256678910

الإحصائيات

سورة ابراهيم
ترتيب المصحف14ترتيب النزول72
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات6.80
عدد الآيات52عدد الأجزاء0.35
عدد الأحزاب0.70عدد الأرباع2.70
ترتيب الطول33تبدأ في الجزء13
تنتهي في الجزء13عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 8/29آلر: 4/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (6) الى الآية رقم (8) عدد الآيات (3)

لمَّا أمرَ اللهُ موسى عليه السلام أن يُذَكِّرَ قومَه بأيامِ اللهِ، بَيَّنَ هنا أن موسى عليه السلام ذَكَّرَهم بها، وأخبرَهم أنَّ شكرَ النعمةِ سببٌ لزيادتِها، وكفرانَها سببٌ لزوالِها، أما اللهُ فلا ينتفعُ بشكرٍ ولا يضرُّه كفرٌ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (9) الى الآية رقم (10) عدد الآيات (2)

بعدَ ذكرِ مُحَمَّدٍ ﷺ وموسى عليه السلام مع أقوامهم؛ ذكرَ هنا حالَ رُسلٍ آخرينَ معَ أقوامِهم، وأنه جاء كُلَّ أمَّةٍ مِن الأمَمِ السَّابقةِ رَسولُهم الذي أرسَلَه اللهُ إليهم بالحُجَجِ الواضِحةِ، والمُعجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدقِ الرُّسُلِ، ثُمَّ ذكرُ بعضِ

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة ابراهيم

نعمة الإيمان ونقمة الكفر/ الدعوة إلى التوحيد والشكر

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما هي أعظم نعم الله عليك؟:   كثير من الناس إذا سئل: ما هي أعظم نعم الله عليك؟ سيجيب بالأمور المادية (المال أو البيت أو الأولاد أو الزوجة أو الوظيفة ...)، وفي المقابل إذا سئل عن أعظم مصيبة، سيجيب بالأمور الدنيوية وخسارة المال وضياع التجارة. فتأتي "سورة إبراهيم" لتصحّح هذا المفهوم وتوضح أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، وأن أسوأ مصيبة هي مصيبة الكفر والبعد عن الله تعالى. وإبراهيم عليه السلام : هو نموذج لإنسان عرف أنَّ نعمة الله هي الإيمان وقدرها وشكرها، ووظف باقي ما أنعم به الله عليه لخدمة الدين
  • • إنه إبراهيم::   الخليل، المصطفى، الحليم، الأواه، المنيب، الشاكر، الأمة، الموقن، المخلص، الخيِّر.
  • • إنه إبراهيم::   أبو الأنبياء، شيخ الحنفاء، شيخ المستسلمين لرب العالمين.
  • • إنه إبراهيم::   ثاني أعظم إنسان في تاريح البشرية.
  • • إنه إبراهيم::   الذي سبق أن مررنا به في رحلتنا المباركة مع كتاب الله (في السور السابقة): • إبراهيم الذي اختبره الله بتكاليف فقام بها خير قيام: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: 124]. • إبراهيم الذي ﴿قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾، فقال: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 131]. • إبراهيم الذي وقف أمام النمرود يقول له: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: 258]. • إبراهيم الذي سأل ربه ليطمئن قلبه، وينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: 260]. • إبراهيم الحنيف المسلم: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]. • إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125]. • إبراهيم الموقن: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: 75]. • إبراهيم الأواه الحليم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114]. • إبراهيم الحليم الأواه المنيب: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: 75].
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «إبراهيم».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام .
  • • سبب التسمية ::   لتضمنها قصة إسكانه ولده إسماعيل بمكة، وشكره لله على ما أنعم عليه.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، وأن أسوأ مصيبة هي مصيبة الكفر والبعد عن الله تعالى.
  • • علمتني السورة ::   أن الغاية من إنزال القرآن هي دعوة الناس إلى التوحيد وشكر الله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن شكر النعم باللسان والقلب والجوارح سببٌ لزيادتها: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
  • • علمتني السورة ::   الحياء من الله، فمن تخطئ بحقه لا يرغب في رؤية وجهك، إلا الله، مع أنك شارد عنه بأخطائك إلا أنه يناديك ليصفح عنك: ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة إبراهيم من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • السورة لخصت دعوة جميع الأنبياء، ورد أقوامهم عليهم، وبيان عاقبة أقوامهم في 6 آيات (الآيات: 9-14)، وقد كانت تذكر قصص الأنبياء مفصلة كما في سورتي الأعراف وهود، وإبراهيم هو أبو الأنبياء؛ فناسب أن تختص هذه السورة باسمه.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نشكر الله علي أعظم نعمة؛ نعمة الإيمان به.
    • أن نحذر من سلب النعم.
    • ألا نقف على أي باب، إنما نطرق باب من بيده مفاتيح كل شيء: ﴿اللَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (2).
    • أن نكثر من شكر الله على نعمه باللسان والقلب والجوارح: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (7).
    • أن نلقِ بِحِمْلِنا كله على الله؛ ونَسِرْ في طريق التوكل: ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (11).
    • أن نراجع أعمالنا قبل أن نخسرها يوم القيامة، هل تسرب إليها رياء أو شرك أو بدعة؟: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ (18).
    • أن نطمئن؛ حقوقنا لنْ تَضيعَ، فغدًا الضَّعيفُ والقَويُّ، الظَّالمُ والمَظلومُ، كلُّهُم سَيقِفونَ أمامَ اللهِ للحِسابِ: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (21).
    • أن نصبر على الطاعات، وعن المعاصي قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه صبرٌ أو جزع: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ (21).
    • ألا نأمن الشيطان، ونكثر من الاستعاذة بالله منه؛ فإنه سبب كل بلاء: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (22).
    • أن نجلس مع أنفسنا جلسة محاسبة، ونراجع ما مضى من أعمالنا: ﴿ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم﴾ (22).
    • ألا نستبدل تحية أهل الجنة (السلام) بغيرها من التحيات: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ (23).
    • ألا نتوقف عن غرس الكلمات الطيبة، فستبقى تؤتي أثرها كل حين، كل حين، يا للبركة: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (25).
    • ألا نتسخط على قضاء الله، بل نسلم، وافق هوانا أم لم يوافق، فلله الحكمة: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ﴾ (27).
    • أن نستشعر مراقبة الله لنا في السر والعلن: ﴿وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ (38).
    • ألا نجمع بين الوظيفتين!: ﴿ رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ ﴾ (40).
    • أن نستغفر لإخواننا الأحياء والأموات: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (41).

تمرين حفظ الصفحة : 256

256

مدارسة الآية : [6] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ ..

التفسير :

[6] واذكر -أيها الرسول- لقومك قصة موسى حين قال لبني إسرائيل:اذكروا نعمة الله عليكم حين أنجاكم من فرعون وأتباعه يذيقونكم أشد العذاب، ويذبِّحون أبناءكم الذكور، حتى لا يأتي منهم مَن يستولي على مُلْك فرعون، ويَسْتَبْقون نساءكم للخدمة والامتهان، وفي ذلكم البل

فإنه يستدل بأيامه على كمال قدرته وعميم إحسانه، وتمام عدله وحكمته، ولهذا امتثل موسى عليه السلام أمر ربه، فذكرهم نعم الله فقال:{ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي:بقلوبكم وألسنتكم.{ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ} أي:يولونكم{ سُوءَ الْعَذَابِ} أي:أشده وفسر ذلك بقوله:{ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أي:يبقونهن فلا يقتلونهن،{ وَفِي ذَلِكُمْ} الإنجاء{ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أي:نعمة عظيمة، أو وفي ذلكم العذاب الذي ابتليتم به من فرعون وملئه ابتلاء من الله عظيم لكم، لينظر هل تصبرون أم لا؟

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن موسى- عليه السلام- قد امتثل أمر ربه فقال:

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ...

و «إذ» ظرف لما مضى من الزمان، وهو متعلق بمحذوف تقديره اذكر.

والمراد بقوله: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنن التي امتن الله بها عليكم، وقوموا بحقوقها، وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم. فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها.

«آل فرعون» حاشيته وخاصته من قومه. وفرعون: لقب لملك مصر في ذلك الوقت، كما يقال لملك الروم قيصر ...

ويسومونكم من السوم وهو مطلق الذهاب أو الذهاب في ابتغاء الشيء، يقال: سامت الإبل فهي سائمة. أى: ذهبت في المرعى، وسام السلعة: إذا طلبها وابتغاها.

وسامه خسفا، إذا أذله واحتقره وكلفه فوق طاقته.

وسُوءَ الْعَذابِ أشده. والسوء- بالضم- كل ما يدخل الحزن والغم على نفس الإنسان. وهو في الأصل مصدر، ويؤنث بالألف فيقال السوأى.

وقوله وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ من الاستحياء بمعنى الاستبقاء، يقال: استحيا فلان فلانا أى: استبقاه وأصله طلب له الحياة والبقاء.

والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم- أو أيها المخاطب وقت أن قال موسى- عليه السلام- لقومه على سبيل الإرشاد والتوجيه إلى الخير: يا قوم اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أى: داوموا على شكر الله، فقد أسبغ عليكم نعما كثيرة من أبرزها أنه- سبحانه- أنجاكم من آل فرعون الذين كانوا يصبون عليكم أشد العذاب وأفظعه، وكانوا يذبحون أبناءكم الصغار، ويستبقون نساءكم ...

وجعل- سبحانه- النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه، مع أنه الآمر بتعذيب بنى إسرائيل للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا في إذاقتهم سوء العذاب.

وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل، لأن هذا الإبقاء عليهن كان المقصود منه الاعتداء عليهن، واستعمالهن في الخدمة بالاسترقاق، فبقاؤهن بعد فقد الذكور بقاء ذليل، وعذاب أليم، تأباه النفوس الكريمة.

قال الآلوسى: قوله: وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أى: ويبقونهن في الحياة مع الذل. ولذلك عد من جملة البلاء، أو لأن إبقاءهن دون البنين رزية في ذاته كما قيل:

ومن أعظم الرزء فيما أرى ... بقاء البنات وموت البنينا

وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا: الأطفال الصغار، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث إن فرعون وآله، كانوا يستعملونهم في الأعمال الشاقة والحقيرة، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال، لما قامت أم موسى بإلقائه في البحر وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.

وقال- سبحانه- هنا يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ لأن المقصود هنا تعداد المحن التي حلت ببني إسرائيل، فكان المراد بجملة يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ نوعا منه، وكان المراد بجملة وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ نوعا آخر منه، لذا وجب العطف، لأن الجملة الثانية ليست مفسرة للأولى، وإنما هي تمثل نوعا آخر من العذاب الذي حل ببني إسرائيل.

بخلاف قوله- تعالى- في سورة البقرة يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ بدون واو العطف. لأن الجملة الثانية بيان وتفسير للجملة الأولى. فيكون المراد من سوء العذاب في سورة البقرة تذبيح الأبناء واستحياء النساء.

واسم الإشارة في قوله: وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعود إلى المذكور من النعم والنقم، والبلاء: الامتحان والاختبار، ويكون في الخير والشر. قال- تعالى- وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً.

أى: وفي ذلكم العذاب وفي النجاة منه امتحان عظيم لكم من ربكم بالسراء لتشكروا وبالضراء لتصبروا، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدى بكم إلى الشقاء والهوان.

يقول تعالى مخبرا عن موسى ، حين ذكر قومه بأيام الله عندهم ونعمه عليهم ، إذ أنجاهم من آل فرعون ، وما كانوا يسومونهم به من العذاب والإذلال ، حين كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم ، ويتركون إناثهم فأنقذ الله بني إسرائيل من ذلك ، وهذه نعمة عظيمة; ولهذا قال : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) أي : نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك ، أنتم عاجزون عن القيام بشكرها .

وقيل : وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الأفاعيل ) بلاء ) أي : اختبار عظيم . ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا ، والله أعلم ، كما قال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) [ الأعراف : 168 ] .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: واذكر ، يا محمد ، إذ قال موسى بن عمْران لقومه من بني إسرائيل: ( اذكروا نعمة الله عليكم ) ، التي أنعم بها عليكم ( إذ أنجاكم من آل فرعون ) ، يقول: حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته (1) ( يسومونكم سوء العذاب ) ، أي يذيقونكم شديدَ العذاب (2) ( ويذبحون أبناءكم ) ، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب [ يذبحون ] أبناءكم . (3)

* * *

وأدْخلت الواو في هذا الموضع ، لأنه أريد بقوله: ( ويذبحون أبناءكم ) ، الخبرُ عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضعٍ آخر من القرآن ، فإنه جاء بغير الواو: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ [سورة البقرة : 49 ] ، في موضع ، وفي موضع يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ [سورة الأعراف: 141 ]، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله: ( يذبحون ) ، وبقوله: ( يقتلون ) ، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم . وكذلك العملُ في كل جملة أريد تفصيلُها ،فبغير الواو تفصيلها ، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو. (4)

* * *

20582- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، في قوله: ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ) ، أيادي الله عندكم وأيامه. (5)

* * *

وقوله: ( ويستحيون نساءكم ) ، يقول: ويُبقون نساءكم فيتركون قتلهن ، وذلك استحياؤهم كَان إياهُنَّ وقد بينا ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (6) ومعناه: يتركونهم والحياة ، (7) ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" اقْتُلُوا شُيوخَ المشركين وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ" ، (8) بمعنى: استبقُوهم فلا تقتلوهم.

* * *

( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، يقول تعالى: وفيما يصنعُ بكم آلُ فرعون من أنواع العذاب ، بلاءٌ لكم من ربكم عظيمٌ ، أي ابتلاء واختبارٌ لكم ، من ربكم عظيم. (9) وقد يكون " البلاء " ، في هذا الموضع نَعْماء ، ويكون: من البلاء الذي يصيب النَّاس من الشدائد . (10)

----------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " الإنجاء " فيما سلف 15 : 53 ، 194 ، 195 .

(2) انظر تفسير " السوم " فيما سلف 2 : 40 / 13 ، 85 ، ثم مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 335 .

وتفسير " سوء العذاب " فيما سلف 2 : 40 / 13 : 85 .

(3) من أول قوله : " مع إذاقتهم ... " ساقط من المطبوعة . و " يذبحون " التي بين القوسين . ساقطة من المطبوعة .

(4) في المطبوعة : " فالواو " ، لم يحسن قراءة المخطوطة .

(5) الأثر : 20582 - " عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي " ، سلف برقم : 9914 ، 11622 ، وقد أطلت الكلام في نسبه ، في جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار 1 : 449 ، تعليق : 1 ، ويزاد عليه : الانتقاء لابن عبد البر : 104 ، وأول مسند الحميدي ، الذي طبع في الهند حديثًا .

(6) انظر تفسير " الاستحياء " فيما سلف 2 : 41 - 48 / 13 : 41 ، 85 .

(7) في المطبوعة : " يتركونهم " والحياة هي الترك " ، زاد " هي الترك " بسوء ظنه .

(8) هذا الخبر رواه أحمد في مسنده في موضعين 5 : 12 ، 20 في مسند سمرة بن جندب ، من طريق أبي معاوية ، عن الحجاج ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ثم طريق هشيم ، عن حجاج ابن أرطأة ، عن قتادة ، ومن هذه الثانية قال : " واستبقوا شرخهم " .

ورواه أبو داود في سننه 3 : 73 ، من طريق سعيد بن منصور ، عن هشيم، عن حجاج .

ورواه الترمذي في أبواب السير ، " باب ما جاء في النزول على الحكم " ، من طريق أبي الوليد الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة . وقال : " هذا حديث حسن غريب ، ورواه الحجاج بن أرطاة عن قتادة نحوه " . وفيه : " واستحيوا " . ثم قال : " والشرخ : الغلمان الذين لم ينبتوا " .

وقال عبد الله بن أحمد ( المسند 5 : 12 ) : " سألت أبي عن تفسير هذا الحديث : اقتلوا شيوخ المشركين ؟ قال : يقول : الشيخ لا يكاد أن يسلم ، والشاب ، أي يسلم ، كأنه أقرب إلى الإسلام من الشيخ . قال : الشرخ ، الشباب " .

(9) انظر تفسير " البلاء " فيما سلف 15 ، 250 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(10) في المطبوعة : " وقد يكون معناه من البلاء الذي قد يصيب الناس في الشدائد وغيرها " ، زاد في الجملة ما شاء له هواه وغير ، فأساء غفر الله له .

التدبر :

وقفة
[6] ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ من وسائل الدعوة تذكير المدعوين بنعم الله تعالى عليهم، خاصة إن كان ذلك مرتبطًا بنعمة كبيرة، مثل نصر على عدوه أو نجاة منه .
اسقاط
[6] ﴿إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ أنجح أسلوب يستخدمه الداعية في دعوته للناس هو تذكيرهم بنعم الله عليهم، ويبدأ بأعظمها.
وقفة
[6] ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ ليس من (الحياء)؛ بل من (الحياة)؛ أي يتركونهن على قيد الحياة، ولا يقتلونهن كفعلهم بقتل الصبيان.
وقفة
[6] ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ البلاء: الاختبار، والبلاء هنا: المصيبة بالشر؛ سمي باسم الاختبار لأنه اختبار لمقدار الصبر.
عمل
[6] ﴿وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ في طيات حياة كل مؤمن لا محالة هنالك بلاء، لكن لا تجزع؛ فربك لا يقدره لك ليقصم ظهرك، بل ليرفع درجتك.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ:
  • الواو: استئنافية. إذ: اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره أذكر. قال: فعل ماض مبني على الفتح. موسى: فاعل مرفوعة بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. لقومه: جار ومجرور متعلق بقال والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به-مقول القول-اذكروا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة أي اذكروا يا قومي. نعمة: مفعول به منصوب بالفتحة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. عليكم: جار ومجرور متعلق بنعمة أو بحال محذوفة منها. والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ إِذْ أَنْجاكُمْ:
  • إذ: ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب متعلق باذكروا ويجوز أن يكون اسما بدلا من نِعْمَةَ اللهِ» بتقدير: اذكروا وقت إنجائكم وهو بدل اشتمال. أنجى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره. هو. الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة «أنجاكم» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ:
  • جار ومجرور متعلق بأنجاكم. فرعون: مضاف اليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على العجمة والعلمية.
  • ﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ:
  • الجملة: في محل نصب حال. يسومونكم: أي يكلفونكم أو يبتغون لكم. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. سوء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. العذاب: مضاف اليه مجرور بالكسرة.
  • ﴿ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ:
  • معطوفة بالواو على يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ» وتعرب اعرابها. الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور بمعنى: يذبحون أبناءكم الذكور.
  • ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ:
  • تعرب إعراب يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ» بمعنى: ويستبقون نساءكم. أي الإناث.
  • ﴿ وَفِي ذلِكُمْ:
  • الواو: استئنافية. في: حرف جر. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد الكاف حرف خطاب الميم علامة جمع الذكور. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم.
  • ﴿ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ:
  • بلاء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة أي اختبار. من ربكم: جار ومجرور للتعظيم متعلق بصفة محذوفة من بلاء. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. عظيم: صفة -نعت-لبلاء مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

المائدة: 20﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ
ابراهيم: 6﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [6] لما قبلها :     ولمَّا أمرَ اللهُ عز وجل موسى عليه السلام أن يُذَكِّرَ قومَه بأيامِ اللهِ؛ بَيَّنَ هنا أن موسى عليه السلام امتثل أمر ربه، وذَكَّرَهم بنعمة النجاة من آل فرعون الذين كانوا يصبون عليهم أشد العذاب، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [7] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ ..

التفسير :

[7] وقال لهم موسى:واذكروا حين أعلم ربكم إعلاماً مؤكَّداً:لئن شكرتموه على نعمه ليزيدنكم من فضله، ولئن جحدتم نعمة الله ليعذبنَّكم عذاباً شديداً.

وقال لهم حاثا على شكر نعم الله:{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أي:أعلم ووعد،{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} من نعمي{ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم.

والشكر:هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك.

ثم حكى- سبحانه- أن موسى- عليه السلام- قد أرشد قومه إلى سنة من سنن الله التي لا تتخلف فقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ...

وقوله: «تأذن» بمعنى آذن أى أعلم، يقال: آذن الأمر وبالأمر أى: أعلمه، إلا أن صيغة التفعل تفيد المبالغة في الإعلام، فيكون معنى «تأذن» : أعلم إعلاما واضحا بليغا لا التباس معه ولا شبهة.

واللام في قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ موطئة للقسم. وحقيقة الشكر: الاعتراف بنعم الله- تعالى- واستعمالها في مواضعها التي أرشدت الشريعة إليها.

وقوله: «لأزيدنكم» ساد مسد جوابي القسم والشرط.

والمراد بالكفر في قوله: «ولئن كفرتم» كفر النعمة وجحودها، وعدم نسبتها إلى واهبها الحقيقي وهو الله- تعالى- كما قال قارون إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي وعدم استعمالها فيما خلقت له، إلى غير ذلك من وجوه الانحراف بها عن الحق.

وجملة: إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ دليل على الجواب المحذوف لقوله وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إذ التقدير: ولئن كفرتم لأعذبنكم، إن عذابي لشديد.

قال الجمل: «وإنما حذف هنا وصرح به في جانب الوعد، لأن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد» .

والمعنى: واذكر أيها المخاطب وقت أن قال موسى لقومه: يا قوم إن ربكم قد أعلمكم إعلاما واضحا بليغا مؤكدا بأنكم إن شكرتموه على نعمه، زادكم من عطائه وخيره ومننه، وإن جحدتم نعمه وغمطتموها واستعملتموها في غير ما يرضيه، محقها من بين أيديكم، فإنه- سبحانه- عذابه شديد، وعقابه أليم.

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث الموجبة للشكر، والمحذرة من الجحود فقال:

وقد جاء في الحديث الشريف: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» .

وروى الإمام أحمد عن أنس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها- أو وحش بها أى: رماها- قال: وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقال السائل: سبحان الله!! تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للجارية: اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التي عندها .

وقوله : ( وإذ تأذن ربكم ) أي : آذنكم وأعلمكم بوعده لكم . ويحتمل أن يكون المعنى : وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه كما قال : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة [ من يسومهم سوء العذاب ] ) [ الأعراف : 167 ] .

وقوله ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) أي : لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها ، ( ولئن كفرتم ) أي : كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ، ( إن عذابي لشديد ) وذلك بسلبها عنهم ، وعقابه إياهم على كفرها .

وقد جاء في الحديث : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .

وفي المسند : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به سائل فأعطاه تمرة ، فتسخطها ولم يقبلها ، ثم مر به آخر فأعطاه إياها ، فقبلها وقال : تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بأربعين درهما أو كما قال .

قال الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا عمارة الصيدلاني ، عن ثابت ، عن أنس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - أو : وحش بها - قال : وأتاه آخر فأمر له بتمرة ، فقال : سبحان الله! تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للجارية : " اذهبي إلى أم سلمة ، فأعطيه الأربعين درهما التي عندها " .

تفرد به الإمام أحمد .

وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبان ، وأحمد ، ويعقوب بن سفيان وقال ابن معين : صالح . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : يكتب حديثا ولا يحتج به ، ليس بالمتين . وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه . وعن أحمد أيضا أنه قال : روي عنه أحاديث منكرة . وقال أبو داود : ليس بذاك . وضعفه الدارقطني ، وقال ابن عدي : لا بأس به ممن يكتب حديثه .

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: واذكروا أيضًا حين آذنكم رَبُّكم.

* * *

و " تأذن " ، " تفعَّل " من "آذن " . والعرب ربما وضعت " تفعَّل " موضع " أفعل " ، كما قالوا: " أوعدتُه " " وتَوعَّدته " ، بمعنى واحد . و "آذن " ، أعلم ، (11) كما قال الحارث بن حِلِّزة:

آذَنَتْنَــــا بِبَيْنِهَــــا أَسْـــمَاءُ

رُبَّ ثَــاوٍ يُمَــلُّ مِنْــهُ الثَّــوَاءُ (12)

يعني بقوله: "آذنتنا " ، أعلمتنا.

* * *

وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ : ( وإذ تأذن ربكم ) : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ ":-

20583- حدثني بذلك الحارث قال ، حدثني عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه. (13)

20584- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( وإذ تأذن ربكم ) ، وإذ قال ربكم ، ذلك " التأذن ".

* * *

وقوله: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، يقول: لئن شكرتم ربَّكم ، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمهِ عليكم ، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص مِنْ عذابهم.

* * *

وقيل في ذلك قولٌ غيره ، وهو ما:-

20585- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الحسين بن الحسن قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت علي بن صالح ، يقول في قول الله عز وجل: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: أي من طاعتي.

20586- حدثنا المثنى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت علي بن صالح ، فذكر نحوه.

20587- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: من طاعتي.

20588- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: من طاعتي.

* * *

قال أبو جعفر : ولا وجهَ لهذا القول يُفْهَم ، لأنه لم يجرِ للطاعة في هذا الموضع ذكرٌ فيقال: إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جَرَى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم . فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام: زادهم من نعمه ، لا مما لم يجرِ له ذكر من " الطاعة " ، إلا أن يكون أريد به: لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر ، لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجهًا.

* * *

وقوله: ( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، يقول: ولئن كفرتم ، أيها القوم ، نعمةَ الله ، فجحدتموها بتركِ شكره عليها وخلافِه في أمره ونهيه ، وركوبكم معاصيه ( إن عَذَابي لشديد ) ، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي.

* * *

وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله: ( وإذ تأذن ربكم ) ، وتأذّن ربكم: ويقول: " إذ " من حروف الزوائد ، (14) وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل. (15)

-------------------------

الهوامش :

(11) انظر تفسير " أذن " فيما سلف 13 : 204 ، ثم تفسير " الإذن " فيما سلف من فهارس اللغة . ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 345 .

(12) مطلع طويلته المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري : 433 .

(13) الأثر : 20583 - " الحارث " ، هو " الحارث بن أبي أسامة " منسوبًا إلى جده ، وهو " الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، سلف مرارًا آخرها رقم : 14333.

و " عبد العزيز " ، هو " عبد العزيز بن أبان الأموي " ، كذاب خبيث يضع الأحاديث ، مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم 14333 .

(14) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 345 .

(15) انظر ما سلف 1 : 439 - 444 ويزاد في المراجع ص : 439 ، تعليق : 1 أن قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن 1 : 36 ، 37 .

التدبر :

وقفة
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ الشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله، والثناء على الله بها، وصرفها في مرضاة الله تعالى، وكفر النعمة ضد ذلك.
وقفة
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ العطاء مقرون بالشكر، فكلما زاد الشكر زاد العطاء.
عمل
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ في غمرات أحزانك ولجج أوجاعك قل: «الحمد لله»؛ لعل بارقة سرور تزيد فتكشف ظلمات حزنك.
عمل
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ اشكر الله على آلائه عليك مستحضرًا أنَّ هذا الشكر تتبعه زيادةٌ لا حصْرَ لمجالاتها، ولا حدَّ لها، فعليك الشكر، ومنه جل جلاله الزيادة.
وقفة
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ النعمُ إذا شُكِرَتْ قَرّتْ، وإذا كُفِرَتْ فَرّتْ.
وقفة
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ كفر النعم سبب زوالها.
عمل
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ عَدِّد خمسًا من أكبر نِعم الله عليك في يومك هذا، وأكثر من شكر الله عليها، ثم قل: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك، لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر».
عمل
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ أرسل رسـالة تُذكـِّر فيـها بشـكر نعمة الله، والتحذيـر من زوالـها.
وقفة
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ شكر النعم باللسان والقلب والجوارح سببٌ لزيادتها.
وقفة
[7] ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ شكر النعمة واجب لا منَّةَ فيه، وبه تستجلب الزيادة، لا مجال للتخيير بين شكرها وكفرها، فإن اﻷمر محسوم.
وقفة
[7] زوال النعمة ليس من لوازم الكفر، ونعم زيادة النعمة من لوازم الشكر: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ ولم يقل: (ستزول عنكم).
عمل
[7] من شكر النعمة أن تستعين بها على طاعة الله تعالى، وتحفظها عن المعاصي، فإنَّ المعاصي تزيل النِّعَم، وفعل الطاعات من الشكر، وبالشكر تزداد النِّعَم وتعظم بركتها ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ يشمل ذلك: شكر الطاعات، فمن شكر الله على الطاعات زاده الله (أعمالًا صالحات).
اسقاط
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ ألا تعرف نعمة الله عليك إلا عند فقدها؟! وما أصدق ما قيل: «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى».
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ الشكر يسمى الجالب والحافظ؛ لأنه جالب للنعم المفقودة، وحافظ للنعم الموجودة.
عمل
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ لن يشكر النعمة إﻻ من (يراقب نعم الله)، فلنراقب النعم.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ النعمة التي بين يديك هي بذرة، إن زرعتها بأرض الشكر أينعت وطاب قطافها، فتعهد شجرتك بتلك الأرض الطيبة.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من فضل الله تعالى أنه وعد عباده مقابلة شكرهم بمزيد الإنعام، وفي المقابل فإن وعيده شديد لمن يكفر به.
عمل
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ إذا اشتغلت بشكر النعمة، قيدها الله لك، وثبتها لك، وزادك من نعمه.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من شكر النعم ذكر الله عند تذكّرها، فذكر الله يحفظ النعم ويحوطها أكثر من تدبير الإنسان لحرزها، ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 198].
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ بالشكر تدوم النعم وتزيد، وشكرها ينبع من القلب أولًا، ثم تتبعه الجوارح مترجمة لهذا الشكر.
اسقاط
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ إذا أدركت نعم الله فيك واستشعرتها؛ ازددت إيمانًا وقربًا وشوقًا إليه.
عمل
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ أي نعمة تخشى أن تفقدها أحدث لها شكرًا، فوالله لن يخلف الله وعده فيك.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ يستنبط من الآية: نقص النعمة سببه قلة الشكر.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه: شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه: انقيادًا وطاعةً.
عمل
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ الشكر لا يكون إلا بعد الرضا، املأ قلبك بالرضا عن كل تفاصيل حياتك، ثم قل: «الحمد لله».
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ بركة، ﴿وَقُل لعبادي يقولوا التي هي أحسن﴾ [الإسراء: 53] نصيحة، ﴿واصبر لِحُكم ربّك فإّنك بأعيننا﴾ [الطور: 48] رعاية، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد: 4] طمأنينة فِي كل خطوة نخطوها.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ قال سفيان بن عيينة: «الشكر بقاء النعمة، وثمن الزيادة، ومرضاة الرب».
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من أعطاه الله نعمة ولم يسعد بها فإما أنه لا يؤد شكرها أو أنه مقيم علي ذنب حرمه بركتها.
عمل
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ إذا أردْت أنْ تزدادَ نِعَمُ اللهِ عليك؛ فـ: اشكرْ ربك بقلبك، ثم بلسانك، ثمَّ بجوارحك، وانتظِر نعم الله تَنهالُ عليك، فهذا وعد من الله عز وجل.
عمل
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ شكر النعمة بالإنفاق منها على الخلق، فأنفق من المال بالصدقة وسيزداد ومن الصحة بمعاونة غيرك وستقوى، ومن الجاه بالشفاعة وستعلو.
وقفة
[7] قال الربيع: «﴿لَئِن شَكَرْتُمْ﴾ إنعامي ﴿لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من فضلي»، وقال الحسن: «﴿لَئِن شَكَرْتُمْ﴾ نعمتي ﴿لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من طاعتي»، وقال ابن عباس: «لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم من الثواب»، والمعنى متقارب في هذه الأقوال.
وقفة
[7] ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ﴾ أكَّدَه لما للأنفس من التكذيب بمثل ذلك، ﴿لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من نِعَمي؛ فإن الشكر قيد الموجود، وصيد المفقود.
وقفة
[7] عليك بالمطالب العالية، والمراتب السامية، التي لا تنال إلا بطاعة الله؛ فإنَّ الله سبحانه قضى أن لا يُنال ما عنده إلا بطاعته، ومَن كان لله كما يريد؛ كان الله له فوق ما يريد ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] سبحانه من إله كريم، أعطانا نعمًا عظيمة لا تحصى، وقال: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18]، ثم وعدنا: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] قال الفضيل بن عياض: «من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة لقوله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾».
لمسة
[7] ما أكرم الله وما أعظم جوده! لم يقل: (لأُبقينَّ النعمة فيكم)؛ بل وعد بالإبقاء عليها والزيادة فيها ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، ولن ينقطـع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد، وهو وعد من الله، والله لا يخلف وعده ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
لمسة
[7] ذكر بعض أهل العلم أن الله استثنى في القرآن (وعودًا) كثيرة وعلقها بالمشيئة، كالإغناء والإجابة والرزق، فقال: ﴿فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء﴾ [التوبة: 28]، ﴿فيكشف ما تدعون إليه إن شاء﴾ [الأنعام: 41]، ﴿يرزق من يشاء﴾ [البقرة: 212]، أما وعده تعالى لمن شكر فقد ذكره بلا استثناء فقال: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] والشكر معه المزيد أبدًا، ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ فمتى لم تر حالك في مزيد؛ فاستقبل الشكر، قال ابن القيم رحمه الله: «فتأمله في حالك».
وقفة
[7] يتّخذ بعضُ الناس الخوفَ من العين والحسد مُبررًا لسوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى وجحدِ نعمه، ولو توكّلوا على الله وشكروا نعمه لحفظها عليهم ولزادهم من فضله، كما وعدهم: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] تقولون: بالشكر (تبقى) النعم؛ فأخطأ في ربكم ظنكم، وقد قال سبحانه في الذكر: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] رآه وهو يلعق غطاء (الزبادي) قبل إلقائه، فصاح: «انظروا لمن يأمرنا بانتعال المال»، قال له: «ارتكبت خطأين: الإسراف، وخطأ الفهم».
وقفة
[7] قال أحدهم: «قبل سنوات رأى سليمان الراجحي فتات خبز تركته، مد يده وأكله، فأخذت درسًا صامتًا لن أنساه ما حييت»، احترام دقائق النعم من شكرها، علموا أولادكم احترامها ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] أربع وعود ربّانية قال الله تعالى: ١- ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. ٢- ﴿فاذكروني أذكُرُكُم﴾ [البقرة: 152]. ٣- ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. ٤- ﴿وماكان اللهُ معذبهُم وهم يستغفرون﴾ [الأنفال: 33]. فطوبى لمن (شكر، وذكر، ودعا، واستغفر).
وقفة
[7] العافية إذا دامت جُهلت، وإذا فُقدت عُرفت، قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، فـاشكروا الله دائمًا وأبدًا.
وقفة
[7] ﴿ولم أكن بدعائك رب شقيًا﴾ [مريم: 4] من آداب الدعاء: ذكر نعم الله عليك وقديم إحسانه، فإنما تُستدرّ النعم بالحمد: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقفة
[7] لا يؤدي الشكر عند البلاء إلى زيادته، وهذا من الفهم الخاطئ لقوله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، فالآية تتحدث عن شكر النعم وكُفرها.
وقفة
[7] وعد ﷻ بالزيادة في الخير ثلاثًا: المهتدين: ﴿وَيَزِيدُ اللَّـهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: 76]، والشاكرين: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، والمحسنين: ﴿سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 161].
وقفة
[7] ‏ثلاثة تدفع البلاء : 1- الدعاء: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان: 77]. 2- شكر النعم: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. 3- نصرة الضعفاء: قال النبي ﷺ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» [البخاري 2896].
عمل
[7] لا تقلق على نعمك، بل انتظر المزيد ما دمت تعرف الشكر ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
تفاعل
[7] ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.
وقفة
[7] من الكفر بالنعم الإتيان بما يضادها، وهو سوء أدب مع المنعم بها، ومبارزة له بما يغضبه، ولذلك كان عقابها شديدًا: ﴿ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ:
  • وإذ: معطوف بالواو على قوله-نعمة الله-الواردة في الآية الكريمة السابقة بتقدير: وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذّن ربكم. و «تأذن» فعل ماض مبني على الفتح بمعنى «أعلم» أي آذن وهي كتوعّد بمعنى: أوعد ولكنّه أبلغ منه وبمعنى «إذ تأذّن ربكم فقال لَئِنْ شَكَرْتُمْ» وقد أجرى «تأذّن» مجرى قال لأنه ضرب من القول. ربكم: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور وجملة تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ» في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف «إذ».
  • ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ:
  • اللام: موطئة للقسم-المؤذنة-إن: حرف شرط‍ جازم. شكرتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط‍ في محل جزم بإن. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والميم علامة جمع الذكور. اللام: واقعة في جواب القسم، أزيدنكم: فعل مضارع مبني على الفتح في محل رفع لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والنون لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا» الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. وجملة إِنْ شَكَرْتُمْ» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها من الإعراب. وجملة «لأزيدنكم» جواب القسم لا محل لها من الإعراب. أما جواب الشرط‍ فمحذوف لأنّ جواب القسم دلّ عليه وحذف مفعولا الفعلين اختصارا أي لئن شكرتم النعمة لأزيدنكم فضلا على فضل أو نعمة على نعمة.
  • ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ:
  • معطوفة بالواو على لَئِنْ شَكَرْتُمْ» وتعرب إعرابها. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.
  • ﴿ عَذابِي لَشَدِيدٌ:
  • عذاب: اسم «إنّ» منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء المناسبة. والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة. شديد: خبر «انّ» مرفوع بالضمة وجملة «إن عذابي شديد» جواب القسم لا محل لها أي فإنّ عذابي شديد. وكفرتم بمعنى غمطتم نعمتي عليكم و «اللام» في «لشديد» لام التوكيد المزحلقة.: '

المتشابهات :

الأعراف: 167﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
ابراهيم: 7﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [7] لما قبلها :     ولمَّا ذَكَّرَ موسى عليه السلام قومَه بنعمةِ النجاةِ من آل فرعون؛ ذَكَرَ لهم هنا سنة من سنن الله التى لا تتخلف، وهي أنَّ شكرَ النعمةِ سببٌ لزيادتِها، وكفرانَها سببٌ لزوالِها، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [8] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ ..

التفسير :

[8] وقال لهم:إن تكفروا بالله أنتم وجميع أهل الأرض فلن تضروا الله شيئاً؛ فإن الله لغني عن خلقه، مستحق للحمد والثناء، محمود في كل حال.

( وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ) فلن تضروا الله شيئا، ( فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) فالطاعات لا تزيد في ملكه والمعاصي لا تنقصه، وهو كامل الغنى حميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ليس له من الصفات إلا كل صفة حمد وكمال، ولا من الأسماء إلا كل اسم حسن، ولا من الأفعال إلا كل فعل جميل.

ثم بين- سبحانه- أن موسى قد أخبر قومه أن ضرر كفرهم إنما يعود عليهم، لأن الله- تعالى- غنى عن العالمين فقال- تعالى-: وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.

أى: وقال موسى- عليه السلام- لقومه: إن تجحدوا نعم الله أنتم ومن في الأرض جميعا من الخلائق، فلن تضروا الله شيئا، وإنما ضرر ذلك يعود على الجاحد لنعمه، والمنحرف عن طريقه، فإن الله- تعالى- لغنى عن شكركم وشكرهم، مستحق للحمد من جميع المخلوقين طوعا وكرها.

ويبدو من سياق الآية الكريمة أن موسى- عليه السلام- إنما قال لقومه ذلك، بعد أن شاهد منهم علامات الإصرار على الكفر والفساد، وترجح لديه أنهم قوم لا ينفعهم الترغيب ولا التعريض بالترهيب، ولمس منهم أنهم يمنون عليه أو على الله- تعالى- بطاعاتهم فأراد بهذا القول أن يزجرهم عن الإدلال بإيمانهم، والمن بطاعتهم.

فالغرض الذي سيقت له الآية إنما هو بيان أن منفعة الطاعة والشكر والإيمان إنما تعود على الطائعين الشاكرين المؤمنين، وأن مضرة الجحود والكفران إنما تعود على الجاحدين الكافرين.

أما الله- تعالى- فلن تنفعه طاعة المطيع، ولن تضره معصية العاصي.

ففي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبى ذر الغفاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه- عز وجل- أنه قال: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا.

يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا.

يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد زخرت بالتوجيهات القرآنية الحكيمة، التي ساقها الله- تعالى- على لسان موسى- عليه السلام- وهو يعظ قومه، ويذكرهم بأيام الله، وبسننه في خلقه، وبغناه عنهم ...

ثم حكى- سبحانه- جانبا من أحوال بعض الرسل مع أقوامهم، ومن المحاورات التي دارت بين الرسل وبين من أرسلوا إليهم فقال- تعالى-:

وقوله تعالى : ( وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) أي : هو غني عن شكر عباده ، وهو الحميد المحمود ، وإن كفره من كفره ، كما قال : ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ) [ الزمر : 7 ] وقال تعالى : ( فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ) [ التغابن : 6 ] .

وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه ، عز وجل ، أنه قال : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " . فسبحانه وتعالى الغني الحميد .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وقال موسى لقومه: إن تكفروا ، أيها القوم ، فتجحدوا نعمةَ الله التي أنعمها عليكم ، أنتم ويفعل في ذلك مثل فعلكم مَنْ في الأرض جميعًا (فإن الله لغني) عنكم وعنهم من جميع خلقه ، لا حاجة به إلى شكركم إياه على نعمه عند جميعكم (16) ( حميد ) ، ذُو حمد إلى خلقه بما أنعم به عليهم، (17) كما : -

20589- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال ، أخبرنا سيف ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي: ( فإن الله لغني ) ، قال: غني عن خلقه ( حميد ) ، قال: مُسْتَحْمِدٌ إليهم. (18)

---------------------------

الهوامش :

(16) انظر تفسير " الغني " فيما سلف 15 : 145 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(17) انظر تفسير " الحميد " ، فيما سلف قريبًا : 512 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(18) في أساس البلاغة : " استحمد الله إلى خلقه ، بإحسانه إليهم ، وإنعامه عليهم " ، وقد سلف " استحمد " في خبر آخر رقم : 8349 في الجزء 7 : 470 ، وهو مما ينبغي أن يقيد على كتب اللغة الكبرى ، كاللسان والتاج وأشباههما .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[8] ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ كفر العباد لا يضر اللهَ البتة، كما أن إيمانهم لا يضيف له شيئًا، فهو غني حميد بذاته.
وقفة
[8] ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ ووجه الاهتمام بها أنَّ أكثر الكفار يحسبون أنهم يحسنون إلى الله بإيمانهم، وأنَّ أنبياءهم -حين يلحّون عليهم بالإيمان- إنما يبتغون بذلك تعزيز جانبهم، والحرص على مصلحتهم، فلما وعدهم على الشكر بالزيادة وأوعدهم على الكفر بالعقوبة خشي أن يحسبوا ذلك لانتفاع المثيب بما أثاب عليه، ولتضرره مما عاقب عليه، فنبههم إلى هذا الخاطر الشيطاني حتى لا يسري إلى نفوسهم؛ فيكسبهم إدلالًا بالإيمان، والشكر، والإقلاع عن الكفر.
وقفة
[8] ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِى شَيْئًا، يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا». [مسلم 2577].
وقفة
[8] ولما كان مَن حثَّ على شيء وأثاب عليه، أو نهى عنه وعاقب على فعله، يكون لغرض له، بيَّن أنَّ الله سبحانه متعالٍ عن أن يلحقه ضر أو نفع، وأنَّ ضر ذلك ونفعه خاص بالعبد؛ فقال تعالى حاكيًا عنه: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.
وقفة
[8] ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ غني عن كل شيء، محمود على كل شيء.
عمل
[8] ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ الله ليس بحاجة إلى أحد هو الغني سبحانه، وكل من استغنى بالله فهو غني، فاترك الناس، وتوجه لرب الناس.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَ مُوسى:
  • الواو: عاطفة. قال: فعل ماض مبني على الفتح. موسى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر أي قال موسى لقومه. وما بعده: مفعول به في محل نصب-مقول القول-.
  • ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا:
  • إن: حرف شرط‍ جازم. تكفروا: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً:
  • أنتم: ضمير رفع مبني على السكون في محل رفع توكيد للضمير في «تكفروا».الواو: حرف عطف. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على ضمير «تكفروا».في الأرض: جار ومجرور متعلق بفعل محذوف وجوبا تقديره استقر وجملة«استقر في الأرض» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. جميعا: حال منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون توكيدا بمعنى «كلهم» ولمعنى: إن تكفروا أنتم يا بني اسرائيل والناس كلهم فانّما ضررتم أنفسكم.
  • ﴿ فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: واقعة في جواب الشرط‍ -الجزاء-إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ‍ الجلالة: اسم «إنّ» منصوب بالفتحة اللام: للتوكيد -المزحلقة-غني: خبر «انّ» مرفوع بالضمة. حميد: صفة-نعت-لغني أو خبر ثان لأنّ مرفوع بالضمة أي لغني محمود: صيغة فعيل بمعنى مفعول. والمعنى فإنّ الله غنيّ عن شكركم لا يتأثر من ذلك لأنه غني محمود. '

المتشابهات :

البقرة: 263﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّـهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
النمل: 40﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
البقرة: 267﴿إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
ابراهيم: 8﴿وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَـ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
لقمان: 12﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
التغابن: 6﴿وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [8] لما قبلها :     ولمَّا ذَكَرَ موسى عليه السلام لقومِه أنَّ شكرَ النعمةِ سببٌ لزيادتِها، وكفرانَها سببٌ لزوالِها؛ بَيَّنَ لهم هنا أن ضرَّ ذلك ونفعَه خاص بالعبد، أما الله فهو غنى عن العالمين، لا ينتفعُ بشكرٍ ولا يضرُّه كفرٌ، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [9] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن ..

التفسير :

[9] ألم يأتكم -يا أمَّة محمد- خبر الأمم التي سبقتكم، قوم نوح وقوم هود وقوم صالح، والأمم التي بعدهم، لا يحصي عددهم إلا الله، جاءتهم رسلهم بالبراهين الواضحات، فعضُّوا أيديهم غيظاً واستنكافاً عن قَبول الإيمان، وقالوا لرسلهم:إنا لا نصدِّق بما جئتمونا به، وإن

يقول تعالى مخوفا عباده ما أحله بالأمم المكذبة حين جاءتهم الرسل، فكذبوهم، فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه فقال:( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها، ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ ) من كثرتهم وكون أخبارهم اندرست.

فهؤلاء كلهم ( جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي:بالأدلة الدالة على صدق ما جاءوا به، فلم يرسل الله رسولا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها بل استكبروا عنها، ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ) أي:لم يؤمنوا بما جاءوا به ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ

( وَقَالُوا ) صريحا لرسلهم:( إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) أي:موقع في الريبة، وقد كذبوا في ذلك وظلموا.

وقوله- سبحانه-: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ....

يرى بعض المفسرين أنه من تتمة كلام موسى- عليه السلام- فيكون المعنى:

أن موسى- عليه السلام- بعد أن ذكر قومه بأيام الله- تعالى-، وبنعمه عليهم، وبسننه- سبحانه- في خلقه ...

بعد كل ذلك شرع في تذكيرهم وتخويفهم عن طريق ما حل بالمكذبين من قبلهم، فقال لهم- كما حكى القرآن عنه-: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ....

ومنهم من يرى أن الآية الكريمة كلام مستأنف، والخطاب فيه لأمة الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى: أن الله- تعالى- بعد أن بين للناس أنه قد أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وبين- سبحانه- أن له ما في السموات وما في الأرض، وهدد الكافرين بالعذاب الشديد، وحكى ما قاله موسى لقومه ...

بعد كل ذلك وجه- سبحانه- الخطاب إلى مشركي مكة وإلى كل من كان على شاكلتهم فقال: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ....

قال الفخر الرازي ما ملخصه: «يحتمل أن يكون هذا خطابا من موسى لقومه، والمقصود منه أنه- عليه السلام- كان يخوفهم بمثل هلاك من تقدم.

ويجوز أن يكون مخاطبة من الله- تعالى- على لسان موسى لقومه، يذكرهم أمر القرون الأولى. والمقصود إنما هو حصول العبرة بأحوال المتقدمين، وهذا المقصود حاصل على التقديرين، إلا أن الأكثرين ذهبوا إلى أنه ابتداء مخاطبة لقوم الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومع أننا نؤيد الإمام الرازي في أن المقصود إنما حصول العبرة بأحوال المتقدمين إلا أننا نميل مع الأكثرين إلى الرأى الثاني، لأن قوم الرسول صلى الله عليه وسلم هم المقصودون قصدا أوليا بالخطاب القرآنى، ولأن الإمام ابن كثير- رحمه الله- يرى أنه لم يرد ذكر في التوراة لقوم عاد وثمود، فقد قال:

قال ابن جرير: «هذا من تمام قول موسى لقومه ... وفيما قال ابن جرير نظر والظاهر أنه خبر مستأنف من الله- تعالى- لهذه الأمة، فإنه قد قيل إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصه عليهم، فلا شك حينئذ أن تكون هاتان القصتان في التوراة .

والاستفهام في قوله أَلَمْ يَأْتِكُمْ ... للتقرير لأنهم قد بلغتهم أخبارهم، فقوم نوح بلغتهم أخبارهم بسبب خبر الطوفان الذي كان مشهورا بينهم، وقوم عاد وثمود بلغتهم أخبارهم لأنهم من العرب، ومساكنهم في بلادهم، وهم يمرون على ديار قوم صالح في أسفارهم إلى بلاد الشام للتجارة. والمراد بالذين من بعدهم: أولئك الأقوام الذين جاءوا من بعد قوم نوح وعاد وثمود، كقوم إبراهيم وقم لوط وغيرهم.

وقوله: لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ أى: لا يعلم عدد الأقوام الذين جاءوا بعد قوم نوح وعاد وثمود ولا يعلم ذواتهم وأحوالهم إلا الله تعالى.

وقوله وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مبتدأ، وقوله لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ خبره، والجملة اعتراض بين المفسر- بفتح السين- وهو نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وتفسيره وهو جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ.

والمعنى: لقد علمتم يا أهل مكة ما حل بقوم نوح وعاد وثمود، كما علمتم ما حل بالمكذبين من بعدهم كقوم لوط وقوم شعيب، وكغيرهم ممن لا يعلم أحوالهم وعددهم إلا الله- تعالى- وما دام الأمر كذلك فاعتبروا واتعظوا واتبعوا هذا الرسول الكريم الذي جاء لسعادتكم، لكي تنجوا من العذاب الأليم الذي حل بالظالمين من قبلكم.

وجملة جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مستأنفة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ما قصة هؤلاء الأقوام وما خبرهم؟

فكان الجواب: جاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات، وبالمعجزات الظاهرات، الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.

وقوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ....

بيان لموقف الأقوام المكذبين من رسلهم الذين أرسلهم الله لهدايتهم.

والضمائر في «ردوا» و «أيديهم» و «أفواههم» تعود على الأقوام الذين جاءتهم رسلهم بالبينات. وهذه الجملة الكريمة ذكر المفسرون في معناها وجوها متعددة أوصلها بعضهم إلى عشرة أقوال:

منها: أن الكفار وضعوا أناملهم في أفواههم فعضوها غيظا وبغضا مما جاء به الرسل، وقالوا لهم بغضب وضجر: إنا كفرنا بما أرسلتم به وبما جئتمونا به من معجزات، فاغربوا عن وجوهنا، واتركونا وشأننا.

ومن المفسرين الذين رجحوا هذا الوجه الإمام ابن جرير، فقد قال: «وقوله: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ... اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك، فعضوا على أصابعهم تغيظا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دعوهم إليه ... روى ذلك عن ابن مسعود وغيره.

ثم قال بعد أن ساق عددا من الأقوال الأخرى: وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية، القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود أنهم ردوا أيديهم في أفواههم، فعضوا عليها غيظا على الرسل، كما وصف الله عز وجل به إخوانهم من المنافقين فقال:

وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ فهذا هو الكلام المعروف، والمعنى المفهوم من رد الأيدى إلى الأفواه .

ومنها: أن الكفار وضعوا أيديهم على أفواههم إشارة منهم إلى أنفسهم وإلى ما يصدر عنها، وقالوا للرسل على سبيل التحدي والتكذيب. «إنا كفرنا بما أرسلتم به» أى: لا جواب لكم عندنا سوى ما قلناه لكم بألسنتنا هذه.

ومن المفسرين الذين رجحوا هذا القول الإمام الآلوسى، فقد صدر الأقوال التي ذكرها به، فقال ما ملخصه: قوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أى: أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به، وقالوا لهم إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أى: على زعمكم، وهي البينات التي أظهروها حجة على صحة رسالتهم، ومرادهم بالكفر بها: الكفر بدلالتها على صحة رسالتهم ...

ثم قال بعد أن ساق عددا من الأقوال: والذي يطابق المقام، وتشهد له البلاغة: هو الوجه الأول، ونص غير واحد على أنه الوجه القوى، لأنهم حاولوا الإنكار على الرسل كل الإنكار، حيث جمعوا في الإنكارين: الفعل والقول، ولذا أتى بالفاء تنبيها على أنهم لم يتمهلوا، بل عقدوا دعوتهم بالتكذيب ... » .

ومنها: أن الكفار لما سمعوا أقوال الرسل لهم، وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجبا.

وقد رجح هذا الوجه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فقال: «وهذا التركيب لا أعهد مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن: ومعنى فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ.

يحتمل عدة وجوه أنهاها في الكشاف إلى سبعة، وفي بعضها بعد، وأولاها بالاستخلاص أن يكون المعنى: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدة الضحك من كلام الرسل، كراهية أن تظهر دواخل أفواههم، وذلك تمثيل لحالة الاستهزاء بالرسل .

ومنها: أن الكفار لما سمعوا أقوال الرسل لهم، لم يردوا عليهم، بل تركوهم إهمالا لشأنهم.

وقد رجح الشوكانى هذا الاتجاه فقال ما ملخصه: «وقال أبو عبيدة- ونعم ما قال- هو ضرب مثل. أى: لم يؤمنوا ولم يجيبوا. والعرب تقول الرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت:

قد رد يده في فيه. وهكذا قال الأخفش، واعترض على ذلك القتيبي فقال: لم يسمع أحد من العرب يقول: رد يده في فيه، إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى عضوا على الأيدى حنقا وغيظا ...

فإن صح ما ذكره أبو عبيدة والأخفش فتفسير الآية به أقرب ... .

وهذه الأقوال جميعها وإن كانت تتفق في أن الآية الكريمة، قد أخبرت بأبلغ عبارة عما قابل به الأقوام المكذبون رسلهم من سوء أدب ...

إلا أننا نميل إلى ما ذهب إليه الإمام ابن جرير، لأنه أظهر الأقوال في معناها، وقد استشهد له بعضهم بأشعار العرب، ومنها قول الشاعر:

ترون في فيه غش الحسو ... د حتى يعض على الأكفا

يعنى أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه .

وقوله- سبحانه- وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ معطوف على قوله إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ.

ومريب: اسم فاعل من أراب. تقول: أربت فلانا فأنا أريبه، إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة، فمعنى مريب: موقع في الريبة أى: في القلق والاضطراب.

أى: قال المكذبون لرسلهم إنا كفرنا بما جئتم به من المعجزات والبينات.

وإنا لفي شك كبير موقع في الريبة مما تدعوننا إليه من الإيمان بوحدانية الله، وبإخلاص العبادة له ...

قال الجمل ما ملخصه: «فإن قيل: إنهم أكدوا كفرهم بما أرسل به الرسل.

ثم ذكروا بعد ذلك أنهم شاكون مرتابون في صحة قولهم فكيف ذلك؟

فالجواب: كأنهم قالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به أيها الرسل فإن لم نكن كذلك، فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم.

أو يقال: المراد بقولهم «إنا كفرنا بما أرسلتم به» أى بالمعجزات والبينات، وبقولهم:

وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ وهو الإيمان والتوحيد.

أو يقال: إنهم كانوا فرقتين إحداهما جزمت بالكفر، والأخرى شكت ... .

قال ابن جرير : هذا من تمام قيل موسى لقومه .

يعني : تذكاره إياهم بأيام الله ، بانتقامه من الأمم المكذبة للرسل .

وفيما قال ابن جرير نظر; والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة ، فإنه قد قيل : إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصه عليهم ذلك فلا شك أن تكون هاتان القصتان في " التوراة " ، والله أعلم . وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذبة للرسل ، مما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل أتتهم رسلهم بالبينات ، أي : بالحجج والدلائل الواضحات الباهرات القاطعات .

وقال ابن إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله أنه قال في قوله : ( لا يعلمهم إلا الله ) كذب النسابون .

وقال عروة بن الزبير : ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان .

وقوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) اختلف المفسرون في معناه ، فقيل : معناه : أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل يأمرونهم بالسكوت عنهم ، لما دعوهم إلى الله ، عز وجل .

وقيل : بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبا لهم .

وقيل : بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل .

وقال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة : معناه أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم .

قال ابن جرير : وتوجيهه أن " في " هاهنا بمعنى " الباء " ، قال : وقد سمع من العرب : " أدخلك الله بالجنة " يعنون : في الجنة ، وقال الشاعر :

وأرغب فيها عن لقيط ورهطه عن سنبس لست أرغب

يريد : أرغب بها .

قلت : ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلام : ( وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) فكأن هذا [ والله أعلم ] تفسير لمعنى رد أيديهم في أفواههم .

وقال سفيان الثوري ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) قال : عضوا عليها غيظا .

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، أبي هبيرة ابن مريم ، عن عبد الله أنه قال ذلك أيضا . وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ووجهه ابن جرير مختارا له ، بقوله تعالى عن المنافقين : ( وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) [ آل عمران : 119 ] .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم .

وقالوا : ( إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) يقولون : لا نصدقكم فيما جئتم به; فإن عندنا فيه شكا قويا .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبرًا عن قيل موسى لقومه: يا قوم ( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ) ، يقول: خبر الذين من قبلكم من الأمم التي مضت قبلكم (19) ( قومِ نوح وعاد وثمودَ ) ، وقوم نوح مُبيَّنٌ بهم عن " الذين " ، (20) و " عاد " معطوف بها على " قوم نوح " ،( والذين من بعدهم ) ، يعني من بعد قوم نوح وعاد وثمود ( لا يعلمهم إلا الله ) ، يقول: لا يحصي عَدَدهم ولا يعلَمُ مبلغهم إلا الله، كما : -

20590- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون: ( وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) ، قال: كذَب النسَّابون. (21)

20591- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود ، بمثل ذلك.

20592- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال ، حدثنا ابن مسعود ، أنه كان يقرؤها: " وَعَادًا وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا الله " ، ثم يقول: كذب النسابون.

20593- حدثني ابن المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عيسى بن جعفر ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، مثله. (22)

* * *

وقوله: ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) ، يقول: جاءت هؤلاء الأمم رسلُهم الذين أرسلهم الله إليهم بدعائهم إلى إخلاص العبادة له " بالبينات " ، يعني بحججٍ ودلالاتٍ على حقيقة ما دعوهم إليه من مُعْجِزاتٍ. (23)

* * *

وقوله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم: معنى ذلك: فعضُّوا على أصابعهم ، تغيُّظًا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دَعَوهم إليه.

* ذكر من قال ذلك:

20594- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: عضوا عليها تغيُّظًا.

20595- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: غيظًا ، هكذا ، وعضَّ يده.

20596- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: عضُّوها. (24)

20597- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن رجاء البصريّ قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قول الله عز وجل: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: عضوا على أصابعهم. (25)

20598- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: عضوا على أطراف أصابعهم. (26)

20599- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: أن يجعل إصْبعه في فيه.

20600- حدثنا الحسن بن محمد ، قالا حدثنا أبو قطن قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله في قول الله عز وجلّ: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، ووضع شُعبة أطرافَ أنامله اليُسرى على فيه.

20601- حدثنا الحسن قال ، حدثنا يحيى بن عباد قال ، حدثنا شعبة قال ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن هبيرة قال ، قال عبد الله ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: هكذا ، (27) وأدخل أصابعه في فيه.

20602- حدثنا الحسن قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا شعبة ، قال أبو إسحاق: أنبأنا عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال أبو علي: وأرَانا عفان ، وأدخل أطراف أصابع كفّه مبسوطةً في فيه ، وذكر أن شعبة أراه كذلك. (28)

20603- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: عضُّوا على أناملهم. وقال سفيان: عضُّوا غيظًا. (29)

20604- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، فقرأ: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [سورة آل عمران : 119 ] ، قال: هذا ، ( ردُّوا أيديهم في أفواههم ). (30) قال: أدخلوا أصابعهم في أفواههم . وقال: إذا اغتاظ الإنسان عضَّ يده.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم لما سمعوا كتابَ الله عجبوا منه ، ووضعوا أيديهم على أفواههم.

* ذكر من قال ذلك:

20605- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: لما سمعوا كتابَ الله عجِبُوا ورَجَعوا بأيديهم إلى أفواههم.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كذبوهم بأفواههم.

* ذكر من قال ذلك:

20606- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ح وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: ردوا عليهم قولهم وكذَّبوهم.

20607- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.

20608- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.

20609- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم ) ، يقول: قومُهم كذّبوا رسلهم وردُّوا عليهم ما جاءوا به من البينات ، وردُّوا عليهم بأفواههم ، وقالوا: إنا لفي شك مما تَدعوننا إليه مُرِيب.

20610- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال: ردوا على الرسل ما جاءت به.

* * *

قال أبو جعفر : وكأنّ مجاهدًا وجَّه قوله: ( فردُّوا أيديهم في أفواههم ) ، إلى معنى: ردُّوا أيادي الله التي لو قبلوها كانت أياديَ ونعمًا عندهم ، فلم يقبلوها ووجَّه قوله: ( في أفواههم ) ، إلى معنى: بأفواههم ، يعني: بألسنتهم التي في أفواههم (31) .

* * *

وقد ذكر عن بعض العرب سَماعًا: " أدخلك الله بالجنَّة " ، يعنون: في الجنة ، وينشد هذا البيت (32)

وَأَرْغَـبُ فِيهَـا عَـنْ لَقِيـطٍ وَرَهْطِـهِ

وَلَكِـنَّنِي عَـنْ سِـنْبِسٍ لَسْـتُ أَرْغَبُ (33)

يريد: وأرغب بها ، يعنى بابنة له، (34) عن لقيط ، ولا أرغبُ بها عن قبيلتي.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كانوا يَضَعُون أيديهم على أفواه الرّسل ردًّا عليهم قولَهم ، وتكذيبًا لهم.

* * *

وقال آخرون: هذا مَثَلٌ ، وإنما أُرِيد أنهم كفُّوا عَمَّا أُمروا بقَوْله من الحق ، (35) ولم يؤمنوا به ولم يسلموا. وقال: يقال لِلرَّجل إذا أمسَك عن الجواب فلم يجبْ: " ردّ يده في فمه ". وذكر بعضهم أن العرب تقول: " كلمت فلانًا في حاجة فرَدّ يدَه في فيه " ، إذا سكت عنه فلم يجب. (36)

* * *

قال أبو جعفر : وهذا أيضًا قول لا وَجْه له ، لأن الله عزَّ ذكره ، قد أخبر عنهم أنهم قالوا: " إنا كفرنا بما أرسلتم به " ، فقد أجابوا بالتكذيب.

* * *

قال أبو جعفر:-

وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية ، القولُ الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود: أنهم ردُّوا أيديهم في أفواههم ، فعضُّوا عليها ، غيظاً على الرسل ، كما وصف الله جل وعز به إخوانهم من المنافقين ، فقال: وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [سورة آل عمران : 119 ]. فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من " ردِّ اليدِ إلى الفم ".

* * *

وقوله: ( وقالوا إنّا كفرنا بمَا أرسلتم به ) ، يقول عز وجل: وقالوا لرسلهم: إنا كفرنا بما أرسلكم به مَنْ أرسلكم ، من الدعاء إلى ترك عبادة الأوثان والأصنام (وإنا لفي شك) من حقيقة ما تدعوننا إليه من توحيد الله ( مُريب ) ، يقول: يريبنا ذلك الشك ، أي يوجب لنا الريبَة والتُّهمَةَ فيه .

* * *

يقال منه: " أرابَ الرجل " ، إذا أتى بريبة ، " يُريبُ إرابةً". (37)

------------------------

الهوامش :

(19) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف 15 : 147 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(20) في المطبوعة والمخطوطة : " وقوم عاد فبين بهم عن الذين " ، وهذا كلام لا معنى له ، وإنما سها الناسخ ، ومراده أن " قوم نوح " ، بدل من " الذين " ، و " التبيين " ، هو البدل ، ذكر ذلك الأخفش ( همع الهوامع 2 : 125 ) . ويقال له أيضًا " التفسير " ، كما أسلفت في الجزء 12 : 7 ، تعليق : 1 ، ويقال له أيضًا : " التكرير " ، ( همع الهوامع 2 : 125 ) .

(21) الآثار : 20590 - 20593 - خرجها السيوطي في الدر المنثور 4 : 71 ، وزاد نسبته إلى عبيد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم .

وإسناد هذا الخبر صحيح .

(22) الأثر : 20593 - " ابن المثنى " ، هو " محمد بن المثنى العنزي " ، الحافظ ، المعروف بالزمن ، شيخ الطبري ، روي عنه ما لا يحصى كثرة ، مضى مرارًا ، انظر : 2734 ، 2740 ، 5440 ، 10314 .

و " عيسى بن جعفر " ، هذا خطأ لا شك فيه ، وإنما الصواب " محمد بن جعفر الهذلي " ، وهو " غندر " ، روي عند " ابن المثنى " في مواضع من التفسير لا تعد كثرة ، انظر ما سلف من الأسانيد مثلا : 35 ، 101 ، 194 ، 208 ، 419 ، في الجزء الأول من التفسير ، وفي الجزء الثامن : 8761 ، 8810 ، 8863 ، 8973 ، وفيه " المثنى " ، وصوابه " ابن المثنى " . وغير هذه كثير .

(23) انظر تفسير " البينات " فيما سلف 13 : 14 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

هذا ، وكان في المطبوعة : " يعني بالحجج الواضحات ، والدلالات البينات الظاهرات على حقيقة ما دعوهم إليه معجزات " ، زاد في الكلام غثاء كثيرًا ، كأنه غمض عليه نص أبي جعفر ، فأراد أن يوضحه بما ساء وناء .

(24) الآثار : 20594 - 20596 - خبر " سفيان الثوري ، عن أبي إسحق " ، أخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 351 ، من طريق عبد الرزاق ، وهو هنا رقم : 20595 ، ولفظه في المستدرك :

" قال عبد الله كذا ، وردَّ يده في فيه ، وعضَّ يده ، وقال : عضُّوا على أصابعهم غيظًا " .

قال الحاكم : " هذا حديث صحيح بالزيادة على شرطهما " ، ووافقه الذهبي .

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 72 ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق ، والفريابي ، وأبي عبيد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 43 ، وقال : رواه الطبراني عن شيخه ، عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، وهو ضعيف " . ولم يذكر هو ولا السيوطي الحديث بزيادة الحاكم .

وسيأتي الخبر عن " سفيان الثوري " و " إسرائيل " برقم : 20603 .

(25) الأثر : 20597 - " إسرائيل " ، هو " إسرائيل بن يونس بن أبي إسحق السبيعي " ، روى عن جده ، ومضى مرارًا كثيرة لا تعد .

و " عبد الله بن رجاء بن عمرو الغداني البصري " ، ثقة ، كان حسن الحديث عن " إسرائيل " سلفت ترجمته برقم : 2814 ، 2939 ، 16973 .

وهذا الخبر ، رواه الحاكم في المستدرك ، من طريق : " عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل " ،

وقال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه الذهبي ، وسيأتي من طريق أبي أحمد الزبيري ، عن إسرائيل ، وسفيان جميعًا برقم : 20603 . وانظر تخريج الآثار السالفة .

(26) الأثر : 20598 - هذه طريق ثالثة لخبر أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود : " شريك ، عن أبي إسحق : عن أبي الأحوص ، عن عبد الله " ، . وانظر الآثار السالفة .

(27) " قال هكذا " ، أي أشار . وقد سلف مرارًا تفسير " قال " بهذا المعنى .

(28) الآثار : 20599 - 20602 - هذه الثلاثة ، طريق أخرى لخبر عبد الله بن مسعود ، من حديث هبيرة عنه .

و " أبو قطن " ، هو " عمرو بن الهثيم بن قطن الزبيري " ، " أبو قطن البصري " ، ثقة ، في الطبقة الرابعة من أصحاب شعبة . مضى برقم : 18674 ، 20091 ، 20420 .

و " يحيى بن عباد الضبعي " ، " أبو عباد " ، من شيوخ أحمد ، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، ثقة ، ولكنه ضعيف . مضى برقم : 20010 ، 20091

و " هبيرة بن مريم الشبامي " ، تابعي ثقة ، لم يرو عنه غير أبي إسحق السبيعي ، مضى برقم : 3001 ، 5468 .

(29) الأثر : 20603 - انظر التعليق على الآثار السالفة.

(30) في المطبوعة : " وقال : معنى : ردوا أيديهم في أفواههم " ، عبث باللفظ وأساء غاية الإساءة .

(31) انظر ما سلف : 515 ، تعليق : 6 .

(32) لم أعرف قائله . ومنشده هو الفراء ، كما في اللسان ( فيا ) .

(33) اللسان ( فيا ) ، وسيأتي في التفسير 17 : 105 ( بولاق ) وأنشده في اللسان عن الفراء :

وأَرغـبُ فيهـا عـن عُبَيْـدٍ ورَهْطِهِ

ولكـنْ بِهَـا عـن سِنْبسٍ لستُ أَرغَبُ

(34) كان في المطبوعة : " يريد : وأرغب فيها ، يعني أرغب بها عن لقيط " ، لم يحسن قراءة المخطوطة لأن فيها " وأرغب فيها " مكان " وأرغب بها " ، ولأنه كتبت " بابنت " بتاء مفتوحة ، وغير منقوطة فضل ، فتصرف ، فأضل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

(35) في مجاز القرآن لأبي عبيدة " بقوله " ، مكان " بقبوله " فأثبته ، ولم أثبت ما في المخطوطة والمطبوعة ، وما وافقهما في فتح الباري ( 8 : 285 ) ، لأن قول أبي جعفر بعد : " لأن الله عز وجل قد أخبر عنهم أنهم قالوا ... " ، دليل على صوابه .

(36) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 336 ، ولكنه في المطبوع من مجاز القرآن مختصر جدًا ، وكأن هذا الموضع من " مجاز القرآن " مضطرب وفيه خروم ، كما أسلفت بيان ذلك في ص : 519 تعليق رقم : 2 .

(37) انظر تفسير " الريب " فيما سلف من فهارس اللغة ( ريب) ، وتفسير " الإرابة فيما سلف 15 : 370 ، 493 .

التدبر :

لمسة
[9] ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ما الفرق بين النبأ والخبر؟ النبأ في اللغة هو الظهور، وهو أهم من الخبر وأعظم منه، وفيه فائدة مهمة: ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: 22]، ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص: 67]، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة النبأ في أخبار الماضين والرسل.
وقفة
[9] ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ هل الإنسان -وإن ذُكِرَ بُرهةً من الدهر- إلاّ كمن خلا قبلُ من الأمم الغابرة الذين ذُكِروا، ثم نُسوا جملةً؟!
وقفة
[9] ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن الضمائر لقوم الرسل، والمعنى: أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم غيظًا من الرسل؛ كقوله: ﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آل عمران: 119]، أو استهزاءً وضحكًا؛ كمن غلبه الضحك فوضع يده على فمه. والثاني: أن الضمائر لهم، والمعنى أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم؛ إشارة على الأنبياء بالسكوت. والثالث: أنهم ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء تسكيتًا لهم.
وقفة
[9] ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ المعاند للحق يعلم أن الذي تدعوه إليه حق، لكن عناده وتكبره يرفضان الانصياع له، هكذا عناد!
وقفة
[9] ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ سوء الظن ليس من محاسن الفطن، بل هي طوية رديئة بالشخص يحسبها أنها بالناس كلهم.

الإعراب :

  • ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ:
  • الهمزة: همزة تقرير بلفظ‍ استفهام. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يأت: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره-حرف العلة-.الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ نَبَؤُا الَّذِينَ:
  • فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. أي خبر عن الذين.
  • ﴿ مِنْ قَبْلِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بفعل محذوف وجوبا تقديره خلوا أو وجدوا. وجملة «وجدوا من قبلكم» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. والكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ:
  • قوم: بدل من الاسم الموصول مجرور مثله بالاضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. نوح: مضاف اليه مجرور بالكسرة المنونة رغم عجمته وعلميته لأنه من ثلاثة أحرف أوسطه ساكن. و«عاد» معطوف بالواو على «نوح» ويعرب اعرابه. وثمود: معطوف بالواو أيضا على «نوح» وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه اسم قبيلة ويصرف عند ما يراد به اسم الحي.
  • ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ:
  • الواو: اعتراضية والجملة بعده: اعتراضية لا محل لها من الاعراب أي الجملة الاسمية من المبتدأ «الذين» مع خبره لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ» ويجوز أن تكون الواو عاطفة و «الذين» اسما موصولا مبنيا على الفتح في محل جر معطوفا على قوم نوح وتكون جملة لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ» اعتراضية لا محل لها من الاعراب. من بعدهم: تعرب اعراب مِنْ قَبْلِكُمْ».
  • ﴿ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يعلم: فعل مضارع مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. الله لفظ‍ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ:
  • جاء: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به مقدم. وأنث الفعل لفصله عن الفاعل وعلى تضمين معنى جماعة الرسل. رسل: فاعل مرفوع بالضمة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. بالبينات: جار ومجرور متعلق بجاءتهم.
  • ﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْااهِهِمْ:
  • أي عضّوها غيظا. الفاء: سببية. ردوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أيدي: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. في أفواه: جار ومجرور متعلق بردّوا. أي الى أفواههم و «هم» أعربت.
  • ﴿ وَقالُوا إِنّا كَفَرْنا:
  • وقالوا: معطوفة بالواو: على «ردوا» وتعرب إعرابها. إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مدغم بنون إن مبني على السكون في محل نصب اسم «إنّ».كفر: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «كفرنا» في محل رفع خبر «إنّ».
  • ﴿ بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بكفرنا. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. أرسل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل والميم علامة جمع الذكور. به: جار ومجرور متعلق بأرسلتم وجملة أُرْسِلْتُمْ بِهِ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب. وجملة إِنّا كَفَرْنا» في محل نصب مفعول به-مقول القول-.
  • ﴿ وَإِنّا لَفِي شَكٍّ:
  • وإنّا: معطوفة بالواو على «انّا» الأولى وتعرب إعرابها. اللام مزحلقة للتوكيد. في شك: جار ومجرور متعلق بخبر إنّ.
  • ﴿ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ:
  • جار ومجرور متعلق بشك. والأصل: من: حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. تدعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به. مريب: صفة-نعت- لشك مجرورة مثلها و «اليه» جار ومجرور متعلق بتدعون. '

المتشابهات :

التوبة: 70﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِ
ابراهيم: 9﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [9] لما قبلها :     وبعد ذكرِ موسى عليه السلام مع قومه؛ ذكرَ اللهُ عز وجل لأهل مكة هنا حالَ رُسلٍ آخرينَ معَ أقوامِهم، وما دار بين الرسل وأقوامهم من محاورات، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تدعوننا:
وقرئ:
تدعونا، بإدغام نون الرفع فى الضمير، وهى قراءة طلحة.

مدارسة الآية : [10] :ابراهيم     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ ..

التفسير :

[10] قالت لهم رسلهم:أفي الله وعبادته -وحده- ريب، وهو خالق السموات والأرض، ومنشئهما من العدم على غير مثال سابق، وهو يدعوكم إلى الإيمان؛ ليغفر لكم ما أسلفتم من الشرك، ويَدْفع عنكم عذاب الاستئصال، فيؤخِّر بقاءكم في الدنيا إلى أجل قدَّره، وهو نهاية آجالكم، ف

ولهذا ( قَالَتْ ) لهم ( رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ) أي:فإنه أظهر الأشياء وأجلاها، فمن شك في الله ( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات، حتى الأمور المحسوسة، ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه ( يَدْعُوكُمْ ) إلى منافعكم ومصالحكم ( لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) أي:ليثيبكم على الاستجابة لدعوته بالثواب العاجل والآجل، فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم، بل النفع عائد إليكم.

فردوا على رسلهم رد السفهاء الجاهلين ( قَالُوا ) لهم:( إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا ) أي:فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة، ( تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وأنتم بشر مثلنا؟

( فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) أي:بحجة وبينة ظاهرة، ومرادهم بينة يقترحونها هم، وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات.

ثم بين- سبحانه- ما رد به الرسل على المكذبين من أقوامهم فقال: قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ، فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى....

والاستفهام في قوله أَفِي اللَّهِ شَكٌّ للتوبيخ والإنكار، ومحل الإنكار هو وقوع الشك في وجود الله- تعالى- وفي وحدانيته.

وقوله فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الفطر بمعنى الخلق والإبداع من غير سبق مثال وأصله: الشق وفصل شيء عن شيء، ومنه فطر ناب البعير أى: طلع وظهر، واستعمل في الإيجاد والإبداع والخلق لاقتضائه التركيب الذي سبيله الشق والتأليف، أو لما فيه من الإخراج من العدم إلى الوجود.

والمعنى: قال الرسل لأقوامهم على سبيل الإنكار والتعجب من أقوالهم الباطلة: أفي وجود الله- تعالى- وفي وجوب إخلاص العبادة له شك، مع أنه- سبحانه- هو فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى خالقهما ومبدعهما ومبدع ما فيهما على أحكم نظام، وعلى غير مثال سابق ... وهو- سبحانه- فضلا منه وكرما «يدعوكم» إلى الإيمان بما جئناكم به من لدنه «ليغفر لكم» بسبب هذا الإيمان «من ذنوبكم ويؤخركم» في هذه الدنيا «إلى أجل مسمى» أى: إلى وقت معلوم عنده تنتهي بانتهائه أعماركم، دون أن يعاجلكم خلال حياتكم بعذاب الاستئصال «رحمة بكم» وأملا في هدايتكم.

فأنت ترى أن الرسل الكرام قد أنكروا على أقوامهم أن يصل بهم انطماس البصيرة إلى الدرجة التي تجعلهم ينكرون وجود الله مع أن الفطر شاهدة بوجوده، وينكرون وحدانيته مع أنه وحده الخالق لكل شيء، ويشركون معه في العبادة آلهة أخرى، مع أن هذه الآلهة لا تضر ولا تنفع.

وجملة فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جيء بها كدليل على نفى الشك في وجوده- سبحانه- وفي وجوب إخلاص العبادة له، لأن وجودهما على هذا النسق البديع يدل دلالة قاطعة على أن لهما خالقا قادرا حكيما، لاستحالة صدور تلك المخلوقات من غير فاعل مختار.

وجملة «يدعوكم ... » حال من اسم الجلالة، واللام في قوله «ليغفر لكم من ذنوبكم» متعلقة بالدعاء.

أى: يدعوكم إلى الإيمان بنا لكي يغفر لكم.

قال الشوكانى ما ملخصه: «ومن» في قوله «من ذنوبكم» قال أبو عبيدة: إنها زائدة، ووجه ذلك قوله- تعالى- في موضع آخر: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وقال سيبويه:

هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع، وقيل التبعيض على حقيقته ولا يلزم من غفران الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غفران جميعها لغيرهم ...

وقيل هي للبدل، أى: لتكون المغفرة بدلا من الذنوب ... .

وقال الجمل: «ويحتمل أن يضمن «ويغفر» معنى يخلص أى: يخلصكم من ذنوبكم، ويكون مقتضاه غفران جميع الذنوب، وهو أولى من دعوى زيادتها» .

وقوله- سبحانه- قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ حكاية لرد آخر من الردود السيئة التي قابل بها المكذبون رسلهم.

أى: قال الظالمون لرسلهم الذين جاءوا لهدايتهم، ما أنتم إلا بشر مثلنا في الهيئة والصورة والمأكل والمشرب، تريدون بما جئتمونا به أن تصرفونا وتمنعونا عن عبادة الآلهة التي ورثنا عبادتها عن آبائنا ... فإن كنتم صادقين في دعواكم هذه فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أى بحجة ظاهرة تدل على صدقكم وتتسلط هذه الحجة بقوتها على نفوسنا وتجذبها إلى اليقين، من السلاطة وهي التمكن من القهر.

وكأن هؤلاء الظالمين بقولهم هذا، يرون أن الرسل لا يصح أن يكونوا من البشر، وإنما يكونون من الملائكة.

وكأن ما أتاهم به الرسل من حجج باهرة تدل على صدقهم، ليس كافيا في زعم هؤلاء المكذبين للإيمان بهم، بل عليهم أن يأتوهم بحجج محسوسة أخرى، وهكذا الجحود العقلي، والانطماس النفسي يحمل أصحابه على قلب الحقائق، وإيثار طريق الضلالة على طريق الهداية.

يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة ، وذلك أن أممهم لما واجهوهم بالشك فيما جاءوهم به من عبادة الله وحده لا شريك له ، قالت الرسل : ( أفي الله شك )

وهذا يحتمل شيئين ، أحدهما : أفي وجوده شك ، فإن الفطر شاهدة بوجوده ، ومجبولة على الإقرار به ، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة ، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب ، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده; ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه ( فاطر السماوات والأرض ) الذي خلقها وابتدعها على غير مثال سبق ، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليها ، فلا بد لها من صانع ، وهو الله لا إله إلا هو ، خالق كل شيء وإلهه ومليكه .

والمعنى الثاني في قولهم : ( أفي الله شك ) أي : أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك ، وهو الخالق لجميع الموجودات ، ولا يستحق العبادة إلا هو ، وحده لا شريك له; فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع ، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى .

وقالت لهم الرسل : ندعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ، أي : في الدار الآخرة ، ( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) أي : في الدنيا ، كما قال تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ) الآية [ هود : 3 ] ، فقالت لهم الأمم محاجين في مقام الرسالة ، بعد تقدير تسليمهم للمقام الأول ، وحاصل ما قالوه : ( إن أنتم إلا بشر مثلنا ) أي : كيف نتبعكم بمجرد قولكم ، ولما نر منكم معجزة ؟ ( فأتونا بسلطان مبين ) أي : خارق نقترحه عليكم .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قالت رُسل الأمم التي أتتها رسُلها: (أفي الله) ، (38) أنه المستحق عليكم ، أيها الناس ، الألوهة والعبادةَ دون جميع خلقه (شك) وقوله: ( فاطر السماوات والأرض ) ، يقول: خالق السماوات والأرض (39) ( يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ) ، يقول: يدعوكم إلى توحيده وطاعته ( ليغفر لكم من ذنوبكم ) ، يقول: فيستر عليكم بعضَ ذنوبكم بالعفو عنها ، فلا يعاقبكم عليها ، (40) ( ويؤخركم ) ، يقول: وينسئ في آجالكم ، (41) فلا يعاقبكم في العاجل فيهلككم ، ولكن يؤخركم إلى الوقت الذي كتبَ في أمّ الكتاب أنه يقبضكم فيهِ ، وهو الأجل الذي سمَّى لكم. (42) فقالت الأمم لهم: ( إن أنتم ) ، أيها القوم ( إلا بشرٌ مثلنا ) ، في الصورة والهيئة ، ولستم ملائكة ، (43) وإنما تريدون بقولكم هذا الذي تقولون لنا ( أن تصدُّونا عما كان يعبدُ آباؤنا ) ، يقول: إنما تريدون أن تصرِفونا بقولكم عن عبادة ما كان يعبدُه من الأوثان آباؤنا (44) ( فأتونا بسلطان مبين ) ، يقول: فأتونا بحجة على ما تقولون تُبين لنا حقيقتَه وصحتَه ، فنعلم أنكم فيما تقولون محقُّون. (45)

-------------------

الهوامش :

(38) في المخطوطة : " أفي الناس " ، وهو سهو منه .

(39) انظر تفسير " فطر " فيما سلف : 287 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(40) انظر تفسير " المغفرة " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) ، ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 336 ، في بيان زيادة " من " في الآية .

(41) انظر تفسير " التأخير " فيما سلف من فهارس اللغة ( أخر ) .

(42) انظر تفسير " الأجل " فيما سلف : 476 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

وتفسير " مسمى " فيما سلف : 326 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(43) انظر تفسير " بشر " فيما سلف 15 : 295 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(44) انظر تفسير " الصد " فيما سلف : 515 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(45) انظر تفسير " السلطان " فيما سلف : 106 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

وتفسير " مبين " فيما سلف من فهارس اللغة ( بين )

التدبر :

وقفة
[10] ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٍّ﴾ هذه السماء المرتفعة، وهذه النجوم المتلألئة، وتلك المجرات السيارة بالكون، ألا تدل أن هنالك واحد أحد يسيرها؟
وقفة
[10] ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٍّ﴾ أفِي وجوده شك؟! فإنَّ الفِطَر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به؛ فإنَّ الاعتراف به ضروري في الفِطَر السليمة.
عمل
[10] ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٍّ﴾ تأمل حوار الرسل مع المدعوين، واستخرج ثلاث فوائد من ذلك لتعينك على اتباع سنتهم في الحوار.
وقفة
[10] ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ يدعوك ليغفر لك، ما أعظم الفرصة، حين يدعوك مولاك ليُقِيل عثرتك!
وقفة
[10] ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ على الداعية أن يكون واثقًا في خطابه ليكون ذلك أبلغ عند السامع.
وقفة
[10] ﴿أَفِي اللَّـهِ شَكٍّ﴾ ما أحلم الذي يخلق لهم عقولًا يَشُكُّون بها في وجوده، ثم يدعوهم ليغفر لهم!
وقفة
[10] ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لم أكن أعرف معنى (فاطر) حتى تخاصم أعرابيان في بئر لأي منهما تعود، فقال أحدهما: «أنا فطرتها» أي بدأتها».
اسقاط
[10] ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم﴾ نقصِّر في حقه ويدعونا ليغفر لنا، ما أرحمه سبحانه!
وقفة
[10] ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم﴾ دعاهم ليغفر لهم؛ فقابلوا ذلك بالشكِّ فيه، تبًا لهم.
وقفة
[10] ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ سبحان ربنا ما أكرمه وما أرحمه وما أعظمه! نقصِّر ونذنب ونخطئ في حقه، وينادينا ليغفر لنا!
وقفة
[10] ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ (مِنْ) زائدة، إذِ الِإسلامُ يُغفر به ما قبله، أو تبعيضيَّة لِإخراج حقّ العباد.
وقفة
[10] ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ من تخطئ بحقه قد لا يرغب برؤية وجهك إلا الله، مع أنك شارد عنه بأخطائك إلا أنه يناديك ليصفح عنك.
وقفة
[10] ﴿تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ آفة الإنسان أن يلغي عقله ويسلمه لغيره، فينقاد له تقليدًا والأسوأ من هذا أن يتعصب لمن يتبعه.

الإعراب :

  • ﴿ قالَتْ رُسُلُهُمْ:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها وقد أنث الفعل لأنّ الرسل جماعة. رسل: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَفِي اللهِ شَكٌّ:
  • الهمزة همزة انكار بلفظ‍ استفهام وأدخلت على الظرف لأن الكلام ليس في الشك انما هو في المشكوك فيه. في الله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. شك: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فاطِرِ السَّماااتِ وَالْأَرْضِ:
  • فاطر: بدل من لفظ‍ الجلالة مجرور وعلامة جره الكسرة. السموات: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة والأرض: معطوفة بالواو على «السموات» مجرورة مثلها. وتعرب اعرابها.
  • ﴿ يَدْعُوكُمْ:
  • الجملة في محل نصب حال ويجوز أن تكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف أي هو يدعوكم. يدعو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي سبحانه. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور بمعنى يدعوكم الى الايمان به وبرسله.
  • ﴿ لِيَغْفِرَ:
  • أصلها: أن يغفر لكم: فزيدت اللام لارادة المغفرة بمعنى يدعوكم لأجل المغفرة. يغفر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام الزائدة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «أن» المضمرة بعد اللام الزائدة وما بعدها: بتأويل مصدر مجرور لفظا باللام الزائدة منصوب محلا على أنه مفعول له-لأجله-وجملة «يغفر» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيغفر والميم علامة جمع الذكور. من: حرف جر زائد-للتبعيض-ذنوب: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول «يغفر» الكاف ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. بمعنى: ليغفر لكم بعض ذنوبكم. ويجوز أن يتعلق الجار والمجرور بالمفعول المحذوف بتقدير: بعضا من ذنوبكم.
  • ﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:
  • ويؤخر: معطوفة بالواو على «يغفر» وتعرب إعرابها. الكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. الى أجل: جار ومجرور متعلق بيؤخر. مسمى: صفة-نعت- لأجل مجرورة مثلها وعلامة الجر الكسرة المقدرة للتعذر على الألف المقصورة قبل تنوينها لأن الاسم رباعي مذكر نكرة. بمعنى: إلى ميعاد مقدر أو وقت سماه الله.
  • ﴿ قالُوا:
  • فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة بعدها في محل نصب مفعول به-مقول القول-
  • ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا:
  • إن: مهملة لأنها مخففة بمعنى «ما» النافية. أنتم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. إلاّ: أداة حصر لا عمل لها. بشر: خبر «أنتم» مرفوع بالضمة مثل: بدل أو صفة -نعت-لبشر مرفوعة مثلها بالضمة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أن: حرف مصدرية ناصب. تصدونا: أي تمنعونا: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به. و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به التقدير: تريدون صدّنا. وجملة «تصدونا» صلة «أن» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا:
  • عما: مكونة من «عن» حرف جر ادغمت نونه بالميم و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بتصدونا وما بعدها: صلة الموصول لا محل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. يعبد: فعل مضارع مرفوع بالضمة واسم «كان» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. آباء: فاعل مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. وجملة يَعْبُدُ آباؤُنا» في محل نصب خبر «كان».
  • ﴿ فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ:
  • الجملة جواب شرط‍ محذوف بتقدير: إن كنتم صادقين بدعواكم فأتونا بدليل مبين. الفاء: رابطة لجواب الشرط‍ أأتوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل في محل نصب مفعول به. بسلطان: جار ومجرور متعلق بائتونا. مبين: صفة-نعت-لسلطان مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة المنونة لأنها اسم نكرة. '

المتشابهات :

ابراهيم: 10﴿يَدْعُوكُمْ لِـ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا
نوح: 4﴿ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّـهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [10] لما قبلها :     وبعد بيان موقف الأقوام المكذبين من رسلهم؛ جاء هنا رد الرسل على المكذبين من أقوامهم، قال تعالى:
﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

فاطر:
وقرئ:
بالنصب، على المدح، وهى قراءة زيد بن على.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف