480303132333435363738

الإحصائيات

سورة فصلت
ترتيب المصحف41ترتيب النزول61
التصنيفمكيّةعدد الصفحات6.00
عدد الآيات54عدد الأجزاء0.33
عدد الأحزاب0.65عدد الأرباع2.60
ترتيب الطول36تبدأ في الجزء24
تنتهي في الجزء25عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 22/29الحواميم: 2/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (30) الى الآية رقم (32) عدد الآيات (3)

لمَّا ذكَرَ اللهُ أنَّه هَيَّأَ للكفارِ قُرنَاءَ السُّوءِ، بَيَّنَ هنا أنَّ الملائكةَ تَدْنو مِن أوليائِه تثبِّتُهم، ثُمَّ بشَّرَهم بالجَنَّةِ واستمرارِ الولايةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (33) الى الآية رقم (36) عدد الآيات (4)

بعدَ ذِكرِ قُرنَاءِ السُّوءِ ودعوتِهم للمعاصي ناسبَهُ ذِكرُ أضدادِهم الذينَ يدعُونَ إلى اللهِ، وبيانُ آدابِهم وأوصافِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (37) الى الآية رقم (38) عدد الآيات (2)

بعدَ بيانِ فضلِ الدَّعوةِ إلى اللهِ، ذَكَرَ اللهُ هنا الدلائلَ الدالةَ على وجودِه ووحدانيتِه وقدرتِه كمادةٍ للدعوةِ إلى اللهِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة فصلت

حسن الاستقبال لأوامر الله/ التفصيل في بيان عظمة الله مُنزل الآيات القرآنية وخالق الآيات الكونية

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بداية ونهاية السورة::   فرسالة السورة: أنتم يا أمة محمد ﷺ مسؤولون عن حمل أمانة القرآن الكريم للعالمين، فعليكم واجب توضيح الرسالة وتفصيلها وتيسيرها للناس، وخذوا العبرة من تاريخ بني إسرائيل.
  • • حسن استقبال الوحي وسوء الاستقبال::   • تبدأ السورة بتنزيل الكتاب، وأنَّه فُصِّلَ من الله للعباد: ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (1-3). • وأن آيات الله المنزلة في القرآن شاهدة بصدقه، شأنها شأن الآيات الكونية المبثوثة في السماء والأرض: ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ فِي ... وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ... وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ... وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ...﴾ (9-12). • والآيات التاريخية الشاهدة على مصارع المكذبين وعرض لمصيرهم المخزي في الآخرة: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ...﴾ (13-24). • ثم ذم الذين يصدون الناس عن سماع القرآن: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ...﴾ (26). • ثم تنزيه القرآن عن الطعن فيه: ﴿... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (41-42). • وختمت بذكر من أعرض عن الكتاب المفصَّل: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ (52).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «فُصلت».
  • • معنى الاسم ::   فُصلت: بمعنى بينّت، وآيات مفصلات: أي مبينات.
  • • سبب التسمية ::   لوقوع كلمة (فصلت) في أول السورة الآية (3)‏‏.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة السجدة»، و«سورة حم السجدة»؛ لأنها تميزت عن الحواميم الأخرى بأن فيها سجدة في الآية (37)، و«سجدة المؤمن»؛ لأنها السجدة التي جاءت بعد سورة المؤمن (غافر)، وسورة «المصابيح»، وسورة «الأقوات».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   حسن الاستقبال لأوامر الله.
  • • علمتني السورة ::   أهمية تعلّم اللغة العربية لكل مسلم يريد أن يفهم كلام الله: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
  • • علمتني السورة ::   التفكر في عظمة الله؛ فقد خلق الأرض في يومين: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
  • • علمتني السورة ::   : قابل السيئة بالحسنة، وأحسن إلى من أساء إليك: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة فصلت) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة فصلت من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة فصلت) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة فصلت هي السورة الثانية من الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • احتوت السورة على السجدة الـ 12من سجدات التلاوة -بحسب ترتيب المصحف- في الآية (38).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نحمل أمانة القرآن الكريم للعالمين، فنقوم بتوضيح الرسالة وتفصيلها وتيسيرها للناس.
    • احذر الإعراض والتولي عن طاعة الله؛ فذلك سبب نزول العذاب: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ (13).
    • أن نستعذ باللهِ من الغرورِ والكِبرِ: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا﴾ (15).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (19).
    • أن نحسِن الظنَّ باللهِ مخالفةً لظنِّ المشركين به: ﴿وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ﴾ (23).
    • أن نحدد من يزين لنا فعل السوء، ونحذر من مجالسته: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ (25).
    • أن نجمع بين حسن القول وصالح العمل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (33).
    • أن نحذر أن يزين لنا الشيطان أعمالنا: ﴿وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ (37).
    • أن نسجد للتلاوة عند قراءة هذه الآية: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ (38).
    • أن نعطي القرآن أعز أوقاتنا؛ لأنه عزيز يُعرض عمن أعرض عنه، ولا يُقبل إلا على من أقبل عليه: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ (41).

تمرين حفظ الصفحة : 480

480

مدارسة الآية : [30] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ..

التفسير :

[30] إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له، ثم استقاموا على شريعته، تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم:لا تخافوا من الموت وما بعده، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها.

يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم، فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي:اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

{ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} الكرام، أي:يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار.{ أَلَّا تَخَافُوا} على ما يستقبل من أمركم،{ وَلَا تَحْزَنُوا} على ما مضى، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل،{ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولاً.

والمعنى: إن الذين قالوا بكل صدق وإخلاص ربنا الله- تعالى- وحده، لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته.

ثُمَّ اسْتَقامُوا أى: ثم ثبتوا على هذا القول، وعملوا بما يقتضيه هذا القول من طاعة الله- تعالى- في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، ومن اقتداء برسوله صلّى الله عليه وسلم في كل أحواله.

قال صاحب الكشاف: وثُمَّ لتراخى الاستقامة عن الإقرار في المرتبة وفضلها عليه.

لأن الاستقامة لها الشأن كله. ونحوه قوله- تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا والمعنى: ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته .

ولقد بين لنا النبي صلّى الله عليه وسلم أن الاستقامة على أمر الله جماع الخيرات، ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله «قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك» . قال: «قل آمنت بالله ثم استقم ... » .

وقوله- تعالى-: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا بيان للآثار الطيبة التي تترتب على هذا القول المؤيد بالثبات على طاعة الله- تعالى-:

وتنزل الملائكة عليهم بهذه البشارات يشمل ما يكون في حياتهم عن طريق إلهامهم بما يشرح صدورهم، ويطمئن نفوسهم، كما يشمل تبشيرهم بما يسرهم عند موتهم وعند بعثهم.

قال الآلوسى: قوله- تعالى-: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ قال مجاهد: عند موتهم.

وعن زيد بن أسلم: عند الموت، وعند القبر، وعند البعث، وقيل: معنى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم، ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام كما أن الكفرة يغريهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح.

والخوف: غم يلحق النفس لتوقع مكروه في المستقبل.

والحزن: غم يلحقها لفوات نفع في الماضي.

أى: إن الذين قالوا ربنا الله باعتقاد جازم، ثم استقاموا على طاعته في جميع الأحوال، تتنزل عليهم من ربهم الملائكة، لتقول لهم في ساعة احتضارهم وعند مفارقتهم الدنيا، وفي كل حال من أحوالهم: لا تخافوا- أيها المؤمنون الصادقون- مما أنتم قادمون عليه في المستقبل، ولا تحزنوا على ما فارقتموه من أموال أو أولاد.

وَأَبْشِرُوا عما قريب، بالجنة التي كنتم توعدون بها في الدنيا.

قول تعالى : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) أي : أخلصوا العمل لله ، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم .

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا الجراح ، حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري ، حدثنا سهيل بن أبي حزم ، حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها .

وكذا رواه النسائي في تفسيره ، والبزار وابن جرير ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن سلم بن قتيبة ، به . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الفلاس ، به . ثم قال ابن جرير :

حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن نمران قال : قرأت عند أبي بكر الصديق هذه الآية : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .

ثم روي من حديث الأسود بن هلال قال : قال أبو بكر ، رضي الله عنه : ما تقولون في هذه الآية : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ؟ قال : فقالوا : ( ربنا الله ثم استقاموا ) من ذنب . فقال : لقد حملتموها على غير المحمل ، ( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) فلم يلتفتوا إلى إله غيره .

وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وغير واحد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني ، أخبرنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : سئل ابن عباس ، رضي الله عنهما : أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) على شهادة أن لا إله إلا الله .

وقال الزهري : تلا عمر هذه الآية على المنبر ، ثم قال : استقاموا - والله - لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) على أداء فرائضه . وكذا قال قتادة ، قال : وكان الحسن يقول : اللهم أنت ربنا ، فارزقنا الاستقامة .

وقال أبو العالية : ( ثم استقاموا ) أخلصوا له العمل والدين .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن سفيان الثقفي ، عن أبيه ; أن رجلا قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " قلت : فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه .

ورواه النسائي من حديث شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به .

ثم قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، حدثني ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به . قال : " قل ربي الله ، ثم استقم " قلت : يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرف لسان نفسه ، ثم قال : " هذا " .

وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " وذكر تمام الحديث .

وقوله : ( تتنزل عليهم الملائكة ) قال مجاهد ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وابنه : يعني عند الموت قائلين : ( ألا تخافوا ) قال مجاهد ، وعكرمة ، وزيد بن أسلم : أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، ( ولا تحزنوا ) [ أي ] على ما خلفتموه من أمر الدنيا ، من ولد وأهل ، ومال أو دين ، فإنا نخلفكم فيه ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير .

وهذا كما في حديث البراء ، رضي الله عنه : " إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان " .

وقيل : إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم . حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، والسدي .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا قرأ سورة " حم السجدة " حتى بلغ : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ) فوقف فقال : بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان له : لا تخف ولا تحزن ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) قال : فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين ؛ لما هداه الله ، ولما كان يعمل له في الدنيا .

وقال زيد بن أسلم : يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث . رواه ابن أبي حاتم .

وهذا القول يجمع الأقوال كلها ، وهو حسن جدا ، وهو الواقع .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)

يقول تعالى ذكره: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) وحده لا شريك له, وبرئوا من الآلهة والأنداد,( ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) على توحيد الله, ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به, وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسوله الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقاله أهل التأويل على اختلاف منهم, في معنى قوله: ( ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) ذُكر الخبر بذلك عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثنا عمرو بن عليّ, قال: ثنا سالم بن قتيبة أبو قتيبة, قال: ثنا سهيل بن أبي حزم القطعي, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قرأ: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: " قد قالها الناس, ثم كفر أكثرهم, فمن مات عليها فهو ممن استقام ".

وقال بعضهم: معناه: ولم يشركوا به شيئا. ولكن تموا على التوحيد.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار. قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد, عن سعيد بن عمران, قال: قد قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئا.

حدثنا ابن وكيع. قال: ثنا أبي, عن سفيان بإسناده, عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه, مثله.

قال ثنا جرير بن عبد الحميد. وعبد الله بن إدريس عن الشيباني, عن أبي بكر بن أبي موسى, عن الأسود بن هلال, عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: قالوا: ربنا الله ثم عملوا بها, قال: لقد حملتموها على غير المحمل ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) الذين لم يعدلوها بشرك ولا غيره.

حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا ثنا إدريس, قال: أخبرنا الشيباني, عن أبي بكر بن أبي موسى, عن الأسود بن هلال المحاربي, قال: قال أبو بكر: ما تقولون في هذه الآية: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: ربنا الله ثم استقاموا من ذنب, قال: فقال أبو بكر: لقد حملتم على غير المحمل, قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن ليث, عن مجاهد ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: أي على: لا إله إلا الله.

قال: ثنا حكام عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: أسلموا ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به.

قال: ثنا حكام عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد, قوله ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: أسلموا ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به.

قال: ثنا حكام, قال: ثنا عمرو, عن منصور, عن جامع بن شداد, عن الأسود بن هلال مثل ذلك.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: تموا على ذلك.

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا حفص بن عمر, قال: ثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله.

وقال آخرون: معنى ذلك: ثم استقاموا على طاعته.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن منيع, قال: ثنا عبد الله بن المبارك, قال: ثنا يونس بن يزيد عن الزهري, قال: تلا عمر رضي الله عنه على المنبر: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: استقاموا والله بطاعته, ولم يروغوا روغان الثعلب.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال استقاموا على طاعة الله. وكان الحسن إذا تلاها قال: اللهمَّ فأنت ربنا فارزقنا الاستقامة.

حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) يقول: على أداء فرائضه.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: على عبادة الله وعلى طاعته.

وقوله: ( تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) يقول: تتهبط عليهم الملائكة عند نـزول الموت بهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزّة, عن مجاهد, في قوله: ( تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) قال: عند الموت.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) قال: عند الموت.

وقوله: ( أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) يقول: تتنـزل عليهم الملائكة بأن لا تخافوا ولا تحزنوا; فإن في موضع نصب إذا كان ذلك معناه.

وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك " تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا " بمعنى: تتنـزل عليهم قائلة: لا تخافوا, ولا تحزنوا. وعنى بقوله: ( أَلا تَخَافُوا ) ما تقدمون عليه من بعد مماتكم ( وَلا تَحْزَنُوا ) على ما تخلفونه وراءكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) قال لا تخافوا ما أمامكم, ولا تحزنوا على ما بعدكم.

حدثني يونس, قال: أخبرنا يحيى بن حسان, عن مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) قال: لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخرة, ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد, فإنا نخلفكم في ذلك كله.

وقيل: إن ذلك في الآخرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( تَتَنـزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّة ) فذلك في الآخرة.

وقوله: ( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) يقول: وسروا بأن لكم في الآخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله, واستقامتكم على طاعته.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) في الدنيا.

التدبر :

وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قال أبو بكر t: «﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾: لم يشركوا بالله شيئًا»، وقال عمر بن الخطاب t: «الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب»، وقال عثمان بن عفان t: «أخلصوا العمل لله»، وقال علي t: «أدوا الفرائض».
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قال وكيع بن الجراح: «البشرى تكون في ثلاث مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث».
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قال ابن رجب: «الذين قالوا ربنا الله كثير، ولكن أهل الاستقامة قليل».
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قال الزهري: تلا عمر هذه الآية على المنبر، ثم قال: «استقاموا -واللهِ- للهِ بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب».
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق، وذلك أن المشركين قالوا: «ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله»، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: «ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد عبده ورسوله، فاستقام».
وقفة
[30] كان الحسن إذا قَرَأ هذه الآية: ﴿إن الذين قالوا ربُّنا اللهُ ثم استقاموا﴾ قال: «اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة».
وقفة
[30] منزلة الاستقامة عند الله عظيمة ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ متى هذا التنزل؟! قال الزهري وقتادة: «هي نزول الملائكة بالبشارة من الله تعالى عند الموت».
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ مجرَّد أن تستقيم على أمر الله تستحق أن يكون الله ولـيَّـك!
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ ساعة الاحتضار يتنازع الميت نازعان: الخوف مما أمامه, والحزن على ما وراءه, فثبت الله المؤمن بقوله: ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾، فيموت الموت هادئًا مطمئنًّا ثابتًا محبًّا للقاء ربه سبحانه.
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ ليس قولًا باللسان فقط، إنما فعلًا أيضًا، تأمل: ﴿ثُمَّ استَقاموا﴾.
وقفة
[30] ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا﴾ الاستقامة سبب للأمن.
تفاعل
[30] ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[30] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ اللهم ثبتنا على الإيمان.
وقفة
[30] من كان مشغولًا بالله وبذكره ومحبته في حال حياته، وجد ذلك أحوج ما هو إليه عند خروج روحه إلى الله ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
وقفة
[30] وأيضًا نزول الملائكة بالبشارة للعبد عند سكرات الموت ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
لمسة
[30] ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ﴾ الكلمة (تَتَنَزَّلُ) توحى بملازمة الملائكة لهم فى الدنيا وحال الموت وبكثرتهم ونزولهم على دفعات مستمرة غير منقطعة، فمن يخاف ويحزن بعد ذلك؟!
وقفة
[30] يخلط كثيرون بين الحذر وبين الخوف، والمتدبر للقرآن يجد أن الحذر جاء بصيغة الأمر: ﴿فَاحْذَرُوا﴾، وأن الخوف جاء بصيغة النهي: ﴿أَلَّا تَخَافُوا﴾، والفرق بينهما أن الحذر يكون مع العمل والإقدام، والخوف يولد القعود والإحجام، فجاء الأمر في الأول، والنهي عن الثاني فتأمل.
وقفة
[30] ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ لا يخافون من ما يتستقبلونه من أمر الآخرة ولا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
وقفة
[30] ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ قال مجاهد: «لا تخافوا على ما تُقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله».
عمل
[30] ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ: «لم يأت الحزن في القرآن ﺇﻻ ﻣﻨﻬﻴًﺎ ﻋﻨﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻓﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺃﺣﺐ ﺷﻲﺀ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ، وقد ﺍﺳﺘﻌﺎﺫ ﻣﻨﻪ ﺭﺳﻮﻟﻨﺎ ﻓﺄﺣﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ».
وقفة
[30] ﴿ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشـروا بالجـنة﴾ القائل: الملائكة، والمتلقي: المؤمن المستقيم، والزمن: عند الإحتضار ساعة الموت.
عمل
[30] القرآن مليء بما يبعث على التفاؤل: ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾، ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ [آل عمران: 139]، ﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ [الزمر: 53]، ﴿وَلَا تَيْأَسُوا﴾ [يوسف: 87]، فتفاءلوا يا أهل القرآن.
وقفة
[30] من النداءات القرآنية: ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾، ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ [آل عمران: 139]، ﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ [الزمر: 53]، ﴿وَلَا تَيْأَسُوا﴾ [يوسف: 87]؛ القرآن يدعوك للرضا والتفاؤل، ويبعث فيك الأمل دائمًا.
تفاعل
[30] ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ﴾ استبشر الآن.
وقفة
[30] ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ الجنة التي كنت توعد كنت تقرأ وصفها في القرآن، كنت تسألها الله في السجود، كنت تشتاق إليها، هي لك الآن!
وقفة
[30] المؤمن يعرف مصيره في الآخرة عند خروج روحه من جسده ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
وقفة
[30، 31] المصلح ييسر الله له أولياء الخير من الإنس والملائكة، يعينونه ويحببونه في جميع الخيرات، ويبعدونه ويكرهونه في جميع المضرات، والله يتولى الصالحين ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة﴾، ثم قال تعالى: ﴿نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا والآخرة﴾.
وقفة
[30، 31] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ إنها آية من الروعة بمكان! فهي تصل -في إحساس المؤمن- الدنيا بالآخرة: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾، وتملؤه سكينة وسلامًا، فإنما قبضة الأرواح بالنسبة للمؤمن المستقيم رسل سلام من السلام! ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [النحل: 32].
وقفة
[30، 31] ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ... نحن أولياؤكم﴾ مجرَّد أن تستقيم على أمر الله؛ تستحق أن يكون الله ولـيَّك.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن» والجملة بعده: صلته لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ رَبُّنَا اللهُ:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب مفعول به-مقول القول-رب:مبتدأ مرفوع بالضمة. و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالإضافة. الله: خبر المبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة أو خبر المبتدأ محذوف تقديره: هو. وجملة «هو الله» في محل رفع خبر «ربنا».
  • ﴿ ثُمَّ اسْتَقامُوا:
  • ثم: حرف عطف يفيد التراخي أي تراخي الاستقامة عن الإقرار. استقاموا معطوفة على «قالوا» وتعرب إعرابها. بمعنى ثم ثبتوا على إقرارهم ومقتضياته.
  • ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «إنّ».تتنزل:فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. على: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بتتنزل. الملائكة: فاعل مرفوع بالضمة. بمعنى: تتنزل عليهم الملائكة عند الموت بالبشرى.
  • ﴿ أَلاّ تَخافُوا:
  • أصلها: أن: بمعنى «أي» وهي حرف تفسير لا عمل له.و«لا» ناهية جازمة. تخافوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «لا تخافوا» تفسيرية لا محل لها من الإعراب. أو تكون «أن» مخففة من الثقيلة وهي حرف مشبه بالفعل واسمه ضمير شأن مستتر تقديره: أنه. وأصله:بأنه. فتكون الجملة الفعلية «لا تخافوا» في محل رفع خبر «أن» المخففة. وأن مع اسمها وخبرها في محل نصب بنزع الخافض.
  • ﴿ وَلا تَحْزَنُوا:
  • معطوفة بالواو على «لا تخافوا» وتعرب إعرابها. و «لا» زائدة للتوكيد.
  • ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ:
  • الواو عاطفة. أبشروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالجنة: جار ومجرور متعلق بأبشروا.
  • ﴿ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة -نعت-للجنة. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. توعدون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «توعدون» في محل نصب خبر «كنتم» وجملة كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. والعائد-الراجع-إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: توعدونها. أو يكون العائد جارا أي توعدون بها.'

المتشابهات :

فصلت: 30﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
الأحقاف: 13﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ، والمَلائِكَةُ بَناتُهُ، وهَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ. فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا. وقالَتِ اليَهُودُ: رَبُّنا اللَّهُ، وعُزَيْرٌ ابْنُهُ، ومُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَبِيٍّ. فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا. وقالَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَبُّنا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ومُحَمَّدٌ ﷺ عَبْدُهُ ورَسُولُهُ. فاسْتَقامَ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعد الحديث عن سوء مصير الكافرين؛ جاء هنا الحديث عن حسن عاقبة المؤمنين، على عادة القرآن في المقارنة بين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..

التفسير :

[31] وتقول لهم الملائكة:نحن أنصاركم في الحياة الدنيا، نسددكم ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، ولكم في الجنة كل ما تشتهيه أنفسكم مما تختارونه، وتَقَرُّ به أعينكم، ومهما طلبتم من شيء وجدتموه بين أيديكم؛

ويقولون لهم أيضا - مثبتين لهم، ومبشرين:{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ويقولون لهم أيضا:{ وَلَكُمْ فِيهَا} أي:في الجنة{ مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} قد أعد وهيئ.{ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} أي:تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات والمشتهيات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ثم يقولون لهم- أيضا- على سبيل الزيادة في المسرة: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ.

أى: نحن نصراؤكم على الخير، وأعوانكم على الطاعة في الحياة الدنيا التي توشكون على مفارقتها، وفي الآخرة التي هي الدار الباقية، سنتلقاكم فيها بالتكريم والترحاب.

وَلَكُمْ فِيها

أى: في الدار الآخرة، ما تشتهي أنفسكم، من أنواع الطيبات التي أعدها لكم خالقكم في جناته.

وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ

أى: ما تتمنوه وتطلبونه، فقوله تَدَّعُونَ

افتعال من الدعاء بمعنى الطلب.

وقوله : ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) أي : تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار : نحن كنا أولياءكم ، أي : قرناءكم في الحياة الدنيا ، نسددكم ونوفقكم ، ونحفظكم بأمر الله ، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور ، وعند النفخة في الصور ، ونؤمنكم يوم البعث والنشور ، ونجاوز بكم الصراط المستقيم ، ونوصلكم إلى جنات النعيم . ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ) أي : في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس ، وتقر به العيون ، ( ولكم فيها ما تدعون ) أي : مهما طلبتم وجدتم ، وحضر بين أيديكم ، [ أي ] كما اخترتم ،

القول في تأويل قوله تعالى : نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ملائكته التي تتنـزل على هؤلاء المؤمنين الذين استقاموا على طاعته عند موتهم: ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ ) أيها القوم ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) كنا نتولاكم فيها; وذكر أنهم الحفظة الذين كانوا يكتبون أعمالهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا, ونحن أولياؤكم في الآخرة.

وقوله: ( وَفِي الآخِرَةِ ) يقول: وفي الآخرة أيضا نحن أولياؤكم, كما كنا لكم في الدنيا أولياء, يقول: ولكم في الآخرة عند الله ما تشتهي أنفسكم من اللّذات والشهوات.

وقوله: ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) يقول: ولكم في الآخرة ما تدّعون.

التدبر :

وقفة
[31] إما أن تكون من المعرضين عن الله فيقيض لك: ﴿وقيضنا لهم قرناء﴾ [25]، وإما أن تستقيم على أمره فيقيض لك ملائكته: ﴿نَحْنُ أولياؤكم﴾.
وقفة
[31] ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ أي: تقول لهم الملائكة الذين تتنزل عليهم بالبشارة: (نحن أولياؤكم)، قال مجاهد: «أي: نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا: لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة».
وقفة
[31] ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ هـنيئًا لمن كان الله وليَّـه!
وقفة
[31] ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ استدعوا الملائكة في الدنيا بصالح أعمالكم، تصحبكم الملائكة في رحلة الآخرة حتى قصور جناتكم، قال مجاهد: «أي نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا: لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة».
وقفة
[31] ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ ما وظائف الملائكة مع المؤمنين؟! قال ابن كثير: «تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنا أولياءكم، أي: قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونوفقكم، ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم».
وقفة
[31] كرامة الله لعباده المؤمنين وتولِّيه شؤونهم وشؤون مَن خلفهم ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾.
وقفة
[31] ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ﴾ منعتم أنفسكم من شهوات الدنيا المحرمة قليلًا، فتمتعتم بأضعاف أضعافها طويلًا.
وقفة
[31] أهل النار أطلقوا العنان لشهواتهم فكان مصيرهم: ﴿وحيل بينهم وبين ما يشتهون﴾ [سبأ: 54]، وأهل الجنة ألجموا شهواتهم فكانت الجائزة: ﴿ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم﴾.
تفاعل
[31] ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ سَل الله الجنة الآن.
وقفة
[31] للمؤمن في الجنة كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾.
وقفة
[31] قال الرازي: «الأقرب عندي أن قوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ﴾ إشارة إلى الجنة الجسمانية، وقوله:﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ إشارة إلى الجنة الروحانية».

الإعراب :

  • ﴿ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ:
  • ضمير رفع منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ.أولياء: خبر «نحن» مرفوع بالضمة. والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالإضافة. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:
  • جار ومجرور متعلق بصفة الأولياء. الدنيا: صفة- نعت-للحياة مجرورة وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها أي وفي الحياة الآخرة. وحذف الموصوف المجرور «الحياة» لأنه معلوم وأقيمت الصفة مقامه. ولكم: الواو عاطفة. لكم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. و «فيها» جار ومجرور متعلق بتشتهي.
  • ﴿ تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ:
  • فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. أنفس: فاعل مرفوع بالضمة و «كم» أعربت «في أوليائكم» وجملة تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. والعائد-الراجع- إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به مقدم. التقدير:ما تشتهيه أنفسكم.
  • ﴿ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ:
  • الواو عاطفة. لكم فيها ما: أعربت.تدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تدعون» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. والعائد -الراجع-إلى الموصول ضمير منصوب محذوف المحل لأنه مفعول به.التقدير: ما تدعونه. بمعنى: ما تتمنونه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     وبعد أن نفت الملائكةُ عن المُؤمِنين الخوفَ والحزنَ، وبشروهم بالجنة؛ عَرَّفوهم هنا بأنفسهم حتى يأنسوا بهم، قال تعالى:
﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [32] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ

التفسير :

[32]ضيافة وإنعاماً لكم مِن غفور لذنوبكم، رحيم بكم.

{ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} أي:هذا الثواب الجزيل، والنعيم المقيم، نُزُلٌ وضيافة{ مِنْ غَفُورٍ} غفر لكم السيئات،{ رَحِيمٌ} حيث وفقكم لفعل الحسنات، ثم قبلها منكم. فبمغفرته أزال عنكم المحذور، وبرحمته، أنالكم المطلوب.

قوله- تعالى-: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ حال من قوله: ما تَدَّعُونَ

، وأصل النزل: ما يقدم للضيف عند نزوله على المضيف من مأكل طيب، ومشرب حسن، ومكان فيه راحته.

أى: لكم في الدار الآخرة جميع ما تطلبونه وما تدعونه، حال كون هذا المعطى لكم رزقا وضيافة مهيأة لكم من ربكم الواسع المغفرة والرحمة.

( نزلا من غفور رحيم ) أي : ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم ، رحيم بكم رءوف ، حيث غفر ، وستر ، ورحم ، ولطف .

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث سوق الجنة عند قوله تعالى : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) ، فقال :

حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبي سعيد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب : أنه لقي أبا هريرة [ رضي الله عنه ] فقال أبو هريرة : نسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة . فقال سعيد : أوفيها سوق ؟ قال : نعم ، أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ، نزلوا بفضل أعمالهم ، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في أيام الدنيا فيزورون الله ، عز وجل ، ويبرز لهم عرشه ، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ، وتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس [ فيه ] أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ، ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا .

قال أبو هريرة : قلت : يا رسول الله ، وهل نرى ربنا [ يوم القيامة ] ؟ قال : " نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ " قلنا : لا . قال - صلى الله عليه وسلم - : " فكذلك لا تتمارون في رؤية ربكم تعالى ، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة ، حتى إنه ليقول للرجل منهم : يا فلان بن فلان ، أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ - يذكره ببعض غدراته في الدنيا - فيقول : أي رب ، أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه . قال : فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط " . قال : ثم يقول ربنا - عز وجل - : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ، وخذوا ما اشتهيتم " . قال : " فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة ، فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الآذان ، ولم يخطر على القلوب . قال : فيحمل لنا ما اشتهينا ، ليس يباع فيه شيء ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا " . قال : " فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ; وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها .

ثم ننصرف إلى منازلنا ، فيتلقانا أزواجنا فيقلن : مرحبا وأهلا بحبنا ، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه . فيقول : إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار - عز وجل - وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به " .

وقد رواه الترمذي في " صفة الجنة " من جامعه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن هشام بن عمار ، ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ، به نحوه . ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " . قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت ؟ قال : " ليس ذلك كراهية الموت ، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه " قال : " وإن الفاجر - أو الكافر - إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر - أو : ما يلقى من الشر - فكره لقاء الله فكره الله لقاءه " .

وهذا حديث صحيح ، وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه .

وقوله: ( نـزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) يقول: أعطاكم ذلك ربكم نـزلا لكم من ربّ غفور لذنوبكم, رحيم بكم أن يعاقبكم بعد توبتكم; ونصب نـزلا على المصدر من معنى قوله: ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) لأن في ذلك تأويل أنـزلكم ربكم بما يشتهون من النعيم نـزلا.

التدبر :

وقفة
[32] ﴿نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾ لماذا اقترن المغفرة بالرحمة؟! الجواب: لولا رحمته لما وصلوا إلى مغفرته.
وقفة
[32] ﴿نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾ ما أجملها من ضيافة! إنها من ربٍّ كريم، عظيم في رحمته، واسعٌ في مغفرته، نسأل الله من فضله.
وقفة
[32] وصف الله نعيم أهل الجنة بقوله: ﴿نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾، وختمت الآية بهذين الاسمين: (الغفور الرحيم) للإشارة إلى أن الله غفر لهم أو لأكثرهم اللمم وما تابوا منه، وأنه رحيم بهم لأنهم كانوا يحبونه ويخافونه ويناصرون دينه.

الإعراب :

  • ﴿ نُزُلاً:
  • ال منصوب وعلامة نصبه الفتحة أي مكرمين. أو تكون مفعولا مطلقا-مصدرا-لفعل مضمر تقديره. أنزلوا نزلا. و «النزيل» الضيف.ومعناها ما يهيأ للنزيل.
  • ﴿ مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة لنزلا. رحيم: صفة-نعت- لغفور مجرور مثله وعلامة الجر الكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     ولَمَّا كانَ هَذا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلى ما يُعْطُونَ شَيْئًا يَسِيرًا؛ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (نُـزُلًا)، أيْ هَذا كُلُّهُ يَكُونُ لَكم كَما يُقَدِّمُ إلى الضَّيْفِ عِنْدَ قُدُومِهِ إلى أنْ يَتَهَيَّأ ما يُضافُ بِهِ، قال تعالى:
﴿ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [33] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا ..

التفسير :

[33] لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى توحيد الله وعبادته وحده وعمل صالحاً وقال:إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه. وفي الآية حث على الدعوة إلى الله سبحانه، وبيانُ فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة، وَفْق ما جاء عن رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم

هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي:لا أحد أحسن قولا. أي:كلامًا وطريقة، وحالة{ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها،والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ومن الدعوة إلى الله، تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.

ومن الدعوة إلى الله، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك، الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.

ومن ذلك، الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله، والترهيب من جميع الشر.

ثم قال تعالى:{ وَعَمِلَ صَالِحًا} أي:مع دعوته الخلق إلى الله، بادر هو بنفسه، إلى امتثال أمر الله، بالعمل الصالح، الذي يُرْضِي ربه.{ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي:المنقادين لأمره، السالكين في طريقه، وهذه المرتبة، تمامها للصديقين، الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل، كما أن من أشر الناس، قولاً، من كان من دعاة الضالين السالكين لسبله.

وبين هاتين المرتبتين المتباينتين، اللتين ارتفعت إحداهما إلى أعلى عليين، ونزلت الأخرى، إلى أسفل سافلين، مراتب، لا يعلمها إلا الله، وكلها معمورة بالخلق{ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}

ثم سمت السورة الكريمة بعد ذلك بمنازل الذين يقومون بالدعوة إلى الحق بحكمة وإخلاص فقال- تعالى-: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

أى. لا أحد أحسن قولا، وأعظم منزلة، ممن دعا غيره إلى طاعة الله- تعالى- وإلى المحافظة على أداء ما كلفه به.

ولم يكتف بهذه الدعوة لغيره، بل أتبع ذلك بالعمل الصالح الذي يجعل المدعوين يزدادون استجابة له.

وَقالَ: بعد كل ذلك على سبيل السرور والابتهاج والتحدث بنعمة الله إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

أى: من الذين أسلموا وجوههم لله- تعالى- وأخلصوا له القول والعمل.

قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية، أى: وهو في نفسه مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه لازم ومتعد، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه.. وهذه الآية عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد.

وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء ...والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم»

يقول تعالى : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) أي : دعا عباد الله إليه ، ( وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) أي : وهو في نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، وينهون عن المنكر ويأتونه ، بل يأتمر بالخير ويترك الشر ، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى . وهذه عامة في كل من دعا إلى خير ، وهو في نفسه مهتد ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بذلك ، كما قال محمد بن سيرين ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقيل : المراد بها المؤذنون الصلحاء ، كما ثبت في صحيح مسلم : " المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة " وفي السنن مرفوعا : " الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذنين " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن عروبة الهروي ، حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مطر ، عن الحسن ، عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : " سهام المؤذنين عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين ، وهو بين الأذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله في دمه " .

قال : وقال ابن مسعود : " لو كنت مؤذنا ما باليت ألا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد " .

قال : وقال عمر بن الخطاب : لو كنت مؤذنا لكمل أمري ، وما باليت ألا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم اغفر للمؤذنين " ثلاثا ، قال : فقلت : يا رسول الله ، تركتنا ، ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف . قال : " كلا يا عمر ، إنه يأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم ، وتلك لحوم حرمها الله على النار ، لحوم المؤذنين " .

قال : وقالت عائشة : ولهم هذه الآية : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قالت : فهو المؤذن إذا قال : " حي على الصلاة " فقد دعا إلى الله .

وهكذا قال ابن عمر ، وعكرمة : إنها نزلت في المؤذنين .

وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أنه قال في قوله : ( وعمل صالحا ) قال : يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة .

ثم أورد البغوي حديث " عبد الله بن المغفل " قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بين كل أذانين صلاة " . ثم قال في الثالثة : " لمن شاء " وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من حديث عبد الله بن بريدة ، عنه وحديث الثوري ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال الثوري : لا أراه إلا وقد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " .

ورواه أبو داود والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " كلهم من حديث الثوري ، به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أنس ، به .

والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية ; لأنها مكية ، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة ، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه ، فقصه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا ، كما هو مقرر في موضعه ، فالصحيح إذا أنها عامة ، كما قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن البصري : أنه تلا هذه الآية : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) فقال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين ، هذا خليفة الله .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)

يقول تعالى ذكره: ومن أحسن أيها الناس قولا ممن قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به, والانتهاء إلى أمره ونهيه, ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال: تلا الحسن: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) قال: هذا حبيب الله, هذا وليّ الله, هذا صفوة الله, هذا خيرة الله, هذا أحبّ الخلق إلى الله, أجاب الله في دعوته, ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته, وعمل صالحا في إجابته, وقال: إنني من المسلمين, فهذا خليفة الله.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ )... الآية, قال: هذا عبد صدّق قولَه عملُه, ومولَجه مخرجُه, وسرَّه علانيته, وشاهده مغيبه, وإن المنافق عبد خالف قوله عمله, ومولجه مخرجه, وسرَّه علانيته, وشاهده مغيبه.

واختلف أهل العلم في الذي أريد بهذه الصفة من الناس, فقال بعضهم: عني بها نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) قال: محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين دعا إلى الإسلام.

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) قال: هذا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقال آخرون: عُني به المؤذّن.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب البصري, قال: ثنا عمرو بن جرير البجلي, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم, في قول الله: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) قال: المؤذن ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) قال: الصلاة ما بين الأذان إلى الإقامة.

وقوله: ( وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يقول: وقال: إنني ممن خضع لله بالطاعة, وذل له بالعبودة, وخشع له بالإيمان بوحدانيته.

التدبر :

عمل
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ هناك من يغرد (تهريجًا)، وهناك من يغرد (خصامًا)، وهناك من يغرد (سذاجةً)، دع هؤلاء وادع إلى ربك، فأنت أحسنهم تغريدًا.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ مكانة الدعوة إلى الله، وأنها أفضل الأعمال.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ تزدادُ كلماتُك حسنًا؛ بقدر ما فيها من قيادةِ القلوبِ إلى الله.
وقفة
‌‌[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ شرفٌ عظيمٌ أن تكون دليلًا إلى العظيم سبحانه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «أحبُّ العباد إلى الله: الذين يحببون العباد إلى ربهم، ويحببون الله إلى عباده».
وقفة
‌‌‌[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ هداية العبد لغيره وتعليمه ونصحه يفتح له باب الهداية، ‏فالجزاء من جنس العمل، فكلما هدى غيره وعلمه هداه الله وعلمه، فيصير هاديًا مهديا.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ قال ابن عمر وعكرمة: «إنها نزلت في المؤذنين».
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾ قالت عائشة: «فهو المؤذن إذا قال: حي على الصلاة، فقد دعا إلى الله».
وقفة
[33] (حيَّ على الصلاة) ليست مجرد نداء، إنها دعوة من الله للتواصل معه ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾.
وقفة
[33] نرجو من الله أن يكون ممن أحسن العمل فاستحقت كلماته أن تصل إلى القلوب ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ﴾.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ لابد أن يكون لك عمل صالح؛ حتى تستحق كلماتك أن تصل إلى القلوب!
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ من الدعوة: إظهار العمل الصالح كعمرة المعتمرين وصلاة المتهجدين.
عمل
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ جمعوا بين حسن القول وصالح العمل, فلا تنتظر لحسن القول حتي تري صالح العمل.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي: دعا عباد الله إليه، وهو في نفسه مهتدٍ بما يقوله، فنفعُه لنفسه ولغيره؛ لازمٌ ومتعدٍ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير، ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ كان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول: «هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه».
وقفة
[33] ﴿وَمَن أَحسَنُ قَولًا مِمَّن دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحًا وَقالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمينَ﴾ أحسن القول يلزمه العمل الصالح الملازم له، ليكون مؤثرًا فيمن حوله.
وقفة
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا... وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ من الدعوة: التصريح بالانتماء للإسلام؛ إذ أهله يغمرهم الفرح.
عمل
[33] ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ حسن الكلام وجمال العبارات تسحر الناس وتأسر قلوبهم؛ اجعل في لسانك حلاوة تجذب من حولك واحتسب ذلك في سبيل الله.
وقفة
[33] الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال، وصاحبها أحسن الناس قولًا بشهادة الله، قال تعالى: ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين﴾، وأكثر الناس أجرًا بشهادة النبي ﷺ حيث يقول: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» [مسلم 2674].
وقفة
[33] لا تكتمل دعوة داعيةٍ حتى يكون هو أول العاملين بها ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وقفة
[33] ﴿دَعَا ... وَعَمِلَ﴾ ليس أحسن من داعية عامل، ولا أسوأَ من دَاعٍ لهدًى هو عنه خاملٌ!
وقفة
[33] من العِبادات الغائبة: الاعتزاز بالإسلام، ﴿وقال إنني من المسلمين﴾ قال ابن عاشور: «هذا ثناء على المسلمين بأنهم افتخروا بالإسلام واعتزوا به بين المشركين، والاعتزاز بالدين عملٌ صالح».

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً:
  • الواو استئنافية. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أحسن: خبر «من» مرفوع بالضمة. والكلمة ممنوعة من الصرف لأنها صيغة-أفعل-التفضيل وبوزن الفعل ولهذا لم تنون. قولا:تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ مِمَّنْ دَعا:
  • أصلها: من: حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بأحسن. دعا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «دعا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ إِلَى اللهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بدعا. بمعنى: إلى توحيد الله أو عبادة الله أو دين الله.
  • ﴿ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ:
  • معطوفتان على «دعا» وتعربان إعرابها وعلامة بنائهما الفتحة الظاهرة على آخرهما. صالحا فحذف الموصوف وحلت الصفة محله أو هو من الصفات التي جرت مجرى الأسماء. صفة-نعت-لمفعول محذوف بمعنى: وعملا عملا صالحا.
  • ﴿ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب مفعول به-مقول القول-لأن المعنى أنا من المسلمين و «إن» حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.النون نون الوقاية والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «إن».من المسلمين: جار ومجرور متعلق بخبرها. بمعنى: إنني واحد من المسلمين أو مسلم من المسلمين. وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

النساء: 125﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا
فصلت: 32﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     وبعدَ ذِكرِ قُرنَاءِ السُّوءِ ودعوتِهم للمعاصي؛ ناسبَهُ ذِكرُ أضدادِهم الذينَ يدعُونَ إلى اللهِ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

إننى:
1- بنون، مشددة، وبنون الوقاية، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
1- بنون مشددة واحدة، وهى قراءة ابن أبى عبلة، وإبراهيم بن نوح، عن قتيبة.

مدارسة الآية : [34] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ..

التفسير :

[34] ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله واستقاموا على شرعه، وأحسنوا إلى خلقه، وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره، وأساؤوا إلى خلقه. ادفع -أيها الرسول- بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك، وقابِل إساءته لك بالإحسان إليه، فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه ع

يقول تعالى:{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} أي:لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها{ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}

ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي:فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.

{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي:كأنه قريب شفيق.

ثم أرشد- سبحانه- إلى ما ينمى روح المحبة والمودة.. بين الداعي والمدعوين بصفة خاصة، وبين المسلم وغيره بصفة عامة، فقال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ.

أى: ولا تستوي الخصلة الحسنة ولا الخصلة السيئة، لا في ذواتهما ولا في الآثار التي تترتب عليهما، إذ الخصلة الحسنة جميلة في ذاتها، وعظيمة في الآثار الطيبة التي تنتج عنها، أما الخصلة السيئة فهي قبيحة في ذاتها وفي نتائجها.

وقوله- تعالى-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إرشاد منه- تعالى- إلى ما يجب أن يتحلى به عباده المؤمنون.

أى: ما دامت الخصلة الحسنة لا تتساوى مع الخصلة السيئة، فعليك- أيها المسلم- أن تدفع السيئة إذا جاءتك من المسيء، بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات، بأن تقابل ذنبه بالعفو، وغضبه بالصبر، وقطعه بالصلة وفظاظته بالسماحة.

وقوله- سبحانه-: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ بيان للآثار الجميلة التي تترتب على دفع السيئة بالحسنة.

والولي: هو الصديق المحب الشفيق عليك، من الولي بمعنى القرب.

والحميم: يطلق في الأصل على الماء الحار ... والمراد به هنا: الصديق الصدوق معك.

أى: أنت إذا دفعت السيئة بالحسنة، صار عدوك الذي أساء إليك، كأنه قريب منك، لأن من شأن النفوس الكريمة أنها تحب من أحسن إليها، ومن عفا عنها، ومن قابل شرها بالخير، ومنعها بالعطاء.

وقوله : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) أي : فرق عظيم بين هذه وهذه ، ( ادفع بالتي هي أحسن ) أي : من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه ، كما قال عمر [ رضي الله عنه ] ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه .

وقوله : ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وهو الصديق ، أي : إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك ، والحنو عليك ، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي : قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك .

وقوله: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ) يقول تعالى ذكره: ولا تستوي حسنة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا, فأحسنوا في قولهم, وإجابتهم وبهم إلى ما دعاهم إليه من طاعته, ودعوا عباد الله إلى مثل الذي أجابوا ربهم إليه, وسيئة الذين قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فكذلك لا تستوي عند الله أحوالهم ومنازلهم, ولكنها تختلف كما وصف جلّ ثناؤه أنه خالف بينهما, وقال جلّ ثناؤه: ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ) فكرر لا والمعنى: لا تستوي الحسنة ولا السيئة, لأن كلّ ما كان غير مساو شيئا, فالشيء الذي هو له غير مساو غير مساويه, كما أن كل ما كان مساويا لشيء فالآخر الذي هو له مساو, مساو له, فيقال: فلان مساو فلانا, وفلان له مساو, فكذلك فلان ليس مساويا لفلان, لا فلان مساويا له, فلذلك كرّرت لا مع السيئة, ولو لم تكن مكرّرة معها كان الكلام صحيحا. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: يجوز أن يقال: الثانية زائدة; يريد: لا يستوي عبد الله وزيد, فزيدت لا توكيدا, كما قال لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ أي لأن يعلم, وكما قال: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ . وقد كان بعضهم ينكر قوله هذا في: لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ , وفي قوله: لا أُقْسِمُ فيقول: لا الثانية في قوله: لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أن لا يقدرون ردّت إلى موضعها, لأن النفي إنما لحق يقدرون لا العلم, كما يقال: لا أظنّ زيدا لا يقوم, بمعنى: أظن زيدا لا يقوم; قال: وربما استوثقوا فجاءوا به أوّلا وآخرا, وربما اكتفوا بالأول من الثاني.

وحُكي سماعا من العرب: ما كأني أعرفها: أي كأني لا أعرفها. قال: وأما " لا " في قوله لا أُقْسِمُ فإنما هو جواب, والقسم بعدها مستأنف, ولا يكون حرف الجحد مبتدأ صلة.

وإنما عنى يقوله.( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَة ) ولا يستوي الإيمان بالله والعمل بطاعته والشرك به والعمل بمعصيته.

وقوله: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك, وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء, وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم, ويلقاك من قِبلهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في تأويله.

* ذكر من قال ذلك.

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب, والحلم والعفو عند الإساءة, فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان, وخضع لهم عدوُّهم, كأنه وليّ حميم.

وقال آخرون: معنى ذلك: ادفع بالسلام على من أساء إليك إساءته.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا سفيان, عن طلحة بن عمرو, عن عطاء ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: بالسلام.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن عبد الكريم الجزري, عن مجاهد ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: السلام عليك إذا لقيته.

وقوله: ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: افعل هذا الذي أمرتك به يا محمد من دفع سيئة المسيء إليك بإحسانك الذي أمرتك به إليه, فيصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة, كأنه من ملاطفته إياك. وبرّه لك, وليّ لك من بني أعمامك, قريب النسب بك, والحميم: هو القريب.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد. قال: ثنا سعيد, , عن قتادة ( كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) : أي كأنه وليّ قريب.

التدبر :

وقفة
[34] ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ قال أنس بن مالك: هو الرجل يشتمه أخوه فيقول: «إن كنت كاذبًا فغفر الله لك، وإن كنت صادقًا فغفر الله لي».
وقفة
[34] ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ كيف يخضع لك عدوك؟! عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: «أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم».
وقفة
[34] تمييز الحسنة من السيئة يعرفه الكثير، لكن لا يعرف تفاضل الحسنات بينها إلا عالم مسدد ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن﴾.
عمل
[34] عندما تتعرض للإساءة؛ لا تفكر في أقوى رد، بل فكر في أحسن رد ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
وقفة
[34] ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ سبحان الله! إنسان بينك وبينه عداوة، وأساء إليك، فيقال لك: ادفع بالتي هي أحسن، فإذا استجبت لأمر الله ودفعت بالتي هي أحسن، يأتيك الثواب: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾؟! الذي يقوله من؟ هو الله عز وجل مقلب القلوب، ما من قلب من قلوب بني آدم إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يصرفه كيف يشاء.
وقفة
[34] ما أعظم التوصية الربانية: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
وقفة
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الدفع بأحسن الأقوال والأعمال موجب لحصول الألفة والاتفاق، المقتضي للتعاون على مصالح الدنيا والدين.
وقفة
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ قال ابن عباس في تفسير الآية: «ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك».
وقفة
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (ادفع) مفادها: غيرك يضع وأنت ترفع.
عمل
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ قدِّم هديةً لأحدٍ بينَك وبينه سوءُ تفاهمٍ، وتأمَّل فِعلَ الهديةِ في إصلَاحِ قلبيكما.
وقفة
[34] ﴿ادفع بالّتي هي أحسن﴾، ﴿فاستعذ بالله﴾ [36]، في الأولى: التعامل مع البشر لطيب المنبع، وفي الثانية: التعامل مع الشيطان لخبث المنبع وسوء المقصد.
عمل
[34] ﴿ادْفَع بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ في خطابك، في كلامك، في تصرفاتك، في تعاملاتك؛ ابحث عن أجمل وألطف طريقة مع الناس.
عمل
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ادفع بعفوك وإحسانك وحلمك من أساء إليك، وقابل إساءته لك بالإحسان إليه.
عمل
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك فاعفُ عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك، وترك خطابك فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.
عمل
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَن﴾ لا تجعل إساءة من حولك لك سببًا في إنزال قدرك، وسوء ردك، لا تعاملهم بالمثل، بل كن أنت الأحسن.
وقفة
[34] وجدته مرتاح النفس، سليم الصدر، في حديثه أنس، وفي قسمات وجهه السعادة. قال: «قاعدتي في الحياة مع الناس: ﴿ادْفَعْ بالَّتِي هيَ أَحْسَن﴾؛ فأرحت واسترحت».
وقفة
‏[34] بعض القلوب موحشة، ومع ذلك نبتسم لها؛ طلبًا للأجر ودفعًا للأذى، وفي التنزيل: ﴿ادفَع بالتي هيَ أحسَن﴾.
وقفة
[34] كثيرون يختصرون الشخص فى خطأ ارتكبه، وكأنهم يلحون عليه أن يظل عند الخطأ بدلًا من تشجيعه ليعبر إلى الصواب ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
وقفة
[34] القاعدة الربانية في العلاقات: ﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾، وليس: (عامل كما تُعامل).
عمل
[34] حتى مع خصمك ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
وقفة
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ بعض الأعداء ينقلب وليًّا حميمًا؛ حتى الأعداء يحتاجون انتقاء.
عمل
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ لا تستكثر من الأعداء؛ فالجهد المبذول في دفع (عدو) يكسب به (أصدقاء).
وقفة
[34] ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ قيل: يا من تضايقه الفعال من التي ومن الذي ادفع فديتك بالتي حتى ترى فإذا الذي.
وقفة
[34] ﴿ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ﴾ المعاملة الحسنة والكلمة الطيبة تذيب الحديد.
وقفة
[34] ﴿ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ﴾ أما هذه فالزم.
وقفة
[34] ﴿ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ﴾ هذا أثر حسن الخلق مع الذي بينك وبينه عداوة، فكيف يكون أثره مع من لم يكن بينك وبينه عداوة، بل كيف أثره مع من لك معه إلفة وعشرة كزوج وأخ؟ فليكن بذل الخلق الحسن، بل الأحسن سجية لنا في مختلف أحوالنا.
وقفة
[34] ﴿ادفعْ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم﴾ هذا أثرُ الإحسانِ في العدو؛ كيف سيكونُ أثرُه في الأحبة؟!
وقفة
[34] المؤثرون عالمون، هادئون، باسمون، باذلون، متعاطفون ﴿ادفعْ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم﴾.
عمل
[34] هل عندك خلاف أو خصام؟ هل ستفاوض عدو أو شخص تكرهه؟ عندي لك سر من خالق القلوب، يقول تعالى: ﴿ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ﴾، تقدم له بأحسن الأقوال والأعمال، بادر بنية حسنة، وستحصل على اتفاق مرضي.
وقفة
[34] ‏الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة تقلب العدو صديقًا! ﴿ادفعْ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم﴾.
وقفة
[34] قال أحدهم: «وجدت هذه الآية في حياتي: ﴿ادفعْ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم﴾، فكلما وقعت خصومة أو سوء فهم؛ تذكرت هذه الآية، واجتهدت في الإحسان، فأجد تسامحًا عجيبًا، وقناعة ورضا عن نفسي، ولله الحمد».
عمل
[34] إذا أردت أن تصفو لك قلوب الناس؛ فصف قلبك تجاههم ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
وقفة
[34] ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ مدحهم الله ﻷنهم غيروا مواقفهم؛ ليس الثبات في العداوة محمودًا دائمًا.
لمسة
[34] ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (عداوة) نكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، مهما كان حجم العدواة فادحًا هناك فرصة لعلاقة ود حميمة.
عمل
[34] ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ حدد الأشخاص الذين يناوئونك، قم بمبادرات جميلة نحوهم، واصل إحسانك إليهم، ترقبهم قريبًا في أحبائك.
عمل
[34] ﴿فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم﴾ كم غيرت الكلمة الطيبة من نفوس! وقربت من قلوب! حينما تخرج لأجل الله؛ فلا تستهن بها.
وقفة
[34] ﴿فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾ هل المقصود بها أن يعامل من به عداوة كما يعامل القريب، أو يقصد بها أن العدو سيكون بسبب التعامل الحسن كالقريب شفيق؟ الجواب: المعنى الثاني هو المقصود، أي: بسبب الإحسان في المعاملة يصير العدو كالقريب الشفيق في إحسانه.
وقفة
[34] حينما تبتسم له تخترق أعماقه لتغرس في قلبه ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
وقفة
[34] حينما تبتسم له، تخترق أعماقه، لتغرس في قلبه: ﴿فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾.
وقفة
[34، 35] إن اتصفت بهذه الصفة؛ فأنت عند الله ذو حظ عظيم ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
لمسة
‏[34، 35] ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ تأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بإذا الفجائية؛ لأن (إذا) الفجائية تدل على الحدوث الفوري في نتيجتها، ولكن ليس كل أحد يوفق لذلك: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها.تستوي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل.الحسنة: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَلا السَّيِّئَةُ:
  • معطوفة بالواو على «الحسنة» مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الضمة. و «لا» زائدة. اي لا تستوي الفعلة الحسنة والفعلة السيئة فهما متفاوتتان. فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه.
  • ﴿ ادْفَعْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:انت اي فخذ. والجملة استئنافية لا محل لها من الاعراب. او تكون جواب شرط‍ محذوف مقدر بمعنى فإذا اعترضتك حسنتان فخذ بالحسنة التي هي احسن من اختها فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك.
  • ﴿ بِالَّتِي:
  • الباء حرف جر. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بادفع. اي ادفع بالخصلة التي فحذف الموصوف وحلت الصفة محله. وحذف مفعول «ادفع» لأنه معلوم. اي فادفع بالخصلة التي هي احسن الخصلة السيئة.
  • ﴿ هِيَ أَحْسَنُ:
  • الجملة الاسمية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.هي: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ و «أحسن» خبر «هي» مرفوع بالضمة.أي بالتي هي أحسن من الحسنة الثانية. ولم تنوّن الكلمة لأنها على وزن -أفعل-صيغة تفضيل ويوزن الفعل.
  • ﴿ فَإِذَا الَّذِي:
  • الفاء استئنافية. إذا: حرف فجأة-فجائية-لا محل لها من الاعراب. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.والجملة الاسمية: استئنافية لا محل لها.
  • ﴿ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ:
  • الجملة الاسمية: صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. بين: ظرف مكان متعلق بخبر مقدم وهو مضاف والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. وبينه: معطوفة بالواو على «بينك» عداوة: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. و «بينه»:تعرب اعراب «بينك».
  • ﴿ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «الذي» او يكون خبر:«الذي» محذوفا لدلالته على مطلق الوجود وتقديره: موجود لأن الاسم وقع بعد «إذا» الفجائية. وتكون الجملة الفعلية في محل نصب حالا بمعنى فاجعله كأنه ولي حميم. كأنه: حرف مشبه بالفعل يفيد التشبيه والهاء ضمير متصل -ضمير الغائب-مبني على الضم في محل نصب اسم «كأن» ولي: خبرها مرفوع بالضمة. حميم: صفة-نعت-لولي مرفوعة مثلها بالضمة. بمعنى تجعله كأنه ناصرا او صديقا قريبا اليك.'

المتشابهات :

المؤمنون: 96﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ
فصلت: 34﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَر اللهُ أنَّه لا أحَدَ أحسَنُ مِمَّن دعا إلى اللهِ؛ ذكَرَ ما يَترتَّبُ على ذلك مِن حُسنِ الأخلاقِ، وأنَّ الدَّاعيَ إلى اللهِ قد يُجافيه المَدعُوُّ؛ فيَنبغي أن يَرفُقَ به، ويَتلطَّفَ في إيصالِ الخَيرِ إليه، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [35] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ..

التفسير :

[35]وما يُوفَّق لهذه الخَصْلة الحميدة إلا الذين صبروا على المكاره والأذى، وحملوا أنفسَهم على ما يحبه الله، وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.

{ وَمَا يُلَقَّاهَا} أي:وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة{ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟".

فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع للّه رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له.

{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.

ولما كانت هذه الأخلاق تحتاج إلى مجاهدة للنفس.. عقب- سبحانه- على هذه التوجيهات السامية بقوله: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا. وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

والضمير في يُلَقَّاها يعود إلى تلك الخصال الكريمة السابقة، التي على رأسها الدفع بالتي هي أحسن.

أى: وما يستطيع القيام بتلك الأخلاق العظيمة التي على رأسها الدعوة إلى الله ومقابلة السيئة بالحسنة.. إلا الذين صبروا على المكاره وعلى الأذى.

وما يستطيعها- أيضا- إلا صاحب الحظ الوافر، والنصيب الكبير، من توفيق الله- تعالى- له إلى مكارم الأخلاق.

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها قد رسمت للمسلم أحكم الطرق، وأفضل الوسائل، التي ترفع درجته عند- خالقه- تعالى-.

ثم قال : ( وما يلقاها إلا الذين صبروا ) أي : وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك ، فإنه يشق على النفوس ، ( وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) أي : ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)

يقول تعالى ذكره: وما يعطى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا لله على المكاره, والأمور الشاقة; وقال: ( وَمَا يُلَقَّاهَا ) ولم يقل: وما يلقاه, لأن معنى الكلام: وما يلقى هذه الفعلة من دفع السيئة بالتي هي أحسن.

وقوله: ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ). يقول: وما يلقى هذه إلا ذو نصيب وجدّ له سابق في المبرات عظيم.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) : ذو جدّ.

وقيل: إن ذلك الحظ الذي أخبر الله جلّ ثناؤه في هذه الآية أنه لهؤلاء القوم هو الجنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا )... الآية. والحظّ العظيم: الجنة. ذكر لنا أن أبا بكر رضي الله عنه شتمه رجل ونبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شاهد, فعفا عنه ساعة, ثم إن أبا بكر جاش به الغضب, فردّ عليه, فقام النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فاتبعه أبو بكر, فقال يا رسول الله شتمني الرجل, فعفوت وصفحت وأنت قاعد, فلما أخذت أنتصر قمت يا نبيّ الله, فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إنَّهُ كانَ يَرُدُّ عَنْكَ مَلَكٌ من المَلائكَةِ, فَلَمَّا قَرُبْتَ تَنْتَصِرُ ذَهَبَ المَلَكُ وَجاءَ الشَّيْطانُ, فَوَاللهِ ما كُنْتُ لأجالِسَ الشَّيْطانَ يا أبا بَكْرٍ".

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) يقول: الذين أعدّ الله لهم الجنة.

التدبر :

عمل
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ عوِّدْ نفسَك الصَّبرَ؛ فهو رأسُ الأخلاقِ الحسنةِ.
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ الصبر على الإيذاء والدفع بالتي هي أحسن خُلُقان لا غنى للداعي إلى الله عنهما.
وقفة
[35] من لا يعرف الصبر لا يحقق النصر ﴿وما يلقّاها إلا الذين صبروا﴾.
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة (إلا الذين صبروا) نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله؛ فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟! فإذا صبَّر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له.
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ لكونها من خصال خواص الخلق التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ وما يلقى هذه الخصلة من دفع السيئة بالتي هي أحسن إلا الصابرون، وهكذا كل خصال الخير.
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ من رُزق الصبر رُزق أعظم النصيب والخير وأوفره.
وقفة
[35] العفو هو طريقك إلى (الحظ العظيم) ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾، قال قتادة: «الحظ العظيم هـو الجنة».
لمسة
[35] لماذا كرر الله سبحانه قوله: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾ مرتين؟! قال الإمام السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن): «وله -أي: التكرار- فوائد منها: التقرير، وقد قيل: الكلام إذا تكرر تقرَّر، ومنها: زيادة التبيه. ومنها: إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول، أعيد ثانيها تطرية له وتجديدًا لعهده، ومنها: التعظيم والتهويل».
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ من المحظوظ؟ قال الحسن: «والله ما عظم حظ قط دون الجنة».
وقفة
[35] ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ الثبات على المبادئ التي يحبها الله أمر عزيز في هذا الزمان.
وقفة
[35] اصحبوا الناس صحبة تجعلهم إذا غبتم حنُّوا إليكم، وإذا ذُكرتُمْ أثنَوْا عليكم، وإذا مُتُّم بكَوا عليكم ودعوا لكم، وتجلَّدوا بالصبر على ما تكرهون، فإنما الدنيا صَبْرُ ساعة ﴿وما يُلقّها إلاّ ذو حظ عظيم﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَما يُلَقّاها:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يلقى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الالف للتعذر و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. بمعنى:ولا يوفق لهذه الحكمة.
  • ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا:
  • أداة حصر لا عمل لها. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل. صبروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والالف فارقة. وجملة «صبروا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ‍ عَظِيمٍ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب اعرابها. ذو: نائب فاعل مرفوع بالواو لأنه من الاسماء الخمسة وهو مضاف. حظ‍: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.عظيم: صفة-نعت-لحظ‍ مجرورة بالكسرة. اي وما يعطاها.'

المتشابهات :

القصص: 80﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ
فصلت: 35﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     ولَمَّا أرشَدَ اللهُ إلى هذا الطَّريقِ النَّافِعِ في الدِّينِ والدُّنيا والآخِرةِ؛ عظَّمَه هنا، قال تعالى:
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يلقاها:
1- من «التلقي» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- يلاقاها، من «الملاقاة» ، وهى قراءة طلحة بن مصرف، وابن كثير.

مدارسة الآية : [36] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ ..

التفسير :

[36] وإما يُلْقينَّ الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس لحمْلك على مجازاة المسيء بالإساءة، فاستجر بالله واعتصم به، إن الله هو السميع لاستعاذتك به، العليم بأمور خلقه جميعها.

لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس، وهو مقابلة إساءته بالإحسان، ذكر ما يدفع به العدو الجني، وهو الاستعاذة بالله، والاحتماء من شره فقال:

{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} أي:أي وقت من الأوقات، أحسست بشيء من نزغات الشيطان، أي:من وساوسه وتزيينه للشر، وتكسيله عن الخير، وإصابة ببعض الذنوب، وإطاعة له ببعض ما يأمر به{ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي:اسأله، مفتقرًا إليه، أن يعيذك ويعصمك منه،{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فإنه يسمع قولك وتضرعك، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته.

ثم أرشد- سبحانه- عباده إلى ما يبعدهم عن كيد الشيطان، فقال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

والنزغ والنخس والغرز بمعنى واحد. وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا في الجلد.

المراد به هنا: وسوسة الشيطان وكيده للإنسان.

والمعنى: وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك، وتحملك على خلاف ما أمرك الله- تعالى- به.. فاستعذ بالله، أى: فالتجئ إلى حماه واستجر به من كيد الشيطان إِنَّهُ- سبحانه- هو السميع لدعائك، العليم بكل أحوالك، القادر على دفع كيد الشيطان عنك.

فالآية الكريمة ترشد المؤمن إلى العلاج الذي يحميه من وسوسة الشيطان وكيده، ألا وهو الاستعاذة بالله السميع لكل شيء، العليم بكل شيء القادر على كل شيء.

وبعد هذه البشارات الكريمة، والتوجيهات الحكيمة للمؤمنين.. ساق- سبحانه- أنواعا من الأدلة الكونية الدالة على وحدانيته وقدرته، فقال- تعالى-:

وقوله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) أي : إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه ، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك ، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه ، كفه عنك ورد كيده . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قام إلى الصلاة يقول : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " .

وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في " سورة الأعراف " عند قوله : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وفي سورة المؤمنين عند قوله : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] .

[ لكن الذي ذكر في الأعراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة ; لأن الإعراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الإحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ولا انتقاد له إلا بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه الحال ، فتنفعل له وتستعصي على صاحبها ، فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان ; فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللام فقال : ( فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) ] .

وقوله: ( وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ )... الآية, يقول تعالى ذكره: وإما يلقين الشيطان يا محمد في نفسك وسوسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة, ودعائك إلى مساءته, فاستجر بالله واعتصم من خطواته, إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نـزغاته, ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك, العليم بما ألقى في نفسك من نـزغاته, وحدثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قبلك, وغير ذلك من أمورك وأمور خلقه.

كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ ) قال: وسوسة وحديث النفس ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ).

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد ( وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ ) هذا الغضب.

التدبر :

وقفة
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ أنت تستعيذ بالله والشيطان يحترق، أعطاك الله ﷻ سلاحًا فاعلًا عند الغضب.
تفاعل
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ الله طرد إبليس من سماواته، ورجمه بالشهب الثواقب، فتفرغ اللعين لهذا الكيد العظيم، لا يدع للخير بداية إلا أربكها بقاصف الوساوس ونيران الفتن، فجعل الرحمن الاستعاذة لعباده المؤمنين، نجاة وأمانًا من كل شيطان رجيم.
وقفة
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ الله يأمر بملاينة العدوِّ الإنسيِّ والإحسانِ إليه؛ لأن ذلك يؤثر فيه، ويأمر بالاستعاذة به من العدوِّ الشيطانيِّ؛ لأنه لا يقبل مصانعةً ولا إحسانًا، ولا يبتغي غيرَ هلاك ابن آدم؛ لشدَّةِ العداوة بينه وبين أبيه آدمَ من قبل.
وقفة
[36] لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس -وهو مقابلة إساءته بالإحسان- ذكر ما يدفع به العدو الجني؛ وهو: الاستعاذة بالله، والاحتماء من شره، فقال: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ أي: أي وقت من الأوقات أحسست بشيء من نزغات الشيطان؛ أي: من وساوسه وتزيينه للشر، وتكسيله عن الخير، وإصابة ببعض الذنوب، وإطاعة له ببعض ما يأمر به؛ ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ﴾ أي: اسأله، مفتقرًا إليه، أن يعيذك ويعصمك منه.
وقفة
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ إذا تسللت إلى قلبك نزغات شيطان فبادر إلى ذكر ربك، فإن لم تفعل تحولت النزعة إلى فكرة، والفكرة إلى عزم، فإن لم تتحصّن بحصن الاستعاذة أوقعك العزم في الزلل.
وقفة
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال القرطبي: «حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها، ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأرَدُه جهدي، قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك».
عمل
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ هل تريد أن يرتعد الشيطان منك خوفًا ويفر منك رعبًا؟! الجواب: استعذ بالله.
وقفة
[36] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الذي أعطى شيطانك القدرة على التغلغل فيك، والتسلل إلى خواطرك، هو وحده القادر على منعه؛ فاستعذ بالله.
وقفة
[36] لقد عَلَّمَ الله نبيه ﷺ ما فيه الشفاء، وجوامع النصر، وفواتح العبادة، فقال: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وقفة
[36] أن يخضع لك عدوك كأنه صديق؛ فهذا انتصار! وأن يعصمك الله من الشيطان؛ فهذا انتصار أكبر! تدبر: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فقد أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك: عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.
عمل
[36] إذا أحسست بنزغ الشيطان فاستعذ بالله منه ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وقفة
[36] ﴿فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير﴾ [غافر: 56]، ﴿فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم﴾ جاءت فاصلة آية غافر (البصير)؛ لأنها تتحدث عن شياطين الإنس، وهؤلاء مبصرون مشاهدون، وجاءت فاصلة آية فصلت (العليم)؛ لأنها تتحدث عن شياطين الجن، وهؤلاء لا يعلمهم إلا الله تعالى.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
  • هذه الآية الكريمة اعربت في سورة الاعراف الآية المائتين. بمعنى: وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي احسن فالتجئ الى الله من شر الشيطان ولا تطعه.'

المتشابهات :

الأعراف: 200﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
النحل: 98﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
غافر: 56﴿إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
فصلت: 36﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     ولَمَّا ذَكَرَ اللهُ ما يُقابَلُ به العَدُوُّ مِن الإنسِ، وهو مُقابَلةُ إساءتِه بالإحسانِ؛ ذكَرَ هنا ما يُدفَعُ به العَدُوُّ الجِنِّيُّ، وهو الاستِعاذةُ باللهِ، والاحتِماءُ مِن شَرِّه، قال تعالى:
﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [37] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ ..

التفسير :

[37] ومِن حجج الله على خلقه، ودلائله على وحدانيته وكمال قدرته اختلاف الليل والنهار، وتعاقبُهما، واختلاف الشمس والقمر وتعاقبهما، كل ذلك تحت تسخيره وقهره. لا تسجدوا للشمس ولا للقمر -فإنهما مدَبَّران مخلوقان- واسجدوا لله الذي خلقهن، إن كنتم حقّاً منقادين لأم

ثم ذكر تعالى أن{ مِنْ آيَاتِهِ} الدالة على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وسعة سلطانه، ورحمته بعباده، وأنه الله وحده لا شريك له{ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} هذا بمنفعة ضيائه، وتصرف العباد فيه، وهذا بمنفعه ظلمه، وسكون الخلق فيه.{ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} اللذان لا تستقيم معايش العباد، ولا أبدانهم، ولا أبدان حيواناتهم، إلا بهما، وبهما من المصالح ما لا يحصى عدده.

{ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} فإنهما مدبران مسخران مخلوقان.{ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الذي خلقهن} أي:اعبدوه وحده، لأنه الخالق العظيم، ودعوا عبادة ما سواه، من المخلوقات، وإن كبر، جرمه وكثرت مصالحه، فإن ذلك ليس منه، وإنما هو من خالقه، تبارك وتعالى.{ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فخصوه بالعبادة وإخلاص الدين له.

والمراد بالآيات في قوله- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ.. العلامات الدالة دلالة واضحة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته.

أى: ومن آياته على وحدانيته وقدرته- تعالى- وعلى وجوب إخلاص العبادة له، وجود الليل والنهار والشمس والقمر بتلك الطريقة البديعة، حيث إن الجميع يسير بنظام محكم، ويؤدى وظيفته أداء دقيقا. كما قال- تعالى-: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.

وقوله- تعالى- لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ، وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ.. نهى عن السجود لغيره- تعالى- وأمر بالسجود له وحده.

أى: لا تسجدوا- أيها الناس- للشمس ولا للقمر، لأنهما- كغيرهما- من جملة مخلوقات الله- تعالى-، واجعلوا طاعتكم وعبادتكم لله الذي خلق كل شيء في هذا الكون، إن كنتم حقا تريدون أن تكون عبادتكم مقبولة عنده- عز وجل-.

فالآية الكريمة تقيم الأدلة على وجوب إخلاص العبادة لله- عز وجل- وتنهى عن عبادة غيره- تعالى-.

قال الجمل: هذا رد على قوم عبدوا الشمس والقمر، وإنما تعرض للأربعة مع أنهم لم يعبدوا الليل والنهار، للإيذان بكمال سقوط الشمس والقمر عن رتبة السجودية لهما، بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراض التي لا قيام لها بذاتها، وهذا هو السر في نظم الكل في سلك آياته.

وإنما عبر عن الأربع بضمير الإناث- مع أن فيها ثلاثة مذكرة، والعادة تغليب المذكر على المؤنث- لأنه لما قال: ومن آياته، فنظم الأربعة في سلك الآيات، صار كل واحد منها آية فعبر عنها بضمير الإناث في قوله خَلَقَهُنَّ .

يقول تعالى منبها خلقه على قدرته العظيمة ، وأنه الذي لا نظير له وأنه على ما يشاء قادر ، ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ) أي : أنه خلق الليل بظلامه ، والنهار بضيائه ، وهما متعاقبان لا يقران ، والشمس ونورها وإشراقها ، والقمر وضياءه وتقدير منازله في فلكه ، واختلاف سيره في سمائه ؛ ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار ، والجمع والشهور والأعوام ، ويتبين بذلك حلول الحقوق ، وأوقات العبادات والمعاملات .

ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي ، نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده ، تحت قهره وتسخيره ، فقال : ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) أي : ولا تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره ، فإنه لا يغفر أن يشرك به ; ولهذا قال :

القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)

يقول تعالى ذكره: ومن حجج الله تعالى على خلقه ودلالته على وحدانيته, وعظيم سلطانه, اختلاف الليل والنهار, ومعاقبة كلّ واحد منهما صاحبه, والشمس والقمر, لا الشمس تدرك القمر وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فلك يسبحون لا تسجدوا أيها الناس للشمس ولا للقمر, فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم, فإنما يجريان به لكم بإجراء الله إياهما لكم طائعين له في جريهما ومسيرهما, لا بأنهما يقدران بأنفسهما على سير وجري دون إجراء الله إياهما وتسييرهما, أو يستطيعان لكم نفعا أو ضرّا, وإنما الله مسخرهما لكم لمنافعكم ومصالحكم, فله فاسجدوا, وإياه فاعبدوا دونها, فإنه إن شاء طمس ضوءهما, فترككم حيارى في ظلمة لا تهتدون سبيلا ولا تبصرون شيئا. وقيل: ( وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) فجمع بالهاء والنون, لأن المراد من الكلام: واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر, وذلك جمع, وأنث كنايتهن, وإن كان من شأن العرب إذا جمعوا الذكر إلى الأنثى أن يخرجوا كنايتهما بلفظ كناية المذكر فيقولوا: أخواك وأختاك كلموني, ولا يقولوا: كلمنني, لأن من شأنهم أن يؤنثوا أخبار الذكور من غير بني آدم في الجمع, فيقولوا: رأيت مع عمرو أثوابا فأخذتهن منه. وأعجبني خواتيم لزيد قبضتهنّ منه.

وقوله: ( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) يقول: إن كنتم تعبدون الله, وتذلون له بالطاعة; وإن من طاعته أن تخلصوا له العبادة, ولا تشركوا في طاعتكم إياه وعبادتكموه شيئا سواه, فإن العبادة لا تصلح لغيره ولا تنبغي لشيء سواه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[37] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ ردَّ على من عبد الشمس والقمر، فما هما -على عظمة خلقها- إلا خلق من جموع المخلوقين.
لمسة
[37] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ قدَّم الله ذكر الليل على ذكر النهار -كما قال الرازي والآلوسي- تنبيهًا على تقدمه، مع كون الظلمة عدمًا، وكون النور وجودًا، والعدم سابق على الوجود.
وقفة
[37] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ تقديم الليل على النهار: في جميع القرآن يتقدم الليل على النهار؛ لأن اليوم الأصل فيه يبدأ بالليل، وذلك من آذان المغرب تحديدًا، فالليلة تلحق بما بعدها من النهار، فيقال مثلًا: (هذه ليلة الأربعاء).
وقفة
[37] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ قدَّم الشمس على القمر، لمناسبة ذكرها عقب ذكر النهار؛ لأنها آيته، وسبب نوره؛ ولأنها أصل نور القمر، فإن نوره من ضياء الشمس.
وقفة
[37] أمر الله عباده بشكره وتوحيده والتفكر في عظمة خلقه وتسخيره كل شي لهم ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَمِنْ آياتِهِ:
  • الواو استئنافية. من آياته: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ:
  • مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. والنهار: معطوفة بالواو على «الليل» مرفوعة بالضمة.
  • ﴿ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ:
  • معطوفتان بالواو على اللَّيْلُ وَالنَّهارُ» وتعرب مثلهما.بمعنى: ومن معجزاته سبحانه تعاقب الليل والنهار ومن آياته عز وجل كذلك تعاقب الشمس والقمر.
  • ﴿ لا تَسْجُدُوا:
  • ناهية جازمة. تسجدوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.والجملة استئنافية لا محل لها من الاعراب. اي فلا تسجدوا.
  • ﴿ لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ:
  • جار ومجرور متعلق بلا تسجدوا، ولا للقمر:معطوفة بالواو على «للشمس» وتعرب اعرابها. و «لا» زائدة. او تكرار العامل اي ولا تسجدوا للقمر.
  • ﴿ وَاسْجُدُوا لِلّهِ:
  • الواو استئنافية. اسجدوا: فعل امر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة و «وا» اعربت. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق باسجدوا.
  • ﴿ الَّذِي خَلَقَهُنَّ:
  • اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة-نعت- للفظ‍ الجلالة. خلق: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. و «هن» ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وهو ضمير مبهم. او يعود لليل والنهار والشمس والقمر لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم المؤنث او الاناث. او لما قال سبحانه: وَمِنْ آياتِهِ» كن في معنى «الآيات» فقيل خلقهن. وجملة «خلقهن» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ إِنْ كُنْتُمْ:
  • حرف شرط‍ جازم. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. وحذف جواب الشرط‍ لتقدم معناه.
  • ﴿ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» إيا: ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم والهاء حرف للغائب. وقيل: الكلمة كلها مبنية على الضم في محل نصب. تعبدون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.'

المتشابهات :

البقرة: 172﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
النحل: 114﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
فصلت: 37﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     وبعد بيانِ فضلِ الدَّعوةِ إلى اللهِ؛ ذَكَرَ اللهُ هنا الدلائلَ الدالةَ على وجودِه ووحدانيتِه وقدرتِه كمادةٍ للدعوةِ إلى اللهِ، قال تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [38] :فصلت     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ ..

التفسير :

[38] فإن استكبر هؤلاء المشركون عن السجود لله، فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك، بل يسبحون له، وينزِّهونه عن كل نقص بالليل والنهار، وهم لا يَفْتُرون عن ذلك، ولا يملون.

{ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} عن عبادة الله تعالى، ولم ينقادوا لها، فإنهم لن يضروا الله شيئًا، والله غني عنهم، وله عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ولهذا قال:{ فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يعني:الملائكة المقربين{ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} أي:لا يملون من عبادته، لقوتهم، وشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك.

ثم بين- سبحانه- أن استكبار الجاهلين عن عبادة الله- تعالى- وحده، لن ينقص من ملكه شيئا فقال: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا، فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ.

أى: فإن تكبر هؤلاء الكافرون عن إخلاص العبادة لله- تعالى- فلا تحزن أيها الرسول الكريم- فإن الذين عند ربك من الملائكة. ينزهونه- تعالى- ويعبدونه عبادة دائمة بالليل والنهار وهم لا يسأمون ولا يملون، لاستلذاذهم لتلك العبادة والطاعة، وخوفهم من مخالفة أمره- عز وجل-.

فالآية الكريمة تهون من شأن هؤلاء الكافرين، وتبين أنه- تعالى- في غنى عنهم وعن عبادتهم لأن عنده من مخلوقاته الكرام من يعبده بالليل والنهار بدون سأم أو كلل.

والمراد بالعندية في قوله- تعالى- عِنْدَ رَبِّكَ عندية المكانة والتشريف لا عندية المكان.

وقوله فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ تعليل لجواب الشرط المقدر، أى: فإن استكبروا فدعهم وشأنهم فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ .

( فإن استكبروا ) أي : عن إفراد العبادة له وأبوا إلا أن يشركوا معه غيره ، ( فالذين عند ربك ) يعني الملائكة ، ( يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ) ، كقوله ( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) [ الأنعام : 89 ] .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا سفيان - يعني ابن وكيع - حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تسبوا الليل ولا النهار ، ولا الشمس ولا القمر ، ولا الرياح فإنها ترسل رحمة لقوم ، وعذابا لقوم " .

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38)

يقول تعالى ذكره: فإن استكبر يا محمد هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم من مشركي قريش, وتعظموا عن أن يسجدوا لله الذي خلقهم وخلق الشمس والقمر, فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك, ولا يتعظمون عنه, بل يسبحون له, ويصلون ليلا ونهارًا,( وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) يقول وهم لا يفترون عن عبادتهم, ولا يملون الصلاة له.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي. عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) قال: يعني محمدا, يقول: عبادي, ملائكة صافون يسبحون ولا يستكبرون.

التدبر :

وقفة
[38] ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ۩﴾ في أعلى مراتب القرب لم يجدوا خيرًا من التسبيح، سبح.
وقفة
[38] ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ۩﴾ عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ: بَينا رَسُول الله ﷺ مَعَ أَصْحَابه، إِذا قَالَ لَهُم: «هَل تَسْمَعُونَ مَا أسمع؟»، قَالُوا: «مَا نسْمع من شَيْء»، فَقَالَ النَّبِي ﷺ: «أطت السَّمَاء، وَمَا تلام أَن تئط، مَا فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا وَعَلِيهِ ملك ساجد أَو قَائِم». [أبو نعيم في الحلية 2/217، وصححه الألباني].
تفاعل
[38] اسجد للتلاوة عند قراءة هذه الآية ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ۩﴾.
وقفة
[38] ﴿فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ علموا أنه سبحانه يحب ذلك؛ فأمضوا أعمارهم فيه.
وقفة
[38] ﴿فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ تأمل كيف قدم الليل في فضل التسابيح! سبحان الله وبحمده.
تفاعل
[38] ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ﴾ سَبِّح الله الآن.
عمل
[38] ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ﴾ أثنى الله على المسبحين في الظلام، فسبح باسـم ربك العزيز العـلَّام، سبحان الله وبحمده.

الإعراب :

  • ﴿ فَإِنِ:
  • الفاء استئنافية. إن: حرف شرط‍ جازم وكسر آخره لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ اسْتَكْبَرُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ فَالَّذِينَ:
  • الجملة الاسمية: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بإن.الفاء واقعة في جواب الشرط‍.الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ اي الملائكة.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بصلة الموصول المحذوفة وهو مضاف. ربك: مضاف اليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ يُسَبِّحُونَ لَهُ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر المبتدأ. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. له: جار ومجرور متعلق بيسبحون. اي ينزهونه.
  • ﴿ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ:
  • جار ومجرور متعلق بيسبحون. والنهار: معطوفة بالواو على «الليل» وتعرب مثلها.
  • ﴿ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ:
  • والواو حالية والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. لا: نافية لا عمل لها.يسأمون: تعرب اعراب «يسبحون» ويجوز أن يتعلق الجار والمجرور بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ» بحال محذوفة من ضمير «يسبحون» بتقدير: قائمين. وجملة لا يَسْأَمُونَ» اي لا يملون في محل رفع خبر «هم».'

المتشابهات :

الأعراف: 206﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ
فصلت: 38﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَـ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     وبعد الأمر بالسجود لله؛ بَيَّنَ سبحانه هنا أن استكبار الجاهلين عن عبادة الله لن ينقص من ملكه شيئًا، فهو غنيٌّ عن عبادتهم، قال تعالى:
﴿ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف