346606162636465666768697071727374

الإحصائيات

سورة المؤمنون
ترتيب المصحف23ترتيب النزول74
التصنيفمكيّةعدد الصفحات8.00
عدد الآيات118عدد الأجزاء0.37
عدد الأحزاب0.75عدد الأرباع3.00
ترتيب الطول25تبدأ في الجزء18
تنتهي في الجزء18عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 5/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (60) الى الآية رقم (67) عدد الآيات (8)

= وبَيَّنَ هنا أنهم يجتهدُونَ في أعمالِ البرِّ وقلوبُهم خائفةٌ ألَّا يُتَقبّلَ منهم، ثُمَّ بيانُ أنَّه لا تكليفَ إلا بقدرِ الطَّاقةِ، وغفلةُ الكفارِ عن هدي القرآنِ، وإعراضُهم عن سماعِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (68) الى الآية رقم (74) عدد الآيات (7)

لمَّا ذكَرَ إعراضَ الكفَّارِ عن القرآنِ، ذكَرَ هنا أربعةَ أسبابٍ لذلك، أولُها عدمُ تدُّبرِهِم القرآنَ، ولو شرعَ اللهُ للنَّاسِ ما يوافقُ أهواءَهَم لفسدتْ السمواتُ والأرضُ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة المؤمنون

المؤمنون؛ أين أنت من صفاتهم؟

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • أين أنت من هذه الصفات؟:   هذه السورة تذكر لك أهم صفات المؤمنين؛ لتراجع تصرفاتك وتقيم أعمالك. وكأنها تسأل قارئ القرآن: أين أنت من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين الذين عُرضت عليك صفاتهم؟ كما أنها تلفت نظرك إلى معنى مهم: وهو أن هذه الصفات تجمع ما بين الأخلاق والعبادات، فترى أول صفة هي صفة عبادة، ثم التي بعدها صفة خلق وهكذا.
  • • تعالوا بنا الآن نعرض الآيات والصفات على أنفسنا (الإسقاط)::   تبدأ السورة بقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ﴾ (1)، فمن هم؟ وكيف نكون منهم؟ تعالوا نبدأ الرحلة، نعرض صفات المؤمنين على أنفسنا (ونعطي لكل صفة تحققت فينا درجة من 10): 1- ﴿ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ﴾ (2): كيف تؤدي صلاتك؟ هل تخشع فيها أم لا؟ كم نقطة تعطي نفسك عن هذا السؤال؟ 2- ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ﴾ (3): هل تمسك لسانك عما لا يفيد من الكلام؟ هل تعرض عن مجالس الغيبة؟ هل تقع في النميمة؟ 3- ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ (4): هل أخرجت زكاة مالك أم لا؟ متى تصدقت آخر مرة؟ وبكم؟ 4- ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ﴾ (5): كيف أنت مع حفظ الفرج؟ والعفة والبعد عن كل ما يؤدي إلى الزنا؟ 5، 6- ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ﴾ (8): كيف حفظك للأمانة؟ من أبسط الأمانات (مبلغ صغير أو كتاب استعرته من صديق)، إلى أمانة الدين وحفظه ونشره بين الناس؟ هل تحافظ على عهودك؟ 7- ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ﴾ (9): هل تحافظ على الصلاة في أول وقتها؟ وتحافظ على الجماعة؟ كم نقطة تعطي نفسك على أداء الصلاة والمحافظة عليها؟
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «المؤمنون».
  • • معنى الاسم ::   المؤمنون: هم مَن آمن بأركان الإيمان الستة؛ اعتقادًا وقولًا وعملًا.
  • • سبب التسمية ::   : لافتتاحها بفلاح المؤمنين، وصفاتهم، وجزائهم في الآخرة.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة قد أفلح»؛ لافتتاحها بهذا.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   صفات المؤمنين الصادقين, وأصول الدين من التوحيد والرسالة والبعث.
  • • علمتني السورة ::   أن التدرج في الخلق والشرع سُنَّة إلهية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن عاقبة الكافر الندامة والخسران: ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من طاب مطعمه طاب عمله، ثمرة أكل الحلال الطيب العمل الصالح: ﴿أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَصَلَّى فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى أَوْ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ. وسورة المؤمنون من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • احتوت سورة المؤمنون على 11 آية تعتبر من الآيات الجوامع؛ حيث جمعت أوصاف المؤمنين وأخلاقهم وبيان ما يجب عليهم تجاه ربهم وتجاه الناس، وهي الآيات (من 1 إلى 11).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نجاهد أنفسنا للاتصاف بصفات المؤمنين؛ فنكون: ممن يخشع في صلاته، وممن يبتعد عن الكلام الذي لا فائدة منه، ويخرج زكاة ماله، ويبتعد عن الزنا، ويحافظ على الأمانة، والعهود والوعود، والصلوات: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ (1-9).
    • أن نتذكر عند الشرب أو الغسل أن نعمة الماء العذب من أكثر نعم الله الدنيوية علينا، ونكثر من شكر الله عليها: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ (18).
    • ألا نتكل على نسبنا؛ فالأنساب لا تنجي من عذاب الله: ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ (27).
    • أن نتذكر موقفًا أنقذنا الله فيه من حرج أو خطر، ونحمد الله على ذلك: ﴿فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (28).
    • أن نتدبر قصص المرسلين، ونتأملها؛ فإن الله ما ذكرها إلا لما فيها من الدروس والعبر: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ (30).
    • أن نستعيذ بالله أن يلهينا النعيم عن طاعته والقرب منه: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ (33).
    • أن نحذر من الخروج عن جماعة المسلمين: ﴿وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (52-53).
    • أن ننتبه من غفلتنا؛ فقد تكون النعم المنزلة علينا استدراجًا: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ﴾ (55-56).
    • ألا نغتر بعملنا الصالح؛ بل نبقى خائفين من الله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ (57).
    • أن نكون من المسارعين في الخيرات؛ الذين من صفاتهم: الخشية والخوف من الله تعالى، الإيمان بآيات الله تعالى، عدم الإشراك بالله، الإنفاق والعطاء في سبيل الله والخوف منه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ (57-61).
    • أن نحذر اتباع الهوى؛ فإنه مفسدة: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾ (71).
    • أن نتضرع إلى الله أن يكشف الكرب والضر عن المسلمين: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾.
    • أن نقرأ ونتفكر في نعمة السمع، والبصر، والعقل، ثم نشكر الله عليها: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ (78).
    • أن نحسِن إلى شخصٍ أساءَ إلينا بمسامحتِه وإهداءِ هديةٍ له: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ (96).
    • أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين: ﴿وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ (97).
    • أن نعمل الصالحات في حياتنا؛ حتى لا تكون أمنياتنا عند الممات: ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا﴾ (99-100).
    • أن ندعو الله بهذا الدعاء: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ (109).
    • أن ننصح من يسخر من الدعاةِ إلى اللهِ, ونقرأْ عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ۞ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ (109، 110). • ألا نصرف شيئًا من الدعاء لغير الله: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (117).

تمرين حفظ الصفحة : 346

346

مدارسة الآية : [60] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ ..

التفسير :

[60] والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر، وقلوبهم خائفة ألَّا تُقبل أعمالهم، وألا تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب.

{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أي:يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك،{ و} مع هذا{ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي:خائفة{ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أي:خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات.

ثم بين- سبحانه- صفتهم الرابعة فقال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ.

قرأ القراء السبعة يُؤْتُونَ ما آتَوْا بالمد، على أنه من الإتيان بمعنى الإعطاء، والوجل: استشعار الخوف. يقال: وجل فلان وجلا فهو واجل، إذا خاف، أى: يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر، ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأى سبب من الأسباب فهم كما قال بعض الصالحين: لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: أى: يعطون العطاء وهم خائفون أن لا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط.

كما روى الإمام أحمد عن عائشة أنها قالت: «يا رسول الله الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هو الذي يسرق ويزنى ويشرب الخمر، وهو يخاف الله- عز وجل-؟

قال: «لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلى ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله- تعالى-» .

ثم قال- رحمه الله- وقد قرأ آخرون: والذين يأتون ما أتوا.. من الإتيان.

أى: يفعلون ما فعلوا وهم خائفون ...

وقوله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) أي : يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء . وهذا من باب الإشفاق والاحتياط ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا مالك بن مغول ، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، عن عائشة; أنها قالت : يا رسول الله ، ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال : " لا يا بنت أبي بكر ، يا بنت الصديق ، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو يخاف الله عز وجل " .

وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم ، من حديث مالك بن مغول ، به بنحوه . وقال : " لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ، وهم يخافون ألا يقبل منهم

يعني تعالى ذكره بقوله: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) والذين يعطون أهل سُهْمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم.( مَا آتَوْا ) يعني: ما أعطوهم إياه من صدقة، ويؤدّون حقوق الله عليهم في أموالهم إلى أهلها( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) يقول: خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله، فهم خائفون من المرجع إلى الله لذلك، كما قال الحسن: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبجر، عن رجل، عن ابن عمر: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: الزكاة.

حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: ( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: المؤمن ينفق ماله وقلبه وَجِل.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي الأشهب، عن الحسن، قال: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: يعملون ما عملوا من أعمال البر، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم.

حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: المؤمن ينفق ماله ويتصدق ، وقلبه وجل أنه إلى ربه راجع.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَيَّة، عن يونس، عن الحسن أنه كان يقول: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا، ثم تلا الحسن: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِلَى ( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) وقال المنافق: إنما أوتيته على علم عندي.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) قال: يُعْطون ما أعطوا.( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) يقول: خائفة.

حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، في قوله: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت، وهي من المبشرات.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: يعطون ما أعطَوا ويعملون ما عملوا من خير، وقلوبهم وجلة خائفة.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.

حدثنا عليّ، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس، قوله: ( والذين يؤتون ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) يقول: يعملون خائفِين.

قال: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: يعطون ما أعطوا ؛ فرقا من الله ووجلا من الله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) ينفقون ما أنفقوا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: يعطون ما أعطوا وينفقون ما أنفقوا ويتصدقون بما تصدقوا وقلوبهم وجلة؛ اتقاء لسخط الله والنار. وعلى هذه القراءة، أعني على ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) قرأة الأمصار، وبه رسوم مصاحفهم وبه نقرأ؛ لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، ووفاقه خطّ مصاحف المسلمين.

وروي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، ما حدثناه أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا عليّ بن ثابت. عن طلحة بن عمرو، عن أبي خلف، قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة، فسألها عبيد، كيف نقرأ هذا الحرف ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) ؟ فقالت: ( يَأْتُونَ مَا أَتَوْا ). وكأنها تأولت في ذلك : والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون من الله .

كالذي حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمر بن قيس، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قالت عائشة: " يا رسول الله ( وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال: لا وَلَكِنْ مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ وَجِلٌ .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مالك بن مِغْول، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، أن عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله ( الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أهم الذين يُذنبون وهم مُشْفِقُون (1) ! ويصومون وهم مشفقون؟

حدثنا أبو كريب، قال، ثنا ابن إدريس، قال: ثنا ليث، عن مغيث، عن رجل من أهل مكة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله ( الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: فذكر مثل هذا.

حدثنا سفيان بن وكيع، قال، ثنا أبي، عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن عائشة أنها قالت: " يا رسول الله ( الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: لا يابْنَة أبي بَكْرٍ، أو يابْنَةَ الصّدِيق، وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيخافُ أنْ لا يُقْبَل مِنْهُ " .

حدثنا القاسم، قال، ثنا الحسين، قال: ثني جرير، عن ليث بن أبي سليم، وهشيم عن العوّام بن حَوْشب ، جميعا عن عائشة أنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يابْنَةَ أبي بَكْر ، أو يابْنَةَ الصِّدِّيق، هُمُ الَّذِينَ يُصَلونَ ، وَيَفْرَقُونَ أنْ لا يُتَقَبَّلَ مِنْهم ". و أن من قوله: ( أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) في موضع نصب؛ لأن معنى الكلام: (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) من أنهم، فلما حذفت (منْ) اتصل الكلام قبلها فنصبت، وكان بعضهم يقول: هو في موضع خفض، وإن لم يكن الخافض ظاهرا.

------------------------

الهوامش :

(1) لعل فيه سقطًا ، والأصل : قال : " لا " ولكن الذين يصلون وهم مشفقون ، ويصومون .... " إلخ ، كما يتضح من حديث عائشة الآتي بعد .

التدبر :

وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ أي خائفة، يقول الحسن البصري: «يعملون ما يعملون من أعمال البر، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم، إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنًا».
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ من علامات قبول العبادة: أن تزيد صاحبها من الله خشية لا تغرّه ولا تؤمّنه.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ المؤمن يجمع بين إحسان في الطاعة وخشية والمنافق يجمع بين إساءة وأمنًا.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ قال الحسن: «لقد أدركنا أقوامًا كانوا من حسناتهم أن تُردَّ عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذَّبوا عليها».
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ قال القشيري: «يُخلِصون في الطاعات من غير إلمامٍ بتقصير، أو تعريجٍ في أوطان الكسل، أو جنوحٍ إلى الاسترواح بالرُّخَص، ثم يخافون كأنهم ألمّوا بالفواحش، ويلاحظون أحوالهم بعين الاستصغار، والاستحقار، ويخافون بغتات التقدير، وقضايا السخط».
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ المؤمنُ يجتهدُ في العملِ الصالحِ ثم يخافُ أيُقبلُ منه أم لا، والمنافقُ يسيئُ ويأمنُ.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ المؤمن جمع إيمانًا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنًا.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ مهما كان عملك كبير؛ لا تذكره في جانب فضل العلي الكبير ﷻ.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ قال حذيفة بن قتادة المرعشي: «إن لم تخش أن يعذبك الله على أفضل عملك؛ فأنت هالك».
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ قال بن أبي رواد: «أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم؛ أيقبل منهم أم لا؟».
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ خوف المؤمن من عدم قبول عمله الصالح.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ المؤمن يُحسن ويخاف، أما المنافق يسيئ ويأمن.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ لم يبيّن ﷲ حجم الإنفاق كثيرًا أو قليلًا بقدر ما بَيَّنَ الصفة وهي الخوف؛ اهتم بعبادة قلبك تفلح.
تفاعل
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ يعمل الإنسان صالحًا ويخاف ألا يتقبل منه، ولذا يسأل الله القبول، وهذا إبراهيم في بناء الكعبة يردد: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، سل الله أن يتقبل صيامك وقيامك.
وقفة
[60] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾، قَالَتْ عَائِشَةُ: «أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟»، قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ, وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ, وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ تُقْبَلَ مِنْهُمْ؛ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ» [الترمذي 3175، وصححه الألباني].
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ الفرق بيننا وبين الصحابة أنهم خافوا من حسناتهم ألَّا تُقبل، ولم نخف من ذنوبنا أن نُعذَّب بها.
وقفة
[60] يقول ابن رجب: «وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملًا صالحًا ولا حالًا ولا مقالًا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾».
وقفة
[60] من تدبر القرآن علم أن الصالحين لا يخافون من شيء أعظم من خوفهم من أمرين: الخوف من أعمالهم الصالحة ألا تقبل: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةَ﴾ والخوف من زيغ القلب بعد هدايته: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾.
لمسة
[60] ما الفرق بين الخشية والخوف والوجل؟ ترتيب هذه الكلمات هو: الخوف، الخشية، الوجل. (الخوف) توقع أمر مكروه. (الخشية) خوف يشوبه تعظيم، ولذلك أكثر ما تكون الخشية إذا علم المرء ما يخشى منه، ولذلك قال تعالى: ﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ [فاطر: 28]، وقد تكون الخشية أشد الخوف، والسياق هو الذي يحدد. (الوجل) هو الفزع ويربطونه باضطراب القلب تحديدًا: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: 35]، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة» أي: سعفة النخل، وعلامته حصول قشعريرة في الجلد، وفي القرآن لم تجد اسناد الوجل إلا للشخص عامة: (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ [الحجر: 52]، أو للقلب خاصة: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾، في حين أن الخوف والخشية لم يسندا للقلب في القرآن كله.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ أهل الإيمان يجمعون بين إحسان العمل والخشية، وأهل النفاق يجمعون بين تقصير وأمنا.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ إن الله إذا أراد بعبد خيرًا سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه، والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة.
عمل
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ فلنحذر أن نغتر بعملنا في رمضان إعجابًا واستكثارًا، ولنكن على وجل أن يُرد عملنا، ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: 6].
وقفة
[60] ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ الأعمال الظاهرة يعظم قدرها، ويصغر قدرها بما في القلوب، وما في القلوب يتفاضل؛ لا يعرف مقادير ما في القلوب من الإيمان إلا الله.
وقفة
[60] قال سهل التستري: «خوف الصدِّيقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة، وعند كل حركة ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾».
وقفة
[60] القرآن يعلمنا -وخاصة في رمضان- أن لا نغتر بصيامنا ولا بكثرة قيامنا؛ بل يزداد خوفنا بازدياد طاعتنا؛ لأننا نحيا بقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
عمل
[60] تذكر دائمًا وقوفك بين يدي الله تعالى يوم القيامة ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
وقفة
[60] ﴿وَالَّذينَ يُؤتونَ ما آتَوا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم راجِعونَ﴾ قال بعض الصالحين: «لقد أدركنا أقوامًا كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها»، اللهم اجعلنا منهم.
لمسة
[60] عبّر الله تعالى بقوله: ﴿مَا آتَوا﴾ دون ذكر الصدقات أو الأموال؛ ليعُمّ كل أصناف العطاء، وليعُمّ القليل والكثير، فثمّة مؤمنون ليس لهم من المال ما تجب فيه الزكاة، ولكنهم يعطون مما يكسبون.
وقفة
[60] قال سهل بن عبد الله التستري: «إنما خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطوة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾».
وقفة
[60، 61] من خاف ألا يقبل عمله؛ فحري أن يكون من السابقين ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ:
  • الواو عاطفة. الذين: معطوفة على «الذين» التي قبلها. يؤتون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي ينفقون. وجملة «يؤتون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ ما آتَوْا:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. آتوا: فعل ماض مبني على الفتح أو الضم المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة. وبقيت الفتحة دالة عليها. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «آتوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. قلوب: مبتدأ مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه. وجلة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بمعنى: خائفة.
  • ﴿ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ:
  • أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «أن» الى ربّ: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر «أن» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ راجِعُونَ:
  • خبر «أن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. و «أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر أي من أنهم أو لأنهم الى ربهم راجعون.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [60] لما قبلها :     الصفة الرابعة: الخوف من عدم قبول الطاعات، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يؤتون ما آتوا:
1- أي يعطون ما أعطوا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
يأتون ما أتوا، من الإتيان، وهى قراءة عائشة، وابن عباس، وقتادة، والأعمش، والحسن، والنخعي.
أنهم:
وقرئ:
بالكسر، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [61] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ ..

التفسير :

[61] أولئك المجتهدون في الطاعة، دأبهم المسارعة إلى كل عمل صالح، وهم إلى الخيرات سابقون.

{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي:في ميدان التسارع في أفعال الخير، همهم ما يقربهم إلى الله، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه، فكل خير سمعوا به، أو سنحت لهم الفرصة إليه، انتهزوه وبادروه، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه، أمامهم، ويمنة، ويسرة، يسارعون في كل خير، وينافسون في الزلفى عند ربهم، فنافسوهم. ولما كان السابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره، وقد لا يسبق لتقصيره، أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال:

{ وَهُمْ لَهَا} أي:للخيرات{ سَابِقُونَ} قد بلغوا ذروتها، وتباروا هم والرعيل الأول، ومع هذا، قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة، أنهم سابقون.

والمعنى على القراءة الأولى- وهي قراءة الجمهور: السبعة وغيرهم- أظهر لأنه قال- بعد ذلك-: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى، لأوشك أن لا يكونوا من السابقين، بل من المقتصدين أو المقتصرين .

وجملة وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ حال من الفاعل في قوله- تعالى- يُؤْتُونَ.

وجملة أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ تعليلية بتقدير اللام، وهي متعلقة بقوله: وَجِلَةٌ.

أى: وقلوبهم خائفة من عدم القبول لأنهم إلى ربهم راجعون، فيحاسبهم على بواعث أقوالهم وأعمالهم، وهم- لقوة إيمانهم- يخشون التقصير في أى جانب من جوانب طاعتهم له- عز وجل-.

وقد جاءت هذه الصفات الكريمة- كما يقول الإمام الرازي- في نهاية الحسن، لأن الصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي، والثانية: دلت على قوة إيمانهم بآيات ربهم، والثالثة دلت على شدة إخلاصهم، والرابعة: دلت على أن المستجمع لتلك الصفات يأتى بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين، رزقنا الله- سبحانه- الوصول إليها .

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يعود إلى هؤلاء المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات الجليلة.

وهذه الجملة خبر عن قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وما عطف عليه، فاسم «إن» : أربع موصولات، وخبرها جملة أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ...

أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات، يبادرون برغبة وسرعة إلى فعل الخيرات، وإلى الوصول إلى ما يرضى الله- تعالى- وَهُمْ لَها أى: لهذه الخيرات وما يترتب عليها من فوز وفلاح سابِقُونَ لغيرهم.

( أولئك يسارعون في الخيرات ) قال الترمذي : وروي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعيد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا .

وهكذا قال ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والحسن البصري في تفسير هذه الآية .

وقد قرأ آخرون هذه الآية : " والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة " أي : يفعلون ما يفعلون وهم خائفون ، وروي هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ كذلك .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا صخر بن جويرية ، حدثنا إسماعيل المكي ، حدثني أبو خلف مولى بني جمح : أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة ، رضي الله عنها ، فقالت : مرحبا بأبي عاصم ، ما يمنعك أن تزورنا أو : تلم بنا؟ فقال : أخشى أن أملك . فقالت : ما كنت لتفعل؟ قال : جئت لأسأل عن آية في كتاب الله عز وجل ، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها؟ قالت : أية آية؟ فقال : ( الذين يأتون ما أتوا ) أو ) الذين يؤتون ما آتوا ) ؟ فقالت : أيتهما أحب إليك؟ فقلت : والذي نفسي بيده ، لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا أو : الدنيا وما فيها قالت : وما هي؟ فقلت : ( الذين يأتون ما أتوا ) فقالت : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أنزلت ، ولكن الهجاء حرف .

إسماعيل بن مسلم المكي ، وهو ضعيف .

والمعنى على القراءة الأولى وهي قراءة الجمهور : السبعة وغيرهم أظهر; لأنه قال : ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) ، فجعلهم من السابقين . ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك ألا يكونوا من السابقين ، بل من المقتصدين أو المقصرين ، والله تعالى أعلم .

وقوله: ( أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفات صفاتهم، يبادرون في الأعمال الصالحة ، ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ).

قال: والخيرات: المخافة والوجل والإيمان، والكفّ عن الشرك بالله، فذلك المسابقة إلى هذه الخيرات،

قوله: ( وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) كان بعضهم يقول: معناه سبقت لهم من الله السعادة، فذلك سبوقهم الخيرات التي يعملونها.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال، ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) يقول: سبقت لهم السعادة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وهم لها سَابِقُونَ ) ، فتلك الخيرات.

وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى: وهم إليها سابقون. وتأوّله آخرون: وهم من أجلها سابقون.

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله ابن عباس، من أنه سبقت لهم من الله السعادة قبل مسارعتهم في الخيرات، ولما سبق لهم من ذلك سارعوا فيها.

وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالكلام; لأن ذلك أظهر معنييه، وأنه لا حاجة بنا إذا وجهنا تأويل الكلام إلى ذلك، إلى تحويل معنى " اللام " التي في قوله: ( لَهَا سَابِقُونَ ) إلى غير معناها الأغلب عليها.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ لِمَ قال: (في)، ولم يقل: (إلى)؟‏ الجواب: لأن الخير جزء من حياة المسلم، يزداد منه دومًا، بخلاف من يسارع إلى شيء لم يكن فيه أصلًا.
وقفة
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ همهم ما يقربهم إلى الله، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه، فكل خير سمعوا به، أو سنحت لهم الفرصة إليه، انتهزوه وبادروه.
عمل
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ لا تسمح لنفسك أن يسبقك أحد إلى الله، وكن كالملائكة: ﴿فالسابقات سبقا﴾ [النازعات: 4]، يتسابقون في تنفيذ أمر الله.
وقفة
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ ما سارع أحدٌ إلى الخير إلا سبق.
عمل
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ سبقوا بعد أن سارعوا؛ دع الأماني وابدأ العمل.
وقفة
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ لم يقل: (إلى الخيرات)؛ للإشعار بأنهم مستقرون في كل أعمالهم في طريق الخير، فهم ينتقلون من خير إلى خير في دائرة واحدة، وهي دائرة الخير.
وقفة
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ هذا دليل على أن المبادرة إلى الأعمال الصالحة؛ من صلاة في أول الوقت -وغير ذلك من العبادات- هو الأفضل، ومدح الباري أدل دليل على صفة الفضل في الممدوح على غيره.
وقفة
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ من لطائف الآية الكريمة: أن من سارع للخيرات سبق لها, فكان الجزاء مرتبطًا بالعمل.
عمل
[61] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ اختر طاعة من الطاعات، وسابق إليها، وكن مِن أول مَن يفعلها.
اسقاط
[61] ﴿أُولئِكَ يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَهُم لَها سابِقونَ﴾ ابحث فى نفسك، هل أنت منهم؟ هل تسارع فى الخيرات؟ هل تسابق الصالحين فيها؟
لمسة
[61] قال تعالى: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ولم يقلْ: (إلى الخيراتِ)؛ لأنَّهم الآن منهمِكُون في أعمالِ الخيرِ، بخلافِ من يسارعُ إلى شيءٍ، فكأنَّه لم يكن فيه أصلًا.
وقفة
[61] ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ لأن قصدهم السبق كان سببًا لمسارعتهم في الخير، وتأتي بمعنى هم أهل لها، أي هم أهلٌ لكي يكونوا سابقين.
وقفة
[61، 62] ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ لما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر؛ أخبر تعالى أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
وقفة
[61، 62] ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ جاءت بعد قوله: ﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾؛ ليكون من بذل ما يقدر عليه فهو من المسارعين السابقين.

الإعراب :

  • ﴿ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ:
  • الجملة الاسمية: في محل رفع خبر «إن» الواردة في الآية الكريمة السابعة والخمسين. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب والاشارة الى الموصوفين من المؤمنين. يسارعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يسارعون» في محل رفع خبر المبتدأ «أولئك» في الخيرات: جار ومجرور متعلق بيسارعون. أي بمعنى نسارع لهم في جزاء الخيرات.
  • ﴿ وَهُمْ لَها سابِقُونَ:
  • الواو عاطفة. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. لها: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ «هم» سابقون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: وهم لها فاعلون السبق. أو سابقون الناس لأجلها أو ينالونها قبل الآخرة.'

المتشابهات :

آل عمران: 114﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ
الأنبياء: 90﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
المؤمنون: 61﴿أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [61] لما قبلها :     الصفة الخامسة: المسارعة إلى الأعمال الصالحة، قال تعالى:
﴿ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يسارعون:
وقرئ:
يسرعون، مضارع «أسرع» ، وهى قراءة الحر النحوي.

مدارسة الآية : [62] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ..

التفسير :

[62] ولا نكلف عبداً من عبادنا إلا بما يسعه العمل به، وأعمالهم مسطورة عندنا في كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه الملائكة ينطق بالحق عليهم، ولا يُظْلم أحد منهم.

ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر، أخبر تعالى أنه لا يكلف{ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي:بقدر ما تسعه، ويفضل من قوتها عنه، ليس مما يستوعب قوتها، رحمة منه وحكمة، لتيسير طريق الوصول إليه، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه.{ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} وهو الكتاب الأول، الذي فيه كل شيء، وهو يطابق كل واقع يكون، فلذلك كان حقا،{ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} أي لا ينقص من إحسانهم، ولا يزداد في عقوبتهم وعصيانهم.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد، فقال- تعالى- وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...

أى: وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات، أننا لا نكلف نفسا من النفوس إلا في حدود طاقتها وقدرتها. كما قال- تعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها .

والمراد بالكتاب في قوله- تعالى-: وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ.. كتاب الأعمال الذي يحصيها الله- تعالى- فيه ويشهد لذلك قوله- سبحانه-: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقوله- تعالى- وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ.. .

والمراد بنطق الكتاب بالحق: أن كل ما فيه حق وصدق. أى: ولدينا صحائف أعمالكم، التي سجلها عليكم الكرام الكاتبون، وفيها جميع أقوالكم وأفعالكم في الدنيا، بدون زيادة أو نقصان، بل هي مشتملة على كل حق وصدق فقد اقتضت حكمتنا وعدالتنا أننا لا نظلم أحدا وإنما نعطى كل إنسان ما يستحقه من خير، ونعفو عن كثير من الهفوات.

وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد مدحت المؤمنين الصادقين، ووصفتهم بما هم أهله من صفات كريمة.

ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن أحوال الكافرين، فتوبخهم على استمرارهم في غفلتهم، وتصور جزعهم وجؤارهم عند ما ينزل بهم العذاب فتقول:

يقول تعالى مخبرا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا : أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، أي : إلا ما تطيق حمله والقيام به ، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء; ولهذا قال : ( ولدينا كتاب ينطق بالحق ) يعني : كتاب الأعمال ، ( وهم لا يظلمون ) أي : لا يبخسون من الخير شيئا ، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين .

يقول تعالى ذكره: ولا نكلف نفسا إلا ما يسعَها ويصلح لها من العبادة; ولذلك كلَّفناها ما كلفناها من معرفة وحدانية الله، وشرعنا لها ما شرعنا من الشرائع.

( وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ ) يقول: وعندنا كتاب أعمال الخلق بما عملوا من خير وشرّ، ينطق بالحقّ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يقول: يبين بالصدق عما عملوا من عمل في الدنيا، لا زيادة عليه ولا نقصان، ونحن موفو جميعهم أجورهم، المحسن منهم بإحسانه والمسيء بإساءته ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يقول: وهم لا يظلمون، بأن يزاد على سيئات المسيء منهم ما لم يعمله فيعاقب على غير جُرْمه، وينقص المحسن عما عمل من إحسانه فينقص عَمَّا له من الثواب.

التدبر :

وقفة
[62] ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ سقوط التكليف بما لا يُسْتطاع؛ رحمة بالعباد.
عمل
[62] ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ادع ربك أن يقوي ظهرك، لا أن يخفف حملك.
عمل
[62] ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ يجب ألا تمر سيئاتك بذاكرتك مرورًا عابرًا، فغدًا ترى لكتابك لسانًا ناطقًا يشهد عليك، ويتكلم بما عملت بكلتا يديك.
وقفة
[62] ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ مع كل تكليفٍ شرعيٍ تيسير، وربك أعلم بنفسك منك، إنه سبحانه هو العليم الحكيم.
وقفة
[62] ﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها﴾ إن كلفك بأمر؛ فاعلم أن فى وسعك تنفيذه.
وقفة
[62] قال أحدهم: «في لحظات خسرت صحتي ومالي وبيتي وحريتي، وبفضل الله تجاوزتها جميعًا، وخلاصة تجربتي أن الله لا يكلف نفسًا من الإبتلاءات والمصائب إلا ما كان في وسع الإنسان أن يتجاوزها، مصداق لقوله تعالى: ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾».
وقفة
[62] ﴿إلَّا وُسْعهَا﴾ الأمر الذي تظن أنّه فوق طاقتك؛ تأكد أن الله لن يضعه أمامك إلا وجعل بيديك القدرة على تجاوُزه.
وقفة
[62] ﴿وَلَدَينا كِتابٌ يَنطِقُ بِالحَقِّ وَهُم لا يُظلَمونَ﴾ ولله المثل الأعلى، ولكن البعض يخشى كاميرات المراقبة أكثر من خشيتهم خالق السموات والأرض.
وقفة
[62] ﴿وَهُم لا يُظلَمونَ﴾ فهو العدل سبحانه.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً:
  • الواو: استئنافية. لا: نافية لا عمل لها. نكلف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. نفسا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِلاّ وُسْعَها:
  • الاّ: أداة استثناء. وسع: مستثنى منصوب بإلاّ وعلامة نصبه الفتحة. و «ها» ضمير متصل في محل جر بالاضافة ويجوز أن تكون «إلاّ» أداة استثناء لا عمل لها. و «سعها» بدلا من «نفسا» بمعنى لا نكلف نفسا إلاّ على قدر طاقتها.
  • ﴿ وَلَدَيْنا كِتابٌ:
  • الواو استئنافية. لدى: ظرف مكان غير متمكن. بمعنى «عند» مبني على السكون في محل نصب وهو مضاف. و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وشبه الجملة «لدينا» في محل رفع خبر مقدم. كتاب: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أي عندنا كتاب أعمالهم.
  • ﴿ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع صفة لكتاب. ينطق: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى: يشهد عليهم بالحق: جار ومجرور متعلق بصفة لمصدر محذوف بتقدير: ينطق نطقا بالحق. أي يشهد عليهم شهادة ملتبسة بالحق.
  • ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. لا: نافية لا عمل لها. يظلمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة لا يُظْلَمُونَ» في محل رفع خبر المبتدأ «هم».'

المتشابهات :

البقرة: 286﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
الأنعام: 152﴿وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ
الأعراف: 42﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
المؤمنون: 62﴿وَ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [62] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ مسارعتَهم إلى الخيرات وسَبْقَهم إليها، ربما وَهِم واهمٌ أن المطلوبَ منهم ومِن غيرهم أمرٌ غيرُ مقدور أو متعسِّرٌ؛ بَيَّنَ هنا أنه لا يكلِّفُ نفسًا إلا وُسْعَها، قال تعالى:
﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [63] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ ..

التفسير :

[63] لكن قلوب الكفار في ضلال غامر عن هذا القرآن وما فيه، ولهم مع شركهم أعمال سيئة، يُمْهلهم الله ليعملوها، فينالوا غضب الله وعقابه.

يخبر تعالى أن قلوب المكذبين في غمرة من هذا، أي:وسط غمرة من الجهل والظلم، والغفلة والإعراض، تمنعهم من الوصول إلى هذا القرآن، فلا يهتدون به، ولا يصل إلى قلوبهم منه شيء.{ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} فلما كانت قلوبهم في غمرة منه، عملوا بحسب هذا الحال، من الأعمال الكفرية، والمعاندة للشرع، ما هو موجب لعقابهم،{ و} لكن{ لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ} هذه الأعمال{ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} أي:فلا يستغربوا عدم وقوع العذاب فيهم، فإن الله يمهلهم ليعملوا هذه الأعمال، التي بقيت عليهم مما كتب عليهم، فإذا عملوها واستوفوها، انتقلوا بشر حالة إلى غضب الله وعقابه.

قال الجمل: قوله- تعالى-: بَلْ قُلُوبُهُمْ ... هذا رجوع لأحوال الكفار المحكية فيما سبق بقوله: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ ... والجمل التي بينهما وهي قوله: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ إلى قوله وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ اعتراض في خلال الكلام المتعلق بالكفار .

أى: هذه هي أوصاف المؤمنين الصادقين، أما الكافرون فقلوبهم في غَمْرَةٍ مِنْ هذا أى: في جهالة وغفلة مما عليه هؤلاء المؤمنون من صفات حميدة، ومن إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وهؤلاء الكافرون لَهُمْ أَعْمالٌ سيئة كثيرة مِنْ دُونِ ذلِكَ أى من غير ما ذكرناه عنهم من كون قلوبهم في غمرة وجهالة عن الحق هُمْ لَها عامِلُونَ أى: هم مستمرون عليها، ومعتادون لفعلها مندفعون في ارتكابها بدون وعى أو تدبر.

ثم قال منكرا على الكفار والمشركين من قريش : ( بل قلوبهم في غمرة ) أي : غفلة وضلالة ) من هذا ) أي : القرآن الذي أنزله [ الله تعالى ] على رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقوله : ( ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) : قال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ولهم أعمال ) أي : سيئة من دون ذلك ، يعني : الشرك ، ( هم لها عاملون ) قال : لا بد أن يعملوها . كذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وغير واحد .

وقال آخرون : ( ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) أي : قد كتب عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة ، لتحق عليهم كلمة العذاب . وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وهو ظاهر قوي حسن . وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فوالذي لا إله غيره ، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها " .

يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون، من أن إمدادناهم بما نمدّهم به من مال وبنين، بخير نسوقه بذلك إليهم والرضا منا عنهم، ولكن قلوبهم في غمرة عمى عن هذا القرآن. وعنى بالغمرة: ما غمر قلوبهم فغطاها عن فهم ما أودع الله كتابه من المواعظ والعبر والحجج. وعنى بقوله: ( مِنْ هَذَا ) من القرآن.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا ) قال: في عمى من هذا القرآن.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: ( فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا ) قال: من القرآن.

وقوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفار أعمال لا يرضاها الله من المعاصي.( مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) يقول: من دون أعمال أهل الإيمان بالله ، وأهل التقوى والخشية له.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: الخطايا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) قال: الحق.

حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) قال: خطايا من دون ذلك الحقّ.

قال ثنا حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ). .. الآية، قال: أعمال دُون الحق.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة، قال: ذكر الله الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، ثم قال للكفار: ( بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: من دون الأعمال التي منها قوله: مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ والذين، والذين.

حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، قال: أعمال لا بد لهم من أن يعملوها.

حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن حماد بن سلمة، عن حميد، قال: سألت الحسن عن قول الله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: أعمال لم يعملوها سيعملونها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: لم يكن له بد من أن يستوفي بقية عمله، ويصلى به.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، في قوله: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) قال: أعمال لا بدّ لهم من أن يعملوها.

حدثنا عمرو، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى: ( وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ) قال: أعمال لا بدّ لهم من أن يعملوها.

التدبر :

لمسة
[63] ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ استعمل (فِي) فالغمرة والريب واللجة يستعمل معها (في)؛ لأنه ساقط فيها، فالهدى علوٌ وارتفاع، والضلال سقوط، فهم ساقطون في الغمرة لا يستطيعون أن يتبينوا الأمر، لأن الساقط في اللجة أو الغمرة ليس متمكنًا.
وقفة
[63] ﴿بَل قُلوبُهُم في غَمرَةٍ مِن هذا﴾ كما لو كانت غارقة فى الماء ولا تفهم، وهل الغرقى يفهمون؟!
وقفة
[63] ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ المراد بالغمرة: ما غطي قلوبهم من الذنوب, ومن لطائف هذا الوصف دون غيره: لإفادة أن قلوبهم غرقت بما كانوا يعملون من أعمال.
وقفة
[63] ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ قال ابن تيمية: «القلب قد يغمره، فيستولي عليه ما يريده العبد ويحبه وما يخافه ويحذره كائنًا من كان، فإما أن نغمر قلوبنا بذكر الله والدار الآخرة، وإما أن نغمرها بحب المال والبنين الصارف عن ذكر الله والدار الآخرة».
وقفة
[63] أرض القلب إذا بذر فيها: خواطر الإيمان، والخشية والمحبة والإنابة، والتصديق بالوعد، ورجاء الثواب، وسُقيت مرة بعد مرة، وتعاهدها صاحبها بحفظها ومراعاتها، والقيام عليها؛ أثمرت له كل فعل جميل، وملأت قلبه من الخيرات، واستعملت جوارحه في الطاعات؛ فاحذر أن تكون ممن قال الله فيهم: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾.
وقفة
[63] الذنوب سبب لغمرة القلب، وتشتت أحواله، وتركها سبب لسلامته وصحته ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾.
وقفة
[63] من أسباب إعراض الناس عن الحق: غمرة الجهل والتعصب، وعمى التقليد ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾.
وقفة
[63] ﴿بَل قُلوبُهُم في غَمرَةٍ مِن هذا وَلَهُم أَعمالٌ مِن دونِ ذلِكَ هُم لَها عامِلونَ﴾ يالهول هذه الآية! فهم لا يشعرون بحال المؤمنين المسارعين فى الخيرات، بل وغارقون فى آثام وشرور.
وقفة
[63] ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ لما ضلوا عن القرآن انشغلوا بعمل الباطل ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية: 3].

الإعراب :

  • ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ:
  • بل: حرف استدراك لا عمل له. قلوب: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. في غمرة: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ. أي في غفلة غامرة لها.
  • ﴿ مِنْ هذا:
  • حرف جر. هذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «غمرة» أي عن هذا الكتاب الذي يحصي اعمالهم.
  • ﴿ وَلَهُمْ أَعْمالٌ:
  • الواو عاطفة. لهم: اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. أعمال: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. أي ولهم أعمال تحصى عليهم يحاسبون عليها.
  • ﴿ مِنْ دُونِ ذلِكَ:
  • جار ومجرور. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اللام للبعد والكاف للخطاب والجار والمجرور في محل رفع صفة-نعت-لأعمال. أي ولهم خبائث متجاوزة غير ذلك.
  • ﴿ هُمْ لَها عامِلُونَ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع صفة ثانية لاعمال. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. لها: جار ومجرور متعلق بخبر «هم» عاملون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض من تنوين المفرد. أي هم لها فاعلون. أي هم لها معتادون.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [63] لما قبلها :     وبعد ذكر صفات المؤمنين المخلصين؛ يعود الحديث هنا إلى أحوال الكافرين، حيث وَبَّخَهم اللهُ على استمرارهم في غفلتهم، قال تعالى:
﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [64] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ ..

التفسير :

[64] حتى إذا أخذنا المترفين وأهل البطر منهم بعذابنا، إذا هم يرفعون أصواتهم يتضرعون مستغيثين.

{ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} أي:متنعميهم، الذين ما اعتادوا إلا الترف والرفاهية والنعيم، ولم تحصل لهم المكاره، فإذا أخذناهم{ بِالْعَذَابِ} ووجدوا مسه{ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} يصرخون ويتوجعون، لأنه أصابهم أمر خالف ما هم عليه

ثم بين- سبحانه- عند ما ينزل بهم العذاب فقال: حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ.

وحتى هنا: ابتدائية، أى: حرف تبتدئ بعده الجمل، وجملة إِذا أَخَذْنا شرطية.

وجوابها إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ.

والجؤار: الصراخ مطلقا، أو باستغاثة. يقال: جأر الثور يجأر إذا صاح.

وجأر الداعي إلى الله، إذا ضج ورفع صوته بالتضرع إلى الله عز وجل.

أى: حتى إذا عاقبنا هؤلاء المترفين الذين أبطرتهم النعمة. بالعذاب الذي يردعهم ويخزيهم ويذلهم، إذا هم يجأرون إلينا بالصراخ وبالاستغاثة.

وعبر عن عقابهم، بالأخذ، للإشعار بسرعة هذا العقاب وشدته، كما في قوله- تعالى- ... أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ .

وخص المترفين بالذكر، للإشارة إلى أن ما كانوا فيه من التنعم والتمتع والتطاول في الدنيا، لن ينفعهم شيئا عند نزول هذا العذاب بهم.

وقوله : ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون ) يعني : حتى إذا جاء مترفيهم وهم السعداء المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم ( إذا هم يجئرون ) أي : يصرخون ويستغيثون ، كما قال تعالى : ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا . إن لدينا أنكالا وجحيما . وطعاما ذا غصة وعذابا أليما ) [ المزمل : 11 13 ] ، وقال تعالى : ( كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ) .

يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفار من قريش أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، إلى أن يؤخذ أهل النَّعمة والبطر منهم بالعذاب. كما:

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ( إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ ) ، قال: المُتْرَفُون: العظماء.( إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) يقول: فإذا أخذناهم به جأروا، يقول: ضجُّوا واستغاثوا مما حلّ بهم من عذابنا، ولعلّ الجُؤار: رفع الصوت، كما يجأر الثور; ومنه قول الأعشى:

يــرَاوِحُ مِــنْ صَلَــوَاتِ المَـلِي

كِ طَـوْرًا سـجُودًا وَطَـوْرًا جـؤارا (2)

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ( إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) يقول: يستغيثون.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن علقمة بن قردد، عن مجاهد، في قوله: ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) قال: بالسيوف يوم بدر.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، في قوله: ( إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) قال: يجزعون.

قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج: ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ ) قال: عذاب يوم بدر.( إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) قال: الذين بمكة.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ ) يعني أهل بدر، أخذهم الله بالعذاب يوم بدر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قوله: (إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) قال: يجزعون.

------------------------

الهوامش :

(2) البيت للأعشى ( ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص 53) وهو من قصيدة يمدح بها الأعشى قيس بن معد يكرب . ويراوح بين العلمين : يتداول هذا مرة ، وهذا مرة . والجؤار : مصدر جأر إلى الله . إذا تضرع ورفع صوته . يقول : إن ممدوح مع ما وصف به من كرم وقوة ووفاء ، تقيٌّ يراقب ربه ، ويتضرع إليه ويجأر في صلواته . واستشهد به المؤلف على أن الجؤار : رفع الصوت كما يجأر الثور .

التدبر :

وقفة
[64] ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ﴾ الترف مانع من موانع الاستقامة وسبب في الهلاك.
لمسة
[64] ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ خص المترفين بالعذاب في الآية دون بقية القوم؛ لأنهم هم الذين أضلوا عامة قومهم، ولولا نفوذ كلمتهم لاتبعت الرعية الحق، فكان المترفون هم سبب نزول العذاب بالعامّة، وفي أخذ المترفين بالعذاب حكمة؛ فهم أشد إحساسًا بالعذاب لأنهم لم يعتادوا مس الضراء والألم.
وقفة
[64] ﴿حَتّى إِذا أَخَذنا مُترَفيهِم بِالعَذابِ إِذا هُم يَجأَرونَ﴾ وخص المترفين بالذكر؛ للإشارة إلى أن ما كانوا فيه من التنعم والتمتع والتطاول في الدنيا، لن ينفعهم شيئًا عند نزول هذا العذاب بهم.
تفاعل
[64] ﴿أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[64] ﴿يَجْأَرُونَ﴾ يجأر: يرفع صوته صارخًا مما يرى.

الإعراب :

  • ﴿ حَتّى إِذا:
  • حتى: حرف غاية وابتداء. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه متعلق بجوابه أداة شرط‍ غير جازمة.
  • ﴿ أَخَذْنا:
  • فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «أخذنا» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ:
  • مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بالعذاب: جار ومجرور متعلق بأخذنا.
  • ﴿ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ:
  • اذا: فجائية-حرف فجاءة-لا عمل له. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. يجارون: أي يصرخون مستغثين: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يجأرون» في محل رفع خبر «هم» والجملة الاسمية هُمْ يَجْأَرُونَ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [64] لما قبلها :     وبعد توبيخ الكافرين على استمرارهم في غفلتهم؛ بَيَّنَ اللهُ حالهم عندما ينزل بهم العذاب، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [65] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا ..

التفسير :

[65] فيقال لهم:لا تصرخوا ولا تستغيثوا اليوم، إنكم لا تستطيعون نصر أنفسكم، ولا ينصركم أحد من عذاب الله.

، ويستغيثون, فيقال لهم:{ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ} وإذا لم تأتهم النصرة من الله، وانقطع عنهمالغوث من جانبه، لم يستطيعوا نصر أنفسهم، ولم ينصرهم أحد.

وقوله- سبحانه- لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ تأنيب وزجر لهم على جؤارهم وصراخهم. والمراد باليوم. الوقت الذي فيه نزل العذاب بهم.

أى: عند ما أخذناهم بالعذاب المباغت المفاجئ، وضجوا بالاستغاثة والجؤار، قلنا لهم على سبيل التقريع والزجر: لا تجأروا ولا تصرخوا في هذا الوقت الذي أصابكم ما أصابكم فيه من عذاب. فإنكم لن تجدوا من ينجيكم من عذابنا، أو من يدفع عنكم هذا العذاب..

وقوله : ( لا تجئروا اليوم إنكم منا لا تنصرون ) أي : لا نجيركم مما حل بكم ، سواء جأرتم أو سكتم ، لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب .

وقوله: ( لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ) يقول: لا تضجوا وتستغيثوا اليوم وقد نـزل بكم العذاب الذي لا يدفع عن الذين ظلموا أنفسهم، فإن ضجيجكم غير نافعكم ولا دافع عنكم شيئا مما قد نـزل بكم من سخط الله.( إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ ) يقول: إنكم من عذابنا الذي قد حل بكم لا تستنقذون، ولا يخلصكم منه شيء.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس: ( لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ) لا تجزعوا اليوم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا الربيع بن أنس: ( لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ) لا تجزعوا الآن حين نـزل بكم العذاب، إنه لا ينفعكم، فلو كان هذا الجزع قبلُ نفعكم.

التدبر :

وقفة
[65] ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾ حتى التهديد رحمة! تهديدٌ شديد بعذاب قريب، يحل بهم فيجأرون منه ولا يُجارون! فخافوني واحذروني وأطيعوني!
وقفة
[65] ﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾ من يجأر إنما ينادي من ينصره، وأنتم لن تنصروا من جهة الله؛ لأنه إنما ينصر أولياءه، ولن تنصروا من جهة أعداء الله؛ لأنهم اليوم معكم في العذاب مشتركون.

الإعراب :

  • ﴿ لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول- بمعنى: فنقول لهم: لا تصرخوا أو لا تستغيثوا اليوم. لا: ناهية جازمة. تجأروا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف فارقة. اليوم: بمعنى «حينئذ» وهو مفعول فيه-ظرف زمان-منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بلا تجأروا.
  • ﴿ إِنَّكُمْ مِنّا لا تُنْصَرُونَ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب اسم «انّ» والميم علامة جمع الذكور. منا: جار ومجرور متعلق بلا تنصرون و «لا» نافية لا عمل لها. تنصرون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة الفعلية لا تُنْصَرُونَ» في محل رفع خبر «إنّ».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [65] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ أن الكافرين يرفعون أصواتهم يتضرعون مستغيثين؛ بَيَّنَ هنا أن الصريخ والعويل لن ينفعهم، ولن يجدوا من ينجيهم من هذا العذاب، قال تعالى:
﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [66] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ..

التفسير :

[66] قد كانت آيات القرآن تُقرأ عليكم؛ لتؤمنوا بها، فكنتم تنفرون من سماعها والتصديق بها، والعمل بها كما يفعل الناكص على عقبيه برجوعه إلى الوراء.

فكأنه قيل:ما السبب الذي أوصلهم إلى هذا الحال؟ قال:{ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها، فلم تفعلوا ذلك، بل{ كُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} أي:راجعين القهقري إلى الخلف، وذلك لأن باتباعهم القرآن يتقدمون، وبالإعراض عنه يستأخرون وينزلون إلى أسفل سافلين.

ثم بين- سبحانه- الأسباب التي أفضت بهم إلى هذا العذاب المهين، فقال- تعالى-:

قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ....

والأعقاب: جمع عقب، وهو مؤخر القدم وتَنْكِصُونَ من النكوص، وهو الرجوع إلى الخلف. يقال: فلان نكص على عقبيه، إذا رجع إلى الوراء، وهو هنا كناية عن الإعراض عن الآيات.

أى: لا تجأروا ولا تصرخوا، فإن ذلك لن يفيدكم شيئا، بسبب إصراركم على كفركم في حياتكم الدنيا، فقد كانت آياتي الدالة على وحدانيتي تتلى على مسامعكم من نبينا صلّى الله عليه وسلّم ومن المؤمنين به، فكنتم تعرضون عن سماعها أشد الإعراض، وكنتم تستهزءون بها، وتكادون تسطون بالذين يتلونها عليكم.

ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ) أي : إذا دعيتم أبيتم ، وإن طلبتم امتنعتم; ( ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ) [ غافر : 12 ] .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش: لا تضجوا اليوم وقد نـزل بكم سخط الله وعذابه، بما كسبت أيديكم واستوجبتموه بكفركم بآيات ربكم.( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ) يعني: آيات كتاب الله، يقول: كانت آيات كتابي تقرأ عليكم فتكذّبون بها وترجعون مولين عنها إذا سمعتموها، كراهية منكم لسماعها. وكذلك يقال لكل من رجع من حيث جاء: نكص فلان على عقبه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد ( فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ) قال: تستأخرون.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ) يقول: تدبرون.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ) يعني أهل مكة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (تَنْكِصُونَ) قال: تستأخرون.

التدبر :

وقفة
[66] ﴿فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ﴾ أي: راجعين القهقرى إلى الخلف؛ وذلك لأن باتِّباعهم القرآن يتقدمون، وبالإعراض عنه يستأخرون، وينْزلون إلى أسفل سافلين.

الإعراب :

  • ﴿ قَدْ كانَتْ آياتِي:
  • قد: حرف تحقيق. كانت: فعل ماض ناقص مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. آياتي: اسم «كان» مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة والياء ضمير متصل في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ تُتْلى عَلَيْكُمْ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كانت».تتلى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عليكم: جار ومجرور متعلق بتتلى والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ:
  • الفاء عاطفة. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. على أعقاب: جار ومجرور متعلق بخبر «كان» والميم علامة جمع الذكور. والأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم. والنكوص على الأعقاب كناية عن الهرب. والكاف في «أعقابكم» ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ تَنْكِصُونَ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «كان» بمعنى «تفرون» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.'

المتشابهات :

المؤمنون: 66﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ
المؤمنون: 105﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
الجاثية: 31﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [66] لما قبلها :     ولَمَّا وصفَ اللهُ عذاب الكافرين؛ بَيَّنَ هنا السبب الذي أدى بهم إلى هذا العذاب المهين، وهو: الإعراض عن القرآن، قال تعالى:
﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [67] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ

التفسير :

[67] تفعلون ذلك مستكبرين على الناس بغير الحق بسبب بيت الله الحرام، تقولون:نحن أهله لا نُغْلَب فيه، وتتسامرون حوله بالسيِّئ من القول.

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} قال المفسرون معناه:مستكبرين به، الضمير يعود إلى البيت، المعهود عند المخاطبين، أو الحرم، أي:متكبرين على الناس بسببه، تقولون:نحن أهل الحرم، فنحن أفضل من غيرنا وأعلى،{ سَامِرًا} أي:جماعة يتحدثون بالليل حول البيت{ تَهْجُرُونَ} [أي:تقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في]هذا القرآن.

فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن، الإعراض عنه، ويوصي بعضهم بعضا بذلك{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وقال الله عنهم:{ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ* وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ}{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل، لا جرم حقت عليهم العقوبة، ولما وقعوا فيها، لم يكن لهم ناصر ينصرهم، ولا مغيث ينقذهم، ويوبخون عند ذلك بهذه الأعمال الساقطة

وقوله- تعالى- مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ مقرر لمضمون ما قبله، من إعراضهم عن آيات الله. ونكوصهم على أعقابهم عند سماعها.

والضمير في بِهِ يرى جمهور المفسرين أنه يعود إلى البيت الحرام، والباء للسببية.

وقوله: «سامرا» اسم جمع كحاج وحاضر وراكب، مأخوذ من السمر وأصله ظل القمر وسمى بذلك لسمرته، ثم أطلق على الحديث بالليل. يقال: سمر فلان يسمر- ككرم يكرم- إذا تحدث ليلا مع غيره بقصد المسامرة والتسلية.

وقوله: تَهْجُرُونَ قرأه الجمهور- بفتح التاء وضم الجيم- مأخوذ من الهجر- بإسكان الجيم- بمعنى الصد والقطيعة، أو من الهجر- بفتح الجيم- بمعنى الهذيان والنطق بالكلام الساقط، بسبب المرض أو الجنون.

وقرأ نافع تَهْجُرُونَ بضم التاء وكسر الجيم- مأخوذ من هجر هجارا إذا نطق بالكلام القبيح.

والمعنى: قد كانت آياتي تتلى عليكم- أيها المستغيثون من العذاب- فكنتم تعرضون عنها، ولم تكتفوا بهذا الإعراض، بل كنتم متكبرين على المسلمين بالبيت الحرام، وكنتم تتسامرون بالليل حوله، فتستهزئون بالقرآن، وبالرسول صلّى الله عليه وسلّم وبتعاليم الإسلام وتنطقون خلال سمركم بالقول الباطل، الذي يدل على مرض قلوبكم، وفساد عقولكم، وسوء أدبكم.

وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ وسامِراً وتَهْجُرُونَ أحوال ثلاثة مترادفة على واو الفاعل في تَنْكِصُونَ أو متداخلة، بمعنى أن كل كلمة منها حال مما قبلها.

قال القرطبي: مُسْتَكْبِرِينَ حال، والضمير في بِهِ قال الجمهور: هو عائد على الحرم، أو المسجد، أو البلد الذي هو مكة. وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر.

أى: يقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف. وقيل: المعنى أنهم يعتقدون في نفوسهم أن لهم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل فيستكبرون لذلك.

وقالت فرقة: الضمير عائد على القرآن، من حيث ذكرت الآيات.

والمعنى: يحدث لكم سماع آياتي كبرا وطغيانا فلا تؤمنوا بي ... » .

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يراها تصور حسرة المشركين وجؤارهم يوم ينزل بهم العذاب تصويرا بديعا، كما تبين ما كانوا عليه من غرور وسوء أدب، مما جعلهم أهلا لهذا المصير الأليم.

ثم تنتقل السورة الكريمة من تأنيبهم وتيئيسهم من الاستجابة لجؤارهم، إلى سؤالهم بأسلوب توبيخي عن الأسباب التي أدت بهم إلى الإعراض عما جاءهم به رسولهم صلّى الله عليه وسلّم فتقول:

وقوله : ( مستكبرين به سامرا تهجرون ) : في تفسيره قولان ، أحدهما : أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه ، استكبارا عليه واحتقارا له ولأهله ، فعلى هذا ؛ الضمير في ) به ) فيه ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه الحرم بمكة ، ذموا لأنهم كانوا يسمرون بالهجر من الكلام .

والثاني : أنه ضمير القرآن ، كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام : " إنه سحر ، إنه شعر ، إنه كهانة " إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة .

والثالث : أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة ، ويضربون له الأمثال الباطلة ، من أنه شاعر ، أو كاهن ، أو ساحر ، أو كذاب ، أو مجنون . وكل ذلك باطل ، بل هو عبد الله ورسوله ، الذي أظهره الله عليهم ، وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء .

وقيل : المراد بقوله : ( مستكبرين به ) أي : بالبيت ، يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه ، وليسوا بهم ، كما قال النسائي في التفسير من سننه :

أخبرنا أحمد بن سليمان ، أخبرنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال : إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية : ( مستكبرين به سامرا تهجرون ) ، فقال : مستكبرين بالبيت ، يقولون : نحن أهله ، ( سامرا ) قال : يتكبرون [ ويسمرون فيه ، ولا ] يعمرونه ، ويهجرونه .

وقد أطنب ابن أبي حاتم هاهنا بما ذا حاصله .

وقوله: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) يقول: مستكبرين بحرم الله، يقولون: لا يظهر علينا فيه أحد، لأنا أهل الحرم.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) يقول: مستكبرين بحرم البيت أنه لا يظهر علينا فيه أحد.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) قال: بمكة البلد.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، نحوه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) قال: مستكبرين بحرمي.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) بالحرم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) قال: مستكبرين بالحرم.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، مثله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) قال: بالحرم.

وقوله: ( سَامِرًا ) يقول: تَسْمُرون بالليل. ووحد قوله: ( سَامِرًا ) وهو بمعنى السُّمَّار؛ لأنه وضع موضع الوقت. ومعنى الكلام: وتهجرون ليلا فوضع السامر موضع الليل، فوحد لذلك. وقد كان بعض البصريين يقول: وحد ومعناه الجمع، كما قيل: طفل في موضع أطفال. ومما يبين عن صحة ما قلنا في أنه وضع موضع الوقت فوحد لذلك، قول الشاعر.

مِــنْ دُونِهِــم إن جِــئْتَهُم سَـمَرًا

عَــزْفُ القِيــانِ وَمَجْــلِسٌ غَمْـرُ (3)

فقال: سمرا؛ لأن معناه: إن جئتهم ليلا وهم يسمُرون، وكذلك قوله: ( سَامِرًا ).

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( سَامِرًا ) يقول: يَسْمُرون حول البيت.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( سَامِرًا ) قال: مجلسًا بالليل.

حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( سَامِرًا ) قال: مجالس.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن سعيد بن جُبير: ( سَامِرًا ) قال: تَسْمُرون بالليل.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( سَامِرًا ) قال: كانوا يسمرون ليلتهم ويلعبون: يتكلمون بالشعر والكهانة وبما لا يدرون.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( سَامِرًا ) قال: يعني سَمَر الليل.

وقال بعضهم في ذلك ما حدثنا به ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( سَامِرًا ) يقول: سامرا من أهل الحرم آمنا لا يخاف، كانوا يقولون: نحن أهل الحرم، لا يخافون.

حدثنا الحسن، قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قَتادة: ( سَامِرًا ) يقول: سامرًا من أهل مكة آمنا لا يخاف، قال: كانوا يقولون: نحن أهل الحرم لا نخاف.

وقوله: ( تَهْجُرُونَ ) اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: ( تَهْجُرُونَ ) بفتح التاء وضم الجيم. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون عنى أنه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضه. والآخر: أن يكون عنى أنهم يقولون شيئا من القول كما يهجر الرجل في منامه، وذلك إذا هذى; فكأنه وصفهم بأنهم يقولون في القرآن ما لا معنى له من القول، وذلك أن يقولوا فيه باطلا من القول الذي لا يضره. وقد جاء بكلا القولين التأويل من أهل التأويل.

ذكر من قال: كانوا يعرضون عن ذكر الله والحق ويهجرونه:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( تَهْجُرُونَ ) قال: يهجرون ذكر الله والحق.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن السدي، عن أبي صالح، في قوله: ( سَامِرًا تَهْجُرُونَ ) قال: السبّ.

ذكر من قال: كانوا يقولون الباطل والسيئ من القول في القرآن.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن سعيد بن جُبير: ( تَهْجُرُونَ ) قال: يهجرون في الباطل.

قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن حصين، عن سعيد بن حبير: ( سَامِرًا تَهْجُرُونَ ) قال: يسمرون بالليل يخوضون في الباطل.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( تَهْجُرُونَ ) قال: بالقول السيئ في القرآن.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( تَهْجُرُونَ ) قال: الهَذَيَان; الذي يتكلم بما لا يريد، ولا يعقل كالمريض الذي يتكلم بما لا يدري. قال: كان أُبيّ يقرؤها: ( سَامِرًا تَهْجُرُونَ ).وقرأ ذلك آخرون: ( سَامِرًا تُهْجِرُونَ ) بضم التاء وكسر الجيم. وممن قرأ ذلك كذلك من قرّاء الأمصار : نافع بن أبي نعيم، بمعنى: يفحشون في المنطق، ويقولون الخنا، من قولهم: أهجر الرجل: إذا أفحش في القول. وذكر أنهم كانوا يسُبُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ( تُهْجِرُونَ ) قال: تقولون هجرا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن أبي نهيك، عن عكرِمة، أنه قرأ: ( سَامِرًا تَهْجُرُونَ ): أي تسبون.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عون، عن الحسن، في قوله: ( سَامِرًا تُهْجِرُونَ ) رسولي.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن: ( تُهْجِرُونَ ) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: ( تُهْجِرُونَ ) يقول: يقولون سوءا.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الحسن: ( تُهْجِرُونَ ) كتاب الله ورسوله.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( تُهْجِرُونَ ) يقول: يقولون المنكر والخنا من القول، كذلك هجر القول.

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا القراءة التي عليها قرّاء الأمصار، وهي فتح التاء وضم الجيم، لإجماع الحجة من القرّاء.

------------------------

الهوامش :

(3) البيت لابن أحمر الباهلي : ( اللسان : سمر ) قال : قال ابن أحمر - وجعل السمر ليلا - : "من دونهم ... " البيت أراد جئتهم ليلا ، وبهذا المعنى أورده المؤلف . والشطر الثاني من البيت في رواية اللسان مختلف عنه في رواية المؤلف ، ففي اللسان " حي حلال لملم عكر" . والحي الحلال : يريد الجماعة النازلين على الماء أو نحوه . ولملم : كثير مجتمع . وكذلك العكر . والمجلس الغمر : الجماعة الكثيرة يجتمعون للحديث والسمر .

التدبر :

وقفة
[67] ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ تسمرون عند الكعبة بهجران القول في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وحق دينه، ونكران نعمة الله عليكم، إذ جعلكم سادةً في جزيرة العرب.
وقفة
[67، 68] إذا زاد الكبر في الإنسان؛ قل تأمله وتدبره، فلا يجتمع كبر وذكاء ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ:
  • حال من واو الجماعة. منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ بِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بمستكبرين والهاء يعود على البيت العتيق أو للحرم ويجوز ان يرجع الضمير الى «آياتي» التي هي بمعنى «الكتاب» ويجوز أن تتعلق الباء بسامرا: أي تسمرون به أي بذكر القرآن وبالطعن فيه أو بتهجرون.
  • ﴿ سامِراً تَهْجُرُونَ:
  • سامرا: مفعول مطلق-مصدر-منصوب بفعل مضمر من اشتقاقه أي تسمرون سمرا أي. تتحدثون بالطعن فيه طعنا. وجاء المصدر على وزن «فاعل» وجمعه «سمار» أو بمعنى: تسمرون بذكر القرآن وبالطعن. تهجرون: أي تهذون أو تتحدثون باطلا ومصدره «الهجر» بفتح الهاء أي الهذيان. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى: تجعلون الطعن في القرآن حديثا تهذون به.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [67] لما قبلها :     ولَمَّا ذمَّ اللهُ إعراضَ الكافرين عن القرآن؛ بَيَّنَ هنا أنهم لم يكتفوا بهذا الإعراض، بل كانوا يستكبرون على الناس بسبب بيت الله الحرام، ويتسامرون بالليل حوله يستهزئون بالقرآن وبالرسول، قال تعالى:
﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سامرا:
1- هذه قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- سمرا، بضم السين وشد الميم مفتوحة، وهى قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وأبى حيوة، وابن محيصن، وعكرمة، والزعفراني، ومحبوب، عن أبى عمرو.
3- سمارا، بضم السين وشد الميم وألف، جمع ثان ل «سامر» ، وهى قراءة ابن عباس أيضا، وزيد بن على، وأبى رجاء، وأبى نهيك.
تهجرون:
1- بالفتح التاء وضم الجيم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، على سبيل الالتفات، ورويت عن ابن أبى عاصم.
3- تهجرون، بضم التاء وكسر الجيم، من «أهجر» ، أي: تقولون الهجر، وهى قراءة ابن عباس، وابن محيصن، ونافع، وحميد.
4- تهجرون، بضم التاء وفتح الهاء، وتشديد الجيم، مضعف، من «هجر» ، وهى قراءة ابن مسعود، وابن عباس أيضا، وزيد بن على، وعكرمة، وأبى نهيك، وابن محيصن أيضا، وأبى حيوة.

مدارسة الآية : [68] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم ..

التفسير :

[68] أفلم يتفكروا في القرآن فيعرفوا صدقه، أم منعهم من الإيمان أنه جاءهم رسول وكتاب لم يأت آباءهم الأولين مثله، فأنكروه وأعرضوا عنه؟

{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي:أفلا يتفكرون في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه، أي:فإنهم لو تدبروه، لأوجب لهم الإيمان، ولمنعهم من الكفر، ولكن المصيبة التي أصابتهم بسبب إعراضهم عنه، ودل هذا على أن تدبر القرآن، يدعو إلى كل خير، ويعصم من كل شر، والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها.

{ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} أي:أو منعهم من الإيمان، أنه جاءهم رسول وكتاب، ما جاء آبائهم الأولين، فرضوا بسلوك طريق آبائهم الضالين، وعارضوا كل ما خالف ذلك، ولهذا قالوا، هم ومن أشبههم من الكفار، ما أخبر الله عنهم:{ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} فأجابهم بقوله:{ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} فهل تتبعون إن كان قصدكم الحق، فأجابوا بحقيقة أمرهم{ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}

قال الجمل: قوله- تعالى-: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ... شروع في بيان أسباب حاملة لهم على ما سبق من قوله- تعالى-: فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ ... إلخ .

والهمزة لإنكار ما هم فيه من عدم التدبر واستقباحه، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام: والمراد بالقول: القرآن الكريم وما اشتمل عليه من هدايات.

والمعنى: أفعلوا ما فعلوا من النكوص على الأعقاب، ومن الغرور ومن الهذيان بالباطل من القول، فلم يتدبروا هذا القرآن، ولم يتفكروا فيما اشتمل عليه من توجيهات حكيمة..

إنهم لو تدبروه لوجدوا فيه من العظات والآداب والأحكام، والقصص، والعقائد، والتشريعات.. ما يسعدهم ويهد بهم إلى الصراط المستقيم.

فالجملة الكريمة تحضهم على تدبر هذا القرآن، لأنهم إن تدبروه تدبرا صادقا. لعلموا أنه الحق الذي لا يحوم حوله باطل.

وشبيه بهذه الجملة قوله- تعالى- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً .

وقوله- سبحانه-: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها .

وبعد أن وبخهم- سبحانه- على تركهم الانتفاع بالقرآن. أتبع ذلك بتقريعهم على أن ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتفق في أصوله مع ما جاء به الرسل السابقون لآبائهم الأولين.

أى: أكذبوا رسولهم لأنه جاءهم بما لم يأت به الرسل لآبائهم؟ كلا، فإن ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم يطابق- في جوهره- ما جاء به إبراهيم وإسماعيل وغيرهما، من آبائهم الأولين.

قال- تعالى- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى، أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ. .

وقال- سبحانه-: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ... .

ويجوز أن يكون المعنى: أكذب هؤلاء الجاهلون رسولهم صلّى الله عليه وسلّم لأنهم في أمان من العذاب، وهذا الأمان لم يكن فيه آباؤهم الأولون؟

كلا، وإن من شأن العقلاء أنهم لا يأمنون مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

قال الآلوسى: وأم في قوله- تعالى- أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ منقطعة، وما فيها من معنى بل، للإضراب والانتقال من التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بآخر. والهمزة لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع. أى: بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين، حتى استبعدوه فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال، بمعنى أن مجيء الكتب من جهته- تعالى- إلى الرسل سنة قديمة له- تعالى- وأن مجيء القرآن جار على هذه السنة فلماذا ينكرونه؟

وقيل المعنى: أفلم يدبروا القرآن ليخافوا عند تدبر آياته، ما نزل بمن قبلهم من المكذبين،أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم الأولين، حين خافوا الله- تعالى- فآمنوا به ويكتبه ورسله، فالمراد بآبائهم: «المؤمنون» منهم كإسماعيل- عليه السلام ... .

يقول تعالى منكرا على المشركين في عدم تفهمهم للقرآن العظيم ، وتدبرهم له وإعراضهم عنه ، مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذي لم ينزل الله على رسول أكمل منه ولا أشرف ، لا سيما وآباؤهم الذين ماتوا في الجاهلية ، حيث لم يبلغهم كتاب ولا أتاهم نذير ، فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا النعمة التي أسداها الله إليهم بقبولها ، والقيام بشكرها وتفهمها ، والعمل بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار ، كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، ورضي عنهم .

وقال قتادة : ( أفلم يدبروا القول ) إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه ، ولكنهم أخذوا بما تشابه ، فهلكوا عند ذلك .

يقول تعالى ذكره: أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنـزيل الله وكلامه، فيعلموا ما فيه من العبر، ويعرفوا حجج الله التي احتج بها عليه فيه؟(أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ) ؟ يقول: أم جاءهم أمر ما لم يأت من قبلهم من أسلافهم، فاستكبروا ذلك وأعرضوا، فقد جاءت الرسل من قبلهم، وأنـزلت معهم الكتب. وقد يحتمل أن تكون " أم " في هذا الموضع بمعنى: بل، فيكون تأويل الكلام: أفلم يدبروا القول؟ بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، فتركوا لذلك التدبر وأعرضوا عنه، إذ لم يكن فيمن سلف من آباءهم ذلك، وقد ذُكر عن ابن عباس في نحو هذا القول.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ ) قال: لعمري لقد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين، ولكن أو لم يأتهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين.

التدبر :

وقفة
[68] ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ جاءت في سياق الخطاب مع الكافرين؛ لتقرر أن التدبر للكافر هو مفتاح الهداية، فكيف بالمسلم؟!
عمل
[68] ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ كما جعلتَ لنفسِك وِرْدًا لقراءةِ القرآنِ، اجعلْ لنفسِك وِردًا لتدبُّرِ القرآنِ.
عمل
[68] ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ ورد التدبر بصيغة المضارع للدلالة على أنه فعل يتعين على الإنسان القيام به بإستمرار.
وقفة
[68] ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ إذًا -والله- يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ولكنهم أخذوا بما تشابه به؛ فهلكوا عند ذلك.
وقفة
[68] ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ [محمد: 24]، ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾، لفظ القرآن يعم القول وأكثر فهو أوسع، لذا جاء مع القرآن بالصيغة الأطول وقال: ﴿يتدبرون﴾، وجاء مع القول بالصيغة المناسبة للسياق، وقال: ﴿يدبّروا﴾، والزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى.
وقفة
[68] ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ يقول الشيخ رشيد رضا: «ضَرَبَ الْأُسْتَاذُ (محمد عبده) مَثَلًا رَجُلًا يُرْسِلُ كِتَابًا إِلَى آخَرَ، فَيَقْرَؤُهُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ هَذْرَمَةً أَوْ يَتَرَنَّمُ بِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَعْنَاهُ، وَلَا يُكَلِّفُ نَفْسَهُ إِجَابَةَ مَا طَلَبَ فِيهِ، ثُمَّ يَسْأَلُ الرَّسُولَ أَوْ غَيْرَهُ: مَاذَا قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِيهِ؟ وَمَاذَا يُرِيدُ مِنْهُ؟ أَيَرْضَى الْمُرْسِلُ مِنَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ بِهَذَا؟ أَمْ يَرَاهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ؟ فَالْمَثَلُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لَا يُقَاسُ عَلَى الْخَلْقِ، فَإِنَّ الْكِتَابَ لَا يُرْسَلُ لِأَجْلِ وَرَقِهِ، وَلَا لِأَجْلِ نُقُوشِهِ، وَلَا لِأَجْلِ أَنْ تُكَيِّفَ الْأَصْوَاتُ حُرُوفَهُ وَكَلِمَهُ، وَلَكِنْ لِيَعْلَمَ مُرَادَ الْمُرْسَلِ مِنْهُ وَيَعْمَلَ بِهِ».
عمل
[68] كما تعودت أن يكون لك ورد تتلو فيه القرآن، أو تحفظه فيه؛ فاجعل لنفسك وردًا تتدبر فيه آيات من القرآن ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ:
  • الألف ألف إنكار بلفظ‍ استفهام. الفاء: زائدة- تزيينية-لم: حرف نفي وجزم وقلب. و «يدبروا» أي يتدبروا أدغمت التاء في الدال. وهي فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف النون الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. القول: أي القرآن: مفعول به منصوب بالفتحة. بمعنى: ألم ينظروا ويتفكروا ليعلموا أن القرآن هو الحق.
  • ﴿ أَمْ جاءَهُمْ:
  • أم: عاطفة بمعنى «بل» أي جاءت هنا بهذا المعنى أي حرف اضراب بتقدير: بل أجاءهم. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ ما لَمْ يَأْتِ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يأت: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: حذف آخره-حرف العلة-وبقيت الكسرة دالة عليه. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة لَمْ يَأْتِ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ ءاباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ:
  • آباء: مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه. الأولين: صفة-نعت-للآباء منصوبة مثلها وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [68] لما قبلها :     وبعد بيان إعراض الكافرين عن القرآن والنَّبي صلى الله عليه وسلم؛ يسألهم القرآن هنا بأسلوب توبيخي عن الأسباب التى أدت بهم إلى هذا الإعراض، فينكر عليهم خمسة أمور: الإنكار الأول: عدم تدبر القرآن. الإنكار الثاني: أن ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعًا من الرسل، قال تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [69] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ ..

التفسير :

[69] أم منعهم من اتباع الحق أن رسولهم محمداً -صلى الله عليه وسلم- غير معروف عندهم، فهم منكرون له؟

{ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي:أو منعهم من اتباع الحق، أن رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم، غير معروف عندهم، فهم منكرون له؟ يقولون:لا نعرفه، ولا نعرف صدقه، دعونا حتى ننظر حاله ونسأل عنه من له به خبرة، أي:لم يكن الأمر كذلك، فإنهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، صغيرهم وكبيرهم يعرفون منه كل خلق جميل، ويعرفون صدقه وأمانته، حتى كانوا يسمونه قبل البعثة "الأمين "فلم لا يصدقونه، حين جاءهم بالحق العظيم، والصدق المبين؟.

ثم انتقلت السورة إلى توبيخهم- ثالثا- على كفرهم مع علمهم بصدق الرسول وأمانته، فقال- تعالى- أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.

أى: أيكون سبب كفرهم أنهم لم يعرفوا رسولهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم؟ كلا فإن هذا لا يصلح سببا، إذ هم يعرفون حسبه ونسبه، وأمانته، وصدقه، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين قبل بعثته، وأبو سفيان- قبل أن يدخل في الإسلام- شهد أمام هرقل ملك الروم، بأن الرسول صلى الله عليه وسلّم كان معروفا بصدقه وأمانته قبل البعثة.

ثم قال منكرا على الكافرين من قريش : ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) أي : أفهم لا يعرفون محمدا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم ، أفيقدرون على إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، للنجاشي ملك الحبشة : أيها الملك ، إن الله بعث إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته . وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل ، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته ، وكانوا بعد كفارا لم يسلموا ، ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك .

وقوله: ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: أم لم يعرف هؤلاء المكذّبون محمدًا، وأنه من أهل الصدق والأمانة فهم له منكرون، يقول: فينكروا قوله، أو لم يعرفوه بالصدق، ويحتجوا بأنهم لا يعرفونه. يقول جلّ ثناؤه: فكيف يكذّبونه وهم يعرفونه فيهم بالصدق والأمانة؟!

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[69] ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ اقرأ كتابًا في شمائل النبي  .
وقفة
[69] ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ قال ابن عباس: «أليس قد عرفوا محمدًا  صغيرًا وكبيرًا، وعرفوا نسبه، وصدقه، وأمانته، ووفاءه بالعهود»، وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعد ما عرفوه بالصدق والأمانة.
وقفة
[69] ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ استجابة الناس للداعية الغريب عليهم ضعيفة غالبًا، ويسهل قبول الطعن فيه من خصومه وإنكار ما يدعو إليه، بخلاف ما إذا كان معروفًا بشخصه وبأخلاقه؛ فالأولى بمن ذهب لبلد لا يعرف فيه أن يكون هناك من وجهاء البلد من يعرِّف به ويزكيه.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ:
  • أم: عاطفة. وما بعدها بمعنى التوبيخ يعرب اعراب «لم يدبروا القول» في الآية الكريمة السابقة. و «هم» في رسولهم: ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بمعنى: أم هم لم يعرفوا رسولهم بالأمانة والاستقامة والصدق.
  • ﴿ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ:
  • الفاء: عاطفة. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. له: جار ومجرور متعلق بخبر «هم» منكرون: خبر المبتدأ «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. والكلمة اسم فاعل. ويجوز أن يكون الجار والمجرور «له» قائما مقام مفعول اسم الفاعل «منكرون».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [69] لما قبلها :     الإنكار الثالث: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن مجهولًا لديهم، قال تعالى:
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [70] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ ..

التفسير :

[70] بل أحسبوه مجنوناً؟ لقد كذَبوا؛ فإنما جاءهم بالقرآن والتوحيد والدين الحق، وأكثرهم كارهون للحق حسداً وبغياً.

{ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} أي:جنون، فلهذا قال ما قال، والمجنون غير مسموع منه، ولا عبرة بكلامه، لأنه يهذي بالباطل والكلام السخيف.قال الله في الرد عليهم في هذه المقالة:{ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} أي:بالأمر الثابت، الذي هو صدق وعدل، لا اختلاف فيه ولا تناقض، فكيف يكون من جاء به، به جنة؟! وهلا يكون إلا في أعلى درج الكمال، من العلم والعقل ومكارم الأخلاق، وأيضا فإن في هذا الانتقال مما تقدم، أي:بل الحقيقة التي منعتهم من الإيمان أنه جاءهم بالحق{ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} وأعظم الحق الذي جاءهم به إخلاص العبادة لله وحده، وترك ما يعبد من دون الله، وقد علم كراهتهم لهذا الأمر وتعجبهم منه، فكون الرسول أتى بالحق، وكونهم كارهين للحق بالأصل، هو الذي أوجب لهم التكذيب بالحق لا شكا ولا تكذيبا للرسول، كما قال تعالى:{ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}

ثم انتقلت السورة- للمرة الرابعة- إلى توبيخهم على أمر آخر، فقال- تعالى-: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ....

أى: أيكون سبب إصرارهم على كفرهم اتهامهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم بالجنون؟ كلا، فإنهم يعلمون حق العلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو أكمل الناس عقلا، وأرجحهم فكرا، وأثقبهم رأيا، وأوفرهم رزانة.

وقوله- تعالى- بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ إضراب عما يدل عليه ما سبق من اتهامات باطلة دارت على ألسنة المشركين.

أى: ليس الأمر كما زعموا من أنه صلّى الله عليه وسلّم به جنة أو أنه أتاهم بما لم يأت آباءهم الأولين، بل الأمر الصدق، أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جاءهم بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله باطل ولكن هؤلاء القوم أكثرهم كارهون للحق، لأنه يتعارض مع أنانيتهم وشهواتهم، وأهوائهم..

وقال- سبحانه-: وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ لأن قلة من هؤلاء المشركين كانت تعرف أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جاءهم بالحق، وتحب أن تدخل في الإسلام، ولكن حال بينهم وبين ذلك، الخوف من تعيير أقوامهم لهم بأنهم فارقوا دين آبائهم وأجدادهم، كأبى طالب- مثلا- فإنه مع دفاعه عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقي على كفره.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قوله وَأَكْثَرُهُمْ فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق؟ قلت: كان فيهم من يترك الإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه، وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه، لا كراهة للحق، كما يحكى عن أبى طالب.

فإن قلت: يزعم بعض الناس أن أبا طالب صح إسلامه؟ قلت: يا سبحان الله. كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس- رضى الله عنهما- ويخفى إسلام أبى طالب» .

وقوله : ( أم يقولون به جنة ) يحكي قول المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقول القرآن ، أي : افتراه من عنده ، أو أن به جنونا لا يدري ما يقول . وأخبر عنهم أن قلوبهم لا تؤمن به ، وهم يعلمون بطلان ما يقولونه في القرآن ، فإنه قد أتاهم من كلام الله ما لا يطاق ولا يدافع ، وقد تحداهم وجميع أهل الأرض أن يأتوا بمثله ، فما استطاعوا ولا يستطيعون أبد الآبدين; ولهذا قال : ( بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ) يحتمل أن تكون هذه جملة حالية ، أي : في حال كراهة أكثرهم للحق ، ويحتمل أن تكون خبرية مستأنفة ، والله أعلم .

وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلا فقال له : " أسلم " فقال الرجل : إنك لتدعوني إلى أمر أنا له كاره . فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " وإن كنت كارها " . وذكر لنا أنه لقي رجلا فقال له : " أسلم " فتصعده ذلك وكبر عليه ، فقال له نبي الله : " أرأيت لو كنت في طريق وعر وعث ، فلقيت رجلا تعرف وجهه ، وتعرف نسبه ، فدعاك إلى طريق واسع سهل ، أكنت متبعه ؟ " قال : نعم . فقال : " فوالذي نفس محمد بيده ، إنك لفي أوعر من ذلك الطريق لو قد كنت عليه ، وإني لأدعوك إلى أسهل من ذلك لو دعيت إليه " . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلا فقال له : " أسلم " فتصعده ذلك ، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيت فتييك ، أحدهما إذا حدثك صدقك ، وإذا ائتمنته أدى إليك أهو أحب إليك ، أم فتاك الذي إذا حدثك كذبك وإذا ائتمنته خانك؟ " . قال : بل فتاي الذي إذا حدثني صدقني ، وإذا ائتمنته أدى إلي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كذاكم أنتم عند ربكم " .

( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ) يقول: أيقولون بمحمد جنون، فهو يتكلم بما لا معنى له ولا يفهم ولا يدري ما يقول؟!( بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ )

يقول تعالى ذكره: فإن يقولوا ذلك فكذبهم في قيلهم ذلك واضح بَيّن، وذلك أن المجنون يهذي فيأتي من الكلام بما لا معنى له، ولا يعقل ولا يفهم، والذي جاءهم به محمد هو الحكمة التي لا أحكم منها والحقّ الذي لا تخفى صحته على ذي فطرة صحيحة، فكيف يجوز أن يقال: هو كلام مجنون؟

وقوله: ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء الكفرة أنهم لم يعرفوا محمدا بالصدق ولا أن محمدا عندهم مجنون، بل قد علموه صادقا محقا فيما يقول وفيما يدعوهم إليه، ولكن أكثرهم للإذعان للحقّ كارهون ولأتباع محمد ساخطون؛ حسدا منهم له وبغيا عليه واستكبارا في الأرض.

التدبر :

وقفة
[70] ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ۚ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ وإنما أسندت كراهية الحق إلى أكثرهم دون جميعهم؛ إنصافًا لمن كان منهم من أهل الأحلام الراجحة الذين علموا بطلان الشرك، وكانوا يجنحون إلى الحق، ولكنهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم، واستبقاء على حرمة أنفسهم.
وقفة
[70] ﴿أَم يَقولونَ بِهِ جِنَّةٌ بَل جاءَهُم بِالحَقِّ وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كارِهونَ﴾ فى إحدى ختماتك تتبع لفظة (وَأَكثَرُهُم) فى كامل الكتاب العزيز؛ لتعرف من هم.
وقفة
[70] ﴿بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ يكرهون الحق لأنه يحرمهم من اللذات المحرمة، ويشتد أذاهم وحقدهم لمن يدعو إليه بقدر شعورهم بشذوذهم وفسقهم.
وقفة
[70] ﴿بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ نزل في كفار مكة، والمرادُ بالحقِّ التوحيدُ، فإِن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أنهم كلَّهم كانوا كارهينَ للتوحيد؟ قلتُ: كان منهم من ترك الِإيمان به، أَنَفَةً وتكبُّرًا من توبيخ قومهم، لئلا يقولوا: «ترك دين آبائه»، لا كراهةً للحقِّ، كما يُحكى عن أبي طالبٍ وغيره.
وقفة
[70] تجنب الحكم بالتعميم ما استطعت، وتأمل: ﴿بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ فقد يكون بعضهم يؤمن بقلبه، لكنه ساكت خوفًا على نفسه.
وقفة
[70] اتباع الحق أمر زائد على مجرد معرفته؛ إذ ما كل من عرف الحق اتبعه، وكثير ممن عرف الحق يرده عن اتباعه كرهه له ﴿بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.
عمل
[70] لا تعمم الحكم على الجميع ﴿بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾، قد يكون بعضهم يؤمن بقلبه لكنه ساكت خوفًا على نفسه.
وقفة
[70] ليست المشكلة في الحق؛ المشكلة في أن: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.
وقفة
[70] كن من القلة الذين يشكرون: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، ومن القلة الذين يعلمون: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 187]، ومن القلة التي تحب الحق: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ يَقُولُونَ:
  • أم: حرف عطف. يقولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ بِهِ جِنَّةٌ:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب مفعول به-مقول القول-به: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. جنة: أي جنون: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف لا محل له. جاء: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و«هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بالحق: جار ومجرور متعلق بصفة-نعت-لمصدر محذوف. بتقدير: جاء مجيئا ملتبسا بالحق. ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بجاءهم. أي جاءهم بالحق وهو القرآن.
  • ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ:
  • الواو استئنافية. أكثر: مبتدأ مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه. للحق: جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ. ويجوز أن يكون الجار والمجرور قائما مقام مفعول اسم الفاعل «كارهون».
  • ﴿ كارِهُونَ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: أكثرهم كارهون للحق لأنه ضد نزواتهم. والكلمة «كارهون» اسم فاعل.'

المتشابهات :

المؤمنون: 70﴿أَمۡ يَقُولُونَ بِهِۦ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ
الزخرف: 78﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [70] لما قبلها :     الإنكار الرابع: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس عقلًا، قال تعالى:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [71] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ ..

التفسير :

[71] ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومَن فيهن، بل أتيناهم بما فيه عزهم وشرفهم، وهو القرآن، فهم عنه معرضون.

} فإن قيل:لم لم يكن الحق موافقا لأهوائهم لأجل أن يؤمنوا و يسرعوا الانقياد؟ أجاب تعالى بقوله:{ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}

ووجه ذلك أن أهواءهم متعلقة بالظلم والكفر والفساد من الأخلاق والأعمال، فلو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، لفساد التصرف والتدبير المبني على الظلم وعدم العدل، فالسماوات والأرض ما استقامتا إلا بالحق والعدل{ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بذكرهم} أي:بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير، الذي به فخرهم وشرفهم, حين يقومون به، ويكونون به سادة الناس.

{ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} شقاوة منهم، وعدم توفيق{ نسوا الله فنسيهم} (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) فالقرآن ومن جاء به، أعظم نعمة ساقها الله إليهم, فلم يقابلوها إلا بالرد والإعراض، فهل بعد هذا الحرمان حرمان؟ وهل يكون وراءه إلا نهاية الخسران؟.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما كان سينزل بالعالم من فساد. فيما لو اتبع الحق- على سبيل الفرض- أهواء هؤلاء المشركين، فقال- تعالى-: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ....

والمراد بالحق هنا- عند كثير من المفسرين- هو الله- عز وجل- إذ أن هذا اللفظ من أسمائه- تعالى-.

والمعنى: ولو أجاب الله- تعالى- هؤلاء المشركين إلى ما يهوونه ويشتهونه من باطل وقبيح. لفسدت السموات والأرض ومن فيهن لأن أهواءهم الفاسدة من شرك. وظلم، وحقد، وعناد ... ، لا يمكن أن يقوم عليها نظام هذا الكون البديع، الذي أقمناه على الحق والعدل ...

ويرى بعض المفسرين أن المراد بالحق هنا ما يقابل الباطل ويدل على ذلك قوله- تعالى-: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.

فيكون المعنى: ولو اتبع الحق الذي جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم أهواء المشركين، لفسدت السموات والأرض ومن فيهن، وذلك لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جاءهم بالتوحيد وهم يريدون الشرك، وجاءهم بمكارم الأخلاق، وهم يريدون ما ألفوه من شهوات، وجاءهم بالتشريعات العادلة الحكيمة، وهم يريدون التشريعات التي ترضى غرورهم وأوضاعهم الفاسدة، والتي منها تفضيل الناس بحسب أحسابهم وغناهم، لا بحسب إيمانهم وتقواهم ...

ومع وجاهة الرأيين، إلا أننا نميل إلى الرأى الثاني، لأنه أقرب إلى سياق الآيات، كما يشير إلى ذلك قوله- تعالى-: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.

وقوله- سبحانه-: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ انتقال من توبيخهم على كراهيتهم للحق، إلى توبيخهم على نفورهم مما فيه عزهم وفخرهم.

والمراد بذكرهم: القرآن الذي هو شرف لهم، كما قال- تعالى-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ .

أى: كيف يكرهون الحق الذي جاءهم به رسولهم صلّى الله عليه وسلّم مع أنه قد أتاهم بالقرآن الكريم الذي فيه شرفهم ومجدهم؟ إن إعراضهم عن هذا القرآن ليدل دلالة قاطعة، على غبائهم، وجهلهم، لأن العاقل لا يعرض عن شيء يرفع منزلته، ويكرم ذاته.

وقوله : ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) قال مجاهد ، وأبو صالح والسدي : الحق هو الله عز وجل ، والمراد : لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى ، وشرع الأمور على وفق ذلك ( لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) أي : لفساد أهوائهم واختلافها ، كما أخبر عنهم في قولهم : ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ثم قال : ( أهم يقسمون رحمة ربك ) [ الزخرف : 31 ، 32 ] وقال تعالى : ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا ) [ الإسراء : 100 ] وقال : ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) [ النساء : 53 ] ، ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم ، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره ، وتدبيره لخلقه تعالى وتقدس ، فلا إله غيره ، ولا رب سواه .ثم قال : ( بل أتيناهم بذكرهم ) يعني : القرآن ، ( فهم عن ذكرهم معرضون ) .

يقول تعالى ذكره: ولو عمل الربّ تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحق الذي هم له كارهون، لفسدت السموات والأرض ومن فيهن; وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم مع إيثار أكثرهم الباطل على الحقّ، لم تقرّ السموات والأرض ومن فيهنّ من خلق الله، لأن ذلك قام بالحق.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا السديّ، عن أبي صالح: ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ) قال: الله.

قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ) قال: الحقّ: هو الله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ) قال: الحق: الله.

وقوله: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويل الذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو بيان الحقّ لهم بما أنـزل على رجل منهم من هذا القرآن.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ) يقول: بيَّنا لهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل أتيناهم بشرفهم; وذلك أن هذا القرآن كان شرفا لهم، لأنه نـزل على رجل منهم، فأعرضوا عنه وكفروا به. وقالوا: ذلك نظير قوله وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وهذان القولان متقاربا المعنى؛ وذلك أن الله جل ثناؤه أنـزل هذا القرآن بيانا بين فيه ما لخلقه إليه الحاجة من أمر دينهم، وهو مع ذلك ذكر لرسوله صلى الله عليه وسلم وقومه وشرف لهم.

التدبر :

وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي : بما يهواه الناس ويشتهونه؛ لبطل نظام العالم؛ لأن شهوات الناس تختلف، وتتضاد، وسبيل الحق أن يكون متبوعًا، وسبيل الناس الانقياد للحق.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ﴾ بعض (الأهواء) لو أطلق لها العنان لأفسدت حتى (السماء).
وقفة
[71] يحاول بعض المتفقهة أن يؤول الشرع دومًا حتى يتوافق مع ما يميل إليه الناس، والله بذاته يؤكد التباين ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
وقفة
[71] كل فسادٍ وشرّ يحدث في البشرية وفي الدول، هو بسبب اتباع الهوى وترك الحق ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ اتباع الأهواء أصل الفساد.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ و(الذي أراه)، و(مما لاشك فيه) و(حسب دراساتنا)؛ لا تجدي هذه لإصلاح البشرية.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ مخالفة النص هو هوىً لا عقل، يجب أن نقتنع بذلك.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ للحق ميزة، لو نزل لأفكار هؤلاء فسد وأفسد، والحق لا يَتَّبِع إنما يُتبع.
عمل
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ كن مع الحق ولو كنت وحدك! يقال: اتبع الحق لتعرف أهل الحق، ولا تتبع أهل الحق لتعرف الحق.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ قصور عقول البشر عن إدراك كثير من المصالح.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ ضلال الإنسان على وجهين: عبادة غير الله، أو اتّباع الهوى، وما عدا ذلك تبعٌ للهوى.
وقفة
[71] ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ كل شر وفساد في الأرض نتيجة لاتباع الأهواء، وكل خير في مخالفتها.
وقفة
[71] أصل الفساد في الأرض هو أن الناس يطوِّعون الحقَ بالرأي والتأويل؛ ليكون تابعًا لأهوائهم ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾.
وقفة
[71] يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال؛ لأن الرجل قد يتبع هوى، وأما الحق فمتبوع لا تابع الْحَقُّ ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾.
وقفة
[71] أرأيتم كيف سيكون الأمر لو اتبعنا أهواء دعاة التغريب وتحرير المرأة، بل جاءهم بالحق ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾.
وقفة
[71] كل فساد في الدول والمجتمعات فهو بسبب مخالفة الحق أو بسبب سوء تطبيقه ليوافق الهوى ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾.
وقفة
[71] اتباع الهوى مفسد لكل شيء ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾، واتباع الهدى مصلح لكل شيء.
وقفة
[71] من لطائف قوله: ﴿لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ أن في الناس من فساد الهوي ما لو اتبع لعم فساده الكون، ووصل الخراب للسماء من قبح هواه, وهذا يستدعي مراجعة الهوي في النفس, إذ من كان بهذه المنزلة في الإفساد فلا يؤمن إفساده الروح التي بين جنبيه.
وقفة
[71] ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾ سبحان الله؛ فعلًا قضية عجيبة! كيف يعرض الإنسان عن شرفه وسبب رفعته.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط‍ غير جازم وكسر آخره لالتقاء الساكنين. اتبع: فعل ماض مبني على الفتح.
  • ﴿ الْحَقُّ أَهْاوءَهُمْ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. أهواء: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ:
  • الجملة: جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. اللام: واقعة في جواب «لو» فسدت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. السموات: فاعل مرفوع بالضمة. والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» مرفوعة مثلها بالضمة.
  • ﴿ وَمَنْ فِيهِنَّ:
  • الواو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع لأنه معطوف على مرفوع. فيهن: جار ومجرور متعلق بمضمر محذوف تقديره: استقر أو هو مستقر أو كائن. وجملة «استقر فيهن» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. و «هنّ» ضمير الاناث في محل جر بفي.
  • ﴿ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ:
  • بل: حرف اضراب للاستئناف. أتي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. بذكر: جار ومجرور متعلق بأتينا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة أي جئناهم بكتاب فيه ارشادهم وتوجيههم ووعظهم.
  • ﴿ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ:
  • الفاء: استئنافية. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. عن ذكر: جار ومجرور متعلق بخبر «هم» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه. معرضون أي صادون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.'

المتشابهات :

المؤمنون: 71﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ
المؤمنون: 90﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن والتوحيد هو الحق؛ بَيَّنَ هنا أنه لو شرع ما يوافق أهواء الكافرين؛ لفسد نظام العالم، قال تعالى:
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ولو اتبع:
وقرئ:
بضم الواو، وهى قراءة ابن وثاب.
آتيناهم:[[قال ابن عطية: وقرأ الجمهور : "بل أتينهم بذكرهم" أي جئناهم، وروي عن أبي عمرو "آتيناهم" بالمد، بمعنى أعطيناهم.]]
1- بالنون، وهى قراء الجمهور.
وقرئ:
2- آتيتهم، بتاء المتكلم، وهى قراءة ابن إسحاق، وعيسى بن عمر، ويونس، عن أبى عمرو.
3- آتيتهم، بتاء الخطاب، للرسول ﷺ، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وعيسى أيضا، وأبى البرهسم، وأبى حيوة، والجحدري، وابن قطيب، وأبى رجاء.
بذكرهم:
وقرئ:
1- بذكراهم، بألف التأنيث، وهى قراءة عيسى.
2- نذكرهم، بالنون، مضارع «ذكر» ، وهى قراءة قتادة.

مدارسة الآية : [72] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ ..

التفسير :

[72] بل أَمَنعهم من الإيمان أنك -أيها الرسول- تسألهم أجراً على دعوتك لهم فبخلوا؟ لم تفعل ذلك، فإن ما عند الله من الثواب والعطاء خير، وهو خير الرازقين، فلا يَقدر أحد أن يَرزق مثل رزقه سبحانه وتعالى.

أي:أو منعهم من اتباعك يا محمد، أنك تسألهم على الإجابة أجرا{ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} يتكلفون من اتباعك، بسبب ما تأخذ منهم من الأجر والخراج، ليس الأمر كذلك{ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وهذا كما قال الأنبياء لأممهم:{ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الله}أي:ليسوا يدعون الخلق طمعا فيما يصيبهم منهم من الأموال، وإنما يدعون نصحا لهم، وتحصيلا لمصالحهم، بل كان الرسل أنصح للخلق من أنفسهم، فجزاهم الله عن أممهم خير الجزاء، ورزقنا الاقتداء بهم في جميع الأحوال.

ثم انتقلت السورة الكريمة- للمرة الخامسة- إلى توبيخهم على كفرهم، مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يسألهم أجرا على ما ينقذهم من ظلمات هذا الكفر إلى نور الإيمان. فقال- تعالى-: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً.. أى: أجرا وجعلا وجزاء ...

أى: أيكون السبب في عدم إيمانهم بك- أيها الرسول الكريم- أنك تسألهم أجرا على دعوتك لهم إلى إخلاص العبادة لنا؟.

لا: ليس الأمر كما يتوهمون، فإنك لم تسألهم أجرا على دعوتك إياهم إلى الدخول في الإسلام.

والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ..

وما بينهما اعتراض وقوله- سبحانه-: فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تعليل لنفى سؤاله إياهم الأجر على دعوتهم إلى الحق.

أى: أنت- أيها الرسول الكريم- ما طالبتهم بأجر على دعوتك إياهم إلى الإيمان بالله- تعالى- وحده، لأن ما أعطاك الله- تعالى- من خير وفضل أكبر وأعظم من عطاء هؤلاء الضعفاء الذين لا يستغنون أبدا عن عطائنا. والله- تعالى- هو خير الرازقين، لأن رزقه دائم ورزق غيره مقطوع، ولأنه هو المالك لجميع الأرزاق، وغيره لا يملك معه شيئا.

قال بعض العلماء: المراد بالخرج والخراج هنا. الأجر والجزاء والمعنى: أنك لا تسألهم على ما بلغتهم من الرسالة المتضمنة لخيرى الدنيا والآخرة أجرا وأصل الخرج والخراج: هو ما تخرجه إلى كل عامل في مقابلة أجرة أو جعل.

وقرأ ابن عامر: أم تسألهم خراجا فخراج ربك خير- بإسكان الراء فيهما معا وحذف الألف-.

وقرأ حمزة والكسائي: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ- بفتح الراء بعدها ألف فيهما معا وقرأ الباقون: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ بإسكان الراء وحذف الألف في الأول وفتح الراء وإثبات الألف في الثاني.

والتحقيق: أن معنى اللفظين واحد، وأنهما لغتان فصيحتان، وقراءتان سبعيتان، خلافا لمن زعم أن بين معناهما فرقا زاعما أن الخرج ما تبرعت به، وأن الخراج ما لزمك أداؤه» .

وقوله : ( أم تسألهم خرجا ) : قال الحسن : أجرا . وقال قتادة : جعلا ( فخراج ربك خير ) أي أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلا ولا شيئا على دعوتك إياهم إلى الهدى ، بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه ، كما قال : ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ) [ سبأ : 47 ] ، وقال : ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) ، وقال : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ الشورى : 23 ] ، وقال تعالى : ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ) [ يس : 20 ، 21 ] .

يقول تعالى ذكره: أم تسأل هؤلاء المشركين يا محمد من قومك خراجا، يعني أجرا على ما جئتهم به من عند الله من النصيحة والحقّ;( فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ) فأجر ربك على نفاذك لأمره، وابتغاء مرضاته خير لك من ذلك، ولم يسألهم صلى الله عليه وسلم على ما أتاهم به من عند الله أجرا، قال لهم كما قال الله له، وأمره بقيله لهم: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وإنما معنى الكلام: أم تسألهم على ما جئتهم به أجرا، فنكصوا على أعقابهم إذا تلوته عليهم، مستكبرين بالحرم، فخراج ربك خير.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن: ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ) قال: أجرا.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الحسن، مثله.

وأصل الخراج والخرج: مصدران لا يجمعان.

وقوله: (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) يقول: والله خير من أعطى عوضا على عمل ورزق رزقا.

التدبر :

وقفة
[72] كل المرابحات المالية في الدنيا قابلة للخسارة إلا المرابحة بالصدقة، فلا خسارة فيها على الإطلاق ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْر﴾.
وقفة
[72] أخي الداعية الذي انجرف في أخذ المال على المحاضرات: تذكر تشريف الله لنبيه بالترفع عن ذلك ﴿أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين﴾٠
وقفة
[72] ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ لا يرزقك فحسب؛ بل رزقه أحسن الرزق وأهنؤه وأطيبه وأنفعه، حين تنهض للحياة قم بهذا الظن لرزق ربك.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً:
  • أم: عاطفة. تسأل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به أول. خرجا: أي رزقا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ:
  • الفاء: استئنافية. خراج: مبتدأ مرفوع بالضمة. ربك: مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. والكاف ضمير متصل- ضمير المخاطب-في محل جر بالاضافة. خير: خبر «خراج» مرفوع بالضمة. وأصلها: أخير. وحذف الألف أفصح بمعنى: أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخالق فالكثير من عطاء الخالق خير.
  • ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ:
  • الواو: عاطفة. هو: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. خير: خبر «هو» مرفوع بالضمة. الرازقين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

الحج: 58﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَـ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
المؤمنون: 72﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ۖ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
سبإ: 39﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     الإنكار الخامس: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب منهم أجرًا على تبليغ الدعوة، قال تعالى:
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

خرجا فخراج:
وقرئ:
خراجا فخرج، وهى قراءة الحسن، وعيسى.
وانظر: الكهف، الآية: 94.

مدارسة الآية : [73] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

التفسير :

[73] وإنك –أيها الرسول- لتدعو قومك وغيرهم إلى دينٍ قويم، وهو دين الإسلام.

تفسير الآيتين 73 و 74

ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات، كل سبب موجب للإيمان، وذكر الموانع، وبين فسادها، واحدا بعد واحد، فذكر من الموانع أن قلوبهم في غمرة، وأنهم لم يدبروا القول، وأنهم اقتدوا بآبائهم، وأنهم قالوا:برسولهم جنة، كما تقدم الكلام عليها، وذكر من الأمور الموجبة لإيمانهم، تدبر القرآن، وتلقي نعمة الله بالقبول، ومعرفة حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكمال صدقه وأمانته، وأنه لا يسألهم عليه أجرا، وإنما سعيه لنفعهم ومصلحتهم، وأن الذي يدعوهم إليه صراط مستقيم، سهل على العاملين لاستقامته، موصل إلى المقصود، من قرب حنيفية سمحة، حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، فدعوتك إياهم إلى الصراط المستقيم، موجب لمن يريد الحق أن يتبعك، لأنه مما تشهد العقول والفطر بحسنه، وموافقته للمصالح، فأين يذهبون إن لم يتابعوك؟ فإنهم ليس عندهم ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك، لأنهم{ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} متجنبون منحرفون، عن الطريق الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات.

وهكذا كل من خالف الحق، لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره، قال تعالى:{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة، ببيان أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يدعو إلا إلى الحق، وأن المعرضين عن دعوته عن طريق الحق خارجون، فقال- تعالى- وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ....

أى: وإنك- أيها الرسول الكريم- لتدعو هؤلاء المشركين إلى طريق واضح قويم، تشهد العقول باستقامته وسلامته من أى عوج.

وقوله : ( وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ) قال الإمام أحمد :

حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملكان ، فقعد أحدهما عند رجليه ، والآخر عند رأسه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : اضرب مثل هذا ومثل أمته . فقال : إن مثله ومثل أمته ، كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة ، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به ، فبينا هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة ، فقال : أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة ، وحياضا رواء تتبعوني؟ فقالوا : نعم . قال : فانطلق ، فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء ، فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم : ألم ألفكم على تلك الحال ، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني؟ قالوا : بلى ، قال : فإن بين أيديكم رياضا أعشب من هذه ، وحياضا هي أروى من هذه ، فاتبعوني . قال : فقالت طائفة : صدق والله ، لنتبعه . وقالت طائفة : قد رضينا بهذا نقيم عليه .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا زهير ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري ، حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني ممسك بحجزكم : هلم عن النار ، هلم عن النار ، وتغلبوني وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ، فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض ، فتردون علي معا وأشتاتا ، أعرفكم بسيماكم وأسمائكم ، كما يعرف الرجل الغريب من الإبل في إبله ، فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشمال ، فأناشد فيكم رب العالمين : أي رب ، قومي ، أي رب أمتي .

فيقال : يا محمد ، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم ، فلأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ، ينادي : يا محمد ، يا محمد . فأقول : لا أملك لك شيئا . قد بلغت ، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء ، ينادي : يا محمد ، يا محمد . فأقول : لا أملك شيئا ، قد بلغت ، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا لها حمحمة ، فينادي : يا محمد ، يا محمد ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد بلغت ، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل سقاء من أدم ، ينادي : يا محمد ، يا محمد : فأقول : لا أملك لك شيئا قد بلغت " .

وقال علي بن المديني : هذا حديث حسن الإسناد ، إلا أن حفص بن حميد مجهول ، لا أعلم روى عنه غير يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي .

قلت : بل قد روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق ، وقال فيه يحيى بن معين : صالح . ووثقه النسائي وابن حبان .

وقوله: ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: وإنك يا محمد لتدعو هؤلاء المشركين من قومك إلى دين الإسلام، وهو الطريق القاصد والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.

التدبر :

وقفة
[73] لما أظهر سبحانه وتعالى زيف طريقة القوم؛ أتبعه ببيان صحة ما جاء به الرسول  فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي وإنك يا محمد لتدعو الناس قاطبة ومنهم هؤلاء المشركون من قريش إلى الطريق المستقيم، والدين الصحيح، وسبيل العزة والكرامة، والخير والسداد، وهو الإسلام العلاج الشافي لأدواء البشرية، وحل المشكلات الدينية والدنيوية.
وقفة
[73] دائمًا ندعو: (اهدنا الصراط المستقيم)، فجاء توضيح ذلك هنا ﴿وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم﴾، فمن أراد الهداية فباتباع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ:
  • الواو: استئنافية. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم «إنّ» اللام: لام التوكيد-المزحلقة-تدعو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. وجملة «لتدعوهم» في محل رفع خبر «انّ».
  • ﴿ إِلى صِراطٍ‍ مُسْتَقِيمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بتدعو. مستقيم صفة-نعت- لصراط‍ مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     وبعد أن أبطلَ اللهُ طريقةَ الكفار؛ أتبعها هنا ببيان صحة ما جاء به الرسول، وأنه الحق الذي لا معدل عنه، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [74] :المؤمنون     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ..

التفسير :

[74] وإن الذين لا يُصَدِّقون بالبعث والحساب، ولا يعملون لهما، عن طريق الدين القويم لمائلون إلى غيره.

تفسير الآيتين 73 و 74

ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات، كل سبب موجب للإيمان، وذكر الموانع، وبين فسادها، واحدا بعد واحد، فذكر من الموانع أن قلوبهم في غمرة، وأنهم لم يدبروا القول، وأنهم اقتدوا بآبائهم، وأنهم قالوا:برسولهم جنة، كما تقدم الكلام عليها، وذكر من الأمور الموجبة لإيمانهم، تدبر القرآن، وتلقي نعمة الله بالقبول، ومعرفة حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكمال صدقه وأمانته، وأنه لا يسألهم عليه أجرا، وإنما سعيه لنفعهم ومصلحتهم، وأن الذي يدعوهم إليه صراط مستقيم، سهل على العاملين لاستقامته، موصل إلى المقصود، من قرب حنيفية سمحة، حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، فدعوتك إياهم إلى الصراط المستقيم، موجب لمن يريد الحق أن يتبعك، لأنه مما تشهد العقول والفطر بحسنه، وموافقته للمصالح، فأين يذهبون إن لم يتابعوك؟ فإنهم ليس عندهم ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك، لأنهم{ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} متجنبون منحرفون، عن الطريق الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات.

وهكذا كل من خالف الحق، لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره، قال تعالى:{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}

وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ككفار قريش ومن لف لفهم عَنِ الصِّراطِ المستقيم لَناكِبُونَ أى: لمائلون وخارجون.

يقال: نكب فلان عن الطريق ينكب نكوبا- من باب دخل-، إذا عدل عنه. ومال إلى غيره.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة. قد شهدت للرسول صلّى الله عليه وسلّم بالبراءة من كل تهمة تفوه بها المشركون، وقطعت معاذيرهم، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم، حيث حكت شبهاتهم بأمانة ثم كرت عليها بالإبطال، وأثبتت أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما جاءهم ليدعوهم إلى الصراط المستقيم.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك، أن هؤلاء المشركين، قد قست قلوبهم، وفسدت نفوسهم، وماتت ضمائرهم، وصاروا لا يؤثر فيهم الابتلاء بالخير أو الشر، فقال- تعالى-:

وقوله : ( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ) أي : لعادلون جائرون منحرفون . تقول العرب : نكب فلان عن الطريق : إذا زاغ عنها .

يقول تعالى ذكره: والذين لا يصدّقون بالبعث بعد الممات، وقيام الساعة، ومجازاة الله عباده في الدار الآخرة; ( عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) يقول: عن محجة الحق وقصد السبيل، وذلك دين الله الذي ارتضاه لعباده ؛ لعادلون ، يقال منه: قد نكب فلان عن كذا: إذا عدل عنه، ونكب عنه: أي عدل عنه.

وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: ( عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) قال: العادلون.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) يقول: عن الحقّ عادلون.

التدبر :

وقفة
[74] ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ أي علة ابتعادهم عن الإسلام هو عدم إيمانهم بالآخرة، وهو كذلك فالقلب الذي لا يعمره الإيمان بلقاء الله والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ:
  • الواو: عاطفة. انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول في محل نصب اسم «إنّ».
  • ﴿ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. بمعنى: انّ الكافرين بالآخرة. لا: نافية لا عمل لها. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بلا يؤمنون.
  • ﴿ عَنِ الصِّراطِ‍ لَناكِبُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر «إنّ» اللام لام التوكيد -الابتداء-المزحلقة. ناكبون: خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. بمعنى عن هذا الصراط‍ المذكور وهو قوله -الى صراط‍ مستقيم-عادلون أو مائلون.'

المتشابهات :

الإسراء: 10﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا
المؤمنون: 74﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَٰطِ لَنَٰكِبُون
النمل: 4﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ
النجم: 27﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ تَسۡمِيَةَ ٱلۡأُنثَىٰ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [74] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ أن النَّبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه؛ وصفَ الكفارَ هنا بأنهم على خلاف ذلك، أي مائلون عن الطريق المستقيم إلى الطرق الضالة، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف