45265266267268269

الإحصائيات

سورة البقرة
ترتيب المصحف2ترتيب النزول87
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات48.00
عدد الآيات286عدد الأجزاء2.40
عدد الأحزاب4.80عدد الأرباع19.25
ترتيب الطول1تبدأ في الجزء1
تنتهي في الجزء3عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 1/29آلم: 1/6

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (265) الى الآية رقم (266) عدد الآيات (2)

بعدَ الحثِّ على النَّفقةِ والتحذيرِ ممَّا يُبطلُها ضربَ اللهُ هنا مثلينِ: الأولُ للمخلصينَ في الإنفاقِ، والثاني للمرائينَ والمؤذينَ والمنّانينَ، للمقارنةِ بين الفريقينِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (267) الى الآية رقم (269) عدد الآيات (3)

لمَّا ذكرَ اللهُ ما يجبُ أن يتَّصفَ به المنفقُ من الإخلاصِ وعدمِ المنِّ ونحوه، بَيَّنَ هنا صفةَ المالِ المبذولِ وهو أن يكونَ من جيدِ الأموالِ لا الردئِ، ثُمَّ حَذَّرَ من الشيطانِ الذي يَعِدُ النَّاسَ الفقرَ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة البقرة

استخلاف الإنسان في الأرض/ العبادة/ الإسلام لله تعالى

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • فلماذا سميت السورة بالبقرة؟:   قد يتساءل البعض لماذا سميت هذه السورة بسورة البقرة؟ قد يجيب البعض بأنها سميت كذلك لأنّ قصة البقرة جاءت في هذه السورة. فنقول: إنَّ هذه السورة قد جاء بها قصص كثيرة، فلماذا سميت السورة باسم هذه القصة دون غيرها؟ العناوين دلالة الاهتمام، فهذه إشارة إلى أهمية هذه القصة، أو أن أهم موضوع في السورة هو قصة البقرة.
  • • ليست مجرد قصة::   لم تكن قصة (بقرة بني إسرائيل) مجرد قصة من قصص بني إسرائيل، ولكنها تجسيد لحال بني إسرائيل مع أوامر الله، تلكأ في تنفيذ أوامر الله، تعنت، وتشدد، وتحايل، ومماطلة، وجدال، وجحود، وعناد. وهذا في غاية المناسبة لسورة البقرة التي تضمنت تربية المؤمنين على الاستجابة ﻷوامر الله، فقد تضمنت الكثير من التشريعات والأحكام، فكأن الاسم شعار للمؤمنين ليحذروا من التشبه بأصحاب البقرة، لكي يتذكر المسلم المسؤول عن الأرض هذه الأخطاء ويتجنبها. ولهذا خُتمت السورة بقوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (285).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة البقرة»، وتسمى مع سورة آل عمران بـ«الزَّهراوَين».
  • • معنى الاسم ::   البقرة: حيوان معروف، لحمه يؤكل ولبنه يشرب، والزهراوان: المُنيرتان المُضيئتان، واحدتها زهراء.
  • • سبب التسمية ::   سميت سورة البقرة؛ لأنها انفردت بذكر قصة البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها، ولم ترد أي إشارة إلى هذه القصة في أي سورة غيرها، وتسمى مع سورة آل عمران بـ«الزَّهراوَين»؛ لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   وتسمى أيضًا «سَنام القرآن» وسنام كل شيء أعلاه، فسميت بذلك تعظيمًا لشأنها، و«فُسطاط القرآن» والفسطاط هو المدينة الجامعة، لما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   وجوب الاستجابة لأوامر لله، والاستسلام الكامل لأحكامه، والانقياد والإذعان لها.
  • • علمتني السورة ::   أن هذا الكتاب العزيز لا شك فيه بأي وجه من الوجوه، لا شك في نزوله، ولا في أخباره، ولا أحكامه، ولاهدايته: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾
  • • علمتني السورة ::   تكريم الله للإنسان بسجود الملائكة له، وتعليمه أسماء جميع الأشياء، وإسكانه الجنة، واستخلافه في الأرض: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من لا يعرف من القرآن إلا تلاوته دون فهم يشابه طائفة من اليهود لم يعلموا من التوراة إلا التلاوة: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
    • عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا». ففي حرَّ يوم القيامة الشديد، عندما تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، تأتي سورة البقرة لتظلل على صاحبها.تأمل كيف أنّ سورتي البقرة وآل عمران تحاجان -أي تدافعان- عن صاحبهما.
    • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لاَ يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ».
    • عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:« يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ:" اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعَلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». زَادَ أَحْمَد: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيِدَهِ! إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَينِ، تُقَدِّس الْمَلِكَ عَنْدِ سَاقِ الْعَرشِ».
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِي فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَة لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ».
    • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ»، فَقَالَ: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ»، فَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيْتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ».
    • عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».
    • عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطه».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة البقرة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي أطول سورة في القرآن الكريم على الإطلاق
    • أول سورة نزلت في المدينة.
    • أول سورة مدنية بحسب ترتيب المصحف.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالحروف المقطعة من أصل 29 سورة افتتحت بذلك.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تفتح بالحروف المقطعة ﴿الم﴾ من أصل 6 سور افتتحت بذلك.
    • هي السورة الوحيدة التي ذكرت قصة البقرة، ولم يذكر لفظ (البقرة) مفردًا بغير هذه السورة.
    • تحتوي على أعظم آية (آية الكرسي)، وأطول آية (آية الدين).
    • تحتوي على آخر آية نزلت -على الراجح- وهي: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (281).
    • كثرة أحكامها، قال ابن العربي: سمعت بعض أشياخي يقول: «فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر».
    • السور الكريمة المسماة بأسماء الحيوانات 7 سور، وهي: «البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل».
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستقبل أوامر الله بـ "سمعنا وأطعنا"، وأن نحذر من: "سمعنا وعصينا".
    • أن نرتبط بكتاب الله علمًا وتدبرًا وعملًا؛ لنصل إلى الهداية ونبتعد عن طريق الغواية: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (2).
    • أن نتحلى بصفات المتقين، ومنها: الإيمان بالغيب، إقامة الصلاة، الإنفاق، الإيمان بما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وبما أنزل على الأنبياء من قبله، الإيمان باليوم الِآخر: ﴿... هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...﴾ (2-5).
    • أن نحذر من صفات المنافقين، ومنها: لا يعترفون بأخطائهم، يصرون على الذنوب، يمثلون أمام الناس أنهم مصلحون وهم المفسدون، يخادعون أنفسهم (8-20).
    • أن نبتعد عن الكبر؛ فالكبر هو معصية إبليس: ﴿... فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ ...﴾ (34).
    • أن نمتثل أوامر الله تعالى ونحذر من وساوس الشيطان: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ... فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ...﴾ (35، 36).
    • أن نحذر الذنوب، فبذنبٍ واحد خرج أبونا من الجنة: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (36).
    • أن نسارع بالتوبة كما فعل أبونا آدم عليه السلام (37).
    • أن نتجنب الأخطاء التي وقعت من بني إسرائيل، ولا نفعل مثل ما فعلوا (40-123).
    • أن نذكِّر الناس ونرشدهم إلى الخير؛ ولا ننسى أنفسنا من ذلك: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ (44). • أن نختار كلماتنا بعناية شديدة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (83).
    • أن نسارع بالاستجابة لأوامر الله كما فعل إبراهيم عليه السلام : ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (131)، وأن نحذر عناد بني إسرائيل وجدالهم.
    • أن نكثر من ذكر الله تعالى وشكره حتى نكون من الذاكرين: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (152).
    • أن نقول: «إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» عند المصيبة: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (156).
    • أن نكثر التأمل والتفكر في خلق الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...﴾ (164).
    • أن نأتي كل أمر من أمورنا من الطريق السهل القريب: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ (189).
    • أن نبادر في قضاء فريضة الحج، ونحرص على عدم الرفث والفسوق والجدال: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ...﴾ (197).
    • أن نحذر من خطوات الشيطان ووساوسه: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (208).
    • أن نحسن الظن بالله وبما قدَّره لنا في حياتنا، حتى لو أننا كرهناه فهو بالتأكيد خير لنا، فكل أقداره عز وجل خير: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ...﴾ (216).
    • أن نبتعد عن الخمر والميسر: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ ...﴾ (219).
    • أن نحافظ على الصلاة تحت أي ظرف: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ﴾ (238).
    • ألا نَمُن على أحد أنفقنا عليه، ولا نؤذيه، ولا ننتظر الأجر إلا من الله: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ...﴾ (262).
    • أن نحذر الربا، ونبتعد عنه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا ...﴾ (275-279).
    • أن نصبر على المعسر الذي لم يستطع القضاء، أو نسقط عنه الدين كله أو بعضه: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (280).
    • أن نقول لكل ما جاء به الرسول عن ربنا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ (285)، ‏بلا جدال، ولا نقاش، ولا تكاسل.

تمرين حفظ الصفحة : 45

45

مدارسة الآية : [265] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء ..

التفسير :

[265] ومثل الذين ينفقون أموالهم طلباً لرضا الله واعتقاداً راسخاً بصدق وعده، كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة، فتضاعفت ثمراته، وإن لم تسقط عليه الأمطار الغزيرة فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة، وكذلك نفقات المخلصين تُقْبل عند ال

هذا مثل المنفقين أموالهم على وجه تزكو عليه نفقاتهم وتقبل به صدقاتهم فقال تعالى:{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله} أي:قصدهم بذلك رضى ربهم والفوز بقربه{ وتثبيتا من أنفسهم} أي:صدر الإنفاق على وجه منشرحة له النفس سخية به، لا على وجه التردد وضعف النفس في إخراجها وذلك أن النفقة يعرض لها آفتان إما أن يقصد الإنسان بها محمدة الناس ومدحهم وهو الرياء، أو يخرجها على خور وضعف عزيمة وتردد، فهؤلاء سلموا من هاتين الآفتين فأنفقوا ابتغاء مرضات الله لا لغير ذلك من المقاصد، وتثبيتا من أنفسهم، فمثل نفقة هؤلاء{ كمثل جنة} أي:كثيرة الأشجار غزيرة الظلال، من الاجتنان وهو الستر، لستر أشجارها ما فيها، وهذه الجنة{ بربوة} أي:محل مرتفع ضاح للشمس في أول النهار ووسطه وآخره، فثماره أكثر الثمار وأحسنها، ليست بمحل نازل عن الرياح والشمس، فـ{ أصابها} أي:تلك الجنة التي بربوة{ وابل} وهو المطر الغزير{ فآتت أكلها ضعفين} أي:تضاعفت ثمراتها لطيب أرضها ووجود الأسباب الموجبة لذلك، وحصول الماء الكثير الذي ينميها ويكملها{ فإن لم يصبها وابل فطل} أي:مطر قليل يكفيها لطيب منبتها، فهذه حالة المنفقين أهل النفقات الكثيرة والقليلة كل على حسب حاله، وكل ينمى له ما أنفق أتم تنمية وأكملها والمنمي لها هو الذي أرحم بك من نفسك، الذي يريد مصلحتك حيث لا تريدها، فيالله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لأسرعت إليه الهمم وتزاحم عليه كل أحد، ولحصل الاقتتال عنده، مع انقضاء هذه الدار وفنائها وكثرة آفاتها وشدة نصبها وعنائها، وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن ينظر إليه بعين بصيرة الإيمان، دائم مستمر فيه أنواع المسرات والفرحات، ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة، والعزائم عن طلبه خامدة، أترى ذلك زهدا في الآخرة ونعيمها، أم ضعف إيمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟! وإلا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الإيمان به بشاشة قلبه لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق إليه، وتوجهت همم عزائمه إليه، وطوعت نفسه له بكثرة النفقات رجاء المثوبات، ولهذا قال تعالى:{ والله بما تعملون بصير} فيعلم عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل، فيجازيه عليه أتم الجزاء

التثبيت: تحقيق الشيء وترسيخه، والجنة- كما يقول الراغب- كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض. وأصل الجن ستر الشيء على الحاسة، يقال: جنه الليل وأجنه أى ستره. وسميت الجنة بذلك لأنها تظلل ما تحتها وتستره. والربوة- بضم الراء وفتحها- المكان المرتفع من الأرض. وأصلها من قولهم:

ربا الشيء يربو إذا ازداد وارتفع ومنه الربا للزيادة المأخوذة على أصل الشيء.

والمعنى: ومثل الذين ينفقون أموالهم طلبا لرضى الله- تعالى- وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى:

وتوطينا لأنفسهم على حفظ هذه الطاعة وعلى ترك ما يفسدها كمثل جنة بموضع مرتفع من الأرض نزل بها مطر كثير فأخرجت ثمرها ضِعْفَيْنِ أى ضعفا بعد ضعف فتكون التثنية للتكثير، أو فأعطت صاحبها أو الناس مثلي ما كانت تثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من المطر الغزير. أو فأخرجت ثمرها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من الجنان.

والمقصود تشبيه نفقة هؤلاء المؤمنين المخلصين في زكائها ونمائها عند الله بتلك الحديقة اليانعة المرتفعة التي تنزل عليها المطر الغزير فآتت أكلها مضاعفا وأخرجت للناس من كل زوج بهيج.

وقوله: ابْتِغاءَ مفعول لأجله أى يبذلون نفقتهم من أجل رضا الله- عز وجل- أو حال من فاعل ينفقون. أى ينفقون أموالهم طالبين رضا الله.

وقوله: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ معطوف على سابقه، وقد ذكر صاحب الكشاف أوجها في معنى هذه الجملة الكريمة فقال: قوله: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح على سائر العبادات الشاقة وعلى الإيمان، لأن النفس إذا ريضت بالتحامل عليها وتكليفها، ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها وبالعكس، فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين. ومِنْ على هذا الوجه للتبعيض، مثلها في قولهم: هز من عطفه وحرك من نشاطه. ويجوز أن يراد من قوله- تعالى-: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق المسلّم ماله في سبيل الله، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه.

ومِنْ على هذا الوجه لابتداء الغاية، كقوله- تعالى- حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ويحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه، وتعضد هذا المعنى قراءة مجاهد: وتثبيتا من أنفسهم: فإن قلت: فما معنى التبعيض؟ قلت: معناه أن من يذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها كما في قوله- تعالى-: وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ .

وخصص الجنة بأنها بربوة لأن الأشجار في المكان المرتفع من الأرض تكون عادة أحسن منظرا، وأزكى ثمرا، للطافة هوائها، فكان من فوائد هذا القيد إعطاء وجه الشبه- وهو تضعيف المنفعة وجمالها قوة ووضوحا، كما أن من فوائده تحسين المشبه به تحسينا يعود أثره إلى المشبه عند السامع.

ثم قال- تعالى-: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ.

والطل: هو المطر القليل وجمعه طلال، وهو مبتدأ محذوف الخبر أى فطل قليل يصيبها يكفيها.

والمراد أن هذه الجنة لطيبها وكرم منبتها تزكو وتثمر كثر المطر النازل عليها أو قل فكذلك نفقة المؤمنين المخلصين تزكو عند الله وتطيب كثرت أو قلت، لأن إخلاصهم فيها جعلها عند الله- تعالى- مضاعفة نامية.

أى أنه- سبحانه- عليم بأحوال عباده لا تخفى عليه خافية، وسيجازى المخلصين بما يرضيهم كما سيجازى المنانين والمرائين بما يستحقون. ففي الجملة الكريمة ترغيب وترهيب ووعيد.

وبذلك نرى القرآن الكريم قد ساق في هذه الآية وسابقتها حالتين متقابلتين: حالة الذي يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء، وكيف تكون عاقبته ونهايته. وحالة الذي ينفق ماله طلبا لرضا الله وتعويدا لنفسه على فعل الطيبات وكيف يكون جزاؤه عند العليم الخبير ولقد صور القرآن هاتين الحالتين تصويرا مؤثرا بديعا، من شأنه أن يهدى العقلاء إلى فعل الخيرات، وإخلاص النيات، واجتناب السيئات.

ثم ساق القرآن آية كريمة حذر فيها الناس من ارتكاب ما نهى الله عنه وبين فيها كيف أن المن والأذى والرياء وما يشبه ذلك من رذائل يؤدى إلى ذهاب الشيء النافع من بين يدي صاحبه وهو أحوج ما يكون إليه. استمع إلى القرآن وهو يصور نهاية هذا الإنسان البائس.

وهذا مثل المؤمنين المنفقين ( أموالهم ابتغاء مرضاة الله ) عنهم في ذلك ( وتثبيتا من أنفسهم ) أي : وهم متحققون مثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، ونظير هذا في المعنى ، قوله عليه السلام في الحديث المتفق على صحته : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا . . . " أي : يؤمن أن الله شرعه ، ويحتسب عند الله ثوابه .

قال الشعبي : ( وتثبيتا من أنفسهم ) أي : تصديقا ويقينا . وكذا قال قتادة ، وأبو صالح ، وابن زيد . واختاره ابن جرير . وقال مجاهد والحسن : أي : يتثبتون أين يضعون صدقاتهم .

وقوله : ( كمثل جنة بربوة ) أي : كمثل بستان بربوة . وهو عند الجمهور : المكان المرتفع المستوي من الأرض . وزاد ابن عباس والضحاك : وتجري فيه الأنهار .

قال ابن جرير : وفي الربوة ثلاث لغات هن ثلاث قراءات : بضم الراء ، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق . وفتحها ، وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ، ويقال : إنها لغة تميم . وكسر الراء ، ويذكر أنها قراءة ابن عباس .

وقوله : ( أصابها وابل ) وهو المطر الشديد ، كما تقدم ، ( فآتت أكلها ) أي : ثمرتها ) ضعفين ) أي : بالنسبة إلى غيرها من الجنان . ( فإن لم يصبها وابل فطل ) قال الضحاك : هو الرذاذ ، وهو اللين من المطر . أي : هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا ; لأنها إن لم يصبها وابل فطل ، وأيا ما كان فهو كفايتها ، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدا ، بل يتقبله الله ويكثره وينميه ، كل عامل بحسبه ; ولهذا قال : ( والله بما تعملون بصير ) أي : لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء .

القول في تأويل قوله عز وجل : وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ) فيصَّدَّقون بها، ويحملون عليها في سبيل الله، ويقوُّون بها أهل الحاجة من الغزاة والمجاهدين في سبيل الله، وفي غير ذلك من طاعات الله، طلب مرضاته = (1) . &; 5-531 &; =( وتثبيتًا من أنفسهم ) يعني بذلك: وتثبيتًا لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله وتحقيقًا, من قول القائل: " ثَبَّتُّ فلانًا في هذا الأمر " - إذ صححت عزمَه، وحققته، وقويت فيه رأيه -" أثبته تثبيتًا ", كما قال ابن رواحة:

فَثَبَّـتَ اللـهُ مَـا آتَـاكَ مِـنْ حَسَـنٍ

تَثْبِيـتَ مُوسَـى, وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا (2)

* * *

وإنما عنى الله جل وعز بذلك: أن أنفسهم كانت موقنة مصدقة بوعد الله إياها فيما أنفقت في طاعته بغير منّ ولا أذى, فثبتَتْهم في إنفاق أموالهم ابتغاء مرضاة الله, وصححت عزمهم وآراءهم، (3) . يقينًا منها بذلك, (4) . وتصديقًا بوعد الله إياها ما وعدها. ولذلك قال من قال من أهل التأويل في قوله: ( وتثبيتًا )، وتصديقًا = ومن قال منهم: ويقينًا = لأن تثبيت أنفس المنفقين أموالَهم ابتغاء مرضاة الله إياهم, (5) . إنما كان عن يقين منها وتصديق بوعد الله.

* ذكر من قال ذلك من أهل التأويل:

6063 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا سفيان, عن أبي موسى, عن الشعبي: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: تصديقًا ويقينًا.

&; 5-532 &;

6064 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن أبي موسى, عن الشعبي: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) قال: وتصديقًا من أنفسهم ثبات ونُصرة.

6065 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: يقينًا من أنفسهم. قال: التثبيت اليقين.

6066 - حدثني يونس قال، حدثنا علي بن معبد, عن أبي معاوية, عن إسماعيل, عن أبي صالح في قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) يقول: يقينًا من عند أنفسهم.

* * *

وقال آخرون: معنى قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) أنهم كانوا يتثبتون في الموضع الذي يضعون فيه صدقاتهم.

* ذكر من قال ذلك:

6067 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم.

6068 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، فقلت له: ما ذلك التثبيت؟ قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم.

6069 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: كانوا يتثبتون أين يضعونها.

6070 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن علي بن علي بن رفاعة, عن الحسن في قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: كانوا يتثبتون أين يضعون أموالهم -يعني زكاتهم.

&; 5-533 &;

6071 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك, عن علي بن علي, قال: سمعت الحسن قرأ: ( ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: كان الرجل إذا همّ بصدقة تثبّت, فإن كان لله مضى, وإن خالطه شك أمسك.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد والحسن، تأويل بعيد المعنى مما يدل عليه ظاهر التلاوة, وذلك أنهم تأولوا قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، بمعنى: " وتثبُّتًا ", فزعموا أنّ ذلك إنما قيل كذلك، لأن القوم كانوا يتثبتون أين يضعون أموالهم. ولو كان التأويل كذلك, لكان: " وتثبتًا من أنفسهم "; لأن المصدر من الكلام إن كان على " تفعَّلت "" التفعُّل ", (6) . فيقال: " تكرمت تكرمًا ", و " تكلمت تكلمًا ", وكما قال جل ثناؤه: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل: 47]، من قول القائل: " تخوّف فلان هذا الأمر تخوفًا ". فكذلك قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، لو كان من " تثبَّت القومُ في وضع صدقاتهم مواضعها "، لكان الكلام: " وتثبُّتًا من أنفسهم ", لا " وتثبيتًا ". ولكن معنى ذلك ما قلنا: من أنه: وتثبيتٌ من أنفس القوم إياهم، بصحة العزم واليقين بوعد الله تعالى ذكره.

* * *

فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك نظيرَ قول الله عز وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا [المزمل: 8]، ولم يقل: " تبتُّلا ".

قيل: إن هذا مخالف لذلك. وذلك أن هذا إنما جاز أن يقال فيه: " تبتيلا " لظهور " وتبتَّل إليه ", فكان في ظهوره دلالةٌ على متروك من الكلام الذي منه &; 5-534 &; قيل: " تبتيلا ". وذلك أن المتروك هو: " تبتل فيبتلك الله إليه تبتيلا ". وقد تفعل العرب مثلَ ذلك أحيانا: تخرج المصادر على غير ألفاظ الأفعال التي تقدمتها، إذا كانت الأفعال المتقدمة تدل على ما أخرجت منه, كما قال جل وعز: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا [نوح: 17]، وقال: وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آل عمران: 37]، و " النبات ": مصدر " نبت ". وإنما جاز ذلك لمجيء " أنبت " قبله, فدل على المتروك الذي منه قيل " نباتًا ", والمعنى: " والله أنبتكم فنبتم من الأرض نباتًا ". وليس [ في ] قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) كلامًا يجوز أن يكون متوهَّمًا به أنه معدول عن بنائه، (7) . ومعنى الكلام: " ويتثبتون في وضع الصدقات مواضعها ", فيصرف إلى المعاني التي صرف إليها قوله: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا ، وما أشبه ذلك من المصادر المعدولة عن الأفعال التي هي ظاهرة قبلها.

* * *

وقال آخرون: معنى قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، احتسابًا من أنفسهم.

* ذكر من قال ذلك:

6073 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) يقول: احتسابًا من أنفسهم. (8) .

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول أيضًا بعيد المعنى من معنى " التثبيت ", لأن التثبيت لا يعرف في شيء من الكلام بمعنى " الاحتساب ", إلا أن يكون أراد مفسِّرُه كذلك: أن أنفس المنفقين كانت محتسبة في تثبيتها أصحابها. فإن كان ذلك كان عنده معنى الكلام, فليس الاحتساب بمعنًى حينئذ للتثبيت، فيترجَم عنه به.

* * *

&; 5-535 &;

القول في تأويل قوله تعالى : كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل وعز: ومثل الذين ينفقون أموالهم, فيتصدقون بها, ويُسبِّلُونها في طاعة الله بغير منٍّ على من تصدقوا بها عليه، ولا أذى منهم لهم بها، ابتغاء رضوان الله وتصديقًا من أنفسهم بوعده =( كمثل جنة ) .

* * *

و " الجنة ": البستان. وقد دللنا فيما مضى على أن " الجنة " البستان، بما فيه الكفاية من إعادته. (9) .

* * *

=( برَبْوة ) والرَّبوة من الأرض: ما نشز منها فارتفع عن السيل. وإنما وصفها بذلك جل ثناؤه, لأن ما ارتفع عن المسايل والأودية أغلظ, وجنان ما غُلظ من الأرض أحسنُ وأزكى ثمرًا وغرسًا وزرعًا، مما رقَّ منها, ولذلك قال أعشى بني ثعلبة في وصف روضة:

مَـا رَوْضَـةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ

خَـضْرَاءُ جَـادَ عَلَيْهَـا مُسْـبِلٌ هَطِلُ (10)

&; 5-536 &;

فوصفها بأنها من رياض الحزن, لأن الحزون: غرسها ونباتها أحسن وأقوى من غروس الأودية والتلاع وزروعها.

* * *

وفي" الربوة " لغات ثلاث, وقد قرأ بكل لغة منهنّ جماعة من القرأة, وهي" رُبوة " بضم الراء, وبها قرأت عامة قرأة أهل المدينة والحجاز والعراق.

و " رَبوة " بفتح الراء, وبها قرأ بعض أهل الشام, وبعض أهل الكوفة, ويقال إنها لغة لتميم. و " رِبوه " بكسر الراء, وبها قرأ -فيما ذكر- ابن عباس.

* * *

قال أبو جعفر: وغير جائز عندي أن يقرأ ذلك إلا بإحدى اللغتين: إما بفتح " الراء ", وإما بضمها, لأن قراءة الناس في أمصارهم بإحداهما. وأنا لقراءتها بضمها أشدّ إيثارًا مني بفتحها, لأنها أشهر اللغتين في العرب. فأما الكسر، فإنّ في رفض القراءة به، دِلالةٌ واضحة على أن القراءة به غير جائزة.

* * *

وإنما سميت " الربوة " لأنها " ربت " فغلظت وعلت, من قول القائل: " ربا هذا الشيء يربو "، إذا انتفخ فعظُم.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

6074 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: ( كمثل جنة بربوة )، قال: الربوة المكان الظاهرُ المستوي.

&; 5-537 &;

6075 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال مجاهد: هي الأرض المستوية المرتفعة.

6076 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( كمثل جنة بربوة ) يقولا بنشز من الأرض.

6077 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( كمثل جنة بربوة ) والربوة: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار، (11) والذي فيه الجِنان.

6078 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (بربوة )، برابية من الأرض.

6079 - حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: ( كمثل جنة بربوة )، والربوة النشز من الأرض.

6080 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج, قال ابن عباس: ( كمثل جنه بربوة )، قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار.

* * *

وكان آخرون يقولون: هي المستوية.

* ذكر من قال ذلك:

6081 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله: ( كمثل جنه بربوة )، قال: هي الأرض المستوية التي تعلو فوق المياه.

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله: ( أصابها وابل ) فإنه يعني جل ثناؤه: أصاب &; 5-538 &; الجنة التي بالربوة من الأرض، وابلٌ من المطر, وهو الشديد العظيم القطر منه. (12) .

* * *

وقوله: ( فآتت أكلها ضعفين )، فإنه يعني الجنة: أنها أضعف ثمرها ضعفين حين أصابها الوابل من المطر.

* * *

و " الأكل ": هو الشيء المأكول, وهو مثل " الرُّعْب والهُزْء "، (13) . وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي على " فُعْل ". وأما " الأكل " بفتح " الألف " وتسكين " الكاف ", فهو فِعْل الآكل, يقال منه: " أكلت أكلا وأكلتُ أكلة واحدة ", كما قال الشاعر: (14) .

وَمَــا أَكْلَــةٌ إنْ نِلْتُهــا بِغَنِيمَـةٍ,

وَلا جَوْعَــةٌ إِنْ جُعْتُهَــا بِغَــرَام (15)

ففتح " الألف "، لأنها بمعنى الفعل. ويدلك على أن ذلك كذلك قوله: " ولا جَوْعة ", وإن ضُمت الألف من " الأكلة " كان معناه: الطعام الذي أكلته, فيكون معنى ذلك حينئذ: ما طعام أكلته بغنيمة.

* * *

&; 5-539 &;

وأما قوله: ( فإن لم يصبها وابل فطلّ ) فإن " الطل "، هو النَّدَى والليِّن من المطر، كما: -

6082 - حدثنا عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: ( فطل ) ندى = عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس.

6083 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " الطل "، فالندى.

6084 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( فإن لم يصبها وابل فطلّ )، أي طشٌ.

6085 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( فطلّ ) قال: الطل: الرذاذ من المطر, يعني: الليّن منه.

6086 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: ( فطل) أي طشٌ.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما يعني تعالى ذكره بهذا المثل: كما ضعَّفتُ ثمرة هذه الجنة التي وصفتُ صفتها حين جاد الوابل، فإن أخطأ هذا الوابل، فالطل كذلك. يضعِّف الله صَدقة المتصدِّق والمنفق ماله ابتغاء مرضاته وتثبيتًا من نفسه، من غير مَنِّ ولا أذى, قلَّت نفقته أو كثرت، لا تخيب ولا تُخلِف نفقته, كما تضعَّف الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها، قل ما أصابها من المطر أو كثُر لا يُخلِف خيرُها بحال من الأحوال.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

6087 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل )، يقول: كما أضعفتُ &; 5-540 &; ثمرة تلك الجنة, فكذلك تُضاعف ثمرة هذا المنفق ضِعفين.

6088 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل )، هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن, يقول: ليس لخيره خُلْف, كما ليس لخير هذه الجنة خُلْف على أيّ حال, إمَّا وابلٌ, وإمّا طلّ.

6089 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, قال: هذا مثل من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله.

6090 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ . الآية, قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن.

* * *

فإن قال قائل: وكيف قيل: ( فإن لم يصبها وابل فطل ) وهذا خبرٌ عن أمر قد مضى؟

قيل: يراد فيه " كان ", ومعنى الكلام: فآتت أكلها ضعفين, فإن لم يكن الوابلُ أصابها, أصابها طل. وذلك في الكلام نحو قول القائل: " حَبَست فرسين, فإن لم أحبس اثنين فواحدًا بقيمته ", بمعنى: " إلا أكن " - لا بدَّ من إضمار " كان ", لأنه خبر. (16) . ومنه قول الشاعر: (17) .

إِذَا مَــا انْتَسَـبْنَا لَـمْ تَلِـدْنِي لَئِيمَـةٌ

وَلَـمْ تَجِـدِي مِـنْ أَنْ تُقِـرِّي بها بُدَّا (18)

* * *

&; 5-541 &;

القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)

قال أبو جعفر: يعني بذلك: ( والله بما تعملون ) أيها الناس، في نفقاتكم التي تنفقونها =( بصير ), لا يخفي عليه منها ولا من أعمالكم فيها وفي غيرها شيء، يعلم مَنِ المنفق منكم بالمنّ والأذى، والمنفق ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من نفسه, فيُحصي عليكم حتى يجازيَ جميعكم جزاءه على عمله, إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا.

وإنما يعني بهذا القول جل ذكره, التحذيرَ من عقابه في النفقات التي ينفقها عباده وغير ذلك من الأعمال أن يأتي أحدٌ من خلقه ما قد تقدّم فيه بالنهي عنه, أو يفرّطَ فيما قد أمر به, لأن ذلك بمرأى من الله ومَسمَع, يعلمه ويحصيه عليهم, وهو لخلقه بالمرصاد. (19) .

--------

الهوامش:

(1) في المطبوعة والمخطوطة : "طلب مرضاته ، وتثبيتًا يعنى بذلك وتثبيتًا من أنفسهم يعنى لهم وهو كلام مختل ، والظاهر أن الناسخ لجلج في كتابته فأعاد وكرر ، فحذفت"وتثبيتًا يعني بذلك" وأضفت"بذلك وتثبيتا" بعد"يعنى الثانية التي بقيت .

(2) سيرة ابن هشام 4 : 16 ، وابن سعد 3/ 2 /81 ، والمختلف والمؤتلف للآمدي : 126 والاستيعاب 1 : 305 ، وطبقات فحول الشعراء : 188 ، من أبيات يثني فيها على رسول رب العالمين . وروى الآمدي وابن هشام السطر الثاني"في المرسلين ونصرًا كالذي نصروا" . ولما سمع رسول الله عليه وسلم هذا البيت ، أقبل عليه بوجهه مبتسمًا وقال : "وإياك فثبت الله" .

(3) في المخطوطة : "فيثبتهم في إنفاق أموالهم..." ، وهو سهو من الناسخ ، أو خطأ في قراءة النسخة التي نقل عنها . وفي المطبوعة : "فثبتهم...وصحح عزمهم" ، فغير ما في المخطوطة ، وجعل"صححت" ، "صحح" ، لم يفهم ما أراد الطبري . وانظر التعليق التالي .

(4) في المطبوعة : "وأراهم" ، ومثلها في المخطوطة ، والصواب"وآراءهم" كما أثبتها . يعنى أن نفوسهم صححت عزمهم وآراءهم في إنفاق أموالهم . وهذا ما يدل عليه تفسير الطبري . لقولهم"ثبت فلانا في الأمر" ، كما سلف منذ قليل .

(5) "إياهم" مفعول المصدر"تثبيت" ، أي أن أنفسهم ثبتتهم في الإنفاق .

(6) في المطبوعة : "إن كان على تفعلت" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وعبارة الطبري عربية محكمة ، بمعنى : لأن المصدر من الكلام الذي كان..." .

(7) في المطبوعة : "وليس قوله...كلامًا يجوز" بالنصب ، وفي المخطوطة : "وليس قوله...كلام يجوز" بالرفع ، وظاهر أن الصواب ما أثبت من زيادة : "في" ، بمعنى أنه ليس في الجملة فعل سابق يتوهم به أن المصدر معدول به عن بنائه .

(8) سقط من الترقيم سهوا رقم : 6072 .

(9) انظر ما سلف 1 : 384 .

(10) ديوانه : 43 ، وسيأتي هو والأبيات التي تليه في التفسير 21 : 19 (بولاق) ، من قصيدته البارعة المشهورة . يصف شذا صاحبته حين تقوم :

إِذَا تَقُـومُ يَضُـوعُ المِسْــكُ أَصْـوِرَةً

وَالـزَّنْبَقُ الـوَرْدُ مِـن أَرْدَانِهَـا شَمِلُ

مَـا رَوْضَـةٌ مِن رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ

خَـضْرَاءُ جَـادَ عَلَيْهـا مُسْـبِلٌ هَطِلُ

يُضَـاحِكُ الشَّـمسَ مِنْهَـا كَوْكَبٌ شَرِقٌ

مُــؤَزَّرٌ بعَميــم النَّبْــتِ مُكْتَهِـلُ

يَوْمًـا بِـأَطْيَبَ منهـا نَشْـرَ رَائِحَـةٍ

وَلا بِأَحْسَــنَ مِنْهَـا إِذْ دَنَـا الأُْصُـلُ

ضاع المسك يضوع ، وتضوع : تحرك وسطع رائحته . وأصورة جمع صوار : وهو وعاء المسك ، أو القطعة منه . والورد : الأحمر ، وهو أجود الزنبق . وشمل : شامل ، عدل به من"فاعل" إلى"فعل" . والحزن : موضع في أرضى بني أسد وبني يربوع ، وهو أرض غليظة كثيرة الرياض ممرعة ، وهو مربع من أجل مرابع العرب . مسبل : مرسل ماء على الأرض . هطل : متفرق غزيز دائم= والكوكب : النور والزهر ، يلمع كأنه كوكب . شرق : ريان ، فهو أشد لبريقه وصفائه .

مؤزر : قد صار عليه النبات كالإزار يلبسه اللابس ، تغطى الخضرة أعواده . ونبت عميم : ثم وطال والتف .

واكتهل النور : بلغ منتهى نمائه ، وذلك أحسن له . يقول : ما هذه الروضة التي وصف زهرها ونباتها ما وصف... بأطيب من صاحبته إذا قامت في أول يومها ، حين تتغير الأفواه والأبدان من وخم النوم .

والأصل جمع أصيل : وهو وقت العشي ، حين تفتر الأبدان من طول تعب يومها ، فيفسد رائحتها الجهد والعرق .

(11) في المخطوطة : "الذي تجري فيه الأنهار" ، وأثبت ما في المطبوعة ، لأنه موافق ما في الدر المنثور 1 : 339 ، ولأنه هو صواب المعنى ، ولأنه سيأتي على الصواب بعد قليل في الأثر : 6080 .

(12) انظر تفسير"وابل" فيما سلف قريبا ص : 524 .

(13) في المطبوعة : "والهدء" ، وأثبت ما في المخطوطة . ولم يشر الطبري إلى ضم الكاف في"الأكل" وهي قراءتنا في مصحفنا .

(14) أبو مضرس النهدي .

(15) حماسة الشجري : 24 ، من أبيات جياد ، وقبله ، بروايته ، وهي التي أثبتها :

وإنِّـي لَمِـنْ قَـوْمٍ إذا حَـارَبُوا العِدَى

سَـمَوا فَـوْقَ جُـرْدٍ للطِّعَـانِ كِـرَامِ

وإنِّــي إذَا مَـا القُـوتُ قَـلَّ لَمُؤْثِـرٌ

رَفِيقِـي عَـلى نفْسِـي بِجُـلِّ طَعَامِي

فمَــا أكْلَــةٌ إنْ نِلْتُهَــا بِغَنِيمَــةٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكان في المطبوعة : "وما أكلة أكلتها" ، وفي المخطوطة : "وما أكله إن أكلتها" ، وظاهر أن الناسخ أخطأ فوضع"أكلتها" مكان"نلتها" ، وإن كلام الطبري في شرح البيت يوهم روايته : "وما أكلته أكلتها..." . وقوله : "بغرام" ، أي بعذاب شديد . والغرام : اللازم من العذاب والشر الدائم .

(16) هذا كله في معاني القرآن للفراء 1 : 178 .

(17) زائدة بن صعصعة الفقعسي .

(18) سلف تخريجه وبيانه في 2 : 165 ، 353 .

(19) في المطبوعة : "بخلقه" . لم يحسن قراءة المخطوطة .

التدبر :

وقفة
[265] ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أي: يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب، وتصديق بوعد الله، يعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا، وقيل: على يقين بإخلاف الله عليهم.
وقفة
[265] ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ من راض نفسه بحملها على بذل المال -الذي هو شقيق الروح- وذلت له خاضعة، وقل طمعها في اتباعه لشهواتها؛ سهل عليه حملها على سائر العبادات، ومتى تركها -وهي مطبوعة على النقائص- زاد طمعًا في اتباع الشهوات ولزوم الدناءات.
وقفة
[265] ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ وذلك أن النفقة تعرض لها آفتان: إما أن يقصد الإنسان بها محمدة الناس ومدحهم، وهو الرياء, أو يخرجها على خور وضعف عزيمة وتردد، أما هؤلاء فقد سلموا من هاتين الآفتين، فأنفقوا ابتغاء مرضات الله، لا لغير ذلك من المقاصد.
وقفة
[265] ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ الصدقات من أعظم أسباب الثبات.
وقفة
[265] الإخلاص والثقة بموعود الله من أسباب قبول الصدقة ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾.
عمل
[265] ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ احرص على ضرب الأمثال؛ فإنه يقرب المعاني إلى الأذهان.
وقفة
[265] ﴿ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ﴾ الإخلاص من أعظم ما يبارك الأعمال وينميها.
تفاعل
[265] ﴿وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ قل: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر».
وقفة
[265] في آيات الإنفاق قال الله: ﴿وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾، منا من يخرج الصدقة بعد تردد, ومنا من يبذلها ثابت القلب غير متردد, لا يستوون عند الله!
وقفة
[265] ﴿فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ الطلُّ هو الندى.

الإعراب :

  • ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ:
  • الواو: حرف عطف. مثل: مبتدأ مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ:
  • ينفقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يُنْفِقُونَ» صلة الموصول لا محل لها. أموالهم: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين متصل في محل جر مضاف اليه
  • ﴿ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ:
  • ابتغاء: مفعول لأجله منصوب بالفتحة وهو. مضاف. مرضاة: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة
  • ﴿ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ:
  • معطوفة بالواو على «ابْتِغاءَ»: وتعرب اعرابها. من أنفسهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «تَثْبِيتاً». ومن: للتبعيض و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة بمعنى وتثبيتا لبعض أنفسهم على الايمان
  • ﴿ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ:
  • الكاف: حرف جر للتشبيه. مثل: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ «مثل» جنة: مضاف اليه مجرور بالكسرة بمعنى «بستان». بربوة: أي بمكان مرتفع: جار ومجرور متعلق بصفة لجنة.
  • ﴿ أَصابَها وابِلٌ:
  • أصاب: فعل ماض مبني على الفتح و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم على الفاعل وجملة «أَصابَها وابِلٌ» في محل جر صفة لربوة. وابل: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فَآتَتْ:
  • الفاء: سببية. آتت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث الساكنة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي.
  • ﴿ أُكُلَها:
  • مفعول به منصوب بالفتحة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ ضِعْفَيْنِ:
  • حال منصوب بالياء لأنه مثنى والنون: عوض عن تنوين المفرد ويجوز اعرابها: تمييزا. وفي هذه الحالة تكون جملة «آتت أكلها» في محل نصب حالا.
  • ﴿ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها:
  • الفاء: استئنافية. إن: أداة شرط جازمة. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يصبها: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه: سكون آخره وحذفت الياء تخفيفا أو لالتقاء الساكنين و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم على الفاعل وجملة «لَمْ يُصِبْها» في محل جزم فعل الشرط.
  • ﴿ وابِلٌ فَطَلٌّ:
  • أي مطر غزير: فاعل مرفوع بالضمة. فطل: الفاء: رابطة لجواب الشرط والتقدير: فطل أي مطر صغير القطر يكفيها .. أو فيكفيها مطر صغير. طّل: مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف شرح تقديره والجملة الاسمية: فطل يكفيها: جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
  • الواو: استئنافية. الله: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. الباء: حرف جر. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق ببصير. تعملون: تعرب اعراب «يُنْفِقُونَ». بصير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة وجملة «تَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد محذوف التقدير: بما تعملونه أو تكون «ما» مصدرية أي بعملكم '

المتشابهات :

البقرة: 265﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ
البقرة: 207﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
النساء: 114﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [265] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل سوء عاقبة الذين يراءون في صدقاتهم، ويفسدون ثوابَها بالمن والأذى؛ ذكرَ هنا حسن عاقبة الذين ينفقون أموالهم؛ ابتغاء رضا الله، قال تعالى:
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

القراءات :

ربوة:
قرئ:
1- بفتح الراء، وهى قراءة ابن عامر، وعاصم.
2- بضم الراء، وهى قراءة باقى السبعة.
3- بكسر الراء، وهى قراءة ابن عباس.
4- رباوة، على وزن كراهة، وهى قراءة أبى جعفر، وأبى عبد الرحمن.
5- رباوة، على وزن رسالة، وهى قراءة أبى الأشهب العقيلي.
أكلها:
وقرئ:
بضم الهمزة وإسكان الكاف، وهى قراءة الحرميين، وأبى عمرو.
تعملون:
قرئ:
1- بالتاء، على الخطاب، وهى قراءة الجمهور، وفيه التفات.
2- بالياء، وهى قراءة الزهري، وظاهره أن الضمير يعود على المنافقين، ويحتمل أن يكون عاما، فلا يختص بالمنافقين بل يعود على الناس أجمعين.

مدارسة الآية : [266] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ ..

التفسير :

[266] أيرغب الواحد منكم أن يكون له بستان فيه النخيل والأعناب، تجري من تحت أشجاره المياه العذبة، وله فيه من كل ألوان الثمرات، وقد بلغ الكِبَر، ولا يستطيع أن يغرس مثل هذا الغرس، وله أولاد صغار في حاجة إلى هذا البستان، وفي هذه الحالة هبَّت عليه ريح شديدة، في

وهذا المثل مضروب لمن عمل عملا لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها ثم عمل أعمالا تفسده، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات، وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما، لكونهما غذاء وقوتا وفاكهة وحلوى، وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة، وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته، ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصه، وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له، بل هم كل عليه، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة، فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصار وهو الريح القوية التي تستدير ثم ترتفع في الجو، وفي ذلك الإعصار نار فاحترقت تلك الجنة، فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابه الكبر من الهم والغم والحزن، فلو قدر أن الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن، كذلك من عمل عملا لوجه الله فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار، ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء، وتلك المفسدات التي تفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار، والعبد أحوج ما يكون لعمله إذا مات وكان بحالة لا يقدر معها على العمل، فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثورا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه. والله سريع الحساب فلو علم الإنسان وتصور هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكن ضعف الإيمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه إلى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيما وخطره جسيما، فلهذا أمر تعالى بالتفكر وحثَّ عليه، فقال:{ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون

قوله: أَيَوَدُّ هو من الود بمعنى المحبة الكاملة للشيء وتمنى حصوله، والاستفهام فيه للإنكار والإعصار ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كالعمود، وهي التي يسميها بعض الناس زوبعة. وسميت إعصارا لأنها تعصر ما تمر به من الأجسام، أو تلتف كما يلتف الثوب المعصور. والريح مؤنثة وكذا سائر أسمائها إلا الإعصار فإنه مذكر ولذا قيل فِيهِ نارٌ أى سموم وصواعق.

والمعنى: أيحب أحدكم- أيها المنانون المراءون- أن تكون له جنة معظم شجرها مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ

تجرى من تحت أشجارها الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ النافعة، والحال أنه قد أصابه الكبر الذي أقعده عن الكسب من غير تلك الحديقة اليانعة، وله فضلا عن شيخوخته وعجزه ذرية ضعفاء لا يقدرون على العمل، وبينما هو على هذه الحالة إذا بالجنة ينزل عليها إعصار فيه نار فيحرقها ويدمرها ففقدها صاحبها وهو أحوج ما يكون إليها وبقي هو وأولاده في حالة شديدة من البؤس والحيرة والغم والحسرة لحرمانه من تلك الحديقة التي كانت محط آماله.

فالآية الكريمة قد اشتملت على مثل آخر لحالة الذين يبطلون أعمالهم وصدقاتهم بالمن والأذى والرياء، وغير ذلك من الأفعال القبيحة والصفات السيئة فقد شبه- سبحانه- حال من يعمل الأعمال الحسنة ثم يضم إليها ما يفسدها فإذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة ذاهبة، شبه هذا الإنسان في حسرته وألمه وحزنه بحال ذلك الشيخ الكبير العاجز الذي له ذرية ضعفاء لا يملك سوى حديقة يانعة يعتمد عليها في معاشه هو وأولاده فنزل عليها إعصار فيه نار فأحرقها ودمرها تدميرا.

وحذف- سبحانه- حالة المشبه وهو الذي يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء وما يشبه ذلك، لظهورها من المقام.

وقد وصف- سبحانه- تلك الجنة بثلاث صفات:

وصفها أولا: بأنها من نخيل وأعناب أى معظمها من هذين الجنسين النفيسين اللذين هما أنفع الفواكه وأجملها منظرا.

ووصفها ثانيا: بأنها تجرى من تحتها الأنهار، أى تجرى من تحت أشجارها الأنهار التي تسر النفس. وتبهج القلب، وتزيد في حسن الجنة وبهائها.

ووصفها ثالثا: بأنها زاخرة بكل أنواع الثمار التي تنفع صاحبها، وتغنيه عن الاحتياج إلى غيره، فهي جنة قد جمعت بين حسن المنظر، وكثرة النفع، وهذا نهاية ما يتمناه كل إنسان لما يملكه.

أما صاحبها فقد وصفه- سبحانه- بأنه إنسان قد أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء أى أنه في منتهى الاحتياج إليها لكبر سنه وعجزه عن الاكتساب من غيرها ولمسئوليته عن الإنفاق على أولاد صغار لا يعولهم أحد سواه.

تلك هي حالة الجنة وحالة صاحبها في احتياجه إليها، فماذا حدث بعد ذلك؟ لقد أصابها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ فماذا يكون حال هذا الإنسان الذي أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء وهو يرى جنته ومحط أمله قد احترقت وهو في أشد الحاجة إلى ظلها وثمارها ومنافعها؟

إن الكلمات لتعجز عن تصوير ما يصيب هذا البائس من غم وهم وحزن وحسرة، وهو يرى جنته قد احترقت وهو في أشد أوقاته حاجة إلى ظلها وثمارها ومنافعها!؟

ولكأن الله- تعالى- يقول للناس بعد هذا التصوير البديع المؤثر: احذروا أن تبطلوا أعمالكم الصالحة بارتكابكم لما نهى الله عنه، فلا تجدون لها نفعا يوم القيامة وأنتم في أشد الحاجة إليها في هذا اليوم العصيب، لأنكم إذا فعلتم ذلك كان مثلكم في التحسر والحزن كمثل هذا الشيخ الكبير الذي احترقت جنته وهو في أشد الحاجة إليها.

وإنه لتصوير قرآنى في أسمى درجات البلاغة والتأثير، وفي أعلى ألوان التأديب والتهذيب.

قال القرطبي: روى البخاري عن عبيد بن عمير قال: قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يوما لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فيم ترون هذه الآية نزلت وهي قوله- تعالى-: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ الآية. قالوا الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخى قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لرجل غنى عمل بطاعة الله. ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق عمله. وروى ابن أبى مليكه أن عمر تلا هذه الآية وقال: هذا مثل ضربه الله للإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل العمل السيئ» .

ثم ختم- سبحانه- هذه الآية بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ أى: كما يبين الله في هذه الآية ما يهديكم وينفعكم يبين لكم آياته وهداياته في سائر أمور دينكم لكي تتفكروا فيما يصلحكم، وتعملوا ما يرضى خالقكم.

ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتحروا في نفقتهم الحلال الطيب، بعد أن حضهم على الإنفاق بسخاء وإخلاص.

فقال- تعالى-:

قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام هو ابن يوسف عن ابن جريج : سمعت عبد الله بن أبي مليكة ، يحدث عن ابن عباس ، وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير قال : قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فيمن ترون هذه الآية نزلت : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ) ؟ قالوا : الله أعلم . فغضب عمر فقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم . فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين . فقال عمر : يا ابن أخي ، قل ولا تحقر نفسك . فقال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل . قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لعمل . قال عمر : لرجل غني يعمل بطاعة الله . ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله .

ثم رواه البخاري ، عن الحسن بن محمد الزعفراني ، عن حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، فذكره . وهو من أفراد البخاري ، رحمه الله .

وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية ، وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولا ثم بعد ذلك انعكس سيره ، فبدل الحسنات بالسيئات ، عياذا بالله من ذلك ، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال ، فلم يحصل له منه شيء ، وخانه أحوج ما كان إليه ، ولهذا قال تعالى : ( وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار ) وهو الريح الشديد ( فيه نار فاحترقت ) أي : أحرق ثمارها وأباد أشجارها ، فأي حال يكون حاله .

وقد روى ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : ضرب الله له مثلا حسنا ، وكل أمثاله حسن ، قال : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات ) يقول : ضيعه في شيبته ( وأصابه الكبر ) وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره ، فجاءه إعصار فيه نار فأحرق بستانه ، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه ، وكذلك الكافر يوم القيامة ، إذ رد إلى الله عز وجل ، ليس له خير فيستعتب ، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه ، ولا يجده قدم لنفسه خيرا يعود عليه ، كما لم يغن عن هذا ولده ، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، كما حرم هذا جنة الله عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته .

وهكذا ، روى الحاكم في مستدركه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : " اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري " ; ولهذا قال تعالى : ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) أي : تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني ، وتنزلونها على المراد منها ، كما قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] .

القول في تأويل قوله : أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ

قال أبو جعفر: ومعنى ذلك: (20) . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا =( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها &; 5-542 &; من كل الثمرات وأصَابه الكبر)، الآية. (21)

* * *

ومعنى قوله: ( أيود أحدكم )، أيحب أحدكم، (22) . أن تكون له جنة - يعني بستانًا (23) . =( من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار )، يعني: من تحت الجنة =(وله فيها من كل الثمرات )، و " الهاء " في قوله: ( له ) عائدة على " أحد ", و " الهاء " و " الألف " في: ( فيها ) على الجنة,( وأصابه )، يعني: وأصاب أحدكم =( الكبر وله ذريه ضعفاء ).

* * *

وإنما جعل جل ثناؤه البستانَ من النخيل والأعناب = الذي قال جل ثناؤه لعباده المؤمنين: أيود أحدكم أن تكون له = (24) . مثلا لنفقة المنافق التي ينفقها رياء الناس, لا ابتغاء مرضاة الله, فالناس -بما يظهر لهم من صدقته, وإعطائه لما يعطى وعمله الظاهر - يثنون عليه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته = (25) . في حسنه كحسن البستان وهي الجنة التي ضربها الله عز وجل لعمله مثلا (26) . من نخيل وأعناب, له فيها من كل الثمرات, لأن عمله ذلك الذي يعمله في الظاهر في الدنيا, له فيه من كل خير من عاجل الدنيا, يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذريته, ويكتسب به المحمَدة وحسن الثناء عند الناس, ويأخذ به سهمه من المغنم مع أشياء كثيرة يكثر إحصاؤها, فله في ذلك من كل خير في الدنيا, كما وصف جل ثناؤه الجنة التي وصف مثلا لعمله, بأن فيها من كل الثمرات. (27) .

* * *

&; 5-543 &;

ثم قال جل ثناؤه: ( وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء)، يعني أنّ صاحب الجنة أصابه الكبر =( وله ذرية ضعفاء ) صغارٌ أطفال = (28) .( فأصابها ) يعني: فأصاب الجنة -( إعصار فيه نار فاحترقت )، يعني بذلك أنّ جنته تلك أحرقتها الريح التي فيها النار، في حال حاجته إليها, وضرورته إلى ثمرتها بكبره، وضعفه عن عمارتها, وفي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقيام عليها. فبقي لا شيء له، أحوج ما كان إلى جنته وثمارها، بالآفة التي أصابتها من الإعصار الذي فيه النار.

يقول: فكذلك المنفق ماله رياء الناس, أطفأ الله نوره, وأذهب بهاء عمله, وأحبط أجره حتى لقيه, وعاد إليه أحوج ما كان إلى عمله, حين لا مُسْتَعْتَبَ له، (29) . ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة, واضمحل عمله كما احترقت الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذريته أحوجَ ما كان إليها فبطلت منافعها عنه.

* * *

وهذا المثل الذي ضربه الله للمنفقين أموالهم رياء الناس في هذه الآية، نظير المثل الآخر الذي ضربه لهم بقوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا .

* * *

قال أبو جعفر: وقد تنازع أهل التأويل في تأويل هذه الآية, إلا أن معاني قولهم في ذلك وإن اختلفت تصاريفهم فيها عائدةٌ إلى المعنى الذي قلنا في ذلك, وأحسنهم إبانة لمعناها وأقربهم إلى الصواب قولا فيها السدي.

&; 5-544 &;

6091 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( أيود أحدكم أن تكون له جنةٌ من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ) هذا مثل آخر لنفقة الرياء. إنه ينفق ماله يرائي الناس به, فيذهب ماله منه وهو يرائي, فلا يأجره الله فيه. فإذا كان يوم القيامة واحتاجَ إلى نفقته, وجدها قد أحرقها الرياء, فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته, حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سَموم فأحرقت جنته, فلم يجد منها شيئًا. (30) . فكذلك المنفق رياء.

6092 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله عز وجل: ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ) كمثل المفرِّط في طاعة الله حتى يموت. قال، يقول: أيود أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله, كمثل هذا الذي له جنات تجري من تحتها الأنهار,( له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نار فاحترقت ), فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير, لا يغني عنها شيئًا, وولده صغار لا يغنون عنها شيئًا, وكذلك المفرِّط بعد الموت كل شيء عليه حَسْرة.

6093 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

6094 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن عبد الملك, عن عطاء, قال: سأل عُمر الناس عن هذه الآية فما وجد أحدًا يشفيه, حتى قال ابن عباس وهو خلفه: يا أمير المؤمنين، إنِّي أجد في نفسي منها شيئًا, قال: فتلفت إليه, فقال: تحوَّل ههنا، لم تحقّر نفسك؟ قال: هذا مثل ضربه الله عز وجل &; 5-545 &; فقال: أيودُّ أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة, حتى إذا كان أحوجَ ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره, واقترب أجله, ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء، فأفسده كله فحرقه أحوج ما كان إليه.

6095 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن محمد بن سليم، عن ابن أبي مليكة: أن عمر تلا هذه الآية: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب "، قال: هذا مثل ضرب للإنسان: يعمل عملا صالحًا، حتى إذا كان عنده آخر عمره أحوجَ ما يكون إليه، عمل عمل السوء. (31) .

6096 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر عن عبيد بن عمير أنه سمعه يقول: سأل عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فيم تَرَون أنـزلت: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب " ؟ فقالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا: " نعلم " أو " لا نعلم ". فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قل يا ابن أخي، ولا تحقِّر نفسك! قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل. فقال عمر: رجل عنيٌّ يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها= قال: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث نحو هذا عن ابن عباس، سمعه منه. (32) .

&; 5-546 &;

6097 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر أنه سمع عبيد بن عمير= قال: ابن جريج: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عباس= قالا جميعًا: إن عمر بن الخطاب سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه= إلا أنه قال عمر: للرجل يعمل بالحسنات، ثم يُبعث له الشيطان فيعمل بالمعاصي. (33) .

6098 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عنها= ثم قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد= قالا ضربت مثلا للأعمال = قال ابن جريج: وقال ابن عباس: ضربت مثلا للعمل، يبدأ فيعمل عملا صالحًا، فيكون مثلا للجنة التي من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات - ثم يسيء في آخر عمره، فيتمادى على الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار الذي فيه النار التي أحرقت الجنة، مثلا لإساءته التي مات وهو عليها. قال ابن عباس: الجنة عيشُه وعيش ولده فاحترقت، فلم يستطع أن يدفع عن جنته من أجل كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن جنتهم من أجل صغرهم حتى احترقت.

يقول: هذا مثله، تلقاه وهو أفقر ما كان إليّ، فلا يجد له عندي شيئًا، (34) ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئًا، ولا يستطيع من كبره وصغر أولاده أن يعملوا جنة، (35) كذلك لا توبة إذا انقطع العمل حين مات= قال &; 5-547 &; ابن جريج، عن مجاهد: سمعت ابن عباس قال: هو مثل المفرِّط في طاعة الله حتى يموت = قال ابن جريج، وقال مجاهد: أيود أحدكم أن تكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنة ؟ فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئًا، (36) وأولاده صغار ولا يغنون عنه شيئًا. وكذلك المفرِّط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة.

6099 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار " الآية، يقول: أصابها ريح فيها سموم شديدة (37) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ،: فهذا مثلٌ، فاعقلوا عن الله جل وعز أمثاله، فإنه قال: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [سورة العنكبوت: 43]، هذا رجل كبرت سنه، ورَقَّ عظمه، وكثر عياله، (38) ثم احترقت جنته على بقية ذلك، كأحوج ما يكون إليه، يقول: أيحب أحدكم أن يضلَّ عنه عمله يوم القيامة كأحوج ما يكون إليه؟

6100 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " أيود أحدكم أن تكون له جنةٌ" إلى قوله: " فاحترقت " يقول: فذهبت جنته كأحوج ما كان إليها حين كبرت سِنُّه وضعُف عن الكسب=" وله ذرية ضعفاء " لا ينفعونه. قال: وكان الحسن يقول: " فاحترقت " فذهبت أحوجَ ما كان إليها، فذلك قوله: أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوجَ &; 5-548 &; ما كان إليه؟

6101 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ضرب الله مثلا حسنًا، وكل أمثاله حسنٌ تبارك وتعالى. وقال قال: (39) " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل " إلى قوله: " فيها من كل الثمرات " يقول: صنعه في شبيبته، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون عليه. وكذلك الكافر يوم القيامة، إذا رُدّ إلى الله تعالى ليس له خيرٌ فيستعتب، (40) كما ليس له قوة فيغرس مثل بستانه، (41) ولا يجد خيرًا قدم لنفسه يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحُرِم أجره عند أفقرِ ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته. وهو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدنيا: كيف نجَّى المؤمنَ في الآخرة، وذخر له من الكرامة والنعيم، وخزَن عنه المال في الدنيا، وبسط للكافر في الدنيا من المال ما هو منقطعٌ، وخزَن له من الشر ما ليس بمفارقه أبدًا، ويخلد فيها مهانًا، من أجل أنه [ فخر على صاحبه] ووثق بما عنده، (42) ولم يستيقن أنه ملاق ربه. (43) .

&; 5-549 &;

6102 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " أيود أحدكم أن تكون له جنة "، الآية، قال: [هذا مثل ضربه الله]: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب [ له فيها من كل الثمرات]، والرجل [قد كبر سنه وضعف]، وله أولاد صغار [وابتلاهم الله] في جنتهم، (44) فبعث الله عليها إعصارًا فيه نار فاحترقت، (45) فلم يستطع الرجل أن يدفع عن جنته من الكبر، (46) ولا ولده لصغرهم، فذهبت جنته أحوجَ ما كان إليها. يقول: أيحب أحدكم أن يعيش في الضلالة والمعاصي حتى يأتيه الموت، فيجيء يوم القيامة قد ضلّ عنه عمله أحوجَ ما كان إليه؟ فيقول: ابن آدم، أتيتني أحوجَ ما كنت قطُّ إلى خير، فأين ما قدمت لنفسك؟

6103 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وقرأ قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ، ثم ضرب ذلك مثلا فقال: " أيود أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب "، حتى بلغ " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ". قال: جرت أنهارها وثمارها، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت. أيودُّ أحدكم هذا؟ كما يتجمَّل أحدكم إذ يخرُج من صدقته ونفقته، (47) حتى إذا كان له عندي جنّة وجرت أنهارها وثمارها، &; 5-550 &; وكانت لولده وولد ولده أصابها ريح إعصار فحرقها.

6104 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار "، رجل غرس بستانًا فيه من كل الثمرات، فأصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته. فهذا مثل ضربه الله للكافر، يقول: يلقاني يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى خير يصيبه، فلا يجد له عندي خيرًا، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئًا.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما دللنا أن الذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه، لأن الله جل ثناؤه تقدَّم إلى عباده المؤمنين بالنهي عن المنّ والأذى في صدقاتهم، ثم ضرب مثلا لمن منَّ وآذى من تصدق عليه بصدقة، فمثَّله بالمرائي من المنافقين المنفقين أموالهم رئاء الناس. وكانت قصة هذه الآية وما قبلها من المثل، نظيرةَ ما ضرب لهم من المثل قبلها، فكان إلحاقُها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنه مثلُ ما لم يَجر له ذكر قبلها ولا معها. (48)

* * *

فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: " وأصابه الكبر "، وهو فعل ماض، فعطف به على قوله: " أيود أحدكم "؟

قيل: إن ذلك كذلك، لأن قوله: " أيود "، يصح أن يوضع فيه " لو " مكان " أن " فلما صلحت ب " لو " و " أن " ومعناهما جميعًا الاستقبال، استجازت العرب أن &; 5-551 &; يردّوا " فعل " بتأويل " لو " على " يفعل " مع " أن " (49) فلذلك قال: " فأصابها "، وهو في مذهبه بمنـزلة " لو "، إذْ ضارعت " أن " في معنى الجزاء، فوضعت في مواضعها، وأجيبت " أن " بجواب " لو " و " لو " بجواب " أن "، فكأنه قيل: أيود أحدكم لو كانت له جنة من نخيل وأعناب، تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر؟ (50) .

فإن قال: وكيف قيل ههنا: " وله ذرية ضعفاء "، وقال في [النساء:9]، وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا ؟

قيل: لأن " فعيلا " يجمع على " فعلاء " و " فِعال "، فيقال: " رجل ظريف من قوم ظرفاء وظراف ".

* * *

وأما " الإعصار "، فإنه الريح العاصف، تهب من الأرض إلى السماء كأنها عمود، تجمع " أعاصير "، ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري:

أُنَــاسٌ أَجَارُونَــا فَكَـانَ جِـوارُهُمْ

أَعَـاصِيرَ مِـنْ فَسْـوِ العِـرَاقِ المُبَذَّرِ (51)

* * *

&; 5-552 &;

قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " إعصار فيه نار فاحترقت " .

فقال بعضهم: معنى ذلك: ريح فيها سموم شديدةٌ.

* ذكر من قال ذلك:

6105 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " إعصار فيه نار "، ريح فيها سموم شديدةٌ.

6106 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في: " إعصارٌ فيه نار "، قال: السموم الحارة التي خلق منها الجانّ، التي تحرق.

&; 5-553 &;

6107 - حدثنا أحمد (52) قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت "، قال: هي السموم الحارة التي لا تبقى أحدًا. (53) .

6108 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " إعصار فيه نار فاحترقت " التي تقتل.

6109 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عمن ذكره، عن ابن عباس، قال: إن السموم التي خلق منها الجان جزء من سبعين جزءًا من النار.

6110 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " إعصار فيه نار فاحترقت "، هي ريح فيها سموم شديدٌ.

6111 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: " إعصار فيه نار "، قال: سموم شديد.

6112 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " إعصار فيه نار "، يقول: أصابها ريح فيها سموم شديدة.

6113 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، نحوه.

6114 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن &; 5-554 &; السدي: " إعصار فيه نار فاحترقت " أما الإعصار فالريح، وأما النار فالسموم.

6115 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " إعصار فيه نار "، يقول: ريح فيها سموم شديد.

* * *

وقال آخرون: هي ريح فيها برد شديد.

* ذكر من قال ذلك:

6116 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الحسن يقول في قوله: " إعصار فيه نار فاحترقت "، فيها صِرٌّ وبرد. (54)

6117 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " إعصار فيه نار فاحترقت "، يعني بالإعصار، ريح فيها بَرْدٌ.

* * *

القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: كما بيَّن لكم ربُّكم تبارك وتعالى أمَر النفقة في سبيله، وكيف وجْهُها، وما لكم وما ليس لكم فعله فيها = كذلك يبين لكم الآيات سوى ذلك، فيعرّفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضح لكم حُججها، إنعامًا منه بذلك عليكم =" لعلكم تتفكرون "، يقول: لتتفكروا بعقولكم، فتتدبّروا وتعتبروا بحجج الله فيها، وتعملوا بما فيها من أحكامها، فتطيعوا الله به.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

&; 5-555 &;

* ذكر من قال ذلك:

6118 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، قال: قال مجاهد: " لعلكم تتفكرون " قال: تطيعون.

6119 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.

------------

(20) في المطبوعة : "يعنى تعالى ذكره" . لا أدرى لم غيره الطابع .

(21) يعنى أبو جعفر : أن هذه الآية ، مردودة على الآية السابقة التي ساقها .

(22) انظر تفسير"ود" فيما سلف 2 : 470 .

(23) انظر تفسير"جنة" فيما سلف قريبا : 535 تعليق : 1 ، ومراجعه .

(24) وضعت هذا الرقم على هذه المواضع جميعًا لكي أبين سياق هذه الجملة المتراكبة ، وهذا سياقها ، وما بين ذلك فصول متتابعة : "وإنما جعل ثناؤه البستان... مثلا لنفقة المنافق... في حسنه كحسن البستان وهي الجنة... من نخيل وأعناب..." .

(25) وضعت هذا الرقم على هذه المواضع جميعا لكي أبين سياق هذه الجملة المتراكبة ، وهذا سياقها ، وما بين ذلك فصول متتابعة : "وإنما جعل ثناؤه البستان... مثلا لنفقة المنافق... في حسنه كحسن البستان وهي الجنة... من نخيل وأعناب..." .

(26) وضعت هذا الرقم علىهذه المواضع جميعا لكي أبين سياق هذه الجملة المتراكبة ، وهذا سياقها ، وما بين ذلك فصول متتابعة : "وإنما جعل ثناؤه البستان... مثلا لنفقة المنافق... في حسنه كحسن البستان وهي الجنة... من نخيل وأعناب..." .

(27) في المطبوعة والمخطوطة : "بعمله" والصواب ما أثبت ، وسياق الجملة : "كما وصف جل ثناؤه الجنة ، ... بأن فيها من كل الثمرات" .

(28) قد مضت"ذرية" فيما سلف 3 : 19 ، 73 ، ولم يفسرها . وذلك من اختصاره لتفسيره كما بينا في مقدمة الجزء الأول ، وكما جاء في ترجمته .

(29) لا مستعتب : أي لا استقالة ولا استدراك ولا استرضاء لله تعالى : من قولهم : "استعتبت فلانًا" أي استقلت مما فعلت ، وطلبت رضاه ، ورجعت عن الإساءة إليه .

(30) في المخطوطة : "ريح فيها سمره" الهاء الأخيرة متصلة بالراء ، ولم أجد لها وجها ، والذي في المطبوعة ، هو ما في الدر المنثور 1 : 340 ، وفي سائر الآثار الأخرى .

(31) الأثر : 6095 -"محمد بن سليم المكي أبو عثمان" . روي عن ابن أبي مليكة ، قال الحافظ ابن حجر : "ولم أر له رواية عن غيره" . روى عنه وكيع بن الجراح ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وأبو عاصم النبيل . مترجم في التهذيب . وهذا الأثر أشار إليه في الفتح 8 : 151 في كلامه عن الأثر : 6096 .

(32) الأثر : 6096 -رواه البخاري من طريق هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، وأشار الحافظ في الفتح 8 : 151 ، إلى رواية الطبري له من طريق ابن المبارك ، عن ابن جريج . وكان في

المطبوعة : "رحل عنى" مهملة ، والصواب ما أثبت من المراجع . وانظر التعليق التالي .

(33) الأثر : 6097 -رواه الحاكم في المستدرك 2 : 283 ، وأشار إليه الحافظ في الفتح 8 : 151 وهو مكرر الذي قبله . وسلقه الحاكم بلفظة وقال"وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي .

(34) في المطبوعة : "تلقاه" ، وفي المخطوطة "للعال" مصحفة مضطربة الخط ، وهذا صواب قراءتها .

(35) في المخطوطة : "من كبره وصغره أن يعملوا جنته" ، وما في المطبوعة أشبه بالصواب .

(36) في المطبوعة : "حين أحرقت جنته" ، وأثبت ما في المخطوطة .

(37) في المطبوعة : "سموم شديدة" ، و"السموم" مذكر ، ويؤنث ، لمعنى الريح الحارة .

(38) في المخطوطة والمطبوعة : "دق عظمه" ، والصواب بالراء ، وفي حديث عثمان : "كبرت سني ، ورق عظمي" ، وقولهم : "رق عظم فلان" ، أي كبر وضعف . والرقق (بفتحتين) . ضعف العظام ، قال الشاعر في ناقته: خَطَّـارَةٌ بَعْـدَ غِـبّ الجَـهْدِ نَاجِيـةٌ

لـم تَلْـقَ فِـي عَظْمِهَـا وَهْنًا وَلا رَقَقَا

.

(39) في المخطوطة : "وقال قال أيوب : أيود أحدكم" ، وقوله : "أيوب" لا معنى له هنا ، ليس في هذا الإسناد من اسمه"أيوب" ، ولو كان أيضًا ، لكان سياقًا مضطربًا . وظاهر أن"أيوب" هي"أيود" ، والناسخ في هذا الموضع قد اضطرب . كما سترى في التعليق التالي . وصحته ما جاء في الدر المنثور 1 : 340 ، كما سترى بعد .

(40) كان بين الكلمات في المخطوطة بياض هكذا : "ذرية ضعفاء عمره فجاءه إعصار فيه نار فاحترقت عنده قوة إن نسله خير يعودون الكافر يوم القيامة إذا رد إلى خير فيستعتب"، وهو مع البياض خلط من الكلام ! وأثبت ما في المطبوعة، وهو نص الأثر كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 340 ، ونسبه لابن جرير ، وأبي حاتم . وابن كثير في التفسير 2: 38، 39 .

(41) في المخطوطة والمطبوعة : "كما ليس له قوة" ، والصواب من الدر المنثور ، وابن كثير .

(42) الذي بين القوسين هو ما ثبت في المطبوعة ، أما المخطوطة فكانت : "من أكل أنه ووثق بما عنده" بياض . ولم أجد بقية الأثر في المراجع السالفة ، فتركت ما استظهره طابع المطبوعة على حاله . ولو استظهرته لقلت : "من أجل أنه كفر بلقاء ربه" ، والله أعلم .

(43) الأثر : 6101 -في الدر المنثور 1 : 340 ، وابن كثير 2 : 38 ، 39 ، كما أسلفت .

(44) الذي وضعته بين الأقواس ، هو ما استظهر الطابع في المطبوعة فيما أرجح ، وكان مكانه في المخطوطة بياض .

(45) كان في المخطوطة : "فبعث الله عنها إعصار فيه نار" ، وهو تحريف وخطأ ، وما في المطبوعة أشبه بالصواب .

(46) في المخطوطة : "من الكفر" . وهو خطأ بين .

(47) في المطبوعة"فما يحمل" ، وفي المخطوطة"كما يحمل" ، ثم فيهما جميعًا : "أن يخرج" ، وهو كلام لا مفهوم له . واستظهرت قراءاتها كذلك ، لأن الذي يخرج نفقته رئاء الناس ، إنما يتجمل بذلك عندهم . وهذا هو الصواب سياق الأثر . والمخطوطة كما تبين من التعليقات السالفة ، فاسدة كل الفساد من اضطراب كتابة الناسخ ، ومن عجلته ، أو عجزه عن قراءة النسخة التي نقل عنها .

(48) انظر ما قاله القرطبي في تفسيره 3 : 318 ، في رد اختيار ابن جرير في تفسيره . ومذهب ابن جرير أوثق وأضبط في البيان ، وفي الاستدلال .

(49) أي : أن يردوا الفعل الماضي بتأويل"لو" على الفعل المضارع مع"أن" .

(50) هذا نص مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 175 ، وقد استوفى الباب هناك . وانظر ما سلف في جواب"لو" بالماضي من الفعل 2 : 458 /3 : 184 ، 185 ، والتعليق هناك .

(51) تاريخ الطبري 6 : 178 ، والأغاني 17 : 178 : وسيأتي في التفسير 15 : 53 مصحفًا أيضًا : "من فسق العراق المبذر" . والبيت في المطبوعة والمخطوطة هنا : "من سوء العراق المنذر" ، وهو كلام بلا معنى ، ولكنى رأيت شارحًا شرحه على ذلك ، فأشهد الله كاد يقتلني من فرط الضحك ! وهو من أبيات ثلاثة قالها ابن مفرغ في خبره مع بن زياد ، حين هجاه ، وهجا معاوية بن أبي سفيان (وانظر ما سلف 4 : 293 وتعليق : 2) وفارق عبادًا مقبلًا إلى البصرة ، فطاف بأشرافها من قريش يسجير بهم ، فما كان منهم إلا الوعد ، ثم أتي المنذر بن الجارود (من عبد القيس) فأجاره وأدخله داره ، ووشى الوشاة به إلى عبيد الله بن زيادة أنه دار المنذر . وكان المنذر في مجلس عبيد الله ، فلم يشعر إلى بابن مفرغ قد أقيم على رأسه ، فقام المنذر فقال : أيها الأمير ، قد أجرته! فقال : يا منذر ، واله يمدحنك وأباك ويهجوني أنا وأبي ، ثم تجيره على ! فأمر به فسقى دواء وحمل على حمار يطاف به وهو يسلح في ثيابه من جراء الدواء ، فقال عندئذ لعبيد الله بن زياد: يَغْسِـلُ المَـاءُ مَـا صَنَعْـتَ وَقَـولِي

راَسِـخٌ مِنْـكَ فِـي العِظَـامِ البَـوالِى

ثم هجا المنذر بن الجارود فقال: تَــرَكْتُ قُرَيْشًــا أَنْ أُجَـاوِرَ فِيهـمُ

وَجَـاورْتُ عبـدَ القَيْس أَهْـلَ المُشَقَّرِ

أُنــاسٌ أَجَارُونَــا فَكَـانَ جِـوَارُهُمْ

أَعَـاصِيرَ مِـنْ فَسْـوِ العِـرَاقِ المبَذَّرِ

فَـأَصْبَحَ جَـارِي مِـنْ جَذِيمـةَ نَائمًـا

ولا يمنَــعُ الجِـيرَانَ غَـيْرُ المُشَـمِّرِ

وقوله : "من فسو العراق" ، وذلك أن عبد القيس ونبي حنيفة وغيرهم من أهل البحرين وما جاورها ، كانوا يعيرون بالفسو ، لأن بلادهم بلاد نخل فيأكلونه ، ويحدث في أجوافهم الرياح والقراقير . والمبذر : من التبذير ، وهو الإسراف في المال وتشتيه وتفريقه . وهذه صفة قد انتزعها ابن مفرغ أحسن انتزاع في هذا الموضع ، فجعلت سخرتته بالمنذر بن الجارود ، ألذع ما تكون ، مع روعة قوله : "أعاصير"!!

قد جاء الأخطل بعد ذلك فهجا ابنه أيضًا مالك بن المنذر بن الجارود ، فقال له: وَعَبْـــدُ القَيْسِ مُصْفَــرٌ لِحَاهَــا

كَــأَنَّ فُسَــاءَهَا قِطَــعُ الضَّبَـابِ!!

فبلغ منه ما بلغ!! ، وانظر طبقات فحول الشعراء : 298 ، 299 ، والتعليق هناك .

(52) في المطبوعة والمخطوطة : "حدثنا حميد" ، والصواب : "أحمد" ، وهو : "أحمد بن إسحق الأهوازي" ، كما سلف مئات من المرات في روايته عن أبي أحمد الزبيري ، فاطلبه في الفهارس ، وانظر الآتي رقم : 6109 .

(53) في المطبوعة حذف قوله : "لا تبقي أحدًا" ، وعلق عليه بقوله : "في بعض النسخ زيادة : "التي لا تضر أحدًا" ، وهي في المخطوطة كذلك ، ولكن الناسخ أفسد الكلمة ، وصوابها كما أثبت : "لا تبقى أحدًا" . وسيأتي في حديث التميمي عن عباس ، وهو الحديث التالي : "التي تقتل" . فهذا هذا .

(54) الصر (بكسر الصاد) . البرد الذي يضرب النبات ويحرقه .

التدبر :

لمسة
[266] مثل لشدة الحاجة للحسنات بعد الموت، قال الحسن البصري: «هذا مثل قلَّ والله من يعقله من الناس، شيخٌ كبير ضعف جسمه، وكثر صبيانه، أفقر ما كان إلى جنته، فجاءها الإعصار فأحرقها، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا».
وقفة
[266] ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ مثل لسوء الخاتمة أو المرائي، تلا عمر هذه الآية، وقال: «هذا مثَل ضرب للإنسان يعمل عملًا صالحًا، حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء»، وقال السُّدِّي: «هذا مثل المرائي في نفقته الذي ينفق لغير الله، ينقطع عنه نفعها أحوج ما يكون إليه».
وقفة
[266] ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ فإن قلتَ: لمَ خصَّ النَّخيل والأعناب بالذِّكر، مع قوله بعدها: ﴿لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾؟ قلتُ: لأنَّ النخيل والأعناب أكرم الشجر، وأكثرها منافع.
وقفة
[266] ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ هذا المثل يورث الوجل، حين زان البستان وهو في غاية الحاجة إليه ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾، وهكذا العمل الصالح لغير وجه ﷲ.
لمسة
[266] ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء﴾ ما الفرق بين الضعفاء والمستضعفين؟ الضعيف هو ضعيف بنفسه، أما المستضعفين الذين يستضعفهم غيرهم، حاكم أو سلطان جار عليهم؛ كبني إسرائيل استضعفهم فرعون، تسلَّط عليهم وأذلَّهم.
وقفة
[266] ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ احذر من كبائر الذنوب بعد الطاعات لأنها مُحرقة لما جمعت من الايمان.
وقفة
[266] ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ أعمالك الصالحة كنز فحافظ عليه، الرياء والعجب نار تحرق أعمالك؛ فالحذر الحذر.

الإعراب :

  • ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ:
  • الألف: همزة استفهام تفيد الانكار. يودّ: فعل مضارع مرفوع بالضمة. أحدكم: فاعل مرفوع بالضمة. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم: علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ:
  • أن: حرف مصدرية ونصب. تكون: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة و «أَنْ المصدرية وما تلاها» بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به لفعل «يَوَدُّ» وجملة «تَكُونَ وما بعدها» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها. له: جار ومجرور متعلق بخبر «تَكُونَ» المقدم جنة أي بستان: اسم «تَكُونَ» مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «جَنَّةٌ» ومن: حرف جر بياني وأعناب معطوفة بالواو على «نَخِيلٍ» وتعرب اعرابها.
  • ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:
  • الجملة في محل رفع صفة ثانية لجنة. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. من تحتها: جار ومجرور متعلق بتجري أو بحال محذوفة من «الْأَنْهارُ» التقدير: تجري الأنهار كائنة تحتها و «ها»: ضمير متصل في محل جر بالاضافة و «الْأَنْهارُ»: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ:
  • له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والمبتدأ محذوف تقديره: له ثمر. فيها: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ثمر» و «مِنْ كُلِّ» جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ثمر» ومن حرف بياني. الثمرات: مضاف اليه مجرور بالكسرة أي حال كونه من الثمرات.
  • ﴿ وَأَصابَهُ:
  • الفعل: معطوف بالواو على «تَكُونَ» أي وقد أصابه أو تكون حالية. أصابه: فعل ماض مبني على الفتح والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. الواو عاطفة. له: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ذرية: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. ضعفاء: صفة لذرية مرفوعة مثلها بالضمة ولم ينون آخرها لأنها ممنوعة من الصرف على وزن فعلاء.
  • ﴿ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ:
  • الفاء: استئنافية. اصابها: تعرب اعراب: أصابه. اعصار: فاعل مرفوع بالضمة. فيه: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. نار: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. وجملة «فِيهِ نارٌ» في محل رفع صفة للموصوف «إِعْصارٌ» بمعنى «ريح شديدة».
  • ﴿ فَاحْتَرَقَتْ:
  • الفاء : عاطفة للتسبيب. احترقت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء: تاء التأنيث الساكنة والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره هي.
  • ﴿ كَذلِكَ:
  • الكاف: حرف جر وتشبيه. ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف واللام للبعد والكاف للخطاب والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق محذوف التقدير: يبين الله لكم آياته تبينا مثل ذلك أو تكون الكاف اسما بمعنى «مثل» نائب مفعول مطلق.
  • ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ:
  • يبين: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بيبين والميم علامة جمع الذكور. الآيات: مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ:
  • لعلّ: حرف مشبه بالفعل الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم: علامة جمع الذكور. تتفكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «تَتَفَكَّرُونَ» في محل رفع خبر «لعل». '

المتشابهات :

البقرة: 219﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
البقرة: 266﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [266] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل مثالًا لحسن عاقبة المخلصين في الإنفاق؛ ذكرَ هنا مثالًا للمرائينَ والمؤذينَ والمنَّانينَ، قال تعالى:
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ

القراءات :

ضعفاء:
وقرئ:
ضعاف، وكلاهما جمع ضعيف، كظريف، وظرفاء، وظراف.

مدارسة الآية : [267] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ ..

التفسير :

[267] يامن آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلال الطيب الذي كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء، ولو أُعطِيتموه لم تأخذوه إلا إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة ونقص. فكيف ترضون لله ما لا ترضونه لأنفسكم؟ واعلموا أن الله الذي

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالنفقة من طيبات ما يسر لهم من المكاسب، ومما أخرج لهم من الأرض فكما منَّ عليكم بتسهيل تحصيله فأنفقوا منه شكرا لله وأداء لبعض حقوق إخوانكم عليكم، وتطهيرا لأموالكم، واقصدوا في تلك النفقة الطيب الذي تحبونه لأنفسكم، ولا تيمموا الرديء الذي لا ترغبونه ولا تأخذونه إلا على وجه الإغماض والمسامحة{ واعلموا أن الله غني حميد} فهو غني عنكم ونفع صدقاتكم وأعمالكم عائد إليكم، ومع هذا فهو حميد على ما يأمركم به من الأوامر الحميدة والخصال السديدة، فعليكم أن تمتثلوا أوامره لأنها قوت القلوب وحياة النفوس ونعيم الأرواح

قال ابن كثير: عن البراء بن عازب- رضي الله عنه- في قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ.. الآية قال: نزلت في الأنصار كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من نخيلها البسر فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف- أى التمر الرديء- فيدخله مع أفناء البسر يظن أن ذلك جائز فأنزل الله فيمن فعل ذلك الآية» .

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا اجعلوا نفقتكم التي تنفقونها في سبيل الله من أطيب أموالكم التي اكتسبتموها عن طريق التجارة وغيرها.

قال ابن عباس: أمرهم الله- تعالى- بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئة وخبيثة، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا» قال- تعالى-: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.

وقوله: وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ معطوف على ما قبله أى أنفقوا من طيبات أموالكم التي اكتسبتموها ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض من الحبوب والثمار والزروع وغيرها.

وترك- سبحانه- ذكر كلمة الطيبات في هذه الجملة لسبق ذكرها في الجملة التي قبلها.

فالآية الكريمة تأمر المؤمنين بأن يلتزموا في نفقتهم المال الطيب في كل وجه من وجوهه، بأن يكون جيدا نفيسا في صنفه، وحلالا مشروعا في أصله.

وقد أكد الله- تعالى- هذا الأمر بجملتين كريمتين فقال: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ.

قوله- تعالى-: وَلا تَيَمَّمُوا أى ولا تقصدوا وتتعمدوا. يقال: تيممت الشيء ويممته إذا قصدته. ويقال: يممت جهة كذا إذا قصدته. ومنه الإمام لأنه المقصود المعتمد وأصل تيمموا تتيمموا فحذفت إحداهما تخفيفا.

والخبيث هو الرديء من كل شيء وخبث الفضة والحديد ما نفاه الكير لأنه ينفى الرديء.

ويطلق الخبيث على الشيء الحرام والمستقذر.

والإغماض في اللغة- كما يقول الرازي- غض النظر وإطباق جفن على جفن، وأصله من الغموض وهو الخفاء، والمراد بالإغماض هاهنا المساهلة وذلك لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عنه لئلا يرى ذلك. ثم كثر ذلك حتى جعل كل تجاوز ومساهلة في البيع وغيره إغماضا» .

والمعنى: أنفقوا أيها المؤمنون من أطيب أموالكم وأنفسها وأجودها، ولا تتحروا وتقصدوا أن يكون إنفاقكم من الخبيث الرديء، والحال أنكم لا تأخذونه إن أعطى لكم هبة أو شراء أو غير ذلك إلا أن تتساهلوا في قبوله، وتغضوا الطرف عن رداءته، وإذا كان هذا شأنكم في قبول ما هو رديء فكيف تقدمونه لغيركم؟ إن الله- ينهاكم عن ذلك لأن من شأن المؤمن الصادق في إيمانه ألا يفعل لغيره إلا ما يجب أن يفعله لنفسه، ولا يعطى من شيء إلا ما يحب أن يعطى إليه، ففي الحديث الشريف: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به» .

قال الآلوسى: وقوله: مِنْهُ تُنْفِقُونَ الضمير المجرور يعود للخبيث، وهو متعلق يتنفقون، والتقديم للتخصيص، والجملة حال مقدرة من فاعل تَيَمَّمُوا أى لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه، أو من الخبيث أى مختصا به الإنفاق، وأيا ما كان لا يرد أنه يقتضى أن يكون النهى عن الخبيث الصرف فقط مع أن المخلوط أيضا كذلك لأن التخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطون من إنفاق الخبيث خاصة.

وقوله: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ حال من ضمير تُنْفِقُونَ أى: والحال أنكم لستم بآخذيه في وقت من الأوقات أو بوجه من الوجوه إلا وقت إغماضكم فيه» «2» ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أى واعلموا أن الله- تعالى- غنى عن صدقاتكم وإنما أمركم بها لمنفعتكم، حَمِيدٌ يجازى المحسن أفضل الجزاء، وهو- سبحانه- المستحق للحمد الحقيقي دون سواه، فمن الواجب عليكم أن تبذلوا في سبيله الجيد من أموالكم شكرا له على نعمه حتى يزيدكم من عطائه وآلائه.

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق والمراد به الصدقة هاهنا ; قاله ابن عباس من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها . قال مجاهد : يعني التجارة بتيسيره إياها لهم .

وقال علي والسدي : ( من طيبات ما كسبتم ) يعني : الذهب والفضة ، ومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض .

قال ابن عباس : أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه ، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيه وهو خبيثه فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، ولهذا قال : ( ولا تيمموا ) أي : تقصدوا ( الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه ) أي : لو أعطيتموه ما أخذتموه ، إلا أن تتغاضوا فيه ، فالله أغنى عنه منكم ، فلا تجعلوا لله ما تكرهون .

وقيل : معناه : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) أي : لا تعدلوا عن المال الحلال ، وتقصدوا إلى الحرام ، فتجعلوا نفقتكم منه .

ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا أبان بن إسحاق ، عن الصباح بن محمد ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم ، كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده ، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " . قالوا : وما بوائقه يا نبي الله ؟ . قال : " غشمه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكن يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " .

والصحيح القول الأول ; قال ابن جرير : حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، حدثني أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب في قول الله : ( ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) الآية . قال : نزلت في الأنصار ، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل ، أخرجت من حيطانها أقناء البسر ، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل فقراء المهاجرين منه ، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف ، فيدخله مع أقناء البسر ، يظن أن ذلك جائز ، فأنزل الله فيمن فعل ذلك : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )

ثم رواه ابن جرير ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، من طريق السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء ، بنحوه . وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ) قال : نزلت فينا ، كنا أصحاب نخل ، وكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته ، فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه ، فيسقط منه البسر والتمر ، فيأكل ، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو فيه الحشف والشيص ، ويأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه ، فنزلت : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ) قال : لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء ، فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده .

وكذا رواه الترمذي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عبيد الله هو ابن موسى العبسي عن إسرائيل ، عن السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري واسمه غزوان عن البراء ، فذكر نحوه .

ثم قال : وهذا حديث حسن غريب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لونين من التمر : الجعرور ولون الحبيق . وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم ثم يخرجونها في الصدقة ، فنزلت : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) .

ورواه أبو داود من حديث سفيان بن حسين ، عن الزهري [ به ] . ثم قال : أسنده أبو الوليد ، عن سليمان بن كثير ، عن الزهري ، ولفظه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة .

وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق عبد الجليل بن حميد اليحصبي ، عن الزهري ، عن أبي أمامة . ولم يقل : عن أبيه ، فذكر نحوه . وكذا رواه ابن وهب ، عن عبد الجليل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن معقل في هذه الآية : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) قال : كسب المسلم لا يكون خبيثا ، ولكن لا يصدق بالحشف ، والدرهم الزيف ، وما لا خير فيه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد هو ابن أبي سليمان عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله ولم ينه عنه . قلت : يا رسول الله ، نطعمه المساكين ؟ قال : " لا تطعموهم مما لا تأكلون " .

ثم رواه عن عفان عن حماد بن سلمة ، به . فقلت : يا رسول الله ، ألا أطعمه المساكين ؟ قال : " لا تطعموهم ما لا تأكلون " .

وقال الثوري : عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء ( ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ) يقول : لو كان لرجل على رجل ، فأعطاه ذلك لم يأخذه ; إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه رواه ابن جرير .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ) يقول : لو كان لكم على أحد حق ، فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه . قال : فذلك قوله : ( إلا أن تغمضوا فيه ) فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم ، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه ! !

رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وزاد : وهو قوله : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) [ آل عمران : 92 ] . ثم روى من طريق العوفي وغيره ، عن ابن عباس نحو ذلك ، وكذا ذكر غير واحد .

قوله : ( واعلموا أن الله غني حميد ) أي : وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها ، وما ذاك إلا ليساوي الغني الفقير ، كقوله : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) [ الحج : 37 ] وهو غني عن جميع خلقه ، وجميع خلقه فقراء إليه ، وهو واسع الفضل لا ينفد ما لديه ، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب ، فليعلم أن الله غني واسع العطاء ، كريم جواد ، سيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة من يقرض غير عديم ولا ظلوم ، وهو الحميد ، أي : المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يا أيها الذين آمنوا "، صدقوا بالله ورسوله وآي كتابه.

* * *

ويعني بقوله: " أنفقوا "، زكُّوا وتصدقوا، كما:-

6120 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم " يقول: تصدَّقوا.

* * *

القول في تأويل قوله : مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ

يعني بذلك جل ثناؤه: زكوا من طيّب ما كسبتم بتصرُّفكم= إما بتجارة، وإما بصناعة= من الذهب والفضة.

ويعني ب " الطيبات "، الجياد، يقول: زكوا أموالكم التي اكتسبتموها حلالا وأعطوا في زكاتكم الذهبَ والفضة، الجيادَ منها دون الرديء، كما:-

&; 5-556 &;

6121 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " قال: من التجارة.

6122 - حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.

6123 - حدثني حاتم بن بكر الضبّي، قال: حدثنا وهب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد ، مثله.

6124 - حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في قوله: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم "، قال: التجارة الحلال.

6125 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن معقل: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم "، قال: ليس في مال المؤمن من خبيث، ولكن لا تيمموا الخبيث منه تنفقون.

6126 - حدثني عصام بن روّاد بن الجراح، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عن قوله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " قال: من الذهب والفضة.

6127 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " من طيبات ما كسبتم "، قال: التجارة.

6128 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

6129 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم " يقول: من &; 5-557 &; أطيب أموالكم وأنفَسِه. (55) .

6130 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم "، قال: من هذا الذهب والفضة. (56) .

* * *

القول في تأويل قوله جل وعز : وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأنفقوا أيضا مما أخرجنا لكم من الأرض، فتصدقوا وزكوا من النخل والكرم والحنطة والشعير، وما أوجبت فيه الصدقة من نبات الأرض. كما:-

6131 - حدثني عصام بن رواد، قال: ثني أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليا صلوات الله عليه عن قول الله عز وجل: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: يعني من الحب والثمر وكل شيء عليه زكاة.

6132 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: النخل.

6133 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: من ثمر النخل.

&; 5-558 &;

6134 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ، قال: من التجارة=" ومما أخرجنا لكم من الأرض "، من الثمار.

6135 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: هذا في التمر والحب.

* * *

القول في تأويل قوله جل وعز : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه " ولا تيمموا الخبيث "، ولا تعمدوا، ولا تقصدوا.

* * *

وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: ( ولا تؤموا) من " أممت "، (57) وهذه من " يممت "، (58) والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ.

* * *

يقال: " تأممت فلانا "، و " تيممته "، و " أممته "، بمعنى: قصدته وتعمدته، كما قال ميمون بن قيس الأعشى:

تيممـــت قيســا وكــم دونــه

مـن الأرض مـن مهمـه ذي شـزن (59)

وكما:-

&; 5-559 &;

6136 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تيمموا الخبيث "، ولا تعمدوا.

6137 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: " ولا تيمموا " لا تعمدوا.

6138 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، مثله.

* * *

القول في تأويل قوله : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه ب " الخبيث ": الرديء، غير الجيد، يقول: لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد.

* * *

وذلك أن هذه الآية نـزلت في سبب رجل من الأنصار علق قنوا من حشف - (60) في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم- صدقة من تمره.

* ذكر من قال ذلك:

6139 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ &; 5-560 &; الأَرْضِ إلى قوله: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، قال: نـزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر، يظن أن ذلك جائز.

فأنـزل الله عز وجل فيمن فعل ذلك: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال لا تيمموا الحشف منه تنفقون. (61) .

6140 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، زعم السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب بنحوه= إلا أنه قال: فكان يعمد بعضهم، فيدخل قنو الحشف= ويظن أنه جائز عنه= في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنـزل فيمن فعل ذلك: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، القنو الذي قد حشف، ولو أهدي إليكم ما قبلتموه. (62) .

6141 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب، قال: كانوا يجيئون في الصدقة بأردإ &; 5-561 &; تمرهم وأردإ طعامهم، فنـزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ الآية. (63) .

6142 - حدثني عصام بن رواد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: سألت عليا عن قول الله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: فقال علي: نـزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه، (64) فيعزل الجيد ناحية. فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء، فقال عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".

6143 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أن ابن شهاب حدثه، قال: ثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال: هو الجعرور، ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة. (65) .

&; 5-562 &;

6144 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: كانوا يتصدقون - يعني من النخل- بحشفه وشراره، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه.

6145 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ إلى قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدق به، ويخلط فيه من الحشف، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه.

6146 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: تعمد إلى رذالة مالك فتصدق به، (66) ولست بآخذه إلا أن تغمض فيه.

6147 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: كان الرجل يتصدق برذالة ماله، فنـزلت: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".

6148 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنا عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدا يقول: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: في الأقناء التي تعلق، (67) فرأى فيها حشفا، فقال: &; 5-563 &; ما هذا؟= قال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ بئسما علق هذا!! فنـزلت: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تيمموا الخبيث من الحرام منه تنفقون، (68) .

وتدعوا أن تنفقوا الحلال الطيب.

* ذكر من قال ذلك:

6149 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد - وسألته عن قول الله عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، - قال: الخبيث: الحرام، لا تتيممه تنفق منه، فإن الله عز وجل لا يقبله.

* * *

قال أبو جعفر: وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه عمن حكينا [عنه] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،[لصحة إسناده]، واتفاق أهل التأويل في ذلك= (69)

دون الذي قاله ابن زيد. (70) .

* * *

القول في تأويل قوله : وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولستم بآخذي الخبيث في حقوقكم، و " الهاء " في قوله: " بآخذيه " من ذكر الخبيث=" إلا أن تغمضوا فيه "، يعني: إلا أن تتجافوا في أخذكم إياه عن بعض الواجب لكم من حقكم، فترخصوا فيه لأنفسكم.

&; 5-564 &;

يقال منه: " أغمض فلان لفلان عن بعض حقه، فهو يغمض "، ومن ذلك قول الطرماح بن حكيم:

لــم يفتنــا بـالوتر قـوم وللضـيـ

م رجــال يرضــون بالإغمـاض (71)

* * *

قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى ذلك: ولستم بآخذي الرديء من غرمائكم في واجب حقوقكم قبلهم، إلا عن إغماض منكم لهم في الواجب لكم عليهم.

* ذكر من قال ذلك:

6150 - حدثنا عصام بن رواد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: سألت عليا عنه فقال: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له.

6151 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لو كان لرجل على رجل، فأعطاه ذلك لم يأخذه، إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه. (72) .

&; 5-565 &;

6152 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لو كان لكم على أحد حق، فجاءكم بحق دون حقكم، لم تأخذوا بحساب الجيد حتى تنقصوه، فذلك قوله: " إلا أن تغمضوا فيه "، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسها؟ (73) .

وهو قوله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ . [ سورة آل عمران: 92].

6153 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل.

6154 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، وذلك أن رجالا كانوا يعطون زكاة أموالهم من التمر، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة، فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه، لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه.

6155 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول: لو كان لك على رجل دين فقضاك أردأ مما كان لك عليه، هل كنت تأخذ ذلك منه إلا وأنت له كاره؟

6156 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ &; 5-566 &; إلى قوله: " إلا أن تغمضوا فيه " قال: كانوا -حين أمر الله أن يؤدوا الزكاة- يجيء الرجل من المنافقين بأردإ طعام له من تمر وغيره، فكره الله ذلك وقال: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ ، يقول: " لستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لم يكن رجل منكم له حق على رجل فيعطيه دون حقه فيأخذه، إلا وهو يعلم أنه قد نقصه= فلا ترضوا لي ما لا ترضون لأنفسكم= فيأخذ شيئا، وهو مغمض عليه، أنقص من حقه.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث - إذا اشتريتموه من أهله -بسعر الجيد، إلا بإغماض منهم لكم في ثمنه.

* ذكر من قال ذلك:

6157 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن الحسن: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، قال: لو وجدتموه في السوق يباع، ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه.

6158 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يغمض لكم فيه.

* * *

وقال آخرون: معناه: ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث لو أهدي لكم، إلا أن تغمضوا فيه، فتأخذوه وأنتم له كارهون، على استحياء منكم ممن أهداه لكم.

* ذكر من قال ذلك:

6159 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، قال: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه، أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة. (74) .

&; 5-567 &;

6160 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، قال: زعم السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء نحوه= إلا أنه قال: إلا على استحياء من صاحبه، وغيظا أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة. (75) .

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرديء من حقكم إلا أن تغمضوا من حقكم.

* ذكر من قال ذلك:

6161 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ابن معقل: " ولستم بآخذيه "، يقول: ولستم بآخذيه من حق هو لكم=" إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: أغمض لك من حقي.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا على ما فيه من الإثم عليكم في أخذه.

* ذكر من قال ذلك:

6162 - حدثني يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قوله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " -قال: يقول: لست آخذا ذلك الحرام حتى تغمض على ما فيه من الإثم = قال: وفي كلام العرب: " أما والله لقد أخذه، ولقد أغمض على ما فيه " = وهو يعلم أنه حرام باطل.

* * *

قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل حث عباده على الصدقة وأداء الزكاة من أموالهم، وفرضها عليهم فيها، (76) .

فصار ما فرض من ذلك في أموالهم، حقا لأهل سهمان الصدقة. ثم أمرهم تعالى ذكره أن &; 5-568 &; يخرجوا من الطيب- وهو الجيد من أموالهم- الطيب. (77) وذلك أن أهل السهمان شركاء أرباب الأموال في أموالهم، بما وجب لهم فيها من الصدقة بعد وجوبها.

فلا شك أن كل شريكين في مال فلكل واحد منهما بقدر ملكه، وليس لأحدهما منع شريكه من حقه من الملك الذي هو فيه شريكه، بإعطائه -بمقدار حقه منه- من غيره مما هو أردأ منه أو أخس. (78) فكذلك المزكي ماله، حرم الله عليه أن يعطي أهل السهمان= مما وجب لهم في ماله من الطيب الجيد من الحق، فصاروا فيه شركاء= (79) من الخبيث الرديء غيره، ويمنعهم ما هو لهم من حقوقهم في الطيب من ماله الجيد، كما لو كان مال رب المال رديئا كله غير جيد، فوجبت فيه الزكاة وصار أهل سهمان الصدقة فيه شركاء بما أوجب الله لهم فيه لم يكن عليه أن يعطيهم الطيب الجيد من غير ماله الذي منه حقهم.

فقال تبارك وتعالى لأرباب الأموال: زكوا من جيد أموالكم الجيد، ولا تيمموا الخبيث الرديء، تعطونه أهل سهمان الصدقة، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيد الطيب في أموالكم، (80) ولستم بآخذي الرديء لأنفسكم مكان الجيد الواجب لكم قبل من وجب لكم عليه ذلك من شركائكم وغرمائكم وغيرهم، إلا عن إغماض منكم وهضم لهم وكراهة منكم لأخذه. يقول: ولا تأتوا من الفعل إلى من وجب له في أموالكم حق، ما لا ترضون من غيركم أن يأتيه إليكم في حقوقكم الواجبة لكم في أموالهم.

فأما إذا تطوع الرجل بصدقة غير مفروضة، فإني وإن كرهت له أن يعطي فيها إلا أجود ماله وأطيبه، لأن الله عز وجل أحق من تقرب إليه بأكرم الأموال &; 5-569 &; وأطيبها، والصدقة قربان المؤمن= فلست أحرم عليه أن يعطي فيها غير الجيد، لأن ما دون الجيد ربما كان أعم نفعا لكثرته، أو لعظم خطره= وأحسن موقعا من المسكين، وممن أعطيه قربة إلى الله عز وجل= من الجيد، لقلته أو لصغر خطره وقلة جدوى نفعه على من أعطيه. (81) .

* * *

وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل العلم.

* ذكر من قال ذلك:

6163 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، قال: ذلك في الزكاة، الدرهم الزائف أحب إلي من التمرة.

6164 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن ذلك، فقال: إنما ذلك في الزكاة، والدرهم الزائف أحب إلي من التمرة.

6165 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه "، فقال عبيدة: إنما هذا في الواجب، ولا بأس أن يتطوع الرجل بالتمرة، والدرهم الزائف خير من التمرة.

&; 5-570 &;

6166 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين في قوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال: إنما هذا في الزكاة المفروضة، فأما التطوع فلا بأس أن يتصدق الرجل بالدرهم الزائف، والدرهم الزائف خير من التمرة.

* * *

القول في تأويل قوله : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واعلموا أيها الناس أن الله عز وجل غني عن صدقاتكم وعن غيرها، (82) وإنما أمركم بها، وفرضها في أموالكم، رحمة منه لكم ليغني بها عائلكم، (83) .

ويقوي بها ضعيفكم، ويجزل لكم عليها في الآخرة مثوبتكم، لا من حاجة به فيها إليكم.

* * *

ويعني بقوله: " حميد "، أنه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله. كما:-

6167 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قوله: " أن الله غني حميد " عن صدقاتكم. (84) .

-------------------

الهوامش :

(55) الأثر : 6129 -في الدر المنثور 1 : 346 ، وسيأتي الأثر بتمامه في رقم : 6152 وقوله : "من أطيب أموالكم وأنفسه" ، وهو صحيح في العربية ، يعود ضمير المفرد ، على الجمع في"أفعل" ، وقد مضى ما قلنا في ذلك التعليق على الأثر : 5968 ، وإن اختلفت العبارتان وافترقتا . وانظر همع الهوامع 1 : 59 .

(56) في المطبوعة : حذف"هذا" لغير شيء !! .

(57) في المطبوعة : "ولا تأمموا" ، وكذلك في القرطبي ، ولكن أبا حيان في تفسيره 1 : 328 قد نص على أن الطبري حكى قراءة عبد الله : "ولا تأملوا" من"أمت" ، فوافق ما في المخطوطة ، فأثبتها كذلك ، وهي الصواب إن شاء الله .

(58) في المخطوطة والمطبوعة : "تيممت" ، وهو سقيم ، والصواب ما أثبت . وأموا المكان ويموه ، بمعنى واحد ، وهي على البدل ، أبدلت الهمزة ياء ، ولذلك كانت في مادة (أمم) من دواوين اللغة ، غير الجوهري .

(59) ديوانه : 16 ، وسيأتي في التفسير 5 : 69 (بولاق) . وهو من قصيدته التي أثنى فيها على قيس بن معد يكرب الكندي ، وهي أول كلمة قالها له . وقد مضت منها أبيات في 1 : 345 ، 346 ، /3 : 191/5 : 390 وامهمه : الفلاة المقفرة البعيدة ، لا ماء بها ولا أنيس ، والشزن والشزونة : الغلظ من الأرض .

(60) القنو : الكباسة ، وهي العذق التام بشماريخه ورطبه ، هو في التمر ، بمنزله العنقود من العنب ، وجمعه : أقناء . والحشف : هو من التمر ما لم ينو ، فإذا يبس صلب وفسد ، لا طعم له ولا لحاء ولا حلاوة .

(61) الأثر : 6139 -الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي ، مضى في رقم 1625 : 1883 ، وهو لين يتكلمون فيه . وأبوة : عمرو بن محمد ، ثقة جائز الحديث . أخرجه الحاكم في المستدرك ، : 2 : 285 من طريق عمرو بن طلحة القناد ، عن أسباط بن نصر ، وقال : "هذا حديث غريب صحيح على شرطه مسلم ، ولم يخرجاه" ، وافقه الذهبى . وذكره ابن كثير في تفسير 2 : 40 ، 41 ونسبه للحاكم ، وأنه قال : "صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه" فاختلف نص كلام الحاكم .

وسيأتي تمامه برقم : 6159 ، 6167 .

قوله : "جذاذ النخل"بالذال هنا وفي المستدرك . وجذ النخل جذاذا ، صرمه . والأشهر فيه بالدال المهملة : "جد النخل يجده جدادا" ، صرمه وقطف ثمره . والحيطان جمع حائط : وهو بستان النخل يكون عليه حائط ، فإذا لم يكن عليه حائط . فهو ضاحية .

وقوله : "أقناء البسر" الأقناء جمع قنو ، وقد سلف في التعليق الماضي . والبسر : التمر قبل أن يرطب ، سمى كذلك لغضاضته ، واحدته بسرة ، ثم هو بعد البسر ، رطب ، ثم تمر .

(62) الأثر : 6140 -هذا إسناد آخر للخبر السالف وسيأتي تمامه برقم : 6160 وحشف التمر : صار حشفا . وقد مضى تفسيره في التعليق ص : 559 رقم : 1 . وقوله : "جائز عنه" ، أي سائغ مجزي عنه من قولهم : "جاز جوازا" ، وأجاز له الشيء وجوزه : إذا سوغ له ما صنعه وأمضاه . وهو تعبير نادر لم تقيده كتب اللغة ، ولكنه عربي معرق .

(63) الأثر : 6141 -رواه البيهقي في السنن 4 : 136 من طريق أبي حذيفة ، عن سفيان ، عن السدي بغير هذا اللفظ ، وأتم منه .

(64) صرم النخل والشجر يصرمه صرما وصراما : قطع ثمرها واجتناها ، مثل الجذاذ والجداد فيما سلف في التعليقات ص : 560 .

(65) الأثر : 6143 -عبد الجليل بن حميد اليحصبي ، أبو مالك المصري . روي عن الزهري ، ويحيى بن سعيد وأيوب السختياني ، وروى عنه ابن عجلان ، وهو من أقرانه ، وموسى بن سلمة ، وابن وهب ، وغيرهم من المصريين . قال النسائي ، "ليس به بأس" ، وذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 148 ، مترجم في التهذيب . وهذا الأثر روته النسائي ، عن يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين ، عن ابن وهب ، عن عبد الجليلي بن حميد ، في السنن 5 : 43 ، وآخره"... أن تؤخذ الصدقة الرذالة" . وروي من طرق أخرى في سنن أبي داود 2 : 149 رقم : 1607 ، والحاكم في المستدرك 2 : 284 من طريق سفيان ابن حسين عن الزهري ، ومن طريق سليمان بن كثير عن الزهري وقال : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن 4 : 136 ، وانظر تفسير ابن كثير 2 : 42 ، 43 .

الجعرور (بضم الجيم) . ضرب من التمر صغار لا خير فيه . واللون : نوع من النخل ، قيل : هو الدقل ، وقيل : النخل كله ما خلا البرني والعجوة ، تسميه أهل المدينة"الألوان" . وابن حبيق : رجل نسب إليه هذا النخل الرديء ، فقيل : لون الحبيق . وتمره رديء أغبر صغير ، مع طول فيه .

(66) رذالة كل شيء : أردؤه حين ينتقى جيده ، ويبقي رديئه . وهو من رذالة الناس ورذالهم . (بضم الراء فيها جميعا) .

(67) قوله : "التي تعلق" مكانها بياض في المخطوطة . وقوله بعد : "فرأى فيها حشفا" ، أي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

(68) في المخطوطة والمطبوعة : "فيه تنفقون" ، وهو خطأ بين .

(69) الزيادة بين الأقواس لا بد منها حتى يستقيم الكلام . (عنه) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة .

أما الزيادة الثانية ، فمكانها بياض في المخطوطة ، فأغفله الطابع وساق الكلام سياقا واحدا

(70) في المخطوطة : "قاله ابن" وبعد ذلك بياض . والذي في المطبوعة هو الصواب .

(71) ديوانه : 86 ، من قصيدة مجد فيها قومه ، وقبله: :

إننــا معشــر شـمائلنا الصـبر ,

إذا الخـــوف مــال بالأحفــاض

نصـر للـذليل فـي نـدوة الحـي ,

مـــرائيب للثـــأي المنهــاض

مــن يــرم جـمعهم يجـدهم مـر

اجــيح حمــاة للعـزل الأحـراض

الأحفاض : الإبل الصغار الضعاف ، ويعنى الضعاف من الناس ، لا يصبرون في حرب . مرائيب : من الرأب ، وهو الإصلاح ، مصلحون . والثأى : الفساد . والمنهاض : الذي فسد بعد صلاح فلا يرجى إصلاح إلا بمشقة . مراجيح : حلماء لا يستخفهم شيء . والأحراض : الضعاف الذين لا يقاتلون . والإغماض : التغاضي والمساهلة . يقول نحن أهل بأس وسطوة ، فما أصاب منا أحد فنجا من انتقامنا ، ولسنا كأقوام يرضون بالضيم ، فيتغاضون عن إدراك تأثرهم ممن نال منهم .

(72) الأثر : 6151 -هو من تمام الأثر : 6141 .

(73) في المطبوعة : "وأنفسها" وأثبت ما في المخطوطة . وهذا الأثر بنصه وتمامه في الدر المنثور 1 : 346 ، وانظر التعليق على الأثر : 6129 ، وقوله : "وأنفسه" بضمير الإفراد .

(74) الأثر : 6159 -هو تمام الأثر السالف : 6139 .

(75) الأثر : 6160 -هو تمام الأثر السالف : 6140 .

(76) "وفرضها عليهم" أي الزكاة . "فيها" : في أموالهم .

(77) قوله : "الطيب" الثانية ، مفعول"يخرجوا" .

(78) في المطبوعة"أو أحسن" ، وهو فاسد كل الفساد . والصواب من المخطوطة .

(79) سياق الجملة : أن يعطى أهل السهمان... من الخبيث الرديء غيره .

(80) في المطبوعة : "وتمنعونهم الواجب..." ، والذي في المخطوطة صواب ، معطوف على : "ولا تيمموا الخبيث" .

(81) سياق هذه الجملة : ربما كان أعم نفعا لكثرته...وأحسن موقعا من المسكين... من الجيد لقلته...

(82) انظر تفسير"غنى"فيما سلف من هذا الجزء 5 : 521 .

(83) العائل : الفقير . عال الرجل يعيل علية : افتقر .

(84) الأثر : 6167 -هو تمام الأثر السالف : 6139 .

التدبر :

وقفة
[267] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ أول إعلان لعماد الدين زنكي: «لا ينفق في الجهاد إلا المال الحلال الخالص المتقى فيه الله».
عمل
[267] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ لا تسرق وتتصدق, أو تأكل الرشوة وتحج, فليتها ما زنت ولا تصدقت!
اسقاط
[267] أوصى سفيان الثوري رجلًا فقال: إياك أن تزداد بحلمه عنك جرأة على المعصية؛ فإن الله لم يرض لأنبيائه المعصية والحرام والظلم، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: 51]، ثم قال للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾، ثم أجملها، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [ ١٦٨].
وقفة
[267] ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ الأمر بالإنفاق اختبار لك؛ فلا تنفق من الرديء وتترك الجيد.
عمل
[267] قبل أن تتصدق تذكر هذه الآية: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ﴾؛ فلا تنفق إلا مما تحب، هي صدقة وليس تخلُّصًا مما لديك.
وقفة
[267] لما كان المقام مقامًا لطلب الانفاق من الطيبات، والله غنى عن الطيب والخبيث من المال، فلا يقبل عز وجل الرديء من مال عبده، يقدمه عبده لنفسه، فالله أحق من يختار له أفضل الأشياء وأنفسها، لأن قابل الرديء إما أن يقبله لحاجته اليه، والله غير محتاج لأحد، واما أن نفسه غير كريمة ولا شريفة، فلا يقبل إلا الطيب، لما كان كذلك ناسب ختام الآية لقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
  • يا: أداة نداء. أيّ: اسم منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين: اسم موصول مبني على الفتح عطف بيان من «أي». آمنوا: صلة الموصول. فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والألف: فارقة.
  • ﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ:
  • أنفقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من: للتبعيض. من طيبات: جار ومجرور متعلق بأنفقوا وحذف المفعول لدلالة من عليه
  • ﴿ ما كَسَبْتُمْ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف اليه. كسبتم: صلة الموصول. فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك «المخاطبين». التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. والميم علامة الجمع
  • ﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ:
  • الواو: عاطفة. ممّا: مكونة من «من» حرف جر. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأنفقوا. أخرج: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل وجملة «أَخْرَجْنا» صلة الموصول. لكم: جار ومجرور متعلق باخرجنا والميم علامة جمع الذكور. من الأرض: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «ما».
  • ﴿ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ:
  • الواو: حرف عطف. لا: ناهية جازمة. تيمموا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وأصله «تتيمموا» حذفت التاء تخفيفا والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة. الخبيث: مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى: ولا تقصدوا الرديء.
  • ﴿ مِنْهُ تُنْفِقُونَ:
  • منه: جار ومجرور. تنفقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة: في محل نصب حال. و «من» حرف جر بياني و «مِنْهُ» متعلق بحال محذوفة من «ما».
  • ﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ:
  • الواو: حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. لستم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك «المخاطبين» التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «ليس». والميم: علامة جمع الذكور. بآخذيه: الباء حرف جر زائد لتوكيد معنى النفي آخذيه اسم مجرور لفظا بحرف الجر الزائد منصوب محلا لأنه خبر «ليس» وعلامة نصبه: الياء لأنه جمع مذكر سالم وحذفت نونه للاضافة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة وهو. من اضافة اسم الفاعل لمفعوله.
  • ﴿ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ:
  • إلّا: حرف تحقيق بعد النفي لا عمل له. أن: حرف مصدري ونصب. تغمضوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف: فارقة وجملة «تُغْمِضُوا» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها و «أَنْ» المصدرية وما تلاها: في محل نصب باسم الفاعل «آخذيه» التقدير. بأن تغمضوا فيه: أي مجرور بباء مقدرة وبحذفها انتصب بآخذيه. فيه: جار ومجرور متعلق بتغمضوا بمعنى الّا أن تتسامحوا في أخذه.
  • ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ:
  • الواو: استئنافية. اعلموا تعرب اعراب «أَنْفِقُوا» أنّ: حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة: اسم «أَنْ» منصوب للتعظيم بالفتحة. غني: خبر «أَنْ» مرفوع بالضمة. حميد: خبر ثان لأنّ ويجوز اعرابه: صفة لغني. و «أَنْ وما بعدها» بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي اعلموا. '

المتشابهات :

البقرة: 254﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ
البقرة: 267﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي وابن ماجه عن البراء - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحابَ نخلٍ فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلَّته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلِّقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل، وكان ناسٌ ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف، وبالقنو قد انكسر فيعلِّقه فأنزل الله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قالوا: لو أن أحدكم أُهدي إليه مثلُ ما أَعطى لم يأخذه إلا على إغماض أو حياء. قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر المفسرون هذا الحديث عند تفسيرها وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية وابن كثير. قال الطبريلا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد، وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب رجل من الأنصار علق قنواً من حشف في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم صدقةً من تمره). اهـ. وقال ابن العربيلا خلاف بين أهل التفسير أنها نزلت في الرجل كان يأتي بالقنو من الحشف فيعلقه في المسجد يأكل منه الفقراء فنزلتوَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) اهـ. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما جاء فى حديث البراء، وإن كان إسناده لا يخلو من مقال، لتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [267] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ عز وجل ما يجبُ أن يتَّصفَ به المنفقُ من الصفات؛ بَيَّنَ هنا صفةَ المالِ المبذولِ، وهو أن يكونَ من جيدِ الأموالِ لا الرديء، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ

القراءات :

ولا تيمموا:
1- وهى قراءة ابن عباس، والزهري، ومسلم بن جندب.
وقرئ:
2- بتشديد التاء، وهى قراءة البزي، أصله: تتيمموا، فأدغم التاء فى التاء، وذلك فى مواضع من القرآن نظمها أبو حيان فى هذه الأبيات:
تولوا بأنفال وهود هما معا ... ونور وفى المحنة بهم قد توصلا
تنزل فى حجر وفى الشعرا معا ... وفى القدر فى الأحزاب لا أن تبدلا
تبرجن مع تناصرون تنازعوا ... تكلم مع تيمموا قبلهن لا
تلقف أنى كان مع لتعارفوا ... وصاحبيها فتفرق حصلا
بعمران لا تفرقوا بالنسا أتى ... توفاهم تخيرون له انجلى
تلهى تلقونه تلظى تربصو ... ن زد لا تعارفوا تميز تكملا
ثلاثين مع إحدى وفى اللات خلفه ... تمنون مع ما بعد ظلتم تنزلا
وفى بدئه خفف وإن كان قبلها ... لدى الوصل حرف المد مد وطولا.
3- بتخفيف التاء، رويت عن أبى ربيعة عن البزي، كباقى القراءات.
4- ولا تأموا، وهى قراءة عبد الله، من: أممت، أي: قصدت.
تغمضوا:
قرئ:
1- بضم التاء وإسكان الغين وكسر الميم، من: أغمض، وهى قراءة الجمهور، وجعلوه مما حذف مفعوله، أي: تغمضوا أبصاركم، أو بصائركم، ويجوز أن يكون لازما، مثل: أغضى عن كذا.
2- بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشددة، وهى قراءة الزهري، ومعناها معنى قراءة الجمهور.
3- بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم، ورويت عن الزهري أيضا، مضارع: غمض، وهى لغة فى «أغمص» .
4- بفتح التاء وسكون الغين وضم الميم، ورويت عن اليزيدي، ومعناه: إلا أن يخفى عليكم رأيكم فيه.
5- بفتح التاء وتشديد الميم مفتوحة، ورويت عن الحسن.
6- بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففة، وهى قراءة قتادة، ومعناه: إلا أن يغمض لكم.

مدارسة الآية : [268] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ..

التفسير :

[268] هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يخوفكم الفقر، ويغريكم بالبخل، ويأمركم بالمعاصي ومخالفة الله تعالى، والله سبحانه وتعالى يعدكم على إنفاقكم غفراناً لذنوبكم ورزقاً واسعاً. والله واسع الفضل، عليم بالنيَّات والأعمال.

وإياكم أن تتبعوا عدوكم الشيطان الذي يأمركم بالإمساك، ويخوفكم بالفقر والحاجة إذا أنفقتم، وليس هذا نصحا لكم، بل هذا غاية الغش{ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} بل أطيعوا ربكم الذي يأمركم بالنفقة على وجه يسهل عليكم ولا يضركم، ومع هذا فهو{ يعدكم مغفرة} لذنوبكم وتطهيرا لعيوبكم{ وفضلا} وإحسانا إليكم في الدنيا والآخرة، من الخلف العاجل، وانشراح الصدر ونعيم القلب والروح والقبر، وحصول ثوابها وتوفيتها يوم القيامة، وليس هذا عظيما عليه لأنه{ واسع} الفضل عظيم الإحسان{ عليم} بما يصدر منكم من النفقات قليلها وكثيرها، سرها وعلنها، فيجازيكم عليها من سعته وفضله وإحسانه، فلينظر العبد نفسه إلى أي الداعيين يميل، فقد تضمنت هاتان الآيتان أمورا عظيمة منها:الحث على الإنفاق، ومنها:بيان الأسباب الموجبة لذلك، ومنها:وجوب الزكاة من النقدين وعروض التجارة كلها، لأنها داخلة في قوله:{ من طيبات ما كسبتم} ومنها:وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار والمعادن، ومنها:أن الزكاة على من له الزرع والثمر لا على صاحب الأرض، لقوله{ أخرجنا لكم} فمن أخرجت له وجبت عليه ومنها:أن الأموال المعدة للاقتناء من العقارات والأواني ونحوها ليس فيها زكاة، وكذلك الديون والغصوب ونحوهما إذا كانت مجهولة، أو عند من لا يقدر ربها على استخراجها منه، ليس فيها زكاة، لأن الله أوجب النفقة من الأموال التي يحصل فيها النماء الخارج من الأرض، وأموال التجارة مواساة من نمائها، وأما الأموال التي غير معدة لذلك ولا مقدورا عليها فليس فيها هذا المعنى، ومنها:أن الرديء ينهى عن إخراجه ولا يجزئ في الزكاة

ثم حذر الله- تعالى- المؤمنين من وساوس الشيطان وخطواته فقال: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ.

قوله: يَعِدُكُمُ من الوعد، وهو في أصل وضعه لغة شائع في الخير والشر، وأما في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإيعاد في الشر. وقد استعمل هنا في الشر نظرا إلى أصل الوضع، لأن الفقر مما يراه الإنسان شرا ولذلك يخوف الشيطان به المنفقين فيقول لهم: لا تنفقوا الجيد من أموالكم لأن إنفاقكم هذا يؤدى إلى فقركم ونضوب ما بين أيديكم من أموال.

والفقر هو ما يصيب الإنسان من سوء في الحال ومن ضعف بسبب قلة المال، وأصل الفقر في اللغة كسر فقار الظهر، ثم وصف الإنسان المحتاج الضعيف بأنه فقير تشبيها له بمن كسر فقار ظهره فأصبح عاجزا عن الحركة لأن الظهر هو مجمع الحركات، ومنه تسميتهم المصيبة فاقرة، وقاصمة الظهر.

والفحشاء والفحش والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال، ويرى كثير من العلماء أن المراد بالفحشاء في الآية البخل الشديد فإن كلمة الفاحش تطلق في لغة العرب على البخيل الشديد البخل، ومن ذلك قول طرفة بن العبد.

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى ... عقيلة مال الفاحش المتشدد

والمعنى: الشيطان يوعدكم إذا أنفقتم بالفقر وضياع الأموال ويحذركم من الصدقة بما يوسوس في نفوسكم من شرور وآثام، ويغريكم بارتكاب المعاصي التي من أقبحها البخل الشديد، والشح المهلك، فعليكم أن تحذروه وأن تنفقوا من أموالكم في سبيل الله ما يوصلكم إلى رضوانه ورحمته.

قال الجمل: وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التخويف إلى أن يأمره بالفحشاء وهو البخل، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلا بتلك المقدمة وهي التخويف من الفقر فلهذا قال.

الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ.

وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة- أى همة وخطرة تقع في القلب- فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ .

هذا ما يعده الشيطان للإنسان، فما الذي يعده الله- تعالى- لعباده؟ لقد بين- سبحانه- ذلك فقال: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

أى: إذا كان الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، فالله- تعالى- يعدكم مغفرة منه لذنوبكم على ما تنفقونه من أموالكم في سبيله ففي الحديث الشريف «الصدقة تطفئ الخطيئة» . ويعدكم- أيضا- فَضْلًا أى نماء وزيادة في أموالكم، فإن الصدقات تزيد البركة في الرزق فيصير القليل منه في يد السخي كثيرا بتوفيق الله وتأييده.

وصدر له سبحانه- الجملة بلفظ الجلالة، للإشارة إلى أن الوعد الذي وعد به المنفقين وعد حق لا يمكن أن يخالطه شك أو ريب، لأنه وعد من الله الذي لا يخلف وعده، وإذا كان الشيطان يهدد الناس بالفقر عند العطاء، ويأمرهم بالفحشاء، فالله- تعالى- يبشر عباده بمغفرته ورضوانه، بسبب اتفاقهم في السراء والضراء ويعدهم على ذلك بالرزق الوفير، والفضل الكبير في الدنيا والآخرة.

وقد ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ تأكيدا لوعده الذي وعد به عباده المتقين المتصدقين بأن يزيدهم من فضله، أى والله- تعالى- واسع الجود والعطاء والرحمة، وسيحقق لكم ما وعدكم به من المغفرة وتضعيف ما تنفقونه، وهو مع ذلك عليم بأحوال عباده صغيرها وكبيرها، وسيجازى الذين اتبعوا أوامره بجزيل الثواب، كما سيجازى الذين اتبعوا وسوسة الشيطان بسوء العذاب.

وقوله : ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا هناد بن السري ، حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن للشيطان للمة بابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان " . ثم قرأ : ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ) الآية .

وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما جميعا ، عن هناد بن السري .

وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلى الموصلي ، عن هناد ، به . وقال الترمذي : حسن غريب ، وهو حديث أبي الأحوص يعني سلام بن سليم لا نعرفه مرفوعا إلا من حديثه . كذا قال . وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن رسته ، عن هارون الفروي ، عن أبي ضمرة عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن مسعود ، مرفوعا نحوه .

ولكن رواه مسعر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن ابن مسعود . فجعله من قوله ، والله أعلم .

ومعنى قوله تعالى : ( الشيطان يعدكم الفقر ) أي : يخوفكم الفقر ، لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله ، ( ويأمركم بالفحشاء ) أي : مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق ، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق ، قال [ الله ] تعالى : ( والله يعدكم مغفرة منه ) أي : في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء ) وفضلا ) أي : في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر ) والله واسع عليم )

القول في تأويل قوله : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا

قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: " الشيطان يعدكم "، أيها الناس- بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم (85) - أن تفتقروا=" ويأمركم بالفحشاء "، يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل، وترك طاعته= (86) " والله يعدكم مغفرة منه " (87) يعني أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون=" وفضلا " يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم. (88) .

كما:-

6168 - حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اثنان من الله، واثنان من الشيطان: " الشيطان يعدكم الفقر "، يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه= ويأمركم بالفحشاء " والله يعدكم مغفرة منه "، على هذه المعاصي=" وفضلا " في الرزق.

6169 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا "، يقول: مغفرة لفحشائكم، وفضلا لفقركم.

6170 - حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، &; 5-572 &; عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة من ابن آدم، وللملك لمة: فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ". (89)

&; 5-573 &;

6171 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير بن سليمان، قال: حدثنا عمرو، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، قال: إن للإنسان من الملك لمة، ومن الشيطان لمة. فاللمة من الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، واللمة من الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وتلا عبد الله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا "= قال عمرو: وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئا، فليستغفر الله وليتعوذ من الشيطان. (90) .

6172 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص= أو عن مرة= قال: قال عبد الله: ألا إن للملك لمة وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وذلكم بأن الله يقول: (91) .

" الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "، فإذا وجدتم من هذه شيئا فاحمدوا الله عليه، وإذا وجدتم من هذه شيئا فتعوذوا بالله من الشيطان. (92) .

&; 5-574 &;

6173 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء "، قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله؛ ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله. (93) .

6174 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني أن ابن مسعود قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاده بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. (94) فمن أحس من لمة الملك شيئا فليحمد الله عليه، ومن أحس من لمة الشيطان شيئا فليتعوذ بالله منه. ثم تلا هذه الآية: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ". (95) .

6175 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن فطر، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن عبد الله، بنحوه. (96) .

&; 5-575 &;

6176 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن للشيطان لمة، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه. ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان. ثم قرأ: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ". (97) .

* * *

القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: " والله واسع " الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه= (98) " عليم " بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدقون بها، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم.

-------------------

الهوامش :

(85) قوله : "بالصدقة..." ، أي بسبب الصدقة ، وهي جملة فاصلة ، والسياق"يعدكم... أن تفتقروا" ، كما هو بين .

(86) انظر ما سلف في تفسير"الفحشاء" 3 : 302 .

(87) انظر تفسير"المغفرة" ، فيما سلف من فهارس اللغة .

(88) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف 2 : 344 /ثم 5 : 164 .

(89) الحديث : 6170 -أبو الأحوص : هو سلام بن سليم الكوفي الحافظ . سبق توثيقه : 20158 .

عطاء بن السائب : مضى في : 158 ، 4433 أنه تغير في آخر عمره ، وأن من سمع منه قديما فحديثه صحيح . والظاهر من مجموع كلامهم أن اختلاطه كان حين قدم البصرة . قال أبو حاتم : "في حديث البصريين عنه تخاليط كثيرة ، لأنه قدم عليهم في آخر عمره" . وعطاء كوفي ، والراوي عنه هنا أبو الأحوص كوفي أيضًا . فالظاهر أنه سمع منه قبل الاختلاط .

مرة : هو مرة الطيب ، وهو ابن شراحيل الهمداني الكوفي . مضت ترجمته : 2521 .

عبد الله : هو ابن مسعود .

والحديث رواه الترمذي 4 : 77 -78 ، عن هناد -وهو ابن السري ، شيخ الطبري هنا -بهذا الإسناد . وقال : "هذا حديث حسن غريب [وفي بعض نسخه : حسن صحيح غريب] . وهو حديث أبي الأحوص . لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص" .

وذكره ابن كثير 2 : 44 ، من رواية ابن أبي حاتم ، عن أبي زرعة ، عن هناد . ووقع في إسناده هناك تخليط من الناسخين . ثم أشار إلى بعض رواياته مرفوعا وموقوفا .

وذكر ابن كثير أنه رواه أيضًا النسائي في كتاب التفسير من سننه ، عن هناد بن السري . وأنه رواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلي الموصلي ، عن هناد . وكتاب التفسير في النسائي إنما هو في السنن الكبرى .

وذكره السيوطي 1 : 348 ، وزاد نسبته لابن المنذر ، والبيهقي في الشعب .

وسيأتي بنحوه ، موقونا على ابن مسعود : 6171 ، 6172 ، 6174 ، 6176 ، من رواية عطاء ، عن مرة ، عن مسعود . ويأتي موقونا أيضًا : 6173 ، من رواية الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن مسعود . و : 6175 ، من رواية المسيب بن رافع ، عن عامر بن عبدة ، عن ابن مسعود .

وكأن الترمذي -وتبعه ابن كثير -يريدان الإشارة إلى تعليل هذا الإسناد المرفوع ، برواية الحديث موقوفا . ولكن هذه علة غير قادحة بعد صحة الإسناد . فإن الرفع زيادة من ثقة ، فهي مقبولة .

وأيضًا : فإن هذا الحديث مما يعلم بالرأي ، ولا يدخله القياس ، فلا يعلم إلا بالوحي من المعصوم صلى الله عليه وسلم . فالروايات الموقوفة لفظا ، هي مرفوعة حكما .

(90) الحديث : 6171 -الحكم بن بشير بن سلمان : مضت ترجمته في : 1497 . ووقع اسم جده في المطبوعة هنا"سليمان" ، وهو خطأ .

عمرو : هو ابن قيس الملائي . مضت ترجمته في : 886 .

والحديث في معنى ما قبله . وهو هنا موقوف لفظا ، ولكنه مرفوع حكما ، كما ذكرنا . ولكن قول عمرو بن قيس في آخره : "وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال..." -يكون بلاغا منقطعا في هذا الإسناد ، وأن كان صحيحا في ذاته بالأسانيد الأخر .

(91) في المطبوعة : "وذلكم بأن الله..." بزيادة واو ، وأثبت ما في المخطوطة .

(92) الحديث : 6172 -أبو الأحوص -شيخ عطاء بن السائب : هو عوف بن مالك ابن نضلة ، وهو تابعي ثقة معروف ، وثقه ابن معين وغيره .

وتردد عطاء بن السائب في أنه عن"أبي الأحوص" هذا ، أو عن"مرة الطيب" -لا يؤثر في صحة الحديث ، فأنه انتقال من ثقة إلى ثقة . ولعله مما أخطأ فيه عطاء ، لأن ابن علية بصري ، فيكون ممن سمع منه بعد تغيره . وقد نص على ذلك الدار قطي ، كما في ترجمة عطاء في التهذيب .

ولكن ذكر ابن كثير 2 : 44 أنه رواه"مسعر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن ابن مسعود . فجعله من قوله . فهذا يثبت حفظ رواية عطاء إياه عن أبي الأحوص أيضًا . لأن مسعر بن كدام كوفي قديم ، من طبقة شعبة والثوري ، فهو ممن سمع من عطاء قبل تغيره .

ولم يشر ابن كثير إلى شيء من الروايات الموقوفة لهذا الحديث ، إلا إلى رواية مسعر وحده . والروايات الموقوفة بين يديه في الطبري ستة كما ترى .

(93) الحديث : 6173 -وهذا إسناد صحيح آخر للحديث ، من وجه آخر ، يؤيد رواية عطاء بن السائب . وهو وإن كان موقوفا لفظا فهو مرفوع حكما ، كما قلنا من قبل .

(94) في المطبوعة : "إيعاد بالخير ... إيعاد بالشر" بغير إضافتها إلى الضمير . وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب . وصواب أيضًا يقرآا جميعا"ايعادةٌ" ، على معنى المرة من"الإيعاد" .

(95) الحديث : 6174 -وهذا إسناد صحيح . لأن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل تغيره ، كما نص عليه يعقوب بن سفيان وابن الجارود ، في نقل التهذيب عنهما 7 : 207 .

(96) الحديث : 6175 -فطر -بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة وآخره راء : هو ابن خليفة الكوفي ، وهو ثقة ، وثقه أحمد ، وابن معين ، وغيرهما .

المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي : تابعي ثقة ، مضى في : 128 .

عامر بن عبدة -بفتح العين المهملة والباء الموحدة -البجلي ، أبو إياس الكوفي : تابعي ثقة ، والكني للدولابي 1 : 115 ، والمشتبه للذهبي ، ص : 339 .

وهذا إسناد ثالث للحديث صحيح ، من وجه آخر ، يؤيد روايات عطاء عن مرة ، وأبي الأحوص عن ابن مسعود ، ورواية الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن مسعود .

(97) الحديث : 6176 -وهذا إسناد حسن ، لأن سماع جرير -وهو ابن عبدالحميد الضبي -من عطاء كان بعد تغيره ولكنه يرتفع إلى درجة الصحة بالمتابعات السابقة الصحيحة .

(98) انظر تفسير"واسع عليم"فيما سلف 2 : 537 /ثم 5 : 516 .

التدبر :

وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ ترك النفقة خشية الفقر وسوسة شيطانية.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ الخوف من الفقر من أهم أسلحة الشيطان, ومنه استدرج الناس إلى أكل الحرام, ومنعهم من الإنفاق الواجب.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ يخوفنا بفقر المال، بفقر الفرص، فقر الفرص والسعادة، فقر الفرج؛ لا تصدقوه، الحياة غنية بفضل الله، مكتظة بالخير واليسر والأفراح.
عمل
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ لا تصدق وعد الشيطان بفقر المال، وفقر الوظائف، وفقر الفرص؛ فضل الله واسع، وبابه سبحانه مفتوح.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ حينما تهم بالصدقة ثم تتراجع عنها خشية الفقر؛ فاعلم أن شيطانك نجح في مهمته.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ الخوف من الفقر إنما هو وسوسة شيطانية؛ فلا تجعل الفقرَ سببًا لتركك الإنفاق والأعمال الصالحة.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ ضعف التوكل يورث الخوف والقلق على الرزق في المستقبل، فيتجرع آلام الفقر قبل وقوعه وإن كان غنيًا، وهذا من استدراج الشيطان ووحيه.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ ليس للشَّيطان سلاح للإنسان مثل خوفِ الفقر، فإذا وقَع في قلب الإنسان منَعَ الحقّ، وتكلَّم بالهوى، وظنَّ بربِّه ظنَّ السوء.
عمل
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ تذكر صدقةً أنت متردد فيها، وتصدق بها اليوم إرغامًا للشيطان.
لمسة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ قدم الفاعل (الشَّيْطَانُ) على فعله (يَعِدُكُمُ)، ولم يقل: (يعدكم الشيطان)؛ لأن في تقديم اسم الشيطان وابتداء الآية به إيذانًا للمؤمن بذمّ الحُكم الذي سيأتي بعده، لتحذر الوقوع به، أنت تحذر فتقول: اللِّص في دار صديقك، ولا تقول: في دار صديقك اللِّص.
وقفة
[268] الشيطان يبدأ بالإنسان خطوات قصيرة لكن بعد فترة يتبين للإنسان إن الشيطان قاده للفجور والخنا والفقر وأوقعه المهالك والرّدى قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ إلى هذه الدرجة إذا وقع الإنسان في شراك الفقر استحكم عليه الشيطان.
وقفة
[268] في أزمتك المالية يأتي الشيطان ليقنعك بالإمساك عن بذل المال ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾.
وقفة
[268] ستقرأ في تسعين موضعًا من القرآن أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وستقرأ في موضع واحد: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ﴾ الشيطان له مدخل في التثبيط للإنسان عن الإنفاق في سبيل الله، وهو مع ذلك يأمر بالفحشاء، وهي المعاصي، والإنفاق فيها.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ﴾ قدَّم وعد الشيطان على أمره؛ لأنه بالوعد يحصل الاطمئنان إليه، فإذا اطمأن إليه، وخاف الفقر؛ تسلط عليه بالأمر.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ﴾ قيمة الوقت لا تقدر بثمن، فهو أغلى ما يملكه المؤمن؛ لأنه رأس ماله الحقيقي في هذه الدنيا، والمسلم يتاجر في عمره مع الله، فتلك التجارة الرابحة التي لن تبور، وقد يخدعه الشيطان فيتاجر معه فيخسر.
تفاعل
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ﴾ تأمل كيف جعل المغفرة في مقابل الفقر، فالاستغفار طريق الغنى.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ وما يَضرك وعد الشَّيْطَان مع ضمان الرحمن؟!
وقفة
[268] تأمل هذا التقابل العجيب: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾، ثم التفت إلى قلبك حين تهم بالنفقة، فإن وجدت ميلًا لوعد الشيطان؛ فانظر كيف ضمن الله لهؤلاء الذين أطلقوا أيديهم في إنفاق أموالهم دون التفات لتخويف الشيطان، فإن لم تؤثر فيك هذه الضمانات الربانية فابك على إيمانك وموت قلبك.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ مخاوفك المالية كلها من الشيطان، سيفرجها الله ويُغنيك إنه وعد الله: ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ هذا وعد الشيطان في الإنفاق, وهذا وعد الله: ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾، فلينظر صاحب المال بأي الوعدين يثق!!
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ فهذا وعد الله، وذاك وعد الشيطان؛ فلينظر البخيل والمنفق: أي الوعدين هو أوثق، وإلى أيهما يطمئن قلبه، وتسكن نفسه، والله يوفق من يشاء ويخذل من يشاء، وهو الواسع العليم.
وقفة
[268] ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ المؤمنون بالله تعالى حقًّا واثقون من وعد الله وثوابه، فهم ينفقون أموالهم ويبذلون بلا خوف ولا حزن ولا التفات إلى وساوس الشيطان كالتخويف بالفقر والحاجة.
وقفة
[268] أبواب التشاؤم لا يفتحها إلا الشياطين؛ لقوله تعالى: ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ قدمت المغفرة، إن غفرت الذنوب جاءتك الفضائل، استغفر الله.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ إذا كنت قلقًا من ذنوبك فقد وعدك بالمغفرة فاستغفر، وإن كنت تخاف الفقر فقد وعدك بفضله، فلا تقلق.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ قدم المغفرة؛ لأنها أغلى جائزة, وهي مفتاح باب العطايا التي تحول دونها الذنوب.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ إذا غفرت الذنوب اقبلت الخيرات والفضائل، فيا طالب الرزق دونك باب الاستغفار.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ كلما خيم عليك ظلام التشاؤم؛ فاكشف ظلماته بتذكر هذا الوعد من الله، ربك لا يخلف ميعاده، فضل الله في الطريق.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ الصدقة لا تنقص المال بل تزده.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ تفاءل غدًا أجمل، غدًا أجمل؛ لأنك في معية الله وفي حفظه ورعايته، فلن يضيعك، ولن يهملك، ولن يغفل عن رزقك، فتفاءل وتوقع الأجمل والأفضل في كل شيء، فإنه سبحانه يُحب المُتفائلين ويُعطيهم على تفاؤلهم، ثق بوعد ربك.
تفاعل
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ سَل الله من فضله.
وقفة
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ترددك في الإنفاق ومخاوفك تزول عند تذكر وعد الله الواسع العليم.
عمل
[268] ﴿وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ لا تقلق؛ فالرزق بيد الله.
وقفة
[268، 269] بعد آيات الحث على الصدقة وقوله: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾، جاءت آية: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾، فهل يصح أن نعد الحكمة عطاء من الله للمتصدق؟ الجواب: الأقرب في مناسبة ذكر الحكمة هنا هو أنها الدافع للمتصدق، وليست جزاء، فصدقته بتوفيق الله له أولًا أن وفقه لوضع المال في محله.

الإعراب :

  • ﴿ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ:
  • الشيطان: مبتدأ مرفوع بالضمة يعدكم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. أول والميم: علامة جمع الذكور. الفقر: مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ:
  • معطوفة بالواو على «يَعِدُكُمُ» وتعرب اعرابها بالفحشاء: جار ومجرور متعلق بيأمركم. أي بالمعاصي أو بالبخل
  • ﴿ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً:
  • معطوفة بالواو على «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ» وتعرب اعرابها مع الفارق في المعنى.
  • ﴿ مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «مَغْفِرَةً» ومن: حرف جّر بياني. وفضلا: معطوفة بالواو على «مَغْفِرَةً» وتعرب اعرابها. الواو: استئنافية. ولفظ الجلالة «اللَّهُ» مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ واسِعٌ عَلِيمٌ:
  • خبران للمبتدأ «لفظ الجلالة» مرفوعان بالضمة ويجوز اعراب «عَلِيمٌ» صفة لواسع. '

المتشابهات :

البقرة: 115﴿وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
البقرة: 247﴿وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
البقرة: 261﴿فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
البقرة: 268﴿وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
آل عمران: 73﴿ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
المائدة: 54﴿هِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
النور: 32﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [268] لما قبلها :     وبعد الترغيب في الإنفاق من جيدِ الأموالِ لا الرديء؛ جاء هنا التحذير من الشيطان الذي يقول له: إذا أنفقت الأجود صرت فقيرًا، قال تعالى:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [269] :البقرة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن ..

التفسير :

[269] يؤتي الله الإصابة في القول والفعل مَن يشاء من عباده، ومَن أنعم الله عليه بذلك فقد أعطاه خيراً كثيراً. وما يتذكر هذا وينتفع به إلا أصحاب العقول المستنيرة بنور الله وهدايته.

لما أمر تعالى بهذه الأوامر العظيمة المشتملة على الأسرار والحكم وكان ذلك لا يحصل لكل أحد، بل لمن منَّ عليه وآتاه الله الحكمة، وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع وحكمها، وإن من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا وأي خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما! وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء، فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك، ولما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد للحق، فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه، انقسم الناس قسمين قسم أجابوا دعوتهم فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه، وما يضرهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامة، وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم، بل أجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد، وتركوا طاعة رب العباد، فهؤلاء ليسوا من أولي الألباب، فلهذا قال تعالى:( وما يذكر إلا أولو الألباب ) .

ثم قال- تعالى-: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.

قال الإمام الرازي: «اعلم أنه- تعالى- لما ذكر في الآية المتقدمة أن الشيطان يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء، وأن الرحمن يعد بالمغفرة والفضل نبه على أن الأمر الذي أوجب لأجله ترجيح وعد الرحمن على وعد الشيطان هو أن وعد الرحمن ترجحه الحكمة والعقل ووعد الشيطان ترجحه الشهوة والنفس من حيث إنهما يأمران بتحصيل اللذة الحاضرة واتباع أحكام الخيال والوهم.

ولا شك أن حكم الحكمة والعقل هو الحكم الصادق المبرأ عن الزيغ والخلل، وحكم الشهوة والنفس يوقع الإنسان في البلاء، فكان حكم الحكمة والعقل أولى بالقبول، فهذا هو وجه النظم» .

والْحِكْمَةَ مشتقة من حكم بمعنى منع، لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الخطأ والضلال ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس حكمة لأنها تمنعه من الجموح. أو هي في الأصل مصدر من الإحكام وهو الإتقان في علم أو عمل أو قول أو فيها كلها.

والحكمة بالنسبة للإنسان صفة نفسية هي أساس المعرفة السليمة التي توافق الحق، وتوجه الإنسان نحو عمل الخير، وتمنعه من عمل الشر، فهي فيه مانعة ضابطة تسير به نحو الكمال والاستقامة وللعلماء في المراد بها في الآية الكريمة أقوال كثيرة أرجحها أن المراد بها إصابة الحق في القول والعمل، أو هي العلم النافع الذي يكون معه العمل به.

والمعنى: أن الله- تعالى- الفاعل لكل شيء يؤت الحكمة لمن يشاء من عباده وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لأن الإنسان إذا أوتى الحكمة يكون قد اهتدى إلى العلم النافع، وإلى العمل الصالح الموافق لما علمه، وإلى الإيمان بالحق وإلى الاستجابة لكل خير والابتعاد عن كل شر، وبذلك يكون سعيدا في دنياه وأخراه.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد- أى لا غبطة- إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله- تعالى- الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها» .

ثم قال- تعالى-: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.

والألباب جمع لب وهو في الأصل خلاصة الشيء وقلبه، وأطلق هنا على عقل الإنسان لأنه أنفع شيء فيه.

والمراد بأولى الألباب هنا أصحاب العقول السليمة التي تخلصت من شوائب الهوى، ودوافع الشر، فقد جرت عادة القرآن ألا يستعمل هذا التعبير إلا مع أصحاب العقول المستقيمة.

أى: وما يتعظ بهذه التوجيهات القرآنية، وينتفع بثمارها إلا أصحاب العقول الراجحة والنفوس الصافية التي اهتدت إلى الحق وعملت به، والتي أنفقت في سبيل الله أجود الأموال وأطيبها لا أصحاب العقول الفاسدة التي استحوذ عليها الشيطان فأنساها ذكر الله، والتي ترى أن البخل بالمال هو الحكمة، وأن الإنفاق في سبيل الله هو نوع من الإسراف والتبذير.

فالجملة الكريمة تذييل قصد به مدح أولئك المؤمنين الصادقين، الذين استجابوا لتوجيهات دينهم، فأصابوا الحق في أقوالهم وأعمالهم.

ثم بين- سبحانه- أنه عليم بما ينفقه المنفقون من صدقات سواء أكانت سرا أو جهرا وسيجازيهم عليها بما يستحقون من ثواب فقال- تعالى-:

وقوله : ( يؤتي الحكمة من يشاء ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله .

وروى جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مرفوعا : الحكمة : القرآن . يعني : تفسيره ، قال ابن عباس : فإنه [ قد ] قرأه البر والفاجر . رواه ابن مردويه .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يعني بالحكمة : الإصابة في القول .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : ( يؤتي الحكمة من يشاء ) ليست بالنبوة ، ولكنه العلم والفقه والقرآن .

وقال أبو العالية : الحكمة خشية الله ، فإن خشية الله رأس كل حكمة .

وقد روى ابن مردويه ، من طريق بقية ، عن عثمان بن زفر الجهني ، عن أبي عمار الأسدي ، عن ابن مسعود مرفوعا : " رأس الحكمة مخافة الله " .

وقال أبو العالية في رواية عنه : الحكمة : الكتاب والفهم . وقال إبراهيم النخعي : الحكمة : الفهم . وقال أبو مالك : الحكمة : السنة . وقال ابن وهب ، عن مالك ، قال زيد بن أسلم : الحكمة : العقل . قال مالك : وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله ، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله ، ومما يبين ذلك ، أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا نظر فيها ، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه ، عالما بأمر دينه ، بصيرا به ، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا ، فالحكمة : الفقه في دين الله .

وقال السدي : الحكمة : النبوة .

والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة ، بل هي أعم منها ، وأعلاها النبوة ، والرسالة أخص ، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع ، كما جاء في بعض الأحاديث : " من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه " . رواه وكيع بن الجراح في تفسيره ، عن إسماعيل بن رافع عن رجل لم يسمه ، عن عبد الله بن عمر وقوله .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ويزيد قالا : حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها " .

وهكذا رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد ، به .

وقوله : ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) أي : وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل يعي به الخطاب ومعنى الكلام .

القول في تأويل قوله : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم، فقد أوتي خيرا كثيرا.

* * *

واختلف أهل التأويل في ذلك.

فقال بعضهم،" الحكمة " التي ذكرها الله في هذا الموضع، هي: القرآن والفقه به.

* ذكر من قال ذلك:

6177 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.

6178 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء "، قال: الحكمة: القرآن، والفقه في القرآن.

6179 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا "، والحكمة: الفقه في القرآن.

6180 - حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: &; 5-577 &; " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا "، قال: الكتاب والفهم به. (99) .

6181 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء " الآية، قال: ليست بالنبوة، ولكنه القرآن والعلم والفقه.

6182 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الفقه في القرآن.

* * *

وقال آخرون: معنى " الحكمة "، الإصابة في القول والفعل.

* ذكر من قال ذلك:

6183 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت مجاهدا قال: " ومن يؤت الحكمة "، قال: الإصابة.

6184 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " يؤتي الحكمة من يشاء "، قال: يؤتي إصابته من يشاء.

6185 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يؤتي الحكمة من يشاء "، قال: الكتاب، يؤتي إصابته من يشاء .

* * *

&; 5-578 &;

وقال آخرون: هو العلم بالدين.

* ذكر من قال ذلك:

6186 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: " يؤتي الحكمة من يشاء " العقل في الدين، وقرأ: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ".

6187 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الحكمة: العقل.

6188 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: وما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له.

* * *

وقال آخرون: " الحكمة " الفهم.

* ذكر من قال ذلك:

6190 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، قال: الحكمة: هي الفهم. (100) .

* * *

وقال آخرون: هي الخشية.

* ذكر من قال ذلك:

6191 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة " الآية، قال: " الحكمة " الخشية، لأن رأس كل شيء خشية الله. وقرأ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . [ سورة فاطر: 28].

* * *

&; 5-579 &;

وقال آخرون: هي النبوة.

* ذكر من قال ذلك:

6192 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة "، الآية، قال: الحكمة: هي النبوة.

* * *

وقد بينا فيما مضى معنى " الحكمة "- وأنها مأخوذة من " الحكم " وفصل القضاء، وأنها الإصابة - بما دل على صحته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع. (101) .

* * *

وإذا كان ذلك كذلك معناه، (102) كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلا فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة. وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهما خاشيا لله فقيها عالما، (103) .

وكانت النبوة من أقسامه. لأن الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في بعض الأمور،" والنبوة " بعض معاني" الحكمة ".

* * *

فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا.

* * *

القول في تأويل قوله : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (269)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما يتعظ بما وعظ به ربه في هذه الآيات = التي وعظ فيها المنفقين أموالهم بما وعظهم به غيرهم= (104) فيها وفي غيرها من آي كتابه= (105) فيذكر وعده ووعيده فيها، فينـزجر عما زجره عنه ربه، ويطيعه فيما أمره به=" إلا أولوا الألباب "، يعني: إلا أولوا العقول، الذين عقلوا عن الله عز وجل أمره ونهيه. (106) .

فأخبر جل ثناؤه أن المواعظ غير نافعة إلا أولي الحجا والحلوم، وأن الذكرى غير ناهية إلا أهل النهي والعقول.

------------------------------

الهوامش :

(99) الأثر : 6180 -"محمد بن عبد الله الهلالي" هو : محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي ، أبو مسعود البصري ، روي عن جده عبيد بن عقيل ، وعثمان بن عمر بن فارس ، وعمرو ابن عاصم الكلابى وغيرهم ، وروى عنه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه وغيرهم . قال النسائي : "لا بأس به" . وقال مسلمة : "ثقة" . "مسلم بن إبراهيم" الأزدي الفراهيدي ، أبو عمرو البصري الحافظ . قال ابن معين : "ثقة مأمون" . وكان يقول : "ما أتيت حلالا ولا حراما قط" ، وقال أبو حاتم : "كان لا يحتاج إليه" . وكان من المتقنين . مات سنة 222 . "مهدي بن ميمون" الأزدي المعولي . كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 171 . "شعيب بن الحبحاب" و"المعولي" بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو .

وكان في المطبوعة : "والفهم فيه" . وهي صواب في المعنى ، جيد في العربية وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أيضًا صواب جيد .

(100) الأثر : 6190 -"أبو حمزة" هو أبو حمزة الأعور القصاب الكوفي ، وهو صاحب إبراهيم النخعي . قال البخاري : "ليس بذاك" . وقال : "ضعيف ذاهب الحديث" . قال أبو موسى : "ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن : سفيان ، عن أبي حمزة ، قط" . وقال ابن عدي : "وأحاديثه خاصة عن إبراهيم ، مما لا يتابع عليه" . مترجم في التهذيب .

(101) انظر تفسير"الحكمة"فيما سلف 3 : 87 ، 88 ، 211 /ثم 5 : 15 ، 16 ، 371 .

(102) في المطبوعة : "فإذا كان ذلك..." بالفاء ، ولا معنى لتغيير ما هو في المخطوطة .

(103) في المطبوعة : "فهما خاشيا..." . وفي المخطوطة : "ففهما" ، والصواب قراءتها كما أثبت ، بدليل معناه الذي أراده ، من إدخال الأنبياء في معنى ذلك ، وبدليل قوله بعد : "مفهمون..." .

(104) في المطبوعة : "بما وعظ به غيرهم" ، وهو غير مستقيم تمام الاستقامة في السياق . وفي المخطوطة : "بما وعظهم به غيرهم" ، والصواب أن تزاد"الواو" قبل"غيرهم" ، ليستقيم السياق .

(105) سياق الجملة : "وما يتعظ بما وعظه به ربه في هذه الآيات... فيذكر وعده ووعيده..." وما بينهما فصل .

(106) انظر تفسير"الألباب"فيما سلف 3 : 383 / 4 : 162 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[269] ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ الحكمة هي السنة النبوية في قول كثير من المفسرين, وعليه فمن حفظ السنة وميز صحيحها من ضعيفها فقد آتاه الله نصيبًا وافرًا من الحكمة.
وقفة
[269] ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ قال ابن عباس: «المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله».
تفاعل
[269] ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ سل الله الحكمة، فقل مثلًا: «اللهم ارزقني حكمةً تهديني بها لكل خير».
عمل
[269] الحكمة هِبَةٌ ربَّانية يمنحها الله من يشاء من عباده؛ فسل الله إياها، تدبّر: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾.
وقفة
[269] من تصدق كان حكيمًا، وأوتي الحكمة؛ فقد ذكر الله آية: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ بعد آيات الصدقة.
وقفة
[269] ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ كلما كان الإنسان بعيدًا عن المعاصي جعل الله له حكمةً وفراسةً وصفاءً في ذهنه ورقة في قلبه.
وقفة
[269] ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ كمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية، فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك.
وقفة
[269] ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ قال ابن عباس وأبو الدرداء وقتادة وسعيد وغيرهم: «الحكمة: الفقه في القرآن».
عمل
[269] ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ اترك فضول الكلام توفق للحكمة.
عمل
[269] من أراد لنفسه خيرًا كثيرًا فليلتمس لها موارد الحكمة؛ قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، وهي مطلب المؤمن، وفي اﻷثر: «الحكمة ضالة المؤمن».
وقفة
[269] النفوس السوية تتعامل مع نوازل الأنفس والأموال بحكمة، وذلك بالإيمان والصبر والمبادرة والتفاؤل ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[269] من تمام العقل التعامل مع الأزمات المفاجئة بهدوء وحكمة وبعد نظر، حتى يتمكن الإنسان من التصرف السليم ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
تفاعل
[269] اللهم ارزقني حكمةً تهديني بها لكل خير ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[269] فسَّر ابن عباس رضي الله عنهما الحكمة في قول الله: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، بأنها فِهم القرآن والتفقّه فيه وتدبّر معانيه.
لمسة
[269] قال بعض الحكماء: من أُعطي العلم والقرآن ينبغي أن يعرف نفسه، ولا يتواضع لأصحاب الدنيا لأجل دنياهم؛ فإنما أُعطي أفضل مما أُعطي أصحاب الدنيا؛ لأن الله تعالى سمى الدنيا متاعًا قليلًا، فقال: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء: 77]، وسمى العلم والقرآن: ﴿خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وقفة
[269] ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ المواعظ غير نافعة إلا أولي الحجا والحلوم، وأن الذكرى غير ناهية إلا أهل النهي والعقول.

الإعراب :

  • ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ:
  • يؤتي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «يُؤْتِي» في محل رفع خبر ثالث للمبتدأ لفظ الجلالة الوارد في نهاية الآية الكريمة السابقة ويجوز اعراب هذه الجملة في محل نصب حالا. الحكمة: مفعول به أول منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مَنْ يَشاءُ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان للفعل «يُؤْتِي». يشاء: تعرب اعراب «يُؤْتِي» وجملة «يَشاءُ» صلة الموصول لا محل لها ومفعولها محذوف اختصارا.
  • ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يؤت: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه: حذف آخره «حرف العلة» والفعل مبني للمجهول ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. الحكمة: مفعول به منصوب بالفتحة وجملتا فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر المبتدأ «مَنْ».
  • ﴿ فَقَدْ أُوتِيَ:
  • الفاء: رابطة لجواب الشرط. قد: حرف تحقيق. أوتي: فعل ماض مبني للمجهول. مبني على الفتح. ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «فَقَدْ أُوتِيَ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
  • ﴿ خَيْراً كَثِيراً:
  • خيرا: مفعول به منصوب بالفتح المنون لأنه نكرة. كثيرا: صفة لخيرا منصوبة مثله بالفتح.
  • ﴿ وَما يَذَّكَّرُ:
  • الواو: استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. يذكر: فعل مضارع مرفوع بالضمة وأصله: يتذكر حذفت التاء تخفيفا.
  • ﴿ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ:
  • إلا: أداة حصر لا عمل لها. أولو: فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الألباب: مضاف اليه مجرور بالكسرة بمعنى إلا أصحاب العقول. مفردها: لب: أي عقل. '

المتشابهات :

البقرة: 269﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
آل عمران: 7﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
الرعد: 19﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ
الزمر: 9﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [269] لما قبلها :     وبعد الأمر بالإنفاق، وبيان ثوابه، والتحذير من الأمور التي تبطل ثواب الصدقات، والتحذير من وساوس الشيطان؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن معرفة ذلك لا تَحصُل لكلِّ أحد، بل لمن منَّ عليه فآتاه الحكمة، قال تعالى:
﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ

القراءات :

يؤتى الحكمة من يشاء:
وقرئ:
بالتاء، فى «يؤتى» ، و «يشاء» ، وهى قراءة الربيع بن خثيم، على الخطاب، وهو التفات، إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب.
ومن يؤت الحكمة:
قرئ:
1- مبنيا للمفعول الذي لم يسم فاعله، وهى قراءة الجمهور.
2- بكسر التاء مبنيا للفاعل، وهى قراءة يعقوب.
3- يؤته، بإثبات الضمير الذي هو المفعول الأول، وهى قراءة الأعمش.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف