467751234567

الإحصائيات

سورة الزمر
ترتيب المصحف39ترتيب النزول59
التصنيفمكيّةعدد الصفحات8.90
عدد الآيات75عدد الأجزاء0.43
عدد الأحزاب0.85عدد الأرباع3.40
ترتيب الطول23تبدأ في الجزء23
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 7/21_
سورة غافر
ترتيب المصحف40ترتيب النزول60
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.80
عدد الآيات85عدد الأجزاء0.47
عدد الأحزاب0.95عدد الأرباع3.80
ترتيب الطول21تبدأ في الجزء24
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 21/29الحواميم: 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (75) الى الآية رقم (75) عدد الآيات (1)

= ثُمَّ حالُ الملائكةِ المحيطينَ حولَ العرشِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (1) الى الآية رقم (6) عدد الآيات (6)

تنزيلُ القرآنِ من اللهِ، ووصفُه تعالى بستِ صفاتٍ جامعةٍ بينَ الترغيبِ والترهيبِ، ثُمَّ جدالُ الكفارِ بالباطلِ في آياتِ القرآنِ وأدلتِه على وحدانيةِ اللهِ، وتشابهُ أقوامِ الأنبياءِ في التكذيبِ بهم والحرصِ على تعذيبِهم أو قتلِهم.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (7) الى الآية رقم (7) عدد الآيات (1)

لمَّا بَيَّنَ عداوةَ الكُفَّارِ معَ الأنبياءِ والمؤمنينَ، بَيَّنَ هنا حُبَّ الملائكةِ حَمَلةَ العرشِ واستغفارَهم ودعاءَهم للمؤمنينَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الزمر

الإخلاص لله/ المقابلات بين أحوال المؤمنين الموحِّدين وأحوال المشركين المكذبين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • هدفها واضح جدًا::   أهمية الإخلاص لله، وأن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى، ونبتعد عن الرياء. فمن أراد أن يختبر نفسه ويعرف مدى إخلاصه في عمله، وهل يدخل الرياء (أو الشرك الخفي) في عمله أم لا؟ فعليه أن يقرأ سورة الزُّمَر، ويعرض قلبه على آياتها.
  • • ميزان الإخلاص::   إياك أن يكون في عملك نية لغير الله، إياك أن تقول: فلان يراني، والناس تشير إلي، وتقول: هذا يحفظ القرآن، هذا يداوم على الصلاة في المسجد. أخلص لله تعالى في عبادتك، أخلصي لله تعالى في إرضائك لزوجك وطاعتك له، أخلصوا أيها الآباء والأمهات في تربية أولادكم على طاعة الله تعالى ونصرة الإسلام، أخلصوا في حياتكم كلها لله، تضمنوا زمرة المؤمنين في الجنة، وتكونوا ممن فهم سورة الزُّمَر، وحقّق مراد ربنا من هذه السورة.
  • • أيهما أصلح لك؟:   وبعد ذلك يضرب الله لنا مثلاً جميلاً يناسب معنى الإخلاص: ﴿ضَرَبَ ٱلله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (29). فهل يستوي من يعمل عند سيد واحد ومن يعمل عند عدة أسياد؟ وهل يكون الموظف الذي عنده مدير واحد كالموظف الذي يتلقى أوامره من عدة مدراء، بآراء ووظائف مختلفة؟ لذلك تأتي بعد هذا المثل مباشرة: ﴿ٱلْحَمْدُ لله﴾؛ لأن التوحيد نعمة تريح القلب وتصون العبد من الزلل، الحمد لله على نعمة التوحيد، وأنه إله واحد؛ لأن إخلاص العمل لله أنفع لقلبك وأجمع لهمتك وأدعى لقبول العمل، تعود عليك بركته في الدنيا، وأجره مضاعفاً في الآخرة.
  • • لماذا (الزمر)؟:   وكالعادة، يبقى سؤال مهم: وهو الحكمة من تسمية سورة الإخلاص لله باسم سورة الزمر.والسبب -والله أعلم- هو أن أكثر ما يعينك على إخلاص العمل لله تعالى، أن تكون في زمرة صالحة، أي صحبة صالحة، فسميّت السورة بهذا الاسم حتى تتذكر الزمرتين، زمرة أهل الجنة وزمرة أهل النار، كلما قرأت السورة، وتختار بنفسك من يعينك على الإخلاص ويكون رفيقًا لك في الدنيا، ومرافقًا لك عند دخول الجنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة الزُّمر».
  • • معنى الاسم ::   الزُّمر: جمع زُمْرَة، والزُّمْرَة: الجماعةُ من الناس والفوجُ، والزُّمر: الجماعات.
  • • سبب التسمية ::   : ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏في آخرها ‏زُمرة ‏السعداء ‏من ‏أهل ‏الجنة، وزُمرة ‏الأشقياء ‏من ‏أهل ‏النار، ولم يُذكر لفظ (الزمر) في غيرها قط.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة الغُرَف»؛ لورود هذا اللفظ في الآية (20).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الإخلاص لله، وأن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن القرآن منزل من الله تعالى؛ فعلينا أن نتدبره ونعمل بما جاء فيه: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الله غني عن عبادتنا، وأن كل إنسان يحمل أوزاره يوم القيامة: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الخير والشر بيد الله تعالى، فلا أخشى أحدًا غيره: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن عَائِشَةَ قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ».
    • عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ قال: «مَا في القُرآنِ آيةٌ أعظمُ فَرَجًا منْ آيةٍ في سورةِ الزُّمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (53)».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الزمر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • اهتمت السورة بالتأكيد على توحيد العبادة لله وحده.
    • اهتمت السورة أيضًا بالتأكيد على إخلاص العبادة لله وحده، والابتعاد عن الرياء، وقد تكرر مشتقات لفظ (الإخلاص) أربع مرات، مرة بلفظ (الخالص)، وثلاث مرات بلفظ (مخلصًا)، وهي تعتبر أكثر سورة تكرر فيها هذا اللفظ بعد سورة الصافات؛ حيث تكرر فيها لفظ (المخلصين) خمس مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبتغي بأعمالنا وجه الله تعالى، ونبتعد عن الرياء.
    • أن نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (3).
    • أن نعرف الله في الرخاء كما نعرفه في الشدة: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ (8).
    • ألا نحرم أنفسنا من صلاة الليل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (9).
    • أن نهاجر في أرض الله الواسعة إذا ضيق علينا في بلد ولم نستطع إقامة شعائر الله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ﴾ (10).
    • أن نلزم الصدق من الآن في كل أقوالنا: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (33). • أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (53).
    • أن نحذر من الكذب على الله تعالى، والقول بما لا نعلم: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّـهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (60).
    • أن نخلص العبادة لله تعالى ولا تشرك به شيئًا، فالشرك محبط للأعمال الصالحة: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّـهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (65، 66).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (69، 70).
سورة غافر

أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر لله/ غافر الذنب لمن آمن وشديد العقاب لمن كفر

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما علاقة الدعوة بتفويض الأمر إلى الله؟:   إن الداعي إلى الله تعالى سيواجه مشاكل ومصاعب خلال دعوته، فإذا أردت أخي المسلم أن تختار طريق الدعوة إلى الله، طريق أنبياء الله تعالى، فاعلم أن هناك عقبات كثيرة فيه، وعليك أن تفوض الأمر كله لله وتتوكل عليه. لذلك جاء في هذه السورة آية محورية: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾ (51). هذه الآية موجهة إليك أخي المسلم كما هي موجهة للأنبياء: ﴿رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾، وتعدك بالنصر الرباني في الدنيا قبل الآخرة: ﴿فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾، فتوكل على الله، وفوض الأمر إليه.
  • • خير القول وخير العمل::   وسورة غافر تنضم إلى سور كثيرة في القرآن في حثها على أشرف مهمة في التاريخ: الدعوة إلى الله، لأنها طريق الأنبياء والمرسلين، فلا بد أن يحرص الإنسان عليها ويهتم بها، لا بل ينذر حياته كلها لإيصال الخير إلى الناس. والدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى. حدّث أصدقاءك عن الإسلام وعظمته ورحمته، أو انشر الكتب النافعة التي تعلّم الناس أمور دينهم وتقرّبهم إلى الله، حدّثي رفيقاتك عن الحياء والعفة بأي وسيلة تؤثر في القلب، وليس عليكم النظر إلى النتائج، إذ أن المطلوب منا هو العمل فقط، والله وحده هو الذي يهدي من يشاء.
  • • إني عذت بربي وربكم:   ولأن السورة تحدثنا عن الدعوة وتفويض الأمر إلى الله، فإننا نرى هذه المعاني مرتين في قصة موسى عليه السلام: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ﴾ (26). وحين وصل الأمر إلى التهديد بالقتل، استمر موسى عليه السلام بالدعوة إلى دين الله تعالى وفوّض أمره إلى الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ﴾ (27).
  • • وأفوض أمري إلى الله::   ونموذج التفويض الثاني، لرجل مؤمن من آل فرعون، كان يكتم إيمانه، لكنه حين رآهم يكيدون لموسى ليقتلوه، قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱلله﴾ (28)، فكانت صدمة لفرعون أن يقف رجل من حاشيته ويدافع عن موسى، وكان مؤكدًا عند الجميع أن فرعون سيبطش به، لكن المؤمن الصادق انتقل من الدعوة إلى التفويض: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱلله إِنَّ ٱلله بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ﴾ (44). فماذا حدث بعد ذلك؟: ﴿فَوقَاهُ ٱلله سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ﴾ (45). وكأن المعنى: ادع أيها المسلم إلى الله، ولا تخش في الله لومة لائم، وتوكل على من يحفظك وفوض أمرك إليه، ليحميك من أعدائك، واستعذ دومًا بالله تعالى، كما قال موسى: ﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ﴾ (27).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة غافر»، و«‏سورة ‏المؤمن»، و«سورة حم المؤمن».
  • • معنى الاسم ::   غافر: أي ساتر الذنوب ومتجاوز عنها.
  • • سبب التسمية ::   سميت «سورة غافر»؛ لورود هذا اللفظ في أول السورة الآية (3)، وسميت بـ«حم المؤمن»، و«‏سورة ‏المؤمن»؛ ‏لذكر ‏قصة ‏مؤمن ‏آل ‏فرعون، ولم تذكر هذه القصة في سورة أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   1- سورة «الطَّوْلِ»؛ لورودها في مستهلها (والطَّوْل: أي الفضل والنعمة). 2- «سورة حم الأولى»؛ لأنها السورة الأولى في ترتيب المصحف بين السور الحواميم.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن الله غافر الذنب لمن آمن، وشديد العقاب لمن كفر.
  • • علمتني السورة ::   أن الدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن من رحمة الله تعالى بنا أن السيئة بمثلها والحسنة مضاعفة: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة غافر) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة غافر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة غافر) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة غافر أول الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • هي أكثر سورة يتكرر فيها مشتقات لفظ (الجدال)، حيث تكرر فيها 5 مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن ندعو الناس إلى الله، ولا نخش في الله لومة لائم، ونتوكل عليه، ونفوض أمرنا إليه.
    • أن نحذر الجدال في آيات الله بغير علم: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ ...﴾ (4). • أن نخلص عبادتنا لله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّـهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّـهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ (12).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (19).
    • أن نحذر أن يزين لنا الشيطان أعمالنا: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ (36، 37).
    • أن نستخدم الأسلوب الوعظي المؤثر في دعوتنا إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ (41).
    • أن نحذر أن نسلم عقولنا لأحد ونتبعه دون علم؛ فإنه سيتبرأ منا يوم القيامة: ﴿... فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ...﴾ (47، 48).
    • أن نكثر من الأعمال الصالحة استعدادًا للآخرة: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ (59).
    • أن نجعل الليل راحة لأبداننا والنهار لمعاشنا: ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (61).
    • أن نبادر بالتوبة، ونحذر من تسويفها: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ...﴾ (84، 85)، فإذا وقع العذاب لا تقبل التوبة.

تمرين حفظ الصفحة : 467

467

مدارسة الآية : [75] :الزمر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ ..

التفسير :

[75] وترى -أيها النبي- الملائكة محيطين بعرش الرحمن، ينزهون ربهم عن كل ما لا يليق به، وقضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق بالحق والعدل، فأسكن أهل الإيمان الجنة، وأهل الكفر النار، وقيل:الحمد لله رب العالمين على ما قضى به بين أهل الجنة وأهل النار، حَمْدَ فض

{ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ} أيها الرائي ذلك اليوم العظيم{ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أي:قد قاموا في خدمة ربهم، واجتمعوا حول عرشه، خاضعين لجلاله، معترفين بكماله، مستغرقين بجماله.{ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي:ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله، مما نسب إليه المشركون وما لم ينسبوا.

{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي:بين الأولين والآخرين من الخلق{ بِالْحَقِّ} الذي لا اشتباه فيه ولا إنكار، ممن عليه الحق.{ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لم يذكر القائل من هو، ليدل ذلك على أن جميع الخلق نطقوا بحمد ربهم وحكمته على ما قضى به على أهل الجنة وأهل النار، حمد فضل وإحسان، وحمد عدل وحكمة.

تم تفسير سورة الزمر بحمد اللّه وعونه.

وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أى: محدقين محيطين بالعرش مصطفين بحافته وجوانبه. جمع حافّ وهو المحدق بالشيء. يقال: حففت بالشيء إذا أحطت به، مأخوذ من الحفاف وهو الجانب للشيء.

يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أى: يمجدون ربهم بكل خير، وينزهونه عن كل سوء.

وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أى: وقضى- سبحانه- بين العباد بالحق الذي لا يحوم حوله باطل. وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على قضائه بالحق، وعلى مجازاته الذين أساءوا بما عملوا، ومجازاته الذين أحسنوا بالحسنى.

وبعد. فهذا تفسير محرر لسورة «الزمر» نسأل الله- تعالى-: أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار ، وأنه نزل كلا في المحل الذي يليق به ويصلح له وهو العادل في ذلك الذي لا يجور - أخبر عن ملائكته أنهم محدقون من حول عرشه المجيد ، يسبحون بحمد ربهم ، ويمجدونه ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور ، وقد فصل القضية ، وقضى الأمر ، وحكم بالعدل ; ولهذا قال : ( وقضي بينهم ) أي : بين الخلائق ) بالحق )

ثم قال : ( وقيل الحمد لله رب العالمين ) أي : ونطق الكون أجمعه - ناطقه وبهيمه - لله رب العالمين ، بالحمد في حكمه وعدله ; ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه ، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد .

قال قتادة : افتتح الخلق بالحمد في قوله : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ) [ الأنعام : 1 ] واختتم بالحمد في قوله : ( وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين )

آخر تفسير سورة الزمر ولله الحمد [ أولا وآخرا ظاهرا وباطنا ]

القول في تأويل قوله تعالى : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)

يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد الملائكة محدقين من حول عرش الرحمن, ويعني بالعرش: السرير.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) محدقين.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) قال: محدقين حول العرش, قال: العرش: السرير.

واختلف أهل العربية في وجه دخول " مِنْ" في قوله: ( حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) والمعنى: حافِّين حول العرش.

وفي قوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت " مِنْ" في هذين الموضعين توكيدا, والله أعلم , كقولك: ما جاءني من أحد، وقال غيره: قبل وحول وما أشبههما ظروف تدخل فيها " مِنْ" وتخرج, نحو: أتيتك قبل زيد, ومن قبل زيد, وطفنا حولك ومن حولك, وليس ذلك من نوع: ما جاءني من أحد, لأن موضع " مِنْ" في قولهم: ما جاءني من أحد رفع, وهو اسم.

والصواب من القول في ذلك عندي أن " من " في هذه الأماكن, أعني في قوله ( مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) ومن قبلك, وما أشبه ذلك, وإن كانت دخلت على الظروف فإنها بمعنى التوكيد.

وقوله: ( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يقول: يصلون حول عرش الله شكرا له، والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح, وتحذفها أحيانا, فتقول: سبح بحمد الله, وسبح حَمْدَ الله, كما قال جل ثناؤه: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى , وقال في موضع آخر: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ .

وقوله: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) يقول: وقضى الله بين النبيين الذين جيء بهم, والشهداء وأممها بالعدل, فأسكن أهل الإيمان بالله, وبما جاءت به رسله الجنة. وأهل الكفر به, ومما جاءت به رسله النار ( وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) يقول: وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الذي له الألوهية, وملك جميع ما في السموات والأرض من الخلق من ملك وجن وإنس, وغير ذلك من أصناف الخلق.

وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) ... الآية, كلها قال: فتح أول الخلق بالحمد لله, فقال: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض, وختم بالحمد فقال: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).

آخر تفسير سورة الزمر

التدبر :

وقفة
[75] ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ يُسبحون بحمد ربهم مستغرقين بحمده، أي ذاكرين لله بوصفي الجلال والإكرام، تلذدًا من غير تكليف.
وقفة
[75] ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ في الآية إشعار بأن منتهى درجات العليين وأعلى لذائذ أصحاب النعيم هو الاستغراق في الثناء على رب العالمين بالتسبيح والحمد.
وقفة
[75] قل: «اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة»، ﴿وَتَرَى ٱلْمَلَٰئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ﴾.
تفاعل
[75] ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ سَبِّح الله الآن.
لمسة
[75] ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ حذف فاعل القول لأنه غير معين، بل كل أحد يحمده على ذلك الحكم الذي حكم فيه؛ فيحمده أهل السماوات وأهل الأرض، والأبرار والفجار، والإنس والجن، حتى أهل النار، كأن الكون كله نطق بذلك.
وقفة
[75] ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: نطق الكون أجمعه، ناطقه وبهيمه لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يسند القول إلى قائل، بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد.
وقفة
[75] ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال ابن عطية: «أي إن هذا الحاكم العدل ينبغي أن يحمد على نفوذ حكمه وإكمال قضائه ومن هذه الآية جُعِلَتْ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ خاتمة المجالس في العلم».
وقفة
[75] ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ لن نصلح العالم حتى يدوي الثناء عليه في حناجرنا وقلوبنا وكتاباتنا، وحتى يسري حبه في كل خفقات قلوبنا.

الإعراب :

  • ﴿ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ:
  • الواو استئنافية. ترى: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الملائكة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ حَافِّينَ:
  • حال من الملائكة منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ:
  • جار ومجرور متعلق بحافين. العرش: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى: محيطين أو محدقين بالعرش.من حفوا حوله: أي أطافوا به واستداروا أي قربوا منه. و «من» هنا زائدة للتوكيد.
  • ﴿ يُسَبِّحُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال ثانية. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي ينزهون الله عن الشوائب ويقدسونه سبحانه.
  • ﴿ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيسبحون أو بحال محذوفة من ضمير «يسبحون» أي حامدين. رب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ:
  • أعربت في الآية الكريمة التاسعة والستين.
  • ﴿ وَقِيلَ:
  • الواو عاطفة. قيل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.أي وقضي بينهم بالحق وقالوا الحمد الله.
  • ﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع نائب فاعل. الحمد: مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ رَبِّ الْعالَمِينَ:
  • صفة-نعت-للفظ‍ الجلالة ويجوز أن يكون بدلا منه مجرور وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. العالمين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

الفاتحة: 2﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
الأنعام: 45﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
يونس: 10﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
الصافات: 182﴿وَ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
الزمر: 75﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
غافر: 65﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [75] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ الذين ركَّبَ فيهم الشَّهوات، وما وصَلوا إليه مِن المقامات؛ أتبَعهم أهلَ الكرامات الذين لا شاغلَ لهم عن العباداتِ، قال تعالى:
﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [1] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حم

التفسير :

[1] ﴿ حمٓ ﴾ سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.

تقدم تفسير الحروف المقطعة

مقدمة وتمهيد

1- سورة «غافر» هي السورة الأربعون في ترتيب المصحف أما ترتيبها في النزول فهي السورة التاسعة والخمسون من السور المكية، وكان نزولها بعد سورة «الزمر» .

ويبدو- والله أعلم- أن الحواميم، كان نزولها على حسب ترتيبها في المصحف، فقد ذكر صاحب الإتقان عند حديثه عن المكي والمدني من القرآن، وعن ترتيب السور على حسب النزول..

ذكر سورة الزمر، ثم غافر، ثم فصلت، ثم الشورى، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف .

2- والمحققون من العلماء على أن سورة «غافر» من السور المكية الخالصة، وقد حكى أبو حيان الإجماع على ذلك، كما أن الإمام ابن كثير قال عنها بأنها مكية دون أن يستثنى منها شيئا.

وقيل: كلها مكية إلا قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ، إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ ... الآية.

ولكن هذا القيل وغيره لم تنهض له حجة يعتمد عليها، فالرأى الصحيح أنها جميعها مكية.

3- وهذه السورة تسمى- أيضا- بسورة «المؤمن» لاشتمالها على قصة مؤمن آل فرعون. كما تسمى بسورة «الطول» لقوله- تعالى- في أوائلها: غافِرِ الذَّنْبِ، وَقابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ الْعِقابِ، ذِي الطَّوْلِ....

وعدد آياتها خمس وثمانون آية في المصحف الكوفي والشامي، وأربع وثمانون في الحجازي، واثنتان وثمانون في البصري..

4- وسورة «غافر» هي أول السور السبعة التي تبدأ بقوله- تعالى- حم والتي يطلق عليها لفظ «الحواميم» .

وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الآثار في فضل هذه السور، منها: ما روى عن ابن مسعود أنه قال: «آل حم» ديباج القرآن.. ومنها ما روى عن ابن عباس أنه قال: «إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن آل حم» أو قال «الحواميم» .

5- وقد افتتحت السورة الكريمة بالثناء على الله- تعالى-، وبتسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم عما لقيه من أذى المشركين ومن جدالهم، وببيان وظيفة الملائكة الذين يحملون عرشه- تعالى-، وأن منها الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم بقولهم- كما حكى القرآن عنهم-:

... رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ، وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ، وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

6- ثم دعا- سبحانه- عباده إلى إخلاص الطاعة له، وذكرهم بأهوال يوم القيامة، وأن الملك في هذا اليوم إنما هو لله- تعالى- وحده.

قال- تعالى-: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ. يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

7- وبعد أن وبخ- سبحانه- الغافلين على عدم اعتبارهم بسوء عاقبة من سبقهم من الكافرين، أتبع ذلك بجانب من قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون وهامان وقارون، وحكى ما دار بين موسى- عليه السلام- وبين هؤلاء الطغاة من محاورات.

كما حكى ما وجهه الرجل المؤمن من آل فرعون إلى قومه من نصائح حكيمة، منها قوله- كما حكى القرآن عنه-: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ. مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ. وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ.

8- وبعد أن ساق- سبحانه- تلك التوجيهات الحكيمة التي وجهها ذلك الرجل المؤمن- الذي يكتم إيمانه- إلى قومه.. أتبع ذلك بحكاية جانب من المحاورات التي تدور بين الضعفاء والمتكبرين بعد أن ألقى بهم جميعا في النار.

كما حكى- سبحانه- ما يقولونه لخزنة جهنم على سبيل الاستعطاف والتذلل فقال:

وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ.

9- ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ألوانا من نعمه على عباده، لكي يشكروه عليها، ومن تلك النعم: إيجاده الليل والنهار، وجعله الأرض قرارا والسماء بناء، وتصويره الناس في أحسن تقويم، وتحليله لهم الطيبات، وخلقه لهم في أطوار متعددة.

قال- تعالى-: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ، وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

10- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الذين يجادلون في آيات الله بغير علم، فوبختهم على جهالاتهم وعنادهم، وهددتهم بسوء المصير، وأمرت النبي صلّى الله عليه وسلم أن يصبر على أذاهم، وذكرته بأحوال الرسل السابقين مع أقوامهم، وأنذرت مشركي مكة بأن مصيرهم سيكون كمصير المشركين من قبلهم، إذ ما استمروا في طغيانهم وكفرهم، وأنهم لن ينفعهم الإيمان عند حلول العذاب بهم.

قال- تعالى-: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ.

11- هذا، والمتدبر في سورة «غافر» بعد هذا العرض المجمل لآياتها يراها قد أقامت أنصع الأدلة وأقواها على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، كما يراها قد ساقت ألوانا من التسلية للرسول صلّى الله عليه وسلم عما لحقه من قومه، تارة عن طريق قصص الأنبياء السابقين مع أقوامهم، وتارة عن طريق التصريح بأن العاقبة ستكون له ولأتباعه، كما في قوله- تعالى-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ.

كما يراها قد فصلت الحديث عن تكريم الله- تعالى- لعباده المؤمنين، تارة عن طريق استغفار الملائكة لهم، وتضرعهم إلى خالقهم أن يبعد الذين آمنوا عن عذاب الجحيم.

قال- تعالى-: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ.

وتارة عن طريق وعدهم بإجابة دعائهم، كما في قوله- تعالى-: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.

كما يرها قد اهتمت بالحديث عن مصارع الغابرين، بأسلوب يغرس الخوف في القلوب، ويبعث على التأمل والتدبر.

كما في قوله- تعالى-: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ، وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، فَأَخَذْتُهُمْ، فَكَيْفَ كانَ عِقابِ.

وكما في قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ.

كما يراها قبل كل ذلك وبعد كل ذلك لها أسلوبها البليغ المؤثر في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وفي تثبيت المؤمن وزلزلة الكافر، وفي تعليم الدعاة كيف يخاطبون غيرهم بأسلوب مؤثر حكيم، نراه متمثلا في تلك النصائح الغالية التي وجهها مؤمن آل فرعون إلى قومه، والتي حكاها القرآن في قوله وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.

نسأل الله- تعالى- أن ينفعنا بتوجيهات القرآن الكريم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سورة " غافر " من السور التى افتتحت ببعض الحروف المقطعة ، وهو قوله - تعالى - : ( حم ) .

وقد ذكرنا آراء العلماء فى تلك الحروف المقطعة بشئ من التفصيل ، عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس . .

وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد جئ بها فى افتتاح بعض السور : على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .

فكأنه - سبحانه - يقول لهؤلاء المعاندين والمعارضين فى أن القرآن من عند الله : ها كم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك فى أنه من عند الله - تعالى - فهاتوا مثله ، أو عشر سور فى مثله ، أو سورة واحدة من مثله ، فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

تفسير سورة غافر وهي مكية

قد كره بعض السلف ، منهم محمد بن سيرين أن يقال : " الحواميم " وإنما يقال : " آل حم " .

قال عبد الله بن مسعود : " آل حم " ديباج القرآن .

وقال ابن عباس : إن لكل شيء لبابا ولباب القرآن " آل حم " أو قال : الحواميم .

قال مسعر بن كدام : كان يقال لهن : " العرائس " .

روى ذلك كله الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمه الله ، في كتاب : " فضائل القرآن " . وقال حميد بن زنجويه : حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبيد الله قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث فبينا هو يسير فيه ويتعجب [ منه ] ، إذ هبط على روضات دمثات فقال : عجبت من الغيث الأول ، فهذا أعجب وأعجب فقيل له : إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن ، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات ، مثل آل حم في القرآن . أورده البغوي .

وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب : أن الجراح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عباس ، قال : لكل شيء لباب ، ولباب القرآن الحواميم .

وقال ابن مسعود : إذا وقعت في " آل حم " فقد وقعت في روضات أتأنق فيهن .

وقال أبو عبيد : حدثنا الأشجعي ، حدثنا مسعر - هو ابن كدام - عمن حدثه : أن رجلا رأى أبا الدرداء [ رضي الله عنه ] يبني مسجدا ، فقال له : ما هذا ؟ فقال : أبنيه من أجل " آل حم " .

وقد يكون هذا المسجد الذي بناه أبو الدرداء هو المسجد المنسوب إليه داخل قلعة دمشق . وقد يكون صيانتها وحفظها ببركته وبركة ما وضع له ، فإن هذا الكلام يدل على النصر على الأعداء ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في بعض الغزوات : " إن بيتم الليلة فقولوا : حم ، لا ينصرون " وفي رواية : " لا تنصرون " .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن الحكم بن ظبيان بن خلف المازني ، ومحمد بن الليث الهمداني قالا حدثنا موسى بن مسعود ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، عن زرارة بن مصعب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ آية الكرسي وأول حم المؤمن ، عصم ذلك اليوم من كل سوء " .

ثم قال : لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد . ورواه الترمذي من حديث المليكي ، وقال : تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه .

بسم الله الرحمن الرحيم قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في تفسـره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان.

ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور.

قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة "الم" السجدة و "هل أتى على الإنسان" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم وحم والمص وص.

فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قيل إن "حم" اسم من أسماء الله عز وجل وأنشدوا في ذلك بيتا يذكرني حم والرمح شاجر فهلا تلاحم قبل التقدم وقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي من حديث الثوري عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة قال: حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن بيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون" وهذا إسناد صحيح واختار أبو عبيد أن يروي فقولوا حم لا ينصروا أى إن قلتم ذلك لا ينصروا جعله جزاء لقوله فقولوا.

القول في تأويل قوله تعالى : حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

اختلف أهل التأويل فى معنى قوله (حم) فقال بعضهم: هو حروف مقطعة من اسم الله الذي هو الرحمن الرحيم, وهو الحاء والميم منه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عبد لله بن أحمد بن شبُّويه المَروزي, قال: ثنا عليّ بن الحسن, قال: ثني أبي, عن يزيد, عن عكرمة, عن ابن عباس: الر, وحم, ون, حروف الرحمن مقطعة.

وقال آخرون: هو قسم أقسمه الله, وهو اسم من أسماء الله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: (حم) : قسم أقسمه الله, وهو اسم من أسماء الله.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله (حم) : من حروف أسماء الله.

وقال آخرون: يل هو اسم من أسماء القرآن.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة (حم) قال: اسم من أسماء القرآن. وقال آخرون: هو حروف هجاء.

وقال آخرون: بل هو اسم, واحتجوا لقولهم ذلك بقول شريح بن أوفى العبسي:

يُذَكِّــرُنِي حَـامِيمَ وَالـرُّمْحُ شَـاجِرٌ

فَهَــلا تَــلا حــم قَبْــلَ التَّقَـدُّمِ (1)

ويقول الكُمَيت:

وَجَدْنَــا لَكُـمْ فِـي آلِ حـامِيمَ آيَـةً

تَأوَّلَهَــا مِنَّــا تَقِــيٌّ وَمُعْــرِبُ (2)

وحُدثت عن معمر بن المثنى أنه قال: قال يونس, يعني الجرمي: ومن قال هذا القول فهو منكَر عليه, لأن السورة (حم) ساكنة الحروف, فخرجت مخرج التهجي, وهذه أسماء سور خرجت متحركات, وإذا سميت سورة بشيء من هذه الأحرف المجزومة دخله الإعراب.

والقول في ذلك عندي نظير القول في أخواتها, وقد بيَّنا ذلك, في قوله: الم , ففي ذلك كفاية عن إعادته في هذا الموضع, إذ كان القول في حم, وجميع ما جاء في القرآن على هذا الوجه, أعني حروف التهجي قولا واحدا.

----------------------

الهوامش :

(1) البيت لشريح بن أوفى العبسي ، كما قال أبو عبيد في مجاز القرآن ( 217 ب ) وكما في ( اللسان : حمم ) وقال : وأنشده غير أبي عبيد للأشتر النخعي . وقال : قال ابن مسعود :" آل حاميم" ديباج القرآن . قال الفراء : هو كقولك آل فلان وآل فلان . وقال الجوهري : أما قول العامة" الحواميم" فليس من كلام العرب . قال أبو عبيد :" الحواميم" : سور في القرآن ، على غير قياس ، وأنشد :

وبالطواســين التــي قــد ثلثـت

وبــالحواميم التــي قــد سـبعت

قال : والأولى أن تجمع" بذوات حاميم" . وأنشد أبو عبيد في" حاميم" لشريح بن أوفى العبسي :" يذكرني حاميم ... البيت" قال : وأنشده غيره للأشتر النخعي . والضمير في" يذكرني" : هو لمحمد بن طلحة ، وقتله الأشتر أو شريح . ( أي في يوم الجمل ) ا هـ .

(2) البيت للكميت بن زيد الأسدي" مجاز القرآن لأبي عبيدة 218 - 1 ) وديوانه طبعه الموسوعات بالقاهرة 18 . وآل حاميم وذوات حاميم : السور التي أولها" حم" نص الحريري في درة الغواص ، على أنه يقال : آل حاميم ، وذوات حاميم ، وآل طسم ، ولا يقال : حواميم ولا طواسيم . ا هـ . والآية هي هي قوله تعالى في سورة الشورى :" قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" . وفي سورة الأحزاب من آل حاميم :" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" . والتقي : الساكت عن التفضيل ، والمعرب : الناطق به ، رواية البيت في مجاز القرآن :

وجدنــا لكــم فــي حــم آيـة

وفــي غيرهــا آي , وأي يعـرب

ثنا قال : قال يونس : من قال بهذا القول ، فهو منكر عليه ، لأن السورة" حم" ساكنة الحروف ، فخرجت مخرج حروف التهجي وهذه أسماء سور خرجن متحركات ؛ وإذا سميت سورة بشيء من هذه الأحرف ( كذا ) ، دخلها الإعراب . ا هـ . وقول المؤلف : يعني الجرمي : نبهنا عليه فيما مضى ، لأن الجرمي اسمه صالح بن إسحاق أبو عمر .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[1] ﴿حم﴾ الأحرف المقطعة للتنبيه على المادة الأولية التي تتألف منها السورة والقرآن الكريم، وهي متاحة لجميع الناطقين بالعربية، ومع هذا يعجزون أن يؤلِّفوا منها كتابًا كهذا القرآن.
وقفة
[1] ﴿حم﴾ كل سورة ابتدأت بالحروف الهجائية المقطَّعة فهي سورة مكية، إلا سورتين: البقرة وآل عمران، فإنهما مدنيتان.
وقفة
[1] ﴿حم﴾ قال ابن عباس: «إن لكل شيء لبابًا، ولباب القرآن: الحواميم»، وقال مسعر بن كدام: «كان يُقال لهن: العرائس».

الإعراب :

  • ﴿ حم
  • هذه الأحرف التي تبدأ بها بعض السور سبق شرحها واعرابها في سور كريمة سابقة وزيادة في الايضاح أذكر ما قاله الزمخشري: حم: قرئ بإمالة ألف حاء وتفخيمها. وبتسكين الميم وفتحها ووجه الفتح التحريك لالتقاء الساكنين وإيثار أخف الحركات، نحو: أين وكيف. أو النصب باضمار فعل تقديره: اقرأ. ومنع من الصرف للتأنيث والتعريف وأنها على وزن أعجمي نحو قابيل وهابيل.'

المتشابهات :

غافر: 1﴿ حم تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ
فصلت: 1﴿ حم تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الشورى: 1﴿ حم عٓسٓقٓ
الزخرف: 1﴿ حم وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ
الدخان: 1﴿ حم وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ
الجاثية: 1﴿ حم تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ
الأحقاف: 1﴿ حم تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ
غافر: 2﴿حمٓ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
الزمر: 1﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
الجاثية: 2﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
الأحقاف: 2﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [1] لما قبلها :     بدأت السورةُ بالحُروفِ المُقطَّعة؛ للإشارة إلى إعجازِ القُرآنِ؛ إذ تشير إلى عجزِ الخَلْقِ عن معارَضَتِه بالإتيانِ بشيءٍ مِن مِثلِه، مع أنَّه مُركَّبٌ من هذه الحُروفِ العربيَّةِ التي يتحدَّثونَ بها، قال تعالى:
﴿ حم

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

حم:
قرئ:
1- بفتح الحاء، وهو قراءة أبى القاسم بن جبارة الهذلي، صاحب كتاب «الكامل» ، فى اختياره.
2- بكسرها، على أصل التقاء الساكنين، وهى قراءة أبى السمال.

مدارسة الآية : [2] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ..

التفسير :

[2] تنزيل القرآن على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند الله -عزَّ وجل- العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق، العليم بكل شيء.

يخبر تعالى عن كتابه العظيم وبأنه صادر ومنزل من الله، المألوه المعبود، لكماله وانفراده بأفعاله،{ الْعَزِيزِ} الذي قهر بعزته كل مخلوق{ الْعَلِيمِ} بكل شيء.

وقوله- تعالى-: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ جملة من مبتدأ وخبر، أى: هذا الكتاب منزل عليك- أيها الرسول الكريم- من الله- تعالى- وحده، وليس من عند أحد غيره.

ثم وصف- سبحانه- ذاته بثماني صفات تليق بذاته فقال: الْعَزِيزِ أى: الغالب لكل من سواه، من العز بمعنى القوة والغلبة. يقال: عزّ فلان يعز- من باب تعب- فهو عزيز، إذا كان معروفا بالقوة والمنعة، ومنه قولهم: أرض عزاز إذا كانت صلبة قوية.

الْعَلِيمِ أى: المطلع على أحوال خلقه دون أن يخفى عليه شيء منها.

وقوله : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ) أي : تنزيل هذا الكتاب - وهو القرآن - من الله ذي العزة والعلم ، فلا يرام جنابه ، ولا يخفى عليه الذر وإن تكاثف حجابه .

وقوله: ( تَنـزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يقول الله تعالى ذكره: من الله العزيز في انتقامه من أعدائه, العليم يما يعملون من الأعمال وغيرها تنـزيل هذا الكتاب; فالتنـزيل مرفوع بقوله: ( مِنَ اللَّهِ ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[2] ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع عن أي نقص.
وقفة
[2] ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ووصْفُ الله بوصفي (العزيز العليم) هنا تعريض بأن منكري تنزيل الكتاب منه مغلوبون مقهورون، وبأن الله يعلم ما تكنّه نفوسهم؛ فهو محاسبهم على ذلك، ورَمزٌ إلى أن القرآن كلام العزيز العليم؛ فلا يقدر غير الله على مثله، ولا يعلم غير الله أن يأتي بمثله.
وقفة
[2، 3] بيان عظمة الرب تعالى المتجلية في أسمائه: العزيز، العليم، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ﴾.
وقفة
[2] ﴿الْعَلِيمِ﴾ ما الفرق بين علم البشر وعلم الله؟ علم الله أزلي، أي لم يسبقه جهل، وعلم الله أبدي، أي لا يلحقه نسيان، فهو علم شامل زمانًا، ليغطي الماضي والمستقبل، وشامل مكانًا؛ ليغطي كل شيء.
وقفة
[2، 3] ﴿العَليمِ﴾ ولأنه جل شأنه العليم لأحوال عباده فهو سبحانه ﴿غافِرِ الذَّنبِ وَقابِلِ التَّوبِ﴾ لمن تاب.

الإعراب :

  • ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتابِ:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة. أي انزال الكتاب أي القرآن- الكتاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. وهناك أوجه أخرى أعربت في الآية الأولى من سورة «الزمر».
  • ﴿ مِنَ اللهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مبتدأ محذوف تقديره: هو من الله. والجملة الاسمية «هو من الله» في محل رفع خبر المبتدأ «تنزيل» أو يكون «تنزيل» في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا تنزيل الكتاب.
  • ﴿ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ:
  • صفتان-نعتان-للفظ‍ الجلالة مجروران وعلامة جرهما الكسرة ويجوز أن يكون «العليم» صفة-نعتا-للعزيز.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [2] لما قبلها :     وبعد ذكرِ الحُروفِ المُقطَّعة؛ يأتي ذكرِ القرآن أو الكتاب على عادة القرآن، فبَيَّنَ اللهُ هنا أن القرآنَ منزلٌ من عنده تعالى، ثم وصفَ نفسَه تعالى بثماني صفاتٍ تجمع بينَ الترغيبِ والترهيبِ: ١- العزيزِ الذي قهر بعزته كل مخلوق. ٢- العليمِ بكلِّ شيء، قال تعالى:
﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [3] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ ..

التفسير :

[3] غافر الذنب للمذنبين، وقابل التوب من التائبين، شديد العقاب على مَن تجرَّأ على الذنوب ولم يتب منها، وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضُّل على عباده الطائعين، لا معبود يستحق العبادة سواه، إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب، فيجازي كُلّاً بما يستحق.

{ غَافِرِ الذَّنْبِ} للمذنبين{ وَقَابِلِ التَّوْبِ} من التائبين،{ شَدِيدِ الْعِقَابِ} على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها،{ ذِي الطَّوْلِ} أي:التفضل والإحسان الشامل.

فلما قرر ما قرر من كماله وكان ذلك موجبًا لأن يكون وحده، المألوه الذي تخلص له الأعمال قال:{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}

ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الأوصاف أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن، من المعاني.

فإن القرآن:إما إخبار عن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، وهذه أسماء، وأوصاف، وأفعال.

وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، فهي من تعليم العليم لعباده.

وإما إخبار عن نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وما يوصل إلى ذلك، من الأوامر، فذلك يدل عليه قوله:{ ذِي الطَّوْلِ}

وإما إخبار عن نقمه الشديدة، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي، فذلك يدل عليه قوله:{ شَدِيدِ الْعِقَابِ}

وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة، والاستغفار، فذلك يدل عليه قوله:{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}

وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك، والحث عليه، والنهي عن عبادة ما سوى الله، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها والترهيب منها، فذلك يدل عليه قوله تعالى:{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}

وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل، وثواب المحسنين، وعقاب العاصين، فهذا يدل عليه قوله:{ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}

فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات.

غافِرِ الذَّنْبِ أى: ساتر لذنوب عباده، ومزيل لأثرها عنهم بفضله ورحمته.

فلفظ غافِرِ من الغفر بمعنى الستر والتغطية، يقال: غفر الله- تعالى- ذنب فلان غفرا ومغفرة وغفرانا، إذا غطاه وستره وعفا عنه.

ولفظ الذنب: يطلق على كل قول أو فعل تسوء عاقبته، مأخوذ من ذنب الشيء، أى:

نهايته وَقابِلِ التَّوْبِ والتوب مصدر بمعنى الرجوع عن الذنب والتوبة منه. يقال: تاب فلان عن الذنب توبة وتوبا إذا رجع عنه.

أى: أنه- سبحانه- يغفر ذنوب عباده، ويقبل توبتهم فضلا منه وكرما.

قال صاحب الكشاف: ما بال الواو في قوله وَقابِلِ التَّوْبِ؟

قلت: فيها نكتة جليلة، وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين: بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات، وأن يجعلها محاءة للذنوب، كأنه لم يذنب. كأنه قال: جامع المغفرة والقبول.. .

شَدِيدِ الْعِقابِ أى: لمن أشرك به، وأعرض عن الحق الذي جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم ذِي الطَّوْلِ أى: ذي الفضل والثواب والإنعام على من يشاء من عباده.

والطّول: السعة والغنى والزيادة، يقال: لفلان على فلان طول، أى زيادة وفضل، ومنه الطّول في الجسم لأنه زيادة فيه. قال- تعالى-: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا.. أى:

غنى وسعة.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أى: لا إله بحق وصدق إلا هو- سبحانه-.

إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أى: إليه المرجع والمآب يوم القيامة، ليحاسبكم على أعمالكم في الدنيا.

قال القرطبي: روى عن عمر بن الخطاب- رضى عنه- أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فلما سأل عنه قيل له: تتابع في هذا الشراب.

فقال عمر لكاتبه: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ إلى قوله- تعالى-: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.

ثم ختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا. ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة. فلما وصل الكتاب إلى الرجل جعل يقرؤه ويقول: قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته.

فلما بلغ عمر ذلك قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلته فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .

وقوله : ( غافر الذنب وقابل التوب ) أي : يغفر ما سلف من الذنب ، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه .

وقوله : ( شديد العقاب ) أي : لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ، وعتا عن أوامر الله ، وبغى [ وقد اجتمع في هذه الآية الرجاء والخوف ] . وهذه كقوله تعالى : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) [ الحجر : 49 ، 50 ] يقرن هذين الوصفين كثيرا في مواضع متعددة من القرآن ; ليبقى العبد بين الرجاء والخوف .

وقوله : ( ذي الطول ) قال ابن عباس : يعني : السعة والغنى . وكذا قال مجاهد وقتادة .

وقال يزيد بن الأصم : ( ذي الطول ) يعني : الخير الكثير .

وقال عكرمة : ( ذي الطول ) ذي المن .

وقال قتادة : [ يعني ] ذي النعم والفواضل .

والمعنى : أنه المتفضل على عباده ، المتطول عليهم بما هو فيه من المنن والأنعام ، التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها ، ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها [ إن الإنسان لظلوم كفار ] ) [ إبراهيم : 34 ] .

وقوله : ( لا إله إلا هو ) أي : لا نظير له في جميع صفاته ، فلا إله غيره ، ولا رب سواه ( إليه المصير ) أي : المرجع والمآب ، فيجازي كل عامل بعمله ، ( وهو سريع الحساب ) [ الرعد : 41 ] .

وقال أبو بكر بن عياش : سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] فقال : يا أمير المؤمنين إني قتلت ، فهل لي من توبة ؟ فقرأ عليه ( حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ) وقال : اعمل ولا تيأس .

رواه ابن أبي حاتم - واللفظ له - وابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن مروان الرقي ، حدثنا عمر - يعني ابن أيوب - أخبرنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم قال : كان رجل من أهل الشام ذو بأس ، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] ، ففقده عمر فقال : ما فعل فلان بن فلان ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، يتابع في هذا الشراب . قال : فدعا عمر كاتبه ، فقال : اكتب : " من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان ، سلام عليك ، [ أما بعد ] : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، غافر الذنب وقابل التوب ، شديد العقاب ، ذي الطول ، لا إله إلا هو إليه المصير " . ثم قال لأصحابه : ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ، وأن يتوب الله عليه . فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده ، ويقول : غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي .

ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان ، وزاد : " فلم يزل يرددها على نفسه ، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر [ رضي الله عنه ] خبره قال : هكذا فاصنعوا ، إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووفقوه ، وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا حماد بن واقد - أبو عمر الصفار - ، حدثنا ثابت البناني ، قال : كنت مع مصعب بن الزبير في سواد الكوفة ، فدخلت حائطا أصلي ركعتين فافتتحت : ( حم ) المؤمن ، حتى بلغت : ( لا إله إلا هو إليه المصير ) فإذا رجل خلفي على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنية فقال : إذا قلت : ( غافر الذنب ) فقل : " يا غافر الذنب ، اغفر لي ذنبي " . وإذا قلت : ( وقابل التوب ) ، فقل : " يا قابل التوب ، اقبل توبتي " . وإذا قلت : ( شديد العقاب ) ، فقل : " يا شديد العقاب ، لا تعاقبني " . قال : فالتفت فلم أر أحدا ، فخرجت إلى الباب فقلت : مر بكم رجل عليه مقطعات يمنية ؟ قالوا : ما رأينا أحدا فكانوا يرون أنه إلياس .

ثم رواه من طريق أخرى ، عن ثابت ، بنحوه . وليس فيه ذكر إلياس .

وفي قوله: ( غَافِرِ الذَّنْبِ ) وجهان ; أحدهما: أن يكون بمعنى يغفر ذنوب العباد, وإذا أريد هذا المعنى, كان خفض غافر وقابل من وجهين, أحدهما من نية تكرير " من ", فيكون معنى الكلام حينئذ: تنـزيل الكتاب من الله العزيز العليم, من غافر الذنب, وقابل التوب, لأن غافر الذنب نكرة, وليس بالأفصح أن يكون نعتا للمعرفة, وهو نكرة, والآخر أن يكون أجرى في إعرابه, وهو نكرة على إعراب الأول كالنعت له, لوقوعه بينه وبين قوله: ( ذِي الطَّوْلِ ) وهو معرفة.. وقد يجوز أن يكون أتبع إعرابه وهو نكرة إعراب الأول, إذ كان مدحا, وكان المدح يتبع إعرابه ما قبله أحيانا, ويعدل به عن إعراب الأول أحيانا بالنصب والرفع كما قال الشاعر:

لا يَبْعَــدَنْ قَــوْمي الَّــذِينَ هــمُ

سُـــمُّ العُــدَاةِ وآفَــةُ الجُــزُرِ

النَّــــازِلينَ بِكُـــلّ مُعْـــتَركٍ

والطَّيِّبِيـــــنَ مَعَــــاقِدَ الأزُر (3)

وكما قال جلّ ثناؤه وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ فرفع فعال وهو نكرة محضة, وأتبع إعراب الغفور الودود; والآخر: أن يكون معناه: أن ذلك من صفته تعالى, إذ كان لم يزل لذنوب العباد غفورا من قبل نـزول هذه الآية وفي حال نـزولها, ومن بعد ذلك, فيكون عند ذلك معرفة صحيحة ونعتا على الصحة. وقال: ( غَافِرِ الذَّنْبِ ) ولم يقل الذنوب, لأنه أريد به الفعل, وأما قوله: ( وَقَابِلِ التَّوْبِ ) فإن التوب قد يكون جمع توبة, كما يجمع الدَّومة دَوما والعَومة عَوما من عومة السفينة, كما قال الشاعر:

عَوْمَ السَّفِينَ فَلَمَّا حالَ دُونَهُمُ (4)

وقد يكون مصدر تاب يتوب توبا.

وقد حدثني محمد بن عبيد المحاربي, قال: ثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي إسحاق, قال: جاء رجل إلى عمر, فقال: إني قتلت, فهل لي من توبة؟ قال: نعم, اعمل ولا تيأس, ثم قرأ: ( حم تَنـزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ) .

وقوله: ( شَدِيدُ الْعِقَابِ ) يقول تعالى ذكره: شديد عقابه لمن عاقبه من أهل العصيان له, فلا تتكلوا على سعة رحمته, ولكن كونوا منه على حذر, باجتناب معاصيه, وأداء فرائضه, فإنه كما أن لا يؤيس أهل الإجرام والآثام من عفوه, وقبول توبة من تاب منهم من جرمه, كذلك لا يؤمنهم من عقابه وانتقامه منهم بما استحلوا من محارمه, وركبوا من معاصيه.

وقوله: ( ذِي الطَّوْلِ ) يقول: ذي الفضل والنعم المبسوطة على من شاء من خلقه; يقال منه: إن فلانا لذو طول على أصحابه, إذا كان ذا فضل عليهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( ذِي الطَّوْلِ ) يقول: ذي السعة والغنى .

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله ( ذِي الطَّوْلِ ) الغنى.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ذِي الطَّوْلِ ) : أي ذي النعم.

وقال بعضهم: الطول: القدرة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فى قوله ( ذِي الطَّوْلِ ) قال: الطول القدرة, ذاك الطول.

وقوله: ( لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) يقول: لا معبود تصلح له العبادة إلا الله العزيز العليم, الذي صفته ما وصف جلّ ثناؤه, فلا تعبدوا شيئا سواه ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) يقول تعالى ذكره: إلى الله مصيركم ومرجعكم أيها الناس, فإياه فاعبدوا, فإنه لا ينفعكم شيء عبدتموه عند ذلك سواه.

---------------------------

الهوامش :

(3) البيتان لخرنق بنت هفان من قصيدة رثت بها زوجها بشر بن عمرو بن مرثد الضبعي ، وابنها علقمة بن بشر وجماعة من قومها قتلوا في معركة ( خزاية الأدب الكبرى للبغدادي 2 : 306 ) ومحل الشاهد في البيتين أنه يجوز قطع نعت المعرفة بالواو ، فقولها: والطيبون نعت مقطوع بالواو من قومي ، للمدح والتعظيم ، يجعله خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الطيبون . وقوله" النازلين" : مقطوع فالنصب ، مع أنه نعت لقومي المرفوع . وإنما نصب بفعل مقدر أي أمدح أو أعني ، أو نحوهما ، واستشهد بهما المؤلف ( الطبري ) على أن قوله تعالى :" غافر الذنب" نعت للفظ" الله" المجرور بمن ، ويجوز في هذا النعت الجر على الإتباع ، كما يجوز فيه القطع بالنصب ، بتقدير فعل : أي أخص غافر الذنب ، أو بالرفع ، بتقدير مبتدإ : أي هو غافر الذنب .

(4) هذا صدر بيت لم نعرف قائله ، ولا عجزه . استشهد به المؤلف على أن التوب في قوله تعالى :" قابل التوب" : قد يكون جمع توبة كما يجمع الدومة دوما ، والعومة عوما ، من عوم السفينة .

التدبر :

وقفة
[3] سميت سورة غافر لأن الله ذكر هذا الوصف الجليل -الذي هو من صفات الله الحسنى- في مطلع السورة الكريمة ﴿غَافِرِ﴾.
لمسة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ قدّم الله مغفرة الذنب على التوبة منه، فكأنه من رحمته ﷻ يغفر للمذنب قبل أن يذنب.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ هذه الآية تفتح شبابيك الأمل لكل من غرق في بحر المعاصي.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ الغافر: هو الذي يستر ذنوب عباده، ويغطيهم بستره، استغفر الله.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ يجمَع للمذنب التائب بين رحمتين: بين أن يقبل توبته فيجعلها له طاعة، وبين أن يمحو عنه بها الذنوب التي تاب منها وندِم على فعلها؛ فيصبحَ كأنه لم يفعلها، وهذا فضل من الله.
تفاعل
[3] إذا قرأت ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، ويا قابل التوب اقبل توبتي.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾، وهذه كقوله: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: 49،50]، يقرن هذين الوصفين كثيرًا في مواضع متعددة ليبقى العبد بين الرجاء والخوف.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ صفتان إلهيتان متلازمتان ليبقى كل عبد متوازيًا دائمًا بين الخوف والرجاء.
لمسة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ يُقرِن الله بين هذين الوصفين في مواضعَ متعددةٍ، ليبقى العبدُ بين الخوفِ والرَّجاءِ.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ صفتين عظيمتين لله سبحانه حتى يبقى العبد بين الرجاء والخوف؛ ولن يدخل الجنة أحدٌ بعمله إلا برحمة الله.
لمسة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ الجمع بين الترغيب في رحمة الله، والترهيب من شدة عقابه: مسلك حسن.
وقفة
[3] رجل من أهل الشام كان يفد إلى عمر بن الخطاب، ثم انتكس وتتابع في الشراب، ثم قال عمر لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقبل بقلبه وأن يتوب الله عليه، فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده ويقول: ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾، قد حذرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه حتى تاب.
وقفة
[3] تأمل كيف قدم مغفرته وتوبته على عقابه وقوته، سبحانك ربنا سبقت رحمتك غضبك! ﴿غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول﴾.
وقفة
[3] ﴿غافِرِ الذَّنبِ وَقابِلِ التَّوبِ شَديدِ العِقابِ ذِي الطَّولِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ﴾ يأتى التوحيد فى خاتمة الآية لتعلم أيها التائب من الذنب أنه لا يغفر الذنوب سواه، ولتعلم أيها المذنب أنه لا يعاقب بالذنوب سواه، والخاتمة خير دليل: ﴿إِلَيهِ المَصيرُ﴾.
وقفة
[3] ما أجمل المُتدبر يقرأ: ﴿غافر الذنب﴾ فيرجو، ﴿وقابل التوب﴾ فيفرح، ﴿شديد العقاب﴾ فيخشى، ﴿ذي الطَول﴾ فيُعظِّم، ﴿لا إله إلا هو﴾ فيوحد، ﴿إليه المصير﴾ فيستعد.
وقفة
[3] ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ وازن قلبك وحياتك بين الخوف والرجاء، والبشارة والنذارة، فحالك تتقلب من حين إلى حين، ولكل حال مفتاح، فأحسن اختيار المفتاح لتحقق الولوج إلى كنوز أسماء الله الحسنى، فتدعو الله بها كما ينبغي وتتخلق بها.
وقفة
[3] ﴿غافِرِ الذَّنبِ وَقابِلِ التَّوبِ شَديدِ العِقابِ ذِي الطَّولِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ إِلَيهِ المَصيرُ﴾ بشراكم، قَدَّم سبحانه الغفران والتوب قبل العقاب، لنا رب غفور رحيم.
تفاعل
[3] ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ استعذ بالله الآن من عقابه.
وقفة
[3] نعبد الله على جانبى الخوف والرجاء، فالخوف فى قوله تعالى: ﴿شَديدِ العِقابِ ذِي الطَّولِ﴾، والرجاء فى قوله تعالى: ﴿غافِرِ الذَّنبِ وَقابِلِ التَّوبِ﴾.
وقفة
[3] ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ كل ما قصرت عنه يدك وأمنيتك (فذو الطول) يوصلها لك سبحانه.
وقفة
[3] ﴿ذِي الطَّولِ﴾ أي ذي الإحسان والتفضل، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا»، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ. [البخاري: 1420].
وقفة
[3] الطول يطلق على مطلق القدرة، فكل ما عجَرَت عنه قدرتك، فاطلبه من: ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾.
وقفة
[3] ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ ترهيب العاصي برجوعه إلى الله كفيل بردعه عن معاصيه، والمعنى: إن كان إليه المصير، فكيف التأخر عن تصحيح المسير؟!

الإعراب :

  • ﴿ غافِرِ الذَّنْبِ:
  • صفة-نعت-للفظ‍ الجلالة مجرور بالكسرة وهو معرفة باضافته الى معرف بألف ولام. الذنب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى الغافر للذنب أي قد غفر الذنب. وقيل الكلمة نكرة وليست معرفة بمعنى يغفر الذنب. فتكون بدلا من لفظ‍ الجلالة. مثل: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه.
  • ﴿ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ:
  • تعرب إعراب غافِرِ الذَّنْبِ» أي على وجهي الاعراب النعت والبدل. ما عدا: شَدِيدِ الْعِقابِ» فهي بدل لأنها نكرة تقديره شديد عقابه لأنه من باب الصفة المشبهة.و«ذي» مجرورة وعلامة جرها الياء لأنها من الاسماء الخمسة وهي مضافة.والواو في «وقابل» قيل: فيها نكتة أي مسألة دقيقة وهي افادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها محاءة للذنوب كأن لم يذنب كأنه قال جامع المغفرة والقبول. أما «التوب» فهو التوبة وهو مصدر: تاب. و «الطول» بمعنى: الفضل.
  • ﴿ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل «انّ» اله: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. الا: أداة استثناء. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع بدل من موضع «لا إله» لأن موضع «لا» وما عملت فيه الرفع على الابتداء. وخبر «لا» محذوف وجوبا.
  • ﴿ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. المصير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة أي المرجع. والجملة الاسمية لا إِلهَ إِلاّ هُوَ» وجملة إِلَيْهِ الْمَصِيرُ» في محل جر صفتان لله.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [3] لما قبلها :     ٣- غافرِ الذنبِ للمذنبين. ٤- قابلِ التوبِ من التائبين. ٥- شديدِ العقابِ على مَن تجرَّأَ على الذنوب، ولم يتب منها. ٦- صاحبِ الإنعامِ والتفضُّلِ على عبادِه الطائعين. ٧- لا معبود تصلح العبادة له سواه. ٨- إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب، قال تعالى:
﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [4] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ ..

التفسير :

[4] ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله، ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا أنه الإله الحق المستحق للعبادة وحده، فلا يغررك -أيها الرسول- ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب، ونعيم الدنيا وزهرتها.

يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل، فهذا من صنيع الكفار، وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال:{ فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} أي:ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب، بل الواجب على العبد، أن يعتبر الناس بالحق، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم ولا عقل له.

ثم هون- سبحانه- على نبيه صلّى الله عليه وسلم من شأن الكافرين، وأخبره بأنهم أتفه من أن يغتر بهم فقال: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ.

والمراد بالجدال هنا: الجدال بالباطل، وأما الجدال من أجل الوصول إلى الحق فمحمود.

وقوله: فَلا يَغْرُرْكَ جواب لشرط محذوف. والتقلب: التنقل من مكان إلى آخر من أجل الحصول على المنافع والمكاسب.

أى: ما يجادل في آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته، عن طريق التكذيب بها والطعن فيها.. إلا الذين كفروا بالحق لما جاءهم، وإذا تقرر ذلك، فلا يغررك- أيها الرسول الكريم- تقلبهم في البلاد، وتصرفهم فيها عن طريق التجارات الرابحة، وجمع الأموال الكثيرة، فإن ما بين أيديهم من أموال إنما هو لون من الاستدراج، وعما قريب ستزول هذه الأموال من بين أيديهم، وستكون عليهم حسرة..

يقول تعالى : ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان ( إلا الذين كفروا ) أي : الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه ، ( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) أي : في أموالهم ونعيمها وزهرتها ، كما قال : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد . متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) [ آل عمران : 196 ، 197 ] ، وقال تعالى : ( نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) [ لقمان : 24 ] .

القول في تأويل قوله تعالى : مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)

يقول تعالى ذكره: ما يخاصم في حجج الله وأدلته على وحدانيته بالإنكار لها, إلا الذين جحدوا توحيده.

وقوله: ( فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ) يقول جلّ ثناؤه: فلا يخدعك يا محمد تصرفهم في البلاد وبقاؤهم ومكثهم فيها, مع كفرهم بربهم, فتحسب أنهم إنما أمهلوا وتقلبوا, فتصرّفوا في البلاد مع كفرهم بالله, ولم يعاجلوا بالنقمة والعذاب على كفرهم لأنهم على شيء من الحق فإنا لم نمهلهم لذلك, ولكن ليبلغ الكتاب أجله, ولتحقّ عليهم كلمة العذاب, عذاب ربك.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ) أسفارهم فيها, ومجيئهم وذهابهم.

ثم قصّ على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قصص الأمم المكذّبة رسلها, وأخبره أنهم كانوا من جدالهم لرسله على مثل الذي عليه قومه الذين أرسل إليهم, وإنه أحلّ بهم من نقمته عند بلوغهم أمدهم بعد إعذار رسله إليهم, وإنذارهم بأسه ما قد ذكر في كتابه إعلاما منه بذلك نبيه, أن سنته في قومه الذين سلكوا سبيل أولئك في تكذيبه وجداله سنته من إحلال نقمته بهم, وسطوته بهم, فقال تعالى ذكره: كذبت قبل قومك المكذبين لرسالتك إليهم رسولا المجادليك بالباطل قوم نوح والأحزاب من بعدهم, وهم الأمم الذين تحزبوا وتجمعوا على رسلهم بالتكذيب لها, كعاد وثمود, وقوم لوط, وأصحاب مَدْيَن وأشباههم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

التدبر :

وقفة
[4] ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الجدال في القرآن والسنة يكون بإنكار ما جاء فيهما، ومعارضة أحكامهما، والجدال في الآيات الكونية يكون بإنكار نسبتها إلى الله، أو إنكار الحكمة من حدوثها كالتخويف والعظة، مع نسبتها إلى الطبيعية.
وقفة
[4] ﴿ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذينَ كَفَروا﴾ وهذا لجهلهم، لذا تسلح بعلم شرعى.
وقفة
[4] ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ آيات الله نوعان: آيات شرعية في القرآن والسنة، وآيات كونية في آثار قدرته في الخلق، والجدال في آيات الله يشمل النوعين.
وقفة
[4] ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلاَدِ﴾ أي بالتكذيب ودفعِها بالباطل، وقصد إدحاض الحقِّ، وإلَّا فالمؤمنونَ يجادلون فيها.
وقفة
[4] ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ فلا يخدعك يا محمد تصرفهم في البلاد، وبقاؤهم ومكثهم فيها، مع كفرهم بربهم، فتحسب أنهم إنما أمهلوا وتقلبوا، فتصرفوا في البلاد مع كفرهم بالله، ولم يعاجلوا بالنقمة والعذاب على كفرهم لأنهم على شيء من الحق، فإنا لم نمهلهم لذلك، ولكن ليبلغ الكتاب أجله، ولتحق عليهم كلمة العذاب؛ عذاب ربك.
وقفة
[4] ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ قال المناوي: «ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة، مرَّ يومًا بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة، فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار، وأثوابه ملطخة بالزيت، وهو في غاية الرثاثة والشناعة، فقبض على لجام بغلته، وقال: يا شيخ الإسلام، تزعم أن نبيكم قال: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فأي سجن أنت فيه؟! وأي جنة أنا فيها؟! فقال: أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم، كأني الآن في السجن، وأنت بالنسبة لما أعدَّ لك في الآخرة من العذاب الأليم، كأنك في جنة، فأسلم اليهودي».
وقفة
[4] ﴿فَلا يَغرُركَ تَقَلُّبُهُم فِي البِلادِ﴾ الكثيرون ينبهرون بما يتنعم به أهل الكفر من متاع الدنيا، وما يدرون أن ذلك هو محض إمهال.
وقفة
[4] ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ آية تشفي الصدور المقهورة، وتداوي النفوس المكلومة، إذا ساورها اليأس والقهر مما يجري.
عمل
[4] ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ أملوا وعلقوا قلوبكم بربكم أيها المؤمنون، فمن ظن انتصار الباطل على الحق فقد أساء الظن بربه.
عمل
[4] احذر من الاغترار بما أُعطي أعداء الإسلام من متاع الدنيا ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾.
وقفة
[4، 5] ﴿ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا﴾ وقال تعالى في العنكبوت: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾ [العنكبوت: 46]، وكم في اختلاف آيات القرآن وأحكامه من جدل واختلاف بين أئمة الممسلمين الكبار؟ الجواب: أن المراد هنا الجدال بالباطل لإبطال الحق كقوله تعالى: ﴿وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق﴾، وجدال المسلمين لإظهار الحق منه وفيه لا لدحوضه.

الإعراب :

  • ﴿ ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ:
  • نافية لا عمل لها. يجادل فعل مضارع مرفوع بالضمة. في آيات: جار ومجرور متعلق بيجادل. الله لفظ‍ الجلالة:مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • أداة حصر لا عمل لها. الذين: اسم: موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «كفروا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فَلا يَغْرُرْكَ:
  • الفاء سببية. لا: ناهية جازمة. يغررك: فعل مضارع مجزوم بلا. وعلامة جزمه. سكون آخره والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ:
  • فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. في البلاد: جار ومجرور متعلق بتقلبهم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [4] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ أن القرآنَ منزلٌ من عنده تعالى؛ بَيَّنَ هنا أن الذين آمنوا لا يجادلون في صدق نسبة القرآن إلى الله، ولا يجادل في صدق القرآن إلا الذين كفروا بالله، ثُمَّ هوَّن على نبيِّه صلى الله عليه وسلم من شأن هؤلاء الكافرين، وأخبره بأنهم أتفه من أن يغتر بهم، قال تعالى:
﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فلا يغررك:
قرئ:
1- بالفك، وهى لغة الحجاز، وبها قرأ الجمهور.
2- بالإدغام، مفتوح الراء، وهى لغة تميم، وبها قرأ زيد بن على، وعبيد بن عمير.

مدارسة الآية : [5] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ ..

التفسير :

[5] كذَّبت قبل هؤلاء الكفار قومُ نوح ومَن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها على الرسل كعاد وثمود، حيث عزموا على إيذائهم وتجمَّعوا عليهم بالتعذيب أو القتل، وهمَّت كل أمة من هذه الأمم المكذبة برسولهم ليقتلوه، وخاصموا بالباطل؛ ليبطلوا بجدالهم الحق فعاقَبْتُهم،

ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق ليبطلوه، وعلى الباطل لينصروه،{ و} أنه بلغت بهم الحال، وآل بهم التحزب إلى أنه{ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} من الأمم{ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أي:يقتلوه. وهذا أبلغ ما يكون الرسل الذين هم قادة أهل الخير الذين معهم الحق الصرف الذي لا شك فيه ولا اشتباه، هموا بقتلهم، فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء إلا العذاب العظيم الذي لا يخرجون منه؟ ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية:{ فَأَخَذْتُهُمْ} أي:بسبب تكذيبهم وتحزبهم{ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} كان أشد العقاب وأفظعه، ما هو إلا صيحة أو حاصب ينزل عليهم أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم فإذا هم خامدون.

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أى: قبل هؤلاء الكافرين المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق قَوْمُ نُوحٍ الذين أغرقناهم بسبب هذا التكذيب لنبيهم.

وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ أى: وكذلك الأقوام الآخرون الذين جاءوا من بعد قوم نوح، قد تحزبوا على أنبيائهم، وأجمعوا على تكذيبهم، كما فعل قوم عاد مع نبيهم هود، وكما فعل قوم ثمود مع نبيهم صالح، وكما فعل أهل مدين مع نبيهم شعيب..

فالضمير في قوله- تعالى-: مِنْ بَعْدِهِمْ يعود إلى قوم نوح. وأفردهم- سبحانه- بالذكر لأنهم أول قوم كذبوا رسولهم بعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. ولم يزدهم دعاؤه لهم إلا عتوا ونفورا.

وقوله- تعالى-: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ بيان لما فعله هؤلاء الأقوام الظالمون مع أنبيائهم الذين جاءوا لهدايتهم..

أى: أن هؤلاء الأقوام المجرمين، لم يكنفوا بالتكذيب لأنبيائهم، بل إن كل أمة منهم قد مكرت بنبيها، وأرادت به السوء، وحاولت أن تتمكن منه بالأسر أو بالقتل، وجادلته بالجدال الباطل، لتزيل به الحق الذي جاء به من عند ربه وتبطله.

والتعبير بقوله: لِيَأْخُذُوهُ يشعر بأن هؤلاء المجرمين كانوا حريصين على التمكن من إيذاء نبيهم ومن الاعتداء عليه، كما يحرص الشخص على أخذ عدوه وأسره ليفعل به ما يشاء.

وقوله- تعالى-: فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ بيان لما آل إليه مكرهم وجدالهم بالباطل.

أى: هموا بما هموا، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، وحاولوا أن يجعلوا رسولهم بمنزلة الأسير فيهم. فكانت نتيجة كل ذلك أن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر، بأن دمرناهم تدميرا فكيف كان عقابي لهم؟ لقد كان عقابا مدمرا، جعلهم أثرا بعد عين، وترك آثار مساكنهم تشهد بهلاكهم واستئصالهم.

ثم قال تعالى مسليا لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب من كذبه من قومه ، بأن له أسوة من سلف من الأنبياء ; فإنه قد كذبهم أممهم وخالفوهم ، وما آمن بهم منهم إلا قليل ، فقال : ( كذبت قبلهم قوم نوح ) وهو أول رسول بعثه الله ينهى عن عبادة الأوثان ، ( والأحزاب من بعدهم ) أي : من كل أمة ، ( وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ) أي : حرصوا على قتله بكل ممكن ، ومنهم من قتل رسوله ، ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ) أي : ماحلوا بالشبهة ليردوا الحق الواضح الجلي .

وقد قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عارم أبو النعمان ، حدثنا معتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن حنش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ رضي الله عنه ] ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا ، فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله " .

وقوله : ( فأخذتهم ) أي : أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الآثام والذنوب العظام ، ( فكيف كان عقاب ) أي : فكيف بلغك عذابي لهم ، ونكالي بهم ؟ قد كان شديدا موجعا مؤلما .

قال قتادة : كان والله شديدا .

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ ) قال: الكفار.

وقوله: ( وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ) يقول تعالى ذكره: وهمت كل أمة من هذه الأمم المكذّبة رسلها, المتحزّبة على أنبيائها, برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه فيقتلوه.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ) : أي ليقتلوه, وقيل برسولهم; وقد قيل: كل أمة, فوجَّهت الهاء والميم إلى الرجل دون لفظ الأمة, وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله " برسولها ", يعني برسول الأمة.

وقوله: ( وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) يقول: وخاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة ليبطلوا بجدالهم إياه وخصومتهم له الحق الذي جاءهم به من عند الله, من الدخول في طاعته, والإقرار بتوحيده, والبراءة من عبادة ما سواه, كما يخاصمك كفار قومك يا محمد بالباطل.

وقوله: ( فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين هموا برسولهم ليأخذوه بالعذاب من عندي, فكيف كان عقابي إياهم, الم أهلكهم فأجعلهم للخلق عبرة, ولمن بعدهم عظة؟ وأجعل ديارهم ومساكنهم منهم خلاء, وللوحوش ثواء.

وقد حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) قال: شديد والله.

التدبر :

وقفة
[5] ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ أرادوا أخذه فأخذهم الله، وراموا قتله فقتلهم الله، فالجزاء من جنس العمل.
وقفة
[5] ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ دلَّ هذا على أن هناك جدالًا بالحق، وهو الجدال فيها لإيضاح ما التبس منها، ومحاورة أهل العلم لاستنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها وعنها، وهذا من أعظم الجهاد.
عمل
[5] لا تجادل بالباطل، وليكن همك الحق ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾.
وقفة
[5] ﴿وَجادَلوا بِالباطِلِ لِيُدحِضوا بِهِ الحَقَّ﴾ مهما جادلوا بالباطل؛ فلن يستطيعوا إخفاء الحق.
وقفة
[5] ﴿فَأَخَذتُهُم﴾ سنة إلهية.
تفاعل
[5] ﴿فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ كَذَّبَتْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ:
  • ظرف زمان متعلق بكذبت و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ويجوز أن يتعلق بحال محذوفة. بمعنى: وجدت قبلهم أي سبقتهم. قوم: فاعل مرفوع بالضمة. نوح: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. وقد أنث الفعل لأن الفاعل بمعنى «أمم» وحذف المفعول اختصارا ولأنه معلوم. أي كذبت الرسل.
  • ﴿ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على «قوم نوح» مرفوعة بالضمة.من بعد: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الأحزاب. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم. وهم عاد وثمود وفرعون وغيرهم.
  • ﴿ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ:
  • الواو عاطفة. وما بعدها: يعرب اعراب «كذبت قوم نوح».برسول: جار ومجرور متعلق بهمت. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لِيَأْخُذُوهُ:
  • اللام حرف جر للتعليل. يأخذوه: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، الهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة «يأخذوه» أي يهلكوه: صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بهمت.
  • ﴿ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ:
  • لواو عاطفة. جادلوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.بالباطل: جار ومجرور متعلق بصفة لمصدر-مفعول مطلق-محذوف. بمعنى: وجادلوا جدالا مقترنا أو ملتبسا بالباطل. ويجوز أن يتعلق بحال محذوفة بتقدير: وجادلوا وهم مبطلون أو مبطلين كل حجة أو برهان.
  • ﴿ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ:
  • تعرب اعراب «ليأخذوا» به: جار ومجرور متعلق بيدحضوا. الحق: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى:ليبطلوا أو يزيلوا بالباطل أو بجدالهم الحق.
  • ﴿ فَأَخَذْتُهُمْ:
  • الفاء سببية. أخذت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ:
  • الفاء: استئنافية. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر «كان» مقدم. عقاب: اسمها مرفوع بالضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هو الحركة الدالة على الياء المحذوفة. والياء المحذوفة خطا واختصارا واكتفاء بالكسرة ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وفي الاستفهام تقرير فيه معنى التعجيب. و «كان» فعل ماض ناقص مبني على الفتح'

المتشابهات :

الكهف: 56﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا
غافر: 5﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     ولَمَّا كان جِدالُ الكفَّارِ ناشئًا عن تَكذيبِ ما جاء به الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم مِن آياتِ اللهِ؛ ذكَرَ هنا مَن كَذَّبَ قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ السَّالِفةِ، وما صار إليه حالُهم مِن حُلولِ نَقِماتِ اللهِ بهم؛ ليَرتَدِعَ بهم كفَّارُ مَن بُعِث الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم إليهم، قال تعالى:
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

برسولهم:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- برسولها، يعود ضمير إلى لفظ «أمة» ، وهى قراءة عبد الله.

مدارسة الآية : [6] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ..

التفسير :

[6] وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذَّبت رسلها، حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.

{ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أي:كما حقت على أولئك، حقت عليهم كلمة الضلال التي نشأت عنها كلمة العذاب، ولهذا قال:{ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}

ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ.

أى: وكما حقت كلمة ربك- أيها الرسول الكريم- ووجبت بإهلاك الأمم الماضية التي كذبت أنبياءها، وجعلهم وقودا للنار، فكذلك تكون سنتنا مع المكذبين لك من قومك، إذا ما استمروا في تكذيبهم لك، ولم يعودوا إلى طريق الحق.

فالآيات الكريمة تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلم وتحذير لمشركي قريش من الاستمرار في غيهم.

وقوله : ( وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ) أي : كما حقت كلمة العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة ، كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الأولى والأحرى ; لأن من كذبك فلا وثوق له بتصديق غيرك .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)

يقول تعالى ذكره: وكما حق على الأمم التي كذبت رسلها التي قصصت عليك يا محمد قصصها عذابي, وحل بها عقابي بتكذيبهم رسلهم, وجدالهم إياهم بالباطل, ليدحضوا به الحق, كذلك وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بالله من قومك, الذين يجادلون في آيات الله.

وقوله: ( أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) اختلف أهل العربية في موضع قوله ( أنَّهُمْ ) , فقال بعض نحويّي البصرة: معنى ذلك: حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار: أي لأنهم, أو بأنهم, وليس أنهم في موضع مفعول ليس مثل قولك: أحققت أنهم لو كان كذلك كان أيضا أحققت, لأنهم. وكان غيره يقول: " أنهم " بدل من الكلمة, كأنه أحقت الكلمة حقا أنهم أصحاب النار.

والصواب من القول في ذلك, أن قوله " أنهم " ترجمة عن الكلمة, بمعنى: وكذلك حقّ عليهم عذاب النار, الذي وعد الله أهل الكفر به.

التدبر :

وقفة
[6] ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ إذا ختم الله على قلب عبد وحكم عليه بالشقاوة، فلن ينفعه كثرة ما يرد عليه من نصح ولا سعاية.
وقفة
[6] ﴿وَكَذلِكَ حَقَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذينَ كَفَروا أَنَّهُم أَصحابُ النّارِ﴾ من مات على الكفر والشرك بالله فهو فى النار قولًا واحدًا.
تفاعل
[6] ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ
  • هذه الآية الكريمة أعربت في سورة يونس. الآية الثالثة والثلاثين. أصحاب:خبر «أن» مرفوع بالضمة. النار: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها في محل رفع «بتأويل مصدر» بدل من كَلِمَةُ رَبِّكَ» أي مثل ذلك الوجوب. وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار أو في محل نصب بحذف لام التعليل.'

المتشابهات :

يونس: 33﴿ كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
غافر: 6﴿وَ كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ ما فعلَ بالأممِ المكذبةِ؛ هَدَّدَ هنا مشركي قريش من الاستمرار في غيهم، فإن سننه تعالى لا تتخلف، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

كلمة:
وقرئ:
1- كلمات، على الجمع، وهى قراءة ابن هرمز، وشيبة، وابن القعقاع، ونافع، وابن عامر.

مدارسة الآية : [7] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ..

التفسير :

[7] الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومَن حول العرش ممن يَحُفُّ به منهم، ينزِّهون الله عن كل نقص، ويحمَدونه بما هو أهل له، ويؤمنون به حق الإيمان، ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين، قائلين:ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً، فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي

يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، وفي ضمن ذلك الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال:{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} أي:عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام، قال تعالى:{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}

{ وَمَنْ حَوْلَهُ} من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة{ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} هذا مدح لهم بكثرة عبادتهم للّه تعالى، وخصوصًا التسبيح والتحميد، وسائر العبادات تدخل في تسبيح الله وتحميده، لأنها تنزيه له عن كون العبد يصرفها لغيره، وحمد له تعالى، بل الحمد هو العبادة للّه تعالى، وأما قول العبد:"سبحان الله وبحمده"فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات.

{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه تسبب لهذا الفضل العظيم.

ثم ولما كانت المغفرة لها لوازم لا تتم إلا بها -غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان، أن سؤالها وطلبها غايته مجرد مغفرة الذنوب- ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة، بذكر ما لا تتم إلا به، فقال:{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} فعلمك قد أحاط بكل شيء، لا يخفى عليك خافية، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ورحمتك وسعت كل شيء، فالكون علويه وسفليه قد امتلأ برحمة الله تعالى ووسعتهم، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه.

{ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من الشرك والمعاصي{ وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} باتباع رسلك، بتوحيدك وطاعتك.{ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أي:قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب.

ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر رحمته بالمؤمنين، وتكريمهم، فذكر أن حملة عرشه من وظائفهم الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم بالخير فقال- تعالى-:

والمراد بالذين يحملون العرش: عدد من الملائكة المقربين إلى الله- تعالى- ولا يعلم عددهم أحد سوى الله- تعالى- لأنه لم يرد نص صحيح في تحديد عددهم.

والمراد بمن حوله: عدد آخر من الملائكة يطوفون بالعرش مهللين مسبحين مكبرين لله- تعالى- كما قال- تعالى-: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ....

وعرش الله- تعالى- كما قال الراغب مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، فعلينا أن نؤمن بان لله- تعالى- عرشا عظيما، أما كيفيته وهيئته فنفوض معرفتها إلى الخالق- عز وجل-.

وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن الكريم في إحدى وعشرين آية.

والاسم الموصول في قوله- تعالى-: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ مبتدأ. وخبره قوله:

يُسَبِّحُونَ ...

والجملة الكريمة مستأنفة ومسوقة لتسلية النبي صلّى الله عليه وسلم ببيان أن هؤلاء الملائكة الذين هم أقرب الملائكة إلى الله- تعالى- يضمون إلى تسبيحهم لذاته- سبحانه-، الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم.

وقد ذكر كثير من المفسرين كلاما طويلا في صفة هؤلاء الملائكة وفي صفة العرش. رأينا أن نضرب عنه صفحا لضعفه وقلة فائدته.

أى: الملائكة الكرام المقربون إلينا، والحاملون لعرشنا، والحافون به، من صفاتهم أنهم يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أى: ينزهون الله- تعالى- عن كل نقص، ويلهجون بحمده وبالثناء عليه بما يليق به.

وَيُؤْمِنُونَ بِهِ- تعالى- إيمانا تاما لا يشوبه ما يتنافى مع هذا الإيمان والإذعان لله الواحد القهار.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة قوله- تعالى-: وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ولا يخفى أن حملة العرش ومن حوله مؤمنون؟.

قلت: فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه، كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح كذلك، كما عقب أعمال الخير بقوله- تعالى-: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا

فأبان بذلك فضل الإيمان .

ويستغفرون للذين آمنوا، أى: أنهم بجانب تسبيحهم وحمدهم لربهم، وإيمانهم به، يتضرعون إليه- سبحانه- أن يغفر للذين آمنوا ذنوبهم.

وفي هذا الاستغفار منهم للمؤمنين، إشعار بمحبتهم لهم، وعنايتهم بشأنهم، لأنهم مثلهم في الإيمان بوحدانية- الله تعالى- وفي وجوب إخلاص العبادة والطاعة له.

ثم حكى- سبحانه- كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً.

والجملة الكريمة على تقدير قول محذوف، وهذا القول في محل نصب على الحال من فاعل يَسْتَغْفِرُونَ وقوله رَحْمَةً وَعِلْماً منصوبان على التمييز.

أى: أنهم يستغفرون للذين آمنوا، حالة كونهم قائلين: يا ربنا يا من وسعت رحمتك ووسع علمك كل شيء، تقبل دعاءنا.

فَاغْفِرْ بمقتضى سعة رحمتك وعلمك لِلَّذِينَ تابُوا إليك توبة صادقة نصوحا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ الحق، وصراطك المستقيم.

وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ أى: وصنهم يا ربنا واحفظهم من الوقوع في جهنم لأن عذابها كرب عظيم.

يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حملة العرش الأربعة ، ومن حوله من الكروبيين ، بأنهم يسبحون بحمد ربهم ، أي : يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص ، والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدح ، ( ويؤمنون به ) أي : خاشعون له أذلاء بين يديه ، وأنهم ( يستغفرون للذين آمنوا ) أي : من أهل الأرض ممن آمن بالغيب ، فقيض الله سبحانه ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب ، ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليهم الصلاة والسلام ، كانوا يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب ، كما ثبت في صحيح مسلم : " إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ولك بمثله " .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد - هو ابن أبي شيبة - حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن عكرمة عن ابن عباس [ رضي الله عنه ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدق أمية في شيء من شعره ، فقال :

رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صدق " . فقال :

والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد

تأبى فما تطلع لنا في رسلها إلا معذبة وإلا تجلد

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " صدق " .

وهذا إسناد جيد : وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة ، فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية ، كما قال تعالى : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) [ الحاقة : 17 ] .

وهنا سؤال وهو أن يقال : ما الجمع بين المفهوم من هذه الآية ، ودلالة هذا الحديث ؟ وبين الحديث الذي رواهأبو داود :

حدثنا محمد بن الصباح البزار ، حدثنا الوليد بن أبي ثور ، عن سماك ، عن عبد الله بن عميرة ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، قال : كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرت بهم سحابة ، فنظر إليها فقال : " ما تسمون هذه ؟ " قالوا : السحاب . قال : " والمزن ؟ " قالوا : والمزن . قال : " والعنان ؟ " قالوا : والعنان - قال أبو داود : ولم أتقن العنان جيدا - قال : " هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض ؟ " قالوا : لا ندري . قال : " بعد ما بينهما إما واحدة ، أو اثنتان ، أو ثلاث وسبعون سنة ، ثم السماء فوقها كذلك " حتى عد سبع سماوات " ثم فوق السماء السابعة بحر ، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال ، بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ، ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ، ثم الله - عز وجل - فوق ذلك " ثم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، من حديث سماك بن حرب ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .

وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية ، كما قال شهر بن حوشب : حملة العرش ثمانية ، أربعة يقولون : " سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك " . وأربعة يقولون : " سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك " .

ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) أي : إن رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم ، وعلمك محيط بجميع أعمالهم [ وأقوالهم ] وحركاتهم وسكناتهم ، ( فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) أي : فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا فيه ، واتبعوا ما أمرتهم به ، من فعل الخيرات وترك المنكرات ، ( وقهم عذاب الجحيم ) أي : وزحزحهم عن عذاب الجحيم ، وهو العذاب الموجع الأليم .

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)

يقول تعالى ذكره: الذين يحملون عرش الله من ملائكته, ومن حول عرشه, ممن يحفّ به من الملائكة ( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يقول: يصلون لربهم بحمده وشكره ( وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) يقول: ويقرّون بالله أنه لا إله لهم سواه, ويشهدون بذلك, لا يستكبرون عن عبادته ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) يقول: ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقرّوا بمثل إقرارهم من توحيد الله, والبراءة من كلّ معبود سواه ذنوبهم, فيعفوها عنهم.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) لأهل لا اله إلا الله.

وقوله: ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ) , وفي هذا الكلام محذوف, وهو يقولون; ومعنى الكلام ويستغفرون للذين آمنوا يقولون: يا ربنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلما. ويعني بقوله: ( وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ) : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك, فعلمت كل شيء, فلم يخف عليك شيء, ورحمت خلقك, ووسعتهم برحمتك.

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب الرحمة والعلم, فقال بعض نحويّي البصرة: انتصاب ذلك كانتصاب لك مثله عبدا, لأنك قد جعلت وسعت كلّ شيء, وهو مفعول له, والفاعل التاء, وجاء بالرحمة والعلم تفسيرا, وقد شغلت عنهما الفعل كما شغلت المثل بالهاء, فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل; وقال غيره: هو من المنقول, وهو مفسر, وسعت رحمته وعلمه, ووسع هو كلّ شيء رحمة, كما تقول: طابت به نفسي, طبت به نفسا, . قال: أما لك مثله عبدا, فإن المقادير لا تكون إلا معلومة مثل عندي رطل زيتا, والمثل غير معلوم, ولكن لفظه لفظ المعرفة والعبد نكرة, فلذلك نصب العبد, وله أن يرفع, واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:

مــا فــي مَعَــدّ والقبـائِلِ كُلِّهـا

قَحْطَــانَ مِثْلُــكَ وَاحِــدٌ مَعْـدُودُ (5)

وقال: ردّ" الواحد " على " مثل " لأنه نكرة, قال: ولو قلت: ما مثلك رجل, ومثلك رجل, ومثلك رجلا جاز, لأن مثل يكون نكرة, وإن كان لفظها معرفة.

وقوله: ( فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) يقول: فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك, فرجع إلى توحيدك, واتبع أمرك ونهيك.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتاده ( فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا ) من الشرك.

وقوله: ( وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) يقول: وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه, ولزموا المنهاج الذي أمرتهم بلزومه, وذلك الدخول في الإسلام.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) : أي طاعتك وقوله: ( وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) يقول: واصرف عن الذين تابوا من الشرك, واتبعوا سبيلك عذاب النار يوم القيامة.

------------------------

الهوامش:

(5) لم اقف على قائله . واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى :" ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" وقد اختلف أهل العربية في نصب رحمة .... الخ . والشاهد في البيت قوله" مثلك واحد" ؛ فيجوز في" واحد" أن يرد على" مثلك" بطريق البدل منه . ويجوز أيضا أن يكون تفسيرا . أي تمييزا لمثل ، لأنه وإن كان معرفة في لفظه ، فهو نكرة في معناه ، فاحتاج من أجل ذلك إلى التفسير" التمييز" مثل قولك : لك مثله أرضا ، وعندي فدان أرضا ، ورطل زيتا . لأن المقادير لا تكون إلا معلومة ، وقوله" مثلك" في المعنى ألفاظ المقادير . وأما نصب رحمة في الآية ، فقد بينه المؤلف .

التدبر :

وقفة
[7] ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ يحملون عرشًا أثقل منهم؛ لكن الله أعانهم بـ (التسبيح).
وقفة
[7] ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أعينوا على حمل العرش بالتسبيح، بالتسبيح تكابد الصعاب.
وقفة
[7] ﴿الَّذِينَ يَحمِلُونَ العَرشَ ومَن حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم﴾ ما مُدحوا بقوَّتهم، وإنما مدحوا بتسبيحهم!
عمل
[7] اقرأ كتابًا تتعرف فيه على صفات الملائكة ووظائفهم ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾.
وقفة
[7] الثناء على الله بتوحيده والتسبيح بحمده أدب من آداب الدعاء ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾.
وقفة
[7] ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ إن قلتَ: ما فائدةُ وصفِ حَمَلَةِ العرش، مع أن إيمانهم به معلوم لكل أحدٍ؟ قلتُ: فائدتُه إظهارُ شرفِ الإِيمان، وفضلِه، والترغيب فيه، كما وُصف الأنبياء عليهم السَّلامُ بالإِيمان والصَّلاح.
وقفة
[7] ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ علمت أقرب الملائكة أن أنفع شيء للمؤمن المغفرة فدعو بها له.
وقفة
[7] ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال السخاوي: «في هذه الآية دليل على أن صفة الإيمان إذا جمعت بين شخصين يجب أن تكون داعية للنصيحة، وأن يستغفر له بظهر الغيب، وإن تباعدت أماكنهم وتفاوتت أجناسهم، فإنه لا اشتراك بين سماوي وأرضي، ولا بين ملك وبشر ومع ذلك لما جمعتهم صفة الإيمان استغفر أهل السماوات العلى لأهل الأرضين السفلى».
عمل
[7] ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ مع عظم عملهم يستغفرون لك؛ فلندع لبعضنا مهما كثرت مشاغلنا.
عمل
[7] ماذا نفعل مع من أساء إلينا ثم اعتذر؟ أنعفو عنه ثم ندعو له ونثني عليه فيمن حولنا؟ انظر هذا الكرم والعفو والرحمة، ثم تأمل حالك؟ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وقفة
[7] قال تعالى عن الملائكة: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ وفيها فائدتان: 1- أن الله لم يذكر عن الملائكة استغفارًا؛ لعدم حاجتهم له، بل هم يسبحون. 2- أنهم قدَّموا بين يدي استغفارهم للمؤمنين تسبيحًا وتحميدًا، وهكذا ينبغي للداعي أن يكون.
تفاعل
[7] ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[7] ﴿يُسَبِّحونَ بِحَمدِ رَبِّهِم﴾ تسبيحًا مقرونًا بالحمد؛ لأن التسبيح ثناءٌ على الله، أما الحمد فشكرٌ لله على نعمه التي سبقتْ.
وقفة
[7] إن قيل: ما فائدة قوله: ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، ومعلوم أن حملة العرش ومن حوله يؤمنون بالله؟ فالجواب: أن ذلك إظهار لفضيلة الإيمان وشرفه.
وقفة
[7] ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بشارة، هذا دليل محبة الملائكة للمؤمنين، قال السعدي: «الدعاء للشخص من أدلِّ الدلائل على محبته؛ لأنه لا يدعو أحد إلا لمن يحبه».
وقفة
[7] ﴿وَيَستَغفِرونَ لِلَّذينَ آمَنوا﴾ وهل هناك ما هو أروع من أن تنشغل الملائكة بالاستغفار لك؟ فلتنل هذا الشرف؛ كن مؤمنًا.
وقفة
[7] ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ أعلم الله المؤمنين أن حملة العرش يدعون لهم، دعوتك بالغيب لأخيك مهما أخفيتها ستبلغه ولو بعد حين.
اسقاط
[7] ﴿ويستغفرون للذين آمنوا﴾ ما أكرم المؤمن على ربه، ها هم ملائكة الرحمن يستغفرون لك، لك أنت!
اسقاط
[7] ﴿ويستغفرون للذين آمنوا﴾ حملة العرش يستغفرون للذين آمنوا، ويدعون لهم دون مقابل، فكيف نضنّ نحن بالدعاء لإخواننا وقد وعدنا بالأجر؟!
وقفة
[7] ﴿ويستغفرون للذين آمنوا﴾ كرامة المؤمنين وفضلهم عند الله تعالى؛ حيث يستغفر لهم الملائكة في السماء ويدعون لهم.
وقفة
[7] ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ كمال لطفه سبحانه أن قيض للمؤمنين أسبابًا لسعادتهم خارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة ودعائهم لهم.
وقفة
[7] ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ حملة العرش ليس بينك وبينهم علاقة، ومع ذلك اشغلوا أنفسهم بالاستغفار لك؛ لتتعلم منهم حب الخير للناس، والدعاء لمن عرفت ومن لم تعرف.
تفاعل
[7] ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ استغفر الآن.
وقفة
[7] قال خلف بن هشام: أتيت سليم بن عيسى لأقرأ عليه، فكنت أقرأ عليه حتى بلغت يومًا سورة غافر، فلما بلغت إلى قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بكى بكاءً شديدًا، ثم قال لي: «يا خلف، ألا ترى ما أعظم حق المؤمن! تُراه نائمًا على فراشه والملائكة يستغفرون له».
عمل
[7] اقتد بالملائكة في الاستغفار لإخوانك المؤمنين ﴿ويستغفرون للذين آمنوا﴾.
اسقاط
[7] ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ علم حملة العرش أن الله يحب دعوة المؤمن لأخيه؛ فأطالوا لهم الدعاء، وأنت هل تدعو لإخوانك؟
وقفة
[7] قال تعالى عن حملة العرش: ﴿وَيَستَغفِرونَ لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا وَسِعتَ كُلَّ شَيءٍ رَحمَةً وَعِلمًا فَاغفِر لِلَّذينَ تابوا وَاتَّبَعوا سَبيلَكَ وَقِهِم عَذابَ الجَحيمِ﴾، ففي الآية دليل على أن صفة الإيمان إذا جمعت بين شخصين يجب أن تكون داعية للنصيحة، وأن يستغفر له بظهر الغيب، وإن تباعدت أماكنهم وتفاوتت أجناسهم.
عمل
[7] ﴿وَيَستَغفِرونَ لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا وَسِعتَ كُلَّ شَيءٍ رَحمَةً وَعِلمًا فَاغفِر لِلَّذينَ تابوا وَاتَّبَعوا سَبيلَكَ وَقِهِم عَذابَ الجَحيمِ﴾ ولماذا يستغفرون للذين آمنوا؟ هم نفوس راقية صافية لا تنشغل إلا بأن تثنى على ربها، وتلهج بالدعاء لغيرها، فابحث عن تلك النفوس حولك فهم كالملائكة.
وقفة
[7] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً﴾ هذه سنة الرحمة، حين يكون وجعك أو خوفك أو عدوك أخطر، يكون ما أعطاك ربك من الرحمة أعظم لتسعها.
عمل
[7] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ تأمل كيف قدم حملة العرش في دعائهم الرحمة على العلم، بقدر يقينك أن علمه وسع كل شيء؛ كن على يقين أن رحمته كذلك.
وقفة
[7] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ فسعني برحمتك؛ لأني شيء من هذا الكون.
وقفة
[7] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ كم تسكب هذه الآية في قلب المؤمن الثقة واليقين! فمن يعلم حالك سيرحمك ويوسع عليك.
وقفة
[7] ﴿ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما﴾ سبحانه: يعلم؛ لكن يرحم.
وقفة
[7] ﴿ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما﴾، ﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾ [الأعراف: 156]، والكافر شىء ولا يدخلها؟ الجواب: المراد بعموم (كل شيء) الخصوص، وهم المؤمنون كقوله: ﴿تدمر كل شيء﴾ [الأحقاف: 25]، أو أن المراد: رحمته في الدنيا، فإنها عامة.
وقفة
[7] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ مهما اتسعت دائرة الذنوب؛ فميدان المغفرة أوسع منها!
وقفة
[7] ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ قرن الله الرحمة بالعلم؛ فكل ما بلغ علم الله -وعلم الله بالغ لكل شيء- فقد بلغته رحمته التي وسعت كل شيء.
وقفة
[7] القدرة على العفو، والتجاوز تنبع من أمرين: الرَّحمة، والعلم ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ﴾؛ اللهم فاجمع لنا بين قلبٍ رحيم، وعلم غزير.
وقفة
[7] ﴿فاغفر للذين تابوا﴾ علمت الملائكة أن الله يحبهم؛ فتقربوا إليه بالشفاعة فيهم، وأحسن القُرَب أن يسأل المحب إكرام حبيبه.
تفاعل
[7] ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ ادعُ الله الآن أن يغفر لك.
وقفة
[7] أيها التائب: هنيئًا لك دعوات الملائكة حملة العرش، والتي جاء في أولها: ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾.
وقفة
[7] ﴿فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم﴾ يكفي التائب شرفًا أن الملائكة وهم حملة العرش تدعوا له بالمغفرة.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. يحملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. العرش: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَمَنْ حَوْلَهُ:
  • الواو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع لأنه معطوف على مرفوع «الذين» حوله: ظرف مكان متعلق بمضمر بمعنى: من استقر من الجهات المحيطة به. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة «استقر حوله» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ يُسَبِّحُونَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «الذين» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى: الملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله منهم ينزهون ربهم عن كل شائبة. وحذف مفعول «يسبحون» لأنه معلوم.
  • ﴿ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيسبحون أو بحال من ضمير «يسبحون» بتقدير: حامدين. رب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ:
  • معطوفة بالواو على «يسبحون» وتعرب اعرابها. به: جار ومجرور متعلق بيؤمنون.
  • ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ:
  • تعرب اعراب «يؤمنون» اللام حرف جر. الذين:اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيستغفرون. والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها.
  • ﴿ آمَنُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ رَبَّنا:
  • منادى بأداة نداء محذوفة اكتفاء بالمنادى على سبيل التعظيم. وأصله:يا ربنا منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. و «نا» ضمير متصل- ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل جر بالاضافة. أي يقولون «ربنا» وجملة «يقولون» في محل رفع لأنها تفسير ليستغفرون. أو في محل نصب على الحال بمعنى قائلين ربنا. واذا كانت الجملة تفسيرية فهي لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. كل:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. شيء: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى وسعت رحمتك وعلمك كل شيء. والأصل وسع كل شيء رحمتك وعلمك. فأسند الفعل الى صاحب الرحمة والعلم ونصب الاسمان على التمييز كأن ذاته سبحانه رحمة وعلم واسعان كل شيء.
  • ﴿ رَحْمَةً وَعِلْماً:
  • تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. علما: معطوفة بالواو على «رحمة» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ فَاغْفِرْ:
  • الفاء: سببية. اغفر: فعل تضرع وتوسل بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت.
  • ﴿ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا:
  • تعرب اعراب لِلَّذِينَ آمَنُوا» واتبعوا: معطوفة بالواو على «تابوا» وتعرب اعرابها. والجار والمجرور «للذين» متعلق باغفر.
  • ﴿ سَبِيلَكَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَقِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على «اغفر» وتعرب اعرابها. وعلامة بناء الفعل حذف آخره حرف العلة. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أول.ويقيت الكسرة دالة على الياء المحذوفة.
  • ﴿ عَذابَ الْجَحِيمِ:
  • مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الجحيم:مضاف اليه مجرورة بالاضافة وعلامة جره الكسرة.'

المتشابهات :

الزمر: 75﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ
غافر: 7﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ
الشورى: 5﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عداوةَ الكُفَّارِ معَ الأنبياءِ والمؤمنينَ، بَيَّنَ هنا حُبَّ الملائكةِ حَمَلةَ العرشِ واستغفارَهم ودعاءَهم للمؤمنينَ، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

العرش:
1- بفتح العين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، وهى قراءة ابن عباس، وفرقة.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف