516567891011

الإحصائيات

سورة الحجرات
ترتيب المصحف49ترتيب النزول106
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات2.50
عدد الآيات18عدد الأجزاء0.00
عدد الأحزاب0.00عدد الأرباع1.30
ترتيب الطول54تبدأ في الجزء26
تنتهي في الجزء26عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 5/10يا أيها الذين آمنوا: 2/3

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (6) الى الآية رقم (8) عدد الآيات (3)

ومن الأدبِ معَ المؤمنينَ: 1- التثبّتُ من الأخبارِ وعدمُ سماعِ الإشاعاتِ منعًا للفتنةِ بينَ المؤمنينَ والخِصامِ، وتذكيرُهم بوجودِ رسولِ اللَّهِ ﷺ بينَهُم فلا يتسرعُوا في إصدارِ الأحكامِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (9) الى الآية رقم (11) عدد الآيات (3)

2- بعدَ التحذيرِ من الفتنةِ والخِصامِ أمَرَ بالإصلاحِ بينَ المُتخَاصمينَ، وقتالِ الفئةِ الباغيةِ حتى تعودَ لصَفِّ الجماعةِ، ثُمَّ سدِّ الطرقِ المؤديةِ للخصامِ مثلِ السُّخريةِ ونحوَها.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحجرات

آداب التعامل

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • سورة الحجرات تبين لنا::   سؤال: كم ستأخذ فى المائة فى أدبك مع الله؟ مع سنة ‏النبي ‏‏ ﷺ ؟ مع أهلك؟ مع عائلتك؟ مع أصحابك؟ مع جيرانك؟ مع إخوانك المسلمين؟ مع كل الناس؟
  • • تضمّنت السورة العديد من الآداب::   كيف تتعامل مع الشرع؟ مع ‏النبي ‏‏ ﷺ ؟ مع المؤمنين؟ مع كل الناس؟ مع الله؟ اليهود فى التوراة المحرفة: «إذا أقرضت أخاك فلا تقرضه بربا، وإذا أقرضت أحدًا من غير إخوانك فأقرضه بربا». الأخلاق عندهم مع اليهود فقط، أما مع غير اليهود فلا توجد أخلاق.وعند المؤمنين فالأخلاق مع الجميع، الكرم، الصدق، الأمانة، أداء الحقوق، الوفاء بالعهد مع الجميع.اثنان من المؤمنين في الهجرة وعدا المشركين بأن يسمحوا لهم أن يذهبوا للمدينة، بشرط ألا يقاتلوا مع ‏النبي ‏‏ ﷺ ، فأمرهم ‏النبي ‏‏ ﷺ أن يوفوا بوعدهم.سورة الحجرات هي سورة الأدب والأخلاق، أدب التعامل وأدب العلاقات.أدب التعامل مع الشرع، ومع النبي ﷺ ، ومع المؤمنين، ومع الناس عامة، ومع الله.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الحُجُرات».
  • • معنى الاسم ::   ‏الحُجُرات: جمع حُجرة، وهي الغرفة في الدار، ‏والمقصود بها هنا: بيوت أزواج النبي ﷺ.
  • • سبب التسمية ::   سميت ‏بهذا؛ ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذَكَرَ ‏فيها‏ حرمة بيوت ‏النبي ‏‏ ﷺ ، و‎ذُكِرَ فِيهَا لَفْظُ الْحُجُرَاتِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ... ﴾ آية (4).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الأخلاق أساس بناء المجتمع.
  • • علمتني السورة ::   تعظيم النبي ﷺ ، وتوقيره، والتزام توجيهاته وأوامره: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾
  • • علمتني السورة ::   عدم نشر الإِشاعات، والتثبت من الأخبار، لاسيما إن كان القائل غير عدل، فكم من كلمةٍ نقلها فاجر فاسق سبَّبت كارثةً من الكوارث: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أنه إذا تقاتل طائفتان من المسلمين فعلينا: الدعوة إلى الصلح وهو تحكيم كتاب الله، فإذا لم تقبل إحداهما الصلح وجب على المسلمين قتالها؛ لأنها هي الباغية، فإذا رجعت الباغية وقبلت تحكيم كتاب الله فيجب تطبيق العدل بينهما: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ...﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الحُجُرات من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة الحجرات افتتحت بالنداء، واحتوت على 6 نداءات: 5 نداءات للمؤمنين، والنداء السادس للناس كافة. • سورة الحجرات احتوت على 8 آيات تعتبر من الآيات الجوامع؛ حيث جمعت بعض الأوامر والنواهي للمحافظة على قوة المسلمين وتماسكهم.
    • سورة الحجرات آخر سورة من سور المثاني البالغة 30 سورة.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نتأدب مع الشرع ومع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي منا الخضوع لشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا نتجاوزهما.
    • أن نحذر أن نقدم الآراء والأهواء على القرآن والسنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ﴾ (1).
    • أن نعظم النبي صلى الله عليه وسلم، ونوقره، ونلتزم توجيهاته وأوامره: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ (2).
    • أن نتثبت من الأخبار، ولا ننشر الإِشاعات، لاسيما إن كان القائل غير عدل، فكم من كلمةٍ نقلها فاجر فاسق سبَّبت كارثةً من الكوارث: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...﴾ (6).
    • أن نلزم العدل مع كل الناس: ﴿وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (9).
    • أن نصلح بين اثنين كانا على خلاف: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ (10).
    • أن نتجنب هذه الأفعال: السخرية والاستهزاء بالآخرين، واحتقار الناس، ومنادتهم بالألقاب التي تغضبهم، ووجوب التوبة من هذه الأفعال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ...﴾ (11).
    • أن ننادي الناس بأحب الأوصاف إليهم: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ (11).
    • أن نمتنع عن الغيبة والتجسس والظن السيء بالمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب ...﴾ (12).
    • أن نحسن علانيتنا وسريرتنا؛ فالله بصير بما نعمل: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (18).

تمرين حفظ الصفحة : 516

516

مدارسة الآية : [5] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ ..

التفسير :

[5] ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم عند الله؛ لأن الله قد أمرهم بتوقيرك، والله غفور لما صدر عنهم جهلاً منهم من الذنوب والإخلال بالآداب، رحيم بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة.

فأدب العبد، عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال:{ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي:غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات.

ثم أرشدهم- سبحانه- إلى السلوك الأفضل فقال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.

أى: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك- أيها الرسول الكريم- من وراء الحجرات، صبروا عليك حتى تخرج إليهم ولم يتعجلوا بندائك بتلك الصورة الخالية من الأدب، لكان صبرهم خبرا لهم وَاللَّهُ- تعالى- غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: واسع المغفرة والرحمة.

قال صاحب الكشاف: يحكى عن أبى عبيد- العالم الزاهد الثقة- أنه قال: ما دققت باب عالم قط، حتى يخرج في وقت خروجه.

وقوله: أَنَّهُمْ صَبَرُوا في موضع رفع على الفاعلية، لأن المعنى: ولو ثبت صبرهم.

فإن قلت: هل من فرق بين قوله حَتَّى تَخْرُجَ وإلى أن تخرج؟

قلت: إن «حتى» مختصة بالغاية المضروبة. تقول: أكلت السمكة حتى رأسها، ولو قلت: حتى نصفها، أو صدرها، لم يجز، و «إلى» عامة في كل غاية، فقد أفادت «حتى» بوضعها: أن خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم غاية قد ضربت لصبرهم، فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون الانتهاء إليه.

فإن قلت: فأى فائدة في قوله إِلَيْهِمْ؟ قلت: فيه أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم، للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن خروجه إليهم .

هذا والمتدبر في هذه الآيات الكريمة، يراها قد رسمت للمؤمنين أسمى ألوان الأدب في مخاطبتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي إلزامهم بألا يقولوا قولا أو يفعلوا فعلا، يتعلق بشأن من شئون دينهم إلا بعد معرفتهم بأن هذا القول أو الفعل يستند إلى حكم شرعي، شرعه الله- تعالى- ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

كما أنه يراها قد مدحت الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذمت الذين لا يلتزمون هذا الأدب عند مخاطبته أو ندائه.

ثم وجهت السورة نداء ثالثا إلى المؤمنين أمرتهم فيه بالتثبت من صحة الأخبار التي تصل إليهم، وأرشدتهم إلى مظاهر فضل الله- تعالى- عليهم لكي يواظبوا على شكره، فقال- تعالى-:

ثم أرشد إلى الأدب في ذلك فقال : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) أي : لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والآخرة .

ثم قال داعيا لهم إلى التوبة والإنابة : ( والله غفور رحيم )

وقد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي ، فيما أورده غير واحد ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا موسى بن عقبة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن الأقرع بن حابس ; أنه نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحجرات ، فقال : يا محمد ، يا محمد وفي رواية : يا رسول الله - فلم يجبه . فقال : يا رسول الله ، إن حمدي لزين ، وإن ذمي لشين ، فقال : " ذاك الله عز وجل " .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) قال : جاء رجل رسول الله فقال : يا محمد ، إن حمدي زين ، وذمي شين . فقال : " ذاك الله عز وجل " .

وهكذا ذكره الحسن البصري ، وقتادة مرسلا .

وقال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي عمرة قال : كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد - أو بشر بن عطارد ولبيد بن غالب - وهما عند الحجاج جالسان - فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد : نزلت في قومك بني تميم : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال : أما إنه لو علم بآخر الآية أجابه : ( يمنون عليك أن أسلموا ) [ الحجرات : 17 ] ، قالوا : أسلمنا ، ولم يقاتلك بنو أسد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي الباهلي ، حدثنا المعتمر بن سليمان : سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم البجلي ، عن زيد بن أرقم قال : اجتمع أناس من العرب فقالوا : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يك ملكا نعش بجناحه . قال : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما قالوا ، فجاءوا إلى حجرته فجعلوا ينادونه وهو في حجرته : يا محمد ، يا محمد . فأنزل الله [ عز وجل ] : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) قال : فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني فمدها ، فجعل يقول : " لقد صدق الله قولك يا زيد ، لقد صدق الله قولك يا زيد " .

ورواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، عن المعتمر بن سليمان ، به .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

وقوله ( وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت, لكان خيرا لهم عند الله, لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك, فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه,( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب, إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك, وراجع أمر الله في ذلك, وفي غيره; رحيم به أن يعاقبه على ذنبه ذلك من بعد توبته منه.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[5] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ أحيانًا تحتاج صبرًا قليلًا؛ لتنال الخـير من الجليل.
وقفة
[5] ﴿ولو أنهم صبرو حتى تخرج اليهم لكان خيرا لهم﴾ لا لقاء أنفع من لقائه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان الصبر فيه خيرًا، إذا تأخرت حاجاتك؛ فاصبر، صبرك خير من حصولها.
عمل
[5] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ ثق بالله ولا تستعجل في الأمر، فالخير يأتي إليك بعد الصبر.
عمل
[5] قارن بين تأدب السلف بهدي القرآن وبين فعل بعض الناس مع علمائهم: قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: «ما استأذنت قط على مُحدِّث! كنت أنتظر حتى يخرج إليّ، وتأولت قوله تعالى: ﴿وَلَو أَنَّهُم صَبَروا حَتّى تَخرُجَ إِلَيهِم لَكانَ خَيرًا لَهُم﴾».
وقفة
[5] اصبر؛ الأشياء في وقتها أجمل ﴿وَلَو أَنَّهُم صَبَروا حَتّى تَخرُجَ إِلَيهِم لَكانَ خَيرًا لَهُم﴾.
وقفة
[5] ﴿وَلَو أَنَّهُم صَبَروا حَتّى تَخرُجَ إِلَيهِم لَكانَ خَيرًا لَهُم﴾ الخيرية دائمًا فى الصبر وفى كل المواقف.
وقفة
[5] ﴿ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم﴾ ندمك على قولك أشد من ندمك على سكوتك.
وقفة
[5] ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ غفور لما صدر عن عباده من الذنوب والإخلال بالآداب، رحيم بهم حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ:
  • الواو استئنافية. لو: حرف شرط‍ غير جازم-حرف امتناع لامتناع-ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «ان» وفتحت همزة «أن» لوقوعها بعد «لو» و «أن» مع اسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت.التقدير: لو ثبت صبرهم
  • ﴿ صَبَرُوا حَتّى:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «أن» وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. حتى: حرف غاية وجر.
  • ﴿ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ:
  • فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حتى» وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. إلى: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بإلى. والجار والمجرور متعلق بتخرج. وجملة «تخرج» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب و «أن» المضمرة وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بصبروا.التقدير: حتى خروجك اليهم.
  • ﴿ لَكانَ خَيْراً:
  • اللام واقعة في جواب «لو».كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. اي لكان الصبر لانه يعود على ضمير فاعل الفعل المضمر بعد «لو» او على مصدر «صبروا».خيرا: خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة
  • ﴿ لَهُمْ:
  • اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بإلى والجار والمجرور متعلق بخيرا او بصفة محذوفة منها.
  • ﴿ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
  • الواو استئنافية. الله لفظ‍ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. غفور رحيم: خبران للمبتدإ خبر بعد خبر ويجوز ان يكون «رحيم» صفة-نعتا-لغفور. اي يغفر لهم سوء تصرفهم لانهم لم يتعمدوا ذلك. وجملة «كان خيرا لهم» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها.'

المتشابهات :

آل عمران: 110﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ
النساء: 46﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم وَأَقْوَمَ
النساء: 66﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا
محمد: 21﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّـهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم
الحجرات: 5﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [5] لما قبلها :     ولَمَّا ذَمَّ اللهُ الَّذِينَ يُنَادُونَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ؛ أَرْشَدَ هنا إِلَى الْأَدَبِ فِي ذَلِكَ، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [6] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن ..

التفسير :

[6] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن جاءكم فاسق بخبر فتثبَّتوا من خبره قبل تصديقه ونقله حتى تعرفوا صحته؛ خشية أن تصيبوا قوماً برآء بجناية منكم، فتندموا على ذلك.

وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا، ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير [من] الخوارج، المعروفين بالصدق، ولو كانوا فساقًا.

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روى عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد بعث الوليد بن عقبة إلى بنى المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فرجع الوليد- ظنا منه أنهم يريدون قتله- فقال يا رسول الله: إن بنى المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك غضبا شديدا، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا: يا رسول الله، إنا بلغنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فأنزل الله- تعالى- الآية .

والفاسق: هو الخارج عن الحدود الشرعية التي يجب التزامها، مأخوذ من قولهم: فسقت الرطبة، إذا خرجت عن قشرتها، وسمى بذلك لانسلاخه عن الخير والرشد.

وقرأ الجمهور: فَتَبَيَّنُوا وقرأ حمزة والكسائي فتثبتوا ومعناهما واحد، إذ هما بمعنى التأنى وعدم التعجل في الأمور حتى تظهر الحقيقة فيما أخبر به الفاسق.

أى: يا من آمنتم بالله حق الإيمان، إن جاءكم فاسق بخبر من الأخبار، ولا سيما الأخبار الهامة، فلا تقبلوه بدون تبين أو تثبت، بل تأكدوا وتيقنوا من صحته قبل قبوله منه.

والتعبير «بإن» المفيدة للشك، للإشعار بأن الغالب في المؤمن أن يكون يقظا، يعرف مداخل الأمور، وما يترتب عليها من نتائج، ويحكم عقله فيما يسمع من أنباء، فلا يصدق خبر الفاسق إلا بعد التثبت من صحته.

قال صاحب الكشاف: وفي تنكير الفاسق والنبأ: شياع في الفساق والأنباء، كأنه قال:

أى فاسق جاءكم بأى نبأ فتوقفوا فيه، وتطلبوا بيان الأمر، وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا على قول الفاسق، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه .

وقال القرطبي: وفي الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق، ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها .

وقوله: أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ... تعليل للأمر بالتبين، بتقدير لام التعليل، أو بتقدير ما هو بمعنى المفعول لأجله. والجهالة بمعنى الجهل بحقيقة الشيء.

أى: تثبتوا- أيها المؤمنون- من صحة خبر الفاسق، لئلا تصيبوا قوما بما يؤذيهم، والحال أنكم تجهلون حقيقة أمرهم، أو خشية أن تصيبوا قوما بجهالة، لظنكم أن النبأ الذي جاء به الفاسق حقا.

وقوله: فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ بيان للنتائج السيئة التي تترتب على تصديق خبر الفاسق، وفَتُصْبِحُوا بمعنى تصيروا، والندم: غم يلحق الإنسان لأمور وقعت منه، ثم صار يتمنى بعد فوات الأوان عدم وقوعها. أى: فتصيروا على ما فعلتم مع هؤلاء القوم نادمين ندما شديدا، بسبب تصديقكم لخبر الفاسق بدون تبين أو تثبت.

فالآية الكريمة ترشد المؤمنين في كل زمان ومكان إلى كيفية استقبال الأخبار استقبالا سليما، وإلى كيفية التصرف معها تصرفا حكيما، فتأمرهم بضرورة التثبت من صحة مصدرها، حتى لا يصاب قوم بما يؤذيهم بسبب تصديق الفاسق في خبره، بدون تأكد أو تحقق من صحة ما قاله.. وبهذا التحقق من صحة الأخبار، يعيش المجتمع الإسلامى في أمان واطمئنان، وفي بعد عن الندم والتحسر على ما صدر منه من أحكام.

يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له ، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر - كاذبا أو مخطئا ، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه ، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين ، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر ، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال . وقد قررنا هذه المسألة في كتاب العلم من شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة .

وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقات بني المصطلق . وقد روي ذلك من طرق ، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق ، وهو الحارث بن ضرار ، والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا عيسى بن دينار ، حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي يقول : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاني إلى الإسلام ، فدخلت فيه وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله ، أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، ويرسل إلي رسول الله رسولا لإبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة . فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث إليه ، احتبس عليه الرسول فلم يأته ، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله ، فدعا بسروات قومه ، فقال لهم : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت ، فانطلقوا فنأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق - أي : خاف - فرجع فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي . فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعث إلى الحارث . وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم ؟ قالوا : إليك . قال : ولم ؟ قالوا : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله . قال : لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني . فلما دخل الحارث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ " . قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشيت أن يكون كانت سخطة من الله ورسوله . قال : فنزلت الحجرات : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ) إلى قوله : ( حكيم )

ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار ، عن محمد بن سابق به . ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق ، به ، غير أنه سماه الحارث بن سرار ، والصواب : الحارث بن ضرار ، كما تقدم .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا جعفر بن عون ، عن موسى بن عبيدة ، عن ثابت مولى أم سلمة ، عن أم سلمة قالت : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة ، فسمع بذلك القوم ، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، قالت : فرجع إلى رسول الله فقال : إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم . فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون . قالت : فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصفوا له حين صلى الظهر ، فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، بعثت إلينا رجلا مصدقا ، فسررنا بذلك ، وقرت به أعيننا ، ثم إنه رجع من بعض الطريق ، فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ومن رسوله ، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال فأذن بصلاة العصر ، قالت : ونزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) .

وروى ابن جرير أيضا من طريق العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات ، وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه ، رجع الوليد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة . فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك غضبا شديدا ، فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا : يا رسول الله ، إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق ، وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله . وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - استغشهم وهم بهم ، فأنزل الله عذرهم في الكتاب ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) إلى آخر الآية .

وقال مجاهد وقتادة : أرسل رسول الله الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقهم ، فتلقوه بالصدقة ، فرجع فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك زاد قتادة : وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام - فبعث رسول الله خالد بن الوليد إليهم ، وأمره أن يتثبت ولا يعجل . فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه ، فلما جاءوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي يعجبه ، فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر ، فأنزل الله هذه الآية . قال قتادة : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " التبين من الله ، والعجلة من الشيطان " .

وكذا ذكر غير واحد من السلف ، منهم : ابن أبي ليلى ، ويزيد بن رومان ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم في هذه الآية : أنها نزلت في الوليد بن عقبة ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) عن قوم ( فَتَبَيَّنُوا ).

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( فَتَبَيَّنُوا ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة ( فَتَثَبَّتُوا ) بالثاء, وذُكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء. وقرأ ذلك بعض القرّاء فتبيَّنوا بالباء, بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته, لا تعجلوا بقبوله, وكذلك معنى ( فَتَثَبَّتُوا ).

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وذُكر أن هذه الآية نـزلت في الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط.

* ذكر السبب الذي من أجله قيل ذلك:

حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا جعفر بن عون, عن موسى بن عبيدة, عن ثابت موْلى أمّ سلمة, عن أمّ سلمة, قالت: " بعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقعة, فسمع بذلك القوم, فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, قال: فحدّثه الشيطان أنهم يريدون قتله, قالت: فرجع إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم, فغضب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمسلمون قال: فبلغ القوم رجوعه قال: فأتوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فصفوا &; 22-287 &; له حين صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدّقا, فسررنا بذلك, وقرّت به أعيننا, ثم إنه رجع من بعض الطريق, فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ومن رسوله, فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال, وأذّن بصلاة العصر; قال: ونـزلت ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ). . . الآية, قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط, ثم أحد بني عمرو بن أمية, ثم أحد بني أبي معيط إلى بني المصطلق, ليأخذ منهم الصدقات, وإنه لما أتاهم الخبر فرحوا, وخرجوا ليَتَلَقَّوْا رسول رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وإنه لما حدّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه, رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة, فغضب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم غضبا شديدا, فبينما هو يحدّث نفسه أن يغزوهم, إذ أتاه الوفد, فقالوا: يا رسول الله, إنا حدّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق, وإنا خشينا أن يكون إنما ردّه كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا, وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله, فأنـزل الله عذرهم في الكتاب, فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد " في قوله ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) قال: الوليد بن عقبة بن أبي معيط, بعثه نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى بني المصطلق, ليصدّقهم, فتلقوه بالهدية فرجع إلى محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: إن بني المصطلق جمعت &; 22-288 &; لتقاتلك ".

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ )... حتى بلغ ( بِجَهَالَةٍ ) وهو ابن أبي معيط الوليد بن عقبة, بعثه نبيّ لله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مصدّقا إلى بني المصطلق, فلما أبصروه أقبلوا نحوه, فهابهم, فرجع إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأخبره أنهم قد ارتدّوا عن الإسلام, فبعث نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خالد بن الوليد, وأمره أن يتثبَّت ولا يعجل, فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه; فلما جاءوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالإسلام, وسمعوا أذانهم وصلاتهم, فلما أصبحوا أتاهم خالد, فرأى الذي يعجبه, فرجع إلى نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأخبره الخبر, فأنـزل الله عزّ وجلّ ما تسمعون, فكان نبيّ الله يقول: التَّبَيُّنُ مِنَ اللّهِ, والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطان ".

حدثنا بن عبد الأعلى, قال: ثنا أبن ثور, عن معمر, عن قتادة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) فذكر نحوه.

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن هلال الوزّان, عن ابن أبي ليلى, في قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) قال: نـزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن حُمَيد, عن هلال الأنصاري, عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) قال: نـزلت في الوليد بن عقبة حين أُرسل إلى بني المصطلق.

قال: ثنا سلمة, قال: ثنا محمد بن إسحاق, عن يزيد بن رومان, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث إلى بني المصطلق بعد إسلامهم, الوليد بن أبي معيط; فلما سمعوا به ركبوا إليه; فلما سمع بهم خافهم فرجع إلى رسول الله صلى الله, فأخبره أن القوم قد هَموا بقتله, ومنعوا ما قِبَلهم من صدقاتهم, فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم حتى همّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن يغزوهم, فبينما هم في ذلك قَدِم وفدهم على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ &; 22-289 &; وَسَلَّم, فقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك حين بعثته إلينا, فخرجنا إليه لنكرمه, ولنؤدّي إليه ما قبلنا من الصدقة, فاستمرّ راجعا, فبلغنا أنه يزعم لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنا خرجنا إليه لنقاتله, ووالله ما خرجنا لذلك; فأنـزل الله في الوليد بن عقبة وفيهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ )... الآية.

قال: (1) بعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجلا من أصحابه إلى قوم يصدقهم, فأتاهم الرجل, وكان بينه وبينهم إحنة في الجاهلية; فلما أتاهم رحبوا به, وأقرّوا بالزكاة, وأعطوا ما عليهم من الحقّ, فرجع الرجل إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: يا رسول الله, منع بنو فلان الصدقة, ورَجعوا عن الإسلام, فغضب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وبعث إليهم فأتوْه فقال: أمَنَعْتُمُ الزَّكاةَ, وَطَرَدْتُمْ رَسُولي؟ " فقالوا: والله ما فعلنا, وإنا لنعلم أنك رسول الله, ولا بدّ لنا, ولا منعنا حقّ الله في أموالنا, فلم يصدقهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأنـزل الله هذه الآية, فعذرهم.

وقوله ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) يقول تعالى ذكره: فتبيَّنوا لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم ( فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) يقول: فتندموا على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها.

------------------------

الهوامش:

(1) ‌يظهر أن هذا بدء رواية أخرى ، أوردها في الدر عن جابر .

التدبر :

لمسة
[6] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ﴾ إن: تفيد التشكيك، الأصل في المؤمن أن يكون صادقًا.
وقفة
[6] لا تروِ للناس كل ما تسمعه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، الواجب على من شرح الله صدره للإسلام أنْ إذا بلغته مقالةٌ ضعيفةٌ عن بعض العلماء ألَّا يحكيَها لمن يعمل بها، بل يسكت عنها وإن تيقَّن صحتها، فما أكثر ما يحكى عن الأئمة من ما لا حقيقة له!
وقفة
[6] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ لا تتكلموا, ولا تنشروا بما لم تشهدوه بأنفسكم؛ كي لا تندموا.
عمل
[6] انتبه؛ لا ينشر المؤمن حتى يتثبت ويتبين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
وقفة
[6] نزلت في الْوَلِيد بن عُقْبَة بعثه النبي ﷺ ليقبض الزكاة من الْحَارِث بن أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيِّ، فرجع من منتصف الطريق وأتى رسول الله قائلًا له: «إِنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِي»، وكان كاذبًا، فنزل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
وقفة
[6] منهج المؤمن في تلقي الأخبار وروايتها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ وفي قراءة (فتثبتوا) تثبت، وتبين قبل النشر.
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وإنما كان الفاسق معرَّضًا خبره للريبة والاختلاق؛ لأن الفاسق ضعيف الوازع الديني في نفسه، وضعف الوازع يجرئه على الاستخفاف بالمحظور، وبما يخبر به في شهادة أو خَبَر يترتب عليهما إضرار بالغير أو بالصالح العام، ويقوي جُرأته على ذلك دوماً إذا لم يتب ويندم على ما صدر منه ويقلع عن مثله.
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ فيه رد خبر الفاسق، واشتراط العدالة في المخبر راويًا كان أو شاهدًا ومفتيًا، ويستدل بالآية على قبول خبر الواحد العدل.
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [مسلم 5].
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ لا تأخذ الخبر من طرف واحد فحسب -كما يفعل البعض- بل تبيَّن من الخبر، ذلك لئلا تظلم الناس، ما أجمل الحلم والتأني في الأمور كلها!
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ مع أنه فاسق إلا أن الله عز وجل قال: (فتبينوا)، ولم يقل: (فاحكموا) أو (انشروا).
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ فيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه حتى يتثبت ويتبين منه.
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ كم عضَضنَا أصابعَ النَّدم بسببِ أحكامٍ مستعجلةٍ!
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وجوب التثبت من صحة الأخبار، خاصة التي ينقلها من يُتَّهم بالفسق.
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ الواجب عند خبر الفاسق: التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه؛ عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه؛ كذب، ولم يعمل به.
عمل
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ لو عملنا بهذه الآية لقضينا على كل الإشاعات.
وقفة
[6] ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وفي قراءة سبعية: (فتثبتوا)، قال الحسن البصري: «المؤمن وقّاف حتى يتبيّن».
وقفة
[6] كثرت التفرقة بين الأقارب لوجود نوعيتين: نوعية فيها مرض الكذب والنفاق، ونوعية مغفلة تصدق وتبدأ بالانتقام ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، فلا تستعجل بتصديق أحد ولا بتكذيبه، حتى الفاسق لا يرد خبره ولا نثبته إلا بعد التبين والتثبت.
وقفة
[6] ﴿فَتَبَيَّنوا﴾ عَنْوِن بها في قاموس نشرِك كي لا تهوي بغيرها في قاع الشائعات.
وقفة
[6] قاعدة في نشر الأخبار: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾، ﴿فتثبتوا﴾، العبرة بمن صدق لا بمن سبق.
وقفة
[6] ﴿فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ لا يترك أحد التثبت في الأخبار إلا ندم.
وقفة
[6] ﴿فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ كم يسوقني -ولا أشك في أنه يسوقك أيضا- الحنين إلى ذلك المجتمع الطاهر، حتى الخطأ شريف؛ لأنه بجهل يعقبه ندم، اليوم الأقارب والأصحاب يظلمون عن علم وقصد ثم لا يندمون بل يتفاخرون.
وقفة
[6] ﴿فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ جربت صنوف الندم فلم أر ندمًا موجعًا كندم الإساءة للأبرياء بغير حق.
وقفة
[6] في زمن الفبركات الإعلامية وخداع برامج الصور، باتت الحاجة إلى التثبت أشد من أي زمن مضى ﴿فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
وقفة
[6] ﻧﻘﻞ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺃﻣﺎﻧﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﻴﻘﻨًﺎ ﻭﺗﺜﺒﺘًﺎ، ﻭﺇﺷﺎﻋﺔ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﺛﺎﺭﺓ اﻟﻔﺘﻦ ﻭﺇﻳﺬﺍﺀ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻭﻓﻀﺢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺭﻳﻦ.
وقفة
[6] منهج عظيم في تلقِّي ونشر الأخبار ليتنا نطبقه: الأمر بالتثبت وذم التسرع، المطالبة بالدليل الواضح، تقديم حسن الظن بالمسلمين، تقييم مصادر الخبر، اعتماد خبر الثقة دون الفاسق، الإمساك عن الكلام والنشر إلا بيقين ولمصلحة.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ:
  • اعربت في الآية الكريمة الاولى. ان: حرف شرط‍ جازم.
  • ﴿ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ:
  • فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بإن والكاف ضمير متصل-ضمير الغائبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. فاسق: فاعل مرفوع بالضمة. بنبإ: جار ومجرور متعلق بجاء اي بخبر.
  • ﴿ فَتَبَيَّنُوا:
  • الجملة جواب جازم شرط‍ مقترن بالفاء في محل جزم بان والفاء واقعة في جواب الشرط‍.تبينوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة بمعنى: فتعرفوا حقيقته او فتطلبوا بيان الامر وانكشاف الحقيقة وحذف المفعول اختصارا.
  • ﴿ أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً:
  • حرف مصدري ناصب. تصيبوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. قوما: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وجملة تُصِيبُوا قَوْماً» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب.و«أن» وما بعدها بتأويل مصدر متعلق بمفعول له-لاجله-اي كراهة اصابتكم فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه
  • ﴿ بِجَهالَةٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من الضمير التقدير: جاهلين بحقيقة الامر وكنه القصة.
  • ﴿ فَتُصْبِحُوا:
  • معطوفة بفاء السببية على «تصيبوا» منصوبة مثلها وهي فعل مضارع ناقص والواو ضمير متصل في محل رفع اسمها والالف فارقة بمعنى:فتصيروا
  • ﴿ عَلى ما فَعَلْتُمْ:
  • حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى. فعلتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فعلتم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب والعائد-الراجع-الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به. التقدير: على ما فعلتموه. والجار والمجرور متعلق بخبر «تصبحوا» لان التقدير: تندمون على ما فعلتموه. ويجوز ان يتعلق بتصبحوا ويجوز ان تكون «ما» مصدرية. وجملة «فعلتم» صلتها لا محل لها من الاعراب و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعلى.التقدير: على فعلكم.
  • ﴿ نادِمِينَ:
  • خبر «تصبح» منصوب وعلامة نصبه الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين في المفرد.'

المتشابهات :

الحجرات: 6﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
الممتحنة: 10﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى بَنِي المُصْطَلِقِ مُصَدِّقًا، وكانَ بَيْنَهُ وبَيْنَهم عَداوَةٌ في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا سَمِعَ القَوْمُ بِهِ تَلَقَّوْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعالى ولِرَسُولِهِ، فَحَدَّثَهُ الشَّيْطانُ أنَّهم يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، فَهابَهم، فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَ: إنَّ بَنِي المُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقاتِهِمْ وأرادُوا قَتْلِي. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهَمَّ بِغَزْوِهِمْ، فَبَلَغَ القَوْمَ رُجُوعُهُ، فَأْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقالُوا: سَمِعْنا بِرَسُولِكَ فَخَرَجْنا نَتَلَقّاهُ ونُكْرِمُهُ ونُؤَدِّي إلَيْهِ ما قَبِلْنا مِن حَقِّ اللَّهِ تَعالى، فَبَدا لَهُ في الرُّجُوعِ، فَخَشِينا أنْ يَكُونَ إنَّما رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتابٌ جاءَهُ مِنكَ بِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنا، وإنّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِن غَضَبِهِ وغَضَبِ رَسُولِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾ . يَعْنِي الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ.أخْبَرَنا الحاكِمُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الشّاذْياخِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيّا الشَّيْبانِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سابِقٍ، قالَ: حَدَّثَنا عِيسى بْنُ دِينارٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبِي، أنَّهُ سَمِعَ الحارِثَ بْنَ ضِرارٍ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَدَعانِي إلى الإسْلامِ، فَدَخَلْتُ في الإسْلامِ وأقْرَرْتُ، ودَعانِي إلى الزَّكاةِ فَأقْرَرْتُ بِها، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أرْجِعُ إلى قَوْمِي فَأدْعُوهم إلى الإسْلامِ وأداءِ الزَّكاةِ، فَمَنِ اسْتَجابَ لِي جَمَعْتُ زَكاتَهُ، فَتُرْسِلُ لِإبّانِ كَذا وكَذا لِآتِيَكَ بِما جَمَعْتُ مِنَ الزَّكاةِ. فَلَمّا جَمَعَ الحارِثُ بْنُ ضِرارٍ مِمَّنِ اسْتَجابَ لَهُ وبَلَغَ الإبّانَ الَّذِي أرادَ أنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الحارِثُ أنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَدَعا سَرَواتِ قَوْمِهِ فَقالَ لَهم: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ كانَ وقَّتَ لِي وقْتًا لِيُرْسِلَ إلَيَّ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكاةِ، ولَيْسَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الخُلْفُ، ولا أرى حَبْسَ رَسُولِهِ إلّا مِن سَخْطَةٍ، فانْطَلِقُوا فَنَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . وبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إلى الحارِثِ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدَهُ مِمّا جَمَعَ مِنَ الزَّكاةِ، فَلَمّا أنْ سارَ الوَلِيدُ حَتّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ فَرَجَعَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الحارِثَ مَنَعَنِي الزَّكاةَ وأرادَ قَتْلِي. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ البَعْثَ إلى الحارِثِ، وأقْبَلَ الحارِثُ بِأصْحابِهِ فاسْتَقْبَلَ البَعْثَ وقَدْ فَصَلَ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَقِيَهُمُ الحارِثُ، فَقالُوا: هَذا الحارِثُ. فَلَمّا غَشِيَهم قالَ لَهم: إلى مَن بُعِثْتُمْ ؟ قالُوا: إلَيْكَ. قالَ: ولِمَ ؟ قالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ بَعَثَ إلَيْكَ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَزَعَمَ أنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَهُ. قالَ: لا والَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ ما رَأيْتُهُ ولا أتانِي. فَلَمّا أنْ دَخَلَ الحارِثُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”مَنَعْتَ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي ؟“ . فَقالَ: لا والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما رَأيْتُ رَسُولَكَ ولا أتانِي، ولا أقْبَلْتُ إلّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُكُ خَشْيَةَ أنْ يَكُونَ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ. قالَ: فَنَزَلَتْ في الحُجُراتِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ . إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ ونِعْمَةً واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     وبعد النداء الثاني؛ يأتي هنا النداءُ الثالثُ: التثبتُ من الأخبارِ، وعدمُ سماعِ الإشاعاتِ، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [7] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ..

التفسير :

[7] واعلموا أن بين أظهركم رسولَ الله فتأدبوا معه؛ فإنه أعلم منكم بما يصلح لكم، يريد بكم الخير، وقد تريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه، لو يطيعكم في كثير من الأمر مما تختارونه لأدى ذلك إلى مشقتكم، ولكن الله حبب إليكم الإيمان وحسَّنه ف

أي:ليكن لديكم معلومًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أظهركم، وهو الرسول الكريم، البار، الراشد، الذي يريد بكم الخير وينصح لكم، وتريدون لأنفسكم من الشر والمضرة، ما لا يوافقكم الرسول عليه، ولو يطيعكم في كثير من الأمر لشق عليكم وأعنتكم، ولكن الرسول يرشدكم، والله تعالى يحبب إليكم الإيمان، ويزينه في قلوبكم، بما أودع الله في قلوبكم من محبة الحق وإيثاره، وبما ينصب على الحق من الشواهد، والأدلة الدالة على صحته، وقبول القلوب والفطر له، وبما يفعله تعالى بكم، من توفيقه للإنابة إليه، ويكره إليكم الكفر والفسوق، أي:الذنوب الكبار، والعصيان:هي ما دون ذلك من الذنوببما أودع في قلوبكم من كراهة الشر، وعدم إرادة فعله، وبما نصبه من الأدلة والشواهد على فساده، وعدم قبول الفطر له، وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له

{ أُولَئِكَ} أي:الذين زين الله الإيمان في قلوبهم، وحببه إليهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان{ هُمُ الرَّاشِدُونَ} أي:الذين صلحت علومهم وأعمالهم، واستقاموا على الدين القويم، والصراط المستقيم.

وضدهم الغاوون، الذين حبب إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وكره إليهم الإيمان، والذنب ذنبهم، فإنهم لما فسقوا طبع الله على قلوبهم، ولما{ زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ولما لم يؤمنوا بالحق لما جاءهم أول مرة، قلب الله أفئدتهم.

ثم أرشد- سبحانه- المؤمنين إلى جانب من نعمه عليهم، ورحمته بهم فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ.

والعنت: الوقوع في الأمر الشاق المؤلم، يقال: عنت فلان- بزنة فرح- إذا وقع في أمر يؤدى إلى هلاكه أو تعبه أو إيذائه.

ويفهم من الآية الكريمة أن بعض المسلمين، صدقوا الوليد بن عقبة، وأشاروا على الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يعجل بعقاب بنى المصطلق.

والمراد بطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لهم: أخذه برأيهم، وتنفيذه لما يريدونه منه.

والمراد بالكثير من الأمر: الكثير من الأخبار والأحكام التي يريدون تنفيذها حتى ولو كانت على غير ما تقتضيه المصلحة والحكمة.

أى: واعلموا- أيها المؤمنون- أن فيكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أرسله- سبحانه- لكي يهديكم إلى الحق وإلى الطريق القويم.. وهو- عليه الصلاة والسلام- لو يطيعكم في كثير من الأخبار التي يسمعها منكم، وفي الأحكام التي تحبون تطبيقها عليكم أو على غيركم..

لو يطيعكم في كل ذلك لأصابكم العنت والمشقة، ولنزل بكم ما قد يؤدى إلى هلاككم وإتلاف أموركم.

قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ عطف على ما قبله، و «أن» بما في حيزها ساد مسد مفعولي «اعلموا» باعتبار ما قيد به من الحال، وهو قوله: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ.

وتقديم خبر «أنّ» للحصر المستتبع زيادة التوبيخ، وصيغة المضارع للاستمرار.

ولَوْ لامتناع استمرار طاعته- عليه الصلاة والسلام- لهم في كثير مما يعن لهم من الأمور.

وفي الكلام إشعار بأنهم زينوا للرسول صلّى الله عليه وسلّم الإيقاع ببني المصطلق.

وفي هذا التعبير مبالغات منها: إيثار «لو» ليدل على الفرض والتقدير. ومنها: ما في العدول إلى المضارع من تصوير ما كانوا عليه، وتهجينه. ومنها: ما في التعبير بالعنت من الدلالة على أشد المحذور، فإنه الكسر بعد الجبر، والرمز الخفى على أنه ليس بأول بادرة منهم .

وقوله- سبحانه-: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ استدراك على ما يقتضيه الكلام السابق، وبيان لمظاهر فضله عليهم ورحمته- سبحانه- بهم. أى: ولكنه صلّى الله عليه وسلّم لا يطيعكم في كل ما يعن لكم، وإنما يتبين الأمور والأخبار ويتثبت من صحتها ثم يحكم، وقد حبب الله- تعالى- إلى كثير منكم الإيمان المصحوب بالعمل الصالح والقول الطيب وزينه وحببه في قلوبكم، وكره وبغض إليكم الكفر والفسوق والعصيان لكل ما أمر به أو نهى عنه.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد عند تفسير هذه الآية، فقال ما ملخصه: قوله:

لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ أى: لوقعتم في العنت والهلاك.. وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا للرسول صلّى الله عليه وسلّم الإيقاع ببني المصطلق ... وأن بعضهم كانوا يتصونون ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك، وهم الذين استثناهم- سبحانه- بقوله:

وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ أى إلى بعضكم، ولكنه أغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم، وهذا من إيجازات القرآن، ولمحاته اللطيفة، التي لا يفطن لها إلا الخواص.

فإن قلت: كيف موقع لكِنَّ وشريطتها مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا؟

قلت: هي مفقودة من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم المتقدم ذكرهم، فوقعت لكن في موقعها من الاستدراك .

واسم الإشارة في قوله: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ يعود إلى المؤمنين الصادقين، الذين حبب الله- تعالى- إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.

أى: أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة، هم الثابتون على دينهم، المهتدون إلى طريق الرشد والصواب، إذ الرشد هو الاستقامة على طريق الحق، مع الثبات عليه، والتصلب فيه، والتمسك به في كل الأحوال.

وقوله : ( واعلموا أن فيكم رسول الله ) أي : اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه ، وتأدبوا معه ، وانقادوا لأمره ، فإنه أعلم بمصالحكم ، وأشفق عليكم منكم ، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم ، كما قال تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) [ الأحزاب : 6 ] .

ثم بين [ تعالى ] أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال : ( لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) أي : لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم ، كما قال تعالى : ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ) [ المؤمنون : 71 ] .

وقوله : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ) أي : حببه إلى نفوسكم وحسنه في قلوبكم .

قال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، حدثنا علي بن مسعدة ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الإسلام علانية ، والإيمان في القلب " قال : ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ، ثم يقول : " التقوى هاهنا ، التقوى هاهنا " .

( وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) أي : وبغض إليكم الكفر والفسوق ، وهي : الذنوب الكبار . والعصيان وهي جميع المعاصي . وهذا تدريج لكمال النعمة .

وقوله : ( أولئك هم الراشدون ) أي : المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون ، الذين قد آتاهم الله رشدهم .

قال الإمام أحمد : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، حدثنا عبد الواحد بن أيمن المكي ، عن ابن رفاعة الزرقي ، عن أبيه قال : لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " استووا حتى أثني على ربي عز وجل " فصاروا خلفه صفوفا ، فقال : " اللهم لك الحمد كله . اللهم لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت . ولا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت . ولا مقرب لما باعدت ، ولا مباعد لما قربت . اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك . اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول . اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة ، والأمن يوم الخوف . اللهم إنى عائذ بك من شر ما أعطيتنا ، ومن شر ما منعتنا . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . اللهم توفنا مسلمين ، وأحينا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ولا مفتونين . اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك ، واجعل عليهم رجزك وعذابك . اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ، إله الحق " .

ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب ، عن مروان بن معاوية ، عن عبد الواحد بن أيمن ، عن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه ، به .

وفي الحديث المرفوع : " من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)

يقول تعالى ذكره: لأصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: واعلموا أيها &; 22-290 &; المؤمنون بالله ورسوله,( أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ) فاتقوا الله أن تقولوا الباطل, وتفتروا الكذب, فإن الله يخبره أخباركم, ويعرّفه أنباءكم, ويقوّمه على الصواب في أموره.

وقوله ( لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ ) يقول تعالى ذكره: لو كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يعمل في الأمور بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون له فيطيعكم ( لَعَنِتُّمْ ) يقول: لنالكم عنت, يعني الشدّة والمشقة في كثير من الأمور بطاعته إياكم لو أطاعكم لأنه كان يخطئ في أفعاله كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق: إنهم قد ارتدّوا, ومنعوا الصدقة, وجمعوا الجموع لغزو المسلمين, فغزاهم فقتل منهم, وأصاب من دمائهم وأموالهم، كان قد قتل, وقتلتم من لا يحلّ له ولا لكم قتله, وأخذ وأخذتم من المال ما لا يحلّ له ولكم أخذه من أموال قوم مسلمين, فنالكم من الله بذلك عنت ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ ) بالله ورسوله, فأنتم تطيعون رسول الله, وتأتمون به فيقيكم الله بذلك من العنت ما لو لم تطيعوه وتتبعوه, وكان يطيعكم لنالكم وأصابكم.

وقوله ( وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) يقول: وحسن الإيمان في قلوبكم فآمنتم ( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ ) بالله ( وَالْفُسُوقَ ) يعني الكذب,( وَالْعِصْيَانَ ) يعني ركوب ما نهى الله عنه في خلاف أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وتضييع ما أمر الله به ( أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) يقول: هؤلاء الذين حبَّب الله إليهم الإيمان, وزيَّنه في قلوبهم, وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون السالكون طريق الحق.

التدبر :

وقفة
[7] ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ﴾ هو ﷺ فينا: سنته، سيرته، أحاديثه، مواقفه، شمائله، كلها بين أيدينا.
وقفة
[7] ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ لنالكم عنت، أي شدَّة ومشقة في كثير من الأمور بطاعته إياكم لو أطاعكم، كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق: إنهم قد ارتدُّوا، ومنعوا الصدقة، وجمعوا الجموع لغزو المسلمين، فغزاهم فقتل منهم، وأصاب من دمائهم وأموالهم، لكان قد قتل وقتلتم منهم من لا يحل له ولا لكم قتله، فنالكم من الله بذلك عنت.
وقفة
[7] عن أبي سعيد الخدري t قال: لما قبض رسول الله ﷺ أنكرنا أنفسنا، وكيف لا نُنكر أنفسنا، والله تعالى يقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾.
وقفة
[7] العاقل من يسير وفق مبادئه العظيمة، لا يساير، ولا يجاري كل أحد على حساب الحق ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾.
وقفة
[7] الاندفاع بلا هدى يجلب العنت والمصائب: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾.
وقفة
[7] ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي: لشقيتم، والعنت المشقة، وإنما قال: لو يطيعكم ولم يقل: لو أطاعكم، للدلالة على أنهم كانوا يريدون استمرار طاعته عليه الصلاة والسلام لهم، والحق خلاف ذلك، وإنما الواجب أن يطيعوه هم لا أن يطيعهم هو؛ وذلك أن رأي رسول الله ﷺ خير وأصوب من رأي غيره، ولو أطاع الناس في رأيهم لهلكوا، فالواجب عليهم الانقياد إليه والرجوع إلى أمره، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾.
وقفة
[7] ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ فالمقصود تعليم المسلمين باتباع ما شرع لهم ﷺ من الأحكام، ولو كانت غير موافقة لرغباتهم.
وقفة
[7] قال أبو سعيد الخدري: قال الله لهم -وهم أصحاب نبيه-: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾، فكيف بمن دونهم من الناس؟! هم أعجز رأيًا!
وقفة
[7] ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإيمانَ﴾ هذا خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبيَّ ﷺ ولا يخبرون بالباطل؛ أي جعل الإيمان أحبَّ الأديان إليكم.
وقفة
[7] ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أعظم الهبات أن يزين الله في روحك الطاعة، وتهفو نفسك للخير.
وقفة
[7] ما أعظمها من نعمة تستحق الحمد كثيرًا! ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
عمل
[7] إذا أعجبت بخبيئتك الصالحة وبهداية تظنها في نفسك؛ اشكر ربك إذ لم يحرمك توفيقه ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
وقفة
[7] من أجل نعم الله على عبده أن يجعله قابلًا للحق مؤْثرًا له، مبغضًا للشر تاركًا له ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
وقفة
[7] فزينة البيوت الحقيقية ساكنوها، وليست قطعة خشب أو لوحة، وزينة ساكنوها إيمان القلب ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
وقفة
[7] من أعظم نعم ﷲ على العبد: انشراح صدره باﻹيمان والاعتزاز به، وبغضه للكفر والعصيان ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
وقفة
[7] ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ على المسلم والمسلمة مشاهدة منَّة الله في الهداية.
وقفة
[7] ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ تعريض لطيف بأن الذين لا يطيعون الرسول ﷺ فيهم بقية من الكفر والفسوق والعصيان.
تفاعل
[7] تحبيب الإيمان والعمل الصالح وكره الكفر والفسوق منة يهبها الله لمن يشاء من عباده، فادعُ الله بذلك ﴿وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾.
عمل
[7] في بداية جهاد الصحابة في ذات الله وجدوا مشقة وحرج، بل قد كرهته النفوس كما قال الله ﴿كتب عليكم القتال وهو كره لكم﴾ [البقرة: 216]، ثم دارت الأيام وإذا بالقوم كما حكى الله عنهم: ﴿تولوا وأعينهم تفيض من الدمع﴾ [التوبة: 92]، ذلك لأن: ﴿الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم﴾، ولولاه صل الله عليه وسلم لما حصل ما قد سمعت من تضحياتهم، وأنت كذلك ما أعظم فضله عليك! فكل طاعة تعملها هو (حَبَّبَ)، وكل معصية تتجنبها هو (كَرَّهَ)، ولولا الله وتوفيقه لنا لتخبطنا في ظلمات الكفر والشك، فاللهم لك الحمد أن هديتنا للإسلام والسُّنة، فإذا داخل العجب نفسك لطاعة عملتها فتذكر الآية، وأي شيء تكون لولا ذلك؟
عمل
[7] ﴿حبب إليكم الإيمان﴾ حَبِّب الناس في العلم والإيمان والعمل الصالح واستدرجهم إلى ذلك ؛ كما حبب الله إليك الإيمان، ولا تتعالَ بشيء وهبه الله لك من الإيمان والعلم، واحمل الناس على ذلك بلينٍ بلا تمييع، وحزم بلا غلظة. مثال: من أكبر النعم أن تجد حلاوة كلام الله، فكما تلذذت أنت به؛ فدل الناس إلى ذلك. وكما أن هذا الفسوق الذي تطير إليه أفئدة متبعي الهوى، كم هو مكروه لدى نفسك الطاهرة؛ فكرِّه الناس في ذلك أيضًا.
وقفة
[7] ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ المؤمن يرى (الْإِيمَانَ) جميلًا بكل تفاصيله فرائضه ونوافله.
وقفة
[7] جمال الإنسان وزينته في إيمانه، قال تعالى: ﴿حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم﴾ وصح من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ» [النسائي 3/55، وصححه الألباني].
وقفة
[7] حب الطاعة نعمة لا يُوفق الله إليها إلا من يحبه: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾، ومن كرهه صرفه عنها: ﴿كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ [التوبة: 46].
وقفة
[7] ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (وزينه) من الزينة، فرح اﻹنسان بإيمانه كفرح صاحب الزينة حينما يشاهد زينته.
وقفة
[7] ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ إن قلتَ: ما فائدةُ الجمعِ بين الفِسْقِ والعصيانِ؟ قلتُ: الفسوقُ: الكذبُ، كما نُقل عن ابن عباس، والعصيانُ: بقيَّةُ المعاصي، وإنما أفردَ الكذبَ بالذِّكر؛ لأنه سببُ نزول هذه الآية. وقيل: الفسوقُ: الكبيرةُ، والعصيانُ: الصغيرة.
وقفة
[7] ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ من لوازم كره الكفر والفسق والعصيان: الاستعاذة منها, منع الكفر والعصيان والفسق وإنكاره, البراءة من أهلها على قدر منكرهم.
وقفة
[7] ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ الرشد: الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه، والذي أنتج الرشاد: متابعة الحق، فإن الله تكفَّل لمن تعمَّد الخيرَ وجاهد نفسه على البرِّ بإصابة الصواب وإحكام المساعي المنافي للندم ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69].
وقفة
[7] ﴿أولئك هم الراشدون﴾ من كان قلبه محبًّا للإيمان مزدانًا به كارهًا للكفر والفسوق والعصيان؛ فقد بلغ الرشد الحقيقي.
وقفة
[7] أمر الله باتباعه ﷺ وخلفائه الراشدين وأصحابه المهديين ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.
وقفة
[7] لم يشهد الله لأمة بالرضا والفلاح والرشد والخيرية كما شهد للصحابة ﴿أُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَاعْلَمُوا:
  • الواو استئنافية. اعلموا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. و «ان» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي اعلم.
  • ﴿ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. فيكم: جار ومجرور متعلق بخبرها المقدم. والميم علامة جمع الذكور. رسول: اسم «ان» منصوب بالفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ:
  • الجملة في محل نصب حال من احد الضميرين في «فيكم» المستتر المرفوع او البارز المجرور و «لو» حرف شرط‍ غير جازم دخلت على المضارع الفعل المضارع «يطيع» وصرف الى معنى المضي في هذه الآية. يطيع:فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم للجمع.
  • ﴿ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ:
  • جار ومجرور متعلق بيطيع. من الامر: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «كثير».
  • ﴿ لَعَنِتُّمْ:
  • اللام واقعة في جواب «لو».عنتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور وجملة «لعنتم» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. بمعنى: لوقعتم في العنت اي المشقة والهلاك.
  • ﴿ وَلكِنَّ اللهَ:
  • الواو استدراكية. لكن: حرف مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة:اسمها منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لكن».حبب:فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.إليكم: جار ومجرور متعلق بحبب والميم علامة جمع الذكور اي الى بعضكم.الا ان صفتهم المفارقة لصفة غيرهم اغنت عن ذكر البعض وهذا من ايجازات القرآن الكريم. الايمان: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ:
  • معطوفة بالواو على حَبَّبَ إِلَيْكُمُ» وتعرب اعرابها والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور والهاء في «زينه» ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والجار والمجرور فِي قُلُوبِكُمْ» متعلق بزينه.
  • ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ
  • معطوفة بالواو على حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ» وتعرب اعرابها
  • ﴿ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ:
  • معطوفتان بواوي العطف على «الكفر» وتعربان اعرابها
  • ﴿ أُولئِكَ:
  • اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب
  • ﴿ هُمُ الرّاشِدُونَ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر «اولئك».هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. الراشدون: خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى بَنِي المُصْطَلِقِ مُصَدِّقًا، وكانَ بَيْنَهُ وبَيْنَهم عَداوَةٌ في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا سَمِعَ القَوْمُ بِهِ تَلَقَّوْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعالى ولِرَسُولِهِ، فَحَدَّثَهُ الشَّيْطانُ أنَّهم يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، فَهابَهم، فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَ: إنَّ بَنِي المُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقاتِهِمْ وأرادُوا قَتْلِي. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهَمَّ بِغَزْوِهِمْ، فَبَلَغَ القَوْمَ رُجُوعُهُ، فَأْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقالُوا: سَمِعْنا بِرَسُولِكَ فَخَرَجْنا نَتَلَقّاهُ ونُكْرِمُهُ ونُؤَدِّي إلَيْهِ ما قَبِلْنا مِن حَقِّ اللَّهِ تَعالى، فَبَدا لَهُ في الرُّجُوعِ، فَخَشِينا أنْ يَكُونَ إنَّما رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتابٌ جاءَهُ مِنكَ بِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنا، وإنّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِن غَضَبِهِ وغَضَبِ رَسُولِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾ . يَعْنِي الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ.أخْبَرَنا الحاكِمُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الشّاذْياخِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيّا الشَّيْبانِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سابِقٍ، قالَ: حَدَّثَنا عِيسى بْنُ دِينارٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبِي، أنَّهُ سَمِعَ الحارِثَ بْنَ ضِرارٍ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَدَعانِي إلى الإسْلامِ، فَدَخَلْتُ في الإسْلامِ وأقْرَرْتُ، ودَعانِي إلى الزَّكاةِ فَأقْرَرْتُ بِها، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أرْجِعُ إلى قَوْمِي فَأدْعُوهم إلى الإسْلامِ وأداءِ الزَّكاةِ، فَمَنِ اسْتَجابَ لِي جَمَعْتُ زَكاتَهُ، فَتُرْسِلُ لِإبّانِ كَذا وكَذا لِآتِيَكَ بِما جَمَعْتُ مِنَ الزَّكاةِ. فَلَمّا جَمَعَ الحارِثُ بْنُ ضِرارٍ مِمَّنِ اسْتَجابَ لَهُ وبَلَغَ الإبّانَ الَّذِي أرادَ أنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الحارِثُ أنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَدَعا سَرَواتِ قَوْمِهِ فَقالَ لَهم: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ كانَ وقَّتَ لِي وقْتًا لِيُرْسِلَ إلَيَّ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكاةِ، ولَيْسَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الخُلْفُ، ولا أرى حَبْسَ رَسُولِهِ إلّا مِن سَخْطَةٍ، فانْطَلِقُوا فَنَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . وبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إلى الحارِثِ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدَهُ مِمّا جَمَعَ مِنَ الزَّكاةِ، فَلَمّا أنْ سارَ الوَلِيدُ حَتّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ فَرَجَعَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الحارِثَ مَنَعَنِي الزَّكاةَ وأرادَ قَتْلِي. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ البَعْثَ إلى الحارِثِ، وأقْبَلَ الحارِثُ بِأصْحابِهِ فاسْتَقْبَلَ البَعْثَ وقَدْ فَصَلَ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَقِيَهُمُ الحارِثُ، فَقالُوا: هَذا الحارِثُ. فَلَمّا غَشِيَهم قالَ لَهم: إلى مَن بُعِثْتُمْ ؟ قالُوا: إلَيْكَ. قالَ: ولِمَ ؟ قالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ بَعَثَ إلَيْكَ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَزَعَمَ أنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَهُ. قالَ: لا والَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ ما رَأيْتُهُ ولا أتانِي. فَلَمّا أنْ دَخَلَ الحارِثُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”مَنَعْتَ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي ؟“ . فَقالَ: لا والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما رَأيْتُ رَسُولَكَ ولا أتانِي، ولا أقْبَلْتُ إلّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُكُ خَشْيَةَ أنْ يَكُونَ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ. قالَ: فَنَزَلَتْ في الحُجُراتِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ . إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ ونِعْمَةً واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     وبعد الأمرِ بالتثبتِ من الأخبارِ، وعدمِ سماعِ الإشاعاتِ؛ جاء هنا تذكيرُ المومنين بوجودِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بينَهُم، فلا يتسرعُوا في إصدارِ الأحكامِ، قال تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [8] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ ..

التفسير :

[8] وهذا الخير الذي حصل لهم فضل من الله عليهم ونعمة. والله عليم بمن يشكر نعمه، حكيم في تدبير أمور خلقه.

{ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} أي:ذلك الخير الذي حصل لهم، هو بفضل الله عليهم وإحسانه، لا بحولهم وقوتهم.

{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي:عليم بمن يشكر النعمة، فيوفقه لها، ممن لا يشكرها، ولا تليق به، فيضع فضله، حيث تقتضيه حكمته.

وقوله- سبحانه-: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً.. تعليل لما منّ به- سبحانه- عليهم من تزيين الإيمان في قلوبهم. أى: فعل ما فعل من تحبيب الإيمان إليكم، ومن تبغيض الكفر إلى قلوبكم، لأجل فضله عليكم، ورحمته بكم، وإنعامه عليكم بالنعم التي لا تحصى.

وَاللَّهُ- تعالى- عَلِيمٌ بكل شيء حَكِيمٌ في كل أفعاله وأقواله وتصرفاته.

وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد رسمت للمؤمنين أحكم الطرق في تلقى الأخبار، وأرشدتهم إلى مظاهر فضله عليهم، لكي يستمروا على شكرهم له وطاعتهم لرسله.

ثم انتقلت السورة إلى دائرة أوسع وأرحب، فدعت المؤمنين إلى التدخل بين الطوائف المتنازعة لعقد المصالحة بينها، وإلى قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى حكم الله- تعالى- فقال- سبحانه-:

ثم قال : ( فضلا من الله ونعمة ) أي : هذا العطاء الذي منحكموه هو فضل منه عليكم ونعمة من لدنه ، ( والله عليم حكيم ) أي : عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ، حكيم في أقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره .

وقوله ( فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ) يقول: ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان, وأنعم عليكم هذه النعمة التي عدّها فضلا منه, وإحسانا ونعمة منه أنعمها عليكم ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) يقول: والله ذو علم بالمحسن منكم من المسيء, ومن هو لنعم الله وفضله أهل, ومن هو لذلك غير أهل, وحكمة في تدبيره خلقه, وصرفه إياهم فيما شاء من قضائه.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ )... حتى بلغ ( لَعَنِتُّمْ ) هؤلاء أصحاب نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, لو أطاعهم نبيّ الله في كثير من الأمر لعنتم, فأنتم والله أسخف رأيا, وأطيش عقولا اتهم رجل رأيه, وانتصح كتاب الله, وكذلك كما قلنا أيضا في تأويل قوله ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ ) قالوا .

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) قال: حببه إليهم وحسَّنه في قلوبهم.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ) قالوا أيضا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ ) قال: الكذب والعصيان; قال: عصيان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) من أين كان هذا؟ قال: فضل من الله ونعمة; قال: والمنافقون سماهم الله أجمعين في القرآن الكاذبين; قال: والفاسق: الكاذب في كتاب الله كله.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[8] حبب إلى أوليائه الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ثم قال: ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَنِعْمَةً﴾، الحمد لله، يعطيك النعمة التي بها نجاتك، ثم يثني عليك بها.
وقفة
[8] ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ حب الإيمان وكراهية العصيان فضل من الله لا فضل منكم، ونعمة منه سبحانه غير متعلقة بتقواكم أو صلاحكم.
وقفة
[8] ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ اختيار الله لفريق من عباده، ليشرح صدورهم للإيمان، ويحرِّك قلوبهم إليه، ويزيِّنه لهم فتهفو إليه أرواحهم، وتدرك ما فيه من جمال وخير، هذا الاختيار فضل من الله ونعمة، دونهما كل فضل وكل نعمة، حتى نعمة الوجود والحياة أصلًا، تبدو في حقيقتها أقل من نعمة الإيمان وأدني.

الإعراب :

  • ﴿ فَضْلاً مِنَ اللهِ:
  • مفعول له-من اجله او لاجله-منصوب وعلامة نصبه الفتحة او مفعول مطلق منصوب على المصدر من غير فعله يوضع موضع «رشدا» لان رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه والفضل والنعمة بمعنى الافضال والانعام اي تفضل عليكم. من الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة للموصوف «فضلا».
  • ﴿ وَنِعْمَةً:
  • معطوفة بالواو على «فضلا» وتعرب اعرابها بمعنى ونعمة منه لكم او وأنعم نعمة.
  • ﴿ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
  • اعربت في الآية الكريمة الخامسة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى بَنِي المُصْطَلِقِ مُصَدِّقًا، وكانَ بَيْنَهُ وبَيْنَهم عَداوَةٌ في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا سَمِعَ القَوْمُ بِهِ تَلَقَّوْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعالى ولِرَسُولِهِ، فَحَدَّثَهُ الشَّيْطانُ أنَّهم يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، فَهابَهم، فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَ: إنَّ بَنِي المُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقاتِهِمْ وأرادُوا قَتْلِي. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهَمَّ بِغَزْوِهِمْ، فَبَلَغَ القَوْمَ رُجُوعُهُ، فَأْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقالُوا: سَمِعْنا بِرَسُولِكَ فَخَرَجْنا نَتَلَقّاهُ ونُكْرِمُهُ ونُؤَدِّي إلَيْهِ ما قَبِلْنا مِن حَقِّ اللَّهِ تَعالى، فَبَدا لَهُ في الرُّجُوعِ، فَخَشِينا أنْ يَكُونَ إنَّما رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتابٌ جاءَهُ مِنكَ بِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنا، وإنّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِن غَضَبِهِ وغَضَبِ رَسُولِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾ . يَعْنِي الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ.أخْبَرَنا الحاكِمُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الشّاذْياخِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيّا الشَّيْبانِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سابِقٍ، قالَ: حَدَّثَنا عِيسى بْنُ دِينارٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبِي، أنَّهُ سَمِعَ الحارِثَ بْنَ ضِرارٍ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَدَعانِي إلى الإسْلامِ، فَدَخَلْتُ في الإسْلامِ وأقْرَرْتُ، ودَعانِي إلى الزَّكاةِ فَأقْرَرْتُ بِها، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أرْجِعُ إلى قَوْمِي فَأدْعُوهم إلى الإسْلامِ وأداءِ الزَّكاةِ، فَمَنِ اسْتَجابَ لِي جَمَعْتُ زَكاتَهُ، فَتُرْسِلُ لِإبّانِ كَذا وكَذا لِآتِيَكَ بِما جَمَعْتُ مِنَ الزَّكاةِ. فَلَمّا جَمَعَ الحارِثُ بْنُ ضِرارٍ مِمَّنِ اسْتَجابَ لَهُ وبَلَغَ الإبّانَ الَّذِي أرادَ أنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الحارِثُ أنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَدَعا سَرَواتِ قَوْمِهِ فَقالَ لَهم: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ كانَ وقَّتَ لِي وقْتًا لِيُرْسِلَ إلَيَّ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكاةِ، ولَيْسَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الخُلْفُ، ولا أرى حَبْسَ رَسُولِهِ إلّا مِن سَخْطَةٍ، فانْطَلِقُوا فَنَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . وبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إلى الحارِثِ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدَهُ مِمّا جَمَعَ مِنَ الزَّكاةِ، فَلَمّا أنْ سارَ الوَلِيدُ حَتّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ فَرَجَعَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الحارِثَ مَنَعَنِي الزَّكاةَ وأرادَ قَتْلِي. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ البَعْثَ إلى الحارِثِ، وأقْبَلَ الحارِثُ بِأصْحابِهِ فاسْتَقْبَلَ البَعْثَ وقَدْ فَصَلَ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَقِيَهُمُ الحارِثُ، فَقالُوا: هَذا الحارِثُ. فَلَمّا غَشِيَهم قالَ لَهم: إلى مَن بُعِثْتُمْ ؟ قالُوا: إلَيْكَ. قالَ: ولِمَ ؟ قالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ بَعَثَ إلَيْكَ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَزَعَمَ أنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَهُ. قالَ: لا والَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ ما رَأيْتُهُ ولا أتانِي. فَلَمّا أنْ دَخَلَ الحارِثُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”مَنَعْتَ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي ؟“ . فَقالَ: لا والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما رَأيْتُ رَسُولَكَ ولا أتانِي، ولا أقْبَلْتُ إلّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُكُ خَشْيَةَ أنْ يَكُونَ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ. قالَ: فَنَزَلَتْ في الحُجُراتِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إن جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ . إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ ونِعْمَةً واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ التَّحبيبَ والتَّزيينَ والتَّكريهَ، وما أنتَجَه مِن الرَّشادِ؛ ذكَرَ عِلَّتَه؛ إعلامًا بأنَّه تعالى لا يَجِبُ عليه شَيءٌ؛ حثًّا على الشُّكرِ، قال تعالى:
﴿ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [9] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ..

التفسير :

[9] وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا -أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والرضا بحكمهما، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله، فإن رجعت فأصلح

هذا متضمن لنهي المؤمنين، [عن] أن يبغي بعضهم على بعض، ويقاتلبعضهم بعضًا، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير، بالإصلاح بينهم، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك، فإن صلحتا، فبها ونعمت، وإن{ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي:ترجع إلى ما حد الله ورسوله، من فعل الخير وترك الشر، الذي من أعظمه، الاقتتال، [وقوله]{ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح، فإن الصلح، قد يوجد، ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به، فيجب أن لا يراعى أحدهما، لقرابة، أو وطن، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض، التي توجب العدول عن العدل،{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي:العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات، التي تولوها، حتى إنه، قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله، وعياله، في أدائه حقوقهم، وفي الحديث الصحيح:"المقسطون عند الله، على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما ولوا"

وقد ذكروا في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها: ما رواه الإمام أحمد عن أنس قال:

قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أتيت عبد الله بن أبى؟ فانطلق إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما انطلق إليه- عليه الصلاة والسلام- قال: إليكم عنى، فو الله لقد آذاني ريح حمارك. فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك.

قال: فغضب لعبد الله رجال من قومه، وغضب للأنصارى أصحابه. قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى.. فبلغنا أنه أنزلت فيهم وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... .

والخطاب في الآية لأولى الأمر من المسلمين، والأمر في قوله فَأَصْلِحُوا للوجوب، والطائفة: الجماعة من الناس.

أى: وإن حدث قتال بين طائفتين من المؤمنين، فعليكم يا أولى الأمر من المؤمنين أن تتدخلوا بينهما بالإصلاح، عن طريق بذل النصح، وإزالة أسباب الخلاف.

والتعبير «بإن» للإشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين، فإن وقع على سبيل الندرة، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته.

وجاء «اقتتلوا» بلفظ الجمع، لأن لفظ الطائفة وإن كان مفردا في اللفظ إلا أنه جمع في المعنى، فروعى فيه المعنى هنا. وروعي فيه اللفظ في قوله بَيْنَهُما.

قالوا: والنكتة في ذلك أنهم في حال القتال يكونون مختلطين فلذا جاء الأسلوب بصيغة الجمع، وفي حال الصلح يكونون متميزين متفرقين فلذا جاء الأسلوب بصيغة التثنية.

ثم بين- سبحانه- حكمه في حال اعتداء إحداهما على الأخرى فقال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ.

والبغي: التعدي وتجاوز الحد والامتناع عن قبول الصلح المؤدى إلى الصواب.

أى: فإن بغت إحدى الطائفتين على الأخرى، وتجاوزت حدود العدل والحق، فقاتلوا- أيها المؤمنون- الفئة الباغية، حتى تفيء وترجع إلى حكم الله- تعالى- وأمره، وحتى تقبل الصلح الذي أمرناكم بأن تقيموه بينهم.

وقوله: فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه مع الفئة الباغية، إذا ما قبلت الصلح ورجعت إلى حكم الله- تعالى-.

أى: فإن رجعت الفئة الباغية عن بغيها، وقبلت الصلح، وأقلعت عن القتال، فأصلحوا بين الطائفتين إصلاحا متسما بالعدل التام وبالقسط الكامل.

وقيد- سبحانه- الإصلاح بالعدل. ثم أكد ذلك بالأمر بالقسط حتى يلتزم الذين يقومون بالصلح بينهما العدالة التي لا يشوبها أى حيف أو جور على إحدى الطائفتين.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ تذييل المقصود به حض المؤمنين على التقيد بالعدل في أحكامهم، لأن الله- تعالى- يحب من يفعل ذلك.

يقول تعالى آمرا بالإصلاح بين المسلمين الباغين بعضهم على بعض : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) ، فسماهم مؤمنين مع الاقتتال . وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت ، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم . وهكذا ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن ، عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ، فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول : " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . فكان كما قال ، صلوات الله وسلامه عليه ، أصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق ، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة .

وقوله : ( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) أي : حتى ترجع إلى أمر الله وتسمع للحق وتطيعه ، كما ثبت في الصحيح عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " . قلت : يا رسول الله ، هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال : " تمنعه من الظلم ، فذاك نصرك إياه " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر قال : سمعت أبي يحدث : أن أنسا قال : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو أتيت عبد الله بن أبي ؟ فانطلق إليه نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وركب حمارا ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة ، فلما انطلق إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إليك عني ، فوالله لقد آذاني ريح حمارك " فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك . قال : فغضب لعبد الله رجال من قومه ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه ، قال : فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنه أنزلت فيهم : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )

ورواه البخاري في " الصلح " عن مسدد ، ومسلم في " المغازي " عن محمد بن عبد الأعلى ، كلاهما عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، به نحوه .

وذكر سعيد بن جبير : أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ، فأنزل الله هذه الآية ، فأمر بالصلح بينهما .

وقال السدي : كان رجل من الأنصار يقال له : " عمران " ، كانت له امرأة تدعى أم زيد ، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها . وإن المرأة بعثت إلى أهلها ، فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها ، وإن الرجل قد كان خرج ، فاستعان أهل الرجل ، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال ، فنزلت فيهم هذه الآية . فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصلح بينهم ، وفاءوا إلى أمر الله .

وقوله : ( فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) أي : اعدلوا بينهم فيما كان أصاب بعضهم لبعض ، بالقسط ، وهو العدل ، ( إن الله يحب المقسطين )

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن ، بما أقسطوا في الدنيا " .

ورواه النسائي عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، به . وهذا إسناده جيد قوي ، رجاله على شرط الصحيح .

وحدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا " .

ورواه مسلم والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ، به .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)

يقول تعالى ذكره: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا, فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله, والرضا بما فيه لهما وعليهما, وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى ) يقول: فإن أبَت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله له, وعليه وتعدّت ما جعل الله عدلا بين خلقه, وأجابت الأخرى منهما( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ) يقول: فقاتلوا التي تعتدي, وتأبى الإجابة إلى حكم الله ( حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) يقول: حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه ( فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ) يقول: فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه, فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى التي قاتلتها بالعدل: يعني بالإنصاف بينهما, وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه.

وينحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) فإن الله سبحانه أمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله, وينصف بعضهم من بعض, فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله, حتى ينصف المظلوم من الظالم, فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ, فحقّ على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم, حتى يفيئوا إلى أمر الله, ويقرّوا بحكم الله.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا )... إلى آخر الآية, قال: هذا أمر من الله أمر به الوُلاة كهيئة ما تكون العصبة بين الناس, وأمرهم أن يصلحوا بينهما, فإن أبوْا قاتل الفئة الباغية, حتى ترجع إلى أمر الله, فإذا رجعت أصلحوا بينهما, وأخبروهم أن المؤمنين إخوة, فأصلحوا بين أخويكم; قال: ولا يقاتل الفئة الباغية إلا الإمام.

وذُكر أن هذه الآية نـزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه, مما سأذكره إن شاء الله تعالى.

* ذكر الرواية بذلك:

حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا معتمر بن سليمان, عن أبيه, عن أنس, قال: قيل للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لو أتيت عبد الله بن أُبيّ, قال: فانطلق إليه وركب حمارا, وانطلق المسلمون, وهي أرض سبخة; فلما أتاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: إليك عني, فوالله لقد آذاني نتن حمارك, فقال رجل من الأنصار: والله لنتن حمار رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أطيب ريحا منك, قال: فغضب لعبد الله بن أُبيّ رجل من قومه قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه, قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال, فبلغنا أنه نـزلت فيهم ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ).

حدثني أبو حُصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: ثنا عبثر, قال: ثني حصين, عن أبي مالك في قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) قال: رجلان اقتتلا فغضب لذا قومه, ولذا قومه, فاجتمعوا حتى اضربوا بالنعال حتى كاد يكون بينهم قتال, فأنـزل الله هذه الآية.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا هشيم, عن حصين, عن أبي مالك, في قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) قال: كان بينهم قتال بغير سلاح.

حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن أبي مالك, في قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) قال: كانا حيين من أحياء الأنصار, كان بينهما تنازع بغير سلاح.

حدثنا ابن حُمَيد, قال: أخبرنا جرير, عن منصور, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) قال: كان قتالهم بالنعال والعصيّ, فأمرهم أن يصلحوا بينهم.

قال: ثنا مهران, قال: ثنا المُبارك بن فَضَالة, عن الحسن ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) قال: كانت تكون الخصومة بين الحيين, فيدعوهم إلى الحكم, فيأبَوْن أن يجيبوا فأنـزل الله : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) يقول: ادفعوهم إلى الحكم, فكان قتالهم الدفع.

قال: ثنا مهران, قال: ثنا سفيان, عن السديّ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) قال: كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد, تحت رجل, فكان بينها وبين زوجها شيء, فرقاها إلى علية, فقال لهم: احفظوا, فبلغ ذلك قومها, فجاءوا وجاء قومه, فاقتتلوا بالأيدي والنعال فبلغ ذلك النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فجاء ليصلح بينهم, فنـزل القرآن ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى ) قال: تبغي: لا ترضى بصلح رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, أو بقضاء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) قال: الأوس والخزرج اقتتلوا بالعصيّ بينهم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا )... الآية, ذُكر لنا أنها نـزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مدارأة في حقّ بينهما, فقال أحدهما للآخر: لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته, وأن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأبى أن يتبعه, فلم يزل الأمر حتى تدافعوا, وحتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال, ولم يكن قتال بالسيوف, فأمر الله أن تُقاتل حتى تفيء إلى أمر الله, كتاب الله, وإلى حكم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; وليست كما تأوّلها أهل الشبهات, وأهل البدع, وأهل الفراء على الله وعلى كتابه, أنه المؤمن يحلّ لك قتله, فوالله لقد عظَّم الله حُرمة المؤمن حتى نهاك أن تظنّ بأخيك إلا خيرا, فقال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... الآية.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, أن قوما من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضطربوا بالنعال والأيدي, فأنـزل الله فيهم ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) قال قتادة: كان رجلان بينهما حقّ, فتدارءا فيه, فقال أحدهما: لآخذنَّه عنوة, لكثرة عشيرته; وقال الآخر: بيني وبينك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والأيدي.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال: ثني عبد الله بن عباس, قال: قال زيد, في قول الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) , وذلك الرجلان يقتتلان من أهل الإسلام, أو النفر والنفر, أو القبيلة والقبيلة; فأمر الله أئمة المسلمين أن يقضوا بينهم بالحقّ الذي أنـزله في كتابه: إما القصاص والقود, وإمَّا العقل والعير, وإمَّا العفو,( فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى ) بعد ذلك كان المسلمون مع المظلوم على &; 22-296 &; الظالم, حتى يفيء إلى أمر الله, ويرضى به.

حدثنا ابن البرقي, قال: ثنا ابن أبي مريم, قال: أخبرنا نافع بن يزيد, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: ثني ابن شهاب وغيره: يزيد في الحديث بعضهم على بعض, قال: " جلس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في مجلس فيه عبد الله بن رواحة, وعبد الله بن أُبيّ بن سلول: فلما ذهب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال عبد الله بن أُبيّ بن سلول: لقد آذانا بول حماره, وسدّ علينا الروح, وكان بينه وبين ابن رواحة شيء حتى خرجوا بالسلاح, فأتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأتاهم, فحجز بينهم, فلذلك يقول عبد الله بن أُبيّ:

مَتـى مـا يَكُـنْ مَوْلاكَ خَصْمَكَ جاهدا

تُظَلَّــم وَيَصْـرَعْكَ الَّـذينَ تُصَـارِعُ (2)

قال: فأنـزلت فيهم هذه الآية ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ).

وقوله ( وَأَقْسِطُوا ) يقول تعالى ذكره: واعدلوا أيها المؤمنون في حكمكم بين من حكمتم بينهم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) يقول: إن الله يحب العادلين في أحكامهم, القاضين بين خلقه بالقسط.

------------------------

الهوامش:

(2) البيت لعبد الله بن أبي بن سلول ، كما عزاه المؤلف . وقد وردت قصيدة ابن سلول هذه في السيرة لابن هشام الطبعة الأولى بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة 2 : 236 ، 237 . وورد في أثنائها البيت ومعه بيت آخر ، رواه ابن هشام عن غير ابن إسحاق وهما :

متـى مـا يكن مولاك خصمك لا تـزل

تــذل ويصـرعك الـذين تصــارع

وهـل ينهـض البـازي بغـير جناحه

وإن جـذ يومـا ريشـه فهـو واقـع

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارًا ، قاصدًا إلى سعد بن عبادة يعوده من شكو أصابه ، فمر بطريقه بأطم ابن سلول ، فنزل يسلم عليه ، وتلا عنده شيئا من القرآن . فكلم رسول الله كلامًا خشنًا ، ونهاه أن يغشى مجالس الأنصار ، ويعرض عليهم القرآن . وكان ابن رواحة حاضرًا ، فتلطف برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : بلى فاغشنا به ، وائتنا في مجالسنا ودورنا وبيوتنا ، هو والله مما نحب ، ومما أكرمنا الله به ، وهدانا له ، فقال ابن أبي حين رأى من خلاف قومه ما رأى ... البيتين .

التدبر :

لمسة
[9] ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ التعبير بقوله: (وَإِن) للإشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين، فإن وقع فعلى سبيل الندرة، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته.
وقفة
[9] ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ سئل الحسن البصري عن القتال بين الصحابة فقال: «شهد أصحاب محمد وغبنا، وعلموا وجهلنا».
وقفة
[9] ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ بهذه الآية يُستدل على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية، وأن مرتكب الكبيرة ليس بكافر، وإن عظمت ذنوبه لا كما يقوله الخوارج، ففي هذه الآية أثبت الله لهم الإيمان مع اقتتالهم.
وقفة
[9] ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ قال القرطبي: «لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خَطَأٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، إِذْ كَانُوا كُلَّهُمُ اجْتَهَدُوا فِيمَا فَعَلُوهُ وَأَرَادُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ كُلُّهُمْ لَنَا أَئِمَّةٌ، وَقَدْ تَعَبَّدْنَا بِالْكَفِّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَأَلَّا نَذْكُرَهُمْ إِلَّا بِأَحْسَنَ الذِّكْرِ، لِحُرْمَةِ الصُّحْبَةِ وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُمْ، وَأَخْبَرَ بِالرِّضَا عَنْهُمْ».
وقفة
[9] ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ اقتتلوا وسمَّاهم إخوة، والبعض لأتفه الأسباب يقطع حبل الأُخوَّة!
وقفة
[9] ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ وجوب الإصلاح بين من يتقاتل من المسلمين، ومشروعية قتال الطائفة التي تصر على الاعتداء وترفض الصلح.
وقفة
[9] إذا تنازعت طائفتان من المؤمنين، فلا يلزم أن تكون رقمًا في أحد الطائفتين، بل كن الطرف الثالث المصلح: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما﴾.
وقفة
[9] في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان؛ لأن الله تعالي سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين، قال الحارث الأعور: «سئل على ابن أبي طالب، عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا، فقيل: أمنافقون؟ قال: لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، قيل له: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا».
وقفة
[9] ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ هذه الآية خصت عموم قوله ﷺ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» [البخاري 31].
وقفة
[9] ﴿فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا﴾ لم يأمر بالإصلاح بين المؤمنين فحسب، بل أمر بالعدل والقسط في الإصلاح، فرب إصلاحٍ فيه جور وظلم على أحدهما.
وقفة
[9] ﴿وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أكثر الأخلاق ذكرًا في القرآن: العدل وترك الظلم فقد ورد ٣٥٠ مرة، ولن نكون أمة قرآنية مالم يكن العدل مطلبنا الأول.
وقفة
[9] ﴿وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ حين تعدل في قولك ربما تغضب الطرفين ولا يحبونك، يعوضك عن محبتهم أن يحبك الله.
وقفة
[9] ﴿وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» [مسلم 1827].
تفاعل
[9] ﴿وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من المقسطين.
عمل
[9] عليك بالعدل والقسط في جميع شؤونك ﴿وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
وقفة
[9] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ فإذا أحبهم الله أحبهم الناس, النفوس مولعة بحب الذين يتحرون العدالة في آرائهم ولا يستبقون الأحكام.
وقفة
[9] ﴿إن الله يحب المقسطين﴾ كلمة عدل قد تفقدك بعض محبيك، لكن الله من أجلها قد أحبك.
عمل
[9] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ كلُّ قضيةٍ تَعدلُ فيها برأيك أو قلمك أو صوتك؛ اِستشعرْ أنّ اللهَ بعدها سيُحبُّك.
وقفة
[9، 10] بعض الأحبة يهجرك ويعاديك ﻷسباب يسيرة، بينما الصلح طلب من المتقاتلين: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما﴾، وتأمل اختلفوا حتى اقتتلوا، ومع ذلك قال الله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾.
وقفة
[9، 10] رفعت السيوف وسالت الدماء: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾، والرحيم يعاتب: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، ويبين: ﴿فأصلحوا بين أخويكم﴾؛ العفو صنيع الكرام.
اسقاط
[9، 10] ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ ﴿فأصلحوا بين أخويكم﴾ مع القتال بقيت الأخوة! لماذا يا صديقي تنسى أخوتنا وخلافنا يسير؟!
وقفة
[9، 10] من أعظم القربات: الإصلاح بين الجماعات: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا﴾ والأفراد: ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنْ طائِفَتانِ:
  • الواو استئنافية. ان: حرف شرط‍ جازم. طائفتان:فاعل مرفوع لفعل محذوف-مضمر-يفسره الفعل المذكور بعده. التقدير:وان اقتتلت طائفتان لان «ان» الشرطية لا تدخل على الجمل الاسمية فاذا وليها الاسم المرفوع كان فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده وعلامة رفع الاسم الالف لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد.
  • ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من طائفتين. وعلامة جر الاسم الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ اقْتَتَلُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجاء الفعل على الجمع لانه محمول على معنى «الطائفتين» دون لفظهما اي في معنى القوم والناس او لان الطائفة لفظها مفرد ومعناها جمع.
  • ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بإن. اصلحوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. بين: مفعول فيه-ظرف مكان-منصوب على الظرفية متعلق بأصلح وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. و «ما» علامة التثنية. والفاء رابطة لجواب الشرط‍.
  • ﴿ فَإِنْ بَغَتْ:
  • الفاء استئنافية. إن: حرف شرط‍ جازم. بغى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بتاء التأنيث الساكنة وتاء التأنيث لا محل لها من الاعراب والفعل في محل جزم بإن لانه فعل الشرط‍ بمعنى فان اعتدت.
  • ﴿ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى:
  • فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر و «هما» اعربت في «بينهما».على الاخرى: جار ومجرور متعلق ببغت وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الالف للتعذر
  • ﴿ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي:
  • تعرب اعراب «فأصلحوا».التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. تبغي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. وجملة «تبغي» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ حَتّى تَفِيءَ:
  • حرف جر للتعليل بمعنى إِلى أَنْ» وتصلح ايضا لمعنى «كي».تفيء: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حتى» وعلامة نصبها الفتحة. وجملة «تفيء» صلة «ان» المضمرة لا محل لها من الاعراب و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بقاتلوا. وفاعل «تفيء» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي
  • ﴿ إِلى أَمْرِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بتفيء. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة بمعنى حتى ترجع الى الحق.
  • ﴿ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما:
  • تعرب إعراب فَإِنْ بَغَتْ». فأصلحوا بينهما: اعربت وهي جواب الشرط‍ في محل جزم بإن.
  • ﴿ بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا:
  • جار ومجرور متعلق بأصلحوا او بحال محذوفة بتقدير:عادلين. واقسطوا: معطوفة بالواو على «اصلحوا» وتعرب اعرابها بمعنى:واعدلوا او وانصفوا بمعنى فان رجعت احداهما الى الحق فأصلحوا بينهما عادلين واقسطوا والفاعل للفعل «فاءت» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.او يكون محذوفا اختصارا لان ما قبله يدل عليه وكذلك حذف الجار والمجرور إِلى أَمْرِ اللهِ» للسبب نفسه.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «إنّ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إنّ».يحب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. المقسطين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

المائدة: 42﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
الحجرات: 9﴿فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
الممتحنة: 8﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ سِنانٍ المُقْرِئُ، قالَ: أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إسْرائِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمانَ، قالَ: سَمِعْتُ أبِي يُحَدِّثُ عَنْ أنَسٍ، قالَ: قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْ أتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ. فانْطَلَقَ إلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَرَكِبَ حِمارًا، وانْطَلَقَ المُسْلِمُونَ يَمْشُونَ، وهي أرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمّا أتاهُ النَّبِيُّ ﷺ قالَ: إلَيْكَ عَنِّي، فَواللَّهِ لَقَدْ آذانِي نَتْنُ حِمارِكَ. فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: واللَّهِ لَحِمارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أطْيَبُ رِيحًا مِنكَ. فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، وغَضِبَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما أصْحابُهُ، فَكانَ بَيْنَهم ضَرْبٌ بِالجَرِيدِ والأيْدِي والنِّعالِ، فَبَلَغَنا أنَّهُ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ: ﴿وإن طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما﴾ .رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، ورَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الأعْلى، كِلاهُما عَنِ المُعْتَمِرِ. '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     ولَمَّا كان نقلُ الأخبارِ الكاذبةِ ربما جَرَّ فتنًا، وأوصلَ إلى القتال؛ انتقلت السورة هنا إلى دائرة أوسع، فدعت المؤمنين إلى التدخل بين الطوائف المتنازعة لعقد الصلح بينهم، قال تعالى:
﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

اقتتلوا:
1- جمعا، حملا على المعنى، لأن الطائفتين فى معنى «القوم» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- اقتتلنا، على لفظ التثنية، وهى قراءة ابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [10] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ ..

التفسير :

[10] إنما المؤمنون إخوة في الدِّين، فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا، وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا.

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له، ما يكرهون لأنفسهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمرًا بحقوق الأخوة الإيمانية:"لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا يبع أحدكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا المؤمن أخو المؤمن، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره"

وقال صلى الله عليه وسلم"المؤمن للمؤمن، كالبنيان يشد بعضه بعضًا"وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه.

ولقد أمر الله ورسوله، بالقيام بحقوق المؤمنين، بعضهم لبعض، وبما به يحصل التآلف والتوادد، والتواصل بينهم، كل هذا، تأييد لحقوق بعضهم على بعض، فمن ذلك، إذا وقع الاقتتال بينهم، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها [وتدابرها]، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم.

ثم أمر بالتقوى عمومًا، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله، الرحمة [ فقال:{ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وإذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين، من أعظم حواجب الرحمة.

وفي هاتين الآيتين من الفوائد، غير ما تقدم:أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا، كان من أكبر الكبائر، وأن الإيمان، والأخوة الإيمانية، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى وجوب الإصلاح، بين المؤمنين بالعدل، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر الله، وعلى أنهم لو رجعوا، لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه، أنه لا يجوز ذلك، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة، دون أموالهم.

وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.. استئناف مقرر لمضمون ما قبله من الأمر بوجوب الإصلاح بين المتخاصمين.

أى: إنما المؤمنون إخوة في الدين والعقيدة، فهم يجمعهم أصل واحد وهو الإيمان، كما يجمع الإخوة أصل واحد وهو النسب، وكما ان أخوة النسب داعية إلى التواصل والتراحم والتناصر في جلب الخير، ودفع الشر، فكذلك الأخوة في الدين تدعوكم إلى التعاطف والتصالح، وإلى تقوى الله وخشيته، ومتى تصالحتم واتقيتم الله- تعالى- كنتم أهلا لرحمته ومثوبته.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فلم خص الاثنان بالذكر دون الجمع في قوله: فأصلحوا بين أخويكم-؟

قلت: لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل، كانت بين الأكثر ألزم، لأن الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين .

هذا، وقد أخذ العلماء من هاتين الآيتين جملة من الأحكام منها:

أن الأصل في العلاقة بين المؤمنين أن تقوم على التواصل والتراحم، لا على التنازع والتخاصم، وأنه إذا حدث نزاع بين طائفتين من المؤمنين، فعلى بقية المؤمنين أن يقوموا بواجب الإصلاح بينهما حتى يرجعا إلى حكم الله- تعالى-.

قال الشوكانى: إذا تقاتل فريقان من المسلمين، فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم، ويدعوهم إلى حكم الله فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى، ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه، كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها، وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة، حتى تخرج من الظلم، وتؤدى ما يجب عليها نحو الأخرى .

ثم وجه- سبحانه- إلى المؤمنين نداء رابعا، نهاهم فيه عن أن يسخر بعضهم من بعض، أو أن يعيب بعضهم بعضا فقال:

وقوله : ( إنما المؤمنون إخوة ) أي : الجميع إخوة في الدين ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " . وفي الصحيح : " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " . وفي الصحيح أيضا : " إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ، ولك بمثله " . والأحاديث في هذا كثيرة ، وفي الصحيح : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " . وفي الصحيح أيضا : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه .

وقال أحمد : حدثنا أحمد بن الحجاج ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، حدثني أبو حازم قال : سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان ، كما يألم الجسد لما في الرأس " . تفرد به ولا بأس بإسناده .

وقوله : ( فأصلحوا بين أخويكم ) يعني : الفئتين المقتتلتين ، ( واتقوا الله ) أي : في جميع أموركم ( لعلكم ترحمون ) ، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) في الدين ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله. ومعنى الأخوين في هذا الموضع: كل مقتتلين من أهل الإيمان, وبالتثنية قرأ ذلك قرّاء الأمصار. وذُكر عن ابن سيرين أنه قرأ بين إخوانكم بالنون على مذهب الجمع, وذلك من جهة العربية صحيح, غير أنه خلاف لما عليه قرّاء الأمصار, فلا أحب القراءة بها( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل, وفي غير ذلك من فرائضه, واجتناب معاصيه, ليرحمكم ربكم, فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه, واتبعتم أمره ونهيه, واتقيتموه بطاعته.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ قال محمد بن مناذر: «كنت أمشي مع الخليل بن أحمد، فانقطع نعلي، فمشيت حافيًا، فخلع نعليه وحملها يمشي معي، فقلت له: ماذا تصنع؟ فقال: أواسيك في الحفاء».
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾﴾ ذكر لأبي عمر المقدسي -وهو أخو ابن قدامة- أن الكفار حاصروا بتنين -قرية من قرى صفد سمرقند-، وكان قائمًا، فغشي عليه من شفقته على المسلمين، وحزنه عليهم.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ قال أبو عثمان البصري: «أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب».
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ على قدر الإيمان تكون الأخوة؛ ولذا قال ﷺ: «مَا تَحَابَّ اثْنَانِ إِلاَّ كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ» [البخاري في الأدب المفرد 544، وصححه الألباني].
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ بقدر طاقة الإيمان في قلوبنا؛ نتخطى الحدود والجنسيات ونحبهم.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ بقدر إيمانهم تكون أخوتهم، ومن ينتهك أخوة الدين لأي اعتبار أخر؛ فإنما هو على حساب إيمانه.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ جاءت بعد آية الاقتتال بين المؤمنين؛ لتدل على أن الخلاف بيننا مهما بلغ فإنَّ الأخوة باقية ما بقي الإيمان.
وقفة
[10] ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ فهم كالجسد الواحد، وأخوة الإيمان والدين أقوى من غيرها وأممية الإسلام أكبر من حدود مرسومة، فلا حدٌّ جغرافي أو فاصل إقليمي، أخوة الدين يجب أن تعظم وتستقر في الأذهان، لا أخوة طين، لا أخوة الجماعة.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ جغرافية القرآن السياسية حيث تتخطى قلوب المؤمنين الحدود.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ جاءت هذه الآية بعد آية اقتتال المؤمنين! مهما اختلفنا؛ تبقى أخي.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ من معاني الأخوة النصرة ولو بالدعاء، اللهم الطف بإخواننا وكن لهم نصيرًا وظهيرًا.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ أي في الدين والحرمة، لا في النسب.
وقفة
[10] إذا مرض المسلم عاده المسلمون، وإذا افتقر أعانوه، وإذا أحسن شكروه، وإذا كان مظلومًا نصروه، وإذا ظَلَم ردعوه، دينهم نصيحة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، أليس الله يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقفة
[10] يقول أحدهم: «لقيت بمنى شابًّا غير عربي، يحمل شيخًا كبيرًا فوق ظهره، فأردت أن أشكره لبره، فقلت: جزيت خيرًا لبرك بأبيك، فقال: لكنه ليس أبي، ولا من بلدي، قلت: فمن إذن؟ قال: وجدته بعرفة ليس معه أحد، فحملته على ظهري إلى مزدلفة، ومنها إلى منى، قلت: لم فعلت ذلك؟! فقال: سبحان الله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾».
وقفة
[10] إن الإسلام لم يضع للمسلم الخيار في الوحدة، بل وضع هذه الوحدة الإسلامية موضع الأسس الكبرى من الدين، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
عمل
[10] زُر صديقًا أو ساعده في قضاء حاجته, وادع له بالتوفيق حتى تحقق معاني الأخوة التي أمر الله بها ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقفة
[10] التعارف والتواد بين الناس ضربان خاصان في المحبة واﻷخوة ليس لهما ضريب، فهما اللذان يلتقي بهما مؤمنان يتمم كل منهما اﻵخر ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقفة
[10] مقتضى الأخوة ألا يعتدي بعضنا على بعض، وألا يبغي بعضنا على بعض، وأن نكون أمة واحدة غير متفرقة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقفة
[10] أسمىٰ علاقة على وجه الأرض علاقة المؤمنين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقفة
[10] ملخص الأخوة الإيمانية: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ علاقة الإيمان أقوى علاقة على وجه الأرض، ورجلان تحابَّا في الله، لا لشيء، فقط في الله ولله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه.
وقفة
[10] سلامة القلب ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، يقول ابن عباس t: «وإني لأسمع أنَّ الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، وما لي به سائمة».
وقفة
[10] ليس المهم متى نطرق أبواب بعض، المهم أن لا نغلقها بوجه بعض، اختلف الشافعي ذات يوم مع أحد جلسائه في مسألة، ثم انفض المجلس، فإذا به يأتي دار صاحبه، ويقرع بابه ليقول له: «ألا يسعنا أن نكون إخوانًا وإن اختلفنا في مسألة؟!» رحمه الله أراد أن لا يخسر رأيه، ويحتفظ بأخيه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقفة
[10] لا يعني إن خالفتك أني أكرهك، بل أرجو لك الخير، ولا أبخسك حقك، وقد أكون فوق هذا أحبك حتى ولو خالفتك كما أمرني الله عز وجل: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾.
وقفة
[10] ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ هل يجتمع في الشخص أسباب الحب وأسباب البغض في نفس الوقت؟ فإذا كان كذلك فما العمل؟ قال ابن تيمية: «وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه».
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ نحن نفتقد لهيئة فكرية تسعى لرأب الصدع وترميم تشققات قلوبنا من القاع إلى القمة.
عمل
[10] أصلح بين متخاصمين لتنال شرف طاعة الرحمن: ﴿إنما المؤمنون إخوة؛ فأصلحوا بين أخويكم﴾.
وقفة
[10] اختلفوا حتى اقتتلوا، ومع ذلك قال ﷻ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾، واليوم تزول أخوة الإيمان عند البعض لأجل خلاف في مسألة اجتهادية.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ رحمة الله تنزِعها الخلافات والتفرقة والحسد وتقديم المصلحة الخاصة على العامة.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وإنما اختيرت الرحمة لأن الأمر بالتقوى واقع إثر تقرير حقيقة الأخوة بين المؤمنين، وشأن تعامل الإخوة الرحمة، فيكون الجزاء عليها من جنسها.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ دلَّ ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين من أعظم حواجب الرحمة.
وقفة
[10] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ شارة أهل الإيمان السعي للإصلاح، ولمِّ الشمل المتفرق، وإطفاء نار الخصومة.
وقفة
[10] من مواطن الرحمة قيامك بحقوق المؤمنين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وأول أبواب الرحمة التقوى.
وقفة
[10] من أعظم حواجب الرحمة: عدم القيام بحقوق المؤمنين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقفة
[10] قيل لرجل حكيم: «فلان شتمك في أحد المجالس»، فقال الحكيم: «هو رماني بسهم ولم يصبني، فلماذا حملت أنت السهم وغرسته في قلبي؟!» ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
عمل
[10] أصلح بين اثنين من معارفك كانا على خلاف ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقفة
[10] ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟»، قَالُوا: «بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» [أبو داود 4919، وصححه الألباني].
عمل
[10] ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ لا تقف مكتوف اليدين، قل كلمةً، افعل شيئًا، قرِّبْ بين قلوبٍ تباعَدَت.
وقفة
[10] الإصلاح طريق لنيل رحمة الله ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقفة
[10] الإصلاح بين المؤمنين سبب من أسباب تنزُّل الرحمة من رب العالمين ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾.
وقفة
[10، 11] من حقوق الأخوة الإيمانية: الصلح بين المتنازعين والبعد عما يجرح المشاعر من السخرية والعيب والتنابز بالألقاب.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ:
  • كافة ومكفوفة. المؤمنون: مبتدأ مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. اخوة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَأَصْلِحُوا:
  • الفاء استئنافية. اصلحوا: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة.
  • ﴿ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ:
  • مفعول فيه-ظرف مكان-منصوب على الظرفية متعلق بأصلحوا وهو مضاف. اخويكم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه مثنى وحذفت النون للاضافة والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور والمراد بالاخوين: طائفتا الاوس والخزرج.
  • ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ:
  • معطوفة بالواو على «اصلحوا» وتعرب اعرابها. الله: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ:
  • حرف مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. ترحمون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. وجملة «ترحمون» في محل رفع خبر «لعل».'

المتشابهات :

الأنفال: 2﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
النور: 62﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ
الحجرات: 10﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
الحجرات: 15﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     ولَمَّا كانت الأخوَّة داعية إلى الإصلاح ولا بد؛ تسبب عن ذلك قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أخويكم:
وقرئ:
1- إخوانكم، وهى قراءة زيد بن ثابت، وابن مسعود، والحسن، بخلاف عنه، والجحدري، وثابت البناني، وحماد بن سلمة، وابن سيرين.
2- إخوتكم، وهى قراءة الحسن أيضا، وابن عامر، فى رواية، وزيد بن على، ويعقوب.

مدارسة الآية : [11] :الحجرات     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ..

التفسير :

[11] يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيراً من الهازئين، ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات؛ عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيراً من الهازئات، ولا يَعِبْ بعضكم بعضاً، ولا يَدْعُ

وهذا أيضًا، من حقوق المؤمنين، بعضهم على بعض، أن{ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} بكل كلام، وقول، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هوالغالب والواقع، فإن السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم"

ثم قال:{ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي:لا يعب بعضكم على بعض، واللمز:بالقول، والهمز:بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار.

كما قال تعالى:{ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الآية، وسمي الأخ المؤمننفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك.

{ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي:لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليهوهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.

{ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} أي:بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.

{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فهذا [هو] الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة [على] ذمه.

{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فالناس قسمان:ظالم لنفسه غير تائب، وتائب مفلح، ولا ثم قسم ثالث غيرهما.

وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت في قوم من بنى تميم، سخروا من بلال، وسلمان، وعمار، وخباب.. لما رأوا من رثاثة حالهم، وقلة ذات يدهم.

ومن المعروف بين العلماء، أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.

وقوله: يَسْخَرْ من السخرية، وهي احتقار الشخص لغيره بالقول أو بالفعل، يقال: سخر فلان من فلان، إذا استهزأ به، وجعله مثار الضحك، ومنه قوله- تعالى- حكاية عن نوح مع قومه:.. قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ .

قال صاحب الكشاف: والقوم: الرجال خاصة، لأنهم القوام بأمور النساء.. واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية، وفي قول الشاعر: أقوم آل حصن أم نساء.

وأما قولهم في قوم فرعون وقوم عاد: هم الذكور والإناث، فليس لفظ القوم بمتعاطف للفريقين، ولكن قصد ذكر الذكور، وترك ذكر الإناث لأنهن توابع لرجالهن .

أى: يا من آمنتم بالله حق الإيمان، لا يحتقر بعضكم بعضا ولا يستهزئ بعضكم من بعض.

وقوله: عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ تعليل للنهى عن السخرية. أى: عسى أن يكون المسخور منه خيرا عند الله- تعالى- من الساخر، إذ أقدار الناس عنده- تعالى- ليست على حسب المظاهر والأحساب.. وإنما هي على حسب قوة الإيمان، وحسن العمل.

وقوله: وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ. معطوف على النهى السابق، وفي ذكر النساء بعد القوم قرينة على أن المراد بالقوم الرجال خاصة.

أى: عليكم يا معشر الرجال أن تبتعدوا عن احتقار غيركم من الرجال، وعليكن يا جماعة النساء أن تقلعن إقلاعا تاما عن السخرية من غيركن.

ونكر- سبحانه- لفظ قَوْمٌ ونِساءٌ، للإشعار بأن هذا النهى موجه إلى جميع الرجال والنساء، لأن هذه السخرية منهى عنها بالنسبة للجميع.

وقد جاء النهى عن السخرية موجها إلى جماعة الرجال والنساء، جريا على ما كان جاريا في الغالب، من أن السخرية كانت تقع في المجامع والمحافل، وكان الكثيرون يشتركون فيها على سبيل التلهي والتلذذ.

ثم قال- تعالى- وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أى: ولا يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة سواء أكان على وجه يضحك أم لا، وسواء كان بحضرة الملموز أم لا، فهو أعم من السخرية التي هي احتقار الغير بحضرته، فالجملة الكريمة من باب عطف العام على الخاص.

يقال: لمز فلان فلانا، إذا عابه وانتقصه، وفعله من باب ضرب ونصر.

ومنهم من يرى أن اللمز ما كان سخرية ولكن على وجه الخفية، وعليه يكون العطف من باب عطف الخاص على العام، مبالغة في النهى عنه حتى لكأنه جنس آخر.

أى: ولا يعب بعضكم بعضا بأى وجه من وجوه العيب. سواء أكان ذلك في حضور الشخص أم في غير حضوره.

وقال- سبحانه- وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ مع أن اللامز يلمز غيره، للإشارة إلى أن من عاب أخاه المسلم، فكأنما عاب نفسه، كما قال- تعالى: ... فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ، تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً .

وقوله: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أى: ولا يخاطب أحدكم غيره بالألفاظ التي يكرهها، بأن يقول له يا أحمق، أو يا أعرج، أو يا منافق.. أو ما يشبه ذلك من الألقاب السيئة التي يكرهها الشخص.

فالتنابز: التعاير والتداعي بالألقاب المكروهة، يقال: نبزه ينبزه- كضربه يضربه- إذا ناداه بلقب يكرهه، سواء أكان هذا اللقب للشخص أم لأبيه أم لأمه أم لغيرهما.

وقوله- تعالى-: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ تعليل للنهى عن هذه الرذائل والمراد بالاسم: ما سبق ذكره من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، والمخصوص بالذم محذوف. أى: بئس الفعل فعلكم أن تذكروا إخوانكم في العقيدة بما يكرهونه وبما يخرجهم عن صفات المؤمنين الصادقين، بعد أن هداهم الله- تعالى- وهداكم إلى الإيمان.

وعلى هذا فالمراد من الآية نهى المؤمنين أن ينسبوا إخوانهم في الدين إلى الفسوق بعد اتصافهم بالإيمان.

قال صاحب الكشاف: الاسم هاهنا بمعنى الذّكر، من قولهم: فلان طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم، كما يقال: طار ثناؤه وصيته.. كأنه قيل: بئس الذكر المرتفع للمؤمنين.. أن يذكروا بالفسق .

ويصح أن يكون المراد من الآية الكريمة نهى المؤمنين عن ارتكابهم لهذه الرذائل، لأن ارتكابهم لهذه الرذائل، يؤدى بهم إلى الفسوق والخروج عن طاعة الله- تعالى- بعد أن اتصفوا بصفة الإيمان.

وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام ابن جرير فقال ما ملخصه: وقوله بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ. يقول- تعالى-: ومن فعل ما نهينا عنه، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه، فسخر من المؤمنين، ولمز أخاه المؤمن ونبزه بالألقاب، فهو فاسق، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه. أن تسموا فساقا- بعد أن وصفتهم بصفة الإيمان .

وقال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: هذا أى قوله- تعالى- بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ من تمام الزجر كأنه- تعالى- يقول: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا فإن من يفعل ذلك يفسق بعد إيمانه، والمؤمن يقبح منه أن يأتى بعد إيمانه بفسوق.. ويصير التقدير: بئس الفسوق بعد الإيمان .

ويبدو لنا أن هذا الرأى أنسب للسياق، إذ المقصود من الآية الكريمة نهى المؤمنين عن السخرية أو اللمز أو التنابز بالألقاب، لأن تعودهم على ذلك يؤدى بهم إلى الفسوق عن طاعة الله- تعالى- والخروج عن آدابه، وبئس الوصف وصفهم بذلك أى: بالفسق بعد الإيمان.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أى: ومن لم يتب عن ارتكاب هذه الرذائل، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم، حيث وضعوا العصيان موضع الطاعة، والفسوق في موضع الإيمان.

هذا، ومن الإحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية: وجوب الابتعاد عن أن يعيب المسلم أخاه المسلم، أو يحتقره، أو يناديه بلقب سيئ.

قال الآلوسى: اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، سواء كان صفة له أم لأبيه أم لأمه أم لغيرهما.

ويستثنى من ذلك نداء الرجل بلقب قبيح في نفسه، لا على قصد الاستخفاف به، كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته، كقول المحدثين: سليمان الأعمش، وواصل الأحدب ثم وجه- سبحانه- إلى عباده المؤمنين نداء خامسا، نهاهم فيه عن أن يظن بعضهم ببعض ظنا سيئا بدون مبرر، كما نهاهم عن التجسس وعن الغيبة، حتى تبقى للمسلم حرمته وكرامته.. فقال- تعالى-.

ينهى تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الكبر بطر الحق وغمص الناس " ويروى : " وغمط الناس " والمراد من ذلك : احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ; ولهذا قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء .

وقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا تلمزوا الناس . والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون ، كما قال [ تعالى ] : ( ويل لكل همزة لمزة ) [ الهمزة : 1 ] ، فالهمز بالفعل واللمز بالقول ، كما قال : ( هماز مشاء بنميم ) [ القلم : 11 ] أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي : اللمز بالمقال ; ولهذا قال هاهنا : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) ، كما قال : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ النساء : 29 ] أي : لا يقتل بعضكم بعضا .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا يطعن بعضكم على بعض .

وقوله : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) أي : لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها .

قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال : فينا نزلت في بني سلمة : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله ، إنه يغضب من هذا . فنزلت : ( ولا تنابزوا بالألقاب )

ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، عن وهيب ، عن داود ، به .

وقوله : ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) أي : بئس الصفة والاسم الفسوق وهو : التنابز بالألقاب ، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون ، بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه ، ( ومن لم يتب ) أي : من هذا ( فأولئك هم الظالمون )

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين ( عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ) يقول: المهزوء منهم خير من الهازئين ( وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ ) يقول: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات, عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرا من الهازئات.

واختلف أهل التأويل في السخرية التي نهى الله عنها المؤمنين في هذه الآية, فقال بعضهم: هي سخرية الغنيّ من الفقير, نهي أن يسخر من الفقير لفقره.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ) قال: لا يهزأ قوم بقوم أن يسأل رجل فقير غنيا, أو فقيرا, وإن تفضل رجل عليه بشيء فلا يستهزئ به.

وقال آخرون: بل ذلك نهي من الله من ستر عليه من أهل الإيمان أن يسخر ممن كشف في الدنيا ستره منهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ) قال: ربما عثر على المرء عند خطيئته عسى أن يكونوا خيرا منهم, وإن كان ظهر على عثرته هذه, وسترت أنت على عثرتك, لعلّ هذه التي ظهرت خير له في الآخرة عند الله, وهذه التي سترت أنت عليها شرّ لك, ما يدريك لعله ما يغفر لك; قال: فنهي الرجل عن ذلك, فقال ( لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ) وقال في النساء مثل ذلك.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية, فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره, ولا لذنب ركبه, ولا لغير ذلك.

وقوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول تعالى ذكره: ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون, ولا يطعن بعضكم على بعض; وقال : ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه, لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره, وطلب صلاحه, ومحبته الخير. ولذلك رُوي الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: " المُؤْمِنُونَ كالجَسَدِ الواحِد إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بالحُمَّى والسَّهَر ". وهذا نظير قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بمعنى: ولا يقتل بعضكم بعضا.

وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) قال: لا تطعنوا.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول: ولا يطعن بعضكم على بعض.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول: لا يطعن بعضكم على بعض.

قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) يقول: ولا تداعوا بالألقاب; والنبز واللقب بمعنى واحد, يُجمع النبز: أنبازا, واللقب: ألقابا.

واختلف أهل التأويل في الألقاب التي نهى الله عن التنابز بها في هذه الآية, فقال بعضهم: عنى بها الألقاب التي يكره النبز بها الملقَّب, وقالوا: إنما نـزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهلية, فلما أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه التي كان يدعى بها في الجاهلية.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا حميد بن مسعدة, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا داود, عن عامر, قال: قال أبو جبيرة بن الضحاك: فينا نـزلت هذه الآية في بني سلمة, قدِم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وما منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة, فكان إذا دعا الرجل بالاسم, قلنا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا, فنـزلت هذه الآية ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ )... الآية كلها.

حدثني محمد بن المثنى, قال: ثنا عبد الوهاب, قال: ثنا داود, عن عامر, عن أبي جُبيرة بن الضحاك, قال: كان أهل الجاهلية يسمون الرجل بالأسماء, فدعا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجلا باسم من تلك الأسماء, فقالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا, فأنـزل الله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ).

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن عامر, قال: ثني أبو جُبيرة بن الضحاك, فذكر عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, نحوه.

حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا داود عن الشعبيّ, قال: ثني أبو جبيرة بن الضحاك, قال: نـزلت في بني سلمة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: قَدِم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة, فكان يدعو الرجل, فتقول أمه: إنه يغضب من هذا قال, فنـزلت ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ). وقال مرّة: كان إذا دعا باسم من هذا, قيل: يا رسول الله إنه يغضب من هذا, فنـزلت الآية.

وقال آخرون: بل ذلك قوم الرجل المسلم للرجل المسلم: يا فاسق, يا زان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد بن السري, قال: ثنا أبو الأحوص, عن حصين, قال: سألت عكرِمة, عن قول الله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: هو قول الرجل للرجل: يا منافق, يا كافر.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال أخبرنا حصين, عن عكرِمة, في قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق, يا منافق.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن حصين, عن عكرِمة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: يا فاسق, يا كافر.

قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد أو عكرِمة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: يقول الرجل للرجل: يا فاسق, يا كافر.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: دُعي رجل بالكفر وهو مسلم.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) يقول الرجل: لا تقل لأخيك المسلم: ذاك فاسق, ذاك منافق, نهى الله المسلم عن ذلك وقدّم فيه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) يقول: لا يقولنّ لأخيه المسلم: يا فاسق, يا منافق.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال: تسميته بالأعمال السيئة بعد الإسلام زان فاسق.

وقال آخرون: بل ذلك تسمية الرجل الرجل بالكفر بعد الإسلام, والفسوق والأعمال القبيحة بعد التوبة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ )... الآية, قال: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها, وراجع الحقّ, فنهى الله أن يعير بما سلف من عمله.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال الحسن: كان اليهودي والنصرانيّ يسلم, فيلقب فيقال له: يا يهوديّ, يا نصراني, فنهوا عن ذلك.

والذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب؛ والتنابز بالألقاب: هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة, وعمّ الله بنهية ذلك, ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض, فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفة يكرهها. وإذا كان ذلك كذلك صحت الأقوال التي قالها أهل التأويل في ذلك التي ذكرناها كلها, ولم يكن بعض ذلك أولى بالصواب من بعض, لأن كلّ ذلك مما نهى الله المسلمين أن ينبز بعضهم بعضا.

وقوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) يقول تعالى ذكره : ومن فعل ما نهينا عنه, وتقدّم على معصيتنا بعد إيمانه, فسخر من المؤمنين, ولمز أخاه المؤمن, ونبزه بالألقاب, فهو فاسق ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه أن تسموا فساقا, بئس الاسم الفسوق, وترك ذكر ما وصفنا من الكلام, اكتفاء بدلالة قوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ ) عليه.

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثنا به يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, وقرأ ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) قال: بئس الاسم الفسوق حين تسميه بالفسق بعد الإسلام, وهو على الإسلام. قال: وأهل هذا الرأي هم المعتزلة, قالوا: لا نكفره كما كفره أهل الأهواء, ولا نقول له مؤمن كما قالت الجماعة, ولكنا نسميه باسمه إن كان سارقا فهو سارق, وإن كان خائنا سموه خائنا; وإن كان زانيا سموه زانيا قال: فاعتزلوا الفريقين أهل الأهواء وأهل الجماعة, فلا بقول هؤلاء قالوا, ولا بقول هؤلاء, فسموا بذلك المعتزلة.

فوجه ابن زيد تأويل قوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) إلى من دعي فاسقا, وهو تائب من فسقه, فبئس الاسم ذلك له من أسمائه... وغير ذلك من التأويل أولى بالكلام, وذلك أن الله تقدّم بالنهي عما تقدّم بالنهي عنه في أوّل هذه الآية, فالذي هو أولى أن يختمها بالوعيد لمن تقدّم على بغيه, أو بقبيح ركوبه ما ركب مما نهى عنه, لا أن يخبر عن قُبح ما كان التائب أتاه قبل توبته, إذ كانت الآية لم تفتتح بالخبر عن ركوبه ما كان ركب قبل التوبة من القبيح, فيختم آخرها بالوعيد عليه أو بالقبيح.

وقوله ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) يقول تعالى ذكره : ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب, أو لمزه إياه, أو سخريته منه, فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم, فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه.

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) قال: ومن لم يتب من ذلك الفسوق فأولئك هم الظالمون.

المعاني :

لَا يَسْخَرْ
لَا يَهْزَا، وَيَنْتَقِصْ
يَسۡخَرۡ
يَهْزَأْ
لا يسْخرْ
لا يهْـزأ و لا ينتقصْ
قَومٌ
رِجَالٌ
وَلَا تَلْمِزُوا
لَا يَعِبْ، وَلَا يَطْعَنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ
وَلَا يِعِبْ بَّعْضُكُم بَعْضا
لا تلمزوا أنفسكم
لا يَعِبْ و لا يَطعَن بعضكم بعضا
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
لَا يَدْعُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَا يَكْرَهُ مِنَ الأَلْقَابِ
وَلَا تَنَابَزُواْ
ولا يَدْعُ بعضُكُم بَعْضاً
بِٱلۡأَلۡقَٰبِ
بِما يَكْرَهُ مِنَ الألقابِ
لا تنابزوا بالألقاب
لا تداعوْا بالألقاب المستكرَهة
بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ
قَبُحَ الاِسْمُ وَالصِّفَةُ الفُسُوقُ؛ وَهُوَ: السُّخْرِيَةُ، وَاللَّمْزُ، وَالتَّنَابُزُ
ٱلِٱسۡمُ
الذِّكْرُ والتَّسمِيَةُ
ٱلۡفُسُوقُ
ما ذُكِرَ مِنَ السُّخْرِيَةِ واللَّمْزِ والتنابُزِ بالألقابِ
بَعْدَ الْإِيمَانِ
بَعْدَمَا دَخَلْتُمْ فِي الإِسْلَامِ
كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ
هُوَ ظَنُّ السُّوءِ بِالمُؤْمِنِينَ

التدبر :

عمل
[11] ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم﴾ احفظ لسانك من السخرية بالجنسيات والقبائل والمظاهر والأشخاص، أنت لا تدري من الذي يحبه الله.
وقفة
[11] يقع كثير من الناس في مواقف لا يحسدون عليها فتجد من: يفرحون ويأنسون بوقوعها، ويتشدقون بها في المجالس، ويظهرون الشماته، فهلا إذا رأيت من حلت به عثرة شاركته في تقويمها؟ ودعوت له وتفاعلت مع مصابه تأمل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾.
وقفة
[11] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ عسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، وهو الغالب والواقع؛ فإن السخرية لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق.
وقفة
[11] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ قال ابن زيد: «لا يسخر من سَتَر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة».
وقفة
[11] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم، من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل: «لو رأيت رجلًا يرضع عنزًا فضحكت منه لخشيت أصنع مثل الذي صنع، وعن عبد الله بن مسعود: «البلاء موكل بالقول؛ لو سَخِرْتُ من كلب لخشيتُ أن أحوّل كلبًا».
وقفة
[11] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ السخرية لا تقع إلا من قلبٍ ممتلئ من مساوئ الأخلاق، مُتحَلٍّ بكل خُلق ذميم، مُتخَلٍّ من كل خُلق كريم!
وقفة
[11] ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾ نهَى اللهُ مِن السخرية بالأقوام؛ لاحترام مشاعر أفرادها؛ فلَا تسخر من قبيلة أو شعب، فقد يكونون عِندَ الله أفضلَ منك.
وقفة
[11] هل المستهزئ يستشعر هذا المعنى؟ قال القرطبي معلقًا على قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾: «وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رث الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميرًا، وأنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله، والاستهزاء بمن عظمه الله».
عمل
[11] ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ﴾ لكي ﻻ تسخر: ﻻ تراقب.
وقفة
[11] ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ وكم من مسخور به خيرٌ من الساخر!
وقفة
[11] ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ سنة الله: رفع المسخور منه إن صبر واتقى.
وقفة
[11] ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ أيها الساخر احفظ لسانك؛ فالميزان سماوي لا يحدده جاه، أو مال، أو جمال، بل يحدده قلب تقي نقي.
وقفة
[11] ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ فكيف بمن يسخر بالطيبين والصادقين! وهو ليس منهم، بل من المنافقين الكاذبين، فبئس القوم هم.
وقفة
[11] ﴿لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم﴾ المؤمن لا يرى إخوانه إلا خيرًا منه، ولعل هذا أحد أسرار عظمة سلفنا الأوائل، وفرض احترامهم على غيرهم، ومن تدبر كتاب الله بحق جعل هواه وراء ظهره، وقدم مراد الله ومراد نبيه على كل مراد، وتجرد من كل هوى، واستحيى من الله أن يخالف أمره.
عمل
[11] ﴿لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم﴾ لا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيه الله ويبتليك.
وقفة
[11] ﴿لا يَسخرْ قومٌ من قومٍ عسىٰ أن يكونوا خيراً منهم﴾ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ» [مسلم 2622]، أشعث: الأشعث الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل، مدفوع بالأبواب: أي لا قدر له عند الناس، فهم يدفعونه عن أبوابهم، ويطردونه عنهم، احتقارًا له، لو اقسم على الله لأبره: أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله؛ إكرامًا له بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله، وإن كان حقيرًا عند الناس.
وقفة
[11] لا تكاد تجد شخصًا يسخر من قبيلة أو بلد أو منطقة أو عرق إلا وتجد فيهم من هو خير منه، وهذا مصداق قول الله: ﴿لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم﴾.
لمسة
[11] ﴿وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ أفرد النساء بالذكر مع أنهن يدخلن في عموم قوله: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾؛ لأن السخرية منهن أكثر والله أعلم.
وقفة
[11] كَم من ذليـل عند الناس هُو عزيـز عند الله! ﴿عَسى أَن يَكُنَّ خَيرًا مِنهُنَّ﴾.
وقفة
[11] من الفسوق التعاير بالألقاب ﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان﴾.
وقفة
[11] انصراف الكثيرين عن الحرص على تحسين أخلاقهم وعدم مبالاتهم بذلك دليل على ضلالهم وانحرافهم وتفشي الفسوق: ﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان﴾.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ جعل اللامز أخاه لامزًا نفسه؛ لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ احتقار الآخرين احتقار لإنسانيتك الموزعة في شخوصهم.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ المسلمين هم نفسٌ واحدة، فهل تؤذي نفسك؟!
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ الإنسان لا يلمز نفسه؛ لكنه أسند اللمز للنفس لأحد أمرين: إما لأن المؤمنين كالنفس الواحدة فمن لمز أخاه فكأنما لمز نفسه, أو لأن من لمز الآخرين فقد فتح على نفسه ثغرات للمتسلطين فيلمزونه كما لمز غيره.
وقفة
[11] ﴿ولَا تَلمزُوا أَنفُسكُمْ﴾ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [مسلم 2586]، ويكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ تنبيها على أن رابطة الإسلام تجعل أخًا المسلم كنفسه.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ الإنسان لا يلمز نفسه، لكنه أسند اللمز للنفس؛ لأن من لمز الآخرين فقد فتح على نفسه ثغراتٍ للمتسلطين.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ أخوك هو أنت في موازين هذا الدين العظيم، «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [البخاري 13].
وقفة
[11] أركان الأخلاق: 1- حفظ المراتب: كحفظ مرتبة النبي ﷺ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [2]. 2- مراعاة العواقب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ [5]. 3- تحري المناقب وتجنب المثالب: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾.
عمل
[11] ناد صديقك وأخاك بأحب الأوصاف إليه ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ روي عن ابن عباس قال: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها، فنهي أن يعير بما سلف من عمله.
وقفة
[11] ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ من أعظمِ التعييرِ إظهارُ التعيير وإشاعته في قالب النصح، وقد عدَّ الله من خصال المنافقين إظهار أمرٍ حسنٍ ويراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصده في الباطن.
وقفة
[11] ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ إن كان ارتكاب المعصية إثمًا، فترك التوبة بعد فعلها ظُـلـم.
وقفة
[11] ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الظلم لا يعني سفك الدماء فقط، فقد يحيا المرء ظالمًا لنفسه بتركاب المحرمات.
وقفة
[11] ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الظلم ليس سفك الدماء ونهب أموال الشعب فقط، قد يكون المرء ظالمًا ولم يكلم أحدًا.
وقفة
[11] ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الناس بموجب هذه الآية فريقان: تائب وظالم، ولا ثالث لهما.
وقفة
[11] ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ خياران لا ثالث لهما.
وقفة
[11] قال بعض السلف: «أصبِحُوا تائبين، وأمسُوا تائبين»، علّق ابن رجب قائلًا: «يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح ويمسي إلا على توبة؛ فإنه لا يدري متى يفجأه الموت، فمن أصبح أو أمسى على غير توبة، فهو على خطر؛ لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب؛ فيحشر في زمرة الظالمين، قال الله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾».
وقفة
[11] لزوم التوبة والإنابة إلى الله ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • اعربت في الآية الكريمة الأولى.
  • ﴿ لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ:
  • ناهية جازمة. يسخر: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره. قوم: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. من قوم: جار ومجرور متعلق بيسخر بمعنى يستهزئ قوم من قوم. والقوم هم الرجال خاصة واختصاصهم بالرجال صريح في الآية الكريمة لانهم القوام على النساء. ولا الناهية والمضارع المقرون بها من صيغ الامر وكذلك في:لا تلمزوا. لا تنابزوا. لا تجسسوا. لا يغتب
  • ﴿ عَسى أَنْ يَكُونُوا:
  • الجملة مستأنفة وردت مورد جواب المستخبر عن العلة الموحية لما جاء النهي عنه. عسى: فعل ماض تام مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر. أن: حرف مصدرية ونصب. يكونوا: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع اسمها والالف فارقة. وجملة «يكونوا» وما بعدها صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «أن» وما بعدها في تأويل مصدر في محل رفع فاعل للفعل «عسى».التقدير: عسى كونهم.
  • ﴿ خَيْراً مِنْهُمْ:
  • خبر «يكون» منصوب بالفتحة. من: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بخيرا. بمعنى:عسى ان يكونوا عند الله افضل منهم.
  • ﴿ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ:
  • الواو عاطفة وما بعدها معطوف على لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ» وحذف الفعل اختصارا لانه معلوم ولان ما قبله دال عليه اي لا يسخر نساء من نساء
  • ﴿ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ:
  • تعرب اعراب عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ». ونون النسوة-الاناث-في «يكن» ضمير متصل في محل رفع اسمها والفعل مبني على السكون لاتصاله بالنون.
  • ﴿ وَلا تَلْمِزُوا:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تلمزوا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. اي لا يعب او يطعن بعضكم بعضا.
  • ﴿ أَنْفُسَكُمْ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والكاف ضمير متصل -ضمير المخاطبين-في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ:
  • معطوفة بالواو على لا تَلْمِزُوا» وتعرب اعرابها.بالالقاب: جار ومجرور متعلق بتنابزوا واصلها: تتنابزوا حذفت احدى التاءين اختصارا ولتوالي التاءات بمعنى ولا تتعايروا بألقاب السوء.
  • ﴿ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ:
  • فعل ماض جامد مبني على الفتح لانشاء الذم.الاسم: فاعل مرفوع بالضمة. الفسوق: المخصوص بالذم مبتدأ مرفوع بالضمة. وجملة بِئْسَ الاِسْمُ» في محل رفع خبر مقدم للمبتدإ «الفسوق» او تكون «الفسوق» خبر مبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو.
  • ﴿ بَعْدَ الْإِيمانِ:
  • مفعول فيه-ظرف زمان-منصوب على الظرفية وهو مضاف ومتعلق ببئس او بحال محذوفة. الايمان: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اي بعد ان يكونوا مؤمنين.
  • ﴿ وَمَنْ:
  • الواو استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبره.
  • ﴿ لَمْ يَتُبْ:
  • حرف نفي وجزم وقلب. يتب: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون آخره في محل جزم بمن لانه فعل الشرط‍ وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ:
  • الجملة الاسمية جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن والفاء واقعة في جواب الشرط‍.أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. هم: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ثان. الظالمون: خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. والجملة الاسمية هُمُ الظّالِمُونَ» في محل رفع خبر «أولئك» ويجوز ان تكون «هم» ضمير فصل او عماد لا محل لها من الاعراب وتكون «الظالمون» خبر «اولئك» والوجه الأول اعرب وافصح والكاف في «أولئك» حرف خطاب'

المتشابهات :

البقرة: 229﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَـ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
آل عمران: 94﴿فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَـ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
المائدة: 45﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَـ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
التوبة: 23﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فـ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
النور: 50﴿أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
الحجرات: 11﴿وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَــ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
الممتحنة: 9﴿إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَــ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾ نَزَلَتْ في ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، وذَلِكَ أنَّهُ كانَ في أُذُنَيْهِ وقْرٌ، فَكانَ إذا أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أوْسَعُوا لَهُ حَتّى يَجْلِسَ إلى جَنْبِهِ فَيَسْمَعَ ما يَقُولُ، فَجاءَ يَوْمًا وقَدْ أخَذَ النّاسُ مَجالِسَهم، فَجَعَلَ يَتَخَطّى رِقابَ النّاسِ ويَقُولُ: تَفَسَّحُوا تَفَسَّحُوا. فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: قَدْ أصَبْتَ مَجْلِسًا فاجْلِسْ. فَجَلَسَ ثابِتٌ مُغْضَبًا، فَغَمَزَ الرَّجُلَ فَقالَ: مَن هَذا ؟ فَقالَ: أنا فُلانٌ. فَقالَ ثابِتٌ: ابْنُ فُلانَةَ ؟ وذَكَرَ أُمًّا كانَتْ لَهُ يُعَيَّرُ بِها في الجاهِلِيَّةِ، فَنَكَسَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ اسْتِحْياءً، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولا نِساءٌ مِّن نِّساءٍ عَسى أن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ نَزَلَتْ في امْرَأتَيْنِ مِن أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ سَخِرَتا مِن أُمِّ سَلَمَةَ، وذَلِكَ أنَّها رَبَطَتْ حِقْوَيْها بِسَبَنِيَّةٍ - وهو خَيْطٌ أبْيَضُ - وسَدَلَتْ طَرَفَها خَلْفَها، فَكانَتْ تَجُرُّهُ، فَقالَتْ عائِشَةُ لِحَفْصَةَ: انْظُرِي إلى ما تَجُرُّ خَلْفَها كَأنَّهُ لِسانُ كَلْبٍ. فَهَذا كانَ سُخْرِيَّتَها.وقالَ أنَسٌ: نَزَلَتْ في نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ، عَيَّرْنَ أُمَّ سَلَمَةَ بِالَقِصَرِ.وقالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ أتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: إنَّ النِّساءَ يُعَيِّرْنَنِي ويَقُلْنَ: يا يَهُودِيَّةَ بِنْتَ يَهُودِيَّيْنِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”هَلّا قُلْتِ: إنَّ أبِي هارُونُ، وإنَّ عَمِّي مُوسى، وإنَّ زَوْجِي مُحَمَّدٌ“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ المِهْرِجانِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُطَّةَ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، قالَ: حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ المَرْوَزِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنْ داوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أبِي جُبَيْرَةَ بْنِ الضَّحّاكِ، عَنْ أبِيهِ وعُمُومَتِهِ قالُوا: قَدِمَ عَلَيْنا النَّبِيُّ ﷺ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَدْعُو لِلرَّجُلِ يَنْبِزُهُ، فَيُقالُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ يَكْرَهُهُ. فَنَزَلَتْ: ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [11] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ أن المؤمنين إخوة، ومقتضى الأخُوَّة الإيمانية حُسن المعاملة بين الإخوة أفرادًا وجماعات؛ ذكرَ هنا ستة من الأخلاق. المذمومة التي تُوغر صدور الإخوة؛ كي يتجنبها المسلم في تعامله مع إخوانه المسلمين، وهي: ١- السخرية. ٢- الهمز واللمز. ٣- التنابز بالألقاب (النداءُ الرابعُ)، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عسى أن يكونوا:
1- على أن «عسى» تامة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- عسوا أن يكونوا، على أن «عسى» ناقصة، وهى قراءة عبد الله، وأبى.
عسى أن يكن:
1- على أنّ «عسى» تامة، وهى قراءة الجمهور.
قرئ:
2- عسين أن يكن، على أن «عسى» ناقصة، وهى قراءة عبد الله، وأبى.
تلمزوا:
1- بكسر الميم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، وهى قراءة الحسن، والأعرج، وعبيد، عن أبى عمرو.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف