4702627282930313233

الإحصائيات

سورة غافر
ترتيب المصحف40ترتيب النزول60
التصنيفمكيّةعدد الصفحات9.80
عدد الآيات85عدد الأجزاء0.47
عدد الأحزاب0.95عدد الأرباع3.80
ترتيب الطول21تبدأ في الجزء24
تنتهي في الجزء24عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 21/29الحواميم: 1/7

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (26) الى الآية رقم (28) عدد الآيات (3)

عزمُ فرعونَ على قتلِ موسى وبيانُ السببِ، ولمَّا اعتزَ فرعونُ بجبروتِه وقوتِه فإن موسى عليه السلام اعتصمَ باللهِ، ثُمَّ قصَّةُ مؤمنِ آلِ فرعونَ ودفاعُه عن موسى عليه السلام مستنكرًا قتلَ رجلٍ يقولُ رَبِّيَ اللهُ، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (29) الى الآية رقم (33) عدد الآيات (5)

= ثُمَّ حذَّرَهُم من عذابِ اللهِ، وبَيَّنَ لهم أنَّه يخافُ عليهم إن تعرَّضُوا له أن يُنزِلَ بهم عذابًا مثلَ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ، كما يخافُ عليهم أهوالَ يومِ القيامةِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة غافر

أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر لله/ غافر الذنب لمن آمن وشديد العقاب لمن كفر

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما علاقة الدعوة بتفويض الأمر إلى الله؟:   إن الداعي إلى الله تعالى سيواجه مشاكل ومصاعب خلال دعوته، فإذا أردت أخي المسلم أن تختار طريق الدعوة إلى الله، طريق أنبياء الله تعالى، فاعلم أن هناك عقبات كثيرة فيه، وعليك أن تفوض الأمر كله لله وتتوكل عليه. لذلك جاء في هذه السورة آية محورية: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾ (51). هذه الآية موجهة إليك أخي المسلم كما هي موجهة للأنبياء: ﴿رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾، وتعدك بالنصر الرباني في الدنيا قبل الآخرة: ﴿فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ﴾، فتوكل على الله، وفوض الأمر إليه.
  • • خير القول وخير العمل::   وسورة غافر تنضم إلى سور كثيرة في القرآن في حثها على أشرف مهمة في التاريخ: الدعوة إلى الله، لأنها طريق الأنبياء والمرسلين، فلا بد أن يحرص الإنسان عليها ويهتم بها، لا بل ينذر حياته كلها لإيصال الخير إلى الناس. والدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى. حدّث أصدقاءك عن الإسلام وعظمته ورحمته، أو انشر الكتب النافعة التي تعلّم الناس أمور دينهم وتقرّبهم إلى الله، حدّثي رفيقاتك عن الحياء والعفة بأي وسيلة تؤثر في القلب، وليس عليكم النظر إلى النتائج، إذ أن المطلوب منا هو العمل فقط، والله وحده هو الذي يهدي من يشاء.
  • • إني عذت بربي وربكم:   ولأن السورة تحدثنا عن الدعوة وتفويض الأمر إلى الله، فإننا نرى هذه المعاني مرتين في قصة موسى عليه السلام: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ﴾ (26). وحين وصل الأمر إلى التهديد بالقتل، استمر موسى عليه السلام بالدعوة إلى دين الله تعالى وفوّض أمره إلى الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ﴾ (27).
  • • وأفوض أمري إلى الله::   ونموذج التفويض الثاني، لرجل مؤمن من آل فرعون، كان يكتم إيمانه، لكنه حين رآهم يكيدون لموسى ليقتلوه، قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ ٱلله﴾ (28)، فكانت صدمة لفرعون أن يقف رجل من حاشيته ويدافع عن موسى، وكان مؤكدًا عند الجميع أن فرعون سيبطش به، لكن المؤمن الصادق انتقل من الدعوة إلى التفويض: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱلله إِنَّ ٱلله بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ﴾ (44). فماذا حدث بعد ذلك؟: ﴿فَوقَاهُ ٱلله سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ﴾ (45). وكأن المعنى: ادع أيها المسلم إلى الله، ولا تخش في الله لومة لائم، وتوكل على من يحفظك وفوض أمرك إليه، ليحميك من أعدائك، واستعذ دومًا بالله تعالى، كما قال موسى: ﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ﴾ (27).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة غافر»، و«‏سورة ‏المؤمن»، و«سورة حم المؤمن».
  • • معنى الاسم ::   غافر: أي ساتر الذنوب ومتجاوز عنها.
  • • سبب التسمية ::   سميت «سورة غافر»؛ لورود هذا اللفظ في أول السورة الآية (3)، وسميت بـ«حم المؤمن»، و«‏سورة ‏المؤمن»؛ ‏لذكر ‏قصة ‏مؤمن ‏آل ‏فرعون، ولم تذكر هذه القصة في سورة أخرى.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   1- سورة «الطَّوْلِ»؛ لورودها في مستهلها (والطَّوْل: أي الفضل والنعمة). 2- «سورة حم الأولى»؛ لأنها السورة الأولى في ترتيب المصحف بين السور الحواميم.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر إليه.
  • • علمتني السورة ::   أن الله غافر الذنب لمن آمن، وشديد العقاب لمن كفر.
  • • علمتني السورة ::   أن الدعوة ليست صعبة، إذ لا يشترط أن يكون المرء (علَّامة) حتى يدعو إلى الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن من رحمة الله تعالى بنا أن السيئة بمثلها والحسنة مضاعفة: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لاَ يُنْصَرُونَ». قال القاضي عياض: «أي علامتُكُمُ التي تَعْرِفُونَ بها أصحابَكم هذا الكلامُ، والشِّعارُ في الأصلِ العلامةُ التي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بها الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، و(حم لا ينصرون) معناهُ بفضلِ السُّورِ المفتتحةِ بِحم ومنزلَتِها من اللهِ لا يُنْصَرون»، و(سورة غافر) من السور المفتتحة بـ (حم).
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة غافر من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
    • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: «الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ». وديباج القرآن: أي زينته، و(سورة غافر) من الحواميم.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة غافر أول الحواميم أو آل (حم)، وهي سبع سور متتالية، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وأطلق عليها بعض العلماء: عرائس القرآن، وكلها مكية.
    • هي أكثر سورة يتكرر فيها مشتقات لفظ (الجدال)، حيث تكرر فيها 5 مرات.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن ندعو الناس إلى الله، ولا نخش في الله لومة لائم، ونتوكل عليه، ونفوض أمرنا إليه.
    • أن نحذر الجدال في آيات الله بغير علم: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ ...﴾ (4). • أن نخلص عبادتنا لله وحده، ولا نشرك به شيئًا: ﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّـهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّـهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ (12).
    • أن نراقب الله تعالى في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (19).
    • أن نحذر أن يزين لنا الشيطان أعمالنا: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ (36، 37).
    • أن نستخدم الأسلوب الوعظي المؤثر في دعوتنا إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ (41).
    • أن نحذر أن نسلم عقولنا لأحد ونتبعه دون علم؛ فإنه سيتبرأ منا يوم القيامة: ﴿... فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ...﴾ (47، 48).
    • أن نكثر من الأعمال الصالحة استعدادًا للآخرة: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ (59).
    • أن نجعل الليل راحة لأبداننا والنهار لمعاشنا: ﴿اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (61).
    • أن نبادر بالتوبة، ونحذر من تسويفها: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ...﴾ (84، 85)، فإذا وقع العذاب لا تقبل التوبة.

تمرين حفظ الصفحة : 470

470

مدارسة الآية : [26] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ..

التفسير :

[26] وقال فرعون لأشراف قومه:اتركوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فيمنعه منا، إني أخاف أن يُبَدِّل دينكم الذي أنتم عليه، أو أن يُظْهِر في أرض «مصر» الفساد.

{ وقَالَ فِرْعَوْنُ} متكبرًا متجبرًا مغررًا لقومه السفهاء:{ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي:زعم -قبحه الله- أنه لولا مراعاة خواطر قومه لقتله، وأنه لا يمنعه من دعاء ربه، ثم ذكر الحامل له على إرادة قتله، وأنه نصح لقومه، وإزالة للشر في الأرض فقال:{ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} الذي أنتم عليه{ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} وهذا من أعجب ما يكون، أن يكون شر الخلق ينصح الناس عن اتباع خير الخلق هذا من التمويه والترويج الذي لا يدخل إلا عقل من قال الله فيهم:{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}

ثم بين- سبحانه- لونا آخر من ألوان فجور فرعون وبغيه فقال: وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى..

والجملة الكريمة معطوفة على قوله: قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وجملة وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ اعتراضية، جيء بها مسارعة لبيان خسرانهم وضلالهم.

أى: وقال فرعون لحاشيته ومستشاريه وخاصته: اتركوني لأقتل موسى- عليه السلام- وأتخلص منه ومن أقواله التي فيها ما فيها من الضرر بي وبكم.

ويبدو من أسلوب الآية الكريمة أن اتجاه فرعون لقتل موسى كان يجد معارضة مستشاريه.

لأنهم يرون أن قتله لا ينهى المتاعب، بل قد يزيدها اشتعالا لأن عامة الناس سيفهمون أن قتل موسى كان بسبب أنه على الحق، فتثور ثائرتهم لقتله، أو لأنهم كانوا يخافون أن قتله سيؤدي إلى نزول العذاب بهم، غضبا من رب موسى، ولعل بعضهم كان يعتقد أن موسى على حق ولكن الخوف منعه من الجهر بذلك، أو لأنهم كانوا يرون أن قتل موسى سيؤدي إلى تفرغ فرعون لهم، وهم لا يريدون هذا التفرغ، لأنه يؤدى إلى ضياع الكثير من منافعهم.

قال صاحب الكشاف: قوله: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى كانوا إذا هم بقتله كفّوه بقولهم:ليس موسى بالذي تخافه. وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا بعض السحرة.. وإنك إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس. واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضته بالحجة.

والظاهر أن فرعون- لعنه الله- كان قد استيقن أن موسى نبيا. وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر، ولكن الرجل كان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه. ويهدم ملكه. ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله. أن يعاجل بالهلاك.. .

وقوله: وَلْيَدْعُ رَبَّهُ تظاهر من فرعون بأنه لا يبالى بما يكون من وراء قتله لموسى.

وأنه غير مكترث لا بموسى ولا برب موسى.

فالجملة الكريمة بيان لما جبل عليه هذا الطاغية من فجور وتكبر واستهزاء بالحق فكأنه يقول: إنى قاتل لموسى وليدع ربه لكي يخلصه منى..!!

ثم نرى فرعون بعد ذلك يتظاهر أمام حاشيته، أنه ما حمله على إرادة قتل موسى، إلا الحرص على منفعتهم. فيقول: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ.

أى: اتركوني لأقتل موسى. وليدع ربه لكي يخلصه منى. إن كان في إمكانه ذلك. فإنى أخاف إن لم أقتله أن يبدل دينكم الذي أنتم عليه بدين آخر أو بأن يظهر في الأرض التي تعيشون عليها الفساد، عن طريق بث الفتن بينكم وإيقاد نار العداوة في صفوفكم. والعمل على اضطراب أمر دنياكم ومعاشكم.

وهكذا الطغاة الماكرون في كل زمان ومكان: يضربون الحق بكل سلاح من أسلحتهم الباطلة. ثم يزعمون بعد ذلك أمام العامة والبسطاء والمغلوبين على أمرهم.. أنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الحرص على مصالحهم الدينية والدنيوية!! قال الإمام الرازي: والمقصود من هذا الكلام، بيان السبب لقتل موسى، وهو أن وجوده يوجب إما فساد الدين أو فساد الدنيا، أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو الذي كانوا عليه. فلما كان موسى ساعيا في إفساده كان في اعتقادهم أنه ساع في إفساد الدين الحق.

وأما فساد الدنيا فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قوم، ويصير ذلك سببا لوقوع الخصومات وإثارة الفتن.

ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم، لا جرم بدأ فرعون يذكر الدين فقال:

إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ثم أتبعه بذكر فساد الدنيا فقال: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ .

( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) وهذا عزم من فرعون - لعنه الله - على قتل موسى - عليه السلام - أي : قال لقومه : دعوني حتى أقتل لكم هذا ، ( وليدع ربه ) أي : لا أبالي منه . وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد .

وقوله - قبحه الله - : ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) يعني : موسى ، يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم . وهذا كما يقال في المثل : " صار فرعون مذكرا " يعني : واعظا ، يشفق على الناس من موسى - عليه السلام - .

وقرأ الأكثرون : " أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد " وقرأ آخرون : ( أو أن يظهر في الأرض الفساد ) وقرأ بعضهم : " يظهر في الأرض الفساد " بالضم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26)

يقول تعالى ذكره: ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ) لملئه: ( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ) يقول: إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه بسحره.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والشأم والبصرة: " وَأَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الفَسَادَ" بغير ألف, وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة, وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: ( أوْ أن ) بالألف, وكذلك ذلك في مصاحفهم " يَظْهَرَ فِي الأرْضِ" بفتح الياء ورفع الفساد.

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار متقاربتا المعنى, وذلك أن الفساد إذا أظهره مظهرا كان ظاهرا, وإذا ظهر فبإظهار مظهره يظهر, ففي القراءة بإحدى القراءتين فى ذلك دليل واضح على صحة معنى الأخرى. وأما القراءة في: ( أَوْ أَنْ يُظْهِرَ ) بالألف وبحذفها, فإنهما أيضا متقاربتا المعنى, وذلك أن الشيء إذا بدل إلى خلافه فلا شك أن خلافه المبدل إليه الأوّل هو الظاهر دون المبدل, فسواء عطف على خبره عن خوفه من موسى أن يبدّل دينهم بالواو أو بأو, لأن تبديل دينهم كان عنده ظهور الفساد, وظهور الفساد كان عنده هو تبديل الدين.

فتأويل الكلام إن: إني أخاف من موسى أن يغير دينكم الذي أنتم عليه, أو أن يظهر في أرضكم أرض مصر, عبادة ربه الذي يدعوكم إلى عبادته, وذلك كان عنده هو الفساد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) : أي أمركم الذي أنتم عليه ( أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ ) والفساد عنده أن يعمل بطاعة الله.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[26] ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ﴾ قوة الباطل عندما تواجه الحق ﻻ تستعمل معه الحجة والبرهان؛ بل البطش والعدوان! ومع ذلك الحق منصور.
وقفة
[26] ﴿وقال فرعون ذروني أقتل موسى﴾ يستأذن قومه في قتل موسى وقد قتل أطفال مصر؛ خوفًا منه من قبل، يستبد إذا غلب على ظنه عدم الموافقة ويشاور إذا رآهم معه.
وقفة
[26] ﴿وقال فرعون ذروني أقتل موسى﴾ طبع الجبابرة: عدم استئذان أحد في تنفيذ جبروتهم، وقد يستأذنون حيلة لتهيئة الرأي العام، حتي يبارك ذلك الجبروت.
وقفة
[26] التهديد بالقتل حيلة الجبارين والطغاة في العالم ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾.
وقفة
[26] ﴿وَقالَ فِرعَونُ ذَروني أَقتُل موسى﴾ وهل كان فرعون يحتاج لإذن من قومه لينفذ غرضه؟! بالطبع لا، إنما هذا فقط لإضفاء صبغة الشرعية على عمله، وتقليل اعتراض البعض على فعله وامتصاص غضبهم.
وقفة
[26] ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ وقد حمله غروره وقلة تدبره في الأمور على ظن أن ما خالف دينهم يعدُّ فسادًا؛ إذ ليست لهم حجة لدينهم غير الإِلف والانتفاع العاجل.
عمل
[26] ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ استخف فرعون بدعاء موسى فقوض الله ملك فرعون؛ فادع الله وأنت موقن بالإجابة، واثقًا بما عند الله يائسًا بما عند الناس.
وقفة
[26] ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ﴾ وما الذي يمنعك يا فرعون؟! لعله أراد: أوجدوا لي الذرائع المناسبة لقتل موسى، وقوموا بتهيئة الرأي العام لعملية القتل.
وقفة
[26] ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ احتقار دعوات المستضعفين صفة مشتركة عند الطغاة.
وقفة
[26] كل ظالم لا بد أن يجد لظلمه تأويلًا؛ حتى فرعون قاتل موسى ليحمي الأمة من شره ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.
وقفة
[26] أهل الباطل يستخدمون شعارات الاستعطاف لتسويق باطلهم ﴿إني أخاف أن يبدل دينكم﴾.
وقفة
[26] ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ الطغاة يسجنون المصلحين أو يقتلونهم تحت أسماء جميلة الخوف على الدين وقمع الفساد.
وقفة
[26] ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ للطغاة ذرائع كاذبة لاضطهاد المصلحين وإيذائهم، يدلسون بها على الجماهير ويستخفونهم.
وقفة
[26] ﴿إِنّي أَخافُ أَن يُبَدِّلَ دينَكُم أَو أَن يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسادَ﴾ قلب الحقائق سمت الحكام الظالمين ويصدقهم الجهلاء وذوى النفوس الضعيفة والمتعلقين بالدنيا
وقفة
[26] فجور في الخصومة وكره الحق حين يصف المبطلون أهل الحق بأنهم يبدلون العوائد ويفسدون البلاد ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.
وقفة
[26] يبرر الطغاة دومًا بغيهم بخوفهم على العامة ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾، والعاقل يميز بالأفعال لا بالأقوال.
وقفة
[26] طبيعي حينما تُحارب الفساد أن تُتَّهم بالفساد، ولك في نبي الله موسى عبرة فقد قال عنه فرعون: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.
وقفة
[26] سيرة المتكلم تدل على صدقه أو كذبه ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.
وقفة
[26] ﴿أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ فرعون يخشى الفساد! فالطغاة البصيرة مقلوبة لديهم يرون في كل استقامة إعوجاج! وﻻ تزال الرواية مستمرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ فِرْعَوْنُ:
  • الواو: عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح. فرعون: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ ذَرُونِي:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب مفعول به-مقول القول-وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. النون نون الوقاية لا محل لها من الاعراب.والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب مفعول به. أي دعوني أو اتركوني.
  • ﴿ أَقْتُلْ مُوسى:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب-الأمر-وعلامة جزمه: سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. موسى:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف لأنه اسم اعجمي.
  • ﴿ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ:
  • الواو استئنافية. اللام لام الأمر. يدع: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف آخره حرف العلة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ربه: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة بمعنى: وليناد ربه لنجدته.
  • ﴿ إِنِّي أَخافُ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «انّ» اخاف: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا والجملة الفعلية «أخاف» مع مفعولها: في محل رفع خبر «ان».
  • ﴿ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ:
  • حرف مصدرية ونصب. يبدل: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.دينكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل- ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة يُبَدِّلَ دِينَكُمْ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب و «أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ:
  • أو: حرف عطف يفيد التخيير وما بعدها: معطوف على أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ» ويعرب اعرابها. في الأرض: جار ومجرور متعلق بيظهر بمعنى: أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم الى دينه. أو يفسد عليكم دنياكم.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ بفِعلِ فِرعَونَ بمَن تابَعَ موسى عليه السَّلامُ؛ أخبَرَ هنا عن فِعلِه معه بما عُلِمَ به أنَّه عاجِزٌ، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أو أن:
1- وهى قراءة الكوفيين.
وقرئ:
2- وأن، وهى قراءة باقى السبعة.
يظهر:
1- مضارع «أظهر» ، مبنيا للفاعل، و «الفساد» نصبا، وهى قراءة أنس بن مالك، وابن المسيب، ومجاهد، وقتادة، وأبى رجاء، والحسن، والجحدري، ونافع، وأبى عمرو، وحفص.
وقرئ:
2- «ظهر» مبنيا للفاعل، و «الفساد» رفعا، وهى قراءة باقى السبعة، والأعرج، والأعمش، وابن وثاب، وعيسى.
3- يشد الظاء والهاء، و «الفساد» رفعا، وهى قراءة مجاهد.
4- بضم الياء وفتح الهاء، مبنيا للمفعول، و «الفساد» رفعا، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [27] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ..

التفسير :

[27] وقال موسى لفرعون وملئه:إني استجرت بربي وربكم -أيها القوم- من كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته، لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه.

{ وَقَالَ مُوسَى} حين قال فرعون تلك المقالة الشنيعة التي أوجبها له طغيانه، واستعان فيها بقوته واقتداره، مستعينًا بربه:{ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أي:امتنعت بربوبيته التي دبر بها جميع الأمور{ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أي:يحمله تكبره وعدم إيمانه بيوم الحساب على الشر والفساد، يدخل فيه فرعون وغيره، كما تقدم قريبًا في القاعدة، فمنعه الله تعالى بلطفه من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، وقيض له من الأسباب ما اندفع به عنه شر فرعون وملئه.

ومن جملة الأسباب، هذا الرجل المؤمن، الذي من آل فرعون، من بيت المملكة، لا بد أن يكون له كلمة مسموعة، وخصوصًا إذا كان يظهر موافقتهم ويكتم إيمانه، فإنهم يراعونه في الغالب ما لا يراعونه لو خالفهم في الظاهر، كما منع الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب من قريش، حيث كان أبو طالب كبيرًا عندهم، موافقًا لهم على دينهم، ولو كان مسلمًا لم يحصل منه ذلك المنع.

ثم حكى- سبحانه- ما قاله موسى- عليه السلام- بعد أن سمع من فرعون تهديداته له، وتطاوله عليه، فقال- تعالى-: وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ.

وقوله عُذْتُ بمعنى استجرت ولجأت. يقال: عاذ فلان بفلان واستعاذ به، إذا لجأ إليه. واستجار به.

أى: وقال موسى- عليه السلام- لقومه على سبيل التثبيت لهم على الحق يا قوم. إنى استجرت وتحصنت بربي وربكم من شر كل مستكبر عن الإيمان بالحق، كافر بيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب.

وفي هذا القول الذي قاله موسى لقومه: يتجلى صدق إيمانه، وقوة يقينه ووثوقه برعاية الله- تعالى- له، كما يتجلى فيه حرصه على نصحه لقومه بالثبات على الحق، لأن الله- تعالى- الذي هو ربه وربهم، كفيل برعايته ورعايتهم وبانجائه وبإنجائهم من فرعون وملئه، كما يتجلى فيه أن الاستكبار عن اتباع الحق، والتكذيب بالبعث، على رأس الأسباب التي تعين على قسوة القلب، وفساد النفس.

قال صاحب الكشاف: وقوله: وَرَبِّكُمْ فيه بعث لهم على أن يقتدوا به، فيعوذوا بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال: مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لتشمل استعاذته من فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض، فيكون أبلغ. وأراد بالتكبر:

الاستكبار عن الإذعان للحق، وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة صاحبه، ومهانة نفسه، وعلى فرط ظلمه وعسفه.

وقال: لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة، فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده. ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها..

وخلال هذا الوعيد والتهديد من فرعون وملئه لموسى- عليه السلام-، قيض الله- تعالى- لموسى رجلا مؤمنا من آل فرعون كان يخفى إيمانه. هذا الرجل أخذ يدافع عن موسى دفاعا حكيما مؤثرا، يحمل الترغيب تارة والترهيب أخرى، والإرشاد تارة والتأنيب أخرى.. ويحكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فيقول:

وقال موسى : ( إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ) أي : لما بلغه قول فرعون : ( ذروني أقتل موسى ) قال موسى : استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله ; ولهذا قال : ( إني عذت بربي وربكم ) أيها المخاطبون ، ( من كل متكبر ) أي : عن الحق ، مجرم ، ( لا يؤمن بيوم الحساب ) ; ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قوما قال : " اللهم ، إنا نعوذ بك من شرورهم ، وندرأ بك في نحورهم " .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)

يقول تعالى ذكره: وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت أيها القوم بربي وربكم, من كلّ متكبر عليه, تكبر عن توحيده, والإقرار بألوهيته وطاعته, لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه, فيجازي المحسن بإحسانه, والمسيء بما أساء; وإنما خص موسى صلوات الله وسلامه عليه, الاستعاذة بالله ممن لا يؤمن بيوم الحساب, لأن من لم يؤمن بيوم الحساب مصدقا, لم يكن للثواب على الإحسان راجيا, ولا للعقاب على الإساءة, وقبيح ما يأتي من الأفعال خائفا, ولذلك كان استجارته من هذا الصنف من الناس خاصة.

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم﴾ لجوء المؤمن إلى ربه ليحميه من كيد أعدائه.
وقفة
[27] ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ من لم يؤمن بيوم الحساب مصدقًا، لم يكن للثواب على الإحسان راجيًا، ولا للعقاب على الإساءة، وقبيح ما يأتي من الأفعال خائفًا.
وقفة
[27] ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ إذا خفت من مجرم فقل: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ».
وقفة
[27] ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ ثنتان لا تجتمعان في قلبٍ قط: الكبر، واليقين بالحساب.
وقفة
[27] ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ خص الكبر وعدم إيمانه بالآخرة لأنه إذا اجتمعا في شخص قلت مبالاته بعواقب أعماله.
وقفة
[27] كلما زاد إيمان الإنسان بالآخرة زاد تواضعه؛ ولا يتكبر إلا ضعيف اليقين بلقاء ربه ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾.
وقفة
[27]‏ الكِبْر حجاب؛ كلَّما زاد سَتَر عن القلب تذكَّر يوم الحساب ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾.
وقفة
[27] الله سبحانه هو ملاذ المؤمن من كل خوف ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾.
وقفة
[27] حينما هدد فرعون موسى بالقتل قال موسى عليه السلام: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾، فخص صفة الكبر وعدم إيمانه بالآخرة؛ لأنه إذا اجتمع في المرء التكبر والتكذيب بالجزاء؛ قَلَّت مبالاته بعواقب أعماله؛ فكمُلت فيه أسباب القسوة، والجرأة على الناس.
تفاعل
[27] ﴿عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ استعذ بالله الآن من الكبر.
وقفة
[27] ﴿مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ قال (متكبر) ولم يقل: (فرعون)، ويحتمل ذلك أمران: 1- أن كلمة (متكبر) تشمل جميع المتكبرين، فرعون وغيره. 2- أن موسى عليه السلام راعى مع فرعون حق التربية القديمة، فلم يذكره بالاسم، وإنما بالصفة التي تشمله هو وغيره.
وقفة
[27، 28] ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم﴾ لما استعاذ موسى بربه تبارك وتعالى ، بعث الله له من يدافع عنه من أهل فرعون.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ مُوسى:
  • الواو استئنافية. قال: فعل ماض مبني على الفتح.موسى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر أي فقال موسى لقومه بعد سماعه قول فرعون.
  • ﴿ إِنِّي عُذْتُ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. والياء ضمير متصل مبني على السكون-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «إنّ» عذت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع فاعل. وجملة «عذت» وما بعدها: في محل رفع خبر «انّ» بمعنى اني لجأت.
  • ﴿ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بعذت والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة. وربكم: معطوف بالواو على «ربي» وهو مجرور مثله. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور
  • ﴿ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ:
  • جار ومجرور متعلق بعذت. متكبر: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ:
  • الجملة الفعلية: في محل جر صفة-نعت- لمتكبر. لا: نافية لا عمل لها. يؤمن: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بيوم: جار ومجرور متعلق بلا يؤمن. الحساب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.'

المتشابهات :

غافر: 27﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ
الدخان: 20﴿وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم أَن تَرْجُمُونِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا عَلِمَ موسى عليه السلام بتهديد فرعون له؛ استعاذ موسى عليه السَّلامُ بالله من كل متكبر عن الإيمان به، لا يؤمن بالبعث والنشور، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

عذت:
قرئ:
1- بالإدغام، وهى قراءة أبى عمرو، وحمزة، والكسائي.
2- بالإظهار، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [28] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ ..

التفسير :

[28] وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون، يكتم إيمانه منكراً على قومه:كيف تستحلون قَتْلَ رجل لا جرم له عندكم إلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبراهين القاطعة مِن ربكم على صِدْق ما يقول؟ وإن يك موسى كاذباً فإنَّ وبالَ كذبه عائد عليه وحده، وإن يك صادقاً لَحقك

فقال ذلك الرجل المؤمن الموفق العاقل الحازم، مقبحًا فعل قومه، وشناعة ما عزموا عليه:{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} أي:كيف تستحلون قتله، وهذا ذنبه وجرمه، أنه يقول ربي الله، ولم يكن أيضا قولاً مجردًا عن البينات، ولهذا قال:{ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} لأن بينته اشتهرت عندهم اشتهارًا علم به الصغير والكبير، أي:فهذا لا يوجب قتله.

فهلا أبطلتم قبل ذلك ما جاء به من الحق، وقابلتم البرهان ببرهان يرده، ثم بعد ذلك نظرتم:هل يحل قتله إذا ظهرتم عليه بالحجة أم لا؟ فأما وقد ظهرت حجته، واستعلى برهانه، فبينكم وبين حل قتله مفاوز تنقطع بها أعناق المطي.

ثم قال لهم مقالة عقلية تقنع كل عاقل، بأي حالة قدرت، فقال:{ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}

أي:موسى بين أمرين، إما كاذب في دعواه أو صادق فيها، فإن كان كاذبًا فكذبه عليه، وضرره مختص به، وليس عليكم في ذلك ضرر حيث امتنعتم من إجابته وتصديقه، وإن كان صادقًا وقد جاءكم بالبينات، وأخبركم أنكم إن لم تجيبوه عذبكم الله عذابًا في الدنيا وعذابًا في الآخرة، فإنه لا بد أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وهو عذاب الدنيا.

وهذا من حسن عقله، ولطف دفعه عن موسى، حيث أتى بهذا الجواب الذي لا تشويش فيه عليهم، وجعل الأمر دائرًا بين تينك الحالتين، وعلى كل تقدير فقتله سفه وجهل منكم.

ثم انتقل رضي الله عنه وأرضاه وغفر له ورحمه - إلى أمر أعلى من ذلك، وبيان قرب موسى من الحق فقال:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} أي:متجاوز الحد بترك الحق والإقبال على الباطل.{ كَذَّابٌ} بنسبته ما أسرف فيه إلى الله، فهذا لا يهديه الله إلى طريق الصواب، لا في مدلوله ولا في دليله، ولا يوفق للصراط المستقيم، أي:وقد رأيتم ما دعا موسى إليه من الحق، وما هداه الله إلى بيانه من البراهين العقلية والخوارق السماوية، فالذي اهتدى هذا الهدى لا يمكن أن يكون مسرفًا ولا كاذبًا، وهذا دليل على كمال علمه وعقله ومعرفته بربه.

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما حكى عن موسى- عليه السلام- أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله، بين أنه- تعالى- قيض إنسانا أجنبيا غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه، وبالغ في تسكين تلك الفتنة، واجتهد في إزالة ذلك الشر.

ثم قال- رحمه الله-: يقول مصنف هذا الكتاب: ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض له، وأكتفى بتفويض ذلك الأمر إلى الله، فإنه- سبحانه- يقيض أقواما لا أعرفهم ألبتة. يبالغون في دفع ذلك الشر.. .

وظاهر الآية الكريمة يفيد أن هذا الرجل المؤمن كان من حاشية فرعون بدليل قوله- تعالى-: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ولم يكن من بنى إسرائيل.

وقد رجح ابن جرير- رحمه الله- ذلك فقال: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي:

القول الذي قاله السدى من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، ولذا فقد أصغى لكلامه واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله.. ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بنى إسرائيل لاعتداده إياهم أعداء له.. ولكنه لما كان من ملأ قومه، استمع إليه، وكف فرعون عما كان قد هم به من قتل موسى.. .

قالوا: وهذا الرجل المؤمن هو الذي نصح موسى- عليه السلام- بقوله: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.

وكان اسمه «حزقيل» أو «حبيب» .

أى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون وحاشيته، وكان يكتم إيمانه عنهم، حتى لا يصيبه أذى منهم، فعند ما سمع فرعون يقول: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى. قال لهم: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ.

أى: أتقتلون رجلا لأنه يقول ربي الله وحده، وقد جاءكم بالحجج البينات، وبالمعجزات الواضحة من عند ربكم، كدليل على صدقه فيما يبلغه عنه.

فقوله: أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ في موضع المفعول لأجله. أى: أتقتلونه من أجل قوله هذا. وجملة وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ حالية من فاعل يقول وهو موسى- عليه السلام-.

والمقصود بهذا الاستفهام: الإنكار عليهم والتبكيت لهم، حيث قصدوا قتل رجل كل ذنبه أنه عبد الله- تعالى- وحده وقد جاءهم بالمعجزات الواضحات الدالة على صحة فعله وقوله.

قال الإمام ابن كثير: وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط، فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى فأخذت الرجل غضبة لله- تعالى- و «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» اللهم إلا ما رواه البخاري في صحيحه حيث قال:

حدثنا على بن عبد الله، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعى، حدثني عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرنى بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا. فأقبل أبو بكر- رضى الله عنه- فأخذ بمنكبه ودفع عن النبي صلّى الله عليه وسلم ثم قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .

وقال القرطبي: وعن على- رضى الله عنه- قال: اجتمعت قريش بعد وفاة أبى طالب بثلاث: فأرادوا قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأقبل هذا يجؤه- أى يضربه-، وهذا يتلتله- أى: يحركه تحريكا شديدا- فلم يغثه أحد إلا أبو بكر وله ضفيرتان، فأقبل يجأ هذا ويتلتل ذا، ويقول بأعلى صوته: ويلكم.. أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، والله إنه لرسول الله، فقطعت إحدى ضفيرتى أبى بكر يومئذ .

ثم يحكى القرآن الكريم أن ذلك الرجل المؤمن، لم يكتف بالإنكار على قومه قصدهم موسى بالقتل بل أخذ في محاولة إقناعهم بالعدول عن هذا القصد بشتى الأساليب والحجج فقال: وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ...

أى: أنه قال لهم: إن كان موسى- على سبيل الفرض- كاذبا فيما يقوله ويفعله فعليه وحده يقع ضرر كذبه، وليس عليكم منه شيء، وإن كان صادقا فيما يقوله ويفعله، فلا أقل من أن يصيبكم بعض الذي يعدكم به من سوء عاقبة مخالفة ما أتاكم به من عند ربه..

فأنت ترى أن الرجل كان في نهاية الحكمة والإنصاف وحسن المنطق، في مخاطبته لقومه، حيث بين لهم أن الأمر لا يخرج عن فرضين، وكلاهما لا يوجب قصد موسى- عليه السلام- بالقتل.

ورحم الله صاحب الكشاف. فقد أجاد عند تفسيره لهذه الآية فقال ما ملخصه: وقوله:

أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ... هذا إنكار عظيم منه، وتبكيت شديد لهم، كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة، وما لكم علة قط في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله رَبِّيَ اللَّهُ..

ثم أخذ في الاحتجاج عليهم على طريقة التقسيم فقال: لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا، فإن يك كاذبا فعليه يعود كذبه ولا يتخطاه ضرره، وإن يك صادقا يصبكم بعض ما يعدكم به إن تعرضتم له.

فإن قلت: لم قال: بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ وهو- أى موسى- نبي صادق، لا بد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه؟

قلت: لأنه احتجاج في مقاولة خصوم موسى ومنا كريه، إلى أن يلاوصهم- أى يحايلهم- ويداريهم، ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول ويأتيهم من جهة المناصحة، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله، وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه، فقال وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ وهو كلام المصنف في مقاله، غير المشتط فيه، ليسمعوا منه ولا يردوا عليه، وذلك أنه حين فرضه صادقا، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد، ولكنه أردفه بقوله: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيا، فضلا عن أن يتعصب له، وتقديم الكاذب على الصادق أيضا من هذا القبيل.. .

ثم أرشد الرجل المؤمن الحصيف قومه إلى سنة من سنن الله التي لا تتغير فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.

أى: إن سنة الله- تعالى- قد اقتضت أنه- سبحانه- لا يهدى الى الحق والصواب، من كان مسرفا في أموره، متجاوزا الحدود التي شرعها الله- تعالى- ومن كان كذابا في إخباره عن الله- تعالى-، ولو كان موسى مسرفا أو كذابا، لما أيده الله- تعالى- بالمعجزات الباهرة. وبالحجج الساطعة الدالة على صدقه.

فالجملة الكريمة إرشاد لهم عن طريق خفى إلى صدق موسى فيما يبلغه عن ربه، وتعريض بما عليه فرعون من ظلم وكذب.

قال الجمل في حاشيته: فالجملة الكريمة كلام ذو وجهين نظرا لموسى وفرعون.

الوجه الأول: أن هذا إشارة الى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى، والمعنى: إن الله هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة، ومن هداه الله إلى ذلك لا يكون مسرفا ولا كذابا.

الوجه الثاني: أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى. وكاذب في ادعائه الألوهية، والله لا يهدى من كان كذلك.. .

المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون .

قال السدي : كان ابن عم فرعون ، ويقال : إنه الذي نجا مع موسى . واختاره ابن جرير ، ورد قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيليا ; لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه ، وكف عن قتل موسى - عليه السلام - ولو كان إسرائيليا لأوشك أن يعاجل بالعقوبة ; لأنه منهم .

وقال ابن جريج عن ابن عباس : لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون ، والذي قال : ( يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ) [ القصص : 20 ] رواه ابن أبي حاتم .

وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط ، فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون : ( ذروني أقتل موسى ) ، فأخذت الرجل غضبة لله - عز وجل - و " أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر " ، كما ثبت بذلك الحديث ، ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) [ أي : لأجل أن يقول ربي الله ] ، اللهم إلا ما رواه البخاري في صحيحه حيث قال :

حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير ، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، حدثني عروة بن الزبير قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد شيء مما صنعه المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فأخذ بمنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولوى ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - فأخذ بمنكبه ودفع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) .

انفرد به البخاري من حديث الأوزاعي قال : وتابعه محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه ، به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عبدة عن هشام - يعني ابن عروة - عن أبيه ، عن عمرو بن العاص أنه سئل : ما أشد ما رأيت قريشا بلغوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : مر بهم ذات يوم فقالوا له : أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال : " أنا ذاك " فقاموا إليه ، فأخذوا بمجامع ثيابه ، فرأيت أبا بكر محتضنه من ورائه ، وهو يصيح بأعلى صوته ، وإن عينيه ليسيلان ، وهو يقول : يا قوم ، ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) حتى فرغ من الآية كلها .

وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة ، فجعله من مسند عمرو بن العاص ، رضي الله عنه .

وقوله : ( وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) أي : كيف تقتلون رجلا لكونه يقول : " ربي الله " ، وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق ؟ ثم تنزل معهم في المخاطبة فقال : ( وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ) يعني : إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به ، فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه ، فلا تؤذوه ، فإن يك كاذبا فإن الله سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والآخرة ، وإن يك صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم ، فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والآخرة ، فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا ، فينبغي على هذا ألا تتعرضوا له ، بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه .

وهكذا أخبر الله [ تعالى ] عن موسى - عليه السلام - أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله : ( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم . أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين . وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين . وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون . وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) [ الدخان : 17 - 21 ] وهكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقريش أن يتركوه يدعو إلى الله [ تعالى ] عباد الله ، ولا يمسوه بسوء ، وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته ، قال الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ الشورى : 23 ] أي : إلا ألا تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة ، فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين الناس . وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية ، وكان فتحا مبينا .

وقوله : ( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) أي : لو كان هذا الذي يزعم أن الله أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون ، لكان أمره بينا ، يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله ، كانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب ، وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما ، ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله ، وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله .

وقوله: ( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) اختلف أهل العلم في هذا الرجل المؤمن, فقال بعضهم: كان من قوم فرعون, غير أنه كان قد آمن بموسى, وكان يُسِرّ إيمانه من فرعون وقومه خوفا على نفسه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) قال: هو ابن عم فرعون.

ويقال: هو الذي نجا مع موسى, فمن قال هذا القول, وتأوّل هذا التأويل, كان صوابا الوقف إذا أراد القارئ الوقف على قوله: ( مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) , لأن ذلك خبر متناه قد تمّ.

وقال آخرون: بل كان الرجل إسرائيليا, ولكنه كان يكتم إيمانه من آل فرعون.

والصواب على هذا القول لمن أراد الوقف أن يجعل وقفه على قوله: ( يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) لأن قوله: ( مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) صلة لقوله: ( يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) فتمامه قوله: يكتم إيمانه, وقد ذكر أن اسم هذا الرجل المؤمن من آل فرعون: جبريل, كذلك حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق.

وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي القول الذي قاله السديّ من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون, قد أصغى لكلامه, واستمع منه ما قاله, وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله. وقيله ما قاله. وقال له: ما أريكم إلا ما أرى, وما أهديكم إلا سبيل الرشاد, ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له, ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله, لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل, لاعتداده إياهم أعداء له, فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا؟ ولكنه لما كان من ملأ قومه, استمع قوله, وكفّ عما كان همّ به في موسى.

وقوله: ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) يقول: أتقتلون أيها القوم موسى لأن يقول ربي الله؟ فإن في موضع نصب لما وصفت.( وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) يقول: وقد جاءكم بالآيات الواضحات على حقيقة ما يقول من ذلك. وتلك البيّنات من الآيات يده وعصاه.

كما حدثنا ابن حميد, قال. ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) بعصاه وبيده.

وقوله: ( وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ) يقول: وإن يك موسى كاذبا في قيله: إن الله أرسله إليك يأمركم بعبادته, وترك دينكم الذي أنتم عليه, فإنما إثم كذبه عليه دونكم ( وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) يقول: وإن يك صادقا في قيله ذلك, أصابكم الذي وعدكم من العقوبة على مقامكم على الدين الذي أنتم عليه مقيمون, فلا حاجة بكم إلى قتله, فتزيدوا ربكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطا( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) يقول: إن الله لا يوفّق للحقّ من هو متعد إلى فعل ما ليس له فعله, كذّاب عليه يكذب, ويقول عليه الباطل وغير الحقّ.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإسراف الذي ذكره المؤمن في هذا الموضع, فقال بعضهم: عني به الشرك, وأراد: إن الله لا يهدي من هو مشرك به مفتر عليه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال. ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) : مشرك أسرف على نفسه بالشرك.

وقال آخرون: عنى به من هو قتَّال سفَّاك للدماء بغير حق.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) قال: المسرف: هو صاحب الدم, ويقال: هم المشركون.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هذا المؤمن أنه عمّ بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) والشرك من الإسراف, وسفك الدم بغير حقّ من الإسراف, وقد كان مجتمعا في فرعون الأمران كلاهما, فالحقّ أن يعم ذلك كما أخبر جلّ ثناؤه عن قائله, أنه عم القول بذلك.

التدبر :

وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ هذا الرجل ﻻ يعرف اسمه وﻻ نسبه وﻻ من يكون، هي إشارة أن قيمتك بإيمانك وموقفك من الحق والباطل.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ من هو؟ لا نعرفُه، لكن اللهَ يعرفُه، هذا هو المُهم.
وقفة
[28]‏ ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ وَصْفُه بالإيمان مرتين يؤكد أنَّ كتم الدين عن العدو لتحقيق غاية سامية، درجة عالية، ومنزلة رفيعة.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ في قصة مؤمن آل فرعون إشارة إلى أن على كل واحد الإسهام في برامج الإصلاح؛ دعمًا وتسهيلًا، كل حسب موقعه، وبحسب استطاعته، فهذا شخص واحد لم تمنعه الظروف المحيطة به من أن يقول كلمة حق، قال ﷺ: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا» [مسلم 2626].
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ يكتم، إنه يغالب طوفان الإيمان الذي يجتاح الوجه واللسان والجوارح، يكتمه أن يفوح عبيره وتشع أنواره.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾، ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ﴾ [القصص: 20]، لا أهمية لذكر اسمك، الأهم أن يكون العمل خالصًا لوجه الله.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ قصة مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون آسية، فيها رسالة للرجال والنساء: أنه يمكن أن نكون إيجابيين فاعلين حتى في أكثر البيئات طغيانًا، فلنكف عن كثرة التشكي، ولنقبل على العمل.
وقفة
[28] ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إيمانَهُ﴾ لا يهم اسمك ولا صفتك، المهم عملك ما ظهر منه وما بطن.
وقفة
[28]‏ ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ قد يكون كتم الإيمان من المصلحة، وليس كل من يعمل عند ظالم هو ظالم مثله.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ لو أغلق الطاغوت نوافذ الكفر على من حوله، وأضل الناس في إعلامه، ورغبهم في الكفر؛ فهداية الله تتسلل لمن يشاء.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ الداعية الصادق في دعوته لدين الله، قد يبقي الله ذكر دعوته وإن مات إلى يوم القيامة.
وقفة
[28] ﴿وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه﴾ المواقف الصادقة في الدعوة لدين الله قد يبقي الله ذكرها إلى يوم القيامة وإن مات أصحابها ما سبب نزولها جاء في لباب النقول قال: نزلت لما عَيّر المشركون المسلمين بالفقر.
وقفة
[28] ﴿وقال رجلٌ مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه﴾ لا تحكمْ على مجتمع أو بيئة بفساد كل من فيها، ستجد النور من بين الظلمات.
وقفة
[28] ﴿وقال رجلٌ مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه﴾ قصـة مؤمن آل فرعـون في سـورة غافـر فيها عِبـرٌ عظيمـة، ولا سيمـا في هـذا الزمـن العصيب، حيث يصاب بعضُ الناس بالعجز واليأس.
وقفة
[28] ﴿وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه﴾ الإيمان عندما يزهر بالقلب؛ ترى العجب، اللهم ارزقنا ايمانًا صادقًا.
وقفة
[28] القوة إن تحولت إلى عنف ظاهر فسينكرها المنطق السليم، ثم يخلق ضدها تعاطفًا خفيًا يصعب على تلك القوة كشفه ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ﴾ حين تضطرب الموازين، ونعيش زمن غربة الدين، يكون القتل مصير الصادح بالإيمان، ويكون التكريم مصير المبطلين والمجرمين.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ﴾ قالها وهو خائف يكتم إيمانه، فحالة الاستضعاف ليست مبررًا للقعود عن العمل، والخوف ليس سببًا لترك النهي عن المنكر بالكلية.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ﴾ صاحب الفطرة السليمة يستبعد ويستصعب الاعوجاج، وأما أصحاب الفطرة المنحرفة فيستلذون به.
وقفة
[28] كتم إيمانه زمنًا؛ فأنطقه واجب الدعوة والنصح ﴿وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله﴾.
وقفة
[28] ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾ قد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالى في كتابه، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب t جرد سيفه بمكة، وقال: «والله لا أعبد الله سرا بعد اليوم».
عمل
[28] دافع عن أحد العلماء أو الدعاة ممن يستهزئ بهم السفهاء برسائلة أو كلمة مقتديًا بمؤمن آل فرعون ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾.
وقفة
[28] ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ حتى الإيمان بالله! أذن الله بكتمه في ظروف الضرورة، يا رب ما أرحمك!
وقفة
[28] ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ جواز كتمان الإيمان لمن خاف على نفسه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن المؤمن المستضعف هناك قد يكتم إيمانه واستنانه، كما كتم مؤمن آل فرعون إيمانه، وكما كان كثير من المؤمنين يكتم إيمانه حين كانوا في دار الحرب».
وقفة
[28] ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ قد يكون من المصلحة كتان الإيمان، وليس كل من عمل عند ظالم ظالمًا مثله.
وقفة
[28] ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ رغم ذبح الذراري واستحياء النساء وممارسة كافة أشكال الإرهاب، فقد تسلل الإيمان إلى هذا القلب، فللهداية أسرار، ولا يعلم إلا الله من تختار.
وقفة
[28] ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ جواز كتم الإيمان للمصلحة الراجحة أو لدرء المفسدة.
وقفة
[28] ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ﴾ قالها وهو يكتم إيمانَه، حالة الاستضعاف لا تعني تركَ إنكارِ المُنكرِ بالكليةِ.
وقفة
[28] ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ﴾ النفس المستقيمة أصعب شيء عليها الإعوجاج! وهي مكافحة له مهما كان الثمن باهظًا والتضحية كبيرة.
لمسة
[28] ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ﴾ لم يقل: (موسى)؛ إبعادًا للتهمة عن نفسه، وحتى لا يشكو في أنه قد آمن به.
وقفة
[28] ﴿أَتَقتُلونَ رَجُلًا أَن يَقولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ تعجبنا وما زلنا كيف يجرؤون على فعل ذلك؟!
وقفة
[28] عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾» [البخاري ۳6۷۸]، قال جعفر الصادق: «مؤمن آل فرعون قال ذلك سرًا، وأبو بكر قاله ظاهرًا».
وقفة
[28] ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ ولم يكن ذلك لشكٍ منه في رسالته وصدقه، ولكن تلطفًا في الاستكفاف، واستنزالًا عن الأذى.
لمسة
[28] ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ قدّم مؤمن آل فرعون الكذب في خطابه على الصدق؛ وذلك لئلا يعتقد القوم أنه متعصب لموسى.
وقفة
[28] ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ بدأ بفرضية كذب موسى؛ تأليفًا لقلب الخصم، ومبالغة في نفي الشبهة.
وقفة
[28] من التجارب النافعة لبعض العقلاء: عدم الانزعاج من النقد، أو إشغال النفس بقصد الناقد ونيته؛ وإنما أفيد مما فيه – بغض النظر عن قائله وأسلوبه-، وقد تأملتُ عموم دلالة آية غافر وتقسيمها العقلي؛ فازددت قناعة بهذا المنهج، فتدبرها: ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾.
وقفة
[28] يتهمون من دعى إلى الله على بصيرة وقال ربي الله، فلم يتأملوا ما قاله مؤمن آل فرعون ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾.
لمسة
[28] ﴿وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ وإنما قال: (بعض)، ولم يقل: (كل) مع أن الذي يصيبهم هو كل ما يعدهم؛ ليلاطفهم في الكلام، ويبعد عن التعصب لموسى، ويظهر النصيحة لفرعون وقومه، فيرتجى إجابتهم للحق.
وقفة
[28] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ ﻻ تجد المسرف بالباطل إﻻ كذابًا.
وقفة
[28] ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ يجوز أن يكون الكلام عن فرعون حقيقة، أو عن موسى على سبيل التنزل مع الخصم.
وقفة
[28] من أبعد الناس عن الهداية من أسرف في المعاصي ثم كذب وزعم أن الله أمر بها ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.
وقفة
[28] الكذاب يعرف الحقيقة ويقول غيرها فما فائدة أن يعرف الحقيقة أصلًا ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ أرأيتم أنه العدل.
تفاعل
[28] استعذ بالله من الإسراف والكذب والكبر ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.
وقفة
[28] المسرف الكذَّاب أي: المتجاوز للحد بفعله (لأنه مسرف) وبقوله (لأنه كذاب) فإنه بعيد من الهداية؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾.
وقفة
[28، 29] ﴿وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه﴾ حوار مؤمن آل فرعون مع قومه المجادلين درس لكل داعية في اختيار الأسلوب المناسب للخطاب: التدرج والتنزُّل مع المخاطب.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ:
  • الواو عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح.رجل: فاعل مرفوع بالضمة. مؤمن: صفة لرجل مرفوع مثله بالضمة.
  • ﴿ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ:
  • جار ومجرور في رفع صفة ثانية لرجل. أو صلة ليكتم:أي يكتم ايمانه من آل فرعون أي من أهله وأقربائه. فرعون: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والمعرفة.
  • ﴿ يَكْتُمُ إِيمانَهُ:
  • الجملة الفعلية في محل رفع صفة ثالثة لرجل. يكتم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ايمانه: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً:
  • الهمزة همزة انكار بلفظ‍ استفهام والجملة في محل نصب مفعول به-مقول القول-تقتلون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. رجلا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ أَنْ يَقُولَ:
  • حرف مصدري ناصب. يقول: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «يقول» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب. و «أن» وما بعدها فيمحل نصب مفعول له بتقدير: لأن يقول. وهذا انكار منه عظيم وتبكيت شديد بمعنى: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم علة قط‍ في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله رَبِّيَ اللهُ» وهو ربكم أيضا. ويجوز أن تكون «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر مضافا اليه والمضاف محذوفا. بتقدير: وقت أن يقول بمعنى: أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول
  • ﴿ رَبِّيَ اللهُ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به-مقول القول-ربي:مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. الله لفظ‍ الجلالة:خبر مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ وَقَدْ جاءَكُمْ:
  • الواو حالية والجملة بعدها في محل نصب حال من «رجل» لأنه بمنزلة المعرفة بعد أن وصف أو من الضمير المستكن في «يكتم» قد: حرف تحقيق. جاء: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بجاءكم. من: ربكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة بتقدير: حالة كونها موحاة من ربكم والميم علامة جمع الذكور أي بالآيات البينات فحذف الموصوف. وأقيمت الصفة مقامه.
  • ﴿ وَإِنْ يَكُ كاذِباً:
  • الواو استئنافية. ان: حرف شرط‍ جازم. يك: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بان وعلامة جزمه سكون آخره النون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين وحذفت النون للتخفيف واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. كاذبا: خبر «يكن» منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مسبوق بجار مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط‍.عليه: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم.كذبه: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. بمعنى: يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره.
  • ﴿ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ:
  • معطوفة بالواو على إِنْ يَكُ كاذِباً» وتعرب اعرابها. يصب: فعل مضارع جواب الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره. و «كم» أعربت في «جاءكم» وحذفت ياء «يصبكم» لالتقاء الساكنين. وبقيت الضمة في «يك» دالة على الواو المحذوفة
  • ﴿ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة. يعد: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. «وكم» أعربت في «جاءكم» وجملة «يعدكم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. وحذفت صلتها أي:الذي يعدكم به.
  • ﴿ إِنَّ اللهَ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «انّ» منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ لا يَهْدِي مَنْ:
  • الجملة الفعلية: في محل رفع خبر «ان» لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. والجملة الاسمية بعده: صلته لا محل لها من الاعراب
  • ﴿ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ:
  • ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.مسرف كذاب: خبرا «هو» خبر بعد خبر مرفوعان بالضمة. ويجوز أن تكون «كذاب» صفة لمسرف. أي كثير الكذب من صيغ المبالغة.'

المتشابهات :

الزمر: 3﴿إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ
غافر: 28﴿وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     ولَمَّا حكَى اللهُ عن موسى عليه السَّلامُ أنَّه ما زاد في دَفْعِ مَكْرِ فِرعَونَ وشَرِّه على الاستِعاذةِ باللهِ؛ بَيَّنَ هنا أنَّه تعالَى قيَّضَ إنسانًا آخَرَ غيرَ موسى حتى ذَبَّ عنه على أحسَنِ الوُجوهِ، وبالغَ في تَسكينِ تلك الفِتنةِ، واجتهَدَ في إزالةِ ذلك الشَّرِّ، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

رجل:
1- بضم الجيم، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بسكونها، وهى لغة تميم ونجد، وبها قرأ عيسى، وعبد الوارث، وعبيد بن عقيل، وحمزة ابن القاسم، عن أبى عمرو.

مدارسة الآية : [29] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ..

التفسير :

[29] يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في أرض «مصر» على رعيتكم من بني إسرائيل وغيرهم، فمَن يدفع عنا عذاب الله إن حلَّ بنا؟ قال فرعون لقومه مجيباً:ما أريكم -أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحاً وصواباً، وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق وال

ثم حذر قومه ونصحهم، وخوفهم عذاب الآخرة، ونهاهم عن الاغترار بالملك الظاهر، فقال:{ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أي:في الدنيا{ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} على رعيتكم، تنفذون فيهم ما شئتم من التدبير، فهبكم حصل لكم ذلك وتم، ولن يتم،{ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} أي:عذابه{ إِنْ جَاءَنَا} ؟ وهذا من حسن دعوته، حيث جعل الأمر مشتركًا بينه وبينهم بقوله:{ فَمَنْ يَنْصُرُنَا} وقوله:{ إِنْ جَاءَنَا} ليفهمهم أنه ينصح لهم كما ينصح لنفسه، ويرضى لهم ما يرضى لنفسه.

فـ{ قَالَ فِرْعَوْنُ} معارضًا له في ذلك، ومغررًا لقومه أن يتبعوا موسى:{ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} وصدق في قوله:{ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} ولكن ما الذي رأى؟

رأى أن يستخف قومه فيتابعوه، ليقيم بهم رياسته، ولم ير الحق معه، بل رأى الحق مع موسى، وجحد به مستيقنًا له.

وكذب في قوله:{ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} فإن هذا قلب للحق، فلو أمرهم باتباعه اتباعًا مجردًا على كفره وضلاله، لكان الشر أهون، ولكنه أمرهم باتباعه، وزعم أن في اتباعه اتباع الحق وفي اتباع الحق، اتباع الضلال.

ثم أخذ في تذكيرهم بنعم الله عليهم، وفي تحذيرهم من نقمه فقال: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا.

أى: وقال الرجل المؤمن لقومه- أيضا-: يا قوم، أى: يا أهلى ويا عشيرتي، أنتم اليوم لكم الملك، حالة كونكم ظاهرين، أى: غالبين ومنتصرين في أرض مصر، عالين فيها على بني إسرائيل قوم موسى.

وإذا كان أمرنا كذلك، فمن يستطيع أن ينصرنا من عذاب الله، إن أرسله علينا، بسبب عدم شكرنا له، واعتدائنا على خلقه.

وإنما نسب إليهم ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض دون أن يسلك نفسه معهم، وسلك نفسه معهم في موطن التحذير، تطييبا لقلوبهم، وإيذانا بأنه ناصح أمين لهم، وأنه لا يهمه سوى منفعتهم ومصلحتهم..

وهنا نجد القرآن الكريم يخبرنا بأن فرعون بعد أن استمع إلى نصيحة الرجل المؤمن، أخذته العزة بالإثم، وقال ما يقوله كل طاغية معجب بنفسه: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ.

أى: قال فرعون لقومه، في رده على نصيحة الرجل المؤمن: يا قوم لا أشير عليكم ولا أخبركم إلا بما أراه صوابا وخيرا، وهو أن أقتل موسى- عليه السلام- وما أهديكم برأيى هذا إلا إلى طريق السداد والرشاد.

وغرض فرعون بهذا القول، التدليس والتمويه على قومه. وأنه ما يريد إلا منفعتهم، مع أن الدافع الحقيقي لقوله هذا، هو التخلص من موسى حتى يخلو له الجو في تأليه نفسه على جهلة قومه، فإنهم كانوا كما قال- تعالى- في شأنهم: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.

ثم قال المؤمن محذرا قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم : ( يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ) أي : قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض ، فراعوا هذه النعمة بشكر الله ، وتصديق رسوله - صلى الله عليه وسلم - واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله ، ( فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ) أي : لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ، ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء .

( قال فرعون ) لقومه ، رادا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون : ( ما أريكم إلا ما أرى ) أي : ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون ، فإنه كان يتحقق صدق موسى فيما جاء به من الرسالة ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) [ الإسراء : 102 ] ، وقال الله تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) [ النمل : 14 ] .

فقوله : ( ما أريكم إلا ما أرى ) كذب فيه وافترى ، وخان الله ورسوله ورعيته ، فغشهم وما نصحهم وكذا قوله : ( وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) أي : وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك ، وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه ، قال الله تعالى : ( فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد ) [ هود : 97 ] ، وقال تعالى : ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) [ طه : 79 ] ، وفي الحديث : " ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام " .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه: ( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ ) يعني: أرض مصر, يقول: لكم السلطان اليوم والملك ظاهرين أنتم على بنى إسرائيل في أرض مصر ( فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ ) يقول: فمن يدفع عنا بأس الله وسطوته إن حل بنا, وعقوبته أن جاءتنا, قال فرعون ( مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى ) يقول: قال فرعون مجيبا لهذا المؤمن الناهي عن قتل موسى: ما أريكم أيها الناس من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا, وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. يقول: وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب في أمر موسى وقتله, فإنكم إن لم تقتلوه بدل دينكم, وأظهر في أرضكم الفساد.

التدبر :

وقفة
[29] ﴿فمن ينصرنا من بأس الله﴾ تحدث بلغة المصير المشترك حتى يكون للنصيحة أثر.
وقفة
[29] ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّـهِ إِن جَاءَنَا﴾ الداعيةُ الحاذقُ هو الذي يُدخلُ نفسَه في الخطابِ ببراعةٍ، مع أنَّ المقصودَ غيره، حتَّى لا يدَّعي التَّفردَ بالنَّجاة.
وقفة
[29] ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّـهِ إِن جَاءَنَا﴾ أدخل نفسه في الخطاب ليستميل قومه، ويؤلّف قلوبهم، هذه حكمة كل داعية.
وقفة
[29] ﴿فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا﴾ يحتاج الداعية بعض الأحيان أن يُدخل نفسه في الحديث مع أن المقصود غيره.
وقفة
[29] ﴿فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا﴾ صرخة النذير الناصح قبل نزول العذاب.
وقفة
[29] ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ لغة الطغاة الاستبداد بالرأي والمكابرة عن الحق!
وقفة
[29] ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ﴾ أصل الطغيان فكر ورؤية، الطغاة ليسوا بالضرورة أن يكونوا حكامًا، ربما كانوا مفكرين تصنعهم الجموع العمياء.
وقفة
[29] ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ﴾ ﻻ أحد يسفه رأيه وينقص من قيمته أبدًا، حتى فرعون يرى أن رأيه صواب وفكره رشيد وقوله سديد، طبيعة البشر!
وقفة
[29] ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ﴾ الاستبداد بالرأي مصيبة خاصة إن جاء من رأس الهرم بالسلطة! ما ضاعت الرعية والشعوب إﻻ من هذه الحماقات.
وقفة
[29] ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ﴾ الاستبداد فكرة، والفكرة لا تموت، وحامل هذه البذرة قد يكون أبًا أو أمًّا أو مديرًا أو أميرًا أو حاكم أو أي صاحب مسؤولية.
وقفة
[29] ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ﴾ من مهلكات الفرد: إعجاب كل ذي رأى برأيه، فإذا كان قائدًا، كان ذلك سبب هلاك الأمة.
وقفة
[29] خمسُ آياتٍ تختصر أمراض القلوب: الحسد: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ [الأعراف: 12]، الاستبداد: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾، الجحود: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص: 78]، الاستكبار: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: 51]، الغرور: ﴿ما أظن أن تبيد هذه أبدًا﴾ [الكهف: 35].
وقفة
[29] قال فرعون: ﴿أنا ربكم اﻷعلى﴾ [النازعات: 24] فكفروا به، فقال: ﴿ما أريكم إﻻ ما أرى﴾ فكثر عددهم، فقال: ﴿إن هؤﻻء لشرذمة قليلون﴾ [الشعراء: 54] فصاروا قوة، فقال: ﴿وإنا لجميع حاذرون﴾ [الشعراء: 56]، ثم أُغرق.
وقفة
[29] شتان شتان بين ﴿ما أريكم إﻻ ما أرى﴾، و﴿وشاورهم في الأمر﴾ [آل عمران: 159] وهو نبي يوحى إليه!
عمل
[29] لا تسمح لأحد أن يحجب عنك الحقيقة ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يا قَوْمِ:
  • يا: أداة نداء. قوم: منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي الحركة الدالة على ياء المتكلم المحذوفة. والياء: ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لَكُمُ الْمُلْكُ:
  • جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. الملك:مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ الْيَوْمَ:
  • ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة. أي انكم أصحاب الملك.
  • ﴿ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ:
  • حال من ضمير المخاطبين منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. في الأرض: جار ومجرور متعلق بظاهرين. أي متغلبين أو عالين.
  • ﴿ فَمَنْ يَنْصُرُنا:
  • الفاء استئنافية أو رابطة لجواب شرط‍ متقدم. من: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ينصر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو و «نا» ضمير متصل-ضمير المتكلمين-مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «ينصرنا» في محل رفع خبر «من».
  • ﴿ مِنْ بَأْسِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بينصرنا. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. أي من عذاب الله.
  • ﴿ إِنْ جاءَنا:
  • حرف شرط‍ جازم. جاء: فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط‍ في محل جزم بإن والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو.و«نا» أعربت في «ينصرنا» وحذف جواب الشرط‍ لتقدم معناه.
  • ﴿ قالَ فِرْعَوْنُ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. فرعون: فاعل مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف.
  • ﴿ ما أُرِيكُمْ:
  • نافية لا عمل لها. اريكم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا.الكاف ضمير متصل-ضمير المخاطبين-مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. والجملة وما بعدها: في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ إِلاّ ما أَرى:
  • أداة حصر لا عمل لها. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان و «أرى» فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا.وجملة «أرى» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير: الا ما أراه بمعنى:ما أشير عليكم برأي الا بما أرى من قتله. أي لا أستصوب الا قتله وهذا الذي تقولونه غير صواب
  • ﴿ وَما أَهْدِيكُمْ:
  • معطوفة بالواو على ما أُرِيكُمْ» وتعرب اعرابها. بمعنى:وما أهديكم بهذا الرأي. أي وما أرشدكم.
  • ﴿ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ:
  • أداة حصر لا عمل لها. سبيل: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الرشاد: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. أي الا طريق الصواب.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ أنَّه لا يجوزُ الإقدامُ على قَتلِ موسى؛ انتهَزَ فُرصةَ انكسارِ قُلوبِهم، فخوَّفَهم بعَذابِ اللهِ، ونهاهم عن الاغترار بالملك الظاهر، قال تعالى:
﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [30] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ ..

التفسير :

[30] وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه واعظاً ومحذراً:إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى، مثل يوم الأحزاب الذين تحزَّبوا على أنبيائهم.

{ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} مكررًا دعوة قومه غير آيس من هدايتهم، كما هي حالة الدعاة إلى الله تعالى، لا يزالون يدعون إلى ربهم، ولا يردهم عن ذلك راد، ولا يثنيهم عتو من دعوه عن تكرار الدعوة فقال لهم:{ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ} يعني الأمم المكذبين، الذين تحزبوا على أنبيائهم، واجتمعوا على معارضتهم.

ولكن الرجل المؤمن لم يسكت أمام هذا التدليس والتمويه الذي نطق به فرعون، بل استرسل في نصحه لقومه. وحكى القرآن عنه ذلك فقال: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ...

أى قال لهم: يا قوم إنى أخاف عليكم إذا تعرضتم لموسى- عليه السلام- بالقتل أو بالتكذيب، أن ينزل بكم عذاب مثل العذاب الذي نزل على الأمم الماضية التي تحزبت على أنبيائها، وأعرضت عن دعوتهم، فكانت عاقبتها خسرا..

فالمراد بالأحزاب: تلك الأمم السابقة التي وقفت من أنبيائها موقف العداء والبغضاء.

وكأن تلك الأمم من حزب، والأنبياء من حزب آخر..

والمراد باليوم هنا: الأحداث والوقائع والعقوبات التي حدثت فيه. فالكلام على حذف مضاف.

أى: أخاف عليكم مثل حادث يوم الأحزاب.

هذا إخبار من الله - عز وجل - عن هذا الرجل الصالح ، مؤمن آل فرعون : أنه حذر قومه بأس الله في الدنيا والآخرة فقال : ( يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ) أي : الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر ،

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30)

يقول تعالى ذكره: وقال المؤمن من آل فرعون لفرعون وملثه: يا قوم إني أخاف عليكم بقتلكم موسى إن قتلتموه مثل يوم الأحزاب الذين تحزّبوا على رسل الله نوح وهود وصالح, فأهلكهم الله بتجرّئهم عليه, فيهلككم كما أهلكهم.

التدبر :

وقفة
[30] ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ﴾ مكررًا دعوة قومه، غير آيس من هدايتهم، كما هي حالة الدعاة إلى الله تعالى؛ لا يزالون يدعون إلى ربهم، ولا يردهم عن ذلك راد، ولا يثنيهم عتو من دعوه عن تكرار الدعوة.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم﴾، ﴿فوقاه الله سيئآت مامكروا﴾ [45] الأمر بالمعروف منجاة من الفتن.
وقفة
[30] ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾ تحزب أهل الباطل لمحاربة المصلحين هي سنة ماضية من عهود النبيين وحتى يوم الدين.
وقفة
[30] ﴿وَقالَ الَّذي آمَنَ يا قَومِ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم مِثلَ يَومِ الأَحزابِ﴾ المؤمن دائمًا منشغل بأمر غيره.
وقفة
[30] ﴿وَقالَ الَّذي آمَنَ يا قَومِ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم مِثلَ يَومِ الأَحزابِ﴾ حين تؤمن؛ وقتها ستقول الحق بلا خوف.
وقفة
[30] تقديم النصح للناس من صفات أهل الإيمان ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾.
عمل
[30] ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ عبر عن مشاعرك بحرارة تجاه قومك ووطنك، أظهر مشاعرك الحقيقية على مستقبلهم، حدثهم عن حبك لمستقبل باسم لهم.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ الَّذِي آمَنَ:
  • الواو عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح. الذي:اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. آمن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «أمن» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ:
  • يا قوم: أعربت في الآية الكريمة السابقة. اني أخاف:أعربت في الآية السادسة والعشرين.
  • ﴿ عَلَيْكُمْ مِثْلَ:
  • جار ومجرور متعلق بأخاف والميم علامة جمع الذكور. مثل:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ يَوْمِ الْأَحْزابِ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الأحزاب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.بمعنى: اني أخاف عليكم ان تعرضتم له أن يصيبكم مثل ما أصاب الأمم السابقة أي مثل أيامهم واقتصر على المفرد «يوم» لأن المضاف اليه أغنى عن ذلك'

المتشابهات :

غافر: 30﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ
غافر: 32﴿وَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم يَوْمَ التَّنَادِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعد أن خَوَّفَهم مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ بعَذابِ اللهِ؛ خَوَّفَهم هنا أنْ يُصيبَهم ما أصابَ الأُمَمَ السَّابِقةَ مِن استِئصالِ الهَلاكِ حين كَذَّبوا رسُلَهم، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ ..

التفسير :

[31] مثلَ عادة قوم نوح وعاد وثمود ومَن جاء بعدهم في الكفر والتكذيب، أهلكهم الله بسبب ذلك. وما الله سبحانه يريد ظلماً للعباد، فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه. تعالى الله عن الظلم والنقص علوّاً كبيراً.

{ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي:مثل عادتهم في الكفر والتكذيب وعادة الله فيهم بالعقوبة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة،{ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه، ولا جرم أسلفوه.

وقوله: مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ... بدل أو عطف بيان من قوله مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ.

والدأب: العادة الدائمة المستمرة يقال: دأب فلان على كذا، إذا داوم عليه وجد فيه، ثم غلب استعماله في الحال والشأن والعادة.

أى: أخاف عليكم أن يكون حالكم وشأنكم كحال قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم كقوم لوط، فهؤلاء الأقوام كذبوا أنبياءهم فدمرهم الله- تعالى- تدميرا، فاحذروا أن تسيروا على نهجهم بأن تقصدوا موسى- عليه السلام- بالقتل أو الإيذاء، فينزل بكم العذاب مثل ما نزل بهم.

وَمَا اللَّهُ- تعالى- يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ أى: فما أنزله- سبحانه- بهم من عذاب، إنما هو بسبب إصرارهم على شركهم. وعلى الإعراض عن دعوة أنبيائهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

كقوم نوح وعاد وثمود ، والذين من بعدهم من الأمم المكذبة ، كيف حل بهم بأس الله ، وما رده عنهم راد ، ولا صده عنهم صاد .

( وما الله يريد ظلما للعباد ) أي : إنما أهلكهم الله بذنوبهم ، وتكذيبهم رسله ، ومخالفتهم أمره . فأنفذ فيهم قدره ،

وقوله: ( مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ ) يقول: يفعل ذلك بكم فيهلككم مثل سنته في قوم نوح وعاد وثمود وفعله بهم. وقد بيَّنا معنى الدأب فيما مضى بشواهده, المغنية عن إعادته, مع ذكر أقوال أهل التأويل فيه.

وقد حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ ) يقول: مثل حال.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ ) قال: مثل ما أصابهم.

وقوله: ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) يعني قوم إبراهيم, وقوم لوط, وهم أيضا من الأحزاب.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) قال: هم الأحزاب.

وقوله: ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه: وما أهلك الله هذه الأحزاب من هذه الأمم ظلما منه لهم بغير جرم اجترموه بينهم وبينه, لأنه لا يريد ظلم عباده, ولا يشاؤه, ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به, وخلافهم أمره.

التدبر :

وقفة
[31] ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ أعمى البصيرة لن ينفعه مثل هذا التذكير، ومن ختم الله على قلبه فسينسى أخبار الهالكين والمعذبين.
وقفة
[31] ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ عقوبة قوم نوح ماء، وعقوبة قوم عاد هواء، لا أمان للأشياء البسيطة إذا لم تكن في رعاية الله.
وقفة
[31] ﴿مِثلَ دَأبِ قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثَمودَ وَالَّذينَ مِن بَعدِهِم﴾ ولهذا يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتعظون، ويأخذون العبر.
عمل
[31] ﴿وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ عندما تقلب النظر بحالك وحال غيرك ﻻ تسول لك نفسك أن الله يحيف عليك، فهنالك حكمة ﻻ تظهر لك اﻵن.
وقفة
[31] يطلق الظلم على أمرين: الشرك بالله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، ويطلق على المعاملة بغير الحق، وقد جمع قوله: ﴿وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ كلا النوعين، فالله لا يريد صدور ظلم من عباده بالشرك، ولا يشاء أن يظلم عباده.

الإعراب :

  • ﴿ مِثْلَ دَأْبِ:
  • مثل: عطف بيان لمثل الوارد في الآية السابقة وهو مضاف.دأب: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. أي مثل جزاء دأب. فحذف المضاف «جزاء» وحلّ محله المضاف اليه «دأب».
  • ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ:
  • مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. نوح: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. وعاد:معطوف بالواو على «قوم» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة ولم يمنع «نوح» من الصرف رغم عجمته لأنه ثلاثي أوسطه ساكن و «عاد» صرفت أيضا لأن المراد اسم الحي أو الاهل وليس القبيلة.
  • ﴿ وَثَمُودَ:
  • معطوفة بالواو على «عاد» مجرورة بالفتحة بدلا من الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف للتأنيث والمعرفة لأن المراد بها اسم القبيلة.
  • ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ:
  • الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر لأنه معطوف على مجرور. من بعد: جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَمَا اللهُ:
  • الواو استئنافية. ما: نافية بمنزلة «ليس» عند الحجازيين ونافية لا عمل لها عند بني تميم ولفظ‍ الجلالة: اسم مرفوع للتعظيم لأنه اسم «ما» على اللغة الأولى ومبتدأ على اللغة الثانية مثل قوله تعالى وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ» ولكن القول الأول أبلغ اذ جعل المنفي ارادة الظلم لأن من كان عن ارادة الظلم بعيدا فهو عن الظلم أبعد. وعلامة رفعه الضمة.
  • ﴿ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ:
  • الجملة الفعلية: في محل نصب خبر «ما» على اللغة الأولى وفي محل رفع خبر المبتدأ على اللغة الثانية. يريد: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ظلما:مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. للعباد: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ظلما» وقد نكر «الظلم» لأنه نفى أن يريد أي ظلم لعباده.'

المتشابهات :

ابراهيم: 9﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّـهُ
غافر: 31﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     وبعد أن أجمَل؛ بَيَّنَ هنا وفسَّر الأحزابَ، قال تعالى:
﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [32] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ..

التفسير :

[32] ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم القيامة، يوم ينادي فيه بعض الناس بعضاً؛ من هول الموقف في ذلك اليوم.

ولما خوفهم العقوبات الدنيوية، خوفهم العقوبات الأخروية، فقال:{ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمِ التَّنَادِ} أي:يوم القيامة، حين ينادي أهل الجنة أهل النار:{ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} إلى آخر الآيات.

{ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}

وحين ينادي أهل النار مالكًا{ ليقض علينا ربك} فيقول:{ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} وحين ينادون ربهم:{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فيجيبهم:{ اخْسؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} وحين يقال للمشركين:{ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ}

ثم يواصل الرجل المؤمن تذكير قومه بأهوال يوم القيامة فيقول: وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ.

أخاف عليكم يوم القيامة الذي يكثر فيه نداء أهل الجنة لأهل النار. ونداء أهل النار لأهل الجنة، ونداء الملائكة لأهل السعادة وأهل الشقاوة.

فلفظ «التناد» - بتخفيف الدال وحذف الياء- تفاعل من النداء، يقال: تنادى القوم، إذا نادى بعضهم بعضا..

ثم قال : ( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) يعني : يوم القيامة ، وسمي بذلك قال بعضهم : لما جاء في حديث الصور : إن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر ، وماجت وارتجت ، فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا .

وقال آخرون منهم الضحاك : بل ذلك إذا جيء بجهنم ، ذهب الناس هرابا ، فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر ، وهو قوله تعالى : ( والملك على أرجائها ) [ الحاقة : 17 ] ، وقوله ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) [ الرحمن : 33 ] .

وقد روي عن ابن عباس ، والحسن ، والضحاك : أنهم قرؤوا : " يوم التناد " بتشديد الدال من ند البعير : إذا شرد وذهب .

وقيل : لأن الميزان عنده ملك ، وإذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته : ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وإن خف عمله نادى : ألا قد شقي فلان بن فلان .

وقال قتادة : ينادى كل قوم بأعمالهم : ينادى أهل الجنة : أهل الجنة ، وأهل النار : أهل النار .

وقيل : سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار : ( أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم ) [ الأعراف : 44 ] . ومناداة أهل النار أهل الجنة : ( أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ) [ الأعراف : 50 ] ، ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار ، كما هو مذكور في سورة الأعراف .

واختار البغوي وغيره : أنه سمي بذلك لمجموع ذلك . وهو قول حسن جيد ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لفرعون وقومه: ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ) بقتلكم موسى إن قتلتموه عقاب الله ( يَوْمَ التَّنَادِ ) .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( يَوْمَ التَّنَادِ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: ( يَوْمَ التَّنَادِ ) بتخفيف الدال, وترك إثبات الياء, بمعنى التفاعل, من تنادى القوم تناديا, كما قال جلّ ثناؤه: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ وقال: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ فلذلك تأوله قارئو ذلك كذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاريّ, قال: ثنا سعيد, عن قتادة أنه قال في هذه الآية ( يَوْمَ التَّنَادِ ) قال: يوم ينادي أهل النار أهل الجنة: أن أفيضوا علينا من الماء.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ) يوم ينادي أهل الجنة أهل النار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا وينادي أهل النار أهل الجنة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( يَوْمَ التَّنَادِ ) قال: يوم القيامة ينادي أهل الجنة أهل النار.

وقد روي عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في معنى ذلك على هذه القراءة تأويل آخر على غير هذا الوجه.

وهو ما حدثنا به أبو كريب, قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, عن إسماعيل بن رافع المدني, عن يزيد بن زياد, عن محمد بن كعب القرظيّ, عن رجل من الأنصار, عن أبي هريرة, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولَى, فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فَفَزِعَ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ الله, وَيَأْمُرُهُ الله أنْ يُدِيمَهَا وَيُطَوِّلَهَا فَلا يَفْتَرُ, وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللهُ: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَيُسَيِّرُ اللهُ الجِبَالَ فَتَكُونَ سَرَابًا, فَتُرَجُّ الأرْضُ بأهْلِها رَجًّا, وَهِيَ التي يَقُولُ اللهُ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ فَتَكُونُ كالسَّفِينَة المُرْتَعَةِ فِي البَحْرِ تَضرِبُها الأمْوَاجُ تَكْفَأُ بأهْلِهَا, أوْ كالقِنْدِيلِ المُعَلَّقِ بالعَرْشِ تَرُجُّهُ الأرْوَاحُ, فَتَمِيدُ النَّاسَ عَلى ظَهْرِها, فَتَذْهَلُ المَرَاضِعُ, وَتَضَعُ الحَوَامِلُ, وَتَشِيبُ الوِلْدَانُ, وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً حتى تأتي الأقْطارَ, فَتَلَقَّاها المَلائِكَةُ, فَتَضْرِبُ وُجُوهَها, فَتَرْجِعَ وَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ, يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا, وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ الله: ( يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ )".

فعلى هذا التأويل معنى الكلام: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضا من فزع نفخة الفزع.

وقرأ ذلك آخرون: " يَوْمَ التَّنَادِّ" بتشديد الدال, بمعنى: التفاعل من النَّدّ, وذلك إذا هربوا فنَدُّوا في الأرض, كما تَنِدّ الإبل: إذا شَرَدَت على أربابها.

* ذكر من قال ذلك, وذكر المعنى الذي قَصَد بقراءته ذلك كذلك.

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ, قال: ثنا أبو أسامة, عن الأجلح, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, قال: إذا كان يوم القيامة, أمر الله السماء الدنيا فتشقَّقت بأهلها, ونـزل من فيها من الملائكة, فأحاطوا بالأرض ومن عليها, ثم الثانية, ثم الثالثة, ثم الرابعة, ثم الخامسة, ثم السادسة, ثم السابعة, فصفوا صفا دون صف, ثم ينـزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم, فإذا رآها أهل الأرض نَدُّوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا السبعة صفوف من الملائكة, فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه, فذلك قول الله: ( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) وذلك قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ وقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ وذلك قوله: وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا .

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( يَوْمَ التَّنَادِ ) قال: تَنِدون ورُوِي عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: " يَوْمَ التَّنَادِي" بإثبات الياء وتخفيف الدال.

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار, وهو تخفيف الدال وبغير إثبات الياء, وذلك أن ذلك هو القراءة التي عليها الحجة مجمعة من قرّاء الأمصار, وغير جائز خلافها فيما جاءت به نقلا. فإذا كان ذلك هو الصواب, فمعنى الكلام: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضا, إما من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان الله, وفظاعة ما غشيهم من كرب ذلك اليوم, وإما لتذكير بعضُهم بعضا إنجاز إلله إياهم الوعد الذي وعدهم في الدنيا, واستغاثة من بعضهم ببعض, مما لقي من عظيم البلاء فيه.

التدبر :

وقفة
[32] ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ قلة هم أصحاب الكلمة المسموعة ممن يملكون (ضمير حي)، هدفه المصلحة العامة والخوف الحقيقي على جميع الناس.
وقفة
[32] ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم، وينادي بعضهم بعضًا؛ فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة، وينادى أصحاب الأعراف، وينادى بالسعادة والشقاوة: ألا إن فلان ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وفلان ابن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا، وينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
وقفة
[32] ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ قال القرطبي: «زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه، إما مستسلمًا موطِّنًا نفسه على القتل، أو واثقًا بأنهم لا يقصدونه بسوء».
وقفة
[32] ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ تنويع الخطاب الدعوي بعد أن خوّف قومه من العذاب الدنيوي، أتبع ذل بتخويفهم من العذاب الأخروي.
وقفة
[32] الناصحون الصادقون على الناس خائفون ﴿إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن﴾ [مريم: 45]، ﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾ [الشعراء: 135]، ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾.
وقفة
[32] ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ تشمل معنيين: 1- التباعد، أي يبتعد بعضهم عن بعض. 2- المناداة، ينادي بعضهم على بعض.

الإعراب :

  • ﴿ وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ
  • هذه الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة الثلاثين. وحذفت الياء من «التناد» خطا واختصارا واكتفاء بالكسرة ولأنها رأس آية. بمعنى يوم الآخرة أي يوم يتنادى الناس في ذلك اليوم من هول الفزع أي ينادي بعضهم بعضا.'

المتشابهات :

غافر: 30﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ
غافر: 32﴿وَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم يَوْمَ التَّنَادِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     وبعد أن خَوَّفَهم أنْ يَحُلَّ بهم في الدُّنيا ما حَلَّ بالأحزابِ؛ خَوَّفَهم هنا أمْرَ الآخِرةِ، قال تعالى:
﴿ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

التناد:
وقرئ:
1- بسكون الدال، فى الوصل، إجراء له مجرى الوقف، وهى قراءة فرقة.
2- بتشديد الدال، من: ند البعير، إذا هرب، وهى قراءة ابن الضحاك، وأبى صالح، والكلبي، والزعفراني، وابن مقسم.

مدارسة الآية : [33] :غافر     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم ..

التفسير :

[33] يوم تولون ذاهبين هاربين، ما لكم من الله مِن مانع يمنعكم وناصر ينصركم. ومَن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده، فما له من هاد يهديه إلى الحق والصواب.

فخوفهم رضي الله عنه هذا اليوم المهول، وتوجع لهم أن أقاموا على شركهم بذلك، ولهذا قال:{ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِين} أي:قد ذهب بكم إلى النار{ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} لا من أنفسكم قوة تدفعون بها عذاب الله، ولا ينصركم من دونه من أحد{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}

{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} لأن الهدى بيد الله تعالى، فإذا منع عبده الهدى لعلمه أنه غير لائق به، لخبثه، فلا سبيل إلى هدايته.

وقوله: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ ... بدل من يوم التناد. أى:

أخاف عليكم من أهوال يوم القيامة، يوم تنصرفون عن موقف الحساب والجزاء فتتلقاكم النار بلهيبها وسعيرها، وتحاولون الهرب منها فلا تستطيعون. لأنه لا عاصم لكم ولا مانع في هذا اليوم من عذاب الله- تعالى- وعقابه.

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ أى: ومن يضلله الله- تعالى- عن طريق الحق بسبب سوء استعداده، واستحبابه العمى على الهدى. فما له من هاد يهديه إلى الصراط المستقيم.

وهكذا نجد الرجل المؤمن بعد أن خوف قومه من العذاب الدنيوي، أتبع ذلك بتخويفهم من العذاب الأخروى.

وقوله : ( يوم تولون مدبرين ) أي : ذاهبين هاربين ، ( كلا لا وزر . إلى ربك يومئذ المستقر ) [ القيامة : 11 ، 12 ] ولهذا قال : ( ما لكم من الله من عاصم ) أي : ما لكم مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه ، ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) أي : من أضله [ الله ] فلا هادي له غيره .

وقوله: ( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) فتأويله على التأويل الذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " يَوْمَ يُوَلُّونَ هارِبينَ فِي الأرْضِ حِذَارَ عَذَابِ اللهِ وَعِقابِهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهم جَهَنَّمَ".

وتأويله على التأويل الذي قاله قَتادة في معنى ( يَوْمَ التَّنَادِ ) : يوم تولُّون مُنْصَرِفِينَ عن موقف الحساب إلى جهنم.

وبنحو ذلك روي الخبر عنه, وعمن قال نحو مقالته في معنى ( يَوْمَ التَّنَادِ ) .

* ذكر من قال ذلك.

حدثنا بشر, قال. ثنا يزيد, قال. ثنا سعيد, عن قتادة ( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) : أي منطَلقا بكم إلى النار.

وأولى القولين في ذلك بالصواب, القول الذي رُوي عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, وإن كان الذي قاله قتادة في ذلك غير بعيد من الحقّ, وبه قال جماعه من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال. ثنا أبو عاصم, قال. ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) قال: فارّين غير معجزين.

وقوله: ( مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) يقول: ما لكم من الله مانع يمنعكم, وناصر ينصركم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال. ثنا سعيد, عن قتادة ( مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) : أي من ناصر.

وقوله: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يقول: ومن يخذله الله فلم يوفّقه لرشده, فما له من موفّق يوفّقه له.

التدبر :

وقفة
[33] ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ محاولات الهروب من أهوال يوم القيامة ومن عذاب الآخرة محاولات ساذجة يلجأ إليها من أيقن بالهلاك.
وقفة
[33] ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ في الآية فراسة ظاهرة وتعريض بتوقعه أن يكون فرعون وقومه من الضالين لأنه أحس منهم الإعراض، ولم يتوسم فيهم بشائر الانتفاع بنصحه والاهتداء.
تفاعل
[33] ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ:
  • بدل من يَوْمَ التَّنادِ» الواردة في الآية الكريمة السابقة.تولون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تولون» في محل جر بالاضافة
  • ﴿ مُدْبِرِينَ:
  • حال من ضمير «تولون» منصوبة وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد بمعنى: منصرفين عن موقف الحساب الى النار. أو فارين عن النار غير معجزين.
  • ﴿ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ:
  • أعربت في الآية الكريمة السادسة والعشرين من سورة «يونس».
  • ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ:
  • أعربت في الآية الكريمة الثالثة والعشرين من سورة «الزمر».'

المتشابهات :

الرعد: 33﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الزمر: 23﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الزمر: 36﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
غافر: 33﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا كانتْ عادةُ المتنادِينَ الإقبالَ؛ وصَفَ ذلك اليومَ بضِدِّ ذلك لشِدَّةِ الأهوالِ، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف