45527282930313233343536373839404142

الإحصائيات

سورة ص
ترتيب المصحف38ترتيب النزول38
التصنيفمكيّةعدد الصفحات5.30
عدد الآيات88عدد الأجزاء0.26
عدد الأحزاب0.53عدد الأرباع2.10
ترتيب الطول39تبدأ في الجزء23
تنتهي في الجزء23عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 20/29ص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (27) الى الآية رقم (29) عدد الآيات (3)

لمَّا هَدَّدَ الضَّالينَ عن سبيلِه بعذابِ يومَ القيامةِ، أخبَرَ هنا أنَّ هذا اليومَ آتٍ، ثُمَّ بَيَّنَ عدمَ المساواةِ بينَ المؤمنينَ والكافرينَ، ثُمَّ بَيَّنَ فضلَ القرآنِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (30) الى الآية رقم (40) عدد الآيات (11)

القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ سليمانَ عليه السلام ، وذِكرُ واقعتين من وقائعِ توبتِه (عرض الخيل، وإلقاء الجسد)، ثُمَّ ذكرُ بعضِ نعمِ اللهِ عليه كتسخيرِ الرِّيحِ والشياطينِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (41) الى الآية رقم (42) عدد الآيات (2)

القصَّةُ الثالثةُ: قصَّةُ أيوبَ عليه السلام ، لنتعلَّمَ الصَّبرَ بعدَ أن تعلَّمْنَا الشُّكرَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة ص

العودة إلى الحق دون عناد/ تربية النبي ﷺ على الصبر والتذكير بالقرآن

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • تحدثت السورة عن ثلاثة أنبياء::   سؤال: هل عندما تخطئ تعود إلى الله مرة أخرى؟ أم تتكبر وتصر على رأيك؟
  • • عودة داود::   تحدثت السورة عن ثلاثة أنبياء حصلت أمامهم خصومات أو تسرّعوا في اتخاذ قراراتهم، لكنهم عادوا إلى الحق بسرعة، وهذه العودة إلى الله محمودة؛ لأن المتكبر لا يعود إلى الحق، وإذا رأى نفسه على خطأ فسوف يصر على موقفه عنادًا واستكبارًا، وفي ختام السورة نجد قصة إبليس، الذي كان رمزًا للاستكبار والعناد وعدم العودة إلى الله.
  • • عودة سليمان::   أول قصة ذكرت في السورة هي قصة داوود: ﴿وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (17)، وذات يوم اختصم أمامه خصمان، وقالا له: ﴿فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ﴾ (22)، فتعجّل داوود في الفتوى وحكم لأحدهما، لكن عودته كانت سريعة: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذٰلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـئَابٍ﴾ (24–25).
  • • عودة أيوب::   والقصة الثانية هي قصة سليمان بن داوود عليهما السلام: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَـٰنَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (30)، وترينا الآيات أيضًا سرعة إنابته: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ﴾ (31-32)، فلما رأى أن الخيل ألهته عن ذكر الله حتى غابت الشمس، قال: ﴿رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ﴾ (33)، فقرر ذبح الخيل كلها لهذا السبب. كما ترينا الآيات مشهدًا آخر من مشاهد إنابته عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ﴾ (34).
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «سورة ص».
  • • معنى الاسم ::   ص: حرف من الحروف الهجائية أو المقطعة التي ابتدأت بها 29 سورة، منها هذه السورة.
  • • سبب التسمية ::   للافتتاحها بهذا الحرف، وينطق (صاد).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة داود»؛ لاشتمالها على قصته، ولذكر اسمه فيه أكثر مما ذُكِرَ في غيرها، حيث ذُكر 5 مرات.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   العودة إلى الحق دون عناد.
  • • علمتني السورة ::   اعلم أن القرآن تذكرة لك في الدنيا: ﴿ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الخلاف لا يهدم سورَ الأخوَّةِ والحُبِّ أبدًا: ﴿إِنَّ هَـٰذَا أَخِي﴾ (23)؛ فرغمَ الخصومةِ وَصَفه بـ(أَخِي).
  • • علمتني السورة ::   أن علينا أن نقر بحقوق اﻵخرين قبل المطالبة بحقوقنا: ﴿إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي (ص)، وَقَالَ: سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة ص من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • احتوت السورة على السجدة الـ 11 من سجدات التلاوة -بحسب ترتيب المصحف- في الآية (24).
    • أول سورة من السور التي بدأت بالحروف المقطعة تبدأ بحرف واحد، وبعدها: ق بدأت بـ (ق)، والقلم بدأت بـ (ن).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • ألا نستحي من العودة إلى الحق، ولا نعاند.
    • أن نعتبر بالقرونِ الماضيةِ التي أهلكَها اللهُ: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ (3).
    • أن نصبر على أذى من آذانا: ﴿اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (17).
    • أن نتخذ وردًا من التسبيح وغيره من الأذكار في الصباح والمساء: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ (18).
    • أن نحذر اتباع الهوى؛ فهو سبب الضلال والإضلال، ونلزم العدل والحق في حكمنا: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (26).
    • أن نتدبر القرآن؛ ولا نتجاوز آيةً إلَّا وقد عَلِمنا ما فيها من العِلمِ والعملِ، وما لنا وما علينا: ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ (29).
    • أن نحذر أن ننشغل بشيء من الدنيا عن طاعة الله تعالى: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ (32).
    • ألا نتوقف عن نداء ربنا مهـما كان الألم: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ (41).
    • أن نستجيب لأوامر الله فورًا، لا كما فعل إبليس: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (73، 74).
    • ألا نسأل على دعوة الناس إلى الله أجرًا إلا من الله: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ (86).

تمرين حفظ الصفحة : 455

455

مدارسة الآية : [27] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا ..

التفسير :

[27] وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما عبثاً ولهواً، ذلك ظنُّ الذين كفروا، فويل لهم من النار يوم القيامة؛ لظنهم الباطل، وكفرهم بالله.

يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السماوات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلا، أي:عبثا ولعبا من غير فائدة ولا مصلحة.

{ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله.{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ.

وإنما خلق اللّه السماوات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل اللّه بين أهل الخير والشر.

والمراد بالباطل في قوله- تعالى-: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ...

العبث واللهو واللعب وما يخالف الحق، والجملة الكريمة مستأنفة لتقرير أن يوم القيامة حق، وأن كفر الكافرين به ضلال وجهل. وقوله باطِلًا صفة لمصدر محذوف، أو مفعول لأجله. أى: وما خلقنا- بقدرتنا التي لا يعجزها شيء- السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله- تعالى- ... ما خلقنا ذلك خلقا باطلا لا حكمة فيه، أو ما خلقناه من أجل متابعة الهوى وترك العدل والصواب.

وإنما خلقنا هذا الكون خلقا مشتملا على الحكم الباهرة، وعلى المصالح الجمة والأسرار البليغة، والمنافع التي لا يحصيها العد، والهيئات والكيفيات التي تهدى من يتفكر فيها إلى اتباع الحق والرشاد.

واسم الإشارة في قوله- سبحانه-: ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... يعود إلى ما نفاه- سبحانه- من خلقه للسموات والأرض وما بينهما على سبيل اللهو والعبث.

أى: نحن ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا خلقا مشتملا على الحكم الباهرة..

ولكن الذين كفروا هم الذين يظنون ويعتقدون أننا خلقنا هذه الكائنات من أجل الباطل واللهو واللعب.. وسبب هذا الظن والاعتقاد الفاسد منهم، كفرهم بالحق، وجحودهم ليوم القيامة وما فيه من حساب وثواب وعقاب، وإعراضهم عما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم من هدايات وإرشادات.

وقوله- تعالى-: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ بيان للعاقبة السيئة التي حلت بهم بسبب هذا الظن الفاسد.. فالفاء: للتفريع على ظنهم الباطل والويل: الهلاك والدمار.

ومِنَ ابتدائية أو بيانية أو تعليلية.

أى: القول بأن خلق هذا الكون خال من الحكمة، هو ظن واعتقاد الذين كفروا وحدهم، ومادام هذا مظنونهم ومعتقدهم فهلاك لهم كائن من النار التي نسلطها عليهم فتحرق أجسادهم، وتجعلهم يذوقون العذاب المهين.

وقال- سبحانه- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ... بالإظهار في مقام الإضمار، للإشعار بعلية صلة الموصول للحكم أى: أن هذا الويل والهلاك كائن لهم بسبب كفرهم.

وقال- سبحانه-: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ولم يقل للذين ظنوا للإشارة إلى أن ظنهم القبيح هذا، ما هو إلا نتيجة كفرهم وجحودهم للحق.

يخبر تعالى أنه ما خلق الخلق عبثا وإنما خلقهم ليعبدوه ويوحدوه ثم يجمعهم ليوم الجمع فيثيب المطيع ويعذب الكافر ولهذا قال تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا ) أي : الذين لا يرون بعثا ولا معادا وإنما يعتقدون هذه الدار فقط ، ( فويل للذين كفروا من النار ) أي : ويل لهم يوم معادهم ونشورهم من النار المعدة لهم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)

يقول تعالى ذكره: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ) عبثا ولهوا, ما خلقناهما إلا ليعمل فيهما بطاعتنا, وينتهى إلى أمرنا ونهينا.

( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقول: أي ظنّ أنَّا خلقنا ذلك باطلا ولعبا, ظنّ الذين كفروا بالله فلم يُوَحِّدُوه, ولم يعرفوا عظمته, وأنه لا ينبغي أن يَعْبَث, فيتيقنوا بذلك أنه لا يخلق شيئا باطلا.( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) يعني: من نار جهنم.

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾ لو لم يخلق الله الآخرة لذهب جهاد الصالحين سُدًّى، وعاد فساد المفسدين ذكاء وفطنة، وأفلت كل ظالم بظلمه، وكان الخلق باطلًا لا حكمة فيه.
وقفة
[27] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾ قال ابن القيم مما ملخصه: كيف يتوهم أنه عرفه من يقول أنه لم يخلق لحكمة، ولا أمر لحكمة، ولا نهى لحكمة، وإنما يصدر الخلق منه والأمر عن والأمر عن مشيئة وقدرة، لا لحكمة ولا لغاية، وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده؛ لأن الخلق والأمر مُظهران لحمده وحكمته، فإنكار الحكمة هو إنكار لحقيقة خلقه وأمره، وهذا من أقبح الظن وأسوئه بالرب سبحانه، وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور.
وقفة
[27] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من ظن أن الله خلق خلقًا أو فعل شيئًا لغير حكمة وبلا سبب، فقد أساء الظن بالله، وبدأ يسلك سكك الكافرين.
وقفة
[27] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ هذه الآية دليل على صحة القول بالبعث والحشر يوم القيامة.
تفاعل
[27] ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[27] ﴿فَوَيلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ﴾ (الويل) تهديد شديد اللهجة، وقيل الويل: هو وادٍ فى جهنم للكافرين، وإن كان هذا أو ذاك فيجب العمل لذلك اليوم؛ لتجنب هذا الويل.

الإعراب :

  • ﴿ وَما خَلَقْنَا:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. خلق: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ السَّماءَ وَالْأَرْضَ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والأرض:معطوفة بالواو على «السماء» منصوبة مثلها. وتعرب مثل اعرابها.
  • ﴿ وَما بَيْنَهُما:
  • الواو عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على السماء والارض و «بين» ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بمضمر تقديره: استقر او هو مستقر وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة و «ما» للتثنية. وجملة «استقر بينهما» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ باطِلاً:
  • صفة-نعت-لمصدر مفعول مطلق محذوف بتقدير: خلقا باطلا او تكون حالا منصوبة بالفتحة بتقدير: ما خلقنا الكون مبطلين عابثين اي:ذوي باطل. او تكون بمعنى «عبثا» فوضع «باطلا» موضعه. ويجوز ان تكون مفعولا له. بتقدير: للعبث واللعب ولكن خلقناهما للحق المبين.
  • ﴿ ذلِكَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. واللام للبعد والكاف للخطاب. وهي اشارة الى خلقها باطلا.
  • ﴿ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • خبر «ذلك» مرفوع بالضمة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. و «ظن» بمعنى: المظنون: اي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الكافرين. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كفروا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ:
  • الفاء سببية. ويل: مبتدأ مرفوع بالضمة. واللام حرف جر. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر «ويل» المحذوف.
  • ﴿ كَفَرُوا مِنَ النّارِ:
  • اعربت. من النار: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ويل» والويل اسم معنى كالهلاك الا انه لا يشتق منه فعل. اي انه في الاصل مصدر لا فعل له كالتحسر والهلاك. وقيل هو واد في جهنم. والمعنى: فالهلاك للكافرين من النار'

المتشابهات :

الدخان: 38﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
الأنبياء: 16﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
ص: 27﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا هَدَّدَ اللهُ الضَّالينَ عن سبيلِه بعذابِ يومَ القيامةِ؛ أخبَرَ هنا أنَّ هذا اليومَ آتٍ لا رَيْبَ فيه؛ لأنَّه لم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثًا، بل خلَقَهم لعبادتِه وتوحيدِه، ثمَّ يَجمَعُهم يومَ الجَمعِ فيُثيبُ المُطيعينَ، ويُعذِّبُ الكافِرين، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [28] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ..

التفسير :

[28] أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل أهل التقوى المؤمنين كأصحاب الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غير لائقة بحكمة الله وحُكْمه، فلا يستوون عند الله، بل يثيب الله المؤمنين الأتقياء، ويعاقب المفسدين الأشقياء.

ولا يظن الجاهل بحكمة اللّه أن يسوي اللّه بينهما في حكمه، ولهذا قال:{ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} هذا غير لائق بحكمتنا وحكمنا.

ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت استحالة المساواة بين الأخيار والفجار، فقال - تعالى-: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ.

و «أم» في الآية الكريمة منقطعة بمعنى بل الإضرابية، والهمزة للاستفهام الإنكارى.

والإضراب هنا انتقالي من تقرير أن هذا الكون لم يخلقه الله- تعالى- عبثا إلى تقرير استحالة المساواة بين المؤمنين والكافرين.

والمعنى: وكما أننا لم نخلق هذا الكون عبثا، كذلك اقتضت حكمتنا وعدالتنا.. استحالة المساواة- أيضا- بين المتقين والفجار.

وذلك لأن المؤمنين المتقين، قد قدموا لنا في دنياهم ما يرضينا، فكافأناهم على ذلك بما يرضيهم، ويسعدهم ويشرح صدورهم، ويجعلهم يوم القيامة خالدين في جنات النعيم.

أما المفسدون الفجار، فقد قدموا في دنياهم ما يغضبنا ويسخطنا عليهم، فجازيناهم على ذلك بما يستحقون من عذاب السعير.

وربك- أيها العاقل- «لا يضيع أجر من أحسن عملا» «ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون» .

فالمقصود بالآية الكريمة إعلان استحالة التسوية في الآخرة بين المؤمنين والكافرين، لأن التسوية بينهما ظلم، وهو محال عليه- تعالى-، وما كان البعث والجزاء والثواب والعقاب يوم القيامة إلا ليجزي- سبحانه- الذين أساءوا بما عملوا، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى.

ومن الآيات التي تشبه في معناها هذه الآية قوله- تعالى-: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ .

ثم بين تعالى أنه من عدله وحكمته لا يساوي بين المؤمن والكافر فقال : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) أي : لا نفعل ذلك ولا يستوون عند الله ، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع ويعاقب فيها هذا الفاجر . وهذا الإرشاد يدل العقول السليمة والفطر المستقيمة على أنه لا بد من معاد وجزاء فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت كذلك ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده فلا بد في حكمة الحكيم العليم العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة من إنصاف هذا من هذا . وإذا لم يقع هذا في هذه الدار فتعين أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء والمواساة . ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة

وقوله ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ ) يقول: أنجعل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمر الله به, وانتهوا عما نهاهم عنه ( كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ ) يقول: كالذين يشركون بالله ويعصونه ويخالفون أمره ونهيه.

( أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ ) يقول: الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه, فحذروا معاصيه ( كَالْفُجَّارِ ) يعني: كالكفار المنتهكين حرمات الله.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[28] ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ قال ابن كثير: «أي لا نفعل ذلك، ولا يستوون عند الله، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من دار أخرى يُثاب فيها هذا المطيع، ويعاقب فيها هذا الفاجر وهذا الإرشاد يدل على العقول السليمة والفطر المستقيمة، على أنه لا بد من معاد وجزاء، فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمد، فلا بد في حكمة الحكيم العليم العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة من إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعيّن أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء والمواساة».
وقفة
[28] ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ إن من فرَّق الله بينهم في العمل لا يمكن أن يسوِّيَ بينهم في الجزاء.
وقفة
[28، 29] لم يتدبر القرآن من لم يفرق بين مصلح ومفسد، ولا بين متقي وفاجر ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ نَجْعَلُ:
  • أم: حرف عطف وهي «أم» المتصلة للاضراب بمعنى «بل» ومعنى الاستفهام فيها للانكار. نجعل: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.
  • ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا:
  • اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «آمنوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ:
  • معطوفة بالواو على «آمنوا» وتعرب اعرابها.الصالحات: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لانه ملحق بجمع المؤنث السالم. بمعنى: عملوا الاعمال الصالحات فحذف الموصوف المفعول واقيمت الصفة مقامه.
  • ﴿ كَالْمُفْسِدِينَ:
  • الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب مفعول به ثان. المفسدين: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ:
  • جار ومجرور متعلق بالمفسدين. ام نجعل: تعرب اعراب أَمْ نَجْعَلُ» الاولى
  • ﴿ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. كالفجار: تعرب اعراب «كالمفسدين» وعلامة جر الاسم الكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     ولَمَّا أخبَرَ اللهُ أنَّ يوم القيامة آتٍ لا رَيْبَ فيه؛ لأنَّه لم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثًا؛ بَيَّنَ هنا أن حكمته قد اقتضت عدم المساواة بين الأخيار والفجار، قال تعالى:
﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [29] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا ..

التفسير :

[29] هذا الموحى به إليك -أيها الرسول- كتاب أنزلناه إليك مبارك؛ ليتفكروا في آياته، ويعملوا بهداياته ودلالاته، وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.

{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه اللّه.

{ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} أي:هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.

{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي:أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب.

ثم مدح- سبحانه- القرآن الكريم الذي أنزله على رسوله صلّى الله عليه وسلم وبين حكمة إنزاله، فقال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.

وقوله: كِتابٌ خبر لمبتدأ محذوف. والمقصود به القرآن الكريم.

أى: هذا كتاب أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ بقدرتنا ورحمتنا- أيها الرسول الكريم، ومن صفاته أنه مُبارَكٌ أى: كثير الخيرات والبركات..

وجعلناه كذلك لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ أى ليتفكروا فيما اشتملت عليه آياته من أحكام حكيمة، وآداب قويمة، وتوجيهات جامعة لما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم..

وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ أى: وليتعظ أصحاب العقول السليمة بما جاء فيه من قصص وعبر عن السابقين، كما قال- سبحانه-: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .

ثم ذكر- سبحانه- جانبا من قصة سليمان- عليه السلام- فمدحه لكثرة رجوعه إلى الله، وذكر بعض النعم التي منحها إياه، كما ذكر اختباره له. وكيف أن سليمان- عليه السلام- طلب من ربه المغفرة والملك، فأعطاه- سبحانه- ما طلبه. قال- تعالى-:

قال : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) أي : ذوو العقول وهي الألباب ، جمع لب ، وهو العقل .

قال الحسن البصري : والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده ، حتى إن أحدهم ليقول : قرأت القرآن [ كله ] ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله ( كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : وهذا القرآن ( كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ ) يا محمد ( مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) يقول: ليتدبَّروا حُجَج الله التي فيه, وما شرع فيه من شرائعه, فيتعظوا ويعملوا به.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة القراء: ( لِيَدَّبَّرُوا ) بالياء, يعني: ليتدبر هذا القرآن من أرسلناك إليه من قومك يا محمد. وقراءة أبو جعفر وعاصم " لتَدَّبَّرُوا آياته " بالتاء, بمعنى: لتتدبره أنت يا محمد وأتباعك.

وأولى القراءتين عندنا بالصواب في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ( وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ) يقول: وليعتبر أولو العقول والحِجَا ما في هذا الكتاب من الآيات, فيرتدعوا عما هم عليه مقيمين من الضلالة, وينتهوا إلى ما دلهم عليه من الرشاد وسبيل الصواب.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( أُولُو الألْبَابِ ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( أُولُو الألْبَابِ ) قال: أولو العقول من الناس، وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل بشواهده, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ وكل آيات القرآن مبارك فيها؛ لأنها: إمَّا مرشدة إلى خير، وَإمَّا صارفة عن شرٍّ وفساد، وذلك سبب الخير في العاجل والآجل، ولا بركة أعظم من ذلك.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾: فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ كل شئ يتصل بالقرآن فهوَ مبارك، الوقت الذي تبذله، الصحبة التي تكونها، الإنجازات التي تنجزها.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم كان الفهم لمعانيه أوفى المفهوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم.
وقفة
[29] تريد الهداية؟ عليك بالقرآن: ﴿إن هذا القرآن يهدي﴾ [الإسراء: 9]، تريد السعادة؟ عليك بالقرآن: ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ [طه: 2]، تريد البركة؟ عليك بالقرآن: ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك﴾.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ قال أحد المفسرين: «اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا».
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ بركة القرآن في تدبره.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ الحث على تدبر القرآن.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ التدبر هو الغاية العظمى من إنزال القرآن الكريم.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ استخراج واستجلاب (بركة) القرآن -التي من أهمها حصول الإيمان- سبيله وطريقه (تدبر) آياته وتأملها.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ ليس المهم أن يكون في جيبك مصحفٌ، إنما المهم أن يكون في أخلاقك آية.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ من تدبر القرآن أوتيَ العلم المبارك، وبارك الله له في الدارين.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ مِن بركاتِ القرآنِ: طلَّابُ حلقاتِ تعليمِ القرآنِ هم في المراتبِ الأولى دراسيًّا.
وقفة
[29] ﴿كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا آياتِهِ﴾ التدبر يجلب البركة.
وقفة
[29] إنك ما أعطيتَ القرآن من وقتك إلا بُورك لك في باقي أوقاتك ﴿كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا ءاياته﴾، وما زاحم القرآنُ شيءٌ قط إلا باركَه.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ هل هناك فرق في الأجر بين قراءة القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب؟ فأجاب الشيخ ابن باز: «لا أعلم دليلًا يفرق بينهما، وإنما المشروع التدبر وإحضار القلب، فإذا كانت القراءة عن ظهر قلب أخشع لقلبه، وأقرب إلى تدبر القرآن فهي أفضل، وإن كانت القراءة من المصحف أخشع لقلبه، وأكمل في تدبره كانت أفضل»، فتأمل -وفقك الله- كيف دار جواب الشيخ على حضور القلب والتدبر، فليتنا نتدبر هذا الجواب، لنتدبر أعظم كتاب.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ وظاهر هذه الآية يعطي أن التدبر من أسباب إنزال القرآن، فالترتيل إذًا أفضل من الهذِّ؛ إذ التدبر لا يكون إلا مع الترتيل.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فإن من لم يتدبر ولم يتأمل ولم يساعده التوفيق الإلهي، لم يقف على الأسرار العجيبة المذكورة في هذا القرآن العظيم.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ من تذكَّر بالقرآن فهو صاحبُ عقل، ومن لم يتذكَّر فليس له عقل رشد! وجه ذلك؛ أن الله جعل التذكُّرَ لمن اتصفوا بالعقول.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾﴾ وظيفة العقول هي التدبًّر للمنُزَّل، والتعقُّل لما دل عليه من المعنى؛ بقصد الاستفادة والعمل والاتباع.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فمن تدبَّر آياته، أدَّته إلى حقائق الأحكام، وتذكُّر أولي الألباب لا يكون إلا به.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يعينك على التدبر أن تقرأ وردك القرآني باحثًا عن الرسالة التي يريد الله أن يوجهها لك اليوم وتوقن أن فيها شفاء.
وقفة
[29] ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أصحاب العقول السليمة هم أهل الانتفاع والتذكر بالمواعظ.
وقفة
[29] التأمل في القرآن هو تحديث ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره، وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم، ولا تدبر، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[29] يجب على من عَلِمَ كتاب الله أن يزدجر بنواهيه، ويخشى الله ويتقيه، ويراقبه ويستحييه، فإنه حُمِّلَ أعباء الرسل، وصار شهيدًا في القيامة على من خالف من أهل الملل، فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه، أن يتلوه حق تلاوته، ويتدبر حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه، ويتبين غرائبه، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[29] فما أولانا بتدبر كتابه الكريم تدبر من يريد العلم ومن هو مؤمن بهذا الكتاب العظيم وأنه كلام الله حقًّا، قاصدين معرفة مراد ربهم عز وجل، والعمل بذلك عملًا بقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، مستشعرين قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]، وقوله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: 44].
وقفة
[29] من لا يتذكر ولا يتدبر كتاب الله فهو من لا يعقل في الحقيقة ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[29] ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: 155]، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُواْ الْأَلْبَابِ﴾ ضع هاتين الجملتين: (فَاتَّبِعُوهُ) و(لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ) بين قوسين؛ لعل قارئها يستشعر أن هاتين الآيتين هما جواز الداخل إلى أقطار القرآن، ويعرف حق القرآن عليه، ووظيفته التي يجب أن يقوم بها نحوه، وهي: التدبر لمعانيه واتباعه.
وقفة
[29] سورة ص عظَّم الله تعالى فيها من شأن القرآن، وأنه تذكرة للناس، فقال في أولها: ﴿ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [1]، وقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، وقال في ختامها: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [87]، جاءت سورة الزمر مباشرة بعدها تنوه بشأن القرآن وتعظم من أمره.
وقفة
[29] أحث إخواني ولا سيما طلبة العلم على الحرص على فهم معاني القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم نزل للتعبد بتلاوته ولتدبر معناه، قال الله تعالى: ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب﴾.
عمل
[29] اقرأ سورة من جزء عم، واقرأ معناها، ثم تدبر ما فيها من الفوائد والعلم والعمل ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ لو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه، كررها ولو مائة مرة ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ القراءة المشتملة على التدبُّر أفضل من سُرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
عمل
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ لا تتجاوزْ آيةً إلَّا وقد عَلِمتَ ما فيها من العِلمِ والعملِ، وما لكَ وما عليكَ.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ الكنوز العظيمة تقبع في أعماق الأرض، ولا تستخرج إلا بحفر وجهد، وكذلك كنوز القرآن التي نزلت من السماء.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ القرآن ليس كتاب الوهلة الأولى، بل هو كتاب إنعام النظر، وتقليب الفكر.
عمل
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ استعن بالله واستغفر، ثم اقرأ الآية، ثم أعد قراءتها، ثم تأمل كلماتها، ثم تأمل جملها، عند ذلك ارتقب الأنوار.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ من إعجاز القرآن أنه كلما تأملته وتدبرته وحدقت بقلبك في آياته رأيت نورًا لم تره من قبل.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ لو ورد الخلق كلهم على القرآن فاستخرج كل واحد منهم فائدة؛ ما توقفت عن التدبر؛ فلو كانت الفوائد ستنتهي؛ ما أمرنا الله بالاستمرار في التدبر بدون غاية محدوة.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ الآية القرآنية -بغض النظر عن المقطع- مليئة بالإعجاز والمعاني والنور، ما يجعلها مستغنية عن سياقها لتفيض بنورها.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ التأمل في القرآن: هو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره، وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ هذا الهدف الأسمى؛ فتدبر.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ قَالَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ: «إِنَّمَا الْآيَةُ مِثْلُ التَّمْرَةِ، كُلَّمَا مَضَغْتَهَا اسْتَخْرَجْتَ حَلَاوَتَهَا».
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ قال الحسن البصري: «وَمَا تَدَبُّرُ آيَاتِهِ إلا اتَّبَاعَهُ، وَاللهِ مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ: قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، فَمَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ حَرْفَاً، وَقَدْ وَاللهِ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ، مَا يُرَى لَهُ الْقُرْآنُ فِي خُلُقٍ وَلا عَمَلٍ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ: إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ، وَاللهِ مَا هَؤلاءِ بِالْقُرَّاءِ، وَلا الْعُلَمَاءِ، وَلا الْحُكَمَاءِ، وَلا الْوَرَعَةِ، مَتَّى كَانَتْ الْقُرَّاءُ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا؟ لا كَثَّرَ اللهُ فِي النَّاسِ مِثْلَ هَؤلاءِ». [الزهد لابن المبارك 1/274].
وقفة
[29] لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ .
وقفة
[29] قال السعدي رحمه الله معلقًا على قوله تعالى: ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ : هذه الحكمة من إنزاله؛ ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة؛ تدرك بركته وخيره، والقراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
وقفة
[29] قال أحدهم: «كنت كغيري أقرأ القرآن بسرعة وهذرمة، وكان همي آخر السورة، وكنت أقرأ في الساعة الواحدة ثلاثة أجزاء، فلما استمعت إلي كلمات أحد مشايخي عن التدبر وأثره في صلاح القلب، بدأت أدرب نفسي علي ذلك، فصرت -بحمد الله- لا أجد لذة للقراءة إلا بالتدبر، حتي إني قد أبقي في الجزء الواحد نحو ثلاث ساعات، فأدركت شيئًا من معاني: ﴿ليدّبروا آياته﴾».
لمسة
[29] ﴿أفلم يدّبروا القول﴾ [المؤمنون: 68]، ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ [النساء: 82]، ﴿ليدّبروا آياته﴾ ورد التدبر بصيغة المضارع؛ للدلالة على أنه فعل يتعين على الإنسان القيام به بإستمرار.
وقفة
[29] ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ في الآيات دليل على أنه بحسب سلامة القلب وفطنة الإنسان يحصل له التذكر والانتفاع بالقرآن الكريم.
وقفة
[29] التدبر طريق التذكر ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[29] التذكر يحدث بالتأمل والتفكر، وذلك أمر لا يفعله إلا من ينتفعون بعقولهم بالنظر في أنفسهم وما حولهم ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وقفة
[29] ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾: أهل العقول، وفيه تعريض بأن الذين لم يتذكروا بالقرآن ليسوا من أهل العقول، وأن التذكر من شأن المسلمين الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه؛ فهم ممن تدبروا آياته فاستنبطوا من المعاني ما لم يعلموا، والكافرون أعرضوا عن التدبر؛ فلا جرم فاتهم التذكر.

الإعراب :

  • ﴿ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ:
  • خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب مرفوع بالضمة.انزل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة «انزلناه» في محل رفع صفة-نعت-لكتاب.
  • ﴿ إِلَيْكَ مُبارَكٌ:
  • جار ومجرور متعلق بأنزلناه. مبارك: صفة ثانية لكتاب مرفوعة بالضمة. ويجوز ان يكون «كتاب» مرفوعا على الابتداء وجاز الابتداء بالنكرة لانها موصوفة. وجملة أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ» في محل رفع خبره.
  • ﴿ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ:
  • الاصل: ليتدبروا بمعنى «ليتفكروا» فأدغمت التاء في الدال واللام حرف جر-لام التعليل-يدبروا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ» صلة «ان» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «ان» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بأنزلناه. آياته: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لانه ملحق بجمع المؤنث السالم. والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ:
  • الواو عاطفة واللام لام التعليل حرف جر.يتذكر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة.وجملة «يتذكر أولو الألباب» صلة «أن» المضمرة لا محل لها من الاعراب. و «ان» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام معطوف على مصدر لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ».اولو: فاعل مرفوع بالواو لانه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. والكلمة تكتب بواو ولا تلفظ‍.وهي جمع بمعنى: ذوو لا واحد له. وقيل: هي اسم جمع واحده: ذو: بمعنى صاحب. الألباب:مضاف إليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. اي ذوو العقول السليمة.'

المتشابهات :

الأنعام: 92﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا
الأنعام: 155﴿وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ص: 29﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     ولَمَّا انتَفَتِ التَّسويةُ؛ بَيَّنَ اللهُ ما تَصلُحُ به لِمُتَّبِعِه السَّعادةُ الأبَديَّةُ، وهو كِتابُ اللهِ تعالى، قال تعالى:
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مبارك:
1- بالرفع، على الصفة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مباركا، على الحال.
ليدبروا:
1- بياء الغيبة وشد الدال، وأصله: ليتدبروا، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- ليتدبروا، على الأصل، وهى قراءة على.
3- بتاء الخطاب وتخفيف الدال، وهى قراءة أبى جعفر.

مدارسة الآية : [30] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ ..

التفسير :

[30] ووهبنا لداود ابنه سليمان، فأنعمنا به عليه، وأقررنا به عينه، نِعْم العبد سليمان، إنه كان كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه.

لما أثنى تعالى على داود، وذكر ما جرى له ومنه، أثنى على ابنه سليمان عليهما السلام فقال:{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} أي:أنعمنا به عليه، وأقررنا به عينه.

{ نِعْمَ الْعَبْدُ} سليمان عليه السلام، فإنه اتصف بما يوجب المدح، وهو{ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي:رجَّاع إلى اللّه في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاة اللّه، وتقديمها على كل شيء.

في هذه الآيات الكريمة مسألتان ذكر بعض المفسرين فيهما كلاما غير مقبول.

أما المسألة الأولى فهي مسألة: عرض الخيل على سيدنا سليمان والمقصود به.

وأما المسألة الثانية فهي مسألة المقصود بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ..

وسنسير في تفسير هذه الآيات على الرأى الذي تطمئن إلى صحته نفوسنا، ثم نذكر بعده بعض الأقوال التي قيلت في هذا الشأن، ونرد على ما يستحق الرد منه، فنقول- وبالله التوفيق-:

المخصوص بالمدح في قوله- تعالى-: نِعْمَ الْعَبْدُ محذوف، والمقصود به سليمان- عليه السلام-. أى: ووهبنا- بفضلنا وإحساننا- لعبدنا داود ابنه سليمان- عليهما السلام- ونعم العبد سليمان في دينه وفي خلقه وفي شكره لخالقه- تعالى-.

وجملة «إنه أواب» تعليل لهذا المدح من الله- تعالى- لسليمان- عليه السلام- أى:

إنه رجاع إلى ما يرضى الله- تعالى- مأخوذ من آب الرجل إلى داره، إذا رجع إليها.

يقول تعالى مخبرا أنه وهب لداود سليمان ، أي : نبيا كما قال : ( وورث سليمان داود ) أي : في النبوة وإلا فقد كان له بنون غيره ، فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر .

وقوله : ( نعم العبد إنه أواب ) ثناء على سليمان - عليه السلام - بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله - عز وجل - .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا مكحول قال : لما وهب الله لداود سليمان - عليه السلام - قال له : يا بني ما أحسن ؟ قال : سكينة الله وإيمان . قال : فما أقبح ؟ قال : كفر بعد إيمان . قال : فما أحلى ؟ قال : روح الله بين عباده . قال : فما أبرد ؟ قال : عفو الله عن الناس وعفو الناس بعضهم عن بعض . قالداود - عليه السلام - : فأنت نبي .

القول في تأويل قوله تعالى : وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)

يقول تعالى ذكره ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ ) ابنه ولدا( نِعْمَ الْعَبْدُ ) يقول: نعم العبد سليمان ( إِنَّهُ أَوَّابٌ ) يقول: إنه رجاع إلى طاعة الله توّاب إليه مما يكرهه منه. وقيل: إنه عُنِي به أنه كثير الذكر لله والطاعة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: شي عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) قال: الأواب: المسبّح.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) قال: كان مطيعًا لله كثير الصلاة.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) قال: المسبِّح.

والمسبِّح قد يكون في الصلاة والذكر. وقد بيَّنَّا معنى الأوّاب, وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته هاهنا.

التدبر :

وقفة
[30] من أعظم هبات الخالق ولد صالح ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾.
وقفة
[30] ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ مَلَك سليمان الدنيا كلها، ولكن الثناء تجاهل كل هذا الحطام ليصل إلى ما هو أعظم منه: العبودية.
وقفة
[30] ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ خيرُ الذُّرّية مَن حقق العبودية.
وقفة
[30] من أراد أن ينال ثناء الله؛ ليكثر التوبة إليه ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
وقفة
[30] في الوقت المناسب؛ ستأتيك الأمنيات المؤجلة لترسم في قلبك فرحًا مختومًا بقوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
وقفة
[30] قال سفيان بن عيينة: «إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان عليه السلام مع العافية التي كان فيها: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، ووجدت صفة أيوب عليه السلام مع البلاء الذي كان فيه: ﴿نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [44]، فاستوت الصفتان، وهذا معافى، وهذا مبتلى، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر، فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إليَّ من البلاء مع الصبر».
تفاعل
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ أغمض عينيك وتخيل أن الله قالها فيك! هل عرفت الآن حقارة أفعالنا حين نرجو ثناء البشر؟!
وقفة
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾، ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [العنكبوت: 58]، ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ﴾ [الكهف: 31]، ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24]، لا يزال الله (يثني) و(يمدح).
وقفة
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ذكرها الله في موضعين: في سليمان الملك، وأيوب الصابر.
وقفة
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ يفرح العبد بمدح الناس فكيف إذا مدحه الرحمن سبحانه، اللهمَّ لا تحرمنا فضلك.
وقفة
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ مدحه الله بكثرة (أوبته وتوبته ورجوعه) عن خطئه، (المنقصة عند الناس قد تكون محمدة عند الله).
وقفة
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ مدح الله سليمان بعبوديته لربه وكثرة أوبته إليه، لا بكنوزه وممتلكاته وقد حاز الدنيا بأسرها.
وقفة
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ مهما ابتعدت عن الله؛ ثق تمامًا أنه سيفرح بعودتك إليه، فسبحان من لا ملجأ منه إلا إليه!
عمل
[30] ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ اجعل من الذنب وسام شرف، وسببًا للثناء عليك، وذلك بصدق توبتك وتحقيق عبوديتك لله رب العالمين.
وقفة
[30] أثنى الله على سليمان عليه السلام فقال عنه: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾؛ الأوّاب كثير الإستغفار والعودة إلى الله.
وقفة
[30] الثناء: أعذب الكلام على أذن السامع وأقربه إلى قلبه، الثناء يلامس القلوب ويسيطر عليها، ويطفئ الغضب كما يطفئ الماءُ النارَ، الثناء هدية ثمينة، فثناء المرأتين أدخل موسى عليه السلام قلب أبيهما، كيف هو ثناؤك على الآخرين؟ هل تحرص أن يكون صادقًا متزنًا؟ تأمل أجمل ثناء من رب لعبده: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَوَهَبْنا:
  • الواو عاطفة. وهب: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا.و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لِداوُدَ سُلَيْمانَ:
  • مفعولا «وهبنا» تعدى الى الاول باللام وتعدى الى الثاني بنفسه وعلامة جر الاول الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف- التنوين-للعجمة. ولم ينون الثاني لانه علم ومنته بألف ونون زائدتين
  • ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ:
  • الجملة الفعلية او الاسمية على وجهي اعرابها في اسلوب المدح في محل نصب حال من «سليمان».نعم: فعل ماض مبني على الفتح لانشاء المدح. العبد: فاعل «نعم» مرفوع بالضمة والمخصوص بالمدح محذوف.
  • ﴿ إِنَّهُ أَوّابٌ:
  • حرف نصب وتوكيد يفيد التعليل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسم «ان».اواب: خبرها مرفوع بالضمة وعلل كونه ممدوحا بكونه اوابا رجاعا اليه بالتوبة.'

المتشابهات :

ص: 30﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ
ص: 44﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     القصَّةُ الثانيةُ: قصَّةُ سليمانَ عليه السلام، قال تعالى :
﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [31] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ ..

التفسير :

[31] اذكر حين عُرِضت عليه عصراً الخيول الأصيلة السريعة، تقف على ثلاث قوائم وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها، فما زالت تُعرض عليه حتى غابت الشمس.

لما عرضت عليه الخيل الجياد السبق الصافنات أي:التي من وصفها الصفون، وهو رفع إحدى قوائمها عند الوقوف، وكان لها منظر رائق، وجمال معجب، خصوصا للمحتاج إليها كالملوك، فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب، فألهته عن صلاة المساء وذكره.

و «إذ» في قوله: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ منصوب بفعل تقديره:

اذكر، و «عليه» متعلق بعرض و «العشى» يطلق على الزمان الكائن من زوال الشمس إلى آخر النهار. وقيل إلى مطلع الفجر.

والصافنات: جمع صافن، والصافن من الخيل: الذي يقف على ثلاثة أرجل ويرفع الرابعة فيقف على مقدم حافرها.

والجياد: جمع جواد، وهو الفرس السريع العدو، الجيد الركض، سواء أكان ذكرا أم أنثى، يقال: جاد الفرس يجود جودة فهو جواد، إذا كان سريع الجري، فاره المظهر..

أى: اذكر- أيها العاقل- ما كان من سليمان- عليه السلام- وقت أن عرض عليه بالعشي الخيول الجميلة الشكل. السريعة العدو..

قال صاحب الكشاف: فإن قلت. ما معنى وصفها بالصفون؟ قلت: الصفون لا يكاد يوجد في الهجن، وإنما هو في- الخيل- العراب الخلص وقيل: وصفها بالصفون والجودة، ليجمع لها بين الوصفين المحمودين: واقفة وجارية، يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها..

وقوله : ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) أي : إذ عرض على سليمان في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات .

قال مجاهد : وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة ، والجياد : السراع . وكذا قال غير واحد من السلف .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي في قوله : ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) قال : كانت عشرين فرسا ذات أجنحة . كذا رواه ابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا ابن أبي زائدة أخبرني إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي قال : كانت الخيل التي شغلت سليمان ، عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس ، فعقرها وهذا أشبه والله أعلم .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني عمارة بن غزية : أن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك - أو خيبر - وفي سهوتها ستر فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة - لعب - فقال : " ما هذا يا عائشة ؟ " قالت : بناتي . ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال : " ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ " قالت : فرس . قال : " وما هذا الذي عليه ؟ " قالت : جناحان قال : " فرس له جناحان ؟ ! " قالت : أما سمعت أن لسليمان خيل لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه - صلى الله عليه وسلم -

وقوله ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) يقول تعالى ذكره: إنه تواب إلى الله من خطيئته التي أخطأها, إذ عرض عليه بالعشي الصافنات; فإذ من صلة أواب, والصافنات: جمع الصافن من الخيل, والأنثى: صافنة, والصافن منها عند بعض العرب: الذي يجمع بين يديه, ويثني طرف سنبك إحدى رجليه, وعند آخرين: الذي يجمع يديه. وزعم الفرّاء أن الصافن: هو القائم, يقال منه: صَفَنَتِ الخيلُ تَصْفِن صُفُونًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) قال: صُفُون الفرس: رَفْع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: صَفَنَ الفرسُ: رفع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) يعني: الخيل, وصُفونها: قيامها وبَسْطها قوائمها.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: الصافنات, قال: الخيل.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) قال: الخيل أخرجها الشيطان لسليمان, من مرج من مروج البحر. قال: الخيل والبغال والحمير تَصْفِن, والصَّفْن (1)

أن تقوم على ثلاث, وترفع رجلا واحدة حتى يكون طرف الحافر على الأرض.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الصافنات: الخيل, وكانت لها أجنحة.

وأما الجياد, فإنها السِّراع, واحدها: جواد.

كما حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قاله. ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: الجياد: قال: السِّراع.

وذُكر أنها كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة.

* ذكر الخبر بذلك:

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن أبيه, عن إبراهيم التيمي, في قوله ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) قال: كانت عشرين فرسا ذات أجنحة.

-------------------

الهوامش :

(1) لم نجد" الصفن" بسكون الفاء مصدرا لصفنت الخيل ، وإنما مصدره الصفون مثل جلس يجلس جلوسا ، وهو القياس ، لأن الفعل لازم ، والصفن : مصدر للمعتدي .

التدبر :

وقفة
[31] ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ أبلغ وأوجز كلام عن كمال وجمال الخيل حالتي وقوفها وحركتها، قال الرازي: «أما حال وقوفها فوصفها بالصُّفون (والصافِن من الخيل: الذي يقف على ثلاثة أرجل ويرفع الرابعة فيقف على مقدم حافرها)، وأما حال حركتها فوصفها بالجودة، يعني أنها إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها على أحسن الأشكال، فإذا جرت كانت سراعًا في جريها، فإذا طَلَبَتْ لَحِقَت وإذا طُلِبَتْ لم تُلْحَق».

الإعراب :

  • ﴿ عُرِضَ عَلَيْهِ:
  • فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. عليه: جار ومجرور متعلق بعرض. وجملة عُرِضَ عَلَيْهِ» وما بعدها في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «اذ».
  • ﴿ بِالْعَشِيِّ:
  • جار ومجرور متعلق بعرض والباء معناها الظرفية الزمانية وعلامة جر الاسم الكسرة الظاهرة ومفردها: عشية وهي الوقت المحصور بين الظهر الى المغرب. والمعنى ألهته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس.
  • ﴿ الصّافِناتُ الْجِيادُ:
  • نائب فاعل مرفوع بالضمة. الجياد: صفة-نعت- للصافنات مرفوعة مثلها بالضمة وقد ذكر الفعل لانه فصل عن نائب الفاعل. بمعنى: الخيول والجياد. والصافنات: هي الخيول القائمة على ثلاث قوائم وقد اقامت الرابعة على طرف الحافر او التي تصف قدميها. او تكون «الصافنات» صفة للخيول فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [31] لما قبلها :     ولَمَّا مدحَ اللهُ سليمان عليه السلام بأنه كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه؛ ذكرَ هنا ما كان منه مع الخيول الجياد، قال تعالى:
﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [32] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ..

التفسير :

[32] فقال:إنني آثرت حب الخيل عن ذكر ربي حتى غابت الشمس عن عينيه،

فقال ندما على ما مضى منه، وتقربا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره، وتقديما لحب اللّه على حب غيره:{ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} وضمن{ أحببت} معنى{ آثرت} أي:آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، وفي هذا الموضع المراد الخيل{ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}

ثم حكى- سبحانه- ما قاله سليمان- عليه السلام- خلال استعراضه للخيول الصافنات الجياد على سبيل الشكر لربه، فقال- تعالى-: فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ.

والخير: يطلق كثيرا على المال الوفير، كما في قوله- تعالى-: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ. والمراد به هنا: الخيل الصافنة الجيدة، والعرب تسمى الخيل خيرا، لتعلق الخير بها، روى البخاري عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» .

وعَنْ هنا تعليلية. والمراد ب ذِكْرِ رَبِّي طاعته وعبادته والضمير في قوله حَتَّى تَوارَتْ يعود إلى الخيل الصافنات الجياد، والمراد بالحجاب: ظلام الليل الذي يحجب الرؤية.

والمعنى: فقال سليمان وهو يستعرض الخيل أو بعد استعراضه لها: إنى أحببت استعراض الصافنات الجياد، وأحببت تدريبها وإعدادها للجهاد، من أجل ذكر ربي وطاعته وإعلاء كلمته، ونصرة دينه، وقد بقيت حريصا على استعراضها وإعدادها للقتال في سبيل الله، حتى توارت واختفت عن نظري بسبب حلول الظلام الذي يحجب الرؤية

وقوله : ( فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا بل نسيانا كما شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه ، من ذلك عن جابر قال : جاء عمر ، رضي الله عنه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ، ويقول : يا رسول الله ، والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله ما صليتها " فقال : فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب

ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال . والخيل تراد للقتال . وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة ، حيث لا يمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر ، وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما والأول أقرب ; لأنه قال بعدها : ( ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق )

قال الحسن البصري . قال : لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك . ثم أمر بها فعقرت . وكذا قال قتادة .

وقال السدي : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : جعل يمسح أعراف الخيل ، وعراقيبها حبالها . وهذا القول اختاره ابن جرير قال : لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها . وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر ; لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ولا سيما إذا كان غضبا لله - عز وجل - بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ; ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء - وكانا يكثران السفر نحو البيت - قالا أتينا على رجل من أهل البادية ، فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يعلمني مما علمه الله تعالى وقال : " إنك لا تدع شيئا اتقاء الله - عز وجل - إلا أعطاك الله خيرا منه "

وقوله ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره: فَلَهِيَ عن الصلاة حتى فاتته, فقال: إني أحببت حب الخير. ويعني بقوله ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) : أي المال والخيل، أو الخير من المال.

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن السُّدِّيّ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) قال: الخيل.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) قال: المال.

وقوله ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) يقول: إني أحببت حب الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته. وقيل: إن ذلك كان صلاة العصر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) عن صلاة العصر.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) قال. صلاة العصر. حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا أبو زرعة, قال: ثنا حيوة بن شريح, قال: ثنا أبو صخر, أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصَّهباء البكري يقول: سألت عليّ بن أبي طالب, عن الصلاة الوسطى, فقال: هي العصر, وهي التي فُتِن بها سليمان بن داود.

وقوله ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) يقول: حتى توارت الشمس بالحجاب, يعني: تغيبت في مغيبها. كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثنا ميكائيل, عن داود بن أبي هند, قال: قال ابن مسعود, في قوله ( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) قال: توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء, فخضرة السماء منها.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) حتى دَلَكَتْ براح. قال قتادة: فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه, ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) حتى غابت.

التدبر :

وقفة
[32] ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ وسميت الخيل خيرًا؛ لأنه معقود بنواصيها، الخير: الأجر والمغنم.
وقفة
[32] ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ بمعنى أن هذه المحبة الشديدة للخيل إنما نبعت بسبب ذكر الله وأمره، لا عن الشهوة والهوى.
وقفة
[32] ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ ما حجة الغافلون في هذه العشرة المباركة؟ إذا توارت شمسها بالحجاب؟ ما الذي أشغلهم عنها؟
وقفة
[32] ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ إن قلتَ: ما معنى تكرر الحُبِّ وتعديته بـ (عَنْ)، وظاهرُه إني أحببتُ حبًا مثل حبِّ الخير، كقولك: أحببتُ حُبَّ زيدٍ أي مثلَ حبِّهِ؟ قلتُ: أحببتُ هنا بمعنى آثرتُ، كما في قوله تعالى: ﴿فَاستَحَبُّوا العَمَى عَلى الهُدَى﴾ [فصلت: 17]، أي آثروه، و(عَنْ) بمعنى (على) كما في قوله تعالى: ﴿ومن يبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [محمد: 38]، فيصيرُ المعنى: آثرتُ حبَّ الخير على ذكر ربّي.
عمل
[32] لا تقرِّب المشغلات من صلاتك، فقد تجرُّك للاشتغال بها عن عبادة ربك ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾.
عمل
[32] احذر أن تنشغل بشيء من الدنيا عن طاعة الله تعالى ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَقالَ:
  • الفاء عاطفة على فعل مضمر بمعنى: فعرضت عليه في اثناء صلاته ففرغ من صلاته فقال. قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ:
  • الجملة في محل نصب مفعول به-مقول القول-ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «ان».احببت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل-ضمير المتكلم-مبني على الضم في محل رفع فاعل. وجملة «احببت» في محل رفع خبر «ان» وقيل: أحببت: مضمن معنى فعل يتعدى بعن كأنه قيل أنبت حب الخير عن ذكر ربي او جعلت حب الخير مجزيا او مغنيا عن ذكر ربي.
  • ﴿ حُبَّ الْخَيْرِ:
  • مفعول به منصوب بأحببت وعلامة نصبه الفتحة. الخير:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى: حب الخيل.لان الخير: المال. والمال: الخيل التي شغلته او سمي الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها. او تكون «حب» مفعولا مطلقا منصوبا على المصدر.
  • ﴿ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي:
  • جار ومجرور متعلق بحال من ضمير «أحببت» التقدير:مؤثرا حب الخير على ذكر ربي من العبادة او منصرفا عن ذكر ربي. ربي:مضاف اليه مجرور بالكسرة والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ:
  • حتى: حرف غاية وابتداء. توارت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الالف المحذوفة لالتقاء الساكنين واتصاله بتاء التأنيث الساكنة. والتاء تاء التأنيث لا محل لها من الاعراب والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على الشمس مجازا في غروبها لمرور ذكر العشي وقيل الضمير للصافنات اي حتى احتجبت بحجاب الليل. اي الظلام. بالحجاب: جار ومجرور متعلق بتوارت.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [32] لما قبلها :     ولَمَّا عُرضت عليه الخيول الجياد؛ ألهته عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فندم، قال تعالى:
﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [33] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ ..

التفسير :

[33]رُدُّوا عليَّ الخيل التي عُرضت من قبل، فرُدَّت عليه، فشرع يضرب سيقانها ورقابها بالسيف؛ قربةً لله، لأنها كانت سبب فوات صلاته. وكان التقرُّب بذبح الخيل مشروعاً في شريعته.

{ رُدُّوهَا عَلَيَّ} فردوها{ فَطَفِقَ} فيها{ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} أي:جعل يعقرها بسيفه، في سوقها وأعناقها.

رُدُّوها عَلَيَّ أى:

قال سليمان لجنده ردوا الصافنات الجياد علىّ مرة أخرى، لأزداد معرفة بها، وفهما لأحوالها..

والفاء في قوله- تعالى-: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ فصيحة تدل على كلام محذوف يفهم من السياق. و «طفق» فعل من أفعال الشروع يرفع الاسم وينصب الخبر، واسمه ضمير يعود على سليمان. و «مسحا» مفعول مطلق لفعل محذوف. والسوق والأعناق: جمع ساق وعنق.

أى: قال سليمان لجنده: ردوا الصافنات الجياد علىّ، فردوها عليه، فأخذ في مسح سيقانها وأعناقها إعجابا بها، وسرورا بما هي عليه من قوة هو في حاجة إليها للجهاد في سبيل الله- تعالى-.

هذا هو التفسير الذي تطمئن إليه نفوسنا لهذه الآيات، لخلوه من كل ما يتنافى مع سمو منزلة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.

ولكن كثيرا من المفسرين نهجوا نهجا آخر، معتمدين على قصة ملخصها: أن سليمان- عليه السلام- جلس يوما يستعرض خيلا له، حتى غابت الشمس دون أن يصلى العصر، فحزن لذلك وأمر بإحضار الخيل التي شغله استعراضها عن الصلاة، فأخذ في ضرب سوقها وأعناقها بالسيف، قربة لله- تعالى-.

فهم يرون أن الضمير في قوله- تعالى- حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يعود إلى الشمس.

أى: حتى استترت الشمس بما يحجبها عن الأبصار.

وأن المراد بقوله- تعالى- فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ الشروع في ضرب سوق الخيل وأعناقها بالسيف لأنها شغلته عن صلاة العصر.

قال الجمل: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ أى: جعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف. هذا قول ابن عباس وأكثر المفسرين .

ولم يرتض الإمام الرازي- رحمه الله- هذا التفسير الذي عليه أكثر المفسرين، وإنما ارتضى أن الضمير في تَوارَتْ يعود إلى الصافنات الجياد وأن المقصود بقوله- تعالى-:

فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ الإعجاب بها والمسح عليها بيده حبّا لها..

فقد قال ما ملخصه: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم، كما أنه كذلك في دين الإسلام، ثم إن سليمان- عليه السلام- احتاج إلى الغزو. فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها. وذكر أنى لا أحبها لأجل الدنيا وإنما أحبها لأمر الله، وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي. ثم إنه- عليه السلام- أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أى: غابت عن بصره.

ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه، فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها.

والغرض من ذلك: التشريف لها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو ... وإظهار أنه خبير بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.. .

وقال بعض العلماء نقلا عن ابن حزم: تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة، خرافة موضوعة.. قد جمعت أفانين من القول لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها. وإتلاف مال منتفع به بلا معنى. ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل. ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها..

وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير، من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس أو تلك الصافنات بحجابها.

ثم أمر بردها. فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده، برابها، وإكراما لها، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره، وليس فيها إشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل، وتعطيل الصلاة.. .

والحق أن ما ذهب إليه كثير من المفسرين من أن سليمان- عليه السلام- شغل باستعراض الخيل عن صلاة العصر، وأنه أمر بضرب سوقها وأعناقها.. لا دليل عليه لا من النقل الصحيح ولا من العقل السليم..

وأن التفسير المقبول للآية هو ما ذكره الإمام الرازي والإمام ابن حزم، وما سبق أن ذكرناه من أن المقصود بقوله- تعالى-: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ إنما هو تكريمها..

وأن الضمير في قوله: حَتَّى تَوارَتْ يعود إلى الصافنات لأنه أقرب مذكور.

وقوله : ( فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا بل نسيانا كما شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه ، من ذلك عن جابر قال : جاء عمر ، رضي الله عنه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ، ويقول : يا رسول الله ، والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله ما صليتها " فقال : فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب

ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال . والخيل تراد للقتال . وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة ، حيث لا يمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر ، وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما والأول أقرب ; لأنه قال بعدها : ( ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق )

قال الحسن البصري . قال : لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك . ثم أمر بها فعقرت . وكذا قال قتادة .

وقال السدي : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : جعل يمسح أعراف الخيل ، وعراقيبها حبالها . وهذا القول اختاره ابن جرير قال : لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها . وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر ; لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ولا سيما إذا كان غضبا لله - عز وجل - بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ; ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء - وكانا يكثران السفر نحو البيت - قالا أتينا على رجل من أهل البادية ، فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يعلمني مما علمه الله تعالى وقال : " إنك لا تدع شيئا اتقاء الله - عز وجل - إلا أعطاك الله خيرا منه "

وقوله ( رُدُّوهَا عَلَيَّ ) يقول: ردّوا عليّ الخيل التي عرضت عليّ, فشغلتني عن الصلاة, فكروها عليّ.

كما حدثني محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( رُدُّوهَا عَلَيَّ ) قال: الخيل.

وقوله ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) يقول: فجعل يمسح منها السوق, وهي جمع الساق, والأعناق.

واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها, فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها, من قولهم: مَسَحَ علاوته: إذا ضرب عنقه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) قال: قال الحسن: قال لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك, قال قولهما فيه, يعني قتادة والحسن قال: فكَسَف عراقيبها, وضرب أعناقها.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) فضرب سوقها وأعناقها.

حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا بشر بن المفضل, عن عوف, عن الحسن, قال: أمر بها فعقرت.

وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبًّا لها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها: حبا لها.

وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية, لأن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانًا بالعرقبة, ويهلك مالا من ماله بغير سبب, سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها, ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها.

التدبر :

وقفة
[33] ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ أيَّما شيء أضلك عن الله، وأقصى مسافات قلبك عن ذكره، الأجدر به القطع.
وقفة
[33] ﴿ردوها علىَ فطفق مسحا بالسٌوق والأعناق﴾ التوبة الصادقة تثمر أفعالًا لا أمنيات ودعاوى.
عمل
[33] ﴿ردوها علىَ فطفق مسحا بالسٌوق والأعناق﴾ تخلص من كل ما يؤخرك عن الله، ولو كان أحب دنياك إليك.
وقفة
[33] ﴿ردوها علىَ فطفق مسحا بالسٌوق والأعناق﴾ المحبُّ حقًّا هو من يقطع العوائق والعلائق التي تعيقه في طريقه إلى الله سبحانه.
وقفة
[33] لما ألهت الخيل سليمان بن داوود عليهما السلام عن صلاته دعا بتلك الخيل فجعل يقتلها، ويضرب أعناقها وسوقها انتقامًا من نفسه لنفسه؛ فانتقم من نفسه التي لهت بهذه الصافنات الجياد عن ذكر الله: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾، فإذا رأيت شيئًا من مالك يصدك عن ذكر الله فتباعد عنه قدر استطاعتك، قبل أن يبعدك عن الله.
عمل
[33] امسح كل ما يعيقك عن الله، ولو كان من أحب الأشياء إليك ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾.
عمل
[33] انظر شيئًا تملكه، ويشغلك كثيرًا عن طاعة الله، وتصدق به في سبيل الله، لعل الله يعوضك خيرًا منه ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾.
وقفة
[33] ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ لم يرتضِ الإمام الرازي التفسير الذي عليه أكثر المفسرين من أن سليمان ذبح الخيل لأنها ألهته عن الصلاة، فالمسح ليس الذبح، بل المسح عليها بيده حقيقي حبًّا لها وإعجابًا بها، وذكر سليمان أنه أحبها لا لأجل الدنيا وإنما أحبها لأمر الله، وطلب نصرة الدين.
وقفة
[33] ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ ما الغرض من هذا المسح؟! قال الرازي: «الغرض من المسح: التشريف لها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو ... وإظهار أنه خبير بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها، فكان يمتحنها، ويمسح سوقها وأعناقها، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.
وقفة
[33] ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ قال ابن حزم: «تأويل الأية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة، خرافة موضوعة، قد جمعت أفانين من القول لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى، وتنسب تضييع الصلاة إلى نبي مرسل! ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها!
وقفة
[31-33] يجب عدم الإنشغال بالدنيا عن أداء العبادات.

الإعراب :

  • ﴿ رُدُّوها عَلَيَّ:
  • فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. علي: جار ومجرور متعلق بردوها.وجملة رُدُّوها عَلَيَّ» متعلق بمحذوف تقديره: قال ردوها علي فأضمر واضمر ما هو جواب له اي اضمر السؤال المقدر كأن قائلا قال: فماذا قال سليمان؟
  • ﴿ فَطَفِقَ:
  • الفاء استئنافية. طفق: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ مَسْحاً بِالسُّوقِ:
  • مفعول مطلق-مصدر-منصوب بفعل مضمر تقديره فجعل يمسح مسحا بالسيف. بالسوق: جار ومجرور متعلق بيمسح. اي بقطعها. والسوق: جمع ساق.
  • ﴿ وَالْأَعْناقِ:
  • معطوفة بالواو على «السوق» وتعرب مثلها. اي فعل ذلك استحسانا واعجابا بها.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [33] لما قبلها :     ولَمَّا ألهته الخيول الجياد عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، وندم؛ أمر بها فأخذ يضرب سيقانها ورقابها بالسيف؛ قربةً لله، لأنها كانت سبب فوات صلاته، وكان التقرُّب بذبح الخيل مشروعًا في شريعته، قال تعالى:
﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مسحا:
1- وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- مساحا، على وزن «قتال» .
بالسوق:
1- بغير همز، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالهمز، وهى قراءة ابن كثير.
3- بهمزة بعدها الواو، وهى قراءة ابن محيصن.
4- بالساق، مفردا، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [34] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى ..

التفسير :

[34] ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد، وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه، وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل:إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد، ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب،

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أي:ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية،{ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أي:شيطانا قضى اللّه وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان،{ ثُمَّ أَنَابَ} سليمان إلى اللّه تعالى وتاب.

ثم تحدثت الآيات الكريمة بعد ذلك عن فتنة سليمان- عليه السلام- فقال- تعالى-:

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ...

وقوله: فَتَنَّا من الفتن بمعنى الابتلاء والاختبار والامتحان. تقول: فتنت الذهب بالنار، أى: اختبرته لتعلم جودته..

قال الآلوسى: وأظهر ما قيل في فتنة سليمان- عليه السلام- أنه قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله- تعالى- ولم يقل إن شاء الله. فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة وجاءت بشق رجل.

وقد روى ذلك الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة مرفوعا، وفيه: «فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا» .

ولكن الذي في صحيح البخاري أربعين بدل سبعين. وأن الملك قال له: قل إن شاء الله، فلم يقل- أى فلم يقل ذلك على سبيل النسيان..

والمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولدته له. ومعنى إلقائه على كرسيه: وضع القابلة له عليه ليراه.

وقد ذكروا أن سليمان: إنما قال: «تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله» على سبيل التمني للخير، وطلب الذرية الصالحة المجاهدة في سبيل الله.

ومعنى «فلم يقل» أى: بلسانه على سبيل النسيان، والنسيان معفو عنه، إلا أن سليمان- عليه السلام- لسمو منزلته اعتبر ذلك ذنبا يستحق الاستغفار منه، فقال بعد ذلك «رب اغفر لي ... » .

وقوله: «لأطوفن الليلة ... » كناية عن الجماع. قالوا: ولعل المقصود. طوافه عليهن ابتداء من تلك الليلة، ولا مانع من أن يستغرق طوافه بهن عدة ليال.

وقد استنبط العلماء من هذا الحديث أن فتنة سليمان، هي تركه تعليق ما طلبه على مشيئة الله، وأن عقابه على ذلك كان عدم تحقق ما طلبه.

وهذا الرأى في تقديرنا هو الرأى الصواب في تفسير الآية الكريمة لأنه مستند إلى حديث صحيح ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، ولأنه يتناسب مع عصمة الأنبياء وسمو منزلتهم، فإن النسيان الذي لا يترتب عليه ترك شيء من التكاليف التي كلفهم الله- تعالى- بها جائز عليهم.

وقد ذكرنا عند تفسيرنا لقوله- تعالى-: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن الوحى مكث فترة لم ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأنه نسى أن يقول- عند ما سأله المشركون عن بعض الأشياء إن شاء الله، وقال سأجيبكم على ما سألتمونى عنه غدا. .

ومن العلماء من آثر عدم تعيين الفتنة التي اختبر الله- تعالى- بها سيدنا سليمان- عليه السلام-، بتركه المشيئة، فقال بعد أن ذكر الحديث السابق: وجائز أن تكون هذه الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق، ولكن هذا مجرد احتمال.

ثم قال: وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان- عليه السلام- في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان، كما يبتلى الله أنبياءه ليوجههم ويرشدهم. ويبعد خطاهم عن الزلل، وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع. وطلب المغفرة، واتجه إلى الله بالرجاء والدعاء.. .

ونرى أنه رأى لا بأس به، وإن كنا نؤثر عليه الرأى السابق لاستناده في استنباط المراد من الفتنة هنا إلى الحديث الصحيح.

هذا. وهناك أقوال أخرى ذكروها في المقصود بفتنة سليمان وبالجسد الذي ألقاه الله على كرسي سليمان، وهي أقوال ساقطة، تتنافى مع عصمة الأنبياء- عليهم السلام-.

ومن هذه الأقوال قول بعضهم: إن الجسد الذي ألقى على كرسي سليمان، عبارة عن شيطان تمثل له في صورة إنسان، ثم أخذ من سليمان خاتمه الذي كان يصرف به ملكه. وقعد ذلك الشيطان على كرسي سليمان، ولم يعد لسليمان ملكه إلا بعد أن عثر على خاتمه.

وقول بعضهم: إن سبب فتنة سليمان- عليه السلام- هو سجود إحدى زوجاته لتمثال أبيها الذي قتله سليمان في إحدى الحروب، وقد بقيت على هذه الحال هي وجواريها أربعين ليلة، دون أن تعلم سليمان بذلك.

وقول بعضهم: إن سبب فتنة سليمان أنه ولد له ولد فخاف عليه من الشياطين، فأمر السحاب بحفظه وتغذيته. ولكن هذا الولد وقع ميتا على كرسي سليمان، فاستغفر سليمان ربه لأنه لم يعتمد عليه في حفظ ابنه. إلى غير ذلك من الأقوال الساقطة الباطلة، التي تتنافى مع عصمة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. وتتنافى- أيضا- مع كل عقل سليم، ولا مستند لها إلا النقل عن الإسرائيليات وعن القصاص الذين يأتون بقصص ما أنزل الله بها من سلطان .

قال أبو حيان- رحمه الله-: نقل المفسرون في هذه الفتنة وفي إلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وهي إما من أوضاع اليهود، أو الزنادقة، ولم يبين الله- تعالى- الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان.

وأقرب ما قيل فيه، أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال فيه: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة.. والجسد الملقى هو المولود شق رجل. .

يقول تعالى : ( ولقد فتنا سليمان ) أي : اختبرناه بأن سلبناه الملك مرة ، ( وألقينا على كرسيه جسدا ) قال ابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم : يعني شيطانا . ( ثم أناب ) أي : رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته .

قال ابن جرير : وكان اسم ذلك الشيطان صخرا . قاله ابن عباس ، وقتادة . وقيل : آصف . قاله مجاهد وقيل : آصروا . قاله مجاهد أيضا . وقيل : حبقيق . قاله السدي . وقد ذكروا هذه القصة مبسوطة ومختصرة .

وقد قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قال أمر سليمان - عليه السلام - ببناء بيت المقدس فقيل له : ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد . فقال : فطلب ذلك فلم يقدر عليه . فقيل له : إن شيطانا في البحر يقال له : " صخر " شبه المارد . قال : فطلبه وكانت عين في البحر يردها في كل سبعة أيام مرة فنزح ماؤها وجعل فيها خمر ، فجاء يوم ورده فإذا هو بالخمر فقال : إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلا . ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا ثم أتاها فقال : إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلا . ثم شربها حتى غلبت على عقله ، قال : فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه فذل . قال : وكان ملكه في خاتمه فأتي به سليمان فقال : إنه قد أمرنا ببناء هذا البيت وقيل لنا : لا يسمعن فيه صوت حديد . قال : فأتى ببيض الهدهد فجعل عليه زجاجة فجاء الهدهد فدار حولها ، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه فذهب فجاء بالماس فوضعه عليه فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه . فأخذ الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة . وكان سليمان [ عليه السلام ] إذا أراد أن يدخل الخلاء - أو : الحمام - لم يدخل بخاتمه فانطلق يوما إلى الحمام وذلك الشيطان صخر معه ، وذلك عند مقارفة قارف فيه بعض نسائه . قال : فدخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه في البحر فالتقمته سمكة ، ونزع ملك سليمان منه وألقي على الشيطان شبه سليمان . قال : فجاء فقعد على كرسيه وسريره وسلط على ملك سليمان كله غير نسائه . قال : فجعل يقضي بينهم ، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا : لقد فتن نبي الله . وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطاب في القوة فقال : والله لأجربنه . قال : فقال : يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي الله - أحدنا تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس أترى عليه بأسا ؟ فقال : لا . قال : فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم ، ( وألقينا على كرسيه جسدا ) قال : هو الشيطان صخر

وقال السدي : ( ولقد فتنا سليمان ) أي : ابتلينا سليمان ، ( وألقينا على كرسيه جسدا ) قال : جلس الشيطان على كرسيه أربعين يوما . قال : وكان لسليمان - عليه السلام - مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها : " جرادة " ، وهي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ولم يأتمن عليه أحدا من الناس غيرها فأعطاها يوما خاتمه ودخل الخلاء فخرج الشيطان في صورته فقال : هاتي الخاتم . فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه ، فقالت : ألم تأخذه قبل ؟ قال : لا . وخرج مكانه تائها . قال : ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما ، قال : فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا : إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه . قال : فبكى النساء عند ذلك قال : فأقبلوا يمشون حتى أتوا فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرءوا . قال : فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه . ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت من حيتان البحر . قال : وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه . فاستطعمهم من صيدهم وقال : إني أنا سليمان . فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه فقالوا بئس ما صنعت حيث ضربته . قال : إنه زعم أنه سليمان . قال : فأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شط البحر فشق بطونهما فجعل يغسل [ دمه ] فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه ، وجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف القوم أنه سليمان - عليه السلام - فقام القوم يعتذرون مما صنعوا [ به ] فقال : ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم ، كان هذا الأمر لا بد منه . قال : فجاء حتى أتى ملكه وأرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به فجعل في صندوق من حديد ، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة . وكان اسمه حبقيق قال : وسخر له الريح ولم تكن سخرت له قبل ذلك وهو قوله : ( وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب )

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وألقينا على كرسيه جسدا ) قال : شيطانا يقال له : آصف . فقال له سليمان : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فساح سليمان وذهب ملكه ، وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن - ولم يقربنه وأنكرنه . قال : فكان سليمان يستطعم فيقول : أتعرفوني ؟ أطعموني أنا سليمان فيكذبونه ، حتى أعطته امرأة يوما حوتا فجعل يطيب بطنه ، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر فارا .

وهذه كلها من الإسرائيليات ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم :

حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا : حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] ( وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ) قال : أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه - وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه - فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي . فأعطته إياه . فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان من الخلاء قال لها : هاتي خاتمي . قالت : قد أعطيته سليمان . قال : أنا سليمان . قالت : كذبت لست سليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له : " أنا سليمان " ، إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة . فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله - عز وجل - . قال : وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان . قال : فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن : أتنكرن من سليمان شيئا ؟ قلن : نعم إنه يأتينا ونحن حيض وما كان يأتينا قبل ذلك . فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر ، فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس . وقالوا : بهذا كان يظهر سليمان على الناس [ ويغلبهم ] فأكفر الناس سليمان - عليه السلام - فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته . وكان سليمان يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان فقال : تحمل لي هذا السمك ؟ فقال : نعم . قال : بكم ؟ قال بسمكة من هذا السمك . قال : فحمل سليمان - عليه السلام - السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان فشق بطنها ، فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه . قال : فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين وعاد إلى حاله وهرب الشيطان حتى دخل جزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان في طلبه وكان شيطانا مريدا فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط معه الرصاص قال : فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان ، فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله : ( ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ) قال : يعني الشيطان الذي كان سلط عليه .

إسناده إلى ابن عباس قوي ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه - من أهل الكتاب ، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان - عليه السلام - فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في السياق منكرات من أشدها ذكر النساء فإن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان بل عصمهن الله منه تشريفا وتكريما لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف ، كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب والله أعلم بالصواب .

وقال يحيى بن أبي عمرو السيباني : وجد سليمان خاتمه في عسقلان ، فمشى في خرقة إلى بيت المقدس تواضعا لله - عز وجل - رواه ابن أبي حاتم .

وقد روى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في صفة كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام خبرا عجيبا فقال : حدثنا أبي رحمه الله ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث أخبرني أبو إسحاق المصري عن كعب الأحبار ; أنه لما فرغ من حديث " إرم ذات العماد " قال له معاوية : يا أبا إسحاق أخبرني عن كرسي سليمان بن داود وما كان عليه ; ومن أي شيء هو ؟ فقال : كان كرسي سليمان من أنياب الفيلة مفصصا بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ . وقد جعل له درجة منها مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد ثم أمر بالكرسي فحف من جانبيه بالنخل ، نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ . وجعل على رءوس النخل التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب ، ثم جعل على رءوس النخل التي على يسار الكرسي نسور من ذهب مقابلة الطواويس ، وجعل على يمين الدرجة الأولى شجرتا صنوبر من ذهب ، وعن يسارها أسدان من ذهب وعلى رءوس الأسدين عمودان من زبرجد وجعل من جانبي الكرسي شجرتا كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي وجعل عناقيدهما درا وياقوتا أحمر . ثم جعل فوق درج الكرسي أسدان عظيمان من ذهب مجوفان محشوان مسكا وعنبرا . فإذا أراد سليمان أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان ساعة ثم يقعان فينضحان ما في أجوافهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان - عليه السلام - ثم يوضع منبران من ذهب واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان . ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا من بني إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والطول ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد ، فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه ، ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد [ سليمان ] على الدرجة الثانية فيبسط الأسد يده اليسرى وينشر النسر جناحه الأيمن فإذا استوى سليمان على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم تاج سليمان فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة . فقال معاوية رضي الله عنه : وما الذي يديره يا أبا إسحاق ؟ قال : تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي درن إلى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رءوسهن على رأس سليمان [ ابن داود ] - عليه السلام - وهو جالس ثم ينضحن جميعا ما في أجوافهن من المسك والعنبر على رأس سليمان - عليه السلام - . ثم تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود من جوهر التوراة فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان على الناس .

وذكر تمام الخبر وهو غريب جدا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)

يقول تعالى ذكره: ولقد ابتُلينا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا شيطانا متمثلا بإنسان, ذكروا أن اسمه صخر. وقيل: إن اسمه آصَف. وقيل: إن اسمه آصر. وقيل: إن اسمه حبقيق.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: الجسد: الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه, فقذفه في البحر, وكان مُلك سليمان في خاتمه, وكان اسم الجنيّ صخرا.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا مبارك, عن الحسن ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصر.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصف, فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر, فساح سليمان وذهب مُلكه, وقعد آصف على كرسيه, ومنعه الله نساء سليمان, فلم يقربهنّ, وأنكرنه; قال: فكان سليمان يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان, فيكذّبونه, حتى أعطته امرأة يوما حوتا يطيب بطنه, فوجد خاتمه في بطنه, فرجع إليه مُلكه, وفر آصف فدخل البحر فارّا.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه, غير أنه قال في حديثه: فيقول: لو تعرفوني أطعمتموني.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: حدثنا قتادة أن سليمان أمر ببناء بيت المقدس, فقيل له: ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد, قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه, فقيل له: إن شيطانا في البحر يقال له صخر شبه المارد, قال: فطلبه, وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة أيام مرّة, فنـزح ماؤها وجعل فيها خمر, فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر, فقال: إنك لشراب طيب, إلا أنك تصبين الحليم, وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا, ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب, إلا أنك تصبين الحليم, وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله, قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه, فذلّ, قال: فكان مُلكه في خاتمه, فأتى به سليمان, فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد, قال: فأتى ببيض الهدهد, فجعل عليه زجاجة, فجاء الهدهد, فدار حولها, فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه, فذهب فجاء بالماس, فوضعه عليه, فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه, فأخذ الماس, فجعلوا يقطعون به الحجارة, فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه; فانطلق يوما إلى الحمام, وذلك الشيطان صخر معه, وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه, قال: فدخل الحمام, وأعطى الشيطان خاتمه, فألقاه في البحر, فالتقمته سمكة, ونـزع مُلك سليمان منه, وألقي على الشيطان شبه سليمان; قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره, وسلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه; قال: فجعل يقضي بينهم, وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فُتِن نبيّ الله; وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة, فقال: والله لأجربنه; قال: فقال له: يا نبيّ الله, وهو يرى إلا أنه نبيّ الله, أحدنا تصيبه الجَنابة في الليلة الباردة, فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس, أترى عليه بأسا؟ قال: لا قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة, فأقبل فجعل لا يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له, حتى انتهى إليهم ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو الشيطان صخر.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) قال: لقد ابتلينا( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما; قال: كان لسليمان مئة امرأة, وكانت امرأة منهنّ يقال لها جرادة, وهي آثر نسائه عنده, وآمنهن عنده, وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نـزع خاتمه, ولم يأتمن عليه أحد من الناس غيرها; فجاءته يوما من الأيام, فقالت: إن أخي بينه وبين فلان خصومة, وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك, فقال لها: نعم, ولم يفعل, فابتُلي وأعطاها خاتمه, ودخل المخرج, فخرج الشيطان في صورته, فقال لها: هاتي الخاتم, فأعطته, فجاء حتى جلس على مجلس سليمان, وخرج سليمان بعد, فسألها أن تعطيه خاتمه, فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا وخرج مكانه تائها; قال: ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما. قال: فأنكر الناس أحكامه, فاجتمع قرّاء بني إسرائيل وعلماؤهم, فجاءو ا حتى دخلوا على نسائه, فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا, فإن كان سليمان فقد ذهب عقله, وأنكرنا أحكامه. قال: فبكى النساء عند ذلك, قال: فأقبلوا يمشون حتى أتوه, فأحدقوا به, ثم نشروا التوراة, فقرءوا; قال: فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه, ثم طار حتى ذهب إلى البحر, فوقع الخاتم منه في البحر, فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال: وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع, وقد اشتدّ جوعه, فاستطعمهم من صيدهم, قال: إني أنا سليمان, فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجَّه, فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر, فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه, فقالوا: بئس ما صنعت حيث ضربته, قال: إنه زعم أنه سليمان, قال: فأعطوه سمكتين مما قد مَذِر عندهم, ولم يشغله ما كان به من الضرر, حتى قام إلى شطّ البحر, فشقّ بطونهما, فجعل يغسل... , فوجد خاتمه في بطن إحداهما, فأخذه فلبسه, فرد الله عليه بهاءه وملكه, وجاءت الطير حتى حامت عليه, فعرف القوم أنه سليمان, فقام القوم يعتذرون مما صنعوا, فقال: ما أحمدكم على عذركم, ولا ألومكم على ما كان منكم, كان هذا الأمر لا بُدّ منه, قال: فجاء حتى أتى ملكه, فأرسل إلى الشيطان فجيء به, وسخر له الريح والشياطين يومئذ, ولم تكن سخرت له قبل ذلك, وهو قوله ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) قال: وبعث إلى الشيطان, فأتي به, فأمر به فجعل في صندوق من حديد, ثم أطبق عليه فأقفل عليه بقفل, وختم عليه بخاتمه, ثم أمر به, فألقي في البحر, فهو فيه حتى تقوم الساعة, وكان اسمه حبقيق.

وقوله ( ثُمَّ أَنَابَ ) سليمان, فرجع إلى ملكه من بعد ما زال عنه ملكه فذهب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن المحاربي, عن عبد الرحمن, عن جُوَيبر, عن الضحاك, في قوله ( ثُمَّ أَنَابَ ) قال: دخل سليمان على امرأة تبيع السمك, فاشترى منها سمكة, فشقّ بطنها, فوجد خاتمه, فجعل لا يمر على شجر ولا حجر ولا شيء إلا سجد له, حتى أتى مُلكه وأهله, فذلك قوله;( ثُمَّ أَنَابَ ) يقول: ثم رجع.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ثُمَّ أَنَابَ ) وأقبل, يعني سليمان.

التدبر :

عمل
[34] ﴿وَلَقَد فَتَنّا سُلَيمانَ﴾ الإبتلاء من الله اختبار لك وللتمحيص، ولتعلم قدر اليقين والإيمان فى قلبك؛ فاصبر الصبر الجميل ولا تجزع.
وقفة
[34] ﴿وَلَقَد فَتَنّا سُلَيمانَ﴾ أشد الناس ابتلاءً الأنبياء ثم الأقل فالأقل.
وقفة
[34] ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ الله يمتحن ويمحص أنبياء اختارهم لوحيه، فلا تأمن أيها العالم والداعية بعض ما يعرض لك، فلعله فتنة واختبار.
عمل
[34] مشكلات مشكلات مشكلات، اطمئن فإن الله قد امتحن أنبياءه فكيف بك؟! ﴿ولقد فتنا سليمان﴾؛ فأحسن التعامل تجد المخرج.
وقفة
[34] ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ ذهب البعض أن أصح ما قيل في فتنة سليمان عليه السلام: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ نَبِىُّ اللَّهِ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِى بِغُلاَمٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوِ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِىَ، فَلَمْ تَأْتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ غُلاَمٍ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَلَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ» [مسلم 1654]، وقيل: المراد بالجسد الملقى على الكرسي ذلك الشق الذي ولد له.
وقفة
[34] ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ استنبط العلماء من هذا الحديث أن فتنة سليمان، هي تركه تعليق ما طلبه على مشيئة الله، وأن عقابه على ذلك كان عدم تحقق ما طلبه، فلا تنس أن تقيد أي شيء تنوي فعله بمشيئة الله.
وقفة
[34، 35] إذا أردت أن تعرف ماذا يعني حسن الظن بالله، فانظر إلى دعوة سليمان؛ يفتن ويستغفر ويسأل الله في ذات الدعوة ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾.
عمل
[34، 35] إذا أذنبت، أو أصابك بلاء، أو هم؛ فكن أوابًا رجاعًا إلى الله تعالى ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ:
  • الواو استئنافية واللام للابتداء والتوكيد. قد:حرف تحقيق. فتن: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل بمعنى: ولقد امتحنا. سليمان: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ:
  • معطوفة بالواو على «فتنا» وتعرب اعرابها. على كرسيه: جار ومجرور متعلق بألقينا والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ جَسَداً:
  • مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اي امتحناه عند ما رزق مولودا قتلته الشياطين ورمت به على كرسيه جثة هامدة وقيل شيطانا بهيئة جسد.
  • ﴿ ثُمَّ أَنابَ:
  • ثم حرف عطف. اناب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى: فأدرك سليمان ان الله اختبره به فرجع الى الله تعالى.'

المتشابهات :

العنكبوت: 3﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
ص: 34﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ
الدخان: 17﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [34] لما قبلها :     وبعد الحديث عن واقعة الخيول الجياد؛ انتقل الحديث هنا إلى واقعةٍ ثانيةٍ لسليمان عليه السلام، وهي الفتنة التي عَرضتْ له فتاب إلى الله منها، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [35] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ ..

التفسير :

[35] ، قال:رب اغفر لي ذنبي، وأعطني مُلكاً عظيماً خاصّاً لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي، إنك -سبحانك- كثير الجود والعطاء.

فـ{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.

وقوله- سبحانه-: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ...

بيان لما قاله سليمان- عليه السلام- بعد الابتلاء والاختبار من الله- تعالى- له.

أى: قال سليمان- عليه السلام- يا رب اغفر لي ما فرط منى من ذنوب وزلات..

وَهَبْ لِي مُلْكاً عظيما لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أى: لا يحصل مثله لأحد من الناس من بعدي إِنَّكَ أَنْتَ يا إلهى الْوَهَّابُ أى: الكثير العطاء لمن تريد عطاءه.

وقدم سليمان- عليه السلام- طلب المغفرة على طلب الملك، للإشارة إلى أنها هي الأهم عنده.

قال الإمام الرازي- رحمه الله-: دلت هذه الآية على أنه يجب تقديم مهم الدين على مهم الدنيا، لأن سليمان طلب المغفرة أولا، ثم بعدها طلب المملكة، وأيضا الآية تدل على أن طلب المغفرة من الله- تعالى- سبب لانفتاح أبواب الخيرات في الدنيا، لأن سليمان طلب المغفرة أولا، ثم توسل به إلى طلب المملكة .

ولا يقال كيف طلب سليمان- عليه السلام- الدنيا والملك مع حقارتهما إلى جانب الآخرة وما فيها من نعيم دائم لأن سليمان- عليه السلام- ما طلب ذلك إلا من أجل خدمة دينه وإعلاء كلمة الله في الأرض، والتمكن من أداء الحقوق لأصحابها، ونشر العدالة بين الناس، وإنصاف المظلوم، وإعانة المحتاج. وتنفيذ شرع الله- تعالى- على الوجه الأكمل.

فهو- عليه السلام- لم يطلب الملك للظلم أو البغي.. وإنما طلبه للتقوى به على تنفيذ شريعة الله- تعالى- في الأرض.

ولقد وضح الإمام القرطبي هذا المعنى فقال: كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا، مع ذمها من الله- تعالى- ... ؟

فالجواب: أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله- تعالى- وسياسة ملكه، وترتيب منازل خلقه، وإقامة حدوده. والمحافظة على رسومه وتعظيم شعائره، وظهور عبادته، ولزوم طاعته ... وحوشي سليمان- عليه السلام- أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا. لأنه هو والأنبياء، أزهد خلق الله فيها، وإنما سأل مملكتها لله. كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله، فكانا محمودين مجابين إلى ذلك.

ومعنى قوله لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أى: أن يسأله. فكأنه سأل منع السؤال بعده، حتى لا يتعلق به أمل أحد، ولم يسأل منع الإجابة.. .

( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ) قال بعضهم : معناه : لا ينبغي لأحد من بعدي أي : لا يصلح لأحد أن يسلبنيه كما كان من قضية الجسد الذي ألقي على كرسيه لا أنه يحجر على من بعده من الناس . والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله ، وهذا هو ظاهر السياق من الآية وبه وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان : ( رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي )

قال روح : فرده خاسئا

وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة به

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فسمعناه يقول : " أعوذ بالله منك " . ثم قال : " ألعنك بلعنة الله " - ثلاثا - وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك ؟ قال : " إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة "

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد حدثنا ميسرة بن معبد حدثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال : رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي ، فذهبت أمر بين يديه فردني ثم قال حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال : " لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها - ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد ، يتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل " .

وقد روى أبو داود منه : " من استطاع منكم ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل " عن أحمد بن أبي سريج عن أبي أحمد الزبيري به

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري حدثنا الأوزاعي ، حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد الله الديلمي قال : دخلت على عبد الله بن عمرو ، وهو في حائط له بالطائف يقال له : " الوهط " ، وهو مخاصر فتى من قريش يزن بشرب الخمر ، فقلت : بلغني عنك حديث أنه " من شرب شربة خمر لم يقبل الله - عز وجل - له توبة أربعين صباحا ، وإن الشقي من شقي في بطن أمه وإنه من أتى بيت المقدس لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه ، فلما سمع الفتى ذكر الخمر اجتذب يده من يده ثم انطلق . فقال عبد الله بن عمرو إني لا أحل لأحد أن يقول علي ما لم أقل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من شرب من الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه . فإن عاد - قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة - فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة " قال : وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله - عز وجل - " وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن سليمان سأل الله تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله تعالى قد أعطانا إياها "

وقد روى هذا الفصل الأخير من هذا الحديث النسائي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه - عز وجل - خلالا ثلاثا . . . " وذكره

وقد روي من حديث رافع بن عمير رضي الله عنه ، بإسناد وسياق غريبين فقال الطبراني :

حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني حدثنا محمد بن أيوب بن سويد حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي الزاهرية عن رافع بن عمير قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله - عز وجل - لداود - عليه السلام - : ابن لي بيتا في الأرض . فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به فأوحى الله إليه : يا داود نصبت بيتك قبل بيتي ؟ قال : يا رب هكذا قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلاثا فشكا ذلك إلى الله - عز وجل - فقال : يا داود إنك لا تصلح أن تبني لي بيتا قال : ولم يا رب ؟ قال : لما جرى على يديك من الدماء . قال : يا رب أو ما كان ذلك في هواك ومحبتك ؟ قال : بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه : لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان . فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل فأوحى الله إليه : قد أرى سرورك ببنيان بيتي فسلني أعطك . قال : أسألك ثلاث خصال حكما يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما ثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة "

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن راشد اليمامي ، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا دعاء إلا استفتحه ب " سبحان الله ربي الأعلى العلي الوهاب "

وقد قال أبو عبيد : حدثنا علي بن ثابت عن جعفر بن برقان عن صالح بن مسمار قال : لما مات نبي الله داود أوحى الله إلى ابنه سليمان عليهما السلام : أن سلني حاجتك . قال : أسألك أن تجعل لي قلبا يخشاك كما كان قلب أبي وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي . فقال الله : أرسلت إلى عبدي وسألته حاجته فكانت [ حاجته ] أن أجعل قلبه يخشاني وأن أجعل قلبه يحبني لأهبن له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .

قوله ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) يقول تعالى ذكره: قال سليمان راغبا إلى ربه: ربّ استر عليّ ذنبي الذي أذنبت بيني وبينك, فلا تعاقبني به ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) لا يسلبنيه أحدكما كما سلبنيه قبل هذه الشيطان.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) يقول: ملكا لا أسلَبه كما سُلبتُه. وكان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله ( لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) إلى: أن لا يكون لأحد من بعدي, كما قال ابن أحمر:

مـا أُمُّ غُفْـرٍ عـلى دعْجَـاءَ ذي عَلَقٍ

يَنْفـي القَراميـدَ عنهـا الأعْصَمُ الوَقِلُ

فـي رأْسِ حَلْقـاءَ مِـن عَنقاءَ مُشْرِفةً

لا يَنْبَغــي دُونهـا سَـهْل وَلا جَـبَل (2)

بمعنى: لا يكون فوقها سهل ولا جبل أحصن منها.

وقوله ( إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) يقول: إنك وهاب ما تشاء لمن تشاء بيدك خزائن كلّ شيء تفتح من ذلك ما أردت لمن أردت.

-------------------

الهوامش :

(2) البيتان لابن أحمر الباهلي . أنشد أولهما صاحب اللسان في (دعج ، علق) وأنشد الثاني في (علق) ، وقال : دعجاء : هضبة عن أبي عبيدة . والغفر ، بضم أوله وفتحه : ولد الأروية ، والأنثى بالهاء والقراميد في البيت : أولاد الوعول . والقرمود : ذكر الوعول : والقراميد في غير هذا : الصخور وطوابيق الدار والحمامات . وبناء مقرمد : مبني بالآجر أو الحجارة . والأعصم : الوعل الذي في ذراعيه أو أحدهما بياض . والوعل بكسر العين وضمها : الذي يسرع في الصعود في الجبل. وهضبة حلقاء : مصمتة ملساء ، لا نبات فيها . ويقال : هضبة معنقة وعنقاء : إذا كانت مرتفعة طويلة في السماء. ولا ينبغي : أي لا يكون مثلها في سهل أو جبل . وهذا محل الشاهد في البيتين ، وهو مثل قوله تعالى :" هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" . قال أبو عبيدة وأنشد البيتين ( الورقة 214 ) لا ينبغي أن يكون فوقها سهل ولا جبل أعز منها أو أحصن منها . ورواية البيت الثاني في ( اللسان : علق ) : لا ينبغي تحريف . وقد مر هذا البيت في شواهد المؤلف مرتين في الجزء ( 16 : 84 ، 131 ) . أ هـ .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي﴾ قبل دلوفك لساحة الكرم؛ تخفّف من أحمال الذنوب؛ لتظفر بعظيم النعم.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي﴾ في طريق الإجابة هناك ذنوب تمنع العطاء الرباني! فقط استغفر الله، وقل: يا رب.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي﴾ مفاتيح أبواب الهبات الاستغفار.
عمل
[35] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ بدأ بطلب المغفرة قبل طلب الملك، الذنوب تتراكم على القلب وتمنعك كثيرًا من المصالح، فقبل سؤالك ما تريد اطلب المغفرة.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ كرم ربك يجعلك لا تتردد أن تجمع بين يديه في دعاء واحد بين الاستغفار من ذنب كبير وطلب عطاء وفير.
وقفة
[35]‏ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ الاستغفار مفتـاح باب العطـيَّات.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ بدأ سليمان عليه السلام بطلب المغفرة قبل الدعاء؛ فالذنوب قد تمنع إجابة الدعاء، أو تؤخره!
عمل
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ قد تستحي بعد ذنبك فتخجل من أن تسأل ربك شيئًا، كلا، استغفر واسأل وأكثر، ربك يحب ذلك.
وقفة
[35] مغفرة الذنوب نعمة أعظم من نِعم الدنيا ومُلْكها، فإن أعظم مُلْك في الأرض كان لسليمان؛ فطلب المغفرة قبل المُلك ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾.
عمل
[35] من سأل الله دنيا فليُقدم قبل دعائه استغفارًا وتوبة؛ فالذنوب تمنع الإجابة أو تؤخرها، وسليمان استغفر ربه قبل سؤاله الملك ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾.
عمل
[35]‏ لا يمنعك اقتراف الذنب من الدعاء، فانقباضك بسبب الذنب يبسطه رجاؤك في كرم الرب، واذكر دعوة نبي الله سليمان: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ في هذه الآية أدب من آداب الدعاء، وهو تعظيم الرغبة، وعلو الهمة في الطلب، فسليمان عليه السلام لم يكتف بسؤال الله المغفرة، ولكنه لعلو همته، وعلمه بسعة فضل ربه سأله مع ذلك ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأجاب الله دعاءه، وسخر له الريح، والشياطين، بل وله في الآخرة زلفى وحسن مآب.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ العقلاء يعمرون آخرتهم ودُنياهم.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ أزِلْ حجر الذَنْب من طريق العطايا الإلهية.
وقفة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ هل هناك فرق بين: (ارزقني)، و(هب لي) في القرآن الكريم؟ الجواب: (الرزق): عطاء متكرر، و(الهبة): العطاء بدون مقابل، وغالبًا يكون لمرة واحدة.
عمل
[35] إن دخلت على ربك من باب طلب الغفران فاطمع في جزيل الهبات، فالرب وهاب، يعطي الجزيل ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾.
لمسة
[35] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ قدم الاستغفار على طلب الملك؛ لأن أمور الدين كانت عندهم أهم من الدنيا، فقدَّم الأولى والأهمِّ.
عمل
[35] سل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة؛ اقتداءً بأنبيائه ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾.
وقفة
[35] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ بعد الذنب والتوبة موطن إجابة.
وقفة
[35] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ حسن الظن ليس أن تظن أن يغفر ذنبك فقط، بل ويعطيك عطاء عظيمًا.
وقفة
[35] يُشرع إظهار التوبة عند سؤال الله الحاجات، فربما كان للإنسان ذنب يمنع الإجابة ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾، ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15].
لمسة
[35] متى تكتب كلمة (رب) بالكسرة ومتى تكتب بالياء (ربي)؟ الجواب: في سياق الدعاء أو الصفة (رب) بالكسرة نحو: ﴿رب السجن أحب إليّ﴾ [يوسف: 33]، ﴿رب اغفر لى و هب لي ملكاً﴾، ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ [الفاتحة: 2]، وفي سياق الخبر (ربي) بالياء، نحو: ﴿إنه ربي أحسن مثواي﴾ [يوسف: 23]، ﴿ربي الذي يحيي ويميت﴾ [البقرة: 258]، ﴿إن الله ربي وربكم﴾ [آل عمران: 51]، ﴿قال هذا ربي﴾ [الأنعام: 76]، وذلك في جميع القرآن، وخاص برسم المصحف.
وقفة
[35] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ فيه أدب من آداب الدعاء؛ وهو الطموح وعلو الهمة وعِظم الرغبة.
لمسة
[35] قال سليمان عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ فبدأ بطلب المغفرة قبل طلب المُلك العظيم؛ وذلك لأن زوال أثر الذنوب هو الذي يحصل به المقصود، فالذنوب تتراكم على القلب، وتمنعه كثيرًا من المصالح، فعلى المؤمن أن يسأل ربه التخلص من هذه الذنوب قبل أن يسأل ما يريد.
وقفة
[35] من غفر الله ذنبه رزقه رزقًا عظيمًا، تأمل دعوة سليمان: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾.
وقفة
[35] ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ أي: إلى يوم القيامة، لا تقصر في الدعاء؛ فبعض الدعوات أطول من عمر قائلها.
وقفة
[35] ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ بعض الإغراب في الدعاء مظنة الإجابة؛ لأنه دليل على إيمان تام بالقدرة.
عمل
[35] ﴿وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ أي: إلى يوم القيامة لا تقصر في الدعاء، فبعض الدعوات أطول من عمر قائلها.
وقفة
[35] ﴿هَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾، ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26]، ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: 5]، كلما كان الدعاء أغرب؛ كانت إجابته أقرب.
عمل
[35] ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾، ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26] ما أعظم همة الأنبياء في الدعاء! ارفع سقف دعائك، فإنما تسأل الكريم الوهاب.
وقفة
[35] قال سليمان عليه السلام: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾، من كرم الله للمؤمن: أن الدعوة الصادقة يمتد أثرها بعد وفاة صاحبها.
وقفة
[35] طُبع الإنسان على حبّ التميّز: وذلك مطلب في الفضائل، لا في الرذائل ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾.
وقفة
[35] قال سليمان: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾، ثم أتبع ذلك بطلب عظيم ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾؛ فحقَّق الله له ذلك.
وقفة
[35] لأنه يعلم يقينًا أنه يدعو ملكًا عظيمًا ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾.
وقفة
[33-35] تأكيد طلب المغفرة بالفعل أقوى في التوبة وأقرب للقبول ﴿ردوها عليّ فطفق مسحًا بالسوق والأعناق ... قال رب اغفر لي﴾.
وقفة
[35، 36] ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ عن الحسن: «أن نبي الله سليمان ﷺ لما عرضت عليه الخيل، فشغله النظر إليها عن صلاة العصر (حتى توارت بالحجاب)، فغضب لله، فأمر بها فعقرت، فأبدله الله مكانها أسرع منها؛ سخر الريح تجري بأمره رخاء حيث شاء».

الإعراب :

  • ﴿ قالَ رَبِّ:
  • فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. رب: منادى بأداة نداء محذوفة اكتفاء بالمنادى على سبيل التوقير واصله: يا رب وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء. والياء المحذوفة خطا واختصارا اكتفاء بالكسرة ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ اغْفِرْ لِي:
  • الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به-مقول القول-.اغفر:فعل دعاء وتوسل بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. لي: جار ومجرور متعلق باغفر الذي تعدى الى مفعوله باللام.
  • ﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً:
  • معطوفة بالواو على اِغْفِرْ لِي» وتعرب اعرابها. والفعل «هب» تعدى الى مفعوله الاول باللام والى الثاني بنفسه. وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب صفة-نعت-لملك. لا:نافية لا عمل لها. ينبغي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. لاحد: جار ومجرور متعلق بفاعل لا ينبغي بمعنى: لا يكون ولا يتسهل مثله لاحد
  • ﴿ مِنْ بَعْدِي:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة للموصوف «احد» والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ:
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم «ان».انت: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب توكيد للكاف. الوهاب: خبر «ان» مرفوع بالضمة.'

المتشابهات :

آل عمران: 8﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
ص: 35﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [35] لما قبلها :     وبعد ذكرِ الحادثتين السابقتين؛ ذكرَ اللهُ هنا ما قاله سليمان عليه السلام بعد الابتلاء والاختبار من الله تعالى له، قال تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [36] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ..

التفسير :

[36]فاستجبنا له، وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.

فـ{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.

والفاء في قوله- تعالى-: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ للتفريع على ما تقدم من طلب سليمان من ربه أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.

والتسخير: التذليل والانقياد. أى: دعانا- سليمان- عليه السلام والتمس منا أن نعطيه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فاستجبنا له دعاءه. وذللنا له الريح، وجعلناها منقادة لأمره بحيث تجرى بإذنه رخية لينة، إلى حيث يريدها أن تجرى.

وقوله: تَجْرِي حال من الريح. وقوله بِأَمْرِهِ من إضافة المصدر لفاعله. أى:

بأمره إياها. ولا تنافى بين هذه الآية وبين قوله- تعالى- في آية أخرى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها ... لأن المقصود من الآيتين بيان أن الريح تجرى بأمر سليمان، فهي تارة تكون لينة وتارة تكون عاصفة، وفي كلتا الحالتين هي تسير بأمره ورغبته.

قال الله تعالى : ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ) والتي بعدها ، قال : فأعطاه [ الله ] ما أعطاه وفي الآخرة لا حساب عليه .

هكذا أورده أبو القاسم بن عساكر في ترجمة سليمان - عليه السلام - في تاريخه

وروي عن بعض السلف أنه قال : بلغني عن داود [ عليه السلام ] أنه قال : " إلهي كن لسليمان كما كنت لي " : فأوحى الله إليه : أن قل لسليمان : يكون لي كما كنت لي ، أكون له كما كنت لك .

وقوله : ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ) قال الحسن البصري رحمه الله : لما عقر سليمان الخيل غضبا لله - عز وجل - عوضه الله ما هو خير منها وأسرع الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر .

وقوله : ( حيث أصاب ) أي : حيث أراد من البلاد .

القول في تأويل قوله تعالى : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)

يقول تعالى ذكره: فاستجبنا له دعاءه, فأعطيناه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ) مكان الخيل التي شغلته عن الصلاة ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) يعني: رِخوة لينة, وهي من الرخاوة.

كما حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا عوف, عن الحسن, أن نبي الله سليمان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما عرضت عليه الخيل, فشغله النظر إليها عن صلاة العصر حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ فغضب لله, فأمر بها فعُقرت, فأبدله الله مكانها أسرع منها, سخر الريح تجري بأمره رُخاء حيث شاء, فكان يغدو من إيلياء, ويقيل بقزوين, ثم يروح من قَزْوين ويبيت بكابُل.

حُدثت عن الحسن, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فإنه دعا يوم دعا ولم يكن في مُلكه الريح, وكل بناء وغواص من الشياطين, فدعا ربه عند توبته واستغفاره, فوهب الله له ما سأل, فتمّ مُلكه.

واختلف أهل التأويل في معنى الرخاء, فقال فيه بعضهم نحو الذي قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: طَيِّبة.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: سريعة طيبة, قال: ليست بعاصفة ولا بطيئة.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( رُخَاءً ) قال: الرخاء اللينة.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا قرة, عن الحسن, في قوله ( رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: ليست بعاصفة, ولا الهَيِّنة بين ذلك رُخاء.

وقال آخرون: معنى ذلك: مطيعة لسليمان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن على, عن ابن عباس, قوله ( رُخَاءً ) يقول: مُطيعة له.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: يعني بالرُّخاء: المطيعة.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) قال: مطيعة.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( رُخَاءً ) يقول: مطيعة.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( رُخَاءً ) قال: طوعا. وقوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد, من قولهم: أصاب الله بك خيرا: أي أراد الله بك خيرا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ عن ابن عباس, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) يقول: حيث أراد, انتهى عليها.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال. ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث شاء.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله, قال: ثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: إلى حيث أراد.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه ( حَيْثُ أَصَابَ ) : أي حيث أراد.

حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( حَيْثُ أَصَابَ ) قال: حيث أراد.

التدبر :

وقفة
[36] ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ﴾ لا وجود للمستحيلات عند عتبة الجبار.
وقفة
[36] ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ﴾ كل الخلائق جند لله، يبعث بها حيث يشاء، إن شاء، ومتى شاء.

الإعراب :

  • ﴿ فَسَخَّرْنا:
  • الفاء سببية. سخر: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا.و«نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ لَهُ الرِّيحَ:
  • جار ومجرور متعلق بسخرنا او بمفعولها. الريح: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ:
  • الجملة الفعلية في محل نصب حال من الريح. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. بأمره: جار ومجرور متعلق بتجري او بحال محذوفة من الضمير في «تجري» بمعنى: تجري مأمورة بأمره والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ رُخاءً:
  • حال ثانية منصوبة وعلامة نصبها الفتحة. اي تجري لينة لا تزعزع وقيل طيعة له.
  • ﴿ حَيْثُ أَصابَ:
  • اسم مبني على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بتجري وهو مضاف. اصاب: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «اصاب» في محل جر بالاضافة بمعنى: حيث قصد وأراد'

المتشابهات :

الأنبياء: 81﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
ص: 36﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [36] لما قبلها :     ولَمَّا دعا سليمان عليه السلام ربَّه؛ أخبرَ اللهُ هنا أنه أجابَ دعاءه، ووفقه لتحصيل ما أراد، قال تعالى:
﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الريح:
1- بالإفراد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- الرباح، بالجمع، وهى قراءة الحسن، وأبى رجاء، وقتادة، وأبى جعفر.

مدارسة الآية : [37] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ

التفسير :

[37] وسخَّرنا له الشياطين يستعملهم في أعمال:فمنهم البناؤون والغوَّاصون في البحار،

فـ{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.

وقوله: وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ معطوف على الريح أي: سخرنا له الريح تجرى بأمره.. وسخرنا له الشياطين. بأن جعلناهم منقادين لطاعته، فمنهم من يقوم ببناء المبانى العظيمة التي يطلبها سليمان منهم. ومنهم الغواصون الذين يغوصون في البحار ليستخرجوا له منها اللؤلؤ والمرجان، وغير ذلك من الكنوز التي اشتملت عليها البحار.

وقوله : ( والشياطين كل بناء وغواص ) أي : منهم من هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر وطائفة غواصون في البحار يستخرجون مما فيها من اللآلئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها

وقوله ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا له الشياطين سلطناه عليها مكان ما ابتُليناه بالذي ألقينا على كرسيّه منها يستعملها فيما يشاء من أعماله من بنَّاء وغوَّاص; فالبُناة منها يصنعون محاريب وتماثيل, والغاصة يستخرجون له الحُلِيّ من البحار, وآخرون ينحتون له جِفانا وقدورا, والمَردَة في الأغلال مُقَرَّنون.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل, وغوّاص يستخرجون الحليّ من البحر .

التدبر :

وقفة
[37] ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ ذكر الإمام القرطبي أن الشياطين ما سُخِّرَت لأحد قبل سليمان، وأن سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر عن طريق شياطين غواصين.

الإعراب :

  • ﴿ وَالشَّياطِينَ:
  • معطوفة بالواو على «الريح» منصوبة مثلها بمعنى: وسخرنا لسليمان الشياطين.
  • ﴿ كُلَّ بَنّاءٍ:
  • بدل من «الشياطين» منصوبة مثلها. بناء: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة. وعلامة نصب «كل» الفتحة الظاهرة على آخره.
  • ﴿ وَغَوّاصٍ:
  • معطوفة بالواو على «بناء» مجرورة مثلها بالكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [37] لما قبلها :     وكما سَخَّرَ اللهُ له الريحَ؛ سَخَّرَ له الشياطينَ، قال تعالى:
﴿ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [38] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ

التفسير :

[38]وآخرون وهم مردة الشياطين، موثوقون في الأغلال.

فـ{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.

وقوله- سبحانه-: وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ معطوف على كل بناء، داخل معه في حكم البدل من الشياطين.

أى: أن الشياطين المسخرين لسليمان كان منهم البناءون، وكان منهم الغواصون، وكان منهم المقيدون بالسلاسل والأغلال، لتمردهم وكثرة شرورهم.

فمعنى «مقرنين» : مقرونا بعضهم ببعض بالأغلال والقيود. والأصفاد: جمع صفد وهو ما يوثق به الأسير من قيد وغلّ.

( وآخرين مقرنين في الأصفاد ) أي : موثقون في الأغلال والأكبال ممن قد تمرد وعصى وامتنع من العمل وأبى أو قد أساء في صنيعه واعتدى .

( وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال: مردة الشياطين في الأغلال.

حُدثت عن المحاربيّ, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ) قال: لم يكن هذا في ملك داود, أعطاه الله ملك داود وزاده الريح ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول: في السلاسل.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( الأصْفَادِ ) قال: تجمع اليدين إلى عنقه, والأصفاد: جمع صَفَد وهي الأغلال.

التدبر :

وقفة
[38] ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ من الشياطين من بلغ أذاه أن يصفده الملك سليمان بالأغلال لشدة أذاه، فكيف أذاهم بعده? نعوذ بالله من الشياطين.
وقفة
[38] ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ من تمرد وعصي، أو امتنع من العمل وأبي، أو أساء واعتدي، لا بد له معه من حزم ومن عقوبة، وكانت العقوبة هنا: الحبس في الأغلال.
وقفة
[38] السجن كفٌّ للأشرار من إفساد المجتمع ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾.
وقفة
[38] في كل أمة وجنس يوجد عصاة لا يردعهم إلا العقاب، فالجن لم يذعنوا كلهم وهم تحت إمرة نبي قوي ممكن ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَآخَرِينَ:
  • معطوفة بالواو على «كل» داخله في حكم البدل وهو بدل الكل من الكل وعلامة النصب الياء لانها ملحقة بجمع المذكر السالم والنون عوض من الحركة في المفرد.
  • ﴿ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ:
  • صفة-نعت-لآخرين منصوبة مثلها بالياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. بمعنى مقيدين. في الاصفاد: جار ومجرور متعلق بمقرنين. اي قيد بعضهم الى بعض في القيود منعا لشرهم.'

المتشابهات :

ابراهيم: 49﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ
ص: 38﴿وَآخَرِينَ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     ولَمَّا استعملَ سليمانُ عليه السلام الشياطين في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص في الماء؛ ذكرَ اللهُ هنا أنه وضعَ من لم يطع أمرَه في السلاسلِ والأغلالِ؛ عقابًا له، وكفًّا لشرِّه، وعبرةً لغيره، قال تعالى:
﴿ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [39] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ..

التفسير :

[39]هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان، فأعط مَن شئت أو امنع مَن شئت، لا حساب عليك.

وقلنا له:{ هَذَا عَطَاؤُنَا} فَقَرَّ به عينا{ فَامْنُنْ} على من شئت،{ أَوْ أَمْسِكْ} من شئت{ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي:لا حرج عليك في ذلك ولا حساب، لعلمه تعالى بكمال عدله، وحسن أحكامه، ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم.

ثم بين- سبحانه- أنه أباح لسليمان- عليه السلام- أن يتصرف في هذا الملك الواسع كما يشاء فقال: هذا عَطاؤُنا أى: منحنا هذا الملك العظيم لعبدنا سليمان- عليه السلام- وقلنا له: هذا عطاؤنا لك فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ أى: فأعط من شئت منه. وأمسك عمن شئت. فأنت غير محاسب منا لا على العطاء ولا على المنع.

وقوله : ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) أي : هذا الذي أعطيناك من الملك التام والسلطان الكامل كما سألتنا فأعط من شئت واحرم من شئت ، لا حساب عليك ، أي : مهما فعلت فهو جائز لك احكم بما شئت فهو صواب . وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خير بين أن يكون عبدا رسولا - وهو الذي يفعل ما يؤمر به وإنما هو قاسم يقسم بين الناس ما أمره الله به - وبين أن يكون ملكا نبيا يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بلا حساب ولا جناح ، اختار المنزلة الأولى بعد ما استشار جبريل فقال له : تواضع فاختار المنزلة الأولى لأنها أرفع قدرا عند الله وأعلى منزلة في المعاد وإن كانت المنزلة الثانية وهي النبوة مع الملك عظيمة أيضا في الدنيا والآخرة ولهذا لما ذكر تبارك وتعالى ما أعطى سليمان في الدنيا نبه على أنه ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضا ،

وقوله ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) اختلف أهل التأويل في المشار إليه بقوله ( هَذَا ) من العطاء, وأيّ عطاء أريد بقوله: عَطاؤنا, فقال بعضهم: عني به الملك الذي أعطاه الله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: قال الحسن: الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت وامنع ما شئت.

حدثنا عن المحاربي, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( هَذَا عَطَاؤُنَا ) : هذا ملكنا.

وقال آخرون: بل عَنَى بذلك تسخيره له الشياطين, وقالوا: ومعنى الكلام: هذا الذي أعطيناك من كلّ بنّاء وغوّاص من الشياطين, وغيرهم عطاؤنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم فى وثاقك وفي عذابك أو سرِّح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا, اصنع ما شئت.

وقال آخرون: بل ذلك ما كان أوتي من القوّة على الجماع.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن أبي يوسف, عن سعيد بن طريف, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان سليمان في ظهره ماءُ مِئَة رجل, وكان له ثلاث مِئَة امرأة وتسع مِئَة سُرِّيَّة ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ).

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القولُ الذي ذكرناه عن الحسن والضحاك من أنه عني بالعطاء ما أعطاه من الملك تعالى ذكره, وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر ذلك عَقِيب خبره عن مسألة نبيه سليمان صلوات الله وسلامه عليه إياه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, فأخبر أنه سخر له ما لم يُسَخَّر لأحد من بني آدم, وذلك تسخيره له الريح والشياطين على ما وصفت, ثم قال له عزّ ذكره: هذا الذي أعطيناك من المُلك, وتسخيرنا ما سخرنا لك عطاؤنا, ووهبنا لك ما سألتنا أن نهبه لك من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فقال بعضهم: عنى بذلك. فأعط من شئت ما شئت من الملك الذي آتيناك, وامنع ما شئت منه ما شئت, لا حساب عليك في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) المُلك الذي أعطيناك, فأعط ما شئت وامنع ما شئت, فليس عليك تبعة ولا حساب.

حُدثت عن المحاربي, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) سأل مُلكا هنيئا لا يُحاسب به يوم القيامة, فقال: ما أعطيت, وما أمسكت, فلا حرج عليك.

حدثنا ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرمة ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: أعط أو أمسك, فلا حساب عليك.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( فَامْنُنْ ) قال: أعط أو أمسك بغير حساب.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعْتِق من هؤلاء الشياطين الذين سخرناهم لك من الخدمة, أو من الوَثاق ممن كان منهم مُقَرَّنا في الأصفاد مَنْ شئت واحبس من شئت فلا حرج عليك في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم في وَثاقك وفي عذابك, وسرح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا, اصنع ما شئت لا حساب عليك في ذلك.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول: أعتق من الجنّ من شئت, وأمسك من شئت.

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال: تَمُنّ على من تشاء منهم فتُعْتِقُهُ, وتُمسِك من شئت فتستخدمه ليس عليك في ذلك حساب.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: هذا الذي أعطيناك من القوّة على الجماع عطاؤنا, فجامع من شئت من نسائك وجواريك ما شئت بغير حساب, واترك جماع من شئت منهن.

وقال آخرون: بل ذلك من المقدم والمؤخر. ومعنى الكلام: هذا عطاؤنا بغير حساب, فامْنُن أو أمسك. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: " هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب ".

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول في قوله ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) وجهان; أحدهما: بغير جزاء ولا ثواب, والآخر: مِنَّةٍ ولا قِلَّةٍ.

والصواب من القول في ذلك ما ذكرته عن أهل التأويل من أن معناه: لا يحاسب على ما أعطى من ذلك المُلك والسلطان. وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه.

التدبر :

وقفة
[39] ﴿هَـٰذَا عَطَاؤُنَا﴾ هذا عطاؤه سبحانه لمن طلب التوسع ومزيد الكرم، فكيف بمكروب يطلب رفع الضر عنه؟
وقفة
[39] ﴿هَـٰذَا عَطَاؤُنَا﴾ قالها الله لسليمان لما أعطاه الملك العظيم، هل عرفت ما معنى عطية الله؟
وقفة
[39] ﴿هَـٰذَا عَطَاؤُنَا﴾ فيضٌ لا ينضب، ومنن لا تحسب، وكرم لا ينقطع، وجود لا ينتهي، وأعطيات لا تكال, وهبات لا تحول؛ إنه عطاء الواسع الكريم الحميد.
وقفة
[39] ﴿هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أنعم الله عليه بحرية الإنفاق والإمساك، ومعلوم أن سليمان عليه السلام سيستعمل هذا العطاء في ما يرضي الله، وهذا شأن كل مؤمن، عطاؤه لله، وإمساكه لله.
وقفة
[39] من فضيلة العلم على المال أن الله فهم سليمان مسألة فمن عليه ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ [الأنبياء: 79]، وأعطاه الملك ولم يمن عليه: ﴿هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
وقفة
[39] من تمام الإعطاء تمام التمكين وإطلاق الإذن بالتصرف ﴿هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ هذا عَطاؤُنا:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. عطاء:خبر «هذا» مرفوع بالضمة. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. اي قلنا له: هذا الذي اعطيناك من الملك والمال عطاؤنا
  • ﴿ فَامْنُنْ:
  • الفاء استئنافية. امنن: فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ أَوْ أَمْسِكْ:
  • معطوفة بأو على «امنن» وتعرب اعرابها بمعنى: فاعط‍ منه ما شئت وامنع عمن شئت
  • ﴿ بِغَيْرِ حِسابٍ:
  • جار ومجرور متعلق بحال من ضمير «امسك».حساب:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ بعضًا مما مَنَّ به على سليمان عليه السلام؛ ذكرَ هنا أنه أباحَ له أن يتصرف في كل هذا الملك الواسع كما شاء، دون رقيب ولا حسيب، قال تعالى:
﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ ..

التفسير :

[40] وإن لسليمان عندنا في الدار الآخرة لَقربةً وحسن مرجع.

ولهذا قال:{ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي:هو من المقربين عند اللّه المكرمين بأنواع الكرامات للّه.

فصل فيما تبين لنا من الفوائد والحكم في قصة داود وسليمان عليهما السلام

فمنها:أن اللّه تعالى يقص على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم أخبار من قبله، ليثبت فؤاده وتطمئن نفسه، ويذكر له من عباداتهم وشدة صبرهم وإنابتهم، ما يشوقه إلى منافستهم، والتقرب إلى اللّه الذي تقربوا له، والصبر على أذى قومه، ولهذا - في هذا الموضع - لما ذكر اللّه ما ذكر من أذية قومه وكلامهم فيه وفيما جاء به، أمره بالصبر، وأن يذكر عبده داود فيتسلى به.

ومنها:أن اللّه تعالى يمدح ويحب القوة في طاعته، قوة القلب والبدن، فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها، ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة، وأن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها، وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المخلة بالقوى المضعفة للنفس.

ومنها:أن الرجوع إلى اللّه في جميع الأمور، من أوصاف أنبياء اللّه وخواص خلقه، كما أثنى اللّه على داود وسليمان بذلك، فليقتد بهما المقتدون، وليهتد بهداهم السالكون{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}

ومنها:ما أكرم اللّه به نبيه داود عليه السلام، من حسن الصوت العظيم، الذي جعل اللّه بسببه الجبال الصم، والطيور البهم، يجاوبنه إذا رجَّع صوته بالتسبيح، ويسبحن معه بالعشي والإشراق.

ومنها:أن من أكبر نعم اللّه على عبده، أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل بين الناس، كما امتن اللّه به على عبده داود عليه السلام.

ومنها:اعتناء اللّه تعالى بأنبيائه وأصفيائه عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لداود وسليمان عليهما السلام.

ومنها:أن الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن اللّه تعالى، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك، وأنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي، ولكن اللّه يتداركهم ويبادرهم بلطفه.

ومنها:أن داود عليه السلام، [كان] في أغلب أحواله ملازما محرابه لخدمة ربه، ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب، لأنه كان إذا خلا في محرابه لا يأتيه أحد، فلم يجعل كل وقته للناس، مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام، بل جعل له وقتا يخلو فيه بربه، وتقر عينه بعبادته، وتعينه على الإخلاص في جميع أموره.

ومنها:أنه ينبغي استعمال الأدب في الدخول على الحكام وغيرهم، فإن الخصمين لما دخلا على داود في حالة غير معتادة ومن غير الباب المعهود، فزع منهم، واشتد عليه ذلك، ورآه غير لائق بالحال.

ومنها:أنه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء أدب الخصم وفعله ما لا ينبغي.

ومنها:كمال حلم داود عليه السلام، فإنه ما غضب عليهما حين جاءاه بغير استئذان، وهو الملك، ولا انتهرهما، ولا وبخهما.

ومنها:جواز قول المظلوم لمن ظلمه "أنت ظلمتني"أو "يا ظالم"ونحو ذلك أو باغ علي لقولهما:{ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ}

ومنها:أن الموعوظ والمنصوح، ولو كان كبير القدر، جليل العلم، إذا نصحه أحد، أو وعظه، لا يغضب، ولا يشمئز، بل يبادره بالقبول والشكر، فإن الخصمين نصحا داود فلم يشمئز ولم يغضب ولم يثنه ذلك عن الحق، بل حكم بالحق الصرف.

ومنها:أن المخالطة بين الأقارب والأصحاب، وكثرة التعلقات الدنيوية المالية، موجبة للتعادي بينهم، وبغي بعضهم على بعض، وأنه لا يرد عن ذلك إلا استعمال تقوى اللّه، والصبر على الأمور، بالإيمان والعمل الصالح، وأن هذا من أقل شيء في الناس.

ومنها:أن الاستغفار والعبادة، خصوصا الصلاة، من مكفرات الذنوب، فإن اللّه، رتب مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده.

ومنها:إكرام اللّه لعبده داود وسليمان، بالقرب منه، وحسن الثواب، وأن لا يظن أن ما جرى لهما منقص لدرجتهما عند اللّه تعالى، وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين، أنه إذا غفر لهم وأزال أثر ذنوبهم، أزال الآثار المترتبة عليه كلها، حتى ما يقع في قلوب الخلق، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى، فأزال اللّه تعالى هذه الآثار، وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار.

ومنها:أن الحكم بين الناس مرتبة دينية، تولاها رسل اللّه وخواص خلقه، وأن وظيفة القائم بها الحكم بالحق ومجانبة الهوى، فالحكم بالحق يقتضي العلم بالأمور الشرعية، والعلم بصورة القضية المحكوم بها، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي، فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم، ولا يحل له الإقدام عليه.

ومنها:أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، ويجعله منه على بال، فإن النفوس لا تخلو منه، بل يجاهد نفسه بأن يكون الحق مقصوده، وأن يلقي عنه وقت الحكم كل محبة أو بغض لأحد الخصمين.

ومنها:أن سليمان عليه السلام من فضائل داود، ومن منن اللّه عليه حيث وهبه له، وأن من أكبر نعم اللّه على عبده، أن يهب له ولدا صالحا، فإن كان عالما، كان نورا على نور.

ومنها:ثناء اللّه تعالى على سليمان ومدحه في قوله{ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}

ومنها:كثرة خير اللّه وبره بعبيده، أن يمن عليهم بصالح الأعمال ومكارم الأخلاق، ثم يثني عليهم بها، وهو المتفضل الوهاب.

ومنها:تقديم سليمان محبة اللّه تعالى على محبة كل شيء.

ومنها:أن كل ما أشغل العبد عن اللّه، فإنه مشئوم مذموم، فَلْيُفَارِقْه ولْيُقْبِلْ على ما هو أنفع له.

ومنها:القاعدة المشهورة "من ترك شيئا لله عوضه اللّه خيرا منه"فسليمان عليه السلام عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديما لمحبة اللّه، فعوضه اللّه خيرا من ذلك، بأن سخر له الريح الرخاء اللينة، التي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد، غدوها شهر، ورواحها شهر، وسخر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال التي لا يقدر عليها الآدميون.

ومنها:أن تسخير الشياطين لا يكون لأحد بعد سليمان عليه السلام.

ومنها:أن سليمان عليه السلام، كان ملكا نبيا، يفعل ما أراد، ولكنه لا يريد إلا العدل، بخلاف النبي العبد، فإنه تكون إرادته تابعة لأمر اللّه، فلا يفعل ولا يترك إلا بالأمر، كحال نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهذه الحال أكمل.

ثم بين- سبحانه- ما أعده لسليمان- عليه السلام- في الآخرة، فقال: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا أى في الآخرة لَزُلْفى لقربى وكرامة وَحُسْنَ مَآبٍ أى: وحسن مرجع إلينا يوم القيامة.

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أيوب- عليه السلام- فذكرت نداءه لربه، واستجابة الله- تعالى- له وما وهبه من نعم جزاء صبره، فقال- تعالى-:

فقال : ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) أي : في الدار الآخرة .

وقوله ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) يقول: وإن لسليمان عندنا لقُرْبةً بإنابته إلينا وتوبته وطاعته لنا, وحُسْنَ مآب: يقول: وحسن مرجع ومصير في الآخرة.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) : أي مصير.

إن قال لنا قائل: وما وجه رغبة سليمان إلى ربه في الملك, وهو نبيّ من الأنبياء, وإنما يرغب في الملك أهل الدنيا المؤثِرون لها على الآخرة؟ أم ما وجه مسألته إياه, إذ سأله ذلك مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, وما كان يضرّه أن يكون كلّ من بعده يُؤْتَى مثل الذي أوتي من ذلك؟ أكان به بخل بذلك, فلم يكن من مُلكه, يُعطي ذلك من يعطاه, أم حسد للناس, كما ذُكر عن الحجاج بن يوسف; فإنه ذكر أنه قرأ قوله وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فقال: إن كان لحسودًا, فإن ذلك ليس من أخلاق الأنبياء! قيل: أما رغبته إلى ربه فيما يرغب إليه من المُلك, فلم تكن إن شاء الله به رغبةً في الدنيا, ولكن إرادة منه أن يعلم منـزلته من الله فى إجابته فيما رغب إليه فيه, وقبوله توبته, وإجابته دعاءه.

وأما مسألته ربه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده, فإنا قد ذكرنا فيما مضى قبلُ قولَ من قال: إن معنى ذلك: هب لي مُلكا لا أسلبه كما سلبته قبل. وإنما معناه عند هؤلاء: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يَسلُبنيه. وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لأحد سواي من أهل زماني, فيكون حجة وعَلَما لي على نبوتي وأني رسولك إليهم مبعوث, إذ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس سواهم. ويتجه أيضا لأن يكون معناه: وهب لي ملكا تخُصُّني به, لا تعطيه أحدا غيري تشريفا منك لي بذلك, وتكرمة, لتبين منـزلتي منك به من منازل من سواي, وليس في وجه من هذه الوجوه مما ظنه الحجاج في معنى ذلك شيء.

التدبر :

وقفة
[40] ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أقرب الناس جوارًا من الله يوم القيامة: أكثرهم عبادة وطاعة له اليوم.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ
  • هذه الآية الكريمة اعربت في الآية الكريمة الخامسة والعشرين.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ ما أنعَمَ به على سُلَيمانَ في الدُّنيا؛ ذكرَ هنا إنعامَه عليه في الآخِرةِ، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وحسن:
1- بالنصب، عطفا على «لزلفى» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، على الابتداء، والوقف على «لزلفى» ، وهى قراءة الحسن، وابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [41] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى ..

التفسير :

[41] واذكر -أيها الرسول- عبدنا أيوب، حين دعا ربه أن الشيطان تسبب لي بتعب ومشقة، وألم في جسدي ومالي وأهلي.

أي:{ وَاذْكُرْ} في هذا الكتاب ذي الذكر{ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} بأحسن الذكر، وأثن عليه بأحسن الثناء، حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، ولا لجأ إلا إليه.

فـ{ نَادَى رَبَّهُ} داعيا، وإليه لا إلى غيره شاكيا، فقال:رب{ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أي:بأمر مشق متعب معذب، وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح، ثم تقيح بعد ذلك واشتد به الأمر، وكذلك هلك أهله وماله.

قال الإمام الرازي: اعلم أن قصة أيوب هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة، واعلم أن داود وسليمان كانا ممن أفاض الله عليه أصناف الآلاء والنعماء، وأيوب كان ممن خصه الله بأنواع البلاء، والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار.

فكأن الله- تعالى- يقول لنبيه صلّى الله عليه وسلم: اصبر على سفاهة قومك، فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالا من داود وسليمان، وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنظم لأحد، وأن العاقل لا بد له من الصبر على المكاره.. .

وأيوب- عليه السلام- هو ابن أموص بن برزاح، وينتهى نسبه إلى إسحاق بن ابراهيم- عليهما السلام- وكانت بعثته على الراجح بين موسى ويوسف- عليهما السلام-.

وكان صاحب أموال كثيرة، وله أولاد.. فابتلى في ماله وولده وجسده، وصبر على كل ذلك صبرا جميلا، فكافأه الله- تعالى- على صبره، بأن أجاب دعاءه، وآتاه أهله ومثلهم معهم..

وقوله- سبحانه-: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ ... معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ....

و «النّصب» - بضم فسكون- وقرأ حفص ونافع- بضم النون والصاد: - التعب والمشقة مأخوذ من قولهم أنصبنى الأمر، إذا شق عليه وأتعبه. والعذاب: الآلام الشديدة التي يحس بها الإنسان في بدنه. أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- حال أخيك أيوب- عليه السلام- حين دعا ربه- تعالى- فقال: يا رب أنت تعلم أنى مسنى الشيطان بالهموم الشديدة، وبالآلام المبرحة التي حلت بجسدي فجعلتني في نهاية التعب والمرض.

وجمع- سبحانه- في بيان ما أصابه بين لفظي النصب والعذاب، للإشارة إلى أنه قد أصيب بنوعين من المكروه: الغم الشديد بسبب زوال الخيرات التي كانت بين يديه، وهو ما يشير إليه لفظ «النصب» والألم الكثير الذي حل بجسده بسبب الأمراض والأسقام، والعلل، وهو ما يشير إليه لفظ «العذاب» ..

ونسب ما مسه من نصب وعذاب إلى الشيطان تأدبا منه مع ربه- عز وجل- حيث أبى أن ينسب الشر إليه- سبحانه-، وإن كان الكل من خلق الله- تعالى-.

وفي هذا النداء من أيوب لربه، أسمى ألوان الأدب والإجلال، إذ اكتفى في تضرعه بشرح حاله دون أن يزيد على ذلك، ودون أن يقترح على خالقه- عز وجل- شيئا معينا، أو يطلب شيئا معينا.

قال صاحب الكشاف: ألطف أيوب- عليه السلام- في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة.. ولم يصرح بالمطلوب.

ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت له: يا أمير المؤمنين، مشت جرذان- أي فئران- بيتي على العصا!! فقال لها: ألطفت في السؤال، لا جرم لأجعلنها تثب وثب الفهود، وملأ بيتها حبا ..

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في سورة الأنبياء: وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

وقد ذكر بعض المفسرين هنا قصصا وأقوالا في غاية السقوط والفساد، حيث ذكروا أن أيوب- عليه السلام- مرض زمنا طويلا، وأن الديدان تناثرت من جسده، وأن لحمه قد تمزق .

وهذه كلها أقوال باطلة، لأن الله- تعالى- عصم أنبياءه من الأمراض المنفرة، التي تؤدى إلى ابتعاد الناس عنهم، سواء أكانت أمراضا جسدية أم عصبية أم نفسية..

والذي يجب اعتقاده أن الله- تعالى- قد ابتلى عبده أيوب ببعض الأمراض التي لا تتنافى مع منصب النبوة، وقد صبر أيوب على ذلك حتى ضرب به المثل في الصبر، فكانت عاقبة صبره أن رفع الله- تعالى- عنه الضر والبلاء، وأعطاه من فضله الكثير من نعمه.

يذكر تعالى عبده ورسوله أيوب - عليه السلام - وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة . وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته - رضي الله عنها - فإنها كانت لا تفارقه صباحا و [ لا ] مساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبا . فلما طال المطال واشتد الحال وانتهى القدر المقدور وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) [ الأنبياء : 83 ] وفي هذه الآية الكريمة قال : رب ، إني مسني الشيطان بنصب وعذاب ، قيل : بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي . فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله . ففعل فأنبع الله عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينا أخرى وأمره أن يشرب منها فأذهبت ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا ولهذا قال تعالى : ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )

قال ابن جرير ، وابن أبي حاتم جميعا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن نبي الله أيوب - عليه السلام - لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه : تعلم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين . قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله ، فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له . فقال أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله - عز وجل - فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى الله تعالى إلى أيوب - عليه السلام - أن ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ) فاستبطأته فتلقته تنظر فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان . فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى . فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا . قال : فإني أنا هو . قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض . هذا لفظ ابن جرير رحمه الله

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك " .

انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به

القول في تأويل قوله تعالى : وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَاذْكُرْ ) أيضا يا محمد عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) مستغيثا به فيما نـزل به من البلاء: يا ربّ( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ ) فاختلفت القرّاء في قراءة قوله ( بِنُصْبٍ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ: ( بِنُصْبٍ ) بضم النون وسكون الصاد, وقرأ ذلك أبو جعفر: بضم النون والصاد كليهما, وقد حُكي عنه بفتح النون والصاد; والنُّصْب والنَّصَب بمنـزلة الحُزْن والحَزَن, والعُدم والعَدَم, والرُّشْد والرَّشَد, والصُّلْب والصَّلَب. وكان الفرّاء يقول: إذا ضُمّ أوّله لم يثقل, لأنهم جعلوهما على سِمَتين: إذا فتحوا أوّله ثقّلوا, وإذا ضمّوا أوّله خففوا. قال: وأنشدني بعض العرب:

لَئِــنْ بَعَثَــتْ أُمُّ الحُـمَيْدَيْنِ مـائِرًا

لَقَـدْ غَنِيَـتْ فـي غَيرِ بُؤْسٍ ولا جُحدِ (3)

من قولهم: جَحِد عيشه: إذا ضاق واشتدّ; قال: فلما قال جُحْد خَفَّف.

وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين: النَّصُب من العذاب. وقال: العرب تقول: أنصبني: عذّبني وبرّح بي. قال: وبعضهم يقول: نَصَبَني, واستشهد لقيله ذلك بقول بشر بن أبي خازم:

تَعَنَّـاكَ نَصْـب مِـن أُمَيْمَـةَ مُنْصِبُ

كَـذِي الشَّـجْوِ لَمَّـا يَسْـلُه وسـيَذْهَبُ (4)

وقال: يعني بالنَّصْب: البلاء والشرّ; ومنه قول نابغة بني ذُبيان:

كِــلِيني لِهَــمّ يـا أمَيْمَـةَ نـاصِبِ

وَلَيْــلٍ أُقاسِــيهِ بَطـيءِ الكَـوَاكِب (5)

--------------------

الهوامش :

(3) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 280) . قال : وقوله : (بنصب وعذاب" : اجتمعت القراء على ضم النون من نصب وتخفيفها ( أي الكلمة بتسكين وسطها ) ، وذكروا أن أبا جعفر المدني قرأ :" بنصب وعذاب" بنصب النون والصاد . وكلاهما في التفسير واحد . وذكروا أنه المرض ، وما أصابه من العناء فيه . والنصب بمنزلة الحزن والحزن ، والعدم والعدم ، والرشد والرشد ، والصلب والصلب : إذا خفف ضم أوله ، ولم يثقل ، لأنهم جعلوها على سمتين . إذا فتحوا أوله ، ثقلوا ، وإذا ضموا أوله خففوا قال : وأنشدني بعض العرب :"لئن بعثت أم الحميدين ... البيت" . قال : والعرب تقول : جحد عيشهم جحدا : إذا ضاف واشتد . فلما قال حجد ، وضم أوله خفف . فابن على هذا ما رأيت من هاتين اللغتين . أ هـ . قلت : والمائر الذي يجلب الميرة .

(4) البيت لبشر بن أبي حازم" مجاز القرآن لآبي عبيدة ( الورقة 215 ) قال :" بنصب وعذاب" : قال بشر بن أبي حازم" ... البيت" . وقال النابغة :" كليني لهم يا أميمة ناصب .... البيت" ثم قال بعد البيتين : تقول العرب : أنصبني : أي عذبني وبرح بي . وبعضهم يقول : نصبني . والنصب : إذا فتحت وحركت حروفها ، كانت من الإعياء . والنصب إذا فتح أولها وأسكن ثانيها : واحد أنصاب الحرم ، وكل شيء نصبته وجعلته علما . يقال : لأنصبنك نصب العود .

(5) البيت للنابغة الذبياني (مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحبلي ص 159 ) قال شارحه : كليني : دعيني . وأميمة بالفتح ( والأحسن بالضم ) : منادى . قال الخليل : من عادة العرب أن تنادى المؤنت بالترخيم ، فلما لم يرخم هنا (بسبب الوزن) : أجراها على لفظها مرخمة ، وأتى بها بالفتح . وناصب : متعب . وبطيء الكواكب : أى لا تغور كواكبه ، وهي كناية عن الطول ، لأن الشاعر كان قلقا . أ هـ . وقد تقدم ذكر البيت في شرح الشاهد الذي قبله ، عن أبي عبيدة لأن موضع الشاهد فيهما مشترك.

التدبر :

وقفة
[41] ﴿واذكر عبدنا﴾، ﴿واذكر عبادنا﴾ [45] مع أنهم أنبياء إلا أن الله اختار لهم وصف العبودية! هل علمت قيمة الألقاب؟ فعلام تهرع لها؟
وقفة
[41] ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ خص هذا الحال بالذكر من بين أحواله؛ لأنه مظهر توكَّله على الله، واستجابة الله دعاءه بكشف الضر عنه.
وقفة
[41] ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ أصيب أيوب: بنوعين من المكروه: الغم الشديد بسبب زوال الخيرات التي كانت بين يديه، وهو: (النصب)، والألم الكثير الذي حل ببدنه بسبب الأمراض، وهو: (العذاب).
وقفة
[41] ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ قال صاحب الكشاف: «ألطف أيوب في السؤال، حيث ذكر نفسه بما بوجب الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب، ويحكي أن عجوزًا تعرضت لسليمان بن عبد الملك، فقالت له: يا أمير المؤمنين، مشت جرذان -أي فئران- بيتي على العصا! فقال لها: ألطفت في السؤال، لا جرم لأجعلنها تثب وثب الفهود، وملأ بيتها حبًّا».
وقفة
[41] ﴿أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ﴾ الألمُ أعظمُ نعمةٍ حين يقرِّبكَ من اللهِ.
عمل
[41] ﴿إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ﴾ مهـما كان ألمك لا تتوقف عن نداء ربك.
تفاعل
[41] ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ استعذ بالله الآن من الشيطان الرجيم.
وقفة
[41] هل أصاب الشيطان أيوب بالمرض؟ الصحيح: لا، قال ابن عاشور: «أي مسني بوسواس سببه نصب وعذاب، فجعل الشيطان يوسوس إلى أيوب بتعظيم النصب والعذاب عنده، ويلقي إليه أنه لم يكن مستحقًّا لذلك العذاب، ليلقي في نفس أيوب سوء الظن بالله أو السخط من ذلك، ففي قول أيوب: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ كناية لطيفة عن طلب لطف الله به، ورفع النصب والعذاب عنه، بأنهما صارا مدخلًا للشيطان إلى نفسه فطلب العصمة من ذلك».
وقفة
[41] إن قيل: كيف سمَّى الله أيوب صابرًا، وقد أظهر الشكوى بقوله: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ [الأنبياء: 83]، وقوله: ﴿مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾؟ قلت: ليس هذا شكاية، وإنما هو دعاء، بدليل قوله في الآية الأخرى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ [الأنبياء: 84].

الإعراب :

  • ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ:
  • تعرب اعراب وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ» الواردة في الآية الكريمة السابعة عشرة.
  • ﴿ إِذْ:
  • اسم مبني على السكون في محل نصب بدل اشتمال من «أيوب» بمعنى حين ابتليناه بالمرض فدعا ربه بعد احتمال دام سنين
  • ﴿ نادى رَبَّهُ:
  • الجملة الفعلية في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف. نادى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ربه: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ :
  • حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم-في محل نصب اسم «ان» اي بأني مسني وهو حكاية لكلامه الذي نادى ربه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لانه غائب. مسني: فعل ماض مبني على الفتح والنون نون الوقاية والياء ضمير متصل-ضمير المتكلم- مبني على الفتح-وهو الاصل-في محل نصب مفعول به مقدم.
  • ﴿ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ:
  • فاعل مرفوع بالضمة. بنصب: جار ومجرور متعلق بمسني. وعذاب: معطوفة بالواو على «نصب» وتعرب مثلها بمعنى: وسوس الى بالشر والبلاء و «ان» مع ما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر بمعنى بأني. بتقدير:بوسوسة الشيطان الى. والجار والمجرور متعلق بنادى.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     القصَّةُ الثالثةُ: قصَّةُ أيوبَ عليه السلام، قال تعالى :
﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أنى:
1- بفتح الهمزة، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بكسرها، وهى قراءة عيسى.
بنصب:
1- بضم النون وسكون الصاد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمتين، وهى قراءة أبى جعفر، وشيبة، وأبى عمارة، عن حفص، والجعفي، عن أبى بكر. وأبى معاذ، عن نافع.
3- بفتحتين، وهى قراءة زيد بن على، والحسن، والسدى، وابن أبى عبلة، ويعقوب، والجحدري.
4- بفتح النون وسكون الصاد، وهى قراءة أبى حيوة، ويعقوب فى رواية، وهبى عن حفص.

مدارسة الآية : [42] :ص     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ ..

التفسير :

[42] فقلنا له:اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد، فاشرب منه، واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والأذى.

فقيل له:{ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} أي:اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى.

وقوله- سبحانه-: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ حكاية لما قيل له بعد ندائه لربه، أو مقول لقول محذوف معطوف على قوله نادى.

وقوله: ارْكُضْ بمعنى الدفع والتحريك للشيء. يقال: ركض فلان الدابة برجله إذا دفعها وحركها بها.

والمغتسل: اسم للمكان الذي يغتسل فيه، والمراد به هنا: الماء الذي يغتسل به.

وقوله: هذا مُغْتَسَلٌ مقول لقول محذوف.

والمعنى: لقد نادانا عبدنا أيوب بعد أن أصابه من الضر ما أصابه، والتمس منا الرحمة والشفاء مما نزل به من مرض، فاستجبنا له دعاءه، وأرشدناه الى الدواء، بأن قلنا له:

«اركض برجلك» أى: اضرب بها الأرض، فضربها فنبعت من تحت رجله عين الماء، فقلنا له: هذا الماء النابع من العين إذا اغتسلت به وشربت منه، برئت من الأمراض، ففعل ما أمرناه به، فبرئ بإذننا من كل داء.

يذكر تعالى عبده ورسوله أيوب - عليه السلام - وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة . وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته - رضي الله عنها - فإنها كانت لا تفارقه صباحا و [ لا ] مساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبا . فلما طال المطال واشتد الحال وانتهى القدر المقدور وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) [ الأنبياء : 83 ] وفي هذه الآية الكريمة قال : رب ، إني مسني الشيطان بنصب وعذاب ، قيل : بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي . فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله . ففعل فأنبع الله عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينا أخرى وأمره أن يشرب منها فأذهبت ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا ولهذا قال تعالى : ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )

قال ابن جرير ، وابن أبي حاتم جميعا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن نبي الله أيوب - عليه السلام - لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه : تعلم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين . قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله ، فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له . فقال أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله - عز وجل - فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى الله تعالى إلى أيوب - عليه السلام - أن ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ) فاستبطأته فتلقته تنظر فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان . فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى . فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا . قال : فإني أنا هو . قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض . هذا لفظ ابن جرير رحمه الله

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك " .

انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به

حدثني بشر بن آدم, قال: ثنا أبو قُتيبة, قال: ثنا أبو هلال, قال: سمعت الحسن, في قول الله: ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) فركض برجله, فنبعت عين فاغتسل منها, ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا, ثم ركض برجله, فنبعت عين, فشرب منها, فذلك قوله ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )

وعنى بقوله ( مُغْتَسَلٌ ) : ما يُغْتَسل به من الماء, يقال منه: هذا مُغْتَسل, وغسول للذي يَغْتسل به من الماء. وقوله ( وَشَرَابٌ ) يعني: ويشرب منه, والموضع الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلا.

التدبر :

وقفة
[42] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ أي اضرب الأرض بها ينبع شفاؤك منها، الرغبات التي تظنها أبعد ما يكون؛ يجعلها الله إن طلبتها منه أقرب ما تكون.
اسقاط
[42] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾ [مريم: 25]، ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ [الشعراء: 63] تعاليم ربانية لإقرار سنة المبادرة والأخذ بالأسباب، أيوب، ومريم، وموسى من نخبة الخلق، فكيف بنا؟!
وقفة
[42] قال ﷻ: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ ليس معنى (اركض) اجرِ من الجري، بل معناها في هذا السياق (اضرب).
وقفة
[42] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ﴾ لعظيم قدرة الرب؛ ما إن ضرب أيوب الأرض برجله حتى صار الماء موجودًا يمكن أن يشار إليه بـ (هذا).
وقفة
[42] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ الفرج مهما اشتد الكرب ليس بعيدًا، إنه قريب من رجلك، حين يأذن ربك!
وقفة
[42] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ ضربة قدم من أيوب المريض كفيلة بأن تفجر عين ماء فوارة؛ لأن الضر سبب، والله رب الأسباب، تأتمر بأمره.
وقفة
[42] ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ لو شاء الله لنبع الماء بلا سبب، لكن قضى الله أن لكل شيء سببًا.
وقفة
[42] ﴿اركُض بِرِجلِكَ هذا مُغتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ﴾ الاغتسال بالماء البارد وشربه علاج لبعض الأمراض.
وقفة
[42] الركض في المطر يدل على الفرج والراحة، وللمريض شفاء بإذن الله، لقول الله ﷻ: ﴿اركضْ بِرجلك هذا مُغتَسلٌ بارد وشراب﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ:
  • فعل امر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت. برجلك: جار ومجرور متعلق باركض والكاف ضمير متصل-ضمير المخاطب-مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. والقول اجابة ايوب على طلبه. بمعنى: وقلنا له اضرب برجلك الارض.
  • ﴿ هذا مُغْتَسَلٌ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. مغتسل:خبر «هذا» مرفوع بالضمة بمعنى: اضرب الارض برجلك تنبع لك بئر ماء يشفي ماؤها مرضك لانه صالح للاغتسال والشرب. و «مغتسل» اسم مفعول اي للغسل.
  • ﴿ بارِدٌ وَشَرابٌ:
  • صفة-نعت-لمغتسل مرفوعة مثلها بالضمة. وشراب:معطوفة بالواو على «مغتسل».وتعرب مثلها.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وبعد أن دعا أيوبُ عليه السلام ربَّه؛ جاء هنا ما قيل له بعد ندائه لربه، قال تعالى:
﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف