافية. لكن: حرف مشبه بالفعل للاستدراك. اكثر: اسم \"لكن\" منصوب بالفتحة. الناس: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ لا يؤمنون:
  • الجملة في محل رفع خبر \"لكنّ\". لا: نانية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. '

المتشابهات :

هود: 17﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ
محمد: 14﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعدَ أنْ ذكرَ اللهُ عز وجل حالَ منْ كانَ يريدُ الدُّنيا، ذكرَ هنا حالَ من كانَ يريدُ الآخرةَ ويعملُ لها، قال تعالى:
﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كتاب موسى:
وقرئ:
بالنصب، وهى قراءة محمد بن السائب الكلبي.

مدارسة الآية : [18] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى ..

التفسير :

[18] ولا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذباً، أولئك سيعرضون على ربهم يوم القيامة؛ ليحاسبهم على أعمالهم. ويقولُ الأشهاد من الملائكة والنبيين وغيرهم:هؤلاء الذين كذَبوا على ربهم في الدنيا، قد سخط الله عليهم، ولعنهم لعنة لا تنقطع؛ لأن الظلم الذي اقترفوه صار وص

يخبر تعالى أنه لا أحد{ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ويدخل في هذا كل من كذب على الله، بنسبة الشريك له، أو وصفه بما لا يليق بجلاله، أو الإخبار عنه، بما لم يقل، أو ادعاء النبوة، أو غير ذلك من الكذب على الله، فهؤلاء أعظم الناس ظلما{ أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} ليجازيهم بظلمهم، فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد{ يَقُولُ الْأَشْهَادُ} أي:الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم:{ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} أي:لعنة لا تنقطع، لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما، لا يقبل التخفيف.

قال الإمام الرازي: اعلم أن الكفار كانت لهم عادات كثيرة وطرق مختلفة فمنها شدة حرصهم على الدنيا، ورغبتهم في تحصيلها، وقد أبطل الله- تعالى- هذه الطريقة بقوله:

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ... إلى آخر الآية. ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقدحون في معجزاته وقد أبطل الله- تعالى- ذلك بقوله أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ....

ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله، وقد أبطل الله- تعالى- ذلك بهذه الآيات وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله ... » .

وجمله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً.... معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ.

والاستفهام للإنكار والنفي، والتقدير: لا أحد أشد ظلما ممن تعمد الكذب على الله- تعالى- بأن زعم بأن الأصنام تشفع لعابديها عنده، أو زعم بأن الملائكة بنات الله، أو أن هذا القرآن ليس من عنده- سبحانه-.

وقوله: أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ بيان لما يقال لهؤلاء الظالمين على سبيل التشهير والتوبيخ يوم القيامة والأشهاد: جمع شهيد كشريف وأشراف. أو جمع شاهد بمعنى حاضر كصاحب وأصحاب والمراد بهم- على الراجح- جميع أهل الموقف من الملائكة الذين كانوا يسجلون عليهم أقوالهم وأعمالهم، ومن الأنبياء والمؤمنين.

والمعنى: أولئك الموصوفون بافتراء الكذب على الله- تعالى- يعرضون يوم الحساب، على ربهم ومالك أمرهم، كما يعرض المجرم للقصاص منه، ولفضيحته أمام الناس.

وَيَقُولُ الْأَشْهادُ الذين يشهدون عليهم بأنهم قد افتروا الكذب على الله هؤُلاءِ المجرمون هم الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ بأن نسبوا إليه ما هو منزه عنه.

أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الذين وضعوا الأمور في غير مواضعها، فأوردوا أنفسهم المهالك» .

وجيء باسم الإشارة هؤُلاءِ زيادة في التشنيع عليهم، وفي تمييزهم عن غيرهم وصدرت جملة أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ بأداة الاستفتاح أَلا لتأكيد الدعاء عليهم بالطرد والإبعاد عن رحمة الله- تعالى- بسبب افترائهم الكذب.

والظاهر أن هذه الجملة من كلام الأشهاد ويؤيد ذلك ما أخرجه الشيخان عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذا بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله- عز وجل- يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه- أى ستره وعفوه- ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإنى قد سترتها عليك في الدنيا وإنى أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ .

ويجوز أن تكون هذه الجملة من كلام الله- تعالى- على سبيل الاستئناف بعد أن قال الأشهاد هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ.

يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رءوس الخلائق; من الملائكة ، والرسل ، والأنبياء ، وسائر البشر والجان ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا بهز وعفان قالا أخبرنا همام ، حدثنا قتادة ، عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد ابن عمر ، إذ عرض له رجل قال : كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله عز وجل يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ، ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول : ( الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )

أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ، من حديث قتادة به .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأي الناس أشد تعذيبًا ممن اختلق على الله كذبًا فكذب عليه؟ (39) ، (أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ) يعرضون يوم القيامة على ربهم "، (40) فيسألهم عما كانوا في دار الدنيا يعملون، كما:

18080- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا) ، قال: الكافر والمنافق ، (أولئك يعرضون على ربهم) ، فيسألهم عن أعمالهم.

* * *

وقوله: (ويقول الأشهاد) ، يعني الملائكة والأنبياء الذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون ، وهم جمع " شاهد " مثل " الأصحاب " الذي هو جمع " صاحب " ، (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) ، يقول: شهد هؤلاء الأشهاد في الآخرة على هؤلاء المفترين على الله في الدنيا، فيقولون: هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا على ربهم، يقول الله: (ألا لعنة الله على الظالمين) ، يقول: ألا غضب الله على المعتدين الذين كفروا بربّهم.

* * *

وبنحو ما قلنا في قوله (ويقول الأشهاد) ، قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

18081- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويقول الأشهاد) ، قال: الملائكة.

18082- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الملائكة.

18083- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ويقول الأشهاد) ، والأشهاد: الملائكة، يشهدون على بني آدم بأعمالهم.

18084- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (الأشهاد) ، قال: الخلائق ، أو قال: الملائكة.

18085- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنحوه.

18086- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (ويقول الأشهاد) ، الذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ، (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) ، حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة ، قال ابن جريج: قال مجاهد: " الأشهاد "، الملائكة.

18087- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش عن قوله: (ويقول الأشهاد)، قال: الملائكة.

18088- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ويقول الأشهاد) ، يعني الأنبياء والرسل، وهو قوله: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ ، [سورة النحل: 89] . قال: وقوله: (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) ، يقولون: يا ربنا أتيناهم بالحق فكذبوا، فنحن نشهد عليهم أنهم كذبوا عليك يا ربنا.

18089- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد وهشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني قال، بينا نحن بالبيت مع عبد الله بن عمر ، وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر ، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ (41) فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كَنَفه فيقرّره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف ! (42) مرتين ، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . قال: فيعطى صحيفة حسناته ، أو : كتابه ، بيمينه. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الأشهاد: " ألا هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ". (43)

18090- حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا هشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (44)

18091- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: كنا نحدَّث أنه لا يخزَى يومئذ أحدٌ ، فيخفى خزيُه على أحد ممن خلق لله ، أو: الخلائق.

-----------------------

الهوامش :

(39) انظر تفسير " افترى " فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى ) .

(40) في المطبوعة والمخطوطة : " يكذبون على ربهم " ، والأجود أن تبقى على سياقة الآية .

(41) مضى في رقم : 6497 : " أما سمعت " .

(42) مضى في رقم : 6497 : " رب اغفر " ، مكان " رب أعرف " .

(43) الأثر : 18089 - مضى هذا الخبر بإسناده ، وتخريجه في رقم : 6497 ( ج 6 : 119 ، 120 ) .

(44) الأثر : 18090 - مضى هذا الإسناد برقم : 6497 ، أيضًا .

التدبر :

لمسة
[18] لماذا قال ربنا: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ وليس (ولا أظلم)؟ الجواب: (لا أظلم) هذا كلام عادي، أسلوب خبري أنت تقرر هذا الأمر، لكن (مَنْ أَظْلَمُ) هذا أسلوب إنشائي استفهامي؛ حتى يشارك المخاطَب ويجعله يقرر بنفسه، فتطلب منه أن يجيب.
وقفة
[18] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا﴾ العالم الذي يكذب على الله فيحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله افتراء على الله أسوأ من المشرك بالله.
وقفة
[18] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا﴾ عظم ظلم من يفتري على الله الكذب وعظم عقابه يوم القيامة.
لمسة
[18] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ لماذا جاءت كلمة الكذب هنا نكرة؟ المعرفة هى ما دلّ على شيء معين، الكذب يقصد شيئًا معينًا مذكورًا في السياق، في آل عمران: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [٩٣]، الكلام عن الطعام، هم كذبوا على الله في هذه المسألة، أما التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول، (كذب) يشمل كل كذب، وليس الكذب في مسألة معينة، هنا: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ أيّ كذب في أيّ شيء، نكَّر؛ لأنها عامة تشمل كل افتراء في كل حالة.
وقفة
[18] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ۚ أُولَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ الأشهاد هم الملائكة، وقد شهد الأشهاد في الآخرة على المفترين على الله الكذب في الدنيا بأنه اتخذ ولدًا وشريكًا، أو أنه ثالث ثلاثة، أو أن يد الله مغلولة كما ادعت اليهود.
وقفة
[18] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ۚ أُولَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ قال ابن عاشور: المقصود تشهيرهم دون الشهادة، والمقصود من إعلان هذه الصفة التشهير والخزي لا إثبات كذبهم؛ لأن إثبات ذلك حاصل في صحف أعمالهم.
وقفة
[18] ﴿افْتَرَىٰ﴾ الافتراء هو الكذب، والافتراء في الأصل مأخوذ من الفري وهو قطع الجلد، وافترى الجلد كأنه اشتدَّ في تقطيعه تقطيع إفساد، فأُطلق الافتراء على الكذب بغرض الإفساد، وأيُّ إفساد أعظم من إفساد شريعة الله تعالى؟!
وقفة
[18] ﴿يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يعرضهم على من أساؤوا إليه وكذبوا عليه وافتروا عليه مباشرة، لتقريرهم والإشهاد عليهم لفضيحتهم، هذه فضيحة كبيرة.
وقفة
[18] ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ﴾ من هم الأشهاد؟ الشهاد الذي شهدوا هذا الأمر وعرفوه، فيكون هؤلاء شهودًا على هؤلاء، والأشهاد جمع شاهد، مثل صاحب وأصحاب، ومحتمل جمع شهيد أيضًا.
وقفة
[18] ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ﴾ أي الذين شهدوا هذا الأمر وعرفوه فيكون هؤلاء شهود على هؤلاء، لما قال أشهاد هذه تحتمل جمع شاهد وشهيد للمبالغة في الشهادة، فهم عندما افتروا افتروا على أناس متمرسين في الشهادة وعلى عموم من سمع فجمعهم كلهم لتكون شهادة عامة موثقة، إذن أشهاد مقصودة لأنها أعمّ، ثم زيادة في فضحهم وخزيهم يشار إليهم ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يشيرون إليهم وهم موجودون أمامهم، كلهم حضور.
عمل
[18] اعمل عملًا صالحًا؛ يشهد لك به الأشهاد يوم القيامة ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
عمل
[18] إذا خرجت من بيتك فقل: «اللهم إني أعوذ بك أن أضلَّ أو أُضلّ، أو أزِلَّ أو أُزلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلمَ، أو أجهلَ أو يُجهلَ عليَّ» ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
وقفة
[18] ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ تحتمل أمرين: أن يكون القائل هم الأشهاد، أو أن يكون كلام الله، عندما شهد هؤلاء لعله يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون من كل حدب وصوب، فإذن الآن اجتمعت اللعنتان -والله أعلم- من الله ومن الأشهاد للإطلاق، لتكون اللعنة أشمل وأعم.
وقفة
[18] دعوة المظلوم صاعقة لا تخطئ، ليس بينها وبين الله حجاب، أقسم الله بنفسه لها: «لأنصرنك ولو بعد حين» ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
تفاعل
[18] ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الظالمين.
عمل
[18, 19] اتق ظلم نفسك بالمعاصي، أو ظلم غيرك بإضلالهم ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾.
وقفة
[18، 19] ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ لماذا وصف الظالمين هنا بالمضارع (يَصُدُّونَ، وَيَبْغُونَ)؟ الجواب: فيها احتمالان: احتمال أن هذا مما قاله الأشهاد حين يعرض هؤلاء على ربهم في الآخرة، فيكون هذا من حكاية الحال عن أمر مضى، واحتمال أن القائل هو الله سبحانه وتعالى، فيصير عامًّا ﴿ألا لعنة الله على الظالمين﴾ تشمل الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ ومن أظلم:
  • الواو: استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أظلم: خبر \"من\" مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن أفعل -صيغة تفضيل-.
  • ﴿ ممن افترى على الله كذبًا:
  • مّمن: مكونة من \"من\" حرف جر و\"من\" اسم مرصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأظلم. افترى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. على الله: جار ومجرور متعلق بافترى. كذبًا: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة \"افترى\" صلة الموصول.
  • ﴿ أولئك يعرضون على ربهم:
  • أولاء: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: حرف خطاب. يعرضون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. على رب: جار ومجرور للتعظيم متعلق بيعرضون و \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي يعرضون على ربهم يوم القيامة والجملة الفعلية \"يعرضون على ربهم\" في محل رفع خبر \"أولئك\".
  • ﴿ ويقول الأشهاد هؤلاء:
  • الواو: استئنافية. يقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة. هؤلاء تعرب إعراب \"أولاء\" أي الشهود من الملائكة وغيرهم و \"الأشهاد\" فاعل مرفوع بالضمة. وهؤلاء وما تلاها في محل نصب مفعول به -مقول القول-.
  • ﴿ الذين كذبوا على ربّهم:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر \"هؤلاء\". كذبوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع والألف فارقة. على ربهم: أعرب. ويجوز أن يكون \"الذين\" خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم والجملة الاسمية \"هم الذين\" في محل رفع خبر \"هؤلاء\" وجملة \"كذبوا\" صلة الموصول.
  • ﴿ ألا لعنة الله:
  • ألا: أداة استفتاح وتنبيه لا عمل لها. لعنة: مبتدأ مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ على الظالمين:
  • جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 89﴿فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَـ لَّعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
الأعراف: 44﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
هود: 18﴿أَلَا لَّعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
آل عمران: 61﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولمَّا زعم المشركون أن النبي صلى الله عليه وسلم افترى القرآن ونسبه إلى الله، وهم المُفتَرون الذين نَسَبوا إلى اللهِ الولَدَ، واتَّخَذوا معه آلهةً، وحَرَّموا وحَلَّلوا من غيرِ شَرعِ اللهِ؛ لذا ذكَرَ اللهُ عز وجل هنا أنَّه لا أحدَ أظلَمُ ممَّن افترى على اللهِ كَذِبًا، ثم بَيَّنَ ذُلَّهم وفضيحتَهم في الآخرةِ، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [19] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ..

التفسير :

[19] هؤلاء الظالمون الذين يمنعون الناس عن سبيل الله الموصلة إلى عبادته، ويريدون أن تكون هذه السبيل عوجاء بموافقتها لأهوائهم، وهم كافرون بالآخرة لا يؤمنون ببعث ولا جزاء.

ثم وصف ظلمهم فقال:{ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فصدوا بأنفسهم عن سبيل الله، وهي سبيل الرسل، التي دعوا الناس إليها، وصدوا غيرهم عنها، فصاروا أئمة يدعون إلى النار.

{ وَيَبْغُونَهَا} أي:سبيل الله{ عِوَجًا} أي:يجتهدون في ميلها، وتشيينها، وتهجينها، لتصير عند الناس غير مستقيمة، فيحسنون الباطل ويقبحون الحق، قبحهم الله{ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}

ثم بين- سبحانه- جانبا آخر من أفعالهم الشنيعة فقال: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ...

ويَصُدُّونَ من صد بمعنى صرف الغير عن الشيء ومنعه منه. يقال صد يصد صدودا وصدا.

وسَبِيلِ اللَّهِ طريقه الموصلة إلى رضائه. والمراد بها ملة الإسلام.

وَيَبْغُونَها عِوَجاً أى يطلبون لها العوج، يقال: بغيت لفلان كذا إذا طلبته له.

والعوج- بكسر العين- الميل والزيغ في الدين والقول والعمل. وكل ما خرج عن طريق الهدى إلى طريق الضلال فهو عوج.

والعوج- بفتح العين- يكون في المحسوسات كالميل في الحائط والرمح وما يشبههما.

أى أن مكسور العين يكون في المعاني ومفتوحها يكون في المحس.

والمعنى: ألا لعنة الله وخزيه على الظالمين الذين من صفاتهم أنهم لا يكتفون بانصرافهم عن الحق بل يحاولون صرف غيرهم عنه ويطلبون لملة الإسلام العوج ويصفونها بذلك تنفيرا للناس منها، وقوله عوجا مفعول ثان ليبغون، أو حال من سبيل الله.

وقوله وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ بيان لعقيدتهم الباطلة في شأن البعث والحساب.

أى: وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب كافرون.

وكرر الضمير هُمْ لتأكيد كفرهم وللإشارة إلى أنهم بلغوا فيه مبلغا لم يبلغه أحد سواهم حتى لكأن كفر غيرهم يسير بالنسبة لكفرهم.

وقوله : ( الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ) أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة ، ( ويبغونها عوجا ) أي : ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة ، ( وهم بالآخرة هم كافرون ) أي : جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها .

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ألا لعنة الله على الظَّالمين الذين يصدّون الناسَ، عن الإيمان به، والإقرار له بالعبودة ، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد ، من مشركي قريش، وهم الذين كانوا يفتنون عن الإسلام من دخل فيه (45) . ، (ويبغونها عوجًا) ، يقول: ويلتمسون سبيل الله ، وهو الإسلام الذي دعا الناس إليه محمد، (46) يقول: زيغًا وميلا عن الاستقامة. (47) ، (وهم بالآخرة هم كافرون) ، يقول: وهم بالبعث بعد الممات مع صدهم عن سبيل الله وبغيهم إياها عوجًا ، (كافرون ) يقول: هم جاحدون ذلك منكرون.

------------------------

الهوامش:

(45) انظر تفسير " الصد " فيما سلف 14 : 216 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(46) انظر تفسير " بغى " فيما سلف 14 : 283 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

، وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .

(47) انظر تفسير " العوج " فيما سلف 7 : 53 ، 54 / 12 : 448 ، 559 .

التدبر :

وقفة
[19] ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ سبب صدهم عن سبيل الله أنهم يريدون حال الأمة معوجًّا والانحراف قاعدة، وتنفير الناس من طريق الله هو ما يضمن لهم الاستمرار في سلطتهم؛ لأن إصلاح القلوب بالإيمان يسلب منهم ما انتفعوا به بالفساد.
وقفة
[19] ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ كل طريق خالف القرآن والسنة، طريقٌ معوجٌّ، ولو لبس أصحابه ثوب الاعتدال.
وقفة
[19] ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أي سبيل الله إما يصفونها بالاعوجاج بأنها سبيل معوجة وهي مستقيمة، أو يبغون أهلها أن يرتدوا عن هذا الطريق، ويقولون لماذا تتبعون الطريق وهي كذا وكذا؟

الإعراب :

  • ﴿ الذين يصدون عن سبيل الله:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة -نعت- للظالمين الواردة في الآية الكريمة السابقة. ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره بداية الآية الكريمة العشرين أي الجملة الاسمية \"أولئك لم يكونوا معجزين\". يصدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. عن سبيل: جار ومجرور متعلق بيصدون. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. وجملة \"يصدون\" صلة الموصول لا محل لها. ومفعول \"يصدون\" محذوف التقدير: يمنعون الناس عن سلوك سبيل الله.
  • ﴿ ويبغونها عوجًا:
  • ويبغون: معطوفة بالواو على \"يصدّون\" وتعرب إعرابها و \"ها\" ضمير متصل مبنى على السكون في محل نصب مفعول به. عوجًا: حال منصوبة بالفتحة.
  • ﴿ وهم بالآخرة هم:
  • الواو: استئنافية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بخبر \"هم\" الأولى. هم: أعربت وهي لتأكيد كفرهم بالآخرة.
  • ﴿ كافرون:
  • خبر \"هم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض تنوين المفرد. '

المتشابهات :

الأعراف: 45﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ
هود: 19﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     ولَمَّا ذمَّ اللهُ عز وجل الظَّالمين، فَصَّلَ هنا ظُلمَهم، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف