89666768697071727374

الإحصائيات

سورة النساء
ترتيب المصحف4ترتيب النزول92
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات29.50
عدد الآيات176عدد الأجزاء1.50
عدد الأحزاب3.00عدد الأرباع12.00
ترتيب الطول2تبدأ في الجزء4
تنتهي في الجزء6عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 1/10 يا أيها النَّاس: 1/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (66) الى الآية رقم (70) عدد الآيات (5)

بعدَ ما تقدَّم من أمرِ المنافقينَ رَغَّبَهم اللهُ في تركِ النفاقِ بأنَّه لا يكلِّفُ إلا بما تحتملُه الطاقةُ، ثُمَّ بَيَّنَ ثمرةَ طاعةِ اللهِ ورسولِه الفوزُ بمرافقةِ مَنْ أنعمَ اللهُ عليهم بدخولِ الجنَّةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (71) الى الآية رقم (74) عدد الآيات (4)

بعدَ ذكرِ طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِه ودرجةِ الشهادةِ أمرَ هنا بالجهادِ في سبيلِه، ثُمَّ ذَمَّ المنافقينَ المثبِّطينَ العزائمَ عن الجهادِ، ورغَّبَ في الجهادِ بعدَ الأمرِ به وبَيَّنَ ثوابَه.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة النساء

العدل والرحمة بالضعفاء/ العلاقات الاجتماعية في المجتمع

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا قلنا أن السورة تتكلم عن المستضعفين؟:   من طرق الكشف عن مقصد السورة: اسم السورة، أول السورة وآخر السورة، الكلمة المميزة أو الكلمة المكررة، ... أ‌- قد تكرر في السورة ذكر المستضعفين 4 مرات، ولم يأت هذا اللفظ إلا في هذه السورة، وفي موضع واحد من سورة الأنفال، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (الأنفال 26).وهذه المواضع الأربعة هي: 1. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (75). 2. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ...﴾ (97). 3. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ...﴾ (98). 4. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ... وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ...﴾ (127). كما جاء فيها أيضًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28). ب - في أول صفحة من السورة جاء ذكر اليتيم والمرأة، وقد سماهما النبي ﷺ «الضعيفين». عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» . جـ - ورد لفظ (النساء) في القرآن 25 مرة، تكرر في هذه السورة 11 مرة، وفي البقرة 5 مرات، وفي آل عمران مرة واحدة، وفي المائدة مرة، وفي الأعراف مرة، وفي النور مرتين، وفي النمل مرة، وفي الأحزاب مرتين، وفي الطلاق مرة.
  • • لماذا الحديث عن المرأة يكاد يهيمن على سورة تتحدث عن المستضعفين في الأرض؟:   لأنها أكثر الفئات استضعافًا في الجاهلية، وهي ببساطة مظلومة المظلومين، هناك طبقات أو فئات كثيرة تتعرض للظلم، رجالًا ونساء، لكن النساء في هذه الطبقات تتعرض لظلم مركب (فتجمع مثلًا بين كونها: امرأة ويتيمة وأمة، و... وهكذا). والسورة تعرض النساء كرمز للمستضعفين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «النساء».
  • • معنى الاسم ::   ---
  • • سبب التسمية ::   كثرة ‏ما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏الأحكام ‏التي ‏تتعلق ‏بهن ‏بدرجة ‏لم ‏توجد ‏في ‏غيرها ‏من ‏السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة ‏النساء ‏الكبرى» ‏مقارنة ‏لها بسورة ‏الطلاق التي تدعى «سورة ‏النساء ‏الصغرى».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الإسلام لم يظلم المرأة كما زعموا، بل كَرَّمَهَا وَشَرَّفَهَا وَرَفَعَهَا، وَجَعَلَ لها مكانة لَمْ تَنْعَمْ بِهِ امْرَأَةٌ فِي أُمَّةٍ قَطُّ، وها هي ثاني أطول سورة في القرآن اسمها "النساء".
  • • علمتني السورة ::   أن الناس أصلهم واحد، وأكرمهم عند الله أتقاهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها كاملًا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾
  • • علمتني السورة ::   جبر الخواطر: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟!»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة النساء من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مُحَبِّرَةٌ».
    • عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ النِّسَاءِ وَالْأَحْزَابِ وَالنُّورِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالنداء، من أصل 10 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بـ«يأيها الناس»، من أصل سورتين افتتحتا بذلك (النساء والحج).
    • ثاني أطول سورة بعد البقرة 29,5 صفحة.
    • خُصَّتْ بآيات الفرائض والمواريث، وأرقامها (11، 12، 176).
    • جمعت في آيتين أسماء 12 رسولًا من أصل 25 رسولًا ذكروا في القرآن (الآيتان: 163، 164).
    • هي الأكثر إيرادًا لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة)، وتشمل هذه الأسماء: العلم والحكمة والقدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    • هي أكثر سورة تكرر فيها لفظ (النساء)، ورد فيها 11 مرة.
    • اهتمت السورة بقضية حقوق الإنسان، ومراعاة حقوق الأقليات غير المسلمة، وبها نرد على من يتهم الإسلام بأنه دين دموي، فهي سورة كل مستضعف، كل مظلوم في الأرض.
    • فيها آية أبكت النبي صلى الله عليه وسلم (كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الذي سبق قبل قليل).
    • اختصت السورة بأعلى معاني الرجاء؛ فنجد فيها:
    - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (48).
    - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (64).
    - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (110).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (26).
    - ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (27).
    - ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28).
    * الإسلام وحقوق النساء:
    - في تسمية السورة باسم (النساء) إشارة إلى أن الإسلام كفل للمرأة كافة حقوقها، ومنع عنها الظلم والاستغلال، وأعطاها الحرية والكرامة، وهذه الحقوق كانت مهدورة في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية .فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن، سيجد أن هناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت فضائل مريم وأمها امرأة عمران، ثم سميت سورة كاملة باسم "مريم".
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نرحم الضعفاء -كالنساء واليتامى وغيرهم- ونعدل معهم ونحسن إليهم.
    • أن نبتعد عن أكل أموال اليتامى، ونحذر الناس من ذلك: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ...﴾ (2). • أن نبادر اليوم بكتابة الوصية: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (11).
    • أن نخفف من المهور اقتداء بالنبي في تخفيف المهر: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ (20).
    • أن نحذر أكل الحرام: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم﴾ (29).
    • أن نجتنب مجلسًا أو مكانًا يذكرنا بكبيرة من كبائر الذنوب، ونكثر من الاستغفار: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (31).
    • أن لا نُشقي أنفسنا بالنظر لفضل منحه الله لغيرنا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (32)، ونرضى بقسمة الله لنا.
    • أن نسعى في صلح بين زوجين مختلفين عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (35).
    • أن نبر الوالدين، ونصل الأرحام، ونعطي المحتاج، ونكرم الجار: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ...﴾ (36).
    • ألا نبخل بتقديم شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم حتى لا نكون من: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (37).
    • ألا نحقر الحسنة الصغيرة ولا السيئة الصغيرة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (40).
    • أن نتعلم أحكام التيمم: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (43).
    • ألا نمدح أنفسنا بما ليس فينا، وألا نغتر بمدح غيرنا لنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ (49).
    • ألا نحسد أحدًا على نعمة، فهي من فضل الله، ونحن لا نعلم ماذا أخذ الله منه؟: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (54).
    • أن نقرأ كتابًا عن فضل أداء الأمانة وأحكامها لنعمل به: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (58).
    • أن نرد منازعاتنا للدليل من القرآن والسنة: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ (59).
    • ألا ننصح علانيةً من أخطأ سرًا، فيجهر بذنبه فنبوء بإثمه: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (63).
    • أَنْ نُحَكِّمَ كِتَابَ اللهِ بَيْنَنَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ تَطِيبَ أنَفْسنا بِذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...﴾ (65).
    • أن نفكر في حال المستضعفين المشردين من المؤمنين، ونتبرع لهم ونكثر لهم الدعاء.
    • ألا نخاف الشيطان، فهذا الشيطان في قبضة الله وكيده ضعيف، نعم ضعيف، قال الذي خلقه: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (76).
    • أن نقوم بزيارة أحد العلماء؛ لنسألهم عن النوازل التي نعيشها: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ ...﴾ (83).
    • أن نرد التحية بأحسن منها أو مثلها: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (86).
    • أن نحذر من قتل المؤمن متعمدًا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ ...﴾ (93).
    • ألا نكون قساة على العصاة والمقصرين: ﴿كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ (94)، فالإنسان يستشعر -عند مؤاخذته غيره- أحوالًا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه، أو أكثر.
    • أن ننفق من أموالنا في وجوه الخير، ونجاهِد أنفسنا في الإنفاق حتى نكون من المجاهدين في سبيل الله بأموالهم: ﴿فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ (95).
    • أن نستغفر الله كثيرًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (106).
    • أن نراجع نوايـانا، وننو الخـير قبل أن ننام: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (108).
    • أن نصلح أو نشارك في الإصلاح بين زوجين مختلفين: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (128).
    • أن نعدل بين الناس ونشهد بالحق؛ ولو على النفس والأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ...﴾ (135).
    • ألا نقعد مع من يكفر بآيات الله ويستهزأ بها: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...﴾ (140).

تمرين حفظ الصفحة : 89

89

مدارسة الآية : [66] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ..

التفسير :

[66] ولو أوجبنا على هؤلاء المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت أن يقتل بعضهم بعضاً، أو أن يخرجوا من ديارهم، ما استجاب لذلك إلا عدد قليل منهم، ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك نافعاً لهم، وأقوى لإيمانهم،

يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه. ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي:ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:(أحدها) الخيرية في قوله:{ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} أي:لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي:وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده. (الثاني) حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر. وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات. (الثالث) قوله:{ وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} أي:في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبُدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. (الرابع) الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على الناس، ورحمته بهم. فقال- تعالى-:

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ، ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً.

والمراد بقوله كَتَبْنا: فرضنا وأوجبنا.

والمراد (بقتل النفس) تعريضها للهلاك من غير أمل في النجاة، وقيل: المراد به تعريضها للقتل عن طريق الجهاد.

والمراد بالخروج من الديار: الهجرة في سبيل الله، والخروج من الأوطان إلى أماكن فيها استجابة لأمر الله.

قال الفخر الرازي: الضمير في قوله وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فيه قولان:

الأول: وهو قول ابن عباس ومجاهد- أنه عائد إلى المنافقين، وذلك لأنه- تعالى- كتب على بنى إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، وكتب على المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم. فقال- تعالى-: ولو أنا كتبنا القتل والخروج عن الوطن على هؤلاء المنافقين ما فعله إلا قليل منهم رياء وسمعة، وحينئذ يصعب الأمر عليهم، وينكشف كفرهم، فإذا لم نفعل ذلك بل كلفناهم بالأشياء السهلة، فليتركوا النفاق، وليقبلوا الإيمان على سبيل الإخلاص. وهذا القول اختيار أبى بكر الأصم والقفال.

الثاني: أن المراد لو كتب الله على الناس ما ذكر لم يفعله إلا قليل منهم، فلما لم يفعل- سبحانه- ذلك رحمة بعباده، بل اكتفى بتكليفهم بالأمور السهلة، فعليهم أن يقبلوا عليها بإخلاص حتى ينالوا خير الدارين.

وعلى هذا التقدير دخل تحت هذا الكلام المؤمن والمنافق. وأما الضمير في قوله وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ فهو مختص بالمنافقين، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا.

وعلى هذا التقدير يجب أن يكون المراد بالقليل المؤمنين» .

وعلى كلا التقديرين: فإن الآية الكريمة تدل على أن الله- تعالى- لم يكلف هذه الأمة إلا بما تستطيعه، لأنه- سبحانه- لو كلف الناس جميعا بالتكاليف الشاقة، لما استطاع أن يقوم بها إلا عدد قليل منهم، وهذا الدين لم يجئ لهذا العدد القليل من الناس وإنما جاء للناس جميعا.

والمراد: أننا لم نكتب على الناس قتل أنفسهم أو خروجهم من ديارهم لأننا لو فعلنا ذلك لما استطاعه إلا عدد قليل منهم. وإنما الذي كتبناه عليهم هو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والخضوع لحكمه في الظاهر والباطن والاستجابة لتوجيهاته في السر والعلن.

فالمقصود من الآية الكريمة بيان لمظهر من مظاهر فضل الله على هذه الأمة، ورحمته بها، وتحريض الناس على الامتثال لشريعة الله- تعالى- والضمير في قوله ما فَعَلُوهُ للمكتوب عليهم الشامل للقتل والخروج من الديار. لدلالة قوله كَتَبْنا عليه.

وقوله «قليل» مرفوع على أنه بدل من الواو في قوله فَعَلُوهُ والتقدير: ما فعله أحد إلا قليل منهم. وقرأه ابن عامر بالنصب على الاستثناء. والأول أولى، لأنه استثناء من كلام تام غير موجب فيترجح الرفع.

قال ابن كثير: لما نزلت وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ.. الآية. قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن من أمتى رجالا، الإيمان أثبت في قلوبهم من الرواسي» وعن عامر بن عبد الله بن الزبير أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم» - أى: لو فرض ذلك لكان عبد الله بن مسعود من الذين يفعلونه.

وعن شريح بن عبيد قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: «لو أن الله كتب ذلك، لكان هذا من أولئك القليل» .

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً بيان للنتائج الطيبة التي تترتب على امتثالهم لأمر الله.

أى: ولو ثبت أن هؤلاء الذين أمرناهم بطاعتنا فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ أى: ما أمرناهم به من اتباع لرسولنا صلى الله عليه وسلم وانقياد لحكمه، لأنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ...

لو ثبت أنهم فعلوا ذلك لكان ما فعلوه خَيْراً لَهُمْ في دنياهم وآخرتهم. ولكان أَشَدَّ تَثْبِيتاً لهم على الحق والصواب، وأمنع لهم من الضلال.

يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه ; لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر ، وهذا من علمه - تبارك وتعالى - بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون ; ولهذا قال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم )

قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثني إسحاق ، حدثنا أبو زهير عن إسماعيل ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : لما نزلت : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل [ منهم ] ) الآية ، قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن منير ، حدثنا روح ، حدثنا ، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) الآية . قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو فعل ربنا لفعلنا ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " .

وقال السدي : افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود ، فقال اليهودي : والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا . فقال ثابت : والله لو كتب علينا : ( أن اقتلوا أنفسكم ) لقتلنا . فأنزل الله هذه الآية . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا بشر بن السري ، حدثنا مصعب بن ثابت ، عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال : لما نزلت [ ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) قال أبو بكر : يا رسول الله ، والله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت ، قال : " صدقت يا أبا بكر " .

حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : سئل سفيان عن قوله ] ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم " .

وحدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو ، عن شريح بن عبيد قال : لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم [ أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ] ) الآية ، أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى عبد الله بن رواحة ، فقال : " لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل " يعني : ابن رواحة .

ولهذا قال تعالى : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) أي : ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به ، وتركوا ما ينهون عنه ( لكان خيرا لهم ) أي : من مخالفة الأمر وارتكاب النهي ( وأشد تثبيتا ) قال السدي : أي : وأشد تصديقا .

القول في تأويل قوله : وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم "، ولو أنا فرضنا على هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل إليك، المحتكمين إلى الطاغوت، أن يقتلوا أنفسهم وأمرناهم بذلك = أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دار أخرى سواها (1) =" ما فعلوه "، يقول: ما قتلوا أنفسهم بأيديهم، ولا هاجروا من ديارهم فيخرجوا عنها إلى الله ورسوله، طاعة لله ولرسوله =" إلا قليل منهم ".

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9918 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا &; 8-526 &; أنفسكم "، يهود يعني = أو كلمة تشبهها = والعربَ، (2) كما أمر أصحاب موسى عليه السلام.

9919 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم "، كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضًا بالخناجر، لم يفعلوا إلا قليل منهم.

9920 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم "، افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من يهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا! فقال ثابت: والله لو كُتب علينا أن اقتلوا أنفسكم، لقتلنا أنفسنا! أنـزل الله في هذا: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا .

9921 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السبيعي قال: لما نـزلت: " وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ"، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ من أمتي لَرِجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرَّواسي.

* * *

واختلف أهل العربية في وجه الرفع في قوله: " إلا قليل منهم ".

فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنه رفع " قليل "، لأنه جعل بدلا من الأسماء المضمرة في قوله: " ما فعلوه "، لأن الفعل لهم.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة: إنما رفع على نية التكرير، كأن معناه: ما فعلوه، ما فعله إلا قليل منهم، كما قال عمرو بن معد يكرب: (3)

وَكُـــلُّ أَخٍ مُفَارِقُـــهُ أَخُـــوهُ,

لَعمْـــرُ أَبِيـــك إلا الفَرْقَـــدَانِ (4)

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: رفع " القليل " بالمعنى الذي دلَّ عليه قوله: " ما فعلوه إلا قليل منهم ". وذلك أن معنى الكلام: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم = فقيل: " ما فعلوه " على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ألم استثنى " القليل "، فرفع بالمعنى الذي ذكرنا، إذ كان الفعل منفيًّا عنه.

* * *

وهي في مصاحف أهل الشام: ( مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ ). وإذا قرئ كذلك، فلا مرْزِئَةَ على قارئه في إعرابه، (5) لأنه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولا بما فيه كنايةُ مَنْ قد جرى ذكره، (6) ثم استثني منهم القليل.

* * *

القول في تأويل قوله : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدُّون عنك صدودًا =" فعلوا ما يوعظون به "، يعني: ما يذكّرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره (7) =" لكان خيرًا لهم "، في عاجل دنياهم، وآجل معادهم =" وأشد تثبيتًا "، وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها. (8) وذلك أن المنافق يعمل على شك، فعمله يذهب باطلا وعناؤه يضمحلّ فيصير هباء، وهو بشكه يعمل على وناءٍ وضعف. (9) ولو عمل على بصيرة، لاكتسب بعمله أجرًا، ولكان له عند الله ذخرًا، وكان على عمله الذي يعمل أقوى، ولنفسه أشدَّ تثبيتًا، لإيمانه بوعد الله على طاعته، وعمله الذي يعمله. ولذلك قال من قال: معنى قوله: " وأشد تثبيتًا "، تصديقًا، كما:-

9922 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا "، قال: تصديقًا.

* * *

= لأنه إذا كان مصدّقًا، كان لنفسه أشد تثبيتًا، ولعزمه فيه أشدّ تصحيحًا. وهو نظير قوله جل ثناؤه: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سورة البقرة: 265].

وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه، بما فيه كفاية من إعادته، (10)

-------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير"كتب" فيما سلف ص: 8: 170 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(2) في المطبوعة: "هم يهود يعني والعرب". ومثلها في الدر المنثور 2: 181 ، وهو تصرف من السيوطي ، وتبعه الناشر الأول. وذلك أنه شك في معنى"أو كلمة تشبهها" فحذفها ، وزاد في أول الكلام"هم". ولكن قوله: "أو كلمة تشبهها" أي: تشبه"يعني" في معناها ، كقولك "يريد" أو "أراد".

(3) وأصح ، نسبته إلى حضرمي بن عامر الأسدي ، وينسب إلى سوار بن المضرب ، وهو خطأ.

(4) سيبويه 1: 371 / مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 131 / البيان والتبيين 1: 228 / حماسة البحتري: 151 / الكامل 2: 298 / المؤتلف والمختلف: 85 / الخزانة 2: 52= 4: 79 / شرح شواهد المغني: 78. هذا ولم أجد أبيات عمرو بن معد يكرب ، وأما شعر حضرمي ، فقبل البيت ، وهو شعر جيد:

وَذِي فَجْــعٍ عَــزَفتُ النَّفْسَ عَنْــهُ

حِــذَارَ الشَّــامتين، وَقَـدْ شَـجَانِي

أَخِــي ثِقَـةٍ، إذَا مَـا اللَّيْـلُ أَفْضَـى

إلَـــيَّ بِمُؤْيِــدٍ حُــبْلَى كَفَــانِي

قَطَعْــتُ قَــرِينَتِي عَنْــهُ فـأغْنَى

غنــاهُ، فَلَــنْ أَراهُ وَلَــنْ يَـرَانِي

وكُــلُّ قَرِينَــةٍ قُــرِنَتْ بِـأُخْرى،

وَلَــوْ ضَنَّــتْ بِهَــا، سَــتَفَرَّقَانِ

وكُــــلُّ أَخٍ......................

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَكُـــلُّ إِجَـــابَتي إِيَّــاهُ أَنِّــي

عَطَفْــتُ عَلَيْــهِ خَــوَّار الْعِنَـانِ

وقوله: "وذي فجع" ، أي: صديق يورث فراقه الفجيعة ، ويروى"وذى لطف" ، ويروي"وذي فخم" ، يعني: ذي كبرياء واستعلاء. و"عزف نفسه عن الشيء": صرفها. و"شجاني": أحزنني. و"المؤيد" الداهية العظيمة."حبلى" تلد شرًا بعد شر. و"القرينة" النفس التي تقارن صاحبها لا تفارقه ، حتى يموت. و"خوار العنان" صفة الفرس إذا كان سهل المعطف لينه كثير الجري ، يعني ، أنه ينصره في الحرب حين يستغيث به.

(5) "المرزئة" (بفتح الميم ، وسكون الراء ، وكسر الزاي) ، مثل الرزء ، والرزيئة: وهو المصيبة والعناء والضرر والنقص ، وكل ما يثقل عليك ، عافاك الله. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "فلا مرد به على قارئه" ، وهو شيء لا يفهم ولا يقال!!

(6) "الكناية" الضمير ، كما سلف مرارًا كثيرة. ثم انظر مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 131.

(7) انظر تفسير"الوعظ" ، فيما سلف ص: 299 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.

(8) انظر تفسير"التثبيت" فيما سلف 5: 354 ، 531 / 7: 272 ، 273. ولو قال: "وأقوى لهم عليها" ، لكان ذلك أرجح عندي ، وكلتاهما صواب.

(9) "الونا" و"الوناء": الفترة والكلال والإعياء والضعف.

(10) انظر تفسير الآية فيما سلف 5: 530 - 534.

التدبر :

وقفة
[66] يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من: قتل النفوس والخروج من الديار؛ لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم، وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبدُ ضد ما هو فيه من المكروهات لتخف عليه العبادات.
وقفة
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ فأخبر سبحانه أنه لم يكتب ذلك علينا رفقًا بنا؛ لئلا تظهر معصيتنا؛ فكم من أمر قصرنا عنه مع خفته! فكيف بهذا الأمر مع ثقله! لكن أما والله لقد ترك المهاجرون مساكنهم خاوية، وخرجوا يطلبون بها عيشة راضية.
وقفة
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ ما أصعب الخروج من الديار إذ قرنه الله تعالى بقتل النفس!
وقفة
[66] من أسباب الفتنة: أن تترك ما أُمِرت به شرعًا، وتنشغل بما لم تُؤمَر به، ولن تُسأَل عنه: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﱑ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
وقفة
[66] ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ مَرَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَجُلٍ فِيْ السُّوْقِ، فِإِذَا بِالرَّجُلِ يَدْعُوْا وَيَقُوْلُ: «اللهم اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ القَلِيْلِ ... اللهم اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ القَلِيْلِ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرَ: «مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا الدُّعَاءِ؟»، فَقَالَ الرَّجُلُ: «إنَّ اللهَ يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ العَزِيْزِ: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]»، فَبَكَى سَيِّدُنَا عُمَرَ وَقَالَ: «كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ يَا عُمَرَ».
وقفة
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ في وسائل التواصل تكثر المواعظ، وفي واقعنا يغيب العمل.
وقفة
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ تدبُّر القرآن يزيد في علوم الإيمان وشواهده، ويحث على أعمال القلوب من التوكل والإخلاص والتعلق بالله.
وقفة
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ فعل الطاعات من أهم أسباب الثبات على الحق.
تفاعل
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ الثبات لا يكون بكثرة (الاستماع) للمواعظ؛ إنما يكون (بفعل) هذه المواعظ، نسأل الله أن يرزقنا الثبات حتي نلقاه.
وقفة
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ اتباع أمر الله وطاعته ثمرتها: الثبات، الأجر العظيم، الهدي للصراط المستقيم.
عمل
[66] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ إذا بلغك شيء من الخير؛ فاعمل به ولو مرة تكن من أهله.
وقفة
[66] الْعَبْد إِذا عمل بِمَا علم؛ أورثه الله علم مَا لم يعلم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
وقفة
[66] أكثر الناس انتكاسًا أقلُّهم عملًا بما علموا ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
وقفة
[66] أكثر الناس ثباتًا من جمع مع العلم العمل، وأسرعهم انتكاسًا صاحب العلم بلا عمل ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
وقفة
[66] من وسائل الثبات على الدين: عملك بما وُعظت وذكرت به ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
وقفة
[66] من أسباب الفتنة: أن تترك ما أُمِرت به شرعًا، وتنشغل بما لم تُؤمَر به، ولن تُسأَل عنه ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
وقفة
[66] ليس الهدف من الموعظة إضحاك الناس أو إبكاءهم؛ إنما القيام على أمر الدين ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
عمل
[66] استمع لموعظة أو محاضرة، واعمل بما فيها مخالفًا للمنافقين الذين لا يعملون بما يوعظون به ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.
عمل
[66، 67] تذكر موعظة أو نصيحة سمعتها واعمل بها اليوم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا:
  • الواو: إستئنافية. لو: حرف شرط غير جازم. أنا: أن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «أَنِ». كتبنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلم للتعظيم والتفخيم و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «كَتَبْنا» في رفع خبر «أَنِ» وأن مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف.
  • ﴿ عَلَيْهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بكتبنا و «هم» ضمير الغائبين المتصل مبني على السكون في محل جر بعلى.
  • ﴿ أَنِ اقْتُلُوا:
  • أن: المخففة هنا بمعنى أي كسرت نونها لالتقاء الساكنين. اقتلوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة.
  • ﴿ أَنْفُسَكُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور
  • ﴿ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ:
  • أو اخرجوا: معطوفة بأو حرف العطف للتخيير على جملة «اقْتُلُوا» وتعرب إعرابها. من دياركم: جار ومجرور متعلق بأخرجوا. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ ما فَعَلُوهُ إِلَّا:
  • ما: نافية لا عمل لها. فعلوه: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به وجملة «ما فَعَلُوهُ» جواب شرط غير جازم لا محل لها. إلّا: أداة حصر لا عمل لها.
  • ﴿ قَلِيلٌ مِنْهُمْ:
  • اسم مرفوع بالضمة لأنه بدل من الضمير الواو في «فَعَلُوهُ» أي بدل بعض من كل عند البصرين وعند الكوفيين عطف نسق. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «قَلِيلٌ».
  • ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ:
  • الواو: عاطفة. لو: حرف شرط غير جازم. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «أن».
  • ﴿ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ:
  • فعلوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يوعظون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. به: جار ومجرور متعلق بيوعظون وجملة «يُوعَظُونَ» صلة الموصول لا محل لها و «أن مع اسمها وخبرها» بتأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره: ثبت. والتقدير: لو ثبت فعلهم ما يوعظون به لكان خيرا لهم وينطبق هذا التقدير على جملة «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا».
  • ﴿ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ:
  • اللام: واقعة في جواب الشرط «كان» فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. خيرا: خبر «كان» منصوب بالفتحة. وجملة «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ» جواب شرط غير جازم لا محل لها. لهم: جار ومجرور متعلق بخيرا.
  • ﴿ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً:
  • معطوف بواو العطف على «خَيْراً» وتعرب اعرابها تثبيتا تمييز منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 66﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتٗا
البقرة: 83﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ
البقرة: 246﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ
البقرة: 249﴿فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ
المائدة: 13﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَح

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [66] لما قبلها :     وبعدَ وعيد وذمِّ المنافقينَ؛ رَغَّبَهم اللهُ عز وجل هنا في تركِ النفاقِ بأنَّه لا يكلِّفُ إلا بما تحتملُه الطاقةُ، ثُمَّ بَيَّنَ ثمرات طاعةِ اللهِ ورسولِه: 1- أن يكونوا من الأخيار. 2- الثبات عند الفتن والمصائب، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا

القراءات :

أن:
قرئ:
1- بكسر النون، وهى قراءة أبى عمرو، وحمزة، وعاصم.
2- بضمها، وهى قراءة باقى السبعة.
أو:
قرئ:
1- بضمها، وهى قراءة أبى عمرو، مع كسر نون «أن اقتلوا» .
2- بكسرها، وهى قراءة حمزة، وعاصم، مع كسر نون «أن اقتلوا» .
3- بضمها، وهى قراءة باقى السبعة، مع ضم نون «أن اقتلوا» .
إلا قليل:
قرئ:
إلا قليلا، بالنصب، وهى قراءة أبى، وابن أبى إسحاق وابن عامر، وعيسى بن عمر.

مدارسة الآية : [67] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً ..

التفسير :

[67] ولأعطيناهم مِن عندنا ثواباً عظيماً في الدنيا والآخرة.

رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:(الثالث) قوله:{ وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} أي:في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبُدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ثم بين- سبحانه- ما لهم بعد ذلك من أجر عظيم فقال: وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً.

أى: وإذا لو ثبتوا على طاعتنا لأعطيناهم من عندنا ثوابا عظيما لا يعرف مقداره إلا الله- تعالى- ولتقبلناهم وأرشدناهم إلى سلوك الطريق المستقيم وهو طريق الإسلام الذي باتباعه يسعدون في دنياهم وآخرتهم.

قال صاحب الكشاف: وقوله «وإذا» جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت؟ فقيل: وإذا لو ثبتوا لَآتَيْناهُمْ لأن إذا جواب وجزاء .

وقد فخم- سبحانه- هذا العطاء بعدة أمور منها: أنه ذكر- سبحانه- نفسه بصيغة العظمة لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا وَلَهَدَيْناهُمْ والمعطى الكريم إذا ذكر نفسه باللفظ الدال على العظمة عند الوعد بالعطية، دل ذلك على عظمة تلك العطية.

ومنها: أن قوله مِنْ لَدُنَّا يدل على التخصيص أى: لآتيناهم من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا. وهذا التخصيص يدل على المبالغة والتشريف، لأنه عطاء من واهب النعم وممن له الخلق والأمر كما في قوله- تعالى- وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.

ومنها: أنه- سبحانه- وصف هذا الأجر المعطى بالعظمة بعد أن جاء به منكرا، وهذا الأسلوب يدل على أن هذا العطاء غير محدود بحدود، وأنه قد بلغ أقصى ما يتصوره العقل من جلال في كمه وفي كيفه. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

هذا، وبذلك ترى أن الآيات الكريمة- من قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. إلى هنا- قد بينت ما عليه المنافقون من فسوق وعصيان، وحكت معاذيرهم الكاذبة، وصورت نفورهم من حكم الله تصويرا بليغا، وكشفت عن أحوالهم ورذائلهم بأسلوب يدعو العقلاء إلى احتقارهم وهجرهم، وأرشدت إلى أنجع الوسائل لعلاجهم وفتحت لهم باب التوبة حتى يثوبوا إلى رشدهم، ويطهروا نفوسهم من السوء والفحشاء، ووضحت جانبا من مظاهر اليسر والتخفيف التي تفضل بها- سبحانه- على الأمة الإسلامية، ووعدت الذين يستجيبون لله ولرسوله بالثواب الجزيل، وتوعدت الذين يتركون حكم الله إلى حكم غيره بالعذاب الأليم، ووصفتهم بعدم الإيمان.

وقد أفاض بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآيات في بيان سوء حال من يتحاكم إلى غير شريعة الله، وساقوا أمثلة متعددة لشدة تمسك السلف الصالح بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك قول الفخر الرازي: قال القاضي: يجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر. وعدم الرضا بحكم محمد صلى الله عليه وسلم كفر ويدل عليه وجوه:

الأول: أنه- تعالى- قال يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.

فجعل التحاكم إلى الطاغوت إيمانا به. ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله. كما ان الكفر بالطاغوت إيمان بالله.

الثاني: قوله تعالى-: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ.. إلى قوله:

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.

الثالث: قوله- تعالى- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة.

وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام. سواء رده من جهة الشك أم من جهة التمرد. وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم .

وقال الشيخ جمال الدين القاسمى: قال ولى الله التبريزي. روى الإمام مسلم- بسنده- عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم: فقال بلال: والله لنمنعهن. فقال عبد الله: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقول أنت: لنمنعهن؟

وفي رواية سالم عن أبيه قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا ما سمعته سبه مثله قط. وقال:

أخبرك عن رسول الله، وتقول: والله لنمنعهن» .

وفي رواية للإمام أحمد أنه ما كلمه حتى مات.

فأنت ترى أن ابن عمر- رضى الله عنه- لشدة تمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب لله ورسوله، وهجر فلذة كبده، لتلك الزلة.

وقال الإمام الشافعى: أخبرنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابى قال: حدثني ابن أبى ذئب عن المقبري عن أبى شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين. إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود» . قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبى ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح على صياحا كثيرا ونال منى وقال:

أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أتأخذ به؟ نعم. آخذ به. وذلك الفرض على وعلى من سمعه. إن الله- تعالى- قد اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه. واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه. فعلى الخلق أن يتبعوه لا مخرج لمسلم. وما سكت حتى تمنيت أن يسكت.

وقال الإمام ابن القيم: والذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه. ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان. لا راويه ولا غيره. إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضره وقت الفتيا. أولا يتفطن لدلالته على تلك المسألة. أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا. أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر. أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه ...

فالله- تعالى- علق سعادة الدارين بمتابعته صلى الله عليه وسلم وجعل شقاوة الدارين في مخالفته .

وهكذا نرى أن السلف الصالح كانوا يتمسكون بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشد التمسك، ويهجرون كل من خالفها، ولم يقيد نفسه بها.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك الثواب العظيم الذي أعده للطائعين من عباده فقال:

( وإذا لآتيناهم من لدنا ) أي : من عندنا ، ( أجرا عظيما ) يعني : الجنة .

القول في تأويل قوله : وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم، لإيتائنا إياهم على فعلهم ما وعِظُوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا =" أجرًا " يعني: جزاء وثوابًا عظيمًا (11) = وأشد تثبيتًا لعزائمهم وآرائهم، وأقوى لهم على أعمالهم، لهدايتنا إياهم صراطًا مستقيمًا = يعني: طريقًا لا اعوجاج فيه، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم، وذلك الإسلام. (12)

---------------

الهوامش :

(11) انظر تفسيره"الأجر" فيما سلف ص: 365 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(12) انظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 1: 170 - 177 / 3: 140 ، 141 / 6: 441.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[67] ﴿وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾ فليبشر كل من سمع موعظة فعمل بها، بالأجر العظيم من رب العالمين، الذي وصف نفسه باسم (العظيم).
تفاعل
[67] ﴿وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾ سَل الله من فضله.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذاً:
  • الواو: إستئنافية. إذا: حرف جواب لسؤال مقدر لا محل له.
  • ﴿ لَآتَيْناهُمْ:
  • اللام: واقعة في جواب «لَوْ» في الآية الكريمة السابقة وكررت للتأكيد و «آتينا»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول.
  • ﴿ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً:
  • جار ومجرور متعلق بآتينا. من: حرف جرّ لدن: اسم مبني على السكون في محل جر بمن وهي بمنزلة «عند» والجار والمجرور متعلق بآتينا أو بحال من «أَجْراً» لأنه متعلق بصفة مقدمة عليه. أجرا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. عظيما: صفة- نعت- لأجرا منصوب مثله بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [67] لما قبلها :     - حصول الأجر العظيم في الدنيا والآخرة، قال تعالى:
﴿ وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [68] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا

التفسير :

[68]ولأرشدناهم ووفقناهم إلى طريق الله القويم

رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:( الرابع ) الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.

ثم بين- سبحانه- ما لهم بعد ذلك من أجر عظيم فقال: وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً.

أى: وإذا لو ثبتوا على طاعتنا لأعطيناهم من عندنا ثوابا عظيما لا يعرف مقداره إلا الله- تعالى- ولتقبلناهم وأرشدناهم إلى سلوك الطريق المستقيم وهو طريق الإسلام الذي باتباعه يسعدون في دنياهم وآخرتهم.

قال صاحب الكشاف: وقوله «وإذا» جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت؟ فقيل: وإذا لو ثبتوا لَآتَيْناهُمْ لأن إذا جواب وجزاء .

وقد فخم- سبحانه- هذا العطاء بعدة أمور منها: أنه ذكر- سبحانه- نفسه بصيغة العظمة لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا وَلَهَدَيْناهُمْ والمعطى الكريم إذا ذكر نفسه باللفظ الدال على العظمة عند الوعد بالعطية، دل ذلك على عظمة تلك العطية.

ومنها: أن قوله مِنْ لَدُنَّا يدل على التخصيص أى: لآتيناهم من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا. وهذا التخصيص يدل على المبالغة والتشريف، لأنه عطاء من واهب النعم وممن له الخلق والأمر كما في قوله- تعالى- وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.

ومنها: أنه- سبحانه- وصف هذا الأجر المعطى بالعظمة بعد أن جاء به منكرا، وهذا الأسلوب يدل على أن هذا العطاء غير محدود بحدود، وأنه قد بلغ أقصى ما يتصوره العقل من جلال في كمه وفي كيفه. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

هذا، وبذلك ترى أن الآيات الكريمة- من قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. إلى هنا- قد بينت ما عليه المنافقون من فسوق وعصيان، وحكت معاذيرهم الكاذبة، وصورت نفورهم من حكم الله تصويرا بليغا، وكشفت عن أحوالهم ورذائلهم بأسلوب يدعو العقلاء إلى احتقارهم وهجرهم، وأرشدت إلى أنجع الوسائل لعلاجهم وفتحت لهم باب التوبة حتى يثوبوا إلى رشدهم، ويطهروا نفوسهم من السوء والفحشاء، ووضحت جانبا من مظاهر اليسر والتخفيف التي تفضل بها- سبحانه- على الأمة الإسلامية، ووعدت الذين يستجيبون لله ولرسوله بالثواب الجزيل، وتوعدت الذين يتركون حكم الله إلى حكم غيره بالعذاب الأليم، ووصفتهم بعدم الإيمان.

وقد أفاض بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآيات في بيان سوء حال من يتحاكم إلى غير شريعة الله، وساقوا أمثلة متعددة لشدة تمسك السلف الصالح بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك قول الفخر الرازي: قال القاضي: يجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر. وعدم الرضا بحكم محمد صلى الله عليه وسلم كفر ويدل عليه وجوه:

الأول: أنه- تعالى- قال يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.

فجعل التحاكم إلى الطاغوت إيمانا به. ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله. كما ان الكفر بالطاغوت إيمان بالله.

الثاني: قوله تعالى-: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ.. إلى قوله:

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.

الثالث: قوله- تعالى- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة.

وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام. سواء رده من جهة الشك أم من جهة التمرد. وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم .

وقال الشيخ جمال الدين القاسمى: قال ولى الله التبريزي. روى الإمام مسلم- بسنده- عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم: فقال بلال: والله لنمنعهن. فقال عبد الله: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقول أنت: لنمنعهن؟

وفي رواية سالم عن أبيه قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا ما سمعته سبه مثله قط. وقال:

أخبرك عن رسول الله، وتقول: والله لنمنعهن» .

وفي رواية للإمام أحمد أنه ما كلمه حتى مات.

فأنت ترى أن ابن عمر- رضى الله عنه- لشدة تمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب لله ورسوله، وهجر فلذة كبده، لتلك الزلة.

وقال الإمام الشافعى: أخبرنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابى قال: حدثني ابن أبى ذئب عن المقبري عن أبى شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين. إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود» . قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبى ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح على صياحا كثيرا ونال منى وقال:

أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أتأخذ به؟ نعم. آخذ به. وذلك الفرض على وعلى من سمعه. إن الله- تعالى- قد اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه. واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه. فعلى الخلق أن يتبعوه لا مخرج لمسلم. وما سكت حتى تمنيت أن يسكت.

وقال الإمام ابن القيم: والذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه. ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان. لا راويه ولا غيره. إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضره وقت الفتيا. أولا يتفطن لدلالته على تلك المسألة. أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا. أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر. أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه ...

فالله- تعالى- علق سعادة الدارين بمتابعته صلى الله عليه وسلم وجعل شقاوة الدارين في مخالفته .

وهكذا نرى أن السلف الصالح كانوا يتمسكون بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشد التمسك، ويهجرون كل من خالفها، ولم يقيد نفسه بها.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك الثواب العظيم الذي أعده للطائعين من عباده فقال:

( ولهديناهم صراطا مستقيما ) أي في الدنيا والآخرة .

ومعنى قوله: " ولهديناهم "، ولوفَّقناهم للصراط المستقيم. (13)

ثم ذكر جل ثناؤه ما وعد أهل طاعته وطاعة رسوله عليه السلام، من الكرامة الدائمة لديه، والمنازل الرفيعة عنده. فقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ الآية.

--------------------

الهوامش :

(13) انظر تفسير"الهدي" فيما سلف من فهارس اللغة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[68] من فوائد الطاعات: تحصيل الهداية، ومن ثمراتها: الثبات على الصراط المستقيم.
وقفة
[68] ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ الحل لإنقاذ نفسك ليس عند أهل الإقتصاد، ولا عند أهل السياسة، ولا عند أهل القوة العسكرية، الحل لإنقاذ نفسك هو اتباع الصراط المستقيم.
تفاعل
[68] ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.
وقفة
[66-68] كيف لو عملنا بالمواعظ؟ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً:
  • معطوفة بواو العطف على «لآتيناهم أجرا عظيما» في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. '

المتشابهات :

النساء: 68﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا
النساء: 175﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا
الفتح: 2﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا
الفتح: 20﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [68] لما قبلها :     - حصول الهداية إلى الصراط المستقيم، فقال تعالى:
﴿ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا

القراءات :

وحسن:
1- بضم السين، وهى قراءة الجمهور.
2- بسكون السين، وهى لغة تميم، وبها قرأ أبو السمال.

مدارسة الآية : [69] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ ..

التفسير :

[69] ومن يستجب لأوامر الله تعالى وهدي رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فأولئك الذين عَظُم شأنهم وقدرهم، فكانوا في صحبة مَن أنعم الله تعالى عليهم بالجنة، من الأنبياء والصديقين الذين كمُل تصديقهم بما جاءت به الرسل، اعتقاداً وقولاً وعملاً، والشهداء في سبيل ال

أي:كل مَنْ أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر وأنثى وصغير وكبير،{ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي:النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة{ مِنَ النَّبِيِّينَ} الذين فضلهم الله بوحيه، واختصهم بتفضيلهم بإرسالهم إلى الخلق، ودعوتهم إلى الله تعالى{ وَالصِّدِّيقِينَ} وهم:الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله،{ وَالشُّهَدَاءِ} الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقتلوا،{ وَالصَّالِحِينَ} الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم، فكل من أطاع الله تعالى كان مع هؤلاء في صحبتهم{ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} بالاجتماع بهم في جنات النعيم والأُنْس بقربهم في جوار رب العالمين.

روى المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان مالي أراك محزونا؟ فقال الرجل: يا نبي الله شيء فكرت فيه. فقال ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك. وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك. فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا. فأتاه جبريل بهذه الآية. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ.. إلخ.

قال: فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره» .

والمعنى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ بالانقياد لأمره ونهيه، ويطع الرَّسُولَ في كل ما جاء به من ربه «فأولئك» المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بالنعم التي تقصر العبارات عن تفصيلها وبيانها.

وقوله: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ بيان للمنعم عليهم الذين يكون المطيع في صحبتهم ورفقتهم.

أى: فأولئك المتصفون بتمام الطاعة لله- تعالى- ولرسوله صلى الله عليه وسلم، يكونون يوم القيامة في صحبة الأنبياء الذين أرسلهم الله مبشرين ومنذرين فبلغوا رسالته ونالوا منه- سبحانه- أشرف المنازل.

وبدأ- سبحانه- بالنبيين لعلو درجاتهم، وسمو منزلتهم على من عداهم من البشر.

وقوله وَالصِّدِّيقِينَ جمع صديق وهم الذين صدقوا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تصديقا لا يخالجه شك، ولا تحوم حوله ريبة، وصدقوا في دفاعهم عن عقيدتهم وتمسكهم بها، وسارعوا إلى ما يرضى الله بدون تردد أو تباطؤ.

وقوله وَالشُّهَداءِ جمع شهيد. وهم الذين استشهدوا في سبيل الله، ومن أجل إعلاء دينه وشريعته.

وقوله وَالصَّالِحِينَ جمع صالح. وهم الذين صلحت نفوسهم، واستقامت قلوبهم وأدوا ما يجب عليهم نحو خالقهم ونحو أنفسهم ونحو غيرهم.

هؤلاء هم الأخيار الأطهار الذين يكون المطيعون لله ولرسوله في رفقتهم وصحبتهم.

قال الفخر الرازي: «وليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين ... كون الكل في درجة واحدة، لأن هذا يقتضى التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول. وأنه لا يجوز. بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الأخر، وإن بعد المكان، لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا: وإذا أرادوا الزيارة والتلاقي قدروا عليه. فهذا هو المراد من هذه المعية.

ثم قال: وقد دلت الآية على أنه لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم إلا هذا الوصف. وهو كون الإنسان صديقا ولذا أينما ذكر في القرآن الصديق والنبي لم يجعل بينهما واسطة كما قال- تعالى- في صفة إدريس إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا .

وقوله- تعالى وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً تذييل مقرر لما قبله مؤكد للترغيب في العمل الصالح الذي يوصل المسلم إلى صحبة هؤلاء الكرام.

وقوله حَسُنَ فعل مراد به المدح ملحق بنعم. ومضمن معنى التعجب من حسنهم.

واسم الإشارة أُولئِكَ يعود إلى كل صنف من هذه الأصناف الأربعة وهم النبيون ومن بعدهم.

والرفيق: هو المصاحب الذي يلازمك في عمل أو سفر أو غيرهما. وسمى رفيقا لأنك ترافقه ويرافقك ويستعين كل واحد منكما بصاحبه في قضاء شئونه. وهو مشتق من الرفق بمعنى لين الجانب، ولطف المعاشرة.

ولم يجمع، لأن صيغة فعيل يستوي فيها الواحد وغيره.

والمعنى وحسن كل واحد من أولئك الأخيار- وهم الأنبياء ومن بعدهم- رفيقا ومصاحبا في الجنة لأن رفقة كل واحد منهم تشرح الصدور، وتبهج النفوس.

والمخصوص بالمدح محذوف أى: وحسن كل واحد من المذكورين رفيقا أو وحسن المذكورون أو الممدوحون رفيقا، لأن حسن لها حكم نعم.

وقوله أُولئِكَ فاعل حسن. ورفيقا تمييز.

قال صاحب الكشاف وقوله وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فيه معنى التعجب كأنه قيل:

وما أحسن أولئك رفيقا. ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ وحسن بسكون السين) .

ثم قال تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) أي : من عمل بما أمره الله ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة ، وهم الصديقون ، ثم الشهداء ، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم .

ثم أثنى عليهم تعالى فقال : ( وحسن أولئك رفيقا )

وقال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة " وكان في شكواه التي قبض فيه ، فأخذته بحة شديدة فسمعته يقول : ( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) فعلمت أنه خير .

وكذا رواه مسلم من حديث شعبة ، عن سعد بن إبراهيم به .

وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : " اللهم في الرفيق الأعلى " ثلاثا ثم قضى ، عليه أفضل الصلاة والتسليم .

ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة :

قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، ما لي أراك محزونا ؟ " قال : يا نبي الله شيء فكرت فيه ؟ قال : " ما هو ؟ " قال : نحن نغدو عليك ونروح ، ننظر إلى وجهك ونجالسك ، وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك . فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئا ، فأتاه جبريل بهذه الآية : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين [ والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ] ) فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره .

قد روي هذا الأثر مرسلا عن مسروق ، وعكرمة ، وعامر الشعبي ، وقتادة ، وعن الربيع بن أنس ، وهو من أحسنها سندا .

قال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : ( ومن يطع الله والرسول [ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من ] ) الآية ، قال : إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه ، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا ؟ فأنزل الله في ذلك - يعني هذه الآية - فقال : يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم ، فيجتمعون في رياضها ، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه ، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به ، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه " .

وقد روي مرفوعا من وجه آخر ، فقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا عبد الله بن عمران ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إنك لأحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي ، وأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك . فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )

وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه : " صفة الجنة " ، من طريق الطبراني ، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال ، عن عبد الله بن عمران العابدي ، به . ثم قال : لا أرى بإسناده بأسا والله أعلم .

وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا أبو بكر بن ثابت بن عباس المصري حدثنا خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن عامر الشعبي ، عن ابن عباس ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك علي وأحب أن أكون معك في الدرجة . فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فأنزل الله عز وجل [ ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) ] .

وقد رواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء ، عن الشعبي ، مرسلا . وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال : كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته ، فقال لي : " سل " . فقلت : يا رسول الله ، أسألك مرافقتك في الجنة . فقال : " أو غير ذلك ؟ " قلت : هو ذاك . قال : " فأعني على نفسك بكثرة السجود " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن عيسى بن طلحة ، عن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه " تفرد به أحمد .

قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إن شاء الله " .

وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري ، عن أبي حمزة ، عن الحسن البصري ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " .

ثم قال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر شيخ بصري .

وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما ، من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ فقال : " المرء مع من أحب " قال أنس : فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث .

وفي رواية عن أنس أنه قال : إني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب أبا بكر وعمر ، رضي الله عنهما وأرجو أن يبعثني الله معهم وإن لم أعمل كعملهم .

وقال الإمام مالك بن أنس ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .

أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ولفظه لمسلم .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا فزارة ، أخبرني فليح ، عن هلال - يعني ابن علي - عن عطاء ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون - أو ترون - الكوكب الدري الغارب في الأفق والطالع في تفاضل الدرجات " . قالوا : يا رسول الله ، أولئك النبيون ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .

قال الحافظ الضياء المقدسي : هذا الحديث على شرط البخاري والله أعلم .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن عمار الموصلي ، حدثنا عفيف بن سالم ، عن أيوب بن عتبة عن عطاء ، عن ابن عمر قال : أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سل واستفهم " . فقال : يا رسول الله ، فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت مثل ما عملت به ، إني لكائن معك في الجنة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ، والذي نفسي بيده إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام " قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله ، كان له بها عهد عند الله ، ومن قال : سبحان الله وبحمده ، كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة " فقال رجل : كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله ، فتقوم النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتطاول الله برحمته " ونزلت هذه الآيات ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) إلى قوله : ( نعيما وملكا كبيرا ) [ الإنسان : 1 - 20 ] فقال الحبشي : وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم " . فاستبكى حتى فاضت نفسه ، قال ابن عمر : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه .

فيه غرابة ونكارة ، وسنده ضعيف .

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بالتسليم لأمرهما، وإخلاص الرضى بحكمهما، والانتهاء إلى أمرهما، والانـزجار عما نهيا عنه من معصية الله، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه، وفي الآخرة إذا دخل الجنة = (وَالصِّدِّيقِينَ) وهم جمع " صِدِّيق ".

* * *

واختلف في معنى: " الصديقين ".

فقال بعضهم: " الصديقون "، تُبَّاع الأنبياء الذين صدّقوهم واتبعوا منهاجهم بعدهم حتى لحقوا بهم. فكأن " الصدِّيق "،" فِعِّيل "، على مذهب قائلي هذه المقالة، من " الصدق "، كما يقال: " رجل سِكّير " من " السُّكر "، إذا كان مدمنًا على ذلك، و " شِرِّيبٌ"، و " خِمِّير ".

* * *

وقال آخرون: بل هو " فِعِّيل " من " الصَّدَقة "، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو تأويل من قال ذلك، وهو ما:-

9923 - حدثنا به سفيان بن وكيع قال، حدثنا خالد بن مخلد، عن موسى بن يعقوب قال، أخبرتني عمتي قريبة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أمها كريمة ابنة المقداد، (14) عن ضباعة بنت الزبير، (15) وكانت تحت المقداد، عن المقداد قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: شيء سمعته منك شككت فيه! قال: إذا شكّ أحدكم في الأمر فليسألني عنه. قال قلت: قولك في أزواجك: " إنيّ لأرجو لهن من بعدِيَ الصدِّيقين " قال: من تَعُدُّون الصديقين؟ (16) قلت: أولادنا الذين يهلكون صغارًا. قال: لا ولكن الصدِّيقين هم المصَدِّقون. (17)

* * *

وهذا خبر، لو كان إسناده صحيحًا، لم نستجز أن نعدوه إلى غيره، ولو كان في إسناده بعض ما فيه.

فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بـ " الصديق "، أن يكون معناه: المصدِّق قوله بفعله. إذ كان " الفعِّيل " في كلام العرب، إنما يأتي، إذا كان مأخوذًا من الفعل، بمعنى المبالغة، إما في المدح، وإما في الذم، ومنه قوله جل ثناؤه في صفة مريم: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [سورة المائدة: 75].

وإذا كان معنى ذلك ما وصفنا، كان داخلا من كان موصوفًا بما قلنا في صفة المتصدقين والمصدقين.

=" والشهداء "، وهم جمع " شهيد "، وهو المقتول في سبيل الله، سمي بذلك لقيامه بشهادة الحق في جَنب الله حتى قتل. (18)

* * *

=" والصالحين "، وهم جمع " صالح "، وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته. (19)

وأما قوله جل ثناؤه: " وحَسُن أولئك رفيقًا "، فإنه يعني: وحسن، هؤلاء الذين نعتهم ووصفهم، (20) رفقاء في الجنة.

* * *

و " الرفيق " في لفظ واحدٍ بمعنى الجميع، (21) كما قال الشاعر: (22)

دَعَـوْنَ الهَـوَى, ثُـمَّ ارْتَمَيْـنَ قُلُوَبنَـا

بِأَسْــهُمِ أَعْــدَاءِ, وَهُــنَّ صَـدِيقُ (23)

بمعنى: وهن صدائق.

* * *

وأما نصب " الرفيق "، فإن أهل العربية مختلفون فيه.

فكان بعض نحويي البصرة يرى أنه منصوب على الحال، ويقول: هو كقول الرجل: " كَرُم زيد رجلا "، ويعدل به عن معنى: " نعم الرجل "، ويقول: إن " نعم " لا تقع إلا على اسم فيه " ألف ولام "، أو على نكرة.

* * *

وكان بعض نحويي الكوفة يرى أنه منصوب على التفسير، (24) وينكر أن يكون حالا ويستشهد على ذلك بأن العرب تقول: " كرم زيدٌ من رجل " و " حسن أولئك من رفقاء "، وأن دخول " مِنْ" دلالة على أن " الرفيق " مفسره. قال: وقد حكي عن العرب: " نَعِمتم رجالا "، فدل على أن ذلك نظير قوله: " وحسنتم رفقاء ".

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب، للعلة التي ذكرنا لقائليه.

* * *

وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت، (25) لأن قومًا حزنوا على فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرًا أن لا يروه في الآخرة.

ذكر الرواية بذلك:

9924 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان، مالي أراك محزونًا؟ قال: يا نبي الله، شيء فكرت فيه! فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر في وجهك ونجالسك، غدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك! فلم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا. فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا ". قال: فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره.

9925 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك لو قَدْ مِتَّ رُفِعت فوقنا فلم نرك! فأنـزل الله: " ومن يطع الله والرسول "، الآية.

9926 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين "، ذكر لنا أن رجالا قالوا: هذا نبي الله نراه في الدنيا، فأما في الآخرة فيرفع فلا نراه! فأنـزل الله: " ومن يطع الله والرسول " إلى قوله: " رفيقًا ".

9927 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم " الآية، قال: قال ناس من الأنصار: يا رسول الله، إذا أدخلك الله الجنة فكنت في أعلاها، ونحن نشتاق إليك، فكيف نصنع؟ فأنـزل الله " ومن يطع الله والرسول ".

9928 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ومن يطع الله والرسول "، الآية، قال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضله على من آمن به في درجات الجنة، (26) ممن اتبعه وصدقه، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضًا؟ فأنـزل الله في ذلك. يقال: (27) إن الأعلَين ينحدرون إلى من هم أسفل منهم فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه، وينـزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به، فهم في رَوْضه يحبرون ويتنعَّمون فيه. (28) .

----------------

الهوامش :

(14) في المخطوطة"كريمة ابنة المقدام" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المطبوعة.

(15) في المخطوطة: "متاعة بنت الزبير" ، خطأ ، صوابه في المطبوعة.

(16) في المخطوطة والمطبوعة: "من تعنون الصديقين" ، وهو خطأ لا معنى له. والصواب ما أثبت من مختصر هذا الأثر في منتخب كنز العمال (هامش المسند) 5: 113.

(17) الحديث: 9923 - سفيان بن وكيع بن الجراح - شيخ الطبري: ضعيف ، كما فصلنا في: 142 ، 143.

موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود ، الزمعي -بسكون الميم - المدني: ثقة ، وثقه ابن معين وابن القطان وغيرهما. وضعفه ابن المديني وغيره. مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 1 / 298 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 167 - ولم يذكرا فيه جرحًا. بل اقتصر ابن أبي حاتم على توثيق ابن معين إياه.

قريبة - بالتصغير - بنت عبد الله بن وهب بن زمعة ، عمة موسى بن يعقوب: مترجمة في التهذيب ، دون جرحها بشيء.

أمها: "كريمة بنت المقداد بن الأسود": تابعية ثقة. ذكرها ابن حبان في الثقات.

ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم: صحابية معروفة. كانت زوجًا للمقداد بن الأسود. ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن زوجها المقداد.

وهذا الحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور 2: 183 ، مختصرًا ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.

ولكنه ذكره في الجامع الكبير ، المسمى"جمع الجوامع" ، كما يدل عليه ذكره في كتاب"منتخب كنز العمال" للمتقي الهندي ، المطبوع بهامش مسند أحمد - طبعة الحلبي - ذكره فيه مختصرًا (ج5 ص113) ، ونسبه للطبراني في الكبير.

وقد أعجزني أن أجده في مجمع الزوائد ، لأنه على شرطه. ولست أعرف إذا كانت روايته عند الطبراني من طريق سفيان بن وكيع ، أو من طريق راو آخر ، فإن يكن من طريق راو غيره ، كان الإسناد جيدًا ، لأن جرح سفيان بن وكيع لم يكن من قبل صدقه ، كما بينا في ترجمته.

(18) انظر تفسير"الشهداء" فيما سلف: 368 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.

(19) انظر تفسير"الصالح" فيما سلف: 293 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

(20) انظر ما كتبته في"حسن" 4: 458 ، تعليق: 2.

(21) في المطبوعة: "بلفظ الواحد" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(22) هو جرير.

(23) ديوانه: 398 ، وطبقات فحول الشعراء: 351 ، واللسان (صدق) ، وغيرها كثير. من أبيات ذكر فيهن الحجاج ، قبله أبيات حسان ، تحفظ:

وَبِــتُّ أُرَائِــي صَــاحِبَيَّ تَجَــلُّدًا

وَقَــدْ عَلِقَتْنِـي مِـنْ هَـوَاكِ عَلُـوقُ

فَكَـيْفَ بِهَـا? لا الـدَّارُ جَامِعَةُ الْهَـوَى

وَلا أنْـتَ عَصْـرًا عَــنْ صِبَاكَ مُفِيقُ

أَتجْــمَعُ قَلْبًــا بِــالْعِرَاقِ فَرِيُقـهُ،

ومِنْــهُ بِــأَظْلالٍ الأََرَاكِ فَـــرِيقُ?

كـأنْ لَـمْ تَـرُقْني الرَّائِحَـاتُ عَشِـيَّةً

وَلَـمْ يُمْسِ فِـي أَهْـل الْعِـرَاقِ وَمِيقُ

أُعَـالِجُ بَرْحًـا مِـنْ هَـوَاكِ، وَشَـفَّني

فُــؤَادٌ إذَا مَــا تُذْكَــرِينَ خَـفُوقُ

أَوَانِسُ، أَمَّــا مَــنْ أَرَدْنَ عَنَــاءَهُ

فَعَــانِ، وَمَـنْ أَطْلَقْـنَ فَهُـوَ طَلِيـقُ

دَعَـــوْنَ الْهَـــوَى.............

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفي المطبوعة: "نصبن الهوى" ، وهي رواية أخرى ، غير التي في المخطوطة والديوان.

(24) "التفسير". التمييز و"المفسر": المميز. كما سلف مرارًا. انظر فهرس المصطلحات.

(25) في المخطوطة: "وقد ذكرنا أن..." ، والصواب ما في المطبوعة.

(26) في المطبوعة: "له فضل على من آمن" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(27) في المطبوعة: "فقال" ، والصواب ما في المخطوطة.

(28) في المطبوعة: "في روضة" ، وأثبت ما في المخطوطة.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[69] المطيع لله يحشر مع أشرف الخلق.
وقفة
[69] ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ﴾ بشرهم بصحبة الطيبين قبل تفاصيل نعيم المطاعم والمشارب، ياله من نعيم!
وقفة
[69] ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ تَدرُّجٌ من القلة إلى الكثرة، ومن الأفضل إلى الفاضل؛ إذ قدم ذكر (الله) على (الرَّسُولَ)، ورتب السعداء من الخلق بحسب تفاضلهم كما تدرج من القلة إلى الكثرة، فبدأ بالنبيين وهم أقل الخلق عددًا، ثم الصديقين وهم أكثر، فكل صنف أكثر من الذي قبله.
وقفة
[69] ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7] ذِكر المنعِم جل جلاله فيه إكرام لهم وتشريف وأجمل المنعَم عليهم، وذكرهم بالاسم الموصول وصلته؛ لمعرفتهم، وقد بينهم في موضع آخر: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ...﴾.
عمل
[69] بادر بالاستجابة لقول المؤذن: «حي على الصلاة» ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾.
وقفة
[69] ﴿فَأُولَـٰئِكَ مَعَ﴾ ما المقصود بهذه المعية؟! ليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين، كون الكل في درجة واحدة؛ لأن هذا يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول، فإنه لا يجوز، بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الأخر، وإن بعد المكان؛ لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا، وإذا أرادوا الزيارة والتلاقي قدروا عليه، فهذا هو المراد من هذه المعية.
وقفة
[69] ﴿فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ قدم الصِّدِّيق على الشهيد؛ لأن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيله.
تفاعل
[69] ﴿فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك مع هؤلاء.
وقفة
[69] ﴿وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ نعمهم في دار النعيم بالرفقة الصالحة، نسم الجنة في الرفاق.
وقفة
[69] ﴿وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ رفقة الإيمان لا زمان ولا مكان ولا جنس يحدها.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَنْ يُطِعِ:
  • الواو: إستئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يطع: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره حرّك بالكسر لالتقاء الساكنين وحذفت الياء تخفيفا وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ وفاعل «يُطِعِ» ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ اللَّهَ وَالرَّسُولَ:
  • الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. والرسول: معطوف بواو العطف على لفظ الجلالة منصوب بالفتحة أيضا.
  • ﴿ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف: حرف خطاب. مع: ظرف مكان مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية متعلق بالخبر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة وشبه الجملة «مَعَ الَّذِينَ» متعلق بخبر محذوف للمبتدأ تقديره «قيمون».
  • ﴿ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ:
  • الجملة: صلة الموصول. أنعم: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عليهم: جار ومجرور متعلق بأنعم و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى وجملة «فَأُولئِكَ وما تلاها» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ مِنَ النَّبِيِّينَ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الَّذِينَ» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ:
  • أسماء معطوفة بواوات العطف على «النَّبِيِّينَ» وتعرب اعرابها وعلامة جر «الشُّهَداءِ» الكسرة.
  • ﴿ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً:
  • الواو: عاطفة. حسن: فعل ماض مبني على الفتح. أولئك: أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل والكاف: للخطاب. رفيقا: تمييز منصوب بالفتحة وفيه معنى التعجب كأنه قيل وما أحسن أولئك رفيقا ويجوز ان يكون حالا. . '

المتشابهات :

النساء: 69﴿وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
مريم: 58﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [69] لما قبلها :     - الفوز بمرافقةِ مَنْ أنعمَ اللهُ عليهم بدخولِ الجنَّةِ، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [70] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى ..

التفسير :

[70] ذلك العطاء الجزيل من الله وحده. وكفى بالله عليماً يعلم أحوال عباده، ومَن يَستحقُّ منهم الثواب الجزيل بما قام به من الأعمال الصالحة.

{ ذَلِكَ الْفَضْلُ} الذي نالوه{ مِنَ اللَّهِ} فهو الذي وفقهم لذلك، وأعانهم عليه، وأعطاهم من الثواب ما لا تبلغه أعمالهم.{ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} يعلم أحوال عباده ومن يستحق منهم الثواب الجزيل، بما قام به من الأعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح.

واسم الإشارة ذلِكَ في قوله ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ يعود إلى ما ثبت للمطيعين من أجر جزيل، ومزيد هداية، وحسن رفقة. وهو مبتدأ. وقوله الْفَضْلُ صفته، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبره. أى: ذلك الفضل العظيم كائن من الله- تعالى- لا من غيره.

وقوله وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً تذييل قصد به الإشارة إلى أن أولئك الأخيار. الذين قدموا أحسن الأعمال، واستحقوا أفضل الجزاء، وإن لم يعلمهم الناس فإن الله- تعالى- يعلمهم، وقد كافأهم بما يستحقون.

أى: كفى به- سبحانه- عليما بمن يستحق فضله وعطاءه وبمن لا يستحق، فهو- سبحانه- الذي لا تخفى عليه خافية من شئون خلقه.

وفي هذه الجملة الكريمة حض للمسلم على التزود من العمل الصالح، لأنه- سبحانه- ما دام يعلم أحوال عباده وسيحاسبهم على أعمالهم، فجدير بالعاقل أن يرغب في الطاعة وأن ينفر من المعصية.

هذا، وقد وردت أحاديث كثيرة تشير إلى أن المؤمنين الصادقين سيكونون يوم القيامة مع أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمى أنه قال. كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي. (سل) : فقلت أسألك مرافقتك في الجنة. فقال أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعنى على نفسك بكثرة السجود.

ومنها ما رواه الإمام أحمد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ ألف آية في سبيل الله، كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» .

ومنها ما رواه الترمذي عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» قال ابن كثير: وأعظم من هذا كله بشارة، ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟

فقال «المرء مع من أحب» .

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بشرتا المطيعين لله ولرسوله بأحسن البشارات، وأرفع الدرجات.

ثم وجهت السورة الكريمة نداء إلى المؤمنين أمرتهم فيه بالاستعداد للجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء كلمته، بعد أن أمرتهم قبل ذلك بطاعته وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:

ولهذا قال تعالى : ( ذلك الفضل من الله ) أي : من عند الله برحمته ، هو الذي أهلهم لذلك ، لا بأعمالهم . ( وكفى بالله عليما ) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق .

وأما قوله: " ذلك الفضل من الله "، فإنه يقول: كون من أطاع الله والرسول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين =" الفضل من الله "، يقول: ذلك عطاء الله إياهم وفضله عليهم، لا باستيجابهم ذلك لسابقة سبقت لهم. (29)

* * *

فإن قال قائل: أوليس بالطاعة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فضله؟

قيل له: إنهم لم يطيعوه في الدنيا إلا بفضله الذي تفضل به عليهم، فهداهم به لطاعته، فكل ذلك فضل منه تعالى ذكره.

* * *

وقوله: " وكفى بالله عليما "، يقول: وحسب العباد بالله الذي خلقهم =" عليما " بطاعة المطيع منهم ومعصية العاصي، فإنه لا يخفى عليه شيء من ذلك، ولكنه يحصيه عليهم ويحفظه، حتى يجازي جميعهم، جزاء المحسنين منهم بالإحسان، والمسيئين منهم بالإساءة، (30) ويعفو عمن شاء من أهل التوحيد.

--------------------

الهوامش :

(29) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف 2: 344 / 5: 164 ، 571 / 6: 518 / 7: 299 ، 414 / 8: 268.

(30) في المطبوعة: "فيجزي المحسن منهم بالإحسان ، والمسيء منهم بالإساءة" وفي المخطوطة: "جزاء المحسنين منهم بالإحسان ، والمسيء منهم بالإساءة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وأثبت صواب السياق على ما يقتضيه صدر الكلام.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[70] الطاعة من فضله، ولولاه ما وقعت، والجنة من كرمه، ولولاه ما استحقها أحد.
وقفة
[70] ﴿ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّـهِ﴾ لم ينالوا تلك الدرجة بطاعتهم، وإنما نالوها بفضل الله عز وجل.
وقفة
[70] ﴿ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّـهِ﴾ فعل الطاعة محض فضل من الله تعالى، فسل مالك الملك أن يتفضل عليك بها.
وقفة
[70] ﴿ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّـهِ﴾ أي: ذلك الفضل العظيم كائن من الله تعالى لا من غيره، أو كائن من الله تعالى لا أن أعمال العباد توجبه، ﴿وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ عَلِيمًا﴾ بثواب من أطاعه، وبمقادير الفضل، واستحقاق أهله.

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام: للبعد. والكاف: للخطاب. الفضل: بدل من المبتدأ مرفوع بالضمة ويجوز إعرابه صفة له. من الله: جار ومجرور للتعظيم في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ.
  • ﴿ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً:
  • الواو: إستئنافية. كفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. بالله: الباء: حرف جر زائد. لفظ الجلالة: اسم مجرور للتعظيم لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل. عليما: تمييز منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [70] لما قبلها :     وبعد ذكر ثمرات طاعةِ اللهِ ورسولِه، والمنزلة التي وصلوا إليها؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن هذه المنزلة لم ينالوها بطاعتهم، بل هي محض فضل ومنة وتوفيق من الله تعالى، فقال تعالى:
﴿ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [71] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ ..

التفسير :

[71] يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالاستعداد لعدوكم، فاخرجوا لملاقاته جماعة بعد جماعة أو مجتمعين.

يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب، التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم، من استعمال الحصون والخنادق، وتعلم الرمي والركوب، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك، وما به يعرف مداخلهم، ومخارجهم، ومكرهم، والنفير في سبيل الله. ولهذا قال:{ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} أي:متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش، ويقيم غيرهم{ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية، والراحة للمسلمين في دينهم، وهذه الآية نظير قوله تعالى:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}

قال القرطبي: قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله، وحماية الشرع.

ووجه النظم والاتصال بما قبله أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته. وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم حتى يتحسسوا إلى ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم فقال «خذوا حذركم» فعلمهم مباشرة الحروب.

ولا ينافي هذا التوكل بل هو عين التوكل.. .

والحذر والحذر بمعنى واحد كالإثر والأثر. يقال: أخذ فلان حذره، إذا تيقظ واحترز مما يخشاه ويخافه. فكأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه. فالكلام على سبيل الكناية والتخيل. بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية.

والمعنى: استعدوا- أيها المؤمنون- لأعدائكم، وكونوا على يقظة منهم، وكونوا متأهبين للقائهم دائما بالإيمان القوى، وبالسلاح الذي يفل سلاحهم.

هذا، وللأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده كلام حسن في هذا المعنى، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: «الحذر: الاحتراس والاستعداد لاتقاء شر العدو، وذلك بأن نعرف حال العدو ومبلغ استعداده وقوته ومعرفة أرضه وبلاده وفي أمثال العرب (قتلت أرض جاهلها) . ويدخل في الحذر والاستعداد معرفة الأسلحة وكيفية استعمالها فكل ذلك وغيره يدخل تحت الأمر بأخذ الحذر.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عارفين بأرض عدوهم، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جواسيس يأتونه بأخبار مكة، ولما أخبروه بنقض قريش للعهد استعد لفتحها، وقال أبو بكر لخالد يوم حرب اليمامة (حاربهم بمثل ما يحاربونك به: السيف بالسيف، والرمح بالرمح) . وهذه كلمة جليلة فالقول وعمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كل ذلك دال على أن الاستعداد يختلف باختلاف حال العدو وقوته» .

فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة خُذُوا حِذْرَكُمْ دعوة للمؤمنين في كل زمان ومكان إلى حسن الاستعداد لمجابهة أعدائهم بشتى الأساليب وبمختلف الوسائل التي تجعل الأمة الإسلامية يرهبها أعداؤها سواء أكانوا في داخلها أم في خارجها.

وقوله فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً تفريع على أخذ الحذر لأنهم إذا أخذوا حذرهم، عرفوا كيف يتخيرون أسلوب القتال المناسب لحال أعدائهم وقوله فَانْفِرُوا من النفر وهو الخروج إلى عمل من الأعمال بسرعة. ومنه قوله- تعالى- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .

والمراد بقوله فَانْفِرُوا هنا: أى اخرجوا إلى قتال أعدائكم بهمة ونشاط.

ويقال: نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا إذا نهضوا لقتال عدوهم. واستنفر الإمام الناس إذا حضهم على جهاد أعدائهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) . والنفير. اسم للقوم الذين ينفرون.

وقوله ثُباتٍ جمع ثبة وهي الجماعة والعصبة من الفرسان. مأخوذة من ثبا يثبو أى اجتمع.

والمعنى: استعدوا- أيها المؤمنون- لأعدائكم، وكونوا على يقظة منهم، وكونوا متأهبين للقائهم دائما بالإيمان القوى، وبالسلاح الذي يفل سلاحهم.

هذا، وللأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده كلام حسن في هذا المعنى، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: «الحذر: الاحتراس والاستعداد لاتقاء شر العدو، وذلك بأن نعرف حال العدو ومبلغ استعداده وقوته ومعرفة أرضه وبلاده وفي أمثال العرب (قتلت أرض جاهلها) . ويدخل في الحذر والاستعداد معرفة الأسلحة وكيفية استعمالها فكل ذلك وغيره يدخل تحت الأمر بأخذ الحذر.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عارفين بأرض عدوهم، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جواسيس يأتونه بأخبار مكة، ولما أخبروه بنقض قريش للعهد استعد لفتحها، وقال أبو بكر لخالد يوم حرب اليمامة (حاربهم بمثل ما يحاربونك به: السيف بالسيف، والرمح بالرمح) . وهذه كلمة جليلة فالقول وعمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كل ذلك دال على أن الاستعداد يختلف باختلاف حال العدو وقوته» .

فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة خُذُوا حِذْرَكُمْ دعوة للمؤمنين في كل زمان ومكان إلى حسن الاستعداد لمجابهة أعدائهم بشتى الأساليب وبمختلف الوسائل التي تجعل الأمة الإسلامية يرهبها أعداؤها سواء أكانوا في داخلها أم في خارجها.

وقوله فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً تفريع على أخذ الحذر لأنهم إذا أخذوا حذرهم، عرفوا كيف يتخيرون أسلوب القتال المناسب لحال أعدائهم وقوله فَانْفِرُوا من النفر وهو الخروج إلى عمل من الأعمال بسرعة. ومنه قوله- تعالى- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .

والمراد بقوله فَانْفِرُوا هنا: أى اخرجوا إلى قتال أعدائكم بهمة ونشاط.

ويقال: نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا إذا نهضوا لقتال عدوهم. واستنفر الإمام الناس إذا حضهم على جهاد أعدائهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) . والنفير. اسم للقوم الذين ينفرون.

وقوله ثُباتٍ جمع ثبة وهي الجماعة والعصبة من الفرسان. مأخوذة من ثبا يثبو أى اجتمع.

يأمر الله عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم ، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيله .

( ثبات ) أي : جماعة بعد جماعة ، وفرقة بعد فرقة ، وسرية بعد سرية ، والثبات : جمع ثبة ، وقد تجمع الثبة على ثبين .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فانفروا ثبات ) أي : عصبا يعني : سرايا متفرقين ( أو انفروا جميعا ) يعني : كلكم .

وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان ، وخصيف الجزري .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (31) " يا أيها الذين آمنوا "، صدَّقوا الله ورسوله =" خذوا حذركم "، خذوا جُنَّتكم وأسلحتكم التي تتقون بها من عدوكم لغزوهم وحربهم =" فانفروا إليهم ثُبات ".

* * *

= وهي جمع " ثبة "، و " الثبة "، العصبة.

= ومعنى الكلام: فانفروا إلى عدوكم جماعة بعد جماعة متسلحين.

= ومن " الثبة " قول زهير:

وَقَــدْ أَغْــدُوا عَــلَى ثُبَـةٍ كِـرَامٍ

نَشَــاوَى وَاجِــدِينَ لِمَــا نَشَــاء (32)

وقد تجمع " الثبة " على " ثُبِين ". (33) .

* * *

=" أو انفروا جميعًا "، يقول: أو انفروا جميعًا مع نبيكم صلى الله عليه وسلم لقتالهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9929 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " خذوا حذركم فانفروا ثبات "، يقول: عصبًا، يعني سَرايَا متفرقين =" أو انفروا جميعًا "، يعني: كلكم.

9930 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " فانفروا ثبات "، قال: فرقًا، قليلا قليلا.

9931 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فانفروا ثبات "، قال: " الثبات " الفرق.

9932 - حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.

9933 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فانفروا ثبات "، فهي العصبة، وهي الثبة =" أو انفروا جميعًا "، مع النبي صلى الله عليه وسلم.

9934 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فانفروا ثبات "، يعني: عصبًا متفرِّقين.

----------------

الهوامش :

(31) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك..." والسياق يقتضي ما أثبت.

(32) ديوانه: 72 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 132 ، واللساق (ثبا) و (نشا) ، وغيرها. من أبيات وصف فيها الشرب ، قد بلغت منهم النشوة ، وهم في ترف من يومهم ، لا يفتقدون شيئًا ثم يقول:

لَهُــــمْ رَاحٌ، وَرَاوُوقٌ، ومِسْـــكٌ

تُعَـــلُّ بِــهِ جُــلُودُهُمُ، ومَــاءُ

أُمَشِّــي بَيْــنَ قَتْـلَى قَـدْ أُصِيَبـتْ

نُفُوسُــهُمُ، ولَــمْ تَقْطُــرَ دمــاءُ

يَجُــرُّونَ الْــبُرُودَ وَقَــدْ تَمَشَّـتْ

حُمَيَّــا الْكَــأْسِ فِيهِــمْ والغِنَــاءُ

(33) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 132.

التدبر :

وقفة
[71] لا ينبغي لحذر المؤمن أن يكون سكونًا وموتًا، بل يجب أن يصحبه عمل دؤوب ونفرة.
وقفة
[71] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أخذ الحيطة والحذر باتخاذ جميع الأسباب المعينة على قتال العدو، لا بالقعود والتخاذل.
عمل
[71] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ توجيه رباني بالاستعداد والحذر من كيد الكائدين.
وقفة
[71] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أخذ الحذر من أهم قواعد القتال لاتقاء خدع الأعداء، ويشمل ذلك أعمال الاستخبارات وجمع المعلومات وبث العيون والجواسيس، وهو لون من ألوان محاربة الأعداء بنفس سلاحهم.
وقفة
[71] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ المؤمن لا تجده إلا حذرًا: من أن تغويه نفسه أو يتخلى عنه ربه, أو يمكر به عدوه, أو يخذله منافق, ولهذا تكرر في القرآن ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أكثر من مرة.
وقفة
[71] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ العجيب أن يطمئن المسلم بالقرب من عدوه.
لمسة
[71] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ عدل عن أصل الفعل فلم يقل: (يا أيها الذين آمنوا احذروا)، مع أن الأخذ هو أن تتناول شيئًا في يدك، فكيف يأخذ الإنسان حذره؟ خذوا حذركم استعارة لتوضيح شدة الحذر وملازمته؛ لأن حقيقة الأخذ تناول الشيء الذي كان بعيدًا عنك، وكما كانت الغفلة والنسيان يشبهان البعد والإلقاء كان التذكُّر والتيقّظ يشبهان أخذ الشيء بعد إلقائه.
وقفة
[71] في القرآن يأمر الله بالحذر من الأعداء ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾، لكنه ينهى عن الخوف ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾ [آل عمران: 175]، لأن الحذر عقل والخوف جُبن.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء أي: منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح: بدل من «أي». آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ خُذُوا حِذْرَكُمْ:
  • خذوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة. حذركم: مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ فَانْفِرُوا ثُباتٍ:
  • فانفروا: معطوفة بالفاء على «خُذُوا» وتعرب إعرابها. ثبات: أي جماعات بمعنى متفرقين وهي حال من ضمير الرفع في «انفروا» أو مؤولة بالمشتق منصوبة بالكسرة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً:
  • أو انفروا: تعرب اعراب «فَانْفِرُوا». جميعا: حال منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 71﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا
النساء: 102﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [71] لما قبلها :     وبعد الحديث عن التشريعات التي تحفظ المجتمع المسلم (داخليًّا) وتحميه من الشقاق والتآكل؛ يأتي هنا الحديث عن الجهاد في سبيل الله لصيانة المجتمع وحمايته (خارجيًّا)، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا

القراءات :

فانفروا ... أو انفروا:
قرئ:
1- بالكسر، فيهما، وهى قراءة الجمهور.
2- بالضم، فيهما، وهى قراءة الأعمش.

مدارسة الآية : [72] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ ..

التفسير :

[72] وإنَّ منكم لنفراً يتأخر عن الخروج لملاقاة الأعداء متثاقلاً، ويثبط غيره عن عَمْد وإصرار، فإن قُدِّر عليكم وأُصِبتم بقتل وهزيمة، قال مستبشراً:قد حفظني الله، حين لم أكن حاضراً مع أولئك الذين وقع لهم ما أكرهه لنفسي، وسرَّه تخلفه عنكم.

ثم أخبر عن ضعفاء الإيمان المتكاسلين عن الجهاد فقال:{ وَإِنَّ مِنْكُمْ} أي:أيها المؤمنون{ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} أي:يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفا وخورا وجبنا، هذا الصحيح. وقيل معناه:ليبطئن غيرَه أي:يزهده عن القتال، وهؤلاء هم المنافقون، ولكن الأول أَولى لوجهين:أحدهما:قوله{ مِنْكُمْ} والخطاب للمؤمنين. والثاني:قوله في آخر الآية:{ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} فإن الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة. وأيضا فإن هذا هو الواقع، فإن المؤمنين على قسمين:صادقون في إيمانهم أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد. وضعفاء دخلوا في الإسلام فصار معهم إيمان ضعيف لا يقوى على الجهاد. كما قال تعالى:{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} إلى آخر الآيات. ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم، وأن معظم قصدهم الدنيا وحطامها فقال:{ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} أي:هزيمة وقتل، وظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال لما لله في ذلك من الحكم.{ قَالَ} ذلك المتخلف{ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة. ولم يدر أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة، التي بها يقوى الإيمان، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران، ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب. وأما القعود فإنه وإن استراح قليلاً، فإنه يعقبه تعب طويل وآلام عظيمة، ويفوته ما يحصل للمجاهدين.

والتعبير بقوله لَيُبَطِّئَنَّ تعبير في أسمى درجات البلاغة والروعة، لأنه يصور الحركة النفسية للمنافقين وضعاف الإيمان وهم يشدون أنفسهم شدا، ويقدمون رجلا ويؤخرون أخرى عند ما يدعوهم داعي الجهاد إلى الخروج من أجل إعلاء كلمة الله.

وقد اشتملت الجملة الكريمة على جملة مؤكدات، للاشعار بأن هؤلاء المنافقين لا يتركون فرصة تمرد دون أن يبثوا سمومهم بنشاط وإصرار، وأنهم حريصون كل الحرص على توهين عزائم المجاهدين، وحملهم على أن يكونوا مع القاعدين كما هو شأن المنافقين.

والمراد بقوله مِنْكُمْ أى من جنسكم وممن يعيشون معكم ويساكنونكم، ويرتبطون معكم برباط القرابة، ويتظاهرون بالإسلام، فلقد كان المنافقون في المدينة تربطهم روابط متعددة بالمؤمنين الصادقين، كما هو معروف في التاريخ الإسلامى.

فمثلا عبد الله بن أبى بن سلول- زعيم المنافقين- كان أحد أبنائه من المؤمنين الصادقين.

وقد وجه القرآن الخطاب إلى المؤمنين لكي يكشف لهم عن المنافقين المندسين في صفوفهم لكي يحذروهم، قال صاحب الكشاف: واللام في قوله لَمَنْ للابتداء بمنزلتها في قوله إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وفي لَيُبَطِّئَنَّ جواب قسم محذوف تقديره: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن وجوابه صلة من والضمير الراجع منها يعود إلى ما استكن في لَيُبَطِّئَنَّ. والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وقوله فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً بيان لما انطوت عليه نفوس المنافقين من فساد، وما نطقت به ألسنتهم من سوء.

أى: وإن من المتظاهرين بأنهم منكم- يا معشر المؤمنين- لمن يتثاقلون عن القتال ويعملون على أن يكون غيرهم مثلهم، فَإِنْ أَصابَتْكُمْ يا معشر المؤمنين مُصِيبَةٌ كهزيمة وقتية، أو استشهاد جماعة منكم قالَ هذا المنافق على سبيل الفرح والتشفي قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ أى: قد أكرمنى الله بالقعود إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً أى حاضرا في المعركة، لأنى لو كنت حاضرا معهم لأصابنى ما أصابهم من القتل أو الجراح أو الآلام.

فالآية الكريمة تحكى عن المنافقين أنهم يعتبرون قعودهم عن الجهاد نعمة، إذا ما أصاب المؤمنين مصيبة عند قتالهم لأعدائهم.

وقوله : ( وإن منكم لمن ليبطئن ) قال مجاهد وغير واحد : نزلت في المنافقين ، وقال مقاتل بن حيان : ( ليبطئن ) أي : ليتخلفن عن الجهاد .

ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه ، ويبطئ غيره عن الجهاد ، كما كان عبد الله بن أبي ابن - قبحه الله - يفعل ، يتأخر عن الجهاد ، ويثبط الناس عن الخروج فيه . وهذا قول ابن جريج وابن جرير ; ولهذا قال تعالى إخبارا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد : ( فإن أصابتكم مصيبة ) أي : قتل وشهادة وغلب العدو لكم ، لما لله في ذلك من الحكمة ( قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ) أي : إذ لم أحضر معهم وقعة القتال ، يعد ذلك من نعم الله عليه ، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل .

القول في تأويل قوله : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)

قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: " وإن منكم "، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =" فإن أصابتكم مصيبة "، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =" قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم، لأنه من أهل الشك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب، وفي وعيده. فهو غيرُ راج ثوابًا، ولا خائف عقابًا.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

9935 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة " إلى قوله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ، ما بين ذلك في المنافقين.

9936 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

9937 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإن منكم لمن ليبطئن " عن الجهاد والغزو في سبيل الله =" فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، قال: هذا قول مكذِّب.

9938 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: المنافق يبطِّئ المسلمين عن الجهاد في سبيل الله، قال الله: " فإن أصابتكم مصيبة "، قال: بقتل العدو من المسلمين =" قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، قال: هذا قول الشامت.

9939 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فإن أصابتكم مصيبة "، قال: هزيمةٌ.

* * *

ودخلت " اللام " في قوله: " لمن "، وفتحت، لأنها " اللام " التي تدخل توكيدًا للخبر مع " إنَّ"، كقول القائل: " إنّ في الدار لَمَن يكرمك ". وأما " اللام " الثانية التي في" ليبطئن "، فدخلت لجواب القسم، كأن معنى الكلام: وإن منكم أيها القوم لمن والله ليبطئن. (35)

------------------

الهوامش :

(34) انظر تفسير"إصابة المصيبة" فيما سلف: 514.

(35) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 275 ، 276.

التدبر :

وقفة
[72] المصائب كواشفُ لمكنونات القلوب من إيمان أو نفاق.
وقفة
[72] ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ أي: يتثاقل في نفسه عن الجهاد؛ لضعفه في الإيمان، أو نفاقه, ويأمر غيره بذلك أمرًا مؤكدًا؛ إظهارًا للشفقة عليكم، وهو عين الغش؛ فإنه يثمر الضعف المؤدي إلى جرأة العدو.
عمل
[72] ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ تثبيط الناس عن فعل الخير إنما هو من عادات المنافقين، فاحذر أن تثبط أحدًا عن خير.
وقفة
[72] ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ الحذر من التباطؤ عن الجهاد وتثبيط الناس عنه؛ لأن الجهاد أعظم أسباب عزة المسلمين ومنع تسلط العدو عليهم.
وقفة
[72] ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ وقوع الذنب على القلب كوقوع الدهن على الثوب، إن لم تعجل غسله وإلا انبسط.
وقفة
[72] ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ ومعناه: يبطئ غيره؛ يثبطه عن الجهاد، ويحمله على التخلف عن الغزو، وقيل: يبطئ ويتخلف هو عن الغزو ويتثاقل، ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ﴾ أي: قتل وهزيمة، والمعنى: أن المنافق تسره غيبته عن المؤمنين إذا هزموا.
وقفة
[72] ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا﴾ أهل الحق لا تحكم مواقفهم نتائج الصراعات، بل الحق وحده.
وقفة
[72، 73] فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم، بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم، وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها، فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم، أو شر دنيوي ينصرف عنهم، ومن لم يسره ما يسر المؤمنين، ويسوءه ما يسوء المؤمنين؛ فليس منهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ:
  • الواو: استئنافية. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. منكم: من: حرف جر. الكاف: ضمير متصل في محل جر بمن والميم علامة جمع الذكور والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر «إِنَّ» المقدم.
  • ﴿ لَمَنْ:
  • اللام: لام الابتداء. ويجوز أن تكون لام التوكيد وهناك من يعتبرها بمنزلة «إن الله لغفور» ففي هذه الحالة تكون لام المزحلقة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم «إِنَّ» مؤخر.
  • ﴿ لَيُبَطِّئَنَّ:
  • اللام: واقعة في جواب قسم محذوف تقديره: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن وجملتا: القسم وجوابه: صلة الموصول لا محل لها. يبطئن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ:
  • الفاء: إستئنافية. إن: حرف شرط جازم أصاب: فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم بإن فعل الشرط. التاء: تاء التأنيث الساكنة الكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. مصيبة: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ قالَ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «قالَ وما تلاها» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.
  • ﴿ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول». قد: حرف تحقيق. أنعم: فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. عليّ: جار ومجرور متعلق بأنعم وياء المتكلم: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بعلى.
  • ﴿ إِذْ لَمْ أَكُنْ:
  • إذ: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل «أَنْعَمَ». لم: حرف جزم ونفي وقلب. أكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت. الواو تخفيفا واسمها: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا. وجملة «لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إِذْ».
  • ﴿ مَعَهُمْ شَهِيداً:
  • ظرف مكان يدل على المصاحبة في محل نصب على الظرفية و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. ومعهم: متعلق بجملة في محل نصب حال. شهيدا: خبر «أَكُنْ» منصوب بالفتحة. '

المتشابهات :

النساء: 72﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ
آل عمران: 165﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [72] لما قبلها :     وبعد أمر المؤمنين أن يأخذوا حذرهم من عدوهم الخارجي؛ حذرهم اللهُ عز وجل هنا من عدوهم الداخلي (المنافقين)؛ ليحترسوا من تثبيطهم وتخذيلهم، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا

القراءات :

ليبطئن:
قرئ:
1- بالتشديد، وهى قراءة الجمهور.
2- بالتخفيف، وهى قراءة مجاهد.

مدارسة الآية : [73] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله ..

التفسير :

[73] ولئن نالكم فضل من الله وغنيمة، ليقولنَّ -حاسداً متحسراً، كأن لم تكن بينكم وبينه مودة في الظاهر-:يا ليتني كنت معهم فأظفر بما ظَفِروا به من النجاة والنصرة والغنيمة.

{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ} أي:نصر وغنيمة{ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} أي:يتمنى أنه حاضر لينال من المغانم، ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك، كأنه ليس منكم يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينه المودة الإيمانية التي من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم، يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين ويألمون بفقدها، ويسعون جميعا في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم، فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة.

أما إذا كانت الدولة للمؤمنين، وظفروا بالغنائم، فهنا يتمنى المنافقون أن لو كانوا معهم لينالوا بعض هذه الغنائم. واستمع إلى القرآن وهو يحكى عنهم ذلك فيقول: وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ- كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ- يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً.

أى: وَلَئِنْ أَصابَكُمْ يا معشر المؤمنين فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ كفتح وغنيمة ونصر وظفر لَيَقُولَنَّ هذا المنافق على سبيل الندامة والحسرة والتهالك على حطام الدنيا، حالة كونه كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ليقولن: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ عند ما خرجوا للجهاد فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً بأن أحصل كما حصلوا على الغنائم الكثيرة.

وهذا- كما يقول ابن جرير- خبر من الله- تعالى- ذكره عن هؤلاء المنافقين، أن شهودهم الحرب مع المسلمين- إن شهدوها- إنما هو لطلب الغنيمة وإن تخلفوا عنها فللشك الذي في قلوبهم، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا، ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا .

وفي نسبة الفضل إلى الله في قوله وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ دون إصابة المصيبة تعليم لحسن الأدب مع الله- تعالى- وإن كان سبحانه- هو الخالق لكل شيء، فهو الذي يمنح الفضل لمن يشاء وهو الذي يمنعه عمن يشاء.

وقوله كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ جملة معترضة بين فعل القول الذي هو لَيَقُولَنَّ وبين المقول الذي هو يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ.

وقد جيء بها على سبيل التهكم والسخرية والتعجب من حال المنافقين، لأنهم كان في إمكانهم أن يخرجوا مع المؤمنين للقتال، وأن ينالوا نصيبهم من الغنائم التي حصل عليها المؤمنون، ولكنهم لم يخرجوا لسوء نواياهم، فلما أظهروا التحسر لعدم الخروج بعد أن رأوا الغنائم في أيدى المؤمنين كان تحسرهم في غير موضعه لأن الذي يتحسر على فوات شيء عادة هو من لا علم له به أو بأسبابه، أما المنافقون فبسبب مخالطتهم وصحبتهم للمؤمنين كانوا على علم بقتال المؤمنين لأعدائهم، وكان في إمكانهم أن يخرجوا معهم.

فكأن الله تعالى يقول للمؤمنين: انظروا وتعجبوا من شأن هؤلاء المنافقين إنهم عند ما أصابتكم مصيبه فرحوا، وعند ما انتصرتم وأصبتم الغنائم تحسروا وتمنوا أن لو كانوا معكم حتى لكأنهم لا علم لهم بالقتال الذي دار بينكم وبين أعدائكم، وحتى لكأنهم لا مخالطة ولا صحبة بينكم وبينهم مع أن علمهم بالقتال حاصل، ومخالطتهم لكم حاصلة فلم يتحسرون؟ إن قولهم: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ليدعو إلى التعجب من أحوالهم، والتحقير لسلوكهم، والدعوة عليهم بأن يزدادوا حسرة على حسرتهم.

وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد أمرت المؤمنين بحسن الاستعداد للقاء أعدائهم في كل وقت، وكشفت لهم عن رذائل المنافقين الذين إذا أصابت المؤمنين مصيبة فرحوا لها، وإذا أصابهم فضل من الله تحسروا وحزنوا، وفي هذا الكشف فضيحة للمنافقين، وتحذير للمؤمنين من شرورهم.

وبعد هذا التوبيخ الشديد للمتثاقلين عن الجهاد، أخذ القرآن الكريم في استنهاض الهمم والعزائم للجهاد في سبيل الله فقال- تعالى-:

( ولئن أصابكم فضل من الله ) أي : نصر وظفر وغنيمة ( ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ) أي : كأنه ليس من أهل دينكم ( يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ) أي : بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه . وهو أكبر قصده وغاية مراده .

القول في تأويل قوله : وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: " ولئن أصابكم فضل من الله "، ولئن أظفركم الله بعدوكم فأصبتم منهم غنيمة، ليقولن هذا المبطِّئُ المسلمين عن الجهاد معكم في سبيل الله، المنافقُ =" كأن لم يكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز "، بما أصيب معهم من الغنيمة =" فوزًا عظيمًا ".

* * *

وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين: أنّ شهودهم الحرب مع المسلمين إن شهدوها، لطلب الغنيمة = وإن تخلَّفوا عنها، فللشك الذي في قلوبهم، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابًا، ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابًا.

* * *

وكان قتادة وابن جريج يقولان: إنما قال من قال من المنافقين إذا كان الظفر للمسلمين: " يا ليتني كنت معهم "، حسدًا منهم لهم.

9940 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا "، قال: قول حاسد.

9941 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " ولئن أصابكم فضل من الله "، قال: ظهور المسلمين على عدوهم فأصابوا الغنيمة، ليقولن: " يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا "، قال: قول الحاسد.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[73] ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ فوارق! الفوز العظيم عند المنافق هو ما كسبه من دنياه، وأما عند المؤمن فما نال من أخراه.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَئِنْ أَصابَكُمْ:
  • الواو: عاطفة. اللام: موطئة ومؤذنة للقسم ووطئت الجواب له أي والله لئن. إن: حرف شرط جازم. أصاب: فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم لأنه فعل الشرط. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ:
  • فضل: فاعل مرفوع بالضمة. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة لفضل.
  • ﴿ لَيَقُولَنَّ:
  • اللام: واقعة في جواب القسم. يقولنّ: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «أَصابَكُمْ فَضْلٌ» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها وجملة «لَيَقُولَنَّ» جواب القسم لا محل لها وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم.
  • ﴿ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ:
  • كأن: حرف مشبه بالفعل لا عمل له لأنه مخفف. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت واوه تخفيفا.
  • ﴿ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ:
  • بين: ظرف مكان منصوب بالفتحة. الكاف: ضمير متصل في محل جرّ بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وبينه: معطوفة بواو العطف على «بَيْنَكُمْ» وتعرب مثلها وشبه الجملة «بَيْنَكُمْ» في محل نصب متعلق بخبر «تَكُنْ» المقدم.
  • ﴿ مَوَدَّةٌ:
  • اسم «تَكُنْ» مؤخر مرفوع بالضمة. وجملة «كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ» إعتراضية بين الفعل «لَيَقُولَنَّ» وبين المفعول به «يا لَيْتَنِي» لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ:
  • الجملة وما تلاها في محل نصب مفعول به «مقول القول» يا أداة نداء والمنادى محذوف هنا والتقدير: يا هؤلاء مثلا. وقيل: يا: حرف تنبيه لأنها سبقت بليت. ليت: حرف مشبه بالفعل للتمني الياء ضمير متصل «ضمير المتكلم» في محل نصب اسمها والنون للوقاية. و «كُنْتُ» فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل «ضمير المتكلم» في محل رفع اسم «كان» و «كان» مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر «ليت». مع: ظرف مكان متعلق بخبر «كان» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً:
  • الفاء: سببية. أفوز: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية لأنها مسبوقة بليت والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. فوزا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة عظيما صفة- نعت- لفوزا منصوبة مثله بالفتحة وجملة «أفوز» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. '

المتشابهات :

النساء: 73﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا
الأحزاب: 71﴿وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
الفتح: 5﴿وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّـهِ فَوْزًا عَظِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [73] لما قبلها :     لمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل حالَ المنافق عند القتل والهزيمة؛ ذكرَ اللهُ هنا حالَه عن النصر والغنيمة، قال تعالى:
﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا

القراءات :

ليقولن:
قرئ:
1- بفتح اللام، وهى قراءة الجمهور.
2- بضم اللام، وهى قراءة الحسن.
تكن:
قرئ:
1- بالتاء، وهى قراءة ابن كثير، وحفص.
2- بالياء، وهى قراءة الباقين.
فأفوز:
قرئ:
1- بنصب «الزاى» على جواب التمني، وهى قراءة الجمهور.
2- برفع «الزاى» عطفا على «كنت» ، وهى قراءة الحسن، ويزيد النحوي.

مدارسة الآية : [74] :النساء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ ..

التفسير :

[74] فليجاهد في سبيل نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، الذين يبيعون الحياة الدنيا بالدار الآخرة وثوابها. ومن يجاهد في سبيل الله مخلصاً، فيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ، فسوف نؤتيه أجراً عظيماً.

ومن لطف الله بعباده أن لا يقطع عنهم رحمته، ولا يغلق عنهم أبوابها. بل من حصل منه غير ما يليق أمره ودعاه إلى جبر نقصه وتكميل نفسه، فلهذا أمر هؤلاء بالإخلاص والخروج في سبيله فقال:{ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} هذا أحد الأقوال في هذه الآية وهو أصحها. وقيل:إن معناه:فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الكاملو الإيمان، الصادقون في إيمانهم{ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} أي:يبيعون الدنيا رغبة عنها بالآخرة رغبة فيها. فإن هؤلاء الذين يوجه إليهم الخطاب لأنهم الذين قد أعدوا أنفسهم ووطَّنوها على جهاد الأعداء، لما معهم من الإيمان التام المقتضي لذلك. وأما أولئك المتثاقلون، فلا يعبأ بهم خرجوا أو قعدوا، فيكون هذا نظير قوله تعالى:{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} إلى آخر الآيات. وقوله:{ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} وقيل:إن معنى الآية:فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، فيكون على هذا الوجه "الذين"في محل نصب على المفعولية.{ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بأن يكون جهادا قد أمر الله به ورسوله، ويكون العبد مخلصا لله فيه قاصدا وجه الله.{ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} زيادة في إيمانه ودينه، وغنيمة، وثناء حسنا، وثواب المجاهدين في سبيل الله الذين أعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

والفاء في قوله فَلْيُقاتِلْ للإفصاح عن جواب شرط مقدر. أى إن أبطأ هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض وتأخروا عن الجهاد والقتال، فليقاتل المؤمنون الصادقون الذين يَشْرُونَ أى يبيعون الحياة الدنيا بكل متعها وشهواتها من أجل الحصول على رضا الله- تعالى- في الآخرة.

وقوله فِي سَبِيلِ اللَّهِ تنبيه إلى أن هذا النوع من القتال هو المعتد به عند الله- تعالى-، لأن المؤمن الصادق لا يقاتل من أجل فخر أو مغنم أو اغتصاب حق غيره، وإنما يقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

وقوله وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً بيان للثواب العظيم الذي أعده الله- تعالى- للمجاهدين.

أى: ومن يقاتل في سبيل الله ومن أجل إعلاء دينه، فيستشهد، أو يكون له النصر على عدوه، فسوف نؤتيه أجرا عظيما لا يعلم مقداره إلا الله تعالى.. وإنما اقتصر- سبحانه على بيان حالتين بالنسبة للمقاتل وهي حالة الاستشهاد وحالة الغلبة على العدو، للإشعار بأن المجاهد الصادق لا يبغى من جهاده إلا هاتين الحالتين، فهو قد وطن نفسه حالة جهاده على الاستشهاد أو على الانتصار على أعداء الله، ومتى وطن نفسه على ذلك ثبت في قتاله، وأخلص في جهاده.

وقدم- سبحانه- القتل على الغلب، للإيذان بأن حرص المجاهد المخلص على الاستشهاد في سبيل الله، أشد من حرصه على الغلب والنصر.

والتعبير بسوف في قوله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً لتأكيد الحصول على الأجر العظيم في المستقبل.

والجملة جواب الشرط وهو قوله وَمَنْ يُقاتِلْ وقوله فَيُقْتَلْ تفريع على فعل الشرط.

ونكر- سبحانه- الأجر ووصفه بالعظم، للإشعار بأنه أجر لا يحده تعيين، ولا يبينه تعريف، ولا يعلم مقداره إلا الله- تعالى-.

ثم قال تعالى : ( فليقاتل ) أي : المؤمن النافر ( في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ) أي : يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا ، وما ذلك إلا لكفرهم وعدم إيمانهم .

ثم قال تعالى : ( ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) أي : كل من قاتل في سبيل الله - سواء قتل أو غلب وسلب - فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل ، كما ثبت في الصحيحين وتكفل الله للمجاهد في سبيله ، إن توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة .

القول في تأويل قوله : فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)

قال أبو جعفر: وهذا حضٌّ من الله المؤمنين على جهاد عدوه من أهل الكفر به على أحايينهم = غالبين كانوا أو مغلوبين، والتهاونِ بأقوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين، (36) [وأن لهم في] جهادهم إياهم - مغلوبين كانوا أو غالبين - منـزلة من الله رفيعة. (37)

* * *

يقول الله لهم جل ثناؤه: " فليقاتل في سبيل الله "، يعني: في دين الله والدعاء إليه، والدخول فيما أمر به أهل الكفر به =" الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "، يعني: الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها. وبيعُهم إياها بها: إنفاقهم أموالهم في طلب رضى الله، لجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه، (38) وبَذْلهم مُهَجهم له في ذلك.

* * *

أخبر جل ثناؤه بما لهم في ذلك إذا فعلوه فقال: " ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا "، يقول: ومن يقاتل - في طلب إقامة دين الله وإعلاء كلمة الله - أعداءَ الله =" فيقتل "، يقول: فيقتله أعداء الله، أو يغلبهم فيظفر بهم =" فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا "، يقول: فسوف نعطيه في الآخرة ثوابًا وأجرًا عظيمًا. وليس لما سمى جل ثناؤه " عظيمًا "، مقدار يعرِف مبلغَه عبادُ الله. (39)

* * *

وقد دللنا على أن الأغلب على معنى: " شريت "، في كلام العرب: " بعت "، بما أغنى [عن إعادته]، (40)

وقد:-

9942 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "، يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة.

9943 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "، فـ " يشري": يبيع، و " يشري": يأخذ = وإن الحمقى باعوا الآخرة بالدنيا.

* * *

---------------

(36) في المخطوطة والمطبوعة"والتهاون بأحوال المشركين" ، والذي يدل عليه سياق التفسير ، هو ما أثبت. ويعني بذلك ما يقوله المنافق عند هزيمة المسلمين: "قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدًا" ، وقوله إذا كانت الدولة والظفر للمسلمين: "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا".

وقوله: "والتهاون" عطف على قوله: "وهذا حض من الله المؤمنين على جهاد عدوه".

(37) كان مكان ما بين القوسين في المخطوطة والمطبوعة: "وقع" وهو كلام لا يستقيم البتة ، فاستظهرت أن يكون صواب سياقه ما أثبت ، أو ما يشبهه من القول.

(38) في المطبوعة والمخطوطة: "كجهاد من أمر بجهاده" ، وصواب السياق"لجهاد........" كما أثبتها.

(39) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف: 529 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(40) انظر تفسير"شرى" و"اشترى" فيما سلف 1: 312- 315 / 2: 340- 342 ، 455 / 3: 328 / 4: 246 / 6: 527 / 7: 420 ، 459 / 8: 428

وزدت ما بين القوسين ، جريًا على نهج عبارته في مئات من المواضع السالفة ، والظاهر أن الناسخ نسى أن يكتبها ، لأن"بما أغنى" وقعت في آخر الصفحة ، ثم قلب الورقة إلى الصفحة التالية ، وكتب"وقد".

التدبر :

وقفة
[74] حسم المجاهد المعركة الدائرة في قلبه بين الدنيا والآخرة، فانتصرت الآخرة، فكان جهاده إعلانًا عمليًّا أن الآخرة أغلى وأعلى وأبقى وأعظم.
وقفة
[74] من دقائق تعبير القرآن: ﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ﴾ ولم يقل: (فيقتل أو ينتصر-يفز)؛ لأنه فائز ومنتصر في الحالين.
لمسة
[74] ﴿فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ﴾ قدَّم الله تعالى القتل على الغلبة؛ للإشارة إلى حرص المجاهد على الشهادة، وأنه أشد من حرصه على الغلبة والنصر.
تفاعل
[74] ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • الفاء: استئنافية. اللام: لام الأمر. يقاتل: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه السكون. في سبيل: جار ومجرور متعلق بيقاتل. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ الَّذِينَ يَشْرُونَ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. يشرون: صلة الموصول لا محل لها فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى يبيعون.
  • ﴿ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ:
  • الحياة: مفعول به منصوب بالفتحة وكتبت بالواو على لغة من يفخم وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجماعة. الدنيا: صفة- نعت- للحياة منصوبة مثلها بالفتحة. بالآخرة: جار ومجرور متعلق بيشرون وحذف المضاف وحل المضاف اليه محله أي بثواب الآخرة.
  • ﴿ وَمَنْ يُقاتِلْ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ و «يُقاتِلْ» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: السكون. والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملتا فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيقاتل. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَيُقْتَلْ:
  • الفاء: عاطفة. يقتل: فعل مضارع معطوف على «يُقاتِلْ» مجزوم مثله ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والفعل مبني للمجهول.
  • ﴿ أَوْ يَغْلِبْ:
  • معطوفة بأو على «يقتل». والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. سوف: حرف «استقبال» تسويف. نؤتيه: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به وجملة «فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ» جواب شرط جازم فعلها مسبوق بحرف تنفيس في محل جزم.
  • ﴿ أَجْراً عَظِيماً:
  • أجرا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. عظيما: صفة- نعت لأجرا منصوبة مثله. '

المتشابهات :

النساء: 74﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
النساء: 114﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [74] لما قبلها :     وبعد ذمِّ المبطِّئين عن الجهاد؛ جاء هنا التَّرغيب في الجهاد، والثناء على المجاهدين، قال تعالى:
﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

القراءات :

فليقاتل:
قرئ:
1- بسكون لام الأمر، وهى قراءة الجمهور.
2- بكسرها، على الأصل، وهى قراءة فرقة.
فيقتل:
قرئ:
1- مبنيا للمفعول، وهى قراءة الجمهور.
2- مبنيا للفاعل، وهى قراءة محارب بن دثار.
يغلب فسوف:
قرئ:
1- بإدغام الباء فى الفاء، وهى قراءة أبى عمرو، والكسائي، وهشام، وخلاد.
2- بالإظهار، وهى قراءة باقى السبعة.
نؤتيه:
قرئ:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
2- بالياء، وهى قراءة الأعمش، وطلحة بن مصرف.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف