208123456

الإحصائيات

سورة يونس
ترتيب المصحف10ترتيب النزول51
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات109عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.30
ترتيب الطول10تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 4/29آلر: 1/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (1) الى الآية رقم (2) عدد الآيات (2)

تَعَجُّبُ الكفَّارِ من نزولِ الوحي وإرسالِ رسولٍ من البشرِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (3) الى الآية رقم (4) عدد الآيات (2)

لَمَّا تعجبَ الكفارُ من الوحي والرسالةِ، ردَّ اللهُ عليهم هنا بأنه لا عجبَ أنَّ خالقَ الوجودِ كلِّه أمرَ النَّاسَ بعبادتِه وإليه مرجعُهم فيحاسبُهم، فكان لابدَّ من رسولٍ يخبرُهم بما يُرضِيه وما يغضبُه لتقومَ عليهم الحُجَّةُ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (5) الى الآية رقم (6) عدد الآيات (2)

بيانُ استحقاقِه العبادةَ وبعضُ مظاهرِ قدرتِه: الشمسُ والقمرُ واختلافُ الليلِ والنهارِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يونس

تثبيت النبي ﷺ/ الدعوة إلى الإيمان بالله قبل فوات الأوان/ التسليم لقضاء الله وقدره وبيان حكمة الله وتدبيره

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هل تتحدث سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام ؟:   الجواب: لا، لم تتحدث سورة يونس عن قصة يونس عليه السلام. لم تذكر قصته، بل ذكرت قومه مرة واحدة فقط (وفي آية واحدة فقط، آية من 109 آية)، وهى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ (98). فالكلام هنا عن قومه، وهو الآن ليس موجودًا معهم، لأنه تركهم وكان في بطن الحوت عند إيمانهم. ذُكِرَ يونس عليه السلام في القرآن 6 مرات: 4 بالاسم الصريح في: النساء والأنعام ويونس والصافات، وذكر بالوصف في سورتين؛ في الأنبياء: ذا النون، وفي القلم: صاحب الحوت. وذكرت قصته في: الأنبياء والصافات والقلم، وذكر الاسم فقط في: النساء والأنعام ويونس.
  • • لماذا سميت السورة باسم يونس ولم تذكر قصته هنا؟:   والجواب: أن قوم نوح هلكوا، وآل فرعون غرقوا، لكن قوم يونس نجوا، فكانت السورة رسالة للنبي ﷺ: اصبر يا محمد ﷺ على قومك، لا تستعجل كما استعجل يونس، فسوف يؤمن أهل مكة كما آمن قوم يونس (وقد وقع هذا بالفعل في فتح مكة). ولهذا نحن الآن لا نستغرب ما فعله النبي ﷺ عندما جاءه مَلَكُ الْجِبَالِ أثناء رجوعه من الطائف، وقال له: «يَا مُحَمّدُ، إنْ شِئْت أَطْبَقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ»، فكان رده ﷺ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» . ونلاحظ: أن يونس عليه السلام هو النبي الوحيد الذي آمن به قومه ولم يهلكهم العذاب. فكانت السورة بشري ضمنية لرسول الله ﷺ أنك ستكون مثل يونس في هذا الأمر، قومك سيسلمون علي يديك بإذن الله، ولن يهلكهم العذاب (وهذا ما حدث بالفعل في فتح مكة بعد ذلك).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «يونس».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله يونس بن متى عليه السلام ، أرسله الله إلى أهل نينوى من أرض الموصل.
  • • سبب التسمية ::   لما ‏تضمنته ‏من ‏العظة ‏والعبرة ‏برفع ‏العذاب ‏عن ‏قومه ‏حين ‏آمنوا ‏بعد ‏أن ‏كاد ‏يحل ‏بهم ‏البلاء ‏والعذاب، ‏وهذه ‏من ‏الخصائص ‏التي ‏خصَّ ‏الله ‏بها ‏قوم ‏يونس.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن النفع والضر بيد الله عز وجل وحده دون ما سواه: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   التسليم لقضاء الله وقدره.
  • • علمتني السورة ::   أن الله حافظ عبده، فبقي يونس في بطن الحوت دون أن يموت، وقد أعاده الله للحياة.
  • • علمتني السورة ::   ما يقدره الله حولك من أحداث وأخبار ونوازل إنما هو تذكير لك، فاحذر أن تكون عنها غافلًا: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • o عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة يونس من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة يونس تعتبر -بحسب ترتيب المصحف- أول سور المئين.
    • سورة يونس تعتبر -بحسب ترتيب المصحف- أول سورة تسمى باسم نبي، والسور التي سميت باسم نبي 6 سور، هي: يونس، وهود، وإبراهيم، ويوسف، ومحمد، ونوح عليهم السلام.
    • سورة يونس تشبه سورة الأنعام من حيث الموضوع والأسلوب، فكلتاهما تتناول حقائق العقيدة من حيث الجانب النظري، ومواجهة ومجادلة المشركين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، قبل أن يقال لنا: (آلآن) كما قيل لفرعون.
    • أن نُسَلِّم لقضاء الله وقدره.
    • أن لا نيأس من دعوة الناس أبدًا.
    • أن نطيع الله وننفذ ما يأمرنا به مهما شعرنا باليأس والتعب، سيأتي الفرج يومًا من عنده.
    • أن نتذكر كلّما خشينا أمرًا، أو اعترانا همّ، أو أصابتنا كُربة، أن الله وحده من: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ (3).
    • أن نتذكر ضُّرًا أو مرضًا كشفه الله عنا، ثم نجتهد في حمده وشكره: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ (12).
    • ألا نؤمل في الناس خيرًا أكثر من اللازم: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ (12)، فقد تحسن إلى إنسان فلا يكافئك على إحسانك، فلا تتعجب، فمن الناس من يكشف الله عنه الضُرَّ فيمر كأن الله لم يكشف عنه شيئًا، فإذا كان هذا تعامله مع خالقه فمن باب أولى أن يكون تعامله مع عبد مثله ومخلوق مثله أردى من ذلك وأسوأ.
    • أن نستمر في تذكر الآخرة؛ ففي هذا حماية من الوقوع في المعاصي: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (15).
    • أن نحذر من الوقوع في الشرك، ونحذر من حولنا، ونبين لهم أن من الشرك دعاء غير الله أو الاستشفاع بالأموات: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ﴾ (18).
    • أن نتقي ثلاثة أمور فإنها ترجع على صاحبها: 1- المكر: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر 43). 2- البغي: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم﴾ (23). 3- النكث: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (الفتح 10).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا وزينتها؛ فإنها حياة قصيرة: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ... فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ (24).
    • أن نحسن أعمالنا في الدنيا ليحسن الله إلينا يوم القيامة: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ﴾ (26). • ألا نقلق؛ فالذي يدبر الأمر هو الله، حتى المشركين يعرفون ذلك: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ... وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ (31).
    • أن نقرأ آيات التحدي، ونتفكر في عجز المشركين: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (38).
    • أن نحدد شخصًا أو مجموعة يذكروننا بالمعصية، ونحتسب الأجر في ترك صحبتهم: ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (41).
    • أن نفتدي أنفسنا اليوم من عذاب الله، ولو بقليل مال، أو يسير طعام أو شراب، أو ركعة، أو سجدة، قبل أن نتمنى أن نفتدي بالدنيا وما فيها: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ﴾ (54).
    • أن نحتاط في الفتوى، ونحذر من القول على الله بلا علم: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (60).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فجميع أعمالنا محصاة علينا من خير وشر: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (61).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا بـ: ‏﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ﴾ (72) عند كل عمل نقوم به، لا ننتظر جزاءً إلا من الله. • ألا نترك موضع إبرة في قلوبنا فيه اعتماد على غير الله: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ (84).
    • أن نحرص على التأمين حال سماع الدعاء؛ فإن التأمين بمنْزلة الدعاء: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ (89). • أن تكون دعوتنا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وليست بالإكراه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (99).
    • أن نخلص العبادة لله وحده لا شريك له: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (105). • ألا نقلق، بل نطمئن ونتوكل على الله فهو المدبر: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (107).

تمرين حفظ الصفحة : 208

208

مدارسة الآية : [1] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ

التفسير :

[1] ﴿ الٓرۚ ﴾ سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أولسورة البقرة.هذه آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبيَّنه لعباده.

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ‏}‏ وهو هذا القرآن، المشتمل على الحكمة والأحكام، الدالة آياته على الحقائق الإيمانية والأوامر والنواهي الشرعية، الذي على جميع الأمة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد‏.‏

تمهيد بين يدي السورة

1- سورة يونس- عليه السلام- هي السورة العاشرة في ترتيب المصحف، فقد سبقتها سور: «الفاتحة، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، الأنفال، التوبة» .

2- وكان نزولها بعد سورة «الإسراء» .

3- وعدد آياتها: تسع ومائة آية عند الجمهور. وفي المصحف الشامي مائة وعشر آيات.

4- وسميت بهذا الاسم تكريما ليونس- عليه السلام- ولقومه الذين آمنوا به واتبعوه قبل أن ينزل بهم العذاب، وفي ذلك تقول السورة الكريمة: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ «1» .

5- وسورة يونس من السور المكية، وعلى هذا سار المحققون من العلماء.

وقيل إنها مكية سوى الآية الأربعين منها وهي قوله- تعالى- وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ والآيتين الرابعة والتسعين، والخامسة والتسعين وهما قوله- تعالى-: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ، فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ.

قال صاحب المنار: وقال السيوطي في الإتقان: استثنى منها الآيات 40، 94، 95، فقيل إنها مدنية نزلت في اليهود. وقيل: من أولها إلى رأس أربعين آية مكي، والباقي مدني، حكاه ابن الفرس والسخاوي في جمال القراء.

ثم قال صاحب المنار: وأقول إن موضوع السورة لا يقبل هذا من جهة الدراية، وهو مما لم نثبت به رواية، وكون المراد بالذين يقرءون الكتاب في الآية (94) اليهود لا يقتضى أن تكون نزلت بالمدينة، وبيان ذلك من وجهين:

أحدهما: أن المراد بالشك فيها الفرض لا وقوع الشك حقيقة، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا أشك ولا أسأل» ، وهو مرسل يؤيده قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري.

وثانيهما: أن هذا المعنى نزل في سورة مكية أخرى، كقوله- تعالى- في سورة الإسراء:

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ.

وقوله- سبحانه- في سورة الأنبياء: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

والذي تطمئن إليه النفس، أن سورة يونس جميعها مكية، كما قال المحققون من العلماء، لأن الذين قالوا بوجود آية أو آيات مدنية فيها لم يأتوا برواية صحيحة تصلح مستندا لهم، ولأن السورة الكريمة من مطلعها إلى نهايتها تشاهد فيها سمات القرآن المكي واضحة جلية، فهي تهتم بإثبات وحدانية الله، وبإثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم وبإثبات أن هذا القرآن من عند الله، وأن البعث حق، وأن ما أورده المشركون من شبهات حول الدعوة الإسلامية، قد تولت السورة الكريمة دحضه بأسلوب منطقي رصين..

والذي يطالع هذه السورة الكريمة بتدبر وخشوع، يراها في مطلعها تتحدث عن سمو القرآن الكريم في هدايته وإحكامه، وعن موقف المشركين من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، وعن الأدلة على وحدانية الله وقدرته.

قال- تعالى-: الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ، أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ.

ثم نراها في الربع الثاني منها تصور بأسلوب حكيم طبيعة الإنسان فتقول وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ، كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الآية 12.

ثم تحكى مصارع الظالمين، وأقوالهم الفاسدة، ورد القرآن عليهم فتقول: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.

وبعد أن تمضى السورة الكريمة في دحض أقوال المشركين، وفي بيان الطبائع البشرية، نراها في مطلع الربع الثالث. تصور لنا حسن عاقبة المتقين، وسوء عاقبة الضالين، فتقول:

وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ، وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

ثم تأمر السورة الكريمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين بأسلوب توبيخي عمن يرزقهم من السموات والأرض، وعمن يبدأ الخلق ثم يعيده، وعمن يهدى إلى الحق، فتقول: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ، فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.

وبعد أن تتحدى السورة الكريمة المشركين أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم. وتعلن عن عجزهم على رءوس الأشهاد، تأخذ في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تصوير جانب من أحوالهم في حياتهم وبعد مماتهم فتقول:

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ. وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ...

ثم نراها في الربع الرابع توجه نداء إلى الناس كافة تدعوهم فيه إلى الإقبال على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من مواعظ فيها الشفاء لما في الصدور، وفيها الهداية لما في النفوس فتقول:

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.

ثم تسوق جانبا من مظاهر قدرة الله النافذة، وعلمه المحيط بكل شيء، فتقول: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ، وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

وفي مطلع الربع الخامس منها تحكى لنا جانبا من قصة نوح- عليه السلام- مع قومه، وكيف أنه نصحهم، وذكرهم بآيات الله، ولكنهم لم يستمعوا إليه، فكانت عاقبتهم الإغراق بالطوفان قال- تعالى-:

فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ، وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ.

ثم تحكى لنا جانبا من قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون، ومن المحاورات، والمجادلات التي دارت بينهما، ومن الدعوات المستجابة التي توجه بها موسى إلى خالقه، فتقول: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ. قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ.

ثم نراها في الربع السادس والأخير منها، تحكى لنا ما قاله فرعون عند ما أدركه الغرق، كما تخبرنا عن النهاية الطيبة التي لقوم يونس- عليه السلام- بسبب إيمانهم، ثم تسوق ألوانا من مظاهر قدرة الله، ومن حكمه العادل بين عباده، ومن رعايته لأوليائه ورسله فتقول:

ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ.

ثم تختم السورة الكريمة بتوجيه نداء إلى الناس تبين لهم فيه أن من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه، وأن من ضل فإنما يضل عليها فتقول: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.

تلك أهم المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها السورة الكريمة، ومنها نرى بوضوح أن السورة الكريمة قد عنيت عناية بارزة بإثبات وحدانية الله وقدرته النافذة، وعلمه المحيط بكل شيء، تارة عن طريق مخلوقاته التي يشاهدونها كما في قوله- تعالى-: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ....

وتارة عن طريق اعترافهم بأن الله وحده هو خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما في قوله- تعالى-: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ.

وتارة عن طريق لجوئهم إليه وحده لا سيما عند الشدائد والمحن، كما حدث من فرعون عند ما أدركه الغرق.

كذلك نرى السورة الكريمة قد عنيت بدعوة الناس إلى التدبر والتفكر وإلى الاعتبار بمصارع الظالمين، وإلى عدم التعلق بزخرف الحياة الدنيا..

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ. إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها، وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ، أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

كذلك نرى السورة الكريمة قد اهتمت بالرد على الشبهات التي أثارها المشركون حول القرآن الكريم، وحول البعث وما فيه من ثواب وعقاب ...

فأثبتت أن هذا القرآن من عند الله، وتحدتهم أن يأتوا بسورة من مثله فقالت: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

كما أثبتت أن يوم القيامة حق، وأنهم لن ينجيهم من عذاب الله في ذلك اليوم ندمهم أو ما يقدمونه من فداء فقالت: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ، وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

هذا، والسورة الكريمة بعد كل ذلك تمتاز بأنها قد عرضت ما عرضت من هدايات وتوجيهات بأسلوب بليغ مؤثر، تقشعر منه الجلود، وتلين منه القلوب، وتخشع له النفوس..

مما يدل على أن هذا القرآن من عند الله. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

سورة يونس من السور التي افتتحت ببعض حروف التهجي.

وقد وردت هذه الفواتح تارة مفردة بحرف واحد، وتارة مركبة من حرفين، أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة.

فالسور التي افتتحت بحرف واحد ثلاثة، وهي سورة: ص، ق، ن.

والسور التي افتتحت بحرفين تسعة، وهي: طه، طس، يس، وحم في ست سور، هي:

غافر، فصلت، الزخرف. الدخان، الجاثية، الأحقاف.

والسور التي بدئت بثلاثة أحرف، ثلاث عشرة سورة، وهي: ألم في ست سور هي:

البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة، والر في خمس سور هي:

يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر، وطسم في سورتين هما: الشعراء، القصص.

وهناك سورتان بدئتا بأربعة أحرف وهما: الأعراف، الرعد. وسورتان بدئتا بخمسة أحرف وهما: مريم، والشورى.

فيكون مجموع السور التي افتتحت بالحروف المقطعة تسعا وعشرين سورة.

هذا، وقد وقع خلاف بين العلماء في المعنى المقصود بتلك الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض السور القرآنية، ويمكن إجمال خلافهم في رأيين رئيسين:

الرأى الأول يرى أصحابه: أن المعنى المقصود منها غير معروف، فهي من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.

وإلى هذا الرأى ذهب ابن عباس- في إحدى الروايات عنه- كما ذهب إليه الشعبي، وسفيان الثوري، وغيرهم من العلماء. فقد أخرج ابن المنذر وغيره عن الشعبي أنه سئل عن فواتح السور فقال: إن لكل كتاب سرا، وإن سر هذا القرآن في فواتح السور.

ويروى عن ابن عباس انه قال: عجزت العلماء عن إدراكها. وعن على- رضى الله عنه- قال: «إن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» وفي رواية أخرى عن الشعبي أنه قال: «سر الله فلا تطلبوه» .

ومن الاعتراضات التي وجهت إلى هذا الرأى، أنه إذا كان الخطاب بهذه الفواتح غير مفهوم للناس، لأنه من المتشابه، فإنه يترتب على ذلك أنه كالخطاب بالمهمل، أو مثل ذلك كمثل المتكلم بلغة أعجمية مع أناس عرب لا يفهمونها.

وقد أجيب عن ذلك، بأن هذه الألفاظ لم ينتف الإفهام عنها عند كل الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يفهم المراد منها، وكذلك بعض أصحابه المقربين، ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس جميعا فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة في أوائل السور.

أما الرأى الثاني فيرى أصحابه: أن المعنى المقصود منها معلوم، وأنها ليست من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.

وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم في تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها ما يأتى:

1- أن هذه الحروف أسماء للسور، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ حم السجدة حفظ إلى أن يصبح» . وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها، كسورة «ص» وسورة «يس» .

ولا يخلو هذا القول من الضعف، لأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح، والغرض من التسمية رفع الاشتباه.

2- وقيل: إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة للدلالة على انقضاء سورة، وابتداء أخرى.

3- وقيل: إنها حروف مقطعة، بعضها من أسماء الله- تعالى- وبعضها من صفاته فمثلا «ألم» أصلها أنا الله أعلم.

4- وقيل: إنها اسم الله الأعظم، الى غير ذلك من الأقوال التي لا تخلو من مقال. والتي أوصلها السيوطي في كتابه «الإتقان» إلى أكثر من عشرين قولا.

5- ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال: إن هذه الحروف المقطعة قد وردت في افتتاح بعض السور، للإشعار بأن هذا القرآن الذي تحدى الله به المشركين هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التي يعرفونها، ويقدرون على تأليف الكلام منها. فإذا عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله، فذلك لبلوغه في الفصاحة والحكمة مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة.

وفضلا عن ذلك فإن تصدير بعض السور بمثل هذه الحروف المقطعة يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم إلى الإنصات والتدبر لأنه يطرق أسماعهم في أول التلاوة ألفاظ غير مألوفة في مجاري كلامهم، وذلك مما يلفت أنظارهم ليتبينوا ما يراد منها، فيترتب على ذلك أن يسمعوا حكما، وهدايات قد تكون سببا في إيمانهم. ولعل مما يشهد بصحة هذا الرأى: أن الآيات التي تلى هذه الحروف المقطعة، تتحدث عن القرآن وعن كونه معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم في أغلب المواضع.

ومن ذلك قوله- تعالى-: في أول سورة البقرة الم، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. وقوله سبحانه في أول سورة هود: الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ وقوله- سبحانه- في أول سورة إبراهيم: الر. كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

وهكذا نرى أن كثيرا من السور التي افتتحت بالحروف المقطعة، قد أعقبت هذا الافتتاح بالحديث الصريح أو الضمنى عن القرآن الكريم، وأن هذه السور إذا تأملتها من أولها إلى آخرها ترى من أهدافها الاساسية إثبات وحدانية الله، وإثبات صحة الرسالة المحمدية، وإثبات أن هذا القرآن الذي هو معجزة الرسول الخالدة- منزل من عند الله- تعالى-.

هذه خلاصة لآراء العلماء في المراد بالحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض السور القرآنية، ومن أراد مزيدا لذلك فليرجع- مثلا- إلى كتاب «الإتقان» للسيوطي، وإلى كتاب «البرهان» . للزركشى، وإلى تفسير الآلوسى.

ثم قال- تعالى-: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ.

تِلْكَ اسم إشارة والمشار إليه الآيات. والمراد بها آيات القرآن الكريم. ويندرج فيها آيات السورة التي معنا.

والكتاب: مصدر كتب كالكتب، وأصل الكتب: ضم أديم إلى أديم بالخياطة، واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط والمراد به القرآن الكريم على الصحيح.

قال الآلوسى: «وأما حمل الكتاب على الكتب التي خلت قبل القرآن من التوراة والإنجيل وغيرهما، كما أخرجه ابن أبى حاتم عن قتادة فهو في غاية البعد» .

والحكيم- بزنة فعيل- مأخوذ من الفعل حكم بمعنى منع. تقول حكمت الفرس أى وضعت الحكمة في فمها لمنعها من الجموح والنفور.

والمقصود أن هذا الكتاب ممتنع عن الفساد، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: «وفي وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه منها: أن الحكيم هو ذو الحكمة، بمعنى اشتماله على الحكمة- فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر- ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم، بدليل قوله- تعالى-: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم والإحكام معناه المنع من الفساد، فيكون المراد منه أنه لا تغيره الدهور أو المراد منه براءته من الكذب والتناقض» .

والمعنى: تلك الآيات السامية، والمنزلة عليك يا محمد، هي آيات الكتاب، المشتمل على الحكمة والصواب المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.

وصحت الإشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكن قد نزلت جميعها، لأن الإشارة إلى جميعها، حيث كانت بصدد الإنزال، ولأن الله- تعالى- قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه، كما في قوله: - تعالى-: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ووعد الله- تعالى- لا يتخلف.

تفسير سورة يونس [ وهي مكية ]

أما الحروف المقطعة في أوائل السور ، فقد تقدم الكلام عليها [ مستوفى ] في أوائل سورة البقرة .

وقال أبو الضحى ، عن ابن عباس في قوله تعالى : " الر " ، أي : أنا الله أرى . وكذا قال الضحاك وغيره .

( تلك آيات الكتاب الحكيم ) أي : هذه آيات القرآن المحكم المبين وقال مجاهد : ( الر تلك آيات الكتاب الحكيم ) [ قال : التوراة والإنجيل ] .

[ وقال الحسن : التوراة والزبور ] .

وقال قتادة : ( تلك آيات الكتاب ) قال : الكتب التي كانت قبل القرآن .

وهذا القول لا أعرف وجهه ولا معناه .

القول في تأويل قوله تعالى : الر

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك.

فقال بعضهم تأويله: أنا الله أرى.

* ذكر من قال ذلك:

17518- حدثنا يحيى بن داود بن ميمون الواسطي قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله : ( الر )، أنا الله أرى. (1)

17519- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قوله: ( الر )، قال: أنا الله أرى.

وقال آخرون: هي حروف من اسم الله الذي هو " الرحمن ".

*ذكر من قال ذلك:

17520- حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا علي بن الحسين قال حدثني أبي، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: ( الر ) و ( حم ) و ( نون ) حروف " الرَّحمن " مقطعةً.

17521- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا عيسى بن عبيد عن الحسين بن عثمان قال: ذكر سالم بن عبد الله: ( الر ) و ( حم ) و ( نون )، فقال: اسم " الرحمن " مقطع ، ثم قال: " الرحمن ".

17522- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا مندل عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: ( الر ) و ( حم ) و ( نون )، هو اسم " الرحمن ".

17523- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن عامر : أنه سئل عن: ( الر ) و ( حم ) و ( ص )، قال: هي أسماء من أسماء الله مقطعة بالهجاء، فإذا وصلتها كانت اسمًا من أسماء الله تعالى.

* * *

وقال آخرون: هي اسم من أسماء القرآن.

*ذكر من قال ذلك:

17524- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( الر )، اسم من أسماء القرآن.

* * *

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا اختلاف الناس ، وما إليه ذهب كل قائل في الذي قال فيه وما الصواب لدينا من القول في ذلك في نظيره، وذلك في أول " سورة البقرة "، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (2)

وإنما ذكرنا في هذا الموضع القدرَ الذي ذكرنا ، لمخالفة من ذكرنا قوله في هذا ، قوله في ( الم ) ، فأما الذين وفَّقوا بيْن معاني جميع ذلك، فقد ذكرنا قولهم هناك ، مكتفًى عن الإعادة ههنا. (3)

* * *

القول في تأويل قوله تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)

قال أبو جعفر: اختلف في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: تلك آيات التوراة.

* ذكر من قال ذلك:

17525- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجاهد: ( تلك آيات الكتاب الحكيم )، قال: التوراة والإنجيل.

17526-. . . . قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: ( تلك آيات الكتاب )، قال: الكُتُب التي كانت قبل القرآن.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: هذه آيات القرآن.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوّله: " هذه آيات القرآن "، ووجّه معنى (تلك) إلى معنى " هذه "، وقد بينا وجه توجيه ( تلك ) إلى هذا المعنى في " سورة البقرة " ، بما أغنى عن إعادته. (4)

* * *

و ( الآيات )، الأعلام ، و (الكتاب)، اسم من أسماء القرآن، وقد بينا كل ذلك فيما مضى قبل. (5)

* * *

وإنما قلنا: هذا التأويل أولى في ذلك بالصواب، لأنه لم يجيء للْتوراة والإنجيل قبلُ ذكرٌ ولا تلاوةٌ بعدُ، فيوجه إليه الخبر.

فإذْ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: والرحمن، هذه آيات القرآن الحكيم.

* * *

ومعنى ( الحكيم ) ، في هذا الموضع، " المحكم " ، صرف " مُفْعَل " إلى " فعيل "، كما قيل: عَذَابٌ أَلِيمٌ ، بمعنى مؤلم، (6) وكما قال الشاعر: (7)

*أمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ* (8)

وقد بينا ذلك في غير موضع من الكتاب. (9)

فمعناه إذًا: تلك آيات الكتاب المحكم ، الذي أحكمه الله وبينه لعباده، كما قال جل ثناؤه: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [سورة هود : 1]

-----------------------

الهوامش :

(1) الأثر : 17518 - " يحيى بن داود بن ميمون الواسطي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 4451 ، 11545 .

(2) انظر ما سلف 1 : 205 - 224 .

(3) في المطبوعة : " ومكتفيًا " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .

(4) انظر ما سلف 1 : 225 - 228 .

(5) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أي ) .

وتفسير " الكتاب " فيما سلف من فهارس اللغة ( حكم ) .

(6) انظر تفسير " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( حكم ) .

(7) هو عمرو بن معديكرب الزبيدي .

(8) مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 1 : 283 .

(9) انظر ما سلف 1 : 283 ، 284 ، وغيره من المواضع في فهارس مباحث العربية والنحو وغيرها .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[1] ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ ووجه مناسبتها لسورة براءة: أن الأولى خُتِمت بذكر الرسول ﷺ وهذه ابتدأت به, وأيضًا أنَّ في الأولى بيانًا لما يقوله المنافقون عند نزول سورة من القرآن، وفي هذه بيان لما يقوله الكفار في القرآن.
وقفة
[1] ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ ثلاثة معانٍ للحكيم: الحكيم هو ذو الحكمة، أو الحكيم بمعنى الحاكم، أو الحكيم بمعنى المحكم ضد تسلل الباطل، فلا كذب فيه ولا تناقض ولا اختلاف.
وقفة
[1] أول آية في السورة: ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾، وآخر آيةٍ في السورة: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [109]؛ فكأن مجمل السورة يقول: اتبع آيات الكتاب الحكيم، واصبر على ما يصيبك في سبيل ذلك؛ فإنه طريق صعب، وإن الجنة غالية المهر.
وقفة
[1] ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ آيتان في القرآن، في يونس ولقمان، في يونس السورة محفوفة بالحكمة، ابتدأت بهذه الآية، وانتهت بـ: ﴿وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [109]، ولقمان ترددت الحكمة فيها أربع مرات: ﴿الكتاب الحكيم﴾ [لقمان: 2]، ﴿العزيز الحكيم﴾ [لقمان: 9]، ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة﴾ [لقمان: 12]، ﴿عزيز حكيم﴾ [لقمان: 27]، إلى جانب حكمة لقمان.

الإعراب :

  • ﴿ الر:
  • جاء في كتب التفسير عن معنى \"الر\" تفاسير. فوردت أقوال عديدة عن كنهها منها: إنّ: هذه الاحرف مقطعة من أوائل السور. قيل: لله تعالى مع كل نبي سّر، وسره مع (- صلى الله عليه وسلم -) الحروف المقطعة. وقيل: أقسم الله تعالى باسم الله الرحمن الرحيم في أوائل السور وقيل أيضاً وهو الغالب أنّ الله تعالى أقسم بحروف المعجم أي ا. ب. ت. ثم اجتزأ ببعض الحروف عن بعض. وقيل أيضاً: هي رموز لا يدريها إلاّ الله ورسوله وقيل هي أسماء لله تعالى. وقيل أقسام لله تعالى. وقيل هي إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام، وقيل هي أسماء للسور التي تبدأ بها. ويقول الزمخشري إنها تعديد للحروف على طريق التحدي.
  • ﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم:
  • تي: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف للخطاب وهي هنا بمعنى \"هذه\" آيات: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. الكتاب: مضاف إليه مجرور بالكسرة. الحكيم: صفة - نعت - للكتاب مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. '

المتشابهات :

يونس: 1﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
لقمان: 2﴿الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ
يوسف: 1﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
الشعراء: 2﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
القصص: 2﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
النمل: 1﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ
الحجر: 1﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ
الرعد: 1﴿الٓمٓرۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [1] لما قبلها :     افتُتِحَت هذه السُّورةُ العظيمةُ بالحُروفِ المُقطَّعة؛ للإشارة إلى إعجازِ القُرآنِ؛ إذ تشير إلى عجزِ الخَلْقِ عن معارَضَتِه بالإتيانِ بشيءٍ مِن مِثلِه، مع أنَّه مُركَّبٌ من هذه الحُروفِ العربيَّةِ التي يتحدَّثونَ بها، قال تعالى:
﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [2] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا ..

التفسير :

[2] أكان أمراً عجباً للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم ينذرهم عقاب الله، ويبشِّر الذين آمنوا بالله ورسله أن لهم أجراً حسناً بما قدَّموا من صالح الأعمال؟ فلما أتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوحي الله وتلاه عليهم، قال المنكرون:إنَّ محمداً ساحر

ومع هذا فأعرض أكثرهم، فهم لا يعلمون، فتعجبوا ‏{‏أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ‏}‏ عذاب الله، وخوفهم نقم الله، وذكرهم بآيات الله‏.‏

‏{‏وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ إيمانا صادقا ‏{‏أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏}‏ أي‏:‏ لهم جزاء موفور وثواب مذخور عند ربهم بما قدموه وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة‏.‏

فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا حملهم على الكفر به، فـ ‏{‏قَالَ الْكَافِرُونَ‏}‏ عنه‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ بين السحر، لا يخفى بزعمهم على أحد، وهذا من سفههم وعنادهم، فإنهم تعجبوا من أمر ليس مما يتعجب منه ويستغرب، وإنما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم‏.‏

كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم، الذي بعثه الله من أنفسهم، يعرفونه حق المعرفة، فردوا دعوته، وحرصوا على إبطال دينه، والله متم نوره ولو كره الكافرون‏.‏

ثم بين- سبحانه- موقف المشركين من دعوته فقال: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ..

روى الضحاك عن ابن عباس قال: لما بعث الله- تعالى- رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم

أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فأنزل الله- تعالى-: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً ... الآية .

والهمزة في قوله «أكان» لإنكار تعجبهم، ولتعجب السامعين منه لوقوعه في غير موضعه.

وقوله لِلنَّاسِ جار ومجرور حال من قوله عَجَباً والمراد بهم مشركو مكة ومن لف لفهم في إنكار ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: عَجَباً خبر كان، والعجب والتعجيب- استعظام أمر خفى سببه.

وقوله: أَنْ أَوْحَيْنا في تأويل مصدر أى: إيحاؤنا، وهو اسم كان. والوحى:

الإعلام في خفاء، والمقصود به ما أوحاه الله- تعالى- إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن وغيره.

وقوله: إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أى إلى بشر من جنسهم يعرفهم ويعرفونه.

وقوله: أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ الإنذار إخبار معه تخويف في مدة تتسع التحفظ من المخوف منه، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار، وأكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله- تعالى-:

والمراد بالناس هنا: جميع الذين يمكنه صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم دعوته.

وقوله: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا البشارة: إخبار معه ما يسر فهو أخص من الخبر، سمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة التي هي ظاهر الجلد.

وقوله: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أى أن لهم سابقة ومنزلة رفيعة عند ربهم.

وأصل القدم العضو المخصوص. وأطلقت على السبق، لكونها سببه وآلته، فسمى المسبب باسم السبب من باب المجاز المرسل، كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد.

وأصل الصدق أن يكون في الأقوال، ويستعمل أحيانا في الأفعال فيقال: فلان صدق في القتال، إذا وفاه حقه، فيعبر بصفة الصدق عن كل فعل فاضل.

وإضافة القدم إلى الصدق من إضافة الموصوف إلى الصفة كقولهم: مسجد الجامع، والأصل قدم صدق. أى محققة مقررة. وفيه مبالغة لجعلها عين الصدق. ثم جعل الصدق كأنه صاحبها.

ويجوز أن تكون إضافة القدم إلى الصدق من باب إضافة المسبب إلى السبب، وفي ذلك تنبيه إلى أن ما نالوه من منازل رفيعة عند ربهم. إنما هو بسبب صدقهم في أقوالهم وأفعالهم ونياتهم.

قال الإمام ابن جرير ما ملخصه: واختلف أهل التأويل في معنى قوله: قَدَمَ صِدْقٍ فقال بعضهم معناه: أن لهم أجرا حسنا بسبب ما قدموه من عمل صالح..

وقال آخرون معناه: أن لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة.

وقال آخرون: معنى ذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم شفيع لهم.

ثم قال: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال معناه: أن لهم أعمالا صالحة عند الله يستحقون بها منه الثواب، وذلك أنه محكي عن العرب قولهم: هؤلاء أهل القدم في الإسلام. أى هؤلاء الذين قدموا فيه خيرا، فكان لهم فيه تقديم.

ويقال: لفلان عندي قدم صدق وقدم سوء، وذلك بسبب ما قدم إليه من خير أو شر، ومنه قول حسان بن ثابت- رضى الله عنه-:

لنا القدم العليا إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع

ومعنى الآية الكريمة: أبلغ الجهل وسوء التفكير بمشركي مكة ومن على شاكلتهم، أن كان إيحاؤنا إلى رجل منهم يعرفهم ويعرفونه لكي يبلغهم الدين الحق، أمرا عجبا، يدعوهم إلى الدهشة والاستهزاء بالموحى إليه صلى الله عليه وسلم حتى لكأن النبوة في زعمهم تتنافى مع البشرية.

إن الذي يدعو الى العجب حقا هو ما تعجبوا منه، لأن الله- تعالى- اقتضت حكمته أن يجعل رسله الى الناس من البشر، لأن كل جنس يأنس لجنسه، وينفر من غيره، هو- سبحانه- أعلم حيث يجعل رسالته.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: فما معنى اللام في قوله أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً وما الفرق بينه وبين قولك: كان عند الناس عجبا؟

قلت: معناه أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها. ونصبوه علما لهم يوجهون نحوه استهزاءهم وإنكارهم. وليس في «عند الناس» هذا المعنى.

والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر. وأن يكون رجلا من أفناء رجالهم دون عظيم من عظمائهم. فقد كانوا يقولون: العجب أن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبى طالب. وأن يذكر لهم البعث. وينذر بالنار ويبشر بالجنة. وكل واحد من هذه الأمور ليس

بعجب، لأن الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشرا مثلهم.

وقال الله- تعالى-: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا.

وإرسال الفقير أو اليتيم ليس بعجب- أيضا- لأن الله- تعالى- إنما يختار من استحق الاختيار لجمعه أسباب الاستقلال لما اختير له من النبوة. والغنى والتقدم في الدنيا ليس من تلك الأسباب في شيء قال- تعالى-: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى.

والبعث للجزاء على الخير والشر. هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجبا إنما العجب والمنكر في العقول، تعطيل الجزاء.

وقدم- سبحانه- خبر كان وهو عَجَباً على اسمها وهو أَنْ أَوْحَيْنا. لأن المقصود بالإنكار في الآية إنما هو تعجبهم ودهشتهم من أن يكون الرسول بشرا.

وقدم- سبحانه- الإنذار على التبشير، لأن التخلية مقدمة على التحلية، وإزالة ما لا ينبغي مقدم في الرتبة على فعل ما ينبغي.

ولم يذكر المنذر به، لتهويله وتعميمه حتى يزداد خوفهم وإقبالهم على الدين الحق، الذي يؤدى اتباعه إلى النجاة من العذاب.

وخص التبشير بالمؤمنين لأنهم وحدهم المستحقون له، بخلاف الإنذار فإنه يشمل المؤمن والكافر. ولذا قال- سبحانه- أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ أى جميع الناس.

وذكر- سبحانه- في جانب التبشير المبشر به- وهو حصولهم على المنزلة الرفيعة عند ربهم- لكي تقوى رغبتهم في طاعته. ومحبتهم لعبادته، وبذلك ينالون ما بشرهم به.

ثم وضح- سبحانه- ما قاله الكافرون عند مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته فقال:

قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ.

أى: قال الكافرون المتعجبون من أن يكون صلى الله عليه وسلم رسولا إليهم، إن هذا الإنسان الذي يدعى النبوة لساحر بيّن السحر واضحه. حيث إنه استطاع بقوة تأثيره في النفوس أن يفرق بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه.

وعلى هذه القراءة التي وردت عن ابن كثير والكوفيين تكون الإشارة إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم.

وقرأ الباقون: إن هذا لسحر مبين أى: إن هذا القرآن لسحر واضح، لأنه خارق للعادة في جذبه النفوس إلى الايمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

قال ابو حيان ما ملخصه: «ولما كان قولهم فيما لا يمكن أن يكون سحرا ظاهر الفساد، لم يحتج إلى جواب، لأنهم يعلمون نشأته معهم بمكة، وخلطتهم له، - وأنه لا علم له بالسحر- وقد أتاهم بعد بعثته بكتاب إلهى مشتمل على مصالح الدنيا والآخرة مع الفصاحة والبلاغة التي أعجزتهم ...

وقولهم هذا هو دين الكفرة مع أنبيائهم. فقد قال فرعون وقومه في موسى- عليه السلام- إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ وقال قوم عيسى فيه عند ما جاءهم بالبينات هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ ودعوى السحر إنما هي على سبيل العناد والجحد».

وقال الآلوسى «وفي قولهم هذا اعتراف منهم بأن ما عاينوه خارج عن طوق البشر، نازل من حضرة خلاق القوى والقدر، ولكنهم يسمونه سحرا تماديا في العناد، كما هو شنشنة المكابر اللجوج، وشنشنة المفحم المحجوج».

وجاءت الجملة الكريمة بدون حرف عطف، لكونها استئنافا مبنيا على سؤال مقدر، فكأنه قيل: فماذا قالوا بعد هذا التعجب؟ فكان الجواب: قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ.

ويرى الامام ابن جرير أن الآية فيها كلام محذوف، فقد قال: - رحمه الله-: «وفي الكلام حذف استغنى بدلالة ما ذكر عما ترك ذكره، وتأويل الكلام: أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم، فلما أتاهم بوحي الله وتلاه عليهم وبشرهم وأنذرهم قال المنكرون لتوحيد الله ورسالة رسوله إن هذا الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم لسحر مبين» .

وقد اشتملت جملة إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ على جملة من المؤكدات، للإشارة إلى رسوخهم في الكفر، وإلى أنهم مع وضوح الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لم يزدادوا إلا جحودا وعنادا، وصدق الله إذ يقول: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ.

وقوله : ( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا ) الآية ، يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار من إرسال المرسلين من البشر ، كما أخبر تعالى عن القرون الماضية من قولهم : ( أبشر يهدوننا ) [ التغابن : 6 ] وقال هود وصالح لقومهما : ( أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم ) [ الأعراف : 63 : 69 ] وقال تعالى مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا : ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد . قال : فأنزل الله عز وجل : ( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم )

وقوله : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) اختلفوا فيه ، فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( أن لهم قدم صدق [ عند ربهم ] ) يقول : سبقت لهم السعادة في الذكر الأول .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) يقول : أجرا حسنا ، بما قدموا . وكذا قال الضحاك ، والربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وهذا كقوله تعالى : ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا ) [ الكهف : 2 ، 3 ]

وقال مجاهد : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) قال : الأعمال الصالحة صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم .

[ وقال عمرو بن الحارث عن قتادة أو الحسن ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ] ) قال : محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم . وكذا قال زيد بن أسلم ، ومقاتل بن حيان .

وقال قتادة : سلف صدق عند ربهم .

واختار ابن جرير قول مجاهد - أنها الأعمال الصالحة التي قدموها - قال : كما يقال : " له قدم في الإسلام " ومنه قول [ حسان ] رضي الله عنه .

لنا القدم العليا إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع

وقول ذي الرمة :

لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر

وقوله تعالى : ( قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ) أي : مع أنا بعثنا إليهم رسولا منهم ، رجلا من جنسهم ، بشيرا ونذيرا ، ( قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ) أي : ظاهر ، وهم الكاذبون في ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أكان عجبًا للناس إيحاؤنا القرآن على رجل منهم بإنذارهم عقابَ الله على معاصيه، كأنهم لم يعلموا أنَّ الله قد أوحى من قبله إلى مثله من البشر، فتعجَّبوا من وحينا إليه. (10)

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17527- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: لما بعث الله محمدًا رسولا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، فقالوا: اللهُ أعظمُ من أن يكون رسوله بشرًا مثل محمد ! فأنـزل الله تعالى: ( أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم ) ، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا [سورة يوسف: 109].

17528- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: عجبت قريش أن بُعث رجل منهم. قال: ومثل ذلك: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [سورة الأعراف: 65]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ، [سورة الأعراف: 73] ، قال الله: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ ، [سورة الأعراف: 69].

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أما كان عجبًا للناس أن أوحينا إلى رجل منهم : أن أنذر الناس، وأن بشر الذين آمنوا بالله ورسوله: ( أن لهم قدم صدق ) ، عطفٌ على ( أنذر ) .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( قدم صدق )، فقال بعضهم: معناه: أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّموا من صالح الأعمال.

* ذكر من قال ذلك:

17529- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: ( أن لهم قدم صدق عند ربهم )، قال: ثواب صِدق.

17530-. . . . قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد: ( أن لهم قدم صدق عند ربهم )، قال: الأعمال الصالحة.

17531- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم )، يقول: أجرًا حسنًا بما قدَّموا من أعمالهم.

17532- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن حبان، عن إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث، عن مجاهد: ( أن لهم قدم صدق عند ربهم )، قال: صلاتهم وصومهم، وصدقتُهم، وتسبيحُهم. (11)

17533- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( قدم صدق )، قال: خير.

17534- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( قدم صدق ) ، مثله.

17535- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

17536-. . . . قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قال: ( قدم صدق )، ثواب صدق ، ( عند ربهم ) .

17537- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.

17538- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق )، قال: " القدم الصدق " ، ثواب الصّدق بما قدّموا من الأعمال.

* * *

وقال آخرون: معناه: أن لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة.

* ذكر من قال ذلك:

17539- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح عن علي، عن ابن عباس قوله: ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم )، يقول: سبقت لهم السعادة في الذِّكر الأَوّل.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك أنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم شفيع لهم، قَدَمَ صدق.

* ذكر من قال ذلك:

17540- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن فضيل بن عمرو بن الجون، عن قتادة ، أو الحسن ، : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم )، قال: محمدٌ شفيعٌ لهم. (12)

17541- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) : أي سلَفَ صدقٍ عند ربهم.

17542- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، في قوله: ( أن لهم قدم صدق عند ربهم )، قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: أن لهم أعمالا صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثوابَ.

* * *

وذلك أنه محكيٌّ عن العرب: " هؤلاء أهْلُ القَدَم في الإسلام " أي هؤلاء الذين قدَّموا فيه خيرًا، فكان لهم فيه تقديم. ويقال: " له عندي قدم صِدْق ، وقدم سوء "، وذلك ما قدَّم إليه من خير أو شر، ومنه قول حسان بن ثابت:

لَنَــا القَــدَمُ العُلْيَـا إِلَيْـكَ وَحَلْفُنَـا

لأَوّلِنَــا فِــي طَاعَــةِ اللـهِ تَـابِعُ (13)

وقول ذي الرمة:

لَكُــمْ قَــدَمٌ لا يُنْكِـرُ النَّـاسُ أَنَّهَـا

مَـعَ الحَسَـبِ العَادِيِّ طَمَّتْ عَلَى البَحْرِ (14)

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وبشر الذين آمنوا أنّ لهم تقدِمة خير من الأعمال الصالحة عند ربِّهم.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)

قال أبو جعفر : اختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: ( إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ )، بمعنى: إن هذا الذي جئتنا به ، يعنون القرآن ، لسحر مبين.

* * *

وقرأ ذلك مسروق، وسعيد بن جبير ، وجماعة من قراء الكوفيين: ( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ).

* * *

وقد بينت فيما مضى من نظائر ذلك: أن كل موصوف بصفةٍ ، يدل الموصوف على صفته، وصفته عليه. (15)

والقارئ مخيَّرٌ في القراءة في ذلك، وذلك نظير هذا الحرف: ( قال الكافرون إن هذا لسحر مبين ) ، و " لساحر مبين ". (16)

وذلك أنهم إنما وصفوه بأنه " ساحر "، ووصفهم ما جاءهم به أنه " سحر " يدل على أنهم قد وصفوه بالسحر. وإذْ كان ذلك كذلك ، فسواءٌ بأيِّ ذلك قرأ القارئ، لاتفاق معنى القراءتين.

* * *

وفي الكلام محذوف ، استغني بدلالة ما ذكر عما ترك ذكره ، وهو: " فلما بشرهم وأنذرهم وتلا عليهم الوحي" ، قال الكافرون : إن هذا الذي جاءنا به لسحرٌ مبين.

* * *

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذًا: أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم: أن أنذر الناس ، وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم؟ فلما أتاهم بوحي الله وتلاه عليهم، قال المنكرون توحيد الله ورسالة رسوله: إن هذا الذي جاءنا به محمدٌ لسحر مبين أي : يبين لكم عنه أنه مبطِلٌ فيما يدعيه. (17)

---------------------------

الهوامش :

(10) انظر تفسير " الوحي " و " الإنذار " فيما سلف من فهارس اللغة ( وحي ) ، ( نذر ) .

(11) الأثر : 17532 - " زيد بن حباب التميمي " ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 11490 . وكان في المطبوعة : " يزيد بن حبان " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فتصرف أسوأ التصرف .

و " إبراهيم بن يزيد الخوزي " ، ضعيف ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 17313 .

و " الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث " ، ثقة ، مضى برقم : 16259 ، 17313 .

وكان في المطبوعة والمخطوطة : " الوليد بن عبد الله ، عن أبي مغيث " ، وهو خطأ محض .

(12) الأثر : 17540 - " فضيل بن عمرو بن الجون " ، لم أجد له ترجمة . ولا أدري أهو " فضيل بن عمرو الفقيمي " ، أو غيره ! .

(13) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 13 : 209 ، وروايته هناك : " لنا القدم الأولى " .

(14) ديوانه 272 ، من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، يقول بعده :

خِـلاَلَ النَّبِـيِّ المُصْطَفَـى عِنْـدَ رَبِّهِ

وَعُثْمَـانَ وَالفَـارُوقِ بَعْـدَ أَبِـي بَكْرِ

ورواية ديوانه : " طمت على الفخر " .

(15) في المطبوعة : " نزل الموصوف " ، وفي المخطوطة : " ترك " ، وصواب قراءتها ما أثبت .

(16) انظر ما سلف 11 : 216 ، 217 .

(17) انظر تفسير " السحر " و " مبين " فيما سلف من فهارس اللغة ( سحر ) ، ( بين ) .

التدبر :

وقفة
[2] ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ إثبات نبوة النبي ﷺ وأن إرساله أمر معقول لا عجب فيه.
عمل
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تبشير المؤمنين سنة يغفل عنها الكثير؛ فلا تغفل عنها أنت، ومنه: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 223]، «بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا» [مسلم 1732]، وما أكثر ما قال رسول الله ﷺ لأصحابه كلمة (أبشر).
وقفة
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ جزاء موفور وثواب مدخور عند ربهم، ما أعظمها من بشرى! وما أصدقه من وعد! وما أكرمه من كريم!
عمل
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ مفهوم الآية: قدم عملًا صادقًا وأبشر, فإن أكثرت (فالبشارة أعظم).
تفاعل
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ المؤمن الذي يطمع أن يبشِّره الله تعالى أنه له قدم صدق عند ربه لا بد وأن يستعين في كل أمره بالله ويدعوه بصدق في كل حال، قل: «اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق اللهم اجعل لي لسان صدق».
عمل
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ اِسعَ بالصدق وللصدق في حياتك حتى تنال البشارة.
وقفة
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ (قَدَمَ): ما تقدم من عمل هو (ما تقف عليه) أمام الله؛ فكلما صحت القدمان رسخ الثبات.
تفاعل
[2] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ استبشر الآن.
اسقاط
[2] لو قال لك ملك من ملوك الدنيا: «لك عندي مكانة وقدم صدق» كيف يكون شعورك؟! إذن اسمع لهذه البشارة: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾.
عمل
[2] أرسل رسالة إلى أحد الدعاة تبشره أن ثباته على الدعوة علامة على صدقه ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾.
وقفة
[2] بشرى أهل الإيمان والعمل الصالح بما أعد لهم عند ربهم ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾.
وقفة
[2] من كانت له أقدام صدق بأعماله الصالحة ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾؛ كان صاحب مقعد الصدق في الآخرة ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55].
وقفة
[2] ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ حقيقة القدم ما قدم العبد، ويقدم عليه يوم القيامة، والمؤمنون قدموا العمل الصالح، والإيمان بالنبي ﷺ فيقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك، فهذه ثلاثة تفسيرات لقدم صدق.
وقفة
[2] ﴿قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ﴾ الكذب والتضليل وخداع الناس صفات ملازمة للكافر.
وقفة
[2] عدم تورع أهل الكفر عن الكذب والتضليل ﴿قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أكان للناس عجباً:
  • الهمزة: لإنكار التعجب والتعجيب منه بلفظ استفهام. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. للناس: جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من \"عجباً\". عجباً: خبر \"كان\" مقدم. أي بتوسط الخبر بين الاسم والفعل.
  • ﴿ أن أوحينا:
  • أنْ: حرف مصدري. أوحى: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا. و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. و\"أن\" المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل رفع اسم \"كان\" مؤخر. وجملة \"أوحينا\" صلة \"أنْ\" المصدرية لا محل لها من الإعراب. التقدير: أكان إيحاؤنا عجباً للناس.
  • ﴿ إلى رجل منهم:
  • جار ومجرور متعلق بأوحينا. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"رجل\" و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بمن.
  • ﴿ أن أنذر الناس:
  • أنْ: حرف تفسير لأن الإيحاء فيه معنى القول. أنذر: فعل أمر مبني على السكون حرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. الناس: مفعول به منصوب بالفتحة ويجوز أن تكون \"أن\" مخففة من الثقيلة وأصله: أنه أنذر الناس على معنى: أنّ الشأن قولنا \"أنذر الناس\" ويجوز أن تكون في محل جر بتقدير: بأن أنذر الناس.
  • ﴿ وبشر الذين:
  • وبشر: معطوفة بالواو على \"أنذر\" وتعرب إعرابها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ آمنوا:
  • فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير في محل رفع والألف فارقة والجملة: صلة الموصول.
  • ﴿ أنّ لهم قدم صدق:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. لهم: تعرب إعراب \"منهم\" والجار والمجرور \"لهم\" متعلق بخبر \"أن\" المقدم. قدم: اسم \"أنّ\" مؤخر منصوب بالفتحة. صدق: مضاف إليه مجرور بالكسرة واضافتها إلى الصدق للتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية. وأصل \"أن لهم\" بأن لهم\" وحذفت الباء.
  • ﴿ عند ربهِّم:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بقدم صدق. رب: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ قال الكافرون:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الكافرون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته.
  • ﴿ إنّ هذا لساحر مبين:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم - إنّ - والإشارة إلى الكتاب الكريم وما جاء به الرسول الكريم محمد (- صلى الله عليه وسلم -). لساحر: اللام لام التوكيد المزحلقة. ساحر: خبر إنّ مرفوع بالضمة. مبين: صفة لساحر مرفوعة مثلها بالضمة المنونة. لأن الصفة من التوابع. '

المتشابهات :

البقرة: 25﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
يونس: 2﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُلٍ مِّنْهم أنْ أنذِرِ النّاسَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمّا بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مُحَمَّدًا ﷺ رَسُولًا أنْكَرَتْ عَلَيْهِ الكُفّارُ وقالُوا: اللَّهُ أعْظَمُ مِن أنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [2] لما قبلها :     ولما كان هذا الكتاب من عند الله عز وجل، وهذا يوجب القبول والسرور به؛ يتعجب الكفار هنا من نزولِ الوحي وإرسالِ رسولٍ من البشرِ، قال تعالى:
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عجبا:
وقرئ:
عجب، على أنه اسم «كان» ، و «أن أوحينا» الخبر، وهى قراءة عبد الله.
رجل:
وقرئ:
بسكون الجيم، وهى لغة تميم، وبها قرأ رؤبة.
لساحر:
وقرئ:
1- لسحر، إشارة إلى الوحى، وهى قراءة الجمهور، والعربيين.
2- لساحر، وهى قراءة باقى السبعة، وابن مسعود، وأبى رزين، وابن جبير، ومجاهد، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وابن محيصن، وابن كثير، وعيسى بن عمر.

مدارسة الآية : [3] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ ..

التفسير :

[3] إن ربكم الله الذي أوجد السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى -أي:علا وارتفع- على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، يدبر أمور خلقه، لا يضادُّه في قضائه أحد، ولا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له بالشفاعة، فاعبدوا الله ربكم المتصف بهذه الص

يقول تعالى مبينا لربوبيته وإلهيته وعظمته‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله‏.‏

ومن جملة حكمته فيها، أنه خلقها بالحق وللحق، ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد بالعبادة‏.‏

‏{‏ثُمَّ‏}‏ بعد خلق السماوات والأرض ‏{‏اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ استواء يليق بعظمته‏.‏

‏{‏يُدَبِّرُ الْأَمْرَ‏}‏ في العالم العلوي والسفلي من الإماتة والإحياء، وإنزال الأرزاق، ومداولة الأيام بين الناس، وكشف الضر عن المضرورين، وإجابة سؤال السائلين‏.‏

فأنواع التدابير نازلة منه وصاعدة إليه، وجميع الخلق مذعنون لعزه خاضعون لعظمته وسلطانه‏.‏

‏{‏مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏}‏ فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة، ولو كان أفضل الخلق، حتى يأذن الله ولا يأذن، إلا لمن ارتضى، ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له‏.‏

‏{‏ذَلِكُمْ‏}‏ الذي هذا شأنه ‏{‏اللَّهُ رَبُّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ هو الله الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات الكمال، ووصف الربوبية الجامع لصفات الأفعال‏.‏

‏{‏فَاعْبُدُوهُ‏}‏ أي‏:‏ أفردوه بجميع ما تقدرون عليه من أنواع العبودية، ‏{‏أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏ الأدلة الدالة على أنه وحده المعبود المحمود، ذو الجلال والإكرام‏.‏

قال الإمام الرازي ما ملخصه: «اعلم أنه- تعالى- لما حكى عن الكفار أنهم تعجبوا من الوحى والبعثة والرسالة ثم إنه- تعالى- أزال ذلك التعجب بأنه لا يبعد ألبتة في أن يبعث خالق الخلق إليهم رسولا يبشرهم وينذرهم.. كان هذا الجواب إنما يتم بإثبات أمرين:

أحدهما: إثبات أن لهذا العالم إلها قاهرا قادرا، نافذ الحكم بالأمر والنهى.

والثاني: إثبات الحشر والنشر والبعث والقيامة، حتى يحصل الثواب والعقاب اللذان أخبر الأنبياء عن حصولهما.

فلا جرم أنه- سبحانه- ذكر في هذا الموضع ما يدل على تحقيق هذين المطلوبين.

أما الأول: وهو إثبات الألوهية فبقوله- تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ....

وأما الثاني: فهو إثبات المعاد والحشر والنشر بقوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً....

فثبت أن هذا الترتيب في غاية الحسن، ونهاية الكمال».

والمعنى: إن ربكم ومالك أمركم- الذي عجبتم من أن يرسل إليكم رسولا منكم هو الله الذي خلق السموات والأرض في مقدار ستة أيام أى أوقات.

فالمراد من اليوم معناه اللغوي وهو مطلق الوقت.

وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن تلك الأيام من أيام الآخرة التي يوم منها كألف سنة مما تعدون.

قال الآلوسى: «وقيل هي مقدار ستة أيام من أيام الدنيا وهو الأنسب بالمقام، لما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة بخلق هذه الأجرام العظيمة في مثل تلك المدة اليسيرة، ولأنه تعريف لنا بما نعرفه».

وقال بعض العلماء: «ولا ندخل في تحديد هذه الأيام الستة، فهي لم تذكر هنا لنتجه إلى تحديد مداها ونوعها، وإنما ذكرت لبيان حكمة التدبير والتقدير في الخلق حسب مقتضيات الغاية من هذا الخلق، وتهيئته لبلوغ هذه الغاية.

وعلى أية حال فالأيام الستة غيب من غيب الله، الذي لا مصدر لإدراكه إلا هذا المصدر، فعلينا أن نقف عنده ولا نتعداه، والمقصود بذكرها هو الإشارة الى حكمة التقدير والتدبير والنظام الذي يسير مع الكون من بدئه إلى منتهاه».

وقال سعيد بن جبير: كان الله قادرا على أن يخلق السموات والأرض في لمحة ولحظة.

ولكنه- سبحانه- خلقهن في ستة أيام، لكي يعلم عباده التثبت والتأنى في الأمور.

وقوله: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ معطوف على ما قبله، لتأكيد مزيد قدرته وعظمته- سبحانه-.

والاستواء من معانيه اللغوية الاستقرار، ومنه قوله- تعالى- وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ.

أى: استقرت، ومن معانيه- أيضا- الاستيلاء والقهر والسلطان، ومنه قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق أى: استولى عليه وعرش الله- كما قال الراغب- مما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له- تعالى الله عن ذلك- لا محمولا».

وقد ذكر العرش في القرآن الكريم في إحدى وعشرين آية، وذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.

أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة الى أنه صفة الله- تعالى- بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه- سبحانه- بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به فيجب الإيمان بها كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إلى الله- تعالى-.

فعن أم سلمة- رضي الله عنها- أنها قالت في تفسير قوله- تعالى- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى: الكيف غير معقول، والاستواء مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.

وقال الإمام مالك: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وقال محمد بن الحسن: اتفق الفقهاء جميعا على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.

وقال الإمام الرازي: «إن هذا المذهب هو الذي نقول به ونختاره ونعتمد عليه» .

وذهب بعض علماء الخلف إلى وجوب صرف هذه الصفة وأمثالها عن الظاهر لاستحالة حملها على ما يفيده ظاهر اللفظ، لأنه- سبحانه- مخالف للحوادث، ووجوب حملها على ما يليق به- سبحانه-.

وعليه فإن الاستواء هنا: كناية عن القهر والعظمة والغلبة والسلطان وقوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ استئناف مسوق لتقرير عظمته- سبحانه- ولبيان حكمة استوائه على العرش.

والتدبير معناه: النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المحمود.

والمراد به هنا: التقدير الجاري على وفق الحكمة التي اقتضتها إرادة الله ومشيئته.

والمراد بالأمر: ما يتعلق بأمور المخلوقات كلها من إنس وجن وغير ذلك من مخلوقاته التي لا تعد ولا تحصى.

أى أنه سبحانه يدبر أمر مخلوقاته تدبيرا حكيما، حسبما تقتضيه إرادته وعبر بالمضارع في قوله: يُدَبِّرُ للإشارة الى تجدد التدبير واستمراره، إذ أنه- سبحانه- لا يهمل شئون خلقه.

وقوله: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ استئناف آخر مسوق لبيان تفرده في تدبيره وأحكامه.

والشفيع مأخوذ من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى منزلة إلى من هو أدنى منه لإعانته على ما يريده.

والاستثناء هنا مفرغ من أعم الأوقات والأحوال. أى: ما من شفيع يستطيع أن يشفع لغيره في جميع الأوقات والأحوال إلا بعد إذنه- سبحانه-.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

وقوله- سبحانه-: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى.

واسم الإشارة في قوله- سبحانه- ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعود إلى ذات الله- تعالى- الموصوفة بتلك الصفات الجليلة.

أى: ذلكم الموصوف بالخلق والتدبير والتصرف في شئون خلقه وفق مشيئته، هو الله ربكم فأخلصوا له العبادة والطاعة ولا تشركوا معه أحدا في ذلك.

ثم ختم- سبحانه- الآية بالأمر بالتذكر فقال: أَفَلا تَذَكَّرُونَ أى: أتعلمون أن الله- تعالى- هو خالقكم وهو القادر على كل شيء، ومع ذلك تستبعدون أن يكون الرسول بشرا، فهلا تذكرتم قدرة الله وحكمته حتى تثوبوا إلى رشدكم، وتتبعوا الحق الذي جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم: وإيثار تَذَكَّرُونَ على تفكرون للإيذان بظهور الأمر وأنه كالمعلوم الذي لا يفتقر الى عمق في التفكير والبحث والتأمل. إذا أن مظاهر قدرة الله وعظمته نراها واضحة جلية في الأنفس والآفاق.

وبذلك نرى الآية الكريمة قد ساقت ألوانا من مظاهر قدرة الله- تعالى- وبالغ حكمته، ونفاذ أحكامه حتى يخلص له الناس العبادة والطاعة.

يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه ، وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام - قيل : كهذه الأيام ، وقيل : كل يوم كألف سنة مما تعدون . كما سيأتي بيانه [ إن شاء الله تعالى ] ثم استوى على العرش ، والعرش أعظم المخلوقات وسقفها .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا حجاج بن حمزة ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت سعدا الطائي يقول : العرش ياقوتة حمراء .

وقال وهب بن منبه : خلقه الله من نوره .

وهذا غريب .

( يدبر الأمر ) أي : يدبر أمر الخلائق ، ( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) [ سبأ : 3 ] ، ولا يشغله شأن عن شأن ، ولا تغلظه المسائل ، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير ، في الجبال والبحار والعمران والقفار ، ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] . ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) [ الأنعام : 59 ] .

وقال الدراوردي ، عن سعد بن إسحاق بن كعب [ بن عجرة ] أنه قال حين نزلت هذه الآية : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) لقيهم ركب عظيم [ لا يرون إلا أنهم ] من العرب ، فقالوا لهم : من أنتم ؟ قالوا . من الجن ، خرجنا من المدينة ، أخرجتنا هذه الآية . رواه ابن أبي حاتم .

[ وقوله ] ( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) كقوله تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [ البقرة : 255 ] وكقوله تعالى : ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) [ النجم : 26 ] وقوله : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) [ سبأ : 23 ] .

وقوله : ( ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ) أي : أفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ، ( أفلا تذكرون ) أي : أيها المشركون في أمركم ، تعبدون مع الله غيره ، وأنتم تعلمون أنه المتفرد بالخلق ، كقوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) [ الزخرف : 87 ] ، وقوله : ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون ) [ المؤمنون : 86 - 87 ] ، وكذا الآية التي قبلها والتي بعدها .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: إن ربكم الذي له عبادة كل شيء، ولا تنبغي العبادة إلا له، هو الذي خلق السماوات السبع والأرضين السبع في ستة أيام، وانفرد بخلقها بغير شريك ولا ظهيرٍ، ثم استوى على عرشه مدبرًا للأمور ، وقاضيًا في خلقه ما أحبّ، لا يضادُّه في قضائه أحدٌ، ولا يتعقب تدبيره مُتَعَقِّبٌ، ولا يدخل أموره خلل. (18) ، ( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) ، يقول : لا يشفع عنده شافع يوم القيامة في أحد ، إلا من بعد أن يأذن في الشفاعة (19) " ، ( ذلكم الله ربكم ) ، يقول جل جلاله : هذا الذي هذه صفته ، سيِّدكم ومولاكم ، لا من لا يسمع ولا يبصر ولا يدبِّر ولا يقضي من الآلهة والأوثان ، ( فاعبدوه ) ، يقول : فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته ، وأخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهية والربوبية ، بالذلة منكم له ، دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة ، ( أفلا تذكرون) ، يقول : أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الآيات والحجج ، (20) فتنيبون إلى الإذعان بتوحيدِ ربكم وإفراده بالعبادة، وتخلعون الأنداد وتبرؤون منها؟

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17543- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( يدبر الأمر )، قال: يقضيه وحدَه.

17544- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: ( يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه )، قال: يقضيه وحده.

17545- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( يدبر الأمر ) قال: يقضيه وحده.

17546-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

17547- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

-------------------

الهوامش :

(18) انظر تفسير " الاستواء " فيما سلف 1 : 428 - 431 / 12 : 483 ، وتفسير " العرش " فيما سلف 12 : 482 / 14 : 587 .

(19) انظر تفسير " الشفاعة " فيما سلف 12 : 481 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

، وتفسير " الإذن " فيما سلف 14 : 112 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(20) انظر تفسير " التذكر " فيما سلف 12 : 493 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

التدبر :

وقفة
[3] ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله.
وقفة
[3] ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ خلق السماوات والأرض ومن فيهما، وتدبير الأمر، وتقدير الأزمان واختلاف الليل والنهار كلها آيات عظيمة دالة على ألوهية الله سبحانه.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ فتفرغ للعبادة ﻻ يشغلك شيء.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ فرغ قلبك من همومك وتدبيرك، وفوض أمرك وأسلم قيادك لمن وعدك بتدبير الأمر لك ولغيرك.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ قال سَهْل التُّسْترِيِّ: «يقضي القضاء وحده فيختار للعبد ما هو خير له، فخيرة الله خير له من خيرته لنفسه».
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ تكررت في كتاب الله 4 مرات؛ لتعلم أن أمور الأرض تدابير سماوية.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ تكررت في كتاب الله 4 مرات؛ لتنزع من قلبك أوهام أن أمرك بيد أحد غير الله.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ آية إن سكنت القلب أسكنته.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ تدبير الله لك أسرع من وقت انتظارك.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ جميع العالم محتاجون إلى تدبيره ورحمته، داخلون تحت قهره وقضائه وقدرته.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ ذكر بها قلبك كلَّما خشيت أمرًا، أو اعتراك همٌّ، أو أصابتك كُربة؛ فإن أيقنت بها اطمأنت روحك.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ آية تسكب في القلب الرضا والأمان؛ كلما عصفت به رياح الهمِّ والأحزان، إلهي لا شيء يقلقني؛ إذ كل شيء بيدك.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ الأمر الذي في الغد أو بعده يؤرقك، لا تقلـق وتفـاءل؛ فإنَّ الذي يُدبره ربك.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ اقرأها على قلبك كلما خشيت أمرًا، أو اعتراك همٌّ، أو أصابتك كربة؛ ستهدأ روحك، ويطمئن قلبك.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ وأنت في مفترق طرق لا تدري أين تسير، يكون لله تدابير رحيمة؛ لتيسير كل عسير.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ سلِّم أمورك لمن يدبِّرها، ونَم.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ هذه الآية تمنحك سيلًا من الطمأنينة في عالم مضطرب.
عمل
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ ألم تُدهشك أمور حدثت لك بغير تخطيط منك؟! ولو استعملت لها كل عقلك ما حدثت بهذه الروعة؛ فتوكّل على الله، وثق بعطاياه، وأرِح قلبك.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ سيدبر أمرك ويعتني بشؤونك ويكشف عنك غمامة الحزن ويسخر لك من تحب ويفتح لك أبوابًا مغلقة وسيعوضك ما كان فقده يؤلم قلبك.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ سبحانه الله الحكيم العليم يدبر أمور عباده وفق ماتقتضيه حكمته، فتدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك، وإن كان ظاهر الأمر غير ما ترغب.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ هنا يستريحُ القلب ويطيبُ التسليم، فمن ذا يُدبِّرُ الأمرَ كما يفعلُ صاحبُ الأمر؟!
وقفة
[3] لِــمَ القلق وربك ﷻ ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾؟
عمل
[3] لأن الله ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ فإنه –سبحانه- أحسن تخطيط حياة من أحسن الظن به وتوكَّل عليه ودائمًا لا يصرف الله عنه خيرًا إلّا لأنه سيهيؤه لأمرٍ أعظم.
عمل
[3] اعلم -رعاك الله- أن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك؛ إن أغلقَ دونك بابًا بـ (حكمته) فإنَّه يفتح لك بابَين بـ رحمته ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾.
عمل
[3] حينما تُحسن في توكُّلك على الله وتعمل بالأسباب فلا تحزن إن صرف الله عنك أمرًا ترى فيه صلاحك؛ من كان الله معه لا يضيّعه ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾.
وقفة
[3] ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ من أجل المِنَن أن الرحيم الحكيم هو الذي تفرد بتدبير أمورنا، ولم يوكلها لأحد من خلقه؛ فلنستمطر هباته وخيراته.
وقفة
[3] ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ الشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا لمن أذن له الله، ورضي قوله وفعله.
وقفة
[3] ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة -ولو كان أفضل الخلق- حتى يأذن الله، ولا يأذن إلا لمن ارتضى، ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له.
تفاعل
[3] قل: اللهم إني أسالك شفاعة نبيك محمد ﷺ ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾.
عمل
[3] لا تطلب الشفاعة الأخروية من حي أو ميت، بل اطلبها ممن لا يشفع أحدٌ إلا بإذنه ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾.
وقفة
[3] ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ قال الحسن: «ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر، وبالتفكر على التذكر، ويناطقون القلوب؛ حتى نطقت بالحكمة».

الإعراب :

  • ﴿ إنّ ربكم الله:
  • إنّ. حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. رب: اسم \"إنّ\" منصوب للتعظيم بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور حركت الميم بالضم للإشباع. الله لفظ الجلالة خبر- إنّ - الناصب. مرفوع للتعظيم بالضمة أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو الله والجملة الاسمية \"هو الله\" في محل رفع خبر \"إن\".
  • ﴿ الذي خلق السماوات:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة للفظ الجلالة أو بدل منه. خلق: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو يعور إليه سبحانه. السماوات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلاً من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ والأرض في ستة أيام:
  • والأرض: معطوفة بالواو على \"السماوات\" منصوبة مثلها بالفتحة الظاهرة. في ستة: جار ومجرور متعلق بخلق. أيام: أي أدوار مضاف إليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ ثمّ استوى:
  • ثم: عاطفة. استوى: معطوفة على \"خلق\" وتعرب إعرابها والفعل مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفعل بمعنى \"جلس\" وهذا المعنى محال عليه سبحانه لأنه ليس بجسم فهو كناية عن التمكن في السلطان والاستيلاء على ناصية كل شيء.
  • ﴿ على العرش يدبر الأمر:
  • جار ومجرور متعلق باستوى. يدبر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. يعود إليه سبحانه - الأمر: مفعول به منصوب بالفتحة أي أمر العالم. وجملة \"يدبر الأمر\" في محل نصب حال ويجوز أن تكون في محل رفع خبر \"إنّ\" إذا أعرب لفظ الجلالة \"الله\" بدلاً أو صفة لربكم.
  • ﴿ ما من شفيع:
  • ما: نافية تعمل عمل \"ليس\" من حرف جر زائد. شفيع: اسم مجرور لفظاً مرفوع محلاً لأنه اسم \"ما\" وخبرها محذوف بتقدير: يشفع لديه.
  • ﴿ إلاّ من بعد إذنه:
  • حرف تحقيق بعد. النفي. من بعد: جار ومجرور متعلق بالخبر المحذوف. إذنه: مضاف إليه مجرور بالكسرة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ ذلكم الله ربكم:
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للإشباع والإشارة إلى العظيم الموصوف بما وصفه به. الله لفظ الجلالة: بدل من \"ذلكم\" مرفوع للتعظيم بالضمة. ربكم: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو مرفوع للتعظيم بالضمة والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة \"هو ربكم\" في محل رفع خبر المبتدأ \"ذلكم\".
  • ﴿ فاعبدوه:
  • الفاء: استئنافية. اعبدوه: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به
  • ﴿ أفلا تذكرون:
  • الألف: ألف توبيخ في لفظ استفهام. الفاء زائدة - تزيينيه - تذكرون: أصلها: تتذكرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و \"لا\" نافية لا عمل لها. وحذفت إحدى التاءين من كلمة \"تذكرون\" تخفيفاً. '

المتشابهات :

يونس: 3﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
يونس: 31﴿أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ
الرعد: 2﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ
السجدة: 5﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [3] لما قبلها :     ولَمَّا تعجبَ الكفارُ من الوحي والرسالةِ؛ ردَّ اللهُ عز وجل عليهم هنا بأنه لا عجبَ أنَّ خالقَ الوجودِ كلِّه أمرَ النَّاسَ بعبادتِه، فكان لابدَّ من رسولٍ يخبرُهم بما يُرضِيه وما يغضبُه؛ لتقومَ عليهم الحُجَّةُ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

حقا:
وقرئ:
حق، بالرفع، خبر، والمبتدأ، «أنه» ، وهى قراءة ابن أبى عبلة.
يبدأ:
وقرئ:
يبدئ، من «أبدأ» ، وهى قراءة طلحة.

مدارسة الآية : [4] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ ..

التفسير :

[4] إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميعاً، وهذا وعد الله الحق، هو الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت، فيوجده حيّاً كهيئته الأولى؛ ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله، وعمل الأعمال الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من م

فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير العام، وحكمه الديني وهو شرعه، الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له، ذكر الحكم الجزائي، وهو مجازاته على الأعمال بعد الموت، فقال‏:‏ ‏{‏إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا‏}‏ أي‏:‏ سيجمعكم بعد موتكم، لميقات يوم معلوم‏.‏

‏{‏إنه يبدأ الخلق ثم يعيده‏}‏ فالقادر على ابتداء الخلق قادر على إعادته، والذي يرى ابتداءه بالخلق، ثم ينكر إعادته للخلق، فهو فاقد العقل منكر لأحد المثلين مع إثبات ما هو أولى منه، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد‏.‏ وقد ذكر الدليل النقلي فقال‏:‏ ‏{‏وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا‏}‏ أي‏:‏ وعده صادق لا بد من إتمامه ‏{‏لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به‏.‏

‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ بجوارحهم، من واجبات، ومستحبات، ‏{‏بِالْقِسْطِ‏}‏ أي‏:‏ بإيمانهم وأعمالهم، جزاء قد بينه لعباده، وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ بآيات الله وكذبوا رسل الله‏.‏

‏{‏لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏}‏ أي‏:‏ ماء حار، يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء‏.‏ ‏{‏وَعَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ من سائر أصناف العذاب ‏{‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏}‏ أي‏:‏ بسبب كفرهم وظلمهم، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون‏.‏

ثم بين- سبحانه- أن مرجع العباد جميعا إليه، وأنه سيجازى كل إنسان بما يستحق.

فقال- تعالى- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا.

أى: إلى الله- تعالى- وحده مرجعكم جميعا بعد الموت ليحاسبكم على أعمالكم، وقد وعد الله بذلك وعدا صدقا، ولن يخلف الله وعده.

قال أبو حيان: وانتصب وَعْدَ اللَّهِ وحَقًّا على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة، والتقدير وعد الله وعدا، فلما حذف الناصب أضاف المصدر الى الفاعل، وذلك كقوله «صبغة الله» و «صنع الله» والتقدير في حَقًّا: حق ذلك حقا».

وقوله: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كالتعليل لما أفاده قوله- سبحانه- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ فإن غاية البدء والإعادة هو الجزاء المناسب على الأعمال الدنيوية.

أى: إن شأنه- سبحانه- أن يبدأ الخلق عند تكوينه ثم يعيده الى الحياة مرة أخرى بعد موته وفنائه.

ثم بين- سبحانه- الحكمة من الإعادة بعد الموت فقال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.

والقسط- كما يقول الراغب- النصيب بالعدل. يقال: قسط الرجل إذا جار وظلم.

ومنه قوله- تعالى- أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

ويقال أقسط فلان إذا عدل، ومنه قوله- تعالى- وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

والحميم: الماء الذي بلغ أقصى درجات الحرارة، قال- تعالى- وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ أى: فعل ما فعل سبحانه من بدء الخلق وإعادتهم ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بعدله الجزاء الطيب الذي أعده لهم، وأما الذين كفروا فيجزيهم- أيضا- بعد له ما يستحقونه من شراب حميم يقطع أمعاءهم، ومن عذاب مؤلم لأبدانهم، وذلك بسبب كفرهم واستحبابهم العمى على الهدى.

وقوله: بِالْقِسْطِ حال من فاعل لِيَجْزِيَ ليجزيهم ملتبسا بالقسط.

ويصح أن يكون المعنى: فعل ما فعل ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجزاء الحسن بسبب عدلهم وتمسكهم بتكاليف دينهم، وأما الذين كفروا فلهم شراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم.

قال الجمل ما ملخصه: وقال- سبحانه- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ ... بتغيير في الأسلوب للمبالغة في استحقاقهم للعقاب. وللتنبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة، والعذاب وقع بالعرض. وأنه- تعالى- يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه، ولذلك لم يعينه، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وسوء أفعالهم.

وبعد أن بين- سبحانه- جانبا من مظاهر قدرته في خلق السموات والأرض، أتبع ذلك بذكر مظاهر أخرى لقدرته، تتمثل في خلق الشمس والقمر والليل والنهار فقال- تعالى-:

خبر تعالى أن إليه مرجع الخلائق يوم القيامة ، لا يترك منهم أحدا حتى يعيده كما بدأه . ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده ، ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] .

( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) أي : بالعدل والجزاء الأوفى ، ( والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) أي : بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العقاب ، من ( سموم وحميم وظل من يحموم ) [ الواقعة : 42 ، 43 ] . ( هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج ) [ ص : 57 ، 58 ] . ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن ) [ الرحمن : 43 ، 44 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: إلى ربكم الذي صفته ما وصَفَ جل ثناؤه في الآية قبل هذه ، معادُكم ، أيها الناس ، يوم القيامة جميعًا. (21) ( وعد الله حقا ) ، فأخرج ( وعد الله ) مصدَّرًا من قوله: ( إليه مرجعكم ) ، لأنه فيه معنى " الوعد "، ومعناه: يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدًا حقًّا، فلذلك نصب (وعد الله حقا) ، ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) يقول تعالى ذكره: إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ، ( ثم يعيده )، يقول : ثم يعيده فيوجده حيًّا كهيئته يوم ابتدأه ، بعد فنائه وبَلائِه. (22) كما:-

17548- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( يبدأ الخلق ثم يعيده )، قال: يحييه ثم يميته ، قال أبو جعفر: وأحسبه أنا قال: " ثم يحييه ".

17549- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: ( يبدأ الخلق ثم يعيده )، قال: يحييه ثم يميته، ثم يحييه.

17550- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده )، : يحييه ، ثم يميته، ثم يبدؤه ، ثم يحييه.

17551- . . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.

* * *

وقرأت قراء الأمصار ذلك: ( إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ )، بكسر الألف من (إنه) ، على الاستئناف.

* * *

وذكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه ( أَنَّهُ ) بفتح الألف من ( أنه ).

* * *

، كأنه أراد: حقًّا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، ف " أنّ" حينئذ تكون رفعًا، كما قال الشاعر: (23)

أحَقًّــا عِبَـادَ اللـهِ أَنْ لَسْـتُ زَائِـرًا

رُبَــى جَنَّــة إِلا عَــلَيَّ رَقِيــبُ (24)

* * *

وقوله: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط)، يقول: ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره ، ( ليجزي الذين آمنوا) ليثيب من صدّق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، على أعمالهم الحسنة (25) ، (بالقسط) يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسنَ من الثواب ، والصالحَ من الجزاء في الآخرة ، وذلك هو " القسط" ، و " القسط" العدلُ والإنصاف، (26) كما:-

17552- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل.

* * *

وقوله: (والذين كفروا لهم شَرَاب من حميم)، فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعدَّ الله للذين كفروا من العذاب، وفيه معنى العطف على الأول. لأنه تعالى ذكره عمَّ بالخبر عن معادِ جميعهم ، كفارهم ومؤمنيهم ، إليه. ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كلَّ فريق بما عمل المحسنَ منهم بالإحسان ، والمسيءَ بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنفُ عما أعدّ للذين كفروا من العذاب ، ما يدلُّ سامعَ ذلك على المرادِ ، ابتدأ الخبر ، والمعنيُّ العطف فقال: والذين جحدوا الله ورسولَه وكذبوا بآيات الله ، ( لهم شراب ) في جهنم (من حميم) وذلك شراب قد أُغلي واشتدّ حره ، حتى إنه فيما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليتساقطُ من أحدهم حين يدنيه منه فروةُ رأسه، وكما وصفه جل ثناؤه: كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ، [سورة الكهف: 29].

* * *

وأصله : " مفعول " صرف إلى " فعيل "، وإنما هو " محموم ": أي مسخّن، وكل مسخَّن عند العرب فهو حميم، (27)

ومنه قول المرقش:

وَكُـــلُّ يَـــوْمٍ لَهَــا مِقْطَــرَةٌ

فِيهَـــا كِبَــاءٌ مُعَــدٌّ وَحَــمِيمْ (28)

يعني ب " الحميم " ، الماء المسخَّن.

* * *

وقوله: (عَذَابٌ أَلِيمٌ)، يقول: ولهم مع ذلك عذاب موجع، (29) سوى الشراب من الحميم، بما كانوا يكفرون بالله ورسوله.

---------------------------

الهوامش :

(21) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف 12 : 287 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(22) انظر تفسير " البدء " و " العود " فيما سلف 12 : 382 - 388 .

(23) لم أعرف قائله .

(24) في المطبوعة : " أبا حبة إلا على رقيب " ، وهو تحريف لما في المخطوطة ، وهو فيها هكذا ، غير منقوط : " رباحه " ، وصواب قراءته ما أثبت .

(25) انظر تفسير " الجزاء " فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .

(26) انظر تفسير " القسط " فيما سلف 12 : 379 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(27) انظر تفسير " حميم " فيما سلف 11 : 448 ، 449 .

(28) سلف البيت وتخريجه وشرحه 11 : 448 ، وروايته هناك : " في كل ممسي " .

(29) انظر تفسير " أليم " فيما سلف من فهارس اللغة ( ألم ) .

التدبر :

عمل
[4] تعلمنا سورة يونس: اليقين بوعد الله، وأن المرجع إليه؛ فلنستعد لذلك ﴿إليه مرجعكم﴾، ﴿إلينا مرجعكم﴾ [23]، ﴿ويوم نحشرهم جميعًا﴾ [28].
عمل
[4] ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ يا من طالت غيبته: ارجع إليه طوعًا، قبل أن ترجع إليه بالموت قهرًا.
وقفة
[4] ﴿بِالْقِسْطِ﴾ أي: بالعدل؛ بيان لعلة الحياة بعد الموت؛ إذ هذه الدار دار عمل، والآخرة دار جزاء على هذا العمل؛ فلذا كان البعث واجبًا حتمًا لا بد منه.
وقفة
[4] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾ قال الضحاك: «يسقى من حميم يغلى من يوم خلق الله السماوات والأرض إلى يوم يسقونه، ويصب على رؤوسهم».
لمسة
[4] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ خص الشراب من الحميم بالذكر من بين أنواع العذاب الأليم؛ لأنه أكره أنواع العذاب في مألوف النفوس.
تفاعل
[4] ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ إليه مرجعكم جميعاً:
  • إليه: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. مرجع: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور. جميعاً: حال من ضمير \"مرجعكم\" منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وعد الله حقاً:
  • وعد: مصدر مؤكد - مفعول مطلق - منصوب بالفتحة أي وعدكم وعداً وهو مصدر لنفسه لأنّ قوله \"إليه مرجعكم\" وعد من الله. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة. حقاً: مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دلّ عليه وعد الله أي وعدكم بذلك وعداً حقاً لا شك فيه.
  • ﴿ إنهّ يبدأ الخلق:
  • الجملة: استئنافية معناها التعليل لوجوب المرجع إليه. أو هي في محل نصب بالفعل الذي نصب وعد الله أي وعد الله وعداً بدء الخلق ثم إعادته. والمعنى: إعادة الخلق بعد بدئه. ويجوز أن تكون الجملة في محل رفع بما نصب \"حقاً\" بدء الخلق. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنّ\". يبدأ: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو الخلق: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة \"يبدأ الخلق\" في محل رفع خبر إن.
  • ﴿ ثم يعيده:
  • ثم: حوف عطف. يعيده: معطوفة على \"يبدأ الخلق\" وتعرب إعرابها والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ ليجزي الذين آمنوا:
  • اللام لام التعليل بمعنى كي وهي حرف جر. يجزي: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو. و \"أن\" وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيعيده. وجملة \"يجزي\" صلة \"أنْ\" المضمرة المصدرية لا محل لها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. آمنوا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة \"آمنوا\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وعملوا الصالحات:
  • وعملوا: معطوفة بالواو على \"آمنوا\" وتعرب إعرابها. الصالحات: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ بالقسط والذين كفروا:
  • جار ومجرور بمعنى: بالعدل. والذين: الواو استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. كفروا: تعرب إعراب \"آمنوا\" وبالقسط: متعلق بيجزي بمعنى: يجزيهم بقسطه أو بقسطهم.
  • ﴿ لهم شراب من حميم:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر المبتدأ \"الذين\" لهم: اللام: حرف جرو \"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. شراب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. من حميم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"شراب\".
  • ﴿ وعذاب أليم بما كانوا:
  • وعذاب: معطوفة رالواو على \"شراب\" مرفوعة مثلها بالضمة. أليم: صفة - نعت - لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة. بما: الباء: حرف جر و \"ما\" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. كانوا: فعل ماضٍ ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في حل رفع اسم \"كان\". والألف فارقة.
  • ﴿ يكفرون:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر \"كان\" وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة \"كانوا\" يكفرون\" صلة الوصول لا محل لها من الاعراب ويجوز أن تكون \"ما\" مصدرية. و \"ما\" وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء. وجملة \"كانوا يكفرون\" صلة \"ما\" لا محل لها. '

المتشابهات :

النساء: 122﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا
يونس: 4﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ
لقمان: 9﴿خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [4] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أنه هو الذي بدأ الخلق؛ بَيَّنَ هنا أن مرجع العباد جميعًا إليه، وأنه قادر على إعادة الخلق؛ ليجازي كل إنسان بما يستحق، قال تعالى:
﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [5] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء ..

التفسير :

[5] الله هو الذي جعل الشمس ضياء، وجعل القمر نوراً، وقدَّر القمر منازل، فبالشمس تعرف الأيام، وبالقمر تعرف الشهور والأعوام، ما خلق الله تعالى الشمس والقمر إلا لحكمة عظيمة، ودلالة على كمال قدرة الله وعلمه، يبيِّن الحجج والأدلة لقوم يعلمون الحكمة في إبداع الخ

تفسير الآيتين 5 و6:ـ

لما قرر ربوبيته وإلهيته، ذكر الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ذلك وعلى كماله، في أسمائه وصفاته، من الشمس والقمر، والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات، وأخبر أنها آيات ‏{‏لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏ و ‏{‏لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏}‏

فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها، وكيفية استنباط الدليل على أقرب وجه، والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، الناشئين عن الأدلة والبراهين، وعن العلم واليقين‏.‏

وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة الله تعالى، وعلمه، وحياته، وقيوميته، وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع والحسن، دال على كمال حكمة الله، وحسن خلقه وسعة علمه‏.‏ وما فيها من أنواع المنافع والمصالح ـ كجعل الشمس ضياء، والقمر نورا، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل ـ يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه، وما فيها من التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة‏.‏

وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة إلا إليه، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له، لا لغيره من المخلوقات المربوبات، المفتقرات إلى الله في جميع شئونها‏.‏

وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار، فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك، تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة‏.‏

ففي هاتين الآيتين- كما يقول الآلوسى- تنبيه على الاستدلال على وجوده- تعالى- ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته. بآثار صنيعه في النيرين بعد التنبيه على الاستدلال بما مر، وبيان لبعض أفراد التدبير الذي أشير إليه إشارة إجمالية، وإرشاد إلى أنه- سبحانه- حين دبر أمورهم المتعلقة بمعاشهم هذا التدبير البديع، فلأن يدبر مصالحهم المتعلقة بمعادهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب أولى وأحرى» .

وقوله جَعَلَ يجوز أن يكون بمعنى أنشأ وأبدع، فيكون لفظ ضِياءً حال من المفعول، ويجوز أن يكون بمعنى صير فيكون اللفظ المذكور مفعولا ثانيا.

وقوله ضِياءً جمع ضوء كسوط وسياط، وحوض وحياض، وقيل هو مصدر ضاء يضوء ضياء كقام يقوم قياما، وصام يصوم صياما، وعلى كلا الوجهين فالكلام على حذف مضاف.

والمعنى: الله- تعالى- وحده هو الذي جعل لكم الشمس ذات ضياء، وجعل لكم القمر ذا نور، لكي تنتفعوا بهما في مختلف شئونكم.

قال الجمل: «وخص الشمس بالضياء لأنه أقوى وأكمل من النور، وخص القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء ولأنهما إذا تساويا لم يعرف الليل من النهار، فدل ذلك على أن الضياء المختص بالشمس أكمل وأقوى من النور المختص بالقمر».

هذا دليل. ومما يدل على التفرقة بين الشمس والقمر في نورهما قوله- تعالى-: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً وقوله- سبحانه-: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً.

وقوله: وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ معطوف على ما قبله.

والتقدير: جعل الشيء أو الأشياء على مقادير مخصوصة في الزمان أو المكان أو غيرهما قال- تعالى-: وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ.

المنازل: جمع منزل، وهي أماكن النزول، وهي- كما يقول بعضهم- ثمانية وعشرون منزلا، وتنقسم إلى اثنى عشر برجا وهي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت، لكل برج منها منزلان وثلث منزل، وينزل القمر في كل ليلة منزلا منها إلى انقضاء ثمانية وعشرين.

ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما، ويستتر ليلة واحدة إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما.

والضمير في قوله: قَدَّرْناهُ يعود الى القمر، كما في قوله- تعالى-: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ.

أى: الله- تعالى- هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدر للقمر منازل ينزل فيها في كل ليلة على هيئة خاصة، وطريقة بديعة تدل على قدرة الله وحكمته.

قالوا: وكانت عودة الضمير إلى القمر وحده، لسرعة سيره بالنسبة إلى الشمس: ولأن منازله معلومة محسوسة، ولأنه العمدة في تواريخ العرب، ولأن أحكام الشرع منوطة به في الأغلب .

وجوز بعضهم أن يكون الضمير للشمس والقمر معا، أى: وقدر لهما منازل، أو قدر لسيرهما منازل لا يجاوزانها في السير، ولا يتعدى أحدهما على الآخر كما قال- تعالى-:

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .

وإنما وحد الضمير للإيجاز كما في قوله- تعالى-: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ.

وقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ بيان للحكمة من الخلق والتقدير.

أى: جعل- سبحانه- الشمس ضياء، والقمر نورا، وقدره منازل، لتعلموا عدد السنين التي يفيدكم علمها في مصالحكم الدينية والدنيوية ولتعلموا الحساب بالأوقات من الأشهر والأيام لضبط عباداتكم ومعاملاتكم.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: يخبر الله- تعالى- عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته، وعظيم سلطانه، أنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء، وجعل شعاع القمر نورا، هذا فن وهذا فن آخر، ففاوت بينهما لئلا يشتبها، وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل، وقدر القمر منازل، فأول ما يبدو القمر يكون صغيرا، ثم يتزايد نوره وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى. فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام» .

واسم الإشارة في قوله ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يعود إلى المذكور من جعل الشمس ضياء والقمر نورا وتقديره منازل.

أى: ما خلق الله ذلك الذي ذكره لكم إلا خلقا ملتبسا بالحق، ومقترنا بالحكمة البالغة التي تقتضيها مصالحكم.

وقوله: يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ استئناف مسوق لبيان المنتفعين بهذه الدلائل الدالة على قدرة الله ووحدانيته ورحمته بعباده.

أى: يفصل- سبحانه- ويوضح البراهين الدالة على قدرته لقوم يعلمون الحق، فيستجيبون له، ويكثرون من طاعة الله وشكره على ما خلق وأنعم.

يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وشعاع القمر نورا ، هذا فن وهذا فن آخر ، ففاوت بينهما لئلا يشتبها ، وجعل سلطان الشمس بالنهار ، وسلطان القمر بالليل ، وقدر القمر منازل ، فأول ما يبدو صغيرا ، ثم يتزايد نوره وجرمه ، حتى يستوسق ويكمل إبداره ، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حاله الأول في تمام شهر ، كما قال تعالى : ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 39 ، 40 ] . وقال : ( والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ الأنعام : 96 ] .

وقال في هذه الآية الكريمة : ( وقدره ) أي : القمر ( وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) فبالشمس تعرف الأيام ، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام .

( ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) أي : لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في ذلك ، وحجة بالغة ، كما قال تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) . وقال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) [ المؤمنون : 115 ، 116 ] .

وقوله : ( نفصل الآيات ) أي : نبين الحجج والأدلة ( لقوم يعلمون )

القول في تأويل قوله تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ، (هو الذي جعل الشمس ضياء)، بالنهار ، (والقمر نورًا) بالليل. ومعنى ذلك: هو الذي أضاء الشمسَ وأنار القمر ، (وقدّره منازل) ، يقول: قضاه فسوّاه منازلَ ، لا يجاوزها ولا يقصر دُونها ، على حالٍ واحدةٍ أبدًا. (30)

* * *

وقال: (وقدّره منازل) ، فوحّده، وقد ذكر " الشمس " و " القمر " ، فإن في ذلك وجهين:

أحدهما : أن تكون " الهاء " في قوله: (وقدره) للقمر خاصة، لأن بالأهلة يُعرف انقضاءُ الشهور والسنين ، لا بالشمس.

والآخر: أن يكون اكتفي بذكر أحدهما عن الآخر، كما قال في موضع آخر: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ، [سورة التوبة: 62] ، وكما قال الشاعر: (31)

رَمَـانِي بِـأَمْرٍ كُـنْتُ مِنْـهُ وَوَالِـدِي

بَرِيًّـا, وَمِـنْ جُـولِ الطَّـوِيِّ رَمَانِي (32)

* * *

وقوله: (لتعلموا عدد السنين والحساب)، يقول: وقدّر ذلك منازل ، (لتعلموا) ، أنتم أيها الناس ، ( عدد السنين)، دخول ما يدخل منها، أو انقضاءَ ما يستقبل منها ، وحسابها ، يقول: وحساب أوقات السنين ، وعدد أيامها، وحساب ساعات أيامها ، (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ)، يقول جل ثناؤه: لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحق. يقول الحق تعالى ذكره: خلقت ذلك كله بحقٍّ وحدي، بغير عون ولا شريك ، (يفصل الآيات) يقول: يبين الحجج والأدلة (33) ، (لقوم يعلمون) ، إذا تدبروها، حقيقةَ وحدانية الله وصحةَ ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، من خلع الأنداد ، والبراءة من الأوثان.

---------------------

الهوامش :

(30) انظر تفسير " التقدير " فيما سلف 11 : 560 .

(31) هو ابن أحمر ، أو : الأزرق بن طرفة بن العمرد الفراصي .

(32) معاني القرآن للفراء 1 : 458 ، اللسان ( جول ) ، وغيرهما . وكانت بينه وبين رجل حكومة في بئر ، فقال خصمه : " إنه لص ابن لص " ، فقال هذا الشعر ، وبعده :

دَعَـانِي لِصًّـا فِي لُصُوصٍ , ومَا دَعَا

بِهَـا وَالِـدِي فِيمَـا مَضَـى رَجُـلاَن

ورواية البيت على الصواب : " ومن أجل الطوى " ، و " الطوى " : البئر . و " الجول " و " الجال " ناحية من نواحي البئر إلى أعلاها من أسفلها .

(33) انظر تفسير " التفصيل " فيما سلف : 14 : 152 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

، وتفسير "الآية " فيما سلف من فهارس اللغة (أيي)

التدبر :

لمسة
[5] ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ ما الفرق بين النور والضوء؟ الجواب: النور عادة لا يكون فيه حرارة، كإضاءة القمر فقال: (وَالْقَمَرَ نُورًا)، أما الضوء ففيه حرارة ومرتبط بالنار: (الشَّمْسَ ضِيَاءً)، النار المضيئة إذا خفتت وخمدت يبقى الجمر ويُرى وتصل حرارته من مسافات بعيدة.
وقفة
[5] ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ لما كانت الشمس أعظم حجمًا خصت بالضياء؛ لأن له سطوعًا ولمعانًا وهو أعظم من النور، ومن ضخامة حجم الشمس أنها يمكن أن تحوي داخلها مليونًا وثلاثمائة ألف كرة أرضية.
وقفة
[5] ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ برغم كثرة من ادعى الربوبية أو ادُّعيت له لم يجرؤ أحد على ادعاء خلق هذين النيِّرين وتسييرهما.
وقفة
[5] ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ تقدير الله عز وجل لحركة الشمس ولمنازل القمر يساعد على ضبط التاريخ والأيام والسنين.
وقفة
[5] ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ امتن الله على عباده بأن أعلمهم علم السنين والحساب، فهل أدركت بهذا العلم معنى مضي سني عمرك، وأنك إنما أنت أيام، وما هي إلا لك أو عليك.
عمل
[5] تعرف على بعض علوم الفلك؛ ففيها زيادة إيمان ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّـهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.
وقفة
[5] ﴿جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ لاحظ دقة التعبير القرآني فالضوء أقوى من النور، والضوء يأتي من إشعاع ذاتي، فالشمس ذاتية الإضاءة فإذا استقبل القمر ضوءها عكس النور.
وقفة
[5] ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ أصل في علم المواقيت والحساب ومنازل القمر والتاريخ.
وقفة
[5] ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ كل المواعيد والمواقيت ومصالح العباد الحياتية والعبادية تنضبط بالشمس والقمر عبر آلاف السنين، هل هذه مصادفة عابرة؟! كلا بل هو قدرة قاهرة وآية باهرة.
لمسة
[5] ﴿يُفَصلُ الآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ﴾ خصَّ التفصيل بالعلماء، مع أنه تعالى فصَّل الآيات للجهلاء أيضًا؛ لأنَّ انتفاعهم بالتفصيل أكثر.
وقفة
[5، 6] في هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار؛ فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة.

الإعراب :

  • ﴿ هو الذي جعل:
  • هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر \"هو\" جعل: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو وجملة \"جعل\" صلة الموصول.
  • ﴿ الشمس ضياء والقمر نوراً:
  • الشمس: مفعول به منصوب بالفتحة ضياء: مفعول به ثانٍ منصوب بالفتحة أي جعلها ذات ضياء. والقمر نوراً: معطوفة بالواو على \"الشمس ضياء\" وتعرب إعرابها أي جعله ذا نور.
  • ﴿ وقدّره منازل:
  • الواو عاطفة. قدّره: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به وقد تعدى الفعل إلى مفعوله بعد حذف اللام لأن أصله: قدر له و \"منازل\" حال منصوب بالفتحة أي ذا منازل ويجوز أن يكون تمييزا ولم ينون لأنه اسم ممنوع من الصرف على وزن \"مفاعل\".
  • ﴿ لتعلموا عدد السنين والحساب:
  • اللام: حرف جر للتعليل. تعلموا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. عدد. مفعول به منصوب بالفتحة. السنين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. والحساب: معطوفة بالواو على \"عدد\" منصوبة مثلها و \"أنْ\" المضمرة وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بقدره وجملة \"تعلموا\" صلة \"أنْ\" المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ ما خلق الله ذلك إلاّ:
  • ما: نافية لا عمل لها. خلق: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. ذلك: إشارة إلى الكائنات العلوية، ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به. اللام للبعد. والكاف: حرف خطاب. إلاّ: أداة حصر لا عمل لها.
  • ﴿ بالحق:
  • جار ومجرور بمعنى \"للحق\" والباء سببية. أو متعلق بحال من \"ذلك\" أي ملتبساً بالحق أو بحال من الفاعل \"الله\" أي ومعه الحق.
  • ﴿ يفصل الآيات لقوم يعلمون:
  • الجملة: في محل نصب حال. يفصل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً. تقديره هو. الآيات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلاً من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. لقوم: جار ومجرور متعلق بيفصل. يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة من محل جر صفة لقوم. '

المتشابهات :

يونس: 5﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ
الإسراء: 12﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أنه هو الذي بدأ الخلق، وأن المرجع إليه يوم القيامة؛ ذكرَ هنا بعض الأدلة على قدرته وعظمتِه واستحقاقه العبادة، وهي أيضًا نعمه على خلقه: 1- خلق الشمس والقمر، قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ضياء:
وقرئ:
ضئاء، بهمزة قبل الألف بدل الياء، وهى قراءة قنبل.
الحساب:
وقرئ:
بفتح الحاء، وهى قراءة ابن مصرف.
يفصل:
قرئ:
1- بالياء، جريا على لفظه، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، وحفص.
2- بالنون، على سبيل الالتفات، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [6] :يونس     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ..

التفسير :

[6] إن في تعاقب الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض من عجائب الخلق وما فيهما من إبداع ونظام، لأدلةً وحججاً واضحة لقوم يخشون عقاب الله وسخطه وعذابه.

تفسير الآيتين 5 و6:ـ

لما قرر ربوبيته وإلهيته، ذكر الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ذلك وعلى كماله، في أسمائه وصفاته، من الشمس والقمر، والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات، وأخبر أنها آيات ‏{‏لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏ و ‏{‏لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏}‏

فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها، وكيفية استنباط الدليل على أقرب وجه، والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، الناشئين عن الأدلة والبراهين، وعن العلم واليقين‏.‏

وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة الله تعالى، وعلمه، وحياته، وقيوميته، وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع والحسن، دال على كمال حكمة الله، وحسن خلقه وسعة علمه‏.‏ وما فيها من أنواع المنافع والمصالح ـ كجعل الشمس ضياء، والقمر نورا، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل ـ يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه، وما فيها من التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة‏.‏

وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة إلا إليه، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له، لا لغيره من المخلوقات المربوبات، المفتقرات إلى الله في جميع شئونها‏.‏

وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار، فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك، تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة‏.‏

ثم بين- سبحانه- لونا آخر من ألوان قدرته ورحمته فقال: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ طولا وقصرا، وحرا وبردا، وتعاقبا دقيقا لا يسبق أحدهما معه الآخر وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من أنواع الانس والجن والحيوان والنبات والنجوم وغير ذلك من المخلوقات التي لا تعد ولا تحصى..

إن في كل ذلك الذي خلقه لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ أى: لدلائل عظيمة كثيرة دالة على قدرة الله ورحمته ووحدانيته، لقوم يتقون الله- تعالى- فيحذرون عقابه، ويرجون رحمته.

وخص- سبحانه- المتقين بالذكر، لأنهم هم المنتفعون بنتائج التدبر في هذه الدلائل.

وبذلك نرى أن القرآن الكريم قد سلك أنجع الوسائل في مخاطبة الفطرة البشرية، حيث لفت الأنظار إلى ما اشتمل عليه هذا الكون من مخلوقات شاهدة محسوسة، تدل على وحدانية الله، وقدرته النافذة، ورحمته السابغة بعباده.

ثم بينت السورة الكريمة ما أعده الله من عذاب للكافرين، وما أعده من ثواب للطائعين، فقال- تعالى-:

وقوله : ( إن في اختلاف الليل والنهار ) أي : تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا ، وإذا ذهب هذا جاء هذا ، لا يتأخر عنه شيئا ، كما قال تعالى : ( يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ) [ الأعراف : 54 ] ، وقال : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ) [ يس : 40 ] ، وقال تعالى : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ الأنعام : 96 ] .

وقوله : ( وما خلق الله في السماوات والأرض ) أي : من الآيات الدالة على عظمته تعالى ، كما قال : ( وكأين من آية في السماوات والأرض [ يمرون عليها وهم عنها معرضون ] ) [ يوسف : 105 ] ، [ وقال ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ] وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) [ يونس : 101 ] . وقال : ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) [ سبأ : 9 ] . وقال : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) [ آل عمران : 190 ] . أي : العقول ، وقال هاهنا : ( لآيات لقوم يتقون ) أي : عقاب الله ، وسخطه ، وعذابه .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، منبِّهًا عبادَه على موضع الدّلالة على ربوبيته ، وأنه خالق كلِّ ما دونه: إن في اعتقاب الليل النهارَ ، واعتقاب النهار الليلَ، . إذا ذهب هذا جاء هذا ، وإذا جاء هذا ذهب هذا، (34) وفيما خلق الله في السماوات من الشمس والقمر والنجوم ، وفي الأرض من عجائب الخلق الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء ، (لآيات)، يقول : لأدلة وحججًا وأعلامًا واضحةً ، (لقوم يتقون) الله، فيخافون وعيده ويخشون عقابه على إخلاص العبادة لربهم.

فإن قال قائل: أوَ لا دلالة فيما خلق الله في السماوات والأرض على صانعه ، إلا لمن اتقى الله؟

قيل: في ذلك الدلالة الواضحةُ على صانعه لكل من صحَّت فطرته، وبرئ من العاهات قلبه. ولم يقصد بذلك الخبرَ عن أن فيه الدلالة لمن كان قد أشعرَ نفسه تقوى الله وإنما معناه: إن في ذلك لآيات لمن اتَّقى عقاب الله ، فلم يحمله هواه على خلاف ما وضحَ له من الحق، لأن ذلك يدلُّ كل ذي فطرة صحيحة على أن له مدبِّرًا يستحقّ عليه الإذعان له بالعبودة ، دون ما سواه من الآلهة والأنداد.

------------------------

الهوامش:

(34) وتفسير " اختلاف الليل والنهار " فيما سلف 3 : 272 ، 273 .

التدبر :

وقفة
[6] ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ ما دلالة اختلاف الليل والنهار؟ الجواب: دليل على وجود الإله، فحدوث الليل والنهار من أثر حركات الأجرام السماوية، ولا بد لها من محرك، كذلك هي دليل على التوحيد، فلو أن إله الليل كان غير إله النهار لاختلفا واضطرب الكون، فانتظام الكون دليل على وحدانية الله، وهي أيضًا دليل الرحمة فاعتدال الكون من أثر تعاقب الليل والنهار، إذ لو دام الليل لتجمد العالم من البرودة، ودوام النهار يجعل الحرارة لا تطاق.
وقفة
[6] ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ في جميع القرآن تتقدم (السماوات) على (الأرض) إلا في خمسة مواطن، فحيث تقدمت الأرض فالسياق في شأن أهل الأرض، كقوله: ﴿وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [ابراهيم: 38]، وتتقدم السموات في الحديث عن الخلق والملك والساعة والرزق.
لمسة
[6] ﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ وخصَّهم -سبحانه- بالذكر؛ لأن التقوى هي الداعية للنظر والتدبر.

الإعراب :

  • ﴿ إنّ في اختلاف الليل والنهار:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في اختلاف: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم لإنّ. الليل: مضاف إليه مجرور بالكسرة. والنهار: معطوفة بالواو على \"الليل\" مجرورة مثلها بالكسرة.
  • ﴿ وما خلق الله:
  • الواو عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر أي وفيما. خلق: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة \"خلق الله\" صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ في السماوات والأرض لآيات:
  • جار ومجرور متعلق بخلق. والأرض: معطوفة بالواو على \"السماوات\" مجرورة مثلها بالكسرة. لآيات: اللام: لام التوكيد المزحلقة. آيات: اسم \"إنّ\" مؤخر منصوب بالكسرة بدلاً من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ لقوم يتقون:
  • جار ومجرور متعلق بآيات أو بصفة محذوفة منها. يتقون: فعل مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة \"يتقون\" في محل جر صفة - نعت - لقوم. والعائد إلى الموصول \"ما\" ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: وما خلقه. '

المتشابهات :

البقرة: 164﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ
آل عمران: 190﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ
يونس: 6﴿إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
الجاثية: 5﴿وَ اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     2- اختلاف الليل والنهار. 3- خلق السماوات والأرض، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف