33524252627282930

الإحصائيات

سورة الحج
ترتيب المصحف22ترتيب النزول103
التصنيفمكيّةعدد الصفحات10.00
عدد الآيات78عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول20تبدأ في الجزء17
تنتهي في الجزء17عدد السجدات2
فاتحتهافاتحتها
النداء: 3/10يا أيها الناس: 2/2

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (24) الى الآية رقم (25) عدد الآيات (2)

= ثُمَّ بَيَّنَ هنا أن المؤمنينَ هداهُم اللهُ إلى القولِ الحسنِ، وأن الكفارَ يصدُونَ النَّاسَ عن دخولِ البيتِ الحرامِ لأداءِ المناسكِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (26) الى الآية رقم (29) عدد الآيات (4)

توبيخُ الكفارِ على هذا الفعلِ، وتذكيرُهم أنّ أباهم إبراهيمَ عليه السلام هو الذي بناه، وطهَّرَه للطَّائفينَ والمصلينَ، ودعا النَّاسَ إلى الحجِ إليه، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثالث

من الآية رقم (30) الى الآية رقم (30) عدد الآيات (1)

= ثُمَّ بَيَّنَ هنا ثوابَ تعظيمِ أحكامِ اللهِ وشرعِه ومنها مناسكُ الحجِّ، ثُمَّ أمرَهم باجتنابِ ما يغضبُه، =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الحج

الحج أبرز مظهر للتوحيد في الأرض وأشبهها بالبعث

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا يتوجه الناس جميعًا إلى الله وحده بالعبادة؟:   ومع بدايتها تذكرك السورة بأن حياتك رحلة سفر تمر بمحطات متعددة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ...﴾ (5). • العمر رحلة، كما هو الحج رحلة. • سورة الحج رسالة لك: أن حياتك رحلة سفر، كما أن الحج رحلة سفر. • سورة الحج رسالة إلى الناس جميعًا أن يتوجهوا إلى الله وحده لا شريك له بالعبادة كلها. • سورة الحج رسالة إلى الناس جميعًا أن يحجوا إلى الله بقلوبهم وبأبدانهم (وليس فقط حج البدن إلى مكة).
  • • بين سورة الحج وسورة الأنبياء::   والسورة تجيب: لأنه وحده هو الذي خلق، ووحده هو الذي ملك، ووحده هو الذي أحيا، ووحده هو الذي يميت، ووحده هو الذي يرزق، ووحده هو الذي يبعث الناس يوم القيامة. هل عندكم من شركاء بهذه الصفات أو ببعضها؟ لا أحد، إذًا فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله رب العالمين.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الحج».
  • • معنى الاسم ::   الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنها اشتملت على الدعوة إلى الحج على لسان ‏إبراهيم ‏عليه ‏السلام.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الحج أبرز مظهر للتوحيد في الأرض، وأشبهها بالبعث.
  • • علمتني السورة ::   تذكر يوم القيامة والاستعداد له: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن هناك ارتباطًا عكسيًا بين العلمِ والجَدَلِ، كلَّما قلَّ العلمُ زادَ الجدالُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
  • • علمتني السورة ::   ألا أكون أقل خلق الله في التسبيح والسجود له سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «مَا حَفِظْتُ سُورَةَ يُوسُفَ وَسُورَةَ الْحَجِّ إِلَّا مِنْ عُمَرَ بنِ الخطابِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وكَانَ يَقْرَؤُهُمَا قِرَاءَةً بَطِيئَةً».
    • عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ».
    • عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ, وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ عَلَى السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الحج من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الإنجيل.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي سميت باسم ركن من أركان الإسلام.
    • اختصت سورة الحج باحتوائها على سجدتين من سجدات التلاوة: السجدة السادسة والسابعة -بحسب ترتيب المصحف-، في الآيتين (18)، (77).
    • قال الغَزْنَوِيُّ: وهي من أعاجيب السور، نزلت ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، مكيًا ومدنيًا، سلميًا وحربيًا، ناسخًا ومنسوخًا، محكمًا ومُتَشَابهًا.
    • احتوت السورة على الآية التي أذن فيها الله للمسلمين بالقتال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (39).
    • ذُكِرَ في أواخر السورة 7 آيات متواليات، في آخر كل آية منها اسمان من أسماء الله الحسنى، وهي في قوله تعالى: ﴿... وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ... إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ... وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ... وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) ... إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) ... وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) ... إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (59-65).
    • وهذا أمر لم يأت في القرآن سوى في هذا الموضع.
    • يمتاز أسلوب السورة -في مجموعه- بالقوة والعنف، والشدة والرهبة، والإنذار والتحذير، وغرس التقوى في القلوب بأسلوب تخشع له النفوس.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نستعد ليوم القيامة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (1).
    • أن نسَأل الله تعالى الأمن يوم الفزع: ﴿أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (1).
    • أن نحذر من الجدال في دين الله بدون علم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ (3).
    • أن نستعيذ بالله من أن ترد إلى أرذل العمر: ﴿وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ (5).
    • أن نحذر من علامة المنافق: عبادة وقت الرخاء، وردة وقت الابتلاء: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ﴾ (11).
    • أن نحذر من صرف الدعاء لغير الله تعالى؛ فهذا هو الضلال البعيد: ﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ (12).
    • أن نسجد سجود التلاوة عند قراءة هذه الآية مستشعرين أنه ليس كل الناس يسجدون هذا السجود: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ﴾ (18).
    • أن نجتهد ألاّ نتكلم إلا بكلامٍ طيب: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (24).
    • أن نبادر بالحج، ولا نسوف: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا ...﴾ (27).
    • أن نعظم حرمات الله، وأكل ما أحل من النعم واجتناب ما يعبد من دون الله واجتناب قول الزور: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (30).
    • أن نحذر الناس من الشرك بالله، ونبين لهم خطورته:‏ ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (31).
    • ألا نتسخط مما يحصل لنا من مصائب، بل نصبر ابتغاء وجه ربنا، ونحتسب ثوابه، ونرتقب أجره: ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ﴾ (35).
    • أن ندعو لإخواننا المستضعفين من المسلمين في أرجاء المعمورة: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (39).
    • أن نحذر أمراضَ القلوبِ؛ كالكبرِ، والحقدِ، والحسدِ، وغيرِها: ﴿لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ (53).
    • أن نهجر رفقاء السوء، وأماكن المعصية؛ محتسبين ذلك من أبواب الهجرة إلى الله: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (58).
    • أن نتأمل بعد صلاة الفجر قدرة الله في دخول النهار في الليل: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (61).
    • أن نطيل الركوع والسجود، فإن الله سبحانه يحب ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ (77).

تمرين حفظ الصفحة : 335

335

مدارسة الآية : [24] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ..

التفسير :

[24] لقد هداهم الله في الدنيا إلى طيب القول:من كلمة التوحيد وحَمْد الله والثناء عليه، وفي الآخرة إلى حمده على حسن العاقبة، كما هداهم من قبل إلى طريق الإسلام المحمود الموصل إلى الجنة.

{ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله، أو إحسان إلى عباد الله،{ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أي:الصراط المحمود، وذلك، لأن جميع الشرع كله محتو على الحكمة والحمد، وحسن المأمور به، وقبح المنهي عنه، وهو الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح. أو:وهدوا إلى صراط الله الحميد، لأن الله كثيرا ما يضيف الصراط إليه، لأنه يوصل صاحبه إلى الله، وفي ذكر{ الحميد} هنا، ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم، ولهذا يقولون في الجنة:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} واعترض تعالى بين هذه الآيات بذكر سجود المخلوقات له، جميع من في السماوات والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، الذي يشمل الحيوانات كلها، وكثير من الناس، وهم المؤمنون،{ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} أي:وجب وكتب، لكفره وعدم إيمانه، فلم يوفقه للإيمان، لأن الله أهانه،{ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} ولا راد لما أراد، ولا معارض لمشيئته، فإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها، خاضعة لعظمته، مستكينة لعزته، عانية لسلطانه، دل على أنه وحده، الرب المعبود، والملك المحمود، وأن من عدل عنه إلى عبادة سواه، فقد ضل ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا.

وقوله- تعالى-: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ بيان لحسن خاتمتهم، ولعظم النعم التي أنعم الله بها عليهم.

أى: وهدى الله- تعالى- هؤلاء المؤمنين إلى القول الطيب الذي يرضى الله- تعالى- عنهم، كأن يقولوا عند دخولهم الجنة: ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ .

وهداهم- أيضا- خالقهم إلى الصراط المحمود، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان والإسلام، فصاروا بسبب هذه النعمة يقولون الأقوال الطيبة، ويفعلون الأفعال الحميدة.

قال الشوكانى: قوله: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ... أى: أرشدوا إليه. قيل:

هو لا إله إلا الله. وقيل: القرآن. وقيل: هو ما يأتيهم من الله من بشارات. وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله- سبحانه-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ.. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ...

ومعنى: وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم وهو الإسلام .

وبعد هذا الحديث المؤثر عن الخصمين وعن عاقبة كل منهما.. جاء الحديث عن المسجد الحرام، وعن مكانته، وعن الأمر ببنائه، وعن وجوب الحج إليه، وعن المنافع التي تعود على الحجاج، وعن سوء مصير من يصد الناس عن هذا المسجد، جاء قوله- تعالى-:

وقوله : ( وهدوا إلى الطيب من القول ) كقوله ( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام ) [ إبراهيم : 23 ] ، وقوله : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد : 23 ، 24 ] ، وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ، 26 ] ، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب ، ( ويلقون فيها تحية وسلاما ) [ الفرقان : 75 ] ، لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يروعون به ويقرعون به ، يقال لهم : ( وذوقوا عذاب الحريق )

وقوله : ( وهدوا إلى صراط الحميد ) أي : إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم ، على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم ، كما جاء في الصحيح : " إنهم يلهمون التسبيح والتحميد ، كما يلهمون النفس " .

وقد قال بعض المفسرين في قوله : ( وهدوا إلى الطيب من القول ) أي : القرآن . وقيل : لا إله إلا الله . وقيل : الأذكار المشروعة ، ( وهدوا إلى صراط الحميد ) أي : الطريق المستقيم في الدنيا . وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه ، والله أعلم .

قوله: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) يقول تعالى ذكره: وهداهم ربهم في الدنيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله.

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: هدوا إلى الكلام الطيب: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله ؛ قال الله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .

حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: ألهموا.

وقوله: ( وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) يقول جلّ ثناؤه: وهداهم ربهم في الدنيا إلى طريق الربّ الحميد، وطريقه: دينه دين الإسلام الذي شرعه لخلقه وأمرهم أن يسلكوه؛ والحميد: فعيل، صرّف من مفعول إليه، ومعناه: أنه محمود عند أوليائه من خلقه، ثم صرّف من محمود إلى حميد.

التدبر :

وقفة
[23، 24] ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ كلماتهم الطيبة كالحرير، فألبسهم الله الحرير.
وقفة
[23، 24] ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ إذا رزقك الله اللسان الطيب فأنت في جنة الدنيا ولذتها العاجلة.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الكلمةُ الطيبةُ ليست حركةَ لسانٍ، وإنَّما هدايةٌ نزلت عليكَ من السماءِ.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ من شرف الكلمة الطيبة واللين في القول، أن الله جعلها من نعيم أهل الجنة.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ كيف لو تمثلها الحاج وغيره في حجه وحياته!
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الأقوال الطيبة هدايات من الله، لا تأتي صدفة.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الهداية تبدأ بالقلب وتصدقها الجوارح، فمن رأيته يتخبط في جوارحه؛ فاعلم أن إيمانه فيه دخن.
عمل
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ اجتهد هذا اليوم ألَّا تتكلم إلا بكلامٍ طيب.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ طيب القول ليس تنميق الكلام وسجعة وبلاغته, وإنما هداية من الله.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الطيب من القول لا يصدر إلا من صاحب الطيب من القلب.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ لو قلت الآن: «سبحان الله» بصدق، فتأكد أن قولك لها ليس تحريكًا لعضلة لسانك؛ وإنما هداية نزلت عليك من السماء.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ كانوا أعلام الدنيا في الجهاد والتضحيات، وألسنتهم طيبة أيضًا.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ لا تحبس الكلام الطيب في قلبك أبدًا؛ ابتسم، وامتدح، واشكر، وقل خيرًا للجميع، الكلام الطيب خير وهداية.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ بوصلة ألسنتهم اتجهت نحو الأقوال الجميلة.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ كلُّ كلمةٍ جميلةٍ تقولها؛ فهي هدايةٌ من الله لك، ما أكثرَ هداياتِك أيها الفمُ الطيب!
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الكلام الطيب هداية من الله، ونعيم مُعجل.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ القول الطيب هداية من الله، ومن صفات أهل الجنة في الدنيا قبل الآخرة، فإذا وفقت له فأعلم أنك على خير عظيم.
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ حتي القول الطيب الجميل هو هداية من الله للعبد، فهنيئًا لمن نال تلك الهداية.
عمل
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ إذا كان لسانك لا يفتر عن ذكر الله؛ فأعلم أنها هداية من الله وفضل أمتن عليك به، وميزك عن غيرك.
اسقاط
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ إذا كان حديث لسانك طيبًا وجميلًا؛ فهذا فضل من الله عليك، وإحدى النعم التي أنعم الله بك عليها.
عمل
[24] وإذا فضلك الله بالهمة والعقل والخير وأكرمك بذلك؛ فاحذر أن تغتر وتفخر به على غيرك، وكأنه بكدك، وتذكر: ﴿وهدوا إلى الطيب من القول﴾، فتأمل في: (هُدوا)!
عمل
[24] ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾ لا يقبل الله إلا طيبًا، احرص على كل شيء طيب في الحياة الدنيا في القول والفعل وفي كل أمر، فهو الصراط المحمود.
عمل
[24] ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾ القول الطيب هداية من الحميد سبحانه، فتأمل أقوالك.
تفاعل
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
وقفة
[24] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» [أحمد 3/198، وحسنه الألباني]، هب أن كلماتك الجميلة قلتها أو كتبتها لمن لم يقدرها ولا يستحقها ألا يكفي أن تظفر بإستقامة قلبك، ما أطيبها من هدايات! ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾.
عمل
[24] أكثر اليوم من قول: «لا إله إلا الله»؛ فهي الكلمة الطيبة التي من أكثر منها وعمل بها مات عليها ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾.
وقفة
[24] ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾ أن ينطق لسانك بالكلام الطيب؛ فهذا من ضمن الهداية إلى صراط الله المستقيم.
تفاعل
[24] ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾ قل الآن: «اللهم اهدنا إلى الطيب من القول، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم».
وقفة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ صراط واحد محمود في نفسه، لاحتوائه على كل حكمة وخير، وممدوح في عاقبته؛ لأنه يؤدي إلى الجنة.
لمسة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ لماذا ذكر اسم الله (الحميد) هنا؟ ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم وفضله عليهم، ولهذا يحمدونه بعد دخول الجنة قائلين: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾ [الأعراف: 43].
لمسة
[24] ﴿وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ لماذا قال: (هدوا)، ولم يقل: (اهتدوا) أو (هداهم الله)؟ دلالة الفعل الذي لم يسمى فاعله هذا أبلغ، والمراد بالفعل الملائكة يهدونهم ويأخذون بأيديهم إلى صراط الجنة، يرشَدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالًا طيبة.

الإعراب :

  • ﴿ وَهُدُوا:
  • الواو عاطفة. هدوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم المقدر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل-ضمير الغائبين-في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. بمعنى وهداهم الله.
  • ﴿ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ:
  • جار ومجرور متعلق بهدوا. من القول: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الطيب بمعنى: إلى أحكم الأقوال وأطيبها.وفي القول الكريم قدمت الصفة على الموصوف أي: الى القول الطيب.
  • ﴿ وَهُدُوا إِلى صِراطِ‍ الْحَمِيدِ:
  • معطوفة على ما قبلها وتعرب إعرابها.بمعنى: وأرشدهم الله الى صراطه المستقيم. والحميد: صيغة فعيل بمعنى المحمود مضاف اليه مجرور بالكسرة.'

المتشابهات :

الحج: 24﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ
ابراهيم: 1﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
سبإ: 6﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [24] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ ما تُحلَّى به الأبدانُ؛ ذكرَ هنا ما تُحلَّى به الألسُنُ، قال تعالى:
﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [25] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن ..

التفسير :

[25] إن الذين كفروا بالله وكذبوا بما جاءهم به محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويمنعون غيرهم من الدخول في دين الله، ويصدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين في عام «الحديبية» عن المسجد الحرام، الذي جعلناه لجميع المؤمنين، سواءً المقيم فيه والقادم إليه، له

يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم، وأنهم جمعوا بين الكفر بالله ورسوله، وبين الصد عن سبيل الله ومنع الناس من الإيمان، والصد أيضا عن المسجد الحرام، الذي ليس ملكا لهم ولا لآبائهم، بل الناس فيه سواء، المقيم فيه، والطارئ إليه، بل صدوا عنه أفضل الخلق محمدا وأصحابه، والحال أن هذا المسجد الحرام، من حرمته واحترامه وعظمته، أن من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.

فمجرد إرادة الظلم والإلحاد في الحرم، موجب للعذاب، وإن كان غيره لا يعاقب العبد عليه إلا بعمل الظلم، فكيف بمن أتى فيه أعظم الظلم، من الكفر والشرك، والصد عن سبيله، ومنع من يريده بزيارة، فما ظنكم أن يفعل الله بهم؟"

وفي هذه الآية الكريمة، وجوب احترام الحرم، وشدة تعظيمه، والتحذير من إرادة المعاصي فيه وفعلها.

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- بعد أن فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمة البيت، وعظم كفر هؤلاء الكافرين فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

قال ابن عباس: الآية نزلت في أبى سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية عن المسجد الحرام، عن أن يحجوا ويعتمروا، وينحروا الهدى. فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتالهم، وكان محرما بعمرة، ثم صالحوه على أن يعود في العام القادم..

وصح عطف المضارع وهو «يصدون» على الماضي وهو «كفروا» لأن المضارع هنا لم يقصد به زمن معين من حال أو استقبال، وإنما المراد به مجرد الاستمرار، كما في قولهم: فلان يحسن إلى الفقراء، فإن المراد به استمرار وجود إحسانه.

ويجوز أن يكون قوله وَيَصُدُّونَ ... خبرا لمبتدأ محذوف، أى: وهم يصدون عن المسجد الحرام. وخبر إن في قوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... محذوف لدلالة آخر الآية عليه.

والمعنى: إن الذين أصروا على كفرهم بما أنزله الله- تعالى- على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، واستمروا على منع أهل الحق من أداء شعائر دين الله- تعالى-، ومن زيارة المسجد الحرام..

هؤلاء الكافرون سوف نذيقهم عذابا أليما.

ويصح أن يكون الخبر محذوفا للتهويل والإرهاب. وكأن وصفهم بالكفر والصد كاف في معرفة مصيرهم المهين.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ قيل إنه المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن، لأنه لم يذكر غيره، وقيل الحرم كله، لأن المشركين صدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عنه عام الحديبية، فنزل خارجا عنه ... وهذا صحيح لكنه قصد هنا بالذكر المهم المقصود من ذلك.

وقوله- سبحانه-: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ.. تشريف لهذا المكان حيث جعل الله- تعالى- الناس تحت سقفه سواء، وتشنيع على الكافرين الذين صدوا المؤمنين عنه.

ولفظ «سواء» قرأه جمهور القراء بالرفع على أنه خبر مقدم، والعاكف: مبتدأ، والباد معطوفة عليه أى: العاكف والباد سواء فيه. أى مستويان فيه.

وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على أنه المفعول الثاني لقوله «جعلناه» بمعنى صيرناه.

أى: جعلناه مستويا فيه العاكف والباد. ويصح أن يكون حالا من الهاء في جَعَلْناهُ أى:

وضعناه للناس حال كونه سواء العاكف فيه والباد.

والمراد: بالعاكف فيه: المقيم فيه. يقال: عكف فلان على الشيء، إذا لازمه ولم يفارقه.

والباد: الطارئ عليه من مكان آخر. وأصله من يكون من أهل البوادي الذين يسكنون المضارب والخيام، ويتنقلون من مكان إلى آخر.

أى: جعلناه للناس على العموم، يصلون فيه، ويطوفون به، ويحترمونه ويستوي تحت سقفه من كان مقيما في جواره، وملازما للتردد عليه، ومن كان زائرا له وطارئا عليه من أهل البوادي أو من أهل البلاد الأخرى سوى مكة.

فهذا المسجد الحرام يتساوى فيه عباد الله، فلا يملكه أحد منهم، ولا يمتاز فيه أحد منهم، بل الكل فوق أرضه وتحت سقفه سواء.

وقوله- تعالى-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تهديد لكل من يحاول ارتكاب شيء نهى الله عنه في هذا المسجد الحرام.

والإلحاد الميل. يقال: ألحد فلان في دين الله، أى: مال وحاد عنه.

و «من» شرطية وجوابها «نذقه» ومفعول «يرد» محذوف لقصد التعميم. أى: ومن يرد فيه مرادا بإلحاد، ويصح أن يكون المفعول قوله بِإِلْحادٍ على أن الباء زائدة.

أى: ومن يرد في هذا المسجد الحرام إلحادا، أى: ميلا وحيدة عن أحكام الشريعة وآدابها بسبب ظلمه وخروجه عن طاعتنا، نذقه من عذاب أليم لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.

وقد جاء هذا التهديد في أقصى درجاته لأن القرآن توعد بالعذاب الأليم كل من ينوى ويريد الميل فيه عن دين الله، وإذا كان الأمر كذلك، فمن ينوى ويفعل يكون عقابه أشد، ومصيره أقبح.

ويدخل تحت هذا التهديد كل ميل عن الحق إلى الباطل، أو عن الخير إلى الشر كالاحتقار، والغش.

ولذا قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب: القول الذي ذكرناه من أن المراد بالظلم في هذا الموضع، كل معصية لله، وذلك لأن الله عم بقوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ولم يخصص به ظلما دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه، فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم فيعصى الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له.

يقول تعالى منكرا على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام ، وقضاء مناسكهم فيه ، ودعواهم أنهم أولياؤه : ( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ الأنفال : 34 ] .

وفي هذه الآية دليل [ على ] أنها مدنية ، كما قال في سورة " البقرة " : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ) [ البقرة : 217 ] ، وقال : هاهنا : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ) أي : ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ، أي : ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر ، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى : ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [ الرعد : 28 ] أي : ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله .

وقوله : ( الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ) [ أي : يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وقد جعله الله شرعا سواء ، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه ، ( سواء العاكف فيه والباد ) ] ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( سواء العاكف فيه والباد ) قال : ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام .

وقال مجاهد [ في قوله ] : ( سواء العاكف فيه والباد ) : أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل . وكذا قال أبو صالح ، وعبد الرحمن بن سابط ، وعبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ] .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : سواء فيه أهله وغير أهله .

وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي وإسحاق ابن راهويه بمسجد الخيف ، وأحمد بن حنبل حاضر أيضا ، فذهب الشافعي ، رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ، واحتج بحديث الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول الله ، أتنزل غدا في دارك بمكة؟ فقال : " وهل ترك لنا عقيل من رباع " . ثم قال : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر " . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين [ وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة ، فجعلها سجنا بأربعة آلاف درهم . وبه قال طاوس ، وعمرو بن دينار .

وذهب إسحاق ابن راهويه إلى أنها تورث ولا تؤجر . وهو مذهب طائفة من السلف ، ونص عليه مجاهد وعطاء ، واحتج إسحاق ابن راهويه بما رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عيسى بن يونس ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وما تدعى رباع مكة إلا ] السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن

وقال عبد الرزاق عن ابن مجاهد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها .

وقال أيضا عن ابن جريج : كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن تبوب دور مكة; لأن ينزل الحاج في عرصاتها ، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال : أنظرني يا أمير المؤمنين ، إني كنت امرأ تاجرا ، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري قال : فذلك إذا .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن منصور ، عن مجاهد; أن عمر بن الخطاب قال : يا أهل مكة ، لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء .

قال : وأخبرنا معمر ، عمن سمع عطاء يقول [ في قوله ] : ( سواء العاكف فيه والباد ) ، قال : ينزلون حيث شاءوا .

وروى الدارقطني من حديث ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن عمرو موقوفا من أكل كراء بيوت مكة أكل نارا .

" وتوسط الإمام أحمد [ فيما نقله صالح ابنه ] فقال : تملك وتورث ولا تؤجر ، جمعا بين الأدلة ، والله أعلم .

وقوله : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) قال بعض المفسرين من أهل العربية : الباء هاهنا زائدة ، كقوله : ( تنبت بالدهن ) [ المؤمنون : 20 ] أي : تنبت الدهن ، وكذا قوله : ( ومن يرد فيه بإلحاد ) تقديره إلحادا ، وكما قال الأعشى :

ضمنت برزق عيالنا أرماحنا بين المراجل ، والصريح الأجرد

وقال الآخر :

بواد يمان ينبت الشث صدره وأسفله بالمرخ والشبهان

والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى " يهم " ، ولهذا عداه بالباء ، فقال : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) أي : يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار .

وقوله : ( بظلم ) أي : عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأول ، كما قال ابن جريج ، عن ابن عباس : هو [ التعمد ] .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( بظلم ) بشرك .

وقال مجاهد : أن يعبد فيه غير الله . وكذا قال قتادة ، وغير واحد .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( بظلم ) هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من لسان أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك ، وتقتل من لا يقتلك ، فإذا فعل ذلك فقد وجب [ له ] العذاب الأليم .

وقال مجاهد : ( بظلم ) : يعمل فيه عملا سيئا .

وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه الشر ، إذا كان عازما عليه ، وإن لم يوقعه ، كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره :

حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شعبة ، عن السدي : أنه سمع مرة يحدث عن عبد الله - يعني ابن مسعود - في قوله : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) قال : لو أن رجلا أراد فيه بإلحاد بظلم ، وهو بعدن أبين ، أذاقه الله من العذاب الأليم .

قال شعبة : هو رفعه لنا ، وأنا لا أرفعه لكم . قال يزيد : هو قد رفعه ، ورواه أحمد ، عن يزيد بن هارون ، به .

[ قلت : هذا الإسناد ] صحيح على شرط البخاري ، ووقفه أشبه من رفعه; ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود . وكذلك رواه أسباط ، وسفيان الثوري ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود موقوفا ، والله أعلم .

وقال الثوري ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله قال : ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ، ولو أن رجلا بعدن أبين هم أن يقتل رجلا بهذا البيت ، لأذاقه الله من العذاب الأليم . وكذا قال الضحاك بن مزاحم .

وقال سفيان [ الثوري ] ، عن منصور ، عن مجاهد " إلحاد فيه " ، لا والله ، وبلى والله . وروي عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، مثله .

وقال سعيد بن جبير : شتم الخادم ظلم فما فوقه .

وقال سفيان الثوري ، عن عبد الله بن عطاء ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قوله : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) قال : تجارة الأمير فيه .

وعن ابن عمر : بيع الطعام [ بمكة ] إلحاد .

وقال حبيب بن أبي ثابت : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) قال : المحتكر بمكة . وكذا قال غير واحد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري ، أنبأنا أبو عاصم ، عن جعفر بن يحيى ، عن عمه عمارة بن ثوبان ، حدثني موسى بن باذان ، عن يعلى بن أمية; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " احتكار الطعام بمكة إلحاد " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، حدثني سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس في قول الله : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) قال : نزلت في عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين ، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب ، فغضب عبد الله بن أنيس ، فقتل الأنصاري ، ثم ارتد عن الإسلام ، وهرب إلى مكة ، فنزلت فيه : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد يعني بميل عن الإسلام .

وهذه الآثار ، وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد ، ولكن هو أعم من ذلك ، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها ، ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل الله عليهم طيرا أبابيل ( ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) [ الفيل : 4 ، 5 ] ، أي : دمرهم وجعلهم عبرة ونكالا لكل من أراده بسوء; ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يغزو هذا البيت جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم " الحديث .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كناسة ، حدثنا إسحاق بن سعيد ، عن أبيه قال : أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير ، فقال : يا ابن الزبير ، إياك والإلحاد في حرم الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه سيلحد فيه رجل من قريش ، لو توزن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت " ، فانظر لا تكن هو .

وقال أيضا [ في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص ] : حدثنا هاشم ، حدثنا إسحاق بن سعيد ، حدثنا سعيد بن عمرو قال : أتى عبد الله بن عمرو ابن الزبير ، وهو جالس في الحجر فقال : يا بن الزبير ، إياك والإلحاد في الحرم ، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحلها ويحل به رجل من قريش ، ولو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها " . قال : فانظر لا تكن هو .

ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين .

يقول تعالى ذكره: إن الذين جحدوا توحيد الله، وكذّبوا رسله وأنكروا ما جاءهم به من عند ربهم ( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول: ويمنعون الناس عن دين الله أن يدخلوا فيه، وعن المسجد الحرام الذي جعله الله للناس الذين آمنوا به كافة لم يخصص منها بعضا دون بعض;( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) يقول: معتدل في الواجب عليه من تعظيم حرمة المسجد الحرام، وقضاء نسكه به، والنـزول فيه حيث شاء العاكف فيه، وهو المقيم به; والباد: وهو المنتاب إليه من غيره.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: سواء العاكف فيه وهو المقيم فيه؛ والباد، في أنه ليس أحدهما بأحقّ بالمنـزل فيه من الآخر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن سابط، قال: كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحق بمنـزله منهم، وكان الرجل إذا وجد سعة نـزل. ففشا فيهم السرق، وكل إنسان يسرق من ناحيته، فاصطنع رجل بابا، فأرسل إليه عمر: أتخذت بابا من حجاج بيت الله؟ فقال: لا إنما جعلته ليحرز متاعهم، وهو قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) قال: الباد فيه كالمقيم، ليس أحد أحقّ بمنـزله من أحد إلا أن يكون أحد سبق إلى منـزل.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، قال: قلت لسعيد بن جُبير: أعتكف بمكة، قال: أنت عاكف. وقرأ: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عمن ذكره، عن أبي صالح: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) العاكف: أهله، والباد: المنتاب في المنـزل سواء.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) يقول: ينـزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) قال: العاكف فيه: المقيم بمكة؛ والباد: الذي يأتيه هم فيه سواء في البيوت.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) سواء فيه أهله وغير أهله.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) قال: أهل مكة وغيرهم في المنازل سواء.

وقال آخرون في ذلك نحو الذي قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ ) قال: الساكن، ( والباد ) الجانب سواء حقّ الله عليهما فيه.

* حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ ) قال: الساكن ( والباد) الجانب.

قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد وعطاء: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ ) قالا من أهله، ( والباد ) الذي يأتونه من غير أهله هما في حرمته سواء.

وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في ذلك، لأن الله تعالى ذكره، ذكر في أول الآية صدّ من كفر به من أراد من المؤمنين قضاء نسكه في الحرم عن المسجد الحرام، فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ثم ذكر جلّ ثناؤه صفة المسجد الحرام، فقال: ( الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ) فأخبر جلّ ثناؤه أنه جعله للناس كلهم، فالكافرون به يمنعون من أراده من المؤمنين به عنه، ثم قال: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) فكان معلوما أن خبره عن استواء العاكف فيه والباد، إنما هو في المعنى الذي ابتدأ الله الخبر عن الكفار أنهم صدّوا عنه المؤمنين به، وذلك لا شك طوافهم وقضاء مناسكهم به والمقام، لا الخبر عن ملكهم إياه وغير ملكهم. وقيل: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) فعطف بيصدون وهو مستقبل على كفروا، وهو ماض، لأن الصدّ بمعنى الصفة لهم والدوام. وإذا كان ذلك معنى الكلام، لم يكن إلا بلفظ الاسم أو الاستقبال، ولا يكون بلفظ الماضي. وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: إن الذين كفروا من صفتهم الصدّ عن سبيل الله، وذلك نظير قول الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ . وأما قوله: ( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ ) فإن قرّاء الأمصار على رفع " سواءٌ " بالعاكف، والعاكف به، وإعمال جعلناه في الهاء المتصلة به، واللام التي في قوله للناس، ثم استأنف الكلام بسواء، وكذلك تفعل العرب بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تمّ الكلام به، فتقول: مررت برجل سواء عنده الخير والشر، وقد يجوز في ذلك الخفض، وإنما يختار الرفع في ذلك لأن سواء في مذهب واحد عندهم، فكأنهم قالوا: مررت برجل واحد عنده الخير والشرّ. وأما من خفضه فإنه يوجهه إلى معتدلٍ عنده الخير والشرّ، ومن قال ذلك في &; 18-598 &; سواء فاستأنف به، ورفع لم يقله في معتدل، لأن معتدل فعل مصرّح، وسواء مصدر فإخراجهم إياه إلى الفعل كإخراجهم حسب في قولهم: مررت برجل حسبك من رجل إلى الفعل. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه قرأه نصبا على إعمال جعلناه فيه، وذلك وإن كان له وجه في العربية، فقراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه.

وقوله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: ومن يرد فيه إلحادا بظلم نذقه من عذاب أليم، وهو أن يميل في البيت الحرام بظلم، وأدخلت الباء في قوله بإلحاد، والمعنى فيه ما قلت، كما أدخلت في قوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ والمعنى: تنبت الدهن، كما قال الشاعر:

بِـوَادِ يَمَـانٍ ينبـت الشَّـثَّ صَـدْرُهُ

وأسْـــفَلُهُ بـــالمَرْخِ والشَّــبَهانِ (1)

والمعنى: وأسفله ينبت المرخ والشبهان؛ وكما قال أعشى بني ثعلبة:

ضَمِنَــتْ بِـرزْقِ عِيالِنـا أرْماحُنـا

بيــنَ المَرَاجِـلِ والصَّـرِيحِ الأجْـرَدِ (2)

بمعنى: ضمنت رزق عيالنا أرماحنا في قول بعض نحويي البصريين. وأما بعض نحويي الكوفيين فإنه كان يقول: أدخلت الياء فيه، لأن تأويله: ومن يرد بأن يلحد فيه بظلم. وكان يقول: دخول الباء في أن أسهل منه في " إلحاد " وما أشبهه، لأن أن تضمر الخوافض معها كثيرا، وتكون كالشرط، فاحتملت دخول الخافض وخروجه، لأن الإعراب لا يتبين فيها، وقال في المصادر: يتبين الرفع والخفض فيها، قال: وأنشدني أبو الجَرَّاح:

فَلَمَّـا رَجَـتْ بالشُّـرْبِ هَزَّ لَها العَصَا

شَــحَيحٌ لــهُ عِنْــدَ الأدَاءِ نَهِيـمُ (3)

وقال امرؤ القيس:

ألا هَــلْ أتاهــا والحَـوَادِثُ جَمَّـةٌ

بـأنَّ أمـرأ القَيْسِ بـنَ تَمْلِـكَ بَيْقَـرَا (4)

قال: فأدخل الباء على أن وهي في موضع رفع كما أدخلها على إلحاد، وهو في موضع نصب، قال: وقد أدخلوا الباء على ما إذا أرادوا بها المصدر، كما قال الشاعر:

ألَــمْ يَــأْتِيكَ والأنْبــاءُ تَنْمــي

بِمَــا لاقَــتْ لَبُــونُ بَنِـي زِيـادِ (5)

وقال: وهو في " ما " أقل منه في " أن "، لأن " أن " أقلّ شبها بالأسماء من " ما ". قال: وسمعت أعرابيا من ربيعه، وسألته عن شيء، فقال: أرجو بذاك: يريد أرجو ذاك.

واختلف أهل التأويل في معنى الظلم الذي من أراد الإلحاد به في المسجد الحرام، أذاقه الله من العذاب الأليم، فقال بعضهم: ذلك هو الشرك بالله وعبادة غيره به: أي بالبيت.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) يقول: بشرك.

حدثنا عليّ، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد، قي قوله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) هو أن يعبد فيه غير الله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) قال: هو الشرك، من أشرك في بيت الله عذّبه الله.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة، مثله.

وقال آخرون: هو استحلال الحرام فيه أو ركوبه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) يعني أن تستحلّ من الحرام ما حرّم الله عليك من لسان أو قتل، فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك، فإذا فعل ذلك فقد وجب له عذاب أليم.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) قال: يعمل فيه عملا سيئا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد مثله.

حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ قالا ثنا المحاربيّ، عن سفيان عن السُّديّ، عن مرّة عن عن عبد الله، قال: ما من رجل يهمّ بسيئة فتكتب عليه، ولو أن رجلا بعد أن بين همّ أن يقتل رجلا بهذا البيت، لأذاقه الله من العذاب الأليم.

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا شعبة، عن السديّ، عن مرّة، عن عبد الله، قال مجاهد، قال يزيد، قال لنا شعبة، رفعه، وأنا لا أرفعه لك في قول الله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) قال: لو أن رجلا همّ فيه بسيئة وهو بعد أن أبين، لأذاقه الله عذابا أليما.

حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، عن الضحاك بن مزاحم، في قوله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) قال: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر ولم يعملها، فتكتب عليه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) قال: الإلحاد: الظلم في الحرم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك الظلم: استحلال الحرم متعمدا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) قال: الذي يريد استحلاله متعمدا، ويقال الشرك.

وقال آخرون: بل ذلك احتكار الطعام بمكة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أشعث، عن حبيب بن أبي ثابت في قوله: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) قال: هم المحتكرون الطعام بمكة.

وقال آخرون: بل ذلك كل ما كان منهيا عنه من الفعل، حتى قول القائل: لا والله، وبلى والله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: كان له فسطاطان: أحدهما في الحلّ، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحلّ، فسئل عن ذلك، فقال: كنا نحدّث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل: كلا والله، وبلى والله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن أبي ربعي، عن الأعمش، قال: كان عبد الله بن عمرو يقول: لا والله وبلى والله من الإلحاد فيه.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس، من أنه معنيّ بالظلم في هذا الموضع كلّ معصية لله، وذلك أن الله عم بقوله ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) ولم يخصص به ظلم دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم، فيعصي الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ ذلك (وَمَنْ يَرِدْ فِيه ) بفتح الياء بمعنى: ومن يرده بإلحاد من وَرَدْت المكان أرِدْه. وذلك قراءة لا تجوز القراءة عندي بها لخلافها ما عليه الحجة من القرّاء مجمعة مع بعدها من فصيح كلام العرب، وذلك أنَّ يَرِدْ فعل واقع، يقال منه: وهو يَرِد مكان كذا أو بلدة كذا، ولا يقال: يَرِد في مكان كذا. وقد زعم بعض أهل المعرفة بكلام العرب، أن طَيِّئا تقول: رغبت فيك، تريد: رغبت بك، وذكر أن بعضهم أنشده بيتا:

وأرْغَـبُ فِيهـا عَـنْ لَقِيـطٍ وَرَهْطِـهِ

وَلَكِـنَّنِي عَـنْ سِـنْبِس لَسْـتُ أرْغَبُ (6)

بمعنى: وأرغب بها. فإن كان ذلك صحيحا كما ذكرنا، فإنه يجوز في الكلام، فأما القراءة به فغير جائزة لما وصفت.

------------------------

الهوامش:

(1) البيت للأحول اليشكري ، واسمه يعلى قاله في ( اللسان : شبه ) نقله عن أبي عبيدة . وقد مر هذا الشاهد على مثل ما استشهد به المؤلف هنا ، عند قوله تعالى : " وهزي إليك بجذع النخلة " ( 16 : 72 ) ووفينا الكلام في رواياته وتخريجه ، فراجعه ثمة .

(2) هذا البيت ينسب لأعشى بني قيس بن ثعلبة ، ولم أجد في ديوانه قصيدة دالية مكسورة من بحر الكامل ، ووجدت البيت في دالية منصوبة باختلاف في رواية وهذا هو البيت مع البيتين قبله :

جَــعَلَ الإلَـهُ طَعامَنـا فــي مالِنـا

رِزْقــا تَضَمَّنَــهُ لَنــا لَـنْ يَنْفَـدا

مِثْــلَ الهِضَــابِ جَـزَارَةً لسُـيُوفنا

فــإذَا تُـــراعُ فِإنَّهَـا لَـنْ تُطْـرَدَا

ضَمنَــتْ لَنــا أعْجَـازُهُنَّ قُدُورَنـا

وَضُـرُوعُهُنَّ لَنـا الصَّـرِيحَ الأجْـرَدَا

ومعنى الأبيات : جعل الله طعامنا في الإبل ، نرحلها حيث نشاء رزقا لا ينفد . وهي ضخمة كالهضاب نعقرها بسيوفنا للضيفان ، لا يطردها مروع أو مغير ، وقد ضمنت أعجازها لنا قدورنا أن تفرغ ، لسمنها وكثرة لحمها ، وضمنت ضروعها لنا اللبن خالصا صافيا . ( انظر الديوان ، طبع القاهرة ، ص 230 بشرح الدكتور محمد حسين ) . وفي اللسان رواية أخرى للبيت ، مع نسبته للأعشى ( في : جرد ) قال : ألبن وجرد لا رغوة قال الأعشى :

ضَمِنَــتْ لَنــا أعْجَـازَهُ أرْماحُنـا

مِـلْءَ المَرَاجِـلِ والصَّـرِيحَ الأجْـرَدَا

وعلى هاتين الروايتين لا شاهد في البيت ؛ لأن المؤلف إنما ساقه شاهدا على زيادة الباء في قوله " برزق " ولا باء زائدة في هاتين الروايتين . وقد جعل الباء في قوله ( برزق ) نظير الباء التي في الآية : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ أي على تقدير ومن يرد فيه إلحادا بظلم .

(3) هذا البيت من شواهد الفراء تلميذ الكسائي وهما زعيما نحاة أهل الكوفة وهو مما أنشده إباه أبو الجراح أحد الأعراب الذين كان يأخذ عنهم اللغة ( انظره في معاني القرآن للفراء ، الورقة 10 من مصورة الجامعة ) . والنهيم كما في ( اللسان : نهم ) : صوت كأنه زحير . وقيل صوت فوق الزئير . والنهيم صوت وتوعد وزجر . والضمير في لها : لعله راجع إلى الإبل التي أرادت الشرب ، حتى إذا كادت تبلغ الماء ، هز لها العصا ، وردها عنه ، رجل له صوت شديد منكر . والشاهد في البيت أن الباء الزائدة في قوله ( بالشرب ) داخلة على مصدر صريح ، وأن الفراء يرى أن دخولها على المصدر المؤول بأن أو بما والفعل ، أحسن من دخولها على المصدر الصريح . وقال الفراء : قوله " ومن يرد فيه بإلحاد بظم " دخلت الباء في الإلحاد ، لأن تأويله : ومن يرد بأن يلحد فيه بظلم ، ودخول الباء في " أن " أسهل منه في الإلحاد ، وما أشبه ، لأن " أن " تضمر الخفوض معها كثيرا ( يريد حروف الخفض ) فاحتملت دخول الخافض وخروجه ، لأن الإعراب لا يتبين فيها ، وقل في المصادر ( أي الصريحة ) لتبين الخفض والرفع فيها ؛ أنشدني أبو الجراح : " فلما رجت بالشرب هز لها العصا " . . . . البيت .

(4) البيت لامرئ القيس بن حجر ( العقد الثمين لألولاد ص 130 ) وليس في رواية الأعلم الشنتمري لديوان امرئ القيس . والبيت شاهد كالذي قبله على أن الباء في قوله ( بأن ) زائدة في المصدر المؤول المرفوع وهي أحسن منها في المصدر الصريح لخفاء الإعراب معها . وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن ، ساقه مع الشاهد الذي قبله ( انظر معاني القرآن للفراء ، الورقة 310 ) قال : أدخل الباء على ( أن ) وهي في موضع رفع كما أدخلها على الإلحاد بظلم ، وهو في موضع نصب .

(5) البيت لقيس بن زهير العبسي كما في ( النوادر لأبي زيد الأنصاري ، ص 203 ) ولم تحذف الياء في قوله ( يأتيك ) للجازم ، للضرورة . والبيت من شواهد الفراء في ( معاني القرآن ، ص 310 ) على أنهم قد يدخلون الحرف الزائد على المصدر المؤول بما وما بعدها . قال : وقد أدخلوها على ( ما ) إذا أرادوا ( أن ) أقل شبها بالأسماء من ( ما ) . وسمعت أعرابيا من ربيعة وسألته عن شيء ، فقال : أرجو بذلك ، يريد : أرجو ذاك .

(6) البيت سبق الاستشهاد به على مثل ما استشهد به المؤلف هنا ، في ( 13 : 189 ) وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن ، الورقة 161 ، والورقة 310 من مصورة الجامعة ( على أن من العرب من يجعل ) ( في ) في موضع الباء ، فيقول أدخلك الله بالجنة ، يريد : في الجنة . قال الفراء في ( ص 310 ) : وقد يجوز في لغة الطائيين : لأنهم يقولون : رغبت فيك ، يريدون : رغبت بك . أنشدني بعضهم : " وأرغب فيها عن لقيط " . . . . البيت . يعني بنته . أه .

التدبر :

لمسة
[25] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (وَيَصُدُّونَ) بصيغة المضارع للدلالة على تكرار الفعل من الكُفّار، وأنه دأبهم سواء فيه أهل مكة وغيرهم، لأن البقية ظاهروهم على ذلك الصدّ ورافقوهم، في حين أنه يبتدئ بصيغة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الماضية؛ للدلالة على أنه وصف ثابت فيهم، متحقق، ليصير بعد ذلك كاللقب لهم، مثل قوله: (الذين آمنوا).
وقفة
[25] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الإلحاد): الميل عن الصواب، و(الظلم) هنا عام في المعاصي من الكفر إلى الصغائر؛ لأن الذنوب في مكة أشدُّ منها في غيرها، وقيل: هو استحلال الحرام.
وقفة
[25] الاشتغال بالصدِّ عن سبيل الله يستوجب العذاب الأليم ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
وقفة
[25] من مصادر وحدة الأمة: أن الله جعل لكل مسلم حقًّا في مكة، سواء المقيم أم النائي، قال الله: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾.
وقفة
[25] وصف الله المسجد الحرام بقوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ للإيماء إلى علَّة مؤاخذة المشركين بصدهم عنه؛ لأجل أنهم خالفوا ما أراد الله منه فإنه جعله للناس كلهم يستوي في أحقية التعبد به العاكف فيه أي: المستقر في المسجد والبادي أي: البعيد عنه إذا دخله.
وقفة
[25] ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ مكة هي المكان الوحيد الذي تفقد فيه الجنسيات قيمتها، ويجب أن تتشبه جميع بقاع العالم بمكة.
لمسة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ (يُرِدْ) يتعدى بنفسه؛ فإنما عداه بالباء؛ لتضمينه معنى (يهم)؛ فمن يهم بالإلحاد في الحرم يعذبه.
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ فيه أن السيئة في الحرم أعظم منها في غيره إنها تضاعف فيه, والهم بها فيه مؤاخذ به.
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ تفيد أن من أراد سيئة في مكة ولم يعملها يحاسب على مجرد الإرادة، وهو قول ابن مسعود وعكرمة، سئل ابن عمر وكان منزله في الحل ومسجده في الحرم: لم تفعل هذا؟ فقال: لأن العمل في الحرم أفضل، والخطيئة فيه أعظم.
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في هذه الآية تسلية وطمأنة لمن أشرف على أمن الحج، وتأمين للحجيج بأن الله سيعينهم ويوفقهم إذا صدقوا مع الله، وأخذوا بالأسباب المشروعة في ذلك، وحسبهم هذا التأييد الذي يوحي بخيبة المفسدين عاجلًا أو آجلًا.
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ كان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم؛ خشيةَ ارتكاب الذنوب فيه، وروي عن عمر t قوله: «لأن أخطئ سبعين خطيئة بغير مكة أحب إلَّي من أن أخطئ خطيئةً بمكة».
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِد فيهِ بِإِلحادٍ بِظُلمٍ نُذِقهُ مِن عَذابٍ أَليمٍ﴾ تعمدك للظلم عاقبته وخيمة.
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ مَن يُرِدْ: أي من هَمَّ، ولو كان خارج الحرم؛ فكيف بمن قصد الحرم لقتل وتفجير، هل يستوي مع من قصد البيت حاجًا لله؟!
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (عذاب أليم) في مجرَّد تبييت الظلم ونيَّة الإلحاد في الحرم فكيف بالفاعل؟!
وقفة
[25] ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ حرمة البيت الحرام تقتضي الاحتياط من المعاصي فيه أكثر من غيره.
وقفة
[25] ﴿فليعبدوا رب هذا البيت * ا لذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ [قريش: 3، 4] امتن الله على قريش بالأمن ورغد العيش بعد الخوف والجوع، فالمحافظة على أمن الحرم والحج عبادةٌ عظمى، يتقرب بها المسلم إلى الله، ويتمكن بها الحجاج من أداء نسكهم بأمن وأمان ﴿ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم﴾.
وقفة
[25] توعد الله من هَمَّ بمعصية في الحرم بالعذاب؛ فكيف بمن ارتكبها! ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
وقفة
[25] السيئة قد تعظم فيعظم جزاؤها بسبب حرمة المكان؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أو حرمة الزمان؛ كقوله تعالى في الأشهر الحرام: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، أو بسبب عظم الإنسان المخالف؛ كقوله تعالى في نبينا ﷺ: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء: 74-75].
عمل
[25] عظِّم شأن الحرم، وحاذر أن تفكر فيه بالمعاصي؛ إذ يؤاخذ فيه على مجرد إرادة المعصية ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
تفاعل
[25] ﴿نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «كفروا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.وخبر «إن» محذوف لدلالة جواب الشرط‍ عليه. تقديره: ان الذين كفروا .. نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك ويجوز أن يكون خبر «إن» المحذوف بتقدير: إنّ الذين كفروا .. هالكون.
  • ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ:
  • الواو عاطفة. يصدون: معطوفة علىالَّذِينَ كَفَرُوا» وعطف المضارع على الماضي على تقديرومعنى: انّ الكافرين والصادين ويجوز أن تكون الواو حالية والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حالا بتقدير: وهم يصدون. يصدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بمعنى: يمنعون وحذف مفعولها أي ويصدون الناس. عن سبيل: جار ومجرور متعلق بيصدون. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة بمعنى: عن الايمان بالله.
  • ﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ:
  • الواو عاطفة. المسجد: معطوفة على السبيل أي عن المسجد الحرام: صفة-نعت-للمسجد مجرورة مثلها.
  • ﴿ الَّذِي جَعَلْناهُ:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة- نعت-للمسجد الحرام أي صفة ثانية للمسجد. جعل: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل نصب مفعول به أول.
  • ﴿ لِلنّاسِ سَواءً:
  • جار ومجرور متعلق بجعلناه. سواء: مفعول به ثان لجعلناه منصوب بالفتحة المنونة بمعنى: صيرناه للناس مستويا.
  • ﴿ الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ:
  • العاكف: فاعل للاسم «المصدر» «سواء» أو لاسم الفاعل «مستو» على المعنى مرفوع بالضمة. بمعنى: استوى العاكف فيه أي المقيم. فيه: جار ومجرور متعلق بالعاكف. والباد: معطوفة بالواو على «العاكف» مرفوعة مثلها بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة اختصارا وخطا واكتفاء بالكسرة الدالة عليها. بمعنى: والبادئ أي والطارئ.
  • ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ:
  • الواو: استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. وخبره الجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه -جزائه-في محل رفع. يرد: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره. وأصله: يريد: حذفت ياؤه تخفيفا ولالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يرد» صلة الموصول لامحل لها من الإعراب. فيه: جار ومجرور متعلق بيرد. ومفعول «يرد» محذوف ليتناول كل ما تمكن إرادته. ويجوز أن يكون المفعول «بالحاد» المجرور لفظا بالباء حرف الجر الزائد والمنصوب محلا. بتقدير: : ومن يرد فيه إلحادا
  • ﴿ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ:
  • جاران ومجروران متعلقان بحالين مترادفتين. بتقدير: ومن يرد فيه مرادا اما عادلا عن القصد أو ظالما.
  • ﴿ نُذِقْهُ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. نذقه:فعل مضارع جواب الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الياء لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والهاء ضمير الغائب مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ:
  • جار ومجرور متعلق بنذقه. اليم: صفة-نعت-لعذاب مجرورة مثلها. ويجوز أن تكون «من» حرف جر زائدا للتوكيد و «عذاب» اسما مجرورا لفظا منصوبا محلا لأنه مفعول به ثان لنذق.'

المتشابهات :

الحج: 25﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ
النساء: 167﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا
النحل: 88﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ
محمد: 1﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
محمد: 32﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ
محمد: 34﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [25] لما قبلها :     وبعد ذكر مآل كل فريق من الكفار والمؤمنين؛ بَيَّنَ اللهُ هنا عظيم حرمة المسجد الحرام، وأنكر على الكفار صدهم المؤمنين عنه، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سواء:
1- بالنصب، وانتصب به «العاكف» ، لأنه مصدر، وهى قراءة حفص، والأعمش.
وقرئ:
2- بالرفع، على أن الجملة من مبتدأ وخبر، وهى قراءة الجمهور.
3- بالنصب، و «العاكف» بالجر، وهى قراءة فرقة، منهم: الأعمش، فى رواية القطعي.
الباد:
قرئ:
1- بإثبات الياء، وصلا ووقفا.
2- بتركها، فيهما.
3- بإثباتها وصلا، وحذفها وقفا.

مدارسة الآية : [26] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ..

التفسير :

[26] واذكر -أيها النبي- إذ بَيَّنا لإبراهيم -عليه السلام- مكان البيت، وهيَّأناه له وقد كان غير معروف، وأمرناه ببنائه على تقوى من الله وتوحيده، وتطهيره من الكفر والبدع والنجاسات؛ ليكون رحاباً للطائفين به، والقائمين المصلين عنده.

يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه، وهو خليل الرحمن، فقال:{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أي:هيأناه له، وأنزلناه إياه، وجعل قسما من ذريته من سكانه، وأمره الله ببنيانه، فبناه على تقوى الله، وأسسه على طاعة الله، وبناه هو وابنه إسماعيل، وأمره أن لا يشرك به شيئا، بأن يخلص لله أعماله، ويبنيه على اسم الله.

{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} أي:من الشرك والمعاصي، ومن الأنجاس والأدناس وأضافه الرحمن إلى نفسه، لشرفه، وفضله، ولتعظم محبته في القلوب، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه، لكونه بيت الرب للطائفين به والعاكفين عنده، المقيمين لعبادة من العبادات من ذكر، وقراءة، وتعلم علم وتعليمه، وغير ذلك من أنواع القرب،{ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أي:المصلين، أي:طهره لهؤلاء الفضلاء، الذين همهم طاعة مولاهم وخدمته، والتقرب إليه عند بيته، فهؤلاء لهم الحق، ولهم الإكرام، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم، ويدخل في تطهيره، تطهيره من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين، بالصلاة والطواف، وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة، لاختصاصه بهذا البيت، ثم الاعتكاف، لاختصاصه بجنس المساجد.

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن بناء البيت وتطهيره فقال- تعالى-: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً....

وبوأنا من التبوؤ بمعنى النزول في المكان. يقال: بوأته منزلا أى: أنزلته فيه، وهيأته له، ومكنته منه.

والمعنى: واذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ وقت أن هيأنا لنبينا إبراهيم مكان بيتنا الحرام، وأرشدناه إليه، لكي يبنيه بأمرنا، ليكون مثابة للناس وأمنا.

قال بعض العلماء: والمفسرون يقولون بوأه له، وأراه إياه، بسبب ريح تسمى الخجوج، كنست ما فوق الأساس: حتى ظهر الأساس الأول الذي كان مندرسا، فبناه إبراهيم وإسماعيل عليه ... وأن محل البيت كان مربض غنم لرجل من جرهم.

وغاية ما دل عليه القرآن: أن الله بوأ مكانه لإبراهيم، فهيأه له، وعرفه إياه ليبنيه في محله، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يبن قبله.

وظاهر قوله- تعالى- على لسان إبراهيم: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ... يدل على أنه كان مبنيا واندرس كما يدل عليه- أيضا- قوله هنا مَكانَ الْبَيْتِ لأنه يدل على أن له مكانا سابقا كان معروفا.

و «أن» في قوله- تعالى-: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً مفسرة، والتفسير- كما يقول الآلوسى- باعتبار أن التبوئة من أجل العبادة، فكأنه قيل: أمرنا إبراهيم بالعبادة، وذلك فيه معنى القول دون حروفه، أو لأن بوأناه بمعنى قلنا له تبوأ.

والمعنى: واذكر- أيها المخاطب- وقت أن هيأنا لإبراهيم- عليه السلام- مكان بيتنا الحرام، وأوصيناه بعدم الإشراك بنا، وبإخلاص العبادة لنا، كما أوصيناه- أيضا- بأن يطهر هذا البيت من الأرجاس الحسية والمعنوية الشاملة للكفر والبدع والضلالات والنجاسات، وأن يجعله مهيأ للطائفين به، وللقائمين فيه لأداء فريضة الصلاة.

قال الشوكانى: والمراد بالقائمين في قوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ المصلون..

وذكر الرُّكَّعِ السُّجُودِ بعده، لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة، وقرن الطواف بالصلاة، لأنهما لا يشرعان إلا في البيت، فالطواف عنده والصلاة إليه.

وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة، أنه لا يجوز أن يترك عند بيت الله الحرام، قذر من الأقذار ولا نجس من الأنجاس المعنوية ولا الحسية، فلا يترك فيه أحد يرتكب مالا يرضى الله، ولا أحد يلوثه بقذر من النجاسات.

هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله ، وأشرك به من قريش ، في البقعة التي أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فذكر تعالى أنه بوأ إبراهيم مكان البيت ، أي : أرشده إليه ، وسلمه له ، وأذن له في بنائه .

واستدل به كثير ممن قال : " إن إبراهيم ، عليه السلام ، هو أول من بنى البيت العتيق ، وأنه لم يبن قبله " ، كما ثبت في الصحيح عن أبي ذر قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول؟ قال : " المسجد الحرام " . قلت : ثم أي؟ قال : " بيت المقدس " . قلت كم بينهما؟ قال : " أربعون سنة " .

وقد قال الله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين . فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) الآية [ آل عمران : 96 ، 97 ] ، وقال تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) [ البقرة : 125 ] .

وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .

وقال تعالى هاهنا : ( أن لا تشرك بي ) أي : ابنه على اسمي وحدي ، ( وطهر بيتي ) قال مجاهد وقتادة : من الشرك ، ( للطائفين والقائمين والركع السجود ) أي : اجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له .

فالطائف به معروف ، وهو أخص العبادات عند البيت ، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها ، ( والقائمين ) أي : في الصلاة; ولهذا قال : ( والركع السجود ) فقرن الطواف بالصلاة; لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت ، فالطواف عنده ، والصلاة إليه في غالب الأحوال ، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة وفي الحرب ، وفي النافلة في السفر ، والله أعلم .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مُعْلِمَه عظيم ما ركب من قومه قريش خاصة دون غيرهم من سائر خلقه بعبادتهم في حرمه، والبيت الذي أمر إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم ببنائه وتطهيره من الآفات والرِّيَب والشرك: واذكر يا محمد كيف ابتدأنا هذا البيت الذي يعبد قومك فيه غيري، إذ بوأنا لخليلنا إبراهيم، يعني بقوله: بوأنا: وطأنا له مكان البيت.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر، عن قتادة، قوله: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) قال: وضع الله البيت مع آدم صلى الله عليه وسلم حين أهبط آدم إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا، وإن آدم لمَّا فَقَد أصوات الملائكة وتسبيحهم، شكا ذلك إلى الله، فقال الله: يا آدم إني قد أهبطت لك بيتا يُطاف به كما يطاف حول عرشي، ويُصلَّى عنده كما يصلى حول عرشي، فانطلق إليه! فخرج إليه، ومدّ له في خطوه، فكان بين كل خطوتين مفازة، فلم تزل تلك المفاوز على ذلك حتى أتى آدم البيت، فطاف به ومن بعده من الأنبياء.

حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين، انطلق إبراهيم حتى أتى مكة، فقام هو وإسماعيل، وأخذا المعاول، لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحا يقال لها ريح الخَجُوج، لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لها ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتبعاها بالمعاول يحفران، حتى وضعا الأساس، فذلك حين يقول: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) .

ويعني بالبيت: الكعبة، ( أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ) في عبادتك إياي ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ) الذي بنيته من عبادة الأوثان.

كما حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن سفيان عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ) قال: من الشرك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، قال: من الآفات والريب.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة: طَهِّرَا بَيْتِيَ قال: من الشرك وعبادة الأوثان.

وقوله: ( لِلطَّائِفِينَ ) يعني للطائفين ، والقائمين بمعنى المصلين الذين هم قيام في صلاتهم.

كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تُمَيلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عطاء في قوله ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ ) قال: القائمون في الصلاة.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة: ( وَالْقَائِمِينَ ) قال: القائمون المصلون.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة، مثله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) قال: القائم والراكع والساجد هو المصلي، والطائف هو الذي يطوف به. وقوله: ( وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) يقول: والركع السجود في صلاتهم حول البيت.

التدبر :

وقفة
[26] ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ دليل على أن من أقام التوحيد فهو الأحق بشرف ولاية البيت.
وقفة
[26] ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ أتم إبراهيم التوحيد فبوأ الله له مكان البيت ليقيم فيه شرائع التوحيد؛ فما أعظم جزاء الموحدين!
وقفة
[26] قوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ دليل على أن البيت موجود قبل إبراهيم، وكان ربوة مرتفعة، فشرفه الله برفع قواعده.
وقفة
[26] ﴿وَإِذ بَوَّأنا لِإِبراهيمَ مَكانَ البَيتِ أَن لا تُشرِك بي شَيئًا﴾ كان النهي عن الشرك أول شيء أُمِر به إبراهيم عليه السلام، بعد إعلام الله له بمكان البيت، والمأمور بذلك أبو الأنبياء وداعية التوحيد ومكسر الأصنام إبراهيم عليه السلام؛ مما يدل على عظم خطورة الشرك.
وقفة
[26] ﴿وَإِذ بَوَّأنا لِإِبراهيمَ مَكانَ البَيتِ أَن لا تُشرِك بي شَيئًا﴾ بدأ بالشرك؛ لأن الشرك يأتي أولًا بتعظيم المكان وهناك جمرات، هناك كعبة، هناك أماكن معينة، يكثُر ميل الناس للابتداع وظهور مثل هذه الأشياء؛ فلذلك ذكر هذه القضية.
وقفة
[26] إبراهيم وهو فتى يحطم الأصنام ثم يدعو ﷲ بعدم عبادة الأصنام، ثم يأمره ﷲ: ﴿وَإِذ بَوَّأنا لِإِبراهيمَ مَكانَ البَيتِ أَن لا تُشرِك بي شَيئًا﴾، التوحيد أولًا.
وقفة
[26] المساجد أقيمت لعبادة الله وحده، لا لبنائها على القبور والأضرحة والشرك بالله ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.
عمل
[26] ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ صنمًا كان هذا الشيء، أم ملكًا، أم عادات، أم قبيلة، أم أسرة، أم فكرة؛ لا تشرك بالله شيئًا.
وقفة
[26] ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ من أعظم ما ينافي الحج: مظاهر الشرك؛ ومنها التبرك غير المشروع.
وقفة
[26] ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ أعظم مقاصد البيت والحج: التوحيد، وهو ظاهر في جميع شعائر الحج، فهل نستحضرها؟!
وقفة
[26] ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ دليل على أن أعظم واجب على أهل التوحيد والقائمين على البيت نشر التوحيد ونبذ الشرك لدى الوافدين إليه.
وقفة
[26] ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ دليل على منع مظاهر الشرك بالبيت والحج، ومنها التبرك بما لم يشرعه الله ولا رسوله.
وقفة
[26] ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ مقصد بناء البيت والحج إليه تلقي التوحيد بطريقة المشاهدة للبيت وشعائره، ليتقوى الإدراك العقلي بالمحسوس. نَعَمْ أَسْعَى إِليكِ عَلَى جُفُونِي ... وَإِنْ بَعُدَتْ لِمَسْرَاكِ الطَّرِيقُ
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ لا يجوز للمسلم تدنيس البيت بالمخلفات والأذى، بل الواجب إزالة ما وجده فيه من ذلك.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ أضاف البيت إلى نفسه تعظيمًا وتشريفًا، ولو استشعر المسلم ذلك وهو يدخل المسجد الحرام لازداد تعظيمًا وذلًّا.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ سورة الحج من أعظم السور اشتمالًا لمقاصد الحج: التوحيد.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ وصايا للأئمة في رمضان اعتـنِ بالتكييف الجيد والصوتيات النقية والطيب والفرش ودورات المياه أعزك الله.
وقفة
[26] علقت القلوب على محبة الكعبة والبيت الحرام، وسرُّ هذه المحبة هي إضافة الرب سبحانه له إلى نفسه بقوله ﴿وَطَهِّر بَيتِي﴾.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ تطهير البيت تنزيهه من كل خبث معنوي وحسي؛ وأعظمه الشرك ومظاهره والفواحش والظلم والفسق والخصال السيئة.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ هؤلاء هم من يستحقون الإحتفاء والإكرام.
عمل
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ نظِف بيتًا من بيوت الله، محتسبًا في ذلك الأجر من الله.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ وتطهير البيت عام في الكفر، والبدع، وجميع الأنجاس، والدماء.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ تطهير البيت هو من كل خبث معنوي؛ کالبدع والمعاصي وظلم الناس وبث الخصال الذميمة، ومن كل خبث حسی کالأقذار ونحوها، ليكون مجهزًا للطائفين والقائمين فيه.
عمل
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ شارك في تطهير البيت الحرام إن قمت بزيارته.
وقفة
[26] ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ خدمة البيت الحرام وخدمة عُمَّاره من أعظم الطاعات، والتطهير هنا يعم الحسي والمعنوي، فالعمل في ذلك من أشرف الأعمال؛ فتنبه أيها المؤمن أن تقوم بما يضاد ذلك.
وقفة
[26] لما ذكر الله شعائر المسجد الحرام ذكر المناسك بوصف واحد (الطواف)، وذكر الصلاة بأحوال ثلاثة تشريفًا لها ﴿وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود﴾.
وقفة
[26] ﴿بَيْتِيَ﴾ علقت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجر الأوطان والأحباب، ولذَّ لهم فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب، فركبوا الأخطار وجابوا المفاوز والقفار، واحتملوا في الوصول غاية المشاق، ولو أمكنهم لسعوا إليها ولو على الأحداق.
لمسة
[26] ﴿لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ تقديم الطواف دليل على أنه أخص العبادات وأفضلها للزائر للبيت؛ لكونه لا يؤدى خارجه.
لمسة
[26] ﴿لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ خص هذه الأعمال لكونها خاصة بالبيت، وهو دليل على أنها أفضل العبادات فيه.
لمسة
[26] ﴿وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ خص الركوع والسجود مع دخولها في القيام لكونها تتضمن مظهر التعظيم والتذلل التي بنيت عليها السورة.
لمسة
[26] ﴿وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ خص هذه الثلاثة من أعمال الصلاة لكونها أعظم أركانها.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذْ:
  • الواو: استئنافية. اذ: اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول به بفعل مضمر بتقدير: واذكر إذ.
  • ﴿ بَوَّأْنا:
  • الجملة الفعلية: في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد «إذ» بوأ: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بمعنى: أنزلنا ابراهيم مكان البيت.
  • ﴿ لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ:
  • جار ومجرور متعلق ببوأنا. ابراهيم: اسم مجرور باللام وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-للعجمة والعلمية. ويجوز أن تكون اللام زائدة لتأكيد المعنى أو اللفظ‍ لأن «بوأ» يتعدى الى مفعولين. أو يكون المعنى: واذكر حين جعلنا لابراهيم مكان البيت مباءى أي مرجعا يرجع اليه للعمارة والعبادة. مكان: مفعول به منصوب بالفتحة. البيت: مضاف اليه مجرور بالكسرة
  • ﴿ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي:
  • أن: حرف تفسير لا عمل له. وهو تفسير للتبوئة.أي أوحينا لعبدنا ابراهيم قلنا له أو أوحينا له أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ» من الأصنام والأوثان. لا: ناهية جازمة. تشرك: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وجملة لا تُشْرِكْ» تفسيرية لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون أن حرفا مصدريا. وتكون هي وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر مقدر أي بتقدير بأن لا تشرك. وجملة لا تُشْرِكْ» صلة «أن» المصدرية لا محل لها من الإعراب. والجار والمجرور متعلق بأوحينا أو بقلنا. بي: جار ومجرور متعلق بلا تشرك.
  • ﴿ شَيْئاً:
  • نائبة عن المصدر أو صفة له بمعنى: أن لا تشرك بي شركا شيئا.منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ:
  • الواو عاطفة. طهر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بيتي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم سبحانه. والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ:
  • جار ومجرور متعلق بطهر وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد. والقائمين: معطوفة بالواو على «الطائفين» وتعرب اعرابها بمعنى والقائمين فيه للصلاة.
  • ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ:
  • الواو عاطفة. الركع: اسم مجرور لأنه معطوف على مجرور وعلامة جره الكسرة. السجود: صفة-نعت-للركع مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.'

المتشابهات :

البقرة: 125﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
الحج: 26﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [26] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ اللهُ حالَ كفار مكة، وصَدَّهم عن دين الله وعن دخول المَسجِدِ الحرامِ؛ ذَكَّرَهم اللهُ هنا بأنَّ أباهم إبراهيمَ عليه السلام الذي يفخرون به وينتسبون إليه هو الذي بناه، وطهَّرَه للطَّائفينَ والمصلينَ، ودعا النَّاسَ إلى الحجِ إليه، وفي هذا توبيخ لهم على سُلوكِهم غيرَ طَريقِه، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أن لا تشرك:
وقرئ:
أن لا يشرك، بالياء، على معنى: أن لا يقول معنى القول الذي قيل له، وهى قراءة عكرمة، وأبى نهيك قال أبو حاتم: ولا بد من نصب «الكاف» على هذه القراءة.

مدارسة الآية : [27] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ ..

التفسير :

[27] وأعلِمْ -يا إبراهيم- الناس بوجوب الحج عليهم يأتوك على مختلف أحوالهم مشاةً وركباناً على كل ضامر من الإبل، وهو:(الخفيف اللحم من السَّيْر والأعمال لا من الهُزال)، يأتين من كل طريق بعيد؛

{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أي:أعلمهم به، وادعهم إليه، وبلغ دانيهم وقاصيهم، فرضه وفضيلته، فإنك إذا دعوتهم، أتوك حجاجا وعمارا، رجالا، أي:مشاة على أرجلهم من الشوق،{ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي:ناقة ضامر، تقطع المهامه والمفاوز، وتواصل السير، حتى تأتي إلى أشرف الأماكن،{ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي:من كل بلد بعيد، وقد فعل الخليل عليه السلام، ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم، فدعيا الناس إلى حج هذا البيت، وأبديا في ذلك وأعادا، وقد حصل ما وعد الله به، أتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الأرض ومغاربها

ثم ذكر- سبحانه- ما أمر به نبيه إبراهيم بعد أن بوأه مكان البيت فقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، يَأْتُوكَ رِجالًا. وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.

والآذان: الإعلام. و «رجالا» أى: مشاة على أرجلهم، جمع راجل.

يقال: رجل بزنة فرح فلان يرجل فهو راجل إذا لم يكن معه ما يركبه.

والضامر: البعير المهزول من طول السفر، وهو اسم فاعل من ضمر- بزنة قعد- يضمر ضمورا فهو ضامر، إذا أصابه الهزال والتعب.

وجملة «يأتين من كل فج عميق» صفة لقوله «كل» ، والجمع باعتبار المعنى. كأنه قيل:

وركبانا على ضوامر من كل طريق بعيد..

والفج في الأصل: الفجوة بين جبلين، ويستعمل في الطريق المتسع. والمراد به هنا: مطلق الطريق وجمعه فجاج.

والعميق: البعيد، مأخوذ من العمق بمعنى البعد، ومنه قولهم: بئر عميقة، أى: بعيدة الغور.

والمعنى: وأعلم يا إبراهيم الناس بفريضة الحج يأتوك مسرعين مشاة على أقدامهم، ويأتوك راكبين على دوابهم المهزولة، من كل مكان بعيد.

قال ابن كثير: أى: ناد- يا إبراهيم- في الناس داعيا إياهم إلى الحج الى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا يصل إليهم؟

فقيل: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل:

على أبى قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: «لبيك اللهم لبيك».

وقيل: إن الخطاب في قوله- تعالى-: وَأَذِّنْ ... للرسول صلّى الله عليه وسلّم وأن الكلام عن إبراهيم- عليه السلام- قد انتهى عند قوله- تعالى-: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.

وجمهور المفسرين على أن الخطاب لإبراهيم- عليه السلام- لأن سياق الآيات يدل عليه، ولأن التوافد على هذا البيت موجود منذ عهد إبراهيم.

وما يزال وعد الله يتحقق منذ هذا العهد الى اليوم وإلى الغد، وما تزال أفئدة ملايين الناس تهوى إليه، وقلوبهم تنشرح لرؤيته، وتسعد بالطواف من حوله ...

وقوله : ( وأذن في الناس بالحج ) أي : ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه . فذكر أنه قال : يا رب ، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل : ناد وعلينا البلاغ .

فقام على مقامه ، وقيل : على الحجر ، وقيل : على الصفا ، وقيل : على أبي قبيس ، وقال : يا أيها الناس ، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ، فيقال : إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة : " لبيك اللهم لبيك " .

هذا مضمون ما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .

أوردها ابن جرير ، وابن أبي حاتم مطولة .

وقوله : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا ، لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا; لأنه قدمهم في الذكر ، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم ، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل; اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه حج راكبا مع كمال قوته ، عليه السلام .

وقوله : ( يأتين من كل فج ) يعني : طريق ، كما قال : ( وجعلنا فيها فجاجا سبلا ) [ الأنبياء : 31 ] .

وقوله : ( عميق ) أي : بعيد . قاله مجاهد ، وعطاء ، والسدي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، والثوري ، وغير واحد .

وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم ، حيث قال في دعائه : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) [ إبراهيم : 37 ] فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف ، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار .

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: عهدنا إليه أيضا أن أذّن في الناس بالحجّ: يعني بقوله: (وأذّنْ) أعلم وناد في الناس أن حجوا أيها الناس بيت الله الحرام ( يَأْتُوكَ رِجالا ) يقول: فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم ( وَعَلى كُلّ ضَامِر ) يقول: وركباناً على كلّ ضامر ، وهي الإبل المهازيل ( يَأْتِينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) يقول: تأتي هذه الضوامر من كل فجّ عميق: يقول: من كلّ طريق ومكان ومسلك بعيد. وقيل: يأتين. فجمع لأنه أريد بكل ضامر: النوق. ومعنى الكلّ: الجمع، فلذلك قيل: يأتين. وقد زعم الفراء أنه قليل في كلام العرب: مررت على كلّ رجل قائمين. قال: وهو صواب، وقول الله " وَعَلى ضَامِرٍ يَأْتينَ" ينبىء على صحة جوازه. وذُكر أن إبراهيم صلوات الله عليه لما أمره الله بالتأذين بالحجّ, قام على مقامه فنادى: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق.

وقد اختُلف في صفة تأذين إبراهيم بذلك. فقال بعضهم: نادى بذلك كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: ( أذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ ) قال: ربّ ومَا يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ فنادى إبراهيم: أيها الناس كُتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فحجوا- قال: فسمعه ما بين السماء والأرض, أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون.

حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضمي, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه, أن أذّن في الناس بالحجّ، قال: فقال إبراهيم: ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا, وأمركم أن تحجوه, فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر وشجر وأكمة أو تراب أو شيء: لبَّيك اللهم لبَّيك.

حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا ابن واقد, عن أبي الزبير, عن مجاهد, عن ابن عباس: قوله: ( وأذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ )قال: قام إبراهيم خليل الله على الحجر, فنادى: يا أيها الناس كُتب عليكم الحجّ, فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء, فأجابه من آمن من سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة: لبَّيك اللهمّ لبَّيك.

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير: ( وأذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ يَأْتُوكَ رِجالا ) قال: وقرت في قلب كلّ ذكر وأنثى.

حدثني ابن حميد, قال: ثنا حكام عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت, أوحى الله إليه, أن أذّن في الناس بالحجّ، قال: فخرج فنادى في الناس: يا أيها الناس أن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فلم يسمعه يومئذ من إنس, ولا جنّ, ولا شجر, ولا أكمة, ولا تراب, ولا جبل, ولا ماء, ولا شيء إلا قال: لبَّيك اللهم لبَّيك.

قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قام إبراهيم على المقام حين أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ.

حدثني القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ ) قال: قام إبراهيم على مقامه, فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فقالوا: لبَّيك اللهمّ لبَّيك، فمن حَجّ اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ.

حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عكرمة بن خالد المخزومي, قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت, قام على المقام, فنادى نداء سمعه أهل الأرض: إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه، قال داود: فأرجو من حجّ اليوم من إجابة إبراهيم عليه السلام. (7)

حدثني محمد بن سنان القزاز, قال: ثنا حجاج, قال: ثنا حماد, عن أبي عاصم الغَنَويّ, عن أبي الطفيل, قال: قال ابن عباس: هل تدري كيف كانت التلبية؟ قلت: وكيف كانت التلبية؟ قال: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ, خفضت له الجبال رءوسها, ورُفِعَت القرى, فأذّن في الناس.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ ) قال إبراهيم: كيف أقول يا ربّ؟ قال: قل: يا أيها الناس استجيبوا لربكم، قال: وقَرَّت في قلب كلّ مؤمن.

وقال آخرون فى ذلك, ما حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن سلمة, عن مجاهد, قال: قيل لإبراهيم: أذّن في الناس بالحجّ، قال: يا ربّ كيف أقول؟ قال: قل لبَّيك اللهمّ لبَّيك. قال: فكانت أوّل التلبية.

وكان ابن عباس يقول: عني بالناس في هذا الموضع: أهل القبلة.

*ذكر الرواية بذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ ) يعني بالناس: أهل القبلة, ألم تسمع أنه قال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ... [إلى قوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [يقول: ومن دخله من الناس الذين أمر أن يؤذن فيهم, وكتب عليهم الحجّ, فإنه آمن, فعظَّموا حرمات الله تعالى, فإنها من تقوى القلوب.

وأما قوله: ( يَأْتُوكَ رِجالا وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) فإن أهل التأويل قالوا فيه نحو قولنا.

*حدثنا القاسم, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس: ( يَأْتُوكَ رِجالا ) قال: مشاة.

قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو معاوية عن الحجاج بن أرطأة, قال: قال ابن عباس: ما آسى على شيء فاتني إلا أن لا أكون حججت ماشيا, سمعت الله يقول: ( يَأْتُوكَ رِجالا ).

قال: ثنا الحسين, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: حجّ إبراهيم وإسماعيل ماشيين.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن ابن عباس: ( يَأْتُوكَ رِجالا ) قال: على أرجلهم.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) قال: الإبل.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: ( وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) قال: الإبل.

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: ثنا المحاربي, عن عمر بن ذرّ, قال: قال مجاهد: كانوا لا يركبون, فأنـزل الله: ( يَأْتُوكَ رِجالا وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) قال: فأمرهم بالزاد, ورخص لهم في الركوب والمتجر.

وقوله ( مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) يعني: من مكان بعيد.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: ( مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) قال: بعيد.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( فَجّ عَمِيق ) قال: مكان بعيد.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة مثله.

------------------------

الهوامش:

(7) كذا وردت هذه العبارة الأخيرة في الأصل ، ولعل أصلها : فأرجو أن كل من حج اليوم ، فحجه من إجابة إبراهيم .

التدبر :

وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ أذان إبراهيم عليه السلام يدوي في أعماقنا هذه الآيام؛ هل تحس بذلك؟!
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ فيه دلالة على أن الحج يجب على الناس جميعًا، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ﴾.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ في الحج: لا نتجرد من المخيط فقط، بل تصبح أخلاقنا في العراء أمام العالم.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ سورة الحج تسير بك إلى ربك، تحقق التقوى في قلبك، تذكرك المسير إلى الدار الآخرة؛ فتدبرها لتحج بقلبك قبل جسدك.
عمل
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ متى ستلبِّي الدَّعوة؟
لمسة
[27] ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ يأتي الخطاب في الحديث عن الصلاة والزكاة في القرآن للمؤمنين، أما في الحج فيكون الخطاب للناس؛ لأن الصلاة والزكاة كان مأمورًا بهما من تقدَّم من أهل الديانات، كما جاء في قوله تعالى عن إسماعيل عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: 55]، وفي قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: ﴿‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: 31]، وفي الحديث عن بني إسرائيل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣]، أما الحج فهو عبادة خاصة للمسلمين، وعندما يكون الخطاب دعوة للناس إلى الحج فكأنها هي دعوة لدخول الناس في الإسلام، أما إذا كانت دعوة الناس للصلاة والزكاة فهم أصلًا يفعلونها في عباداتهم.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ أشرف دعوة تشرف بها الإنسان على وجه الأرض ليسير إلى البيت المعظم.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ الحج هو الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي يحاول الإنسان مهما كان وضعه واستطاعته، الوصول إليه وأداءه، تلبية لهذا النداء.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ﴾ دليل على عظم أمر تبليغ الدين بالوسائل الممكنة وأعظمها الإعلام.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ لا يزال أذان إبراهيم ﷺ يُدوِّي في الآفاق رغم تعاقب القرون، وهكذا الكلمة الطيبة يتولى الله إبلاغها للأجيال.
وقفة
[27] أبلغ الله تعالى صوت إبراهيم حينما نادى بالحج، وحفظ هذا الأذانَ فجعله قرآنًا يردد في الصلوات، ويتلى في المحاريب ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ إنها إشارة قوية إلى أن على العبد أن يفعل الأسباب التي يستطيعها، ثم يترك ما وراء ذلك للقادر الكبير المتعال.
وقفة
[27] أيام الحج أيام عظيمة، وفي مثلها نزلت آيات عظيمة، يقول بعضهم: «هذا يوم صلة الواصلين: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3]، ويوم قطيعة القاطعين: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة:٣]، ويوم إقالة عثر النادمين وقبول توبة التائبين: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف:٢٣]، ويوم وفد الوافدين: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ وقد حصل ما وعد الله به؛ أتاه الناس رجالًا وركبانًا من مشارق الأرض ومغاربها.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ومن حكمة مشروعيته تلقي عقيدة توحيد الله بطريق المشاهدة للهيكل الذي أقيم لذلك؛ حتى يرسخ معنى التوحيد في النفوس؛ لأن للنفوس ميلًا إلى المحسوسات؛ ليتقوى الإدراك العقلي بمشاهدة المحسوس.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ رأى بعض الصالحين الحجاج في وقت خروجهم، فوقف يبكي ويقول: «واضعفاه!»، ثم تنفس، وقال: «هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت، فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟»، يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.
وقفة
[27] ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ردَّ الضمير إلى الإبلﱠ تكرمةً لها؛ لقصدها الحج مع أربابها.
لمسة
[27] ﴿يَأْتُوكَ﴾ جوابًا للأمر: ﴿وَأَذِّن﴾ إشارة إلى أن الله تعالى جعل في نفوس الناس الشوق للإتيان للبيت وحجه، فكل مسلم يهوى ذلك.
لمسة
[27] ﴿يَأْتُوكَ﴾ ولم يقل: (يأتون البيت)؛ دليل على بقاء الحج على ملة إبراهيم، ويؤكده قوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196] أي على ملة إبراهيم.
لمسة
[27] ﴿يَأْتُوكَ﴾ بصيغة المضارع دليل على أن الحج باق ما بقي هذا البيت الحرام.
وقفة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ فيه إشارة إلى أن الله تعالى يهيء لنشر الدين وتبليغه الأسباب وييسر السبل.
وقفة
[27] قال ابن عباس: «ما آسى على شيء فاتني؛ إلا أن لا أكون حججت ماشيًا، فإني سمعت الله يقول: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾».
وقفة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ﴾ ضمرت رواحلهم، ولم تضمر أشواقهم.
لمسة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ﴾ تقديم الرجال دليل على فضل المشي للحج، ويؤكده وصفهم برجال دون مشاة إشادة بهم ودليلًا على همتهم.
لمسة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ﴾ في تقديم ذكر الرجال على الركبان فائدة جليلة، وهي أن الله تعالى شرط في الحج الاستطاعة، ولا بد من السفر إليه لغالب الناس، فذكر نوعي الحجاج لقطع توهم من يظن أنه لا يجب إلا على راكب، فقدَّم الرجال اهتمامًا بهذا المعنى وتأكيدًا، أو أن هذا التقديم جبرًا لهم لأن نفوس الركبان تزدريهم.
وقفة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ﴾ بيت الله الحرام مأوى أفئدة المؤمنين في كل زمان ومكان.
لمسة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ قدَّم كلمةَ (رجال) على كلمة (ضامر)، فملمَح نُصرة الضعيف في القرآن بتقديمه لفظًا كثير، كما في سورة الضحى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 9-11] قدَّم الله حقَّ الضعيفين ثم ذكر حقه سبحانه وتعالى، والحجُّ يربي فينا الاهتمام بالضعفاء والمحتاجين كالبائس الفقير، والقانع، والمعتر، وهذه فرصة للعطاء والإنفاق.
وقفة
[27] ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ لم يثنهم نصب، ولا وصب، ولا فقر ولا حب مال وولد عن إجابة خالقهم، أي حب هذا!
وقفة
[27] ﴿رِجَالًا﴾ أي على أقدامهم، بمعنى مشاة، وليس المقصود به الذكور.
وقفة
[27] ﴿وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ﴾ يحتفي الناس بضيوفهم في المراكب الفاخرة، وربُّنا يثني على الوفد برواحلهم المنكهة الضامرة.
وقفة
[27] ﴿وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ﴾ دليل على أن سوء حال الراحلة لا ينافي تعظيم شعائر الله، بل قد يكون أدعى للافتقار وقد حج النبي على رجل رث.
وقفة
[27] ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ﴾ أثنى الله علي الحجيج بضمور دوابهم، فكيف بك أيها الحاج حين تتعب أنت ويشحب وجهك ويوهن بدنك ويعرق جبينك!
وقفة
[27] ﴿ضَامِرٍ﴾ لا تشمل وسائل النقل الحديثة، نسأل هذا الخطاب لمن؟ طبعًا لسيدنا إبراهيم، ماذا قال يأتوك أو يأتوه؟ يأتوك يعني يأتوا لإبراهيم وليس للبيت، ماذا كان هناك من وسائل؟ الجِمال، لا يوجد شيء آخر، الفُلك لا تصل البيت لأنها ليست على بحر حتى تأتيها الفلك، قال يأتوك، كيف يأتون؟ إما ماشين وإما راكبين.
لمسة
[27] ﴿يَأْتِينَ﴾ للمؤنث؛ لأنها وصف لما يُركب، أي الدواب، وعادة تكون الإبل في المسافات الطويلة، فهي تعود على كل ضامر.
وقفة
[27] ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ أثنى الله على القادمين، القادمين إلى بيته من بعيد.
وقفة
[27] ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ لقد أتى بيته سبحانه حجاج كثير، ولكنه خص القادمين من بعيد، من بعيد، مراتب العبودية الكبرى حين تتخطى مسافات ألمك وتعبك وتطيع الله.
وقفة
[27] ﴿يأتين من كل فج عميق﴾ مهما حورب الإسلام؛ فسيأتي أهله من أعماق الأرض للحج.
وقفة
[27] ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ أعظم الوفود قدرًا وفد الرحمن، الذي أتى من كل مكان.
وقفة
[27] ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ أنَّى لبشرٍ أن يَجمع الناس بتنوع أشكالهم في مكان واحد!
وقفة
[27] ﴿مِن كُلِّ فَجٍّ﴾ الفج هو الطريق بين الجبلين، وهو إشارة لطرق مكة وطبيعتها.
وقفة
[27] ﴿مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ إنها إحدى صور عظمة الحج؛ فلا تجد مشهدًا يجمع الناس من كل جنسية وبلد، كما يكون في الحج، إنه مشهد يطلعك على عظمة هذا الدين، وعمقه في الأرض؛ بما لا يشهده دين آخر.
وقفة
[27] قوله تعالى: ﴿مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ دليل على أن الناس يأتون للحج من كل مكان وهو ما تحقق في زماننا هذا.
وقفة
[27] ﴿عَمِيقٍ﴾ دون بعيد، هل يشير إلى أن مكة أعلى الأرض وما سواها فهو أعمق.
وقفة
[27] ﴿عَمِيقٍ﴾ دليل على كثرة من يفد لمكة من أقطار الأرض، وهو إشعار بتمكن الإسلام وبلوغه جميع بلدان العالم (ليبلغن هذا الدين).
وقفة
[27، 28] الحج تواصل بين الناس وتبادل للمنافع؛ ومكة أول مدينة مُعَولَمَة يأتيها الناس ﴿مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَأَذِّنْ فِي النّاسِ:
  • معطوفة بالواو على «طهر» وتعرب إعرابها. في الناس:جار ومجرور متعلق بأذن بمعنى: وناد فيهم.
  • ﴿ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً:
  • جار ومجرور متعلق بأذن أي للحج. يأتوك:فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه حذف النون. واو الجماعة ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. رجالا: حال منصوب بالفتحة وهو جمع راجل. بمعنى: يأتوك مشاة.
  • ﴿ وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ:
  • الواو عاطفة. على كل: جار ومجرور متعلق بيأتوك.ضامر: مضاف اليه مجرور بالكسرة بمعنى وركبانا أي وراكبين أو الجار والمجرور في محل نصب حال أيضا بتقدير: ركبانا. وضامر: بمعنى:مهزول هزله السفر
  • ﴿ يَأْتِينَ:
  • الجملة الفعلية في محل جر-نعت-لكل ضامر على اللفظ‍ وفي محل نصب على المعنى. وهي فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الاناث. ونون النسوة ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل
  • ﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيأتين. فج: مضاف اليه مجرور بالكسرة. عميق: صفة-نعت-لفج مجرورة مثلها بمعنى من كل طريق بعيد القاع. والفج: هو الطريق الواسع المحصور بين جبلين.وجمعه: فجاج.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [27] لما قبلها :     ولَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ؛ أمره هنا أن ينادي في الناس ويدعوهم إلى حج هذا البيت، قال تعالى:
﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وأذن:
1- بالتشديد، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- وآذن، بالمد، وتخفيف الذال، وهى قراءة الحسن، وابن محيصن.
بالحج:
1- بالفتح، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالكسر، هى قراءة ابن أبى إسحاق.
رجالا:
1- بالكسر، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالضم والتخفيف، اسم جمع، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، والحسن، وأبى مجاز.
3- بالضم وتشديد الجيم، جمع «راجل» ، وهى قراءة ابن عباس، ومجاهد، وجعفر بن محمد.
4- رجال، على وزن «النعامى» ، بألف التأنيث المقصورة، ورويت عن عكرمة.
5- رجالى، كالقراءة السابقة، مع تشديد الجيم، ورويت عن عطاء، وابن حدير.

مدارسة الآية : [28] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ ..

التفسير :

[28]ليحضروا منافع لهم من:مغفرة ذنوبهم، وثواب أداء نسكهم وطاعتهم، وتكَسُّبِهم في تجاراتهم، وغير ذلك؛ وليذكروا اسم الله على ذَبْح ما يتقربون به من الإبل والبقر والغنم في أيام معيَّنة هي:عاشر ذي الحجة وثلاثة أيام بعده؛ شكراً لله على نعمه، وهم مأمورون أن

ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام، مرغبا فيه فقال:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} أي:لينالوا ببيت الله منافع دينية، من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه، ومنافع دنيوية، من التكسب، وحصول الأرباح الدنيوية، وكل هذا أمر مشاهد كل يعرفه،{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وهذا من المنافع الدينية والدنيوية، أي:ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا، شكرا لله على ما رزقهم منها، ويسرها لهم، فإذا ذبحتموها{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} أي:شديد الفقر

وقوله- سبحانه-: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ متعلق بقوله: يَأْتُوكَ.

أى: يأتيك الناس راجلين وراكبين من كل مكان بعيد، ليشهدوا وليحصلوا منافع عظيمة لهم في دينهم وفي دنياهم.

ومن مظاهر منافعهم الدينية: غفران ذنوبهم، وإجابة دعائهم، ورضا الله- تعالى- عنهم.

ومن مظاهر منافعهم الدنيوية: اجتماعهم في هذا المكان الطاهر، وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى، وتبادلهم المنافع فيما بينهم عن طريق البيع والشراء وغير ذلك من أنواع المعاملات التي أحلها الله- تعالى-.

وجاء لفظ «منافع» بصيغة التنكير، للتعميم والتعظيم والتكثير. أى: منافع عظيمة وشاملة لأمور الدين والدنيا، وليس في الإمكان تحديدها لكثرتها، وقوله وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ معطوف على قوله لِيَشْهَدُوا.

والمراد بالأيام المعلومات: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، أو هي أيام النحر، أو يوم العيد وأيام التشريق.

والمراد ببهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.

أى: ليشهدوا منافع لهم، وليكثروا من ذكر الله ومن طاعته في تلك الأيام المباركة.

وليشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التي يتقربون إليه- سبحانه- عن طريق ذبحها وإراقة دمائها، واستجابة لأمره- عز وجل-.

وقوله- سبحانه-: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ إرشاد منه- تعالى- إلى كيفية التصرف فيها بعد ذبحها.

أى: فكلوا من هذه البهيمة بعد ذبحها، وأطعموا منها الإنسان البائس، أى: الذي أصابه بؤس ومكروه بجانب فقره واحتياجه.

قال الآلوسى: والأمر في قوله فَكُلُوا مِنْها ... للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيا عنه شرعا، وقد قالوا: إن الأمر بعد المنع يقتضى الإباحة ويدل على سبق النهى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحى فكلوا منها وادخروا» .

وقيل: لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون فيه، أو للندب على مواساة الفقراء ومساواتهم في الأكل منها

قال ابن عباس : ( ليشهدوا منافع لهم ) قال : منافع الدنيا والآخرة; أما منافع الآخرة فرضوان الله ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات . وكذا قال مجاهد ، وغير واحد : إنها منافع الدنيا والآخرة ، كقوله : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) [ البقرة : 198 ] .

وقوله : ( ويذكروا اسم الله [ في أيام معلومات ] على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) قال شعبة [ وهشيم ] عن [ أبي بشر عن سعيد ] عن ابن عباس : الأيام المعلومات : أيام العشر ، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به . ويروى مثله عن أبي موسى الأشعري ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وإبراهيم النخعي . وهو مذهب الشافعي ، والمشهور عن أحمد بن حنبل .

وقال البخاري : حدثنا محمد بن عرعرة ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما العمل في أيام أفضل منها في هذه " قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل ، يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء " .

ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه . وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح . وفي الباب عن ابن عمر ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر .

قلت : وقد تقصيت هذه الطرق ، وأفردت لها جزءا على حدته ، فمن ذلك ما قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، أنبأنا أبو عوانة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن ، من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد " وروي من وجه آخر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، بنحوه . وقال البخاري : وكان ابن عمر ، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .

وقد روى أحمد عن جابر مرفوعا : إن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله : ( والفجر وليال عشر ) [ الفجر : 1 ، 2 ] .

وقال بعض السلف : إنه المراد بقوله : ( وأتممناها بعشر ) [ الأعراف : 142 ] .

وفي سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا العشر .

وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ، فقال : " أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية " .

ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله .

وبالجملة ، فهذا العشر قد قيل : إنه أفضل أيام السنة ، كما نطق به الحديث ، ففضله كثير على عشر رمضان الأخير; لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك ، من صيام وصلاة وصدقة وغيره ، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه .

وقيل : ذاك أفضل لاشتماله على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر .

وتوسط آخرون فقالوا : أيام هذا أفضل ، وليالي ذاك أفضل . وبهذا يجتمع شمل الأدلة ، والله أعلم .

قول ثان في الأيام المعلومات : قال الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده . ويروى هذا عن ابن عمر ، وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه .

قول ثالث : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي ابن المديني ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا ابن عجلان ، حدثني نافع; أن ابن عمر كان يقول : الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام ، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم النحر .

هذا إسناد صحيح إليه ، وقاله السدي : وهو مذهب الإمام مالك بن أنس ، ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى : ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني به : ذكر الله عند ذبحها .

قول رابع : إنها يوم عرفة ، ويوم النحر ، ويوم آخر بعده . وهو مذهب أبي حنيفة .

وقال ابن وهب : حدثني ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه أنه قال : المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .

وقوله : ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني : الإبل والبقر والغنم ، كما فصلها تعالى في سورة الأنعام وأنها ( ثمانية أزواج ) الآية [ الأنعام : 143 ] .

وقوله ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي وهو قول غريب ، والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب ، كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها .

وقال عبد الله بن وهب : [ قال لي مالك : أحب أن يأكل من أضحيته; لأن الله يقول : ( فكلوا منها ) : قال ابن وهب ] وسألت الليث ، فقال لي مثل ذلك .

وقال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم : ( فكلوا منها ) قال : كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين ، فمن شاء أكل ، ومن شاء لم يأكل . وروي عن مجاهد ، وعطاء نحو ذلك .

قال هشيم ، عن حصين ، عن مجاهد في قوله ) فكلوا منها ) : هي كقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) [ المائدة : 2 ] ، ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) [ الجمعة : 10 ] .

وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره ، واستدل من نصر القول بأن الأضاحي يتصدق منها بالنصف بقوله في هذه الآية : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، فجزأها نصفين : نصف للمضحي ، ونصف للفقراء .

والقول الآخر : أنها تجزأ ثلاثة أجزاء : ثلث له ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به; لقوله في الآية الأخرى : ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) [ الحج : 36 ] وسيأتي الكلام عليها عندها ، إن شاء الله ، وبه الثقة .

وقوله : ( البائس الفقير ) ، قال عكرمة : هو المضطر الذي عليه البؤس ، [ والفقير ] المتعفف .

وقال مجاهد : هو الذي لا يبسط يده . وقال قتادة : هو الزمن . وقال مقاتل بن حيان : هو الضرير .

وقوله: ( لِيَشْهُدوا مَنافِعَ لَهُمْ ) اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع فقال بعضهم:هي التجارة ومنافع الدنيا.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, قال: ثنا عمرو بن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس: ( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) قال: هي الأسواق.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو تُمَيلة, عن أبي حمزة, عن جابر بن الحكم, عن مجاهد عن ابن عباس, قال: تجارة.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن عاصم بن بهدلة, عن أبي رزين, في قوله: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ ) قال: أسواقهم.

قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن واقد, عن سعيد بن جُبير: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) قال: التجارة.

حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: أخبرنا إسحاق عن سفيان, عن واقد, عن سعيد بن جبير, مثله.

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن واقد, عن سعيد, مثله.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا سنان, عن عاصم بن أبي النجود, عن أبي رزين: ( لِيَشْهَدُوا مَنافِعُ لَهُمْ ) قال: الأسواق.

وقال آخرون: هي الأجْر في الآخرة, والتجارة في الدنيا.

*ذكر من قال ذلك:- حدثنا ابن بشار, وسوار بن عبد الله, قالا ثنا يحيى بن سعيد, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) قال: التجارة, وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة.

حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: ثنا إسحاق, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: ثنا سفيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن أبي بشر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) قال: الأجر في الآخرة, والتجارة في الدنيا.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، مثله.

وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن جابر, عن أبي جعفر: ( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) قال: العفو.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني أبو تُمَيلة, عن أبي حمزة, عن جابر, قال: قال محمد بن عليّ: مغفرة.

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: عنى بذلك: ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عمّ لهم منافع جميع ما يَشْهَد له الموسم، ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة, ولم يخصص من ذلك شيئا من منافعهم بخبر ولا عقل, فذلك على العموم في المنافع التي وصفت.

وقوله: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنَ بَهِيمَةِ الأنْعامِ ) يقول تعالى ذكره: وكي يذكروا اسم الله على ما رزقهم من الهدايا والبُدْن التي أهدوها من الإبل والبقر والغنم، في أيام معلومات، وهنّ أيام التشريق في قول بعض أهل التأويل. وفي قول بعضهم أيام العَشْر. وفي قول بعضهم: يوم النحر وأيام التشريق.

وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك بالروايات, وبيِّنا الأولى بالصواب منها في سورة البقرة, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، غير أني أذكر بعض ذلك أيضا في هذا الموضع.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) يعني أيام التشريق.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك في قوله: ( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) يعني أيام التشريق، ( عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعام) يعني البدن.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ( فِي أيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) قال: أيام العشر, والمعدودات: أيام التشريق.

وقوله: ( فَكُلُوا مِنْها ) يقول: كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك. وهذا الأمر من الله جلّ ثناؤه أمر إباحة لا أمر إيجاب، وذلك أنه لا خلاف بين جميع الحُجة أن ذابح هديه أو بدنته هنالك, إن لم يأكل من هديه أو بدنته, أنه لم يضيع له فرضا كان واحبا عليه, فكان معلوما بذلك أنه غير واجب.

*ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك من أهل العلم:- حدثنا سوار بن عبد الله, قال: ثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, قوله: ( فَكُلُوا مِنْها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ ) قال: كان لا يرى الأكلّ منها واجبا.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن مجاهد, أنه قال: هي رخصة: إن شاء أكل, وإن شاء لم يأكل, وهي كقوله: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ يعني قوله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ .

قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, في قوله: ( فَكُلُوا مِنْها ) قال: هي رخصة, فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل.

قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء في قوله: ( فَكُلُوا مِنْها ) قال: هي رخصة, فإن شاء لم وإن شاء لم يأكل.

حدثني عليّ بن سهل, قال: ثنا زيد, قال: ثنا سفيان, عن حصين, عن مجاهد, في قوله: ( فَكُلُوا مِنْها ) قال: إنما هي رخصة.

وقوله: ( وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ ) يقول:

وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام من هديكم وبُدنكم البائس, وهو الذي به ضرّ الجوع والزمانة والحاجة, والفقير: الذي لا شيء له.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( فَكُلُوا مِنْها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ ) يعني: الزَّمِن الفقير.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن رجل, عن مجاهد: ( البائِسَ الفَقِيرَ ) الذي يمد إليك يديه.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( البائِسَ الفَقِيرَ ) قال: هو القانع.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرني عمر بن عطاء, عن عكرمة, قال: البائس: المضطر الذي عليه البؤس- والفقير: المتعفِّف.

قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: (البائِسَ) الذي يبسط يديه.

التدبر :

وقفة
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ من منافع الحج العظيمة التي تشملها الآية: أن يتعلم الحجاج ما به منفعتهم في الآخرة، أما منفعة الدنيا، فالناس أساتذة ذلك، لكن منفعة الآخرة الناس اليوم بأشد الحاجة إليه، وإذا كان زمن الحج قصيرًا، فالواجب أن يُكثِّف الجهد في الحج لتعليم الجاهل وتبصير الغافل، فأوصي كل من يذهب إلى الحج وله فضل علم أن يبلغه؛ لأن النبي نادى بعرفة فقال: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» [البخاري 1739].
وقفة
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ قال مجاهد: «التجارة وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة».
لمسة
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ جاء لفظ (منافع) بصيغة التنكير؛ للتعميم والتعظيم والتكثير، أي منافع عظيمة شاملة لأمور الدين والدنيا، فمن مظاهر منافعهم الدينية: غفران ذنوبهم، وإجابة دعائهم، ورضا الله عنهم، ومن مظاهر منافعهم الدنيوية: اجتماعهم في هذا المكان الطاهر، وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى، وتبادلهم المنافع فيما بينهم عن طريق البيع والشراء.
عمل
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ اذكر ما يستحضرك من منافع الحج الدنيوية والدينية والأخروية.
وقفة
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ لكل من أكرمه الله بشهود الحج أن يعود منه وقد انتفع بزيادة إيمان، وتحصيل علم، ونفع لإخوانه.
وقفة
[28] تدبَّر: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، وقف متأملًا لقوله: (ﲈ) لتدرك أن كل عمل من أعمال الحج يعود عليك بنفع عظيم، خلافًا لما يتصوره الكثيرون من أن الحج مجرد أعمال تعبدية لا يدركون أثرها، وهذا يفسر التسابق للبحث عن الترخص والتخلص من كثير من واجباته وأركانه، ولو أدركوا نفعه المباشر لهم لما فعلوا.
وقفة
[28] تدبَّر: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، وقف متأملًا لقوله: (ﲈ) لتدرك أن كل عمل من أعمال الحج يعود عليك بنفع عظيم، خلافًا لما يتصوره الكثيرون من أن الحج مجرد أعمال تعبدية لا يدركون أثرها، وهذا يفسر التسابق للبحث عن الترخص والتخلص من كثير من واجباته وأركانه، ولو أدركوا نفعه المباشر لهم لما فعلوا.
لمسة
[28] لما ذكر الله منافع الحج بقوله: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ أطلقها ولم يقيدها؛ فشملت منافع الدين والدنيا كلها، ولو تنبه المسلمون لذلك لبالغوا في استثمار الحج؛ لما يعود عليهم بالنفع الدنيوي والأخروي.
وقفة
[28] حج (مالكولم إكس) وهو أحد الدعاة السود الأمريكان الذين كانوا يتعصبون للجنس الأسود، فلما رجع من رحلة الحج؛ غَيَّرَ أفكاره العنصرية، وكان السبب ما رآه من تساوي المسلمين في الحج، الأسود والأبيض, الغني والفقير، والأوروبي والإفريقي، والعربي والأعجمي، وصدق الله: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾.
وقفة
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ منافع الحج عائدة إلى الناس سواء الدنيوية أو الأخروية.
وقفة
[28] ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ هذه كناية بذكر اسم الله عن الذبح والنحر، وفي العدول من النحر والذبح إلى ذكر اسم الله إدماجٌ وإشارة إلى أن الغرض الأصلي في العبادات ذكر اسم الله.
وقفة
[28] لبُّ الحج هو الذكر، فمن وفق له فهو الموفق، واسمع برهان ذلك: ﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا﴾ [البقرة: 200]، ﴿واذكروا الله في أيام معدودات﴾ [البقرة: 203]، ﴿ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾، وفي الحديث: « أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» [أبو يعلى 5086، وحسنه الألباني]، والعجُّ: رفع الصوت بالتلبية. وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ.
وقفة
[28] ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ﴾ سورة الحج تطلعك على حقيقة الحج (إقامة ذكر الله)، تدبر آيات الحج فيها.
وقفة
[28] ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾ قال ابن عباس: «أيام عشر ذي الحجة».
وقفة
[28] ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ لما كان الجهاد أفضل الأعمال، ولا قدرة لكثير من الناس عليه؛ كان الذكر الكثير الدائم يساويه، ويفضل عليه، وكان العمل في عشر ذي الحجة يفضل عليه؛ إلا من خرج بنفسه وماله، ولم يرجع منهما بشيء.
لمسة
[28] ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ (وَيَذْكُرُوا) صيغة مضارع تفيد استمرار الذكر؛ فلا تسمع إلا اسم الله، فالله أكبر كبيرًا.
وقفة
[28] ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾ المتأمِّلُ في شعائر الحج يلحظُ تربيةً عجيبةً على كثرة الذكر، فنجد النصَّ عليه في القرآن في مواضع:‏ عند المشعر الحرام، وفي أيام التشريـق، وعند الفراغ من المناسـك، وعند الذبــح، والذكـر على عمـوم نعمـة التوحيـد، والتوفيـق لهـذه المناسـك، فلنفتِّش عن أثر هذه العبادة في مناسكنا.
عمل
[28] ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ فعليك بالذكر فإنه من أفضل الأعمال، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].
وقفة
[28] ﴿في أيام معدودات﴾ [البقرة: 203]، و﴿في أيام معلومات﴾، الأيام المعدودات هي أيام التشريق الأيام، والمعلومات هي أيام عشر ذي الحجة.
عمل
‏[28] ودعنا: ﴿أيامًا معدودات﴾ [البقرة: 203]، ‏‏والآن نستقـبل: ﴿أيامًا معلومات﴾؛ ‏‏فمن قصر في اﻷولى، فلا يقصر في الثانية، وأكثروا فيها من التكبير والتهليل وذكر الله.
وقفة
[28] ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ في حكاية هذا الخطاب لإبراهيم تعريضٌ بالرد على أهل الجاهلية؛ إذ كانوا يمنعون الأكل من الهدايا.
وقفة
[28] ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ شكر النعم يقتضي العطف على الضعفاء.
وقفة
[28] ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ والأمر هنا للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيًا عنه شرعًا؛ لقوله ﷺ: «إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ؛ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا» [أحمد 3/63، قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح]، وقيل: لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون عن الأكل منها، أو للحث على مواساة الفقراء ومساواتهم في الأكل منها.
وقفة
[28] ﴿ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾ [البقرة: 186]، ﴿وأطعموا القانع والمعتر﴾ [36]، ﴿وأطعموا البائس الفقير﴾ يلحظ المتدبر عناية الشرع بمسألة إطعام المساكين في المناسك، فهنيئًا لمن وفقه الله فأطعم مسكينًا، وسد جوعته، وكفاه هم السؤال.
وقفة
[28] مشاركة الناس في آلامهم، والنزول إلى ساحات نفعهم؛ إنما هو نزول إلى ساحات التواضع والخضوع، ومجانبة الكبر والزهو والخيلاء؛ ولذلك أمر الله صاحب الأضحية والهدي بذلك فقال: ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ:
  • للام لام التعليل وهي حرف جر. يشهدوا:فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون.الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بمعنى: ليحضروا.وجملة «يشهدوا» صلة «أن» المضمرة لا محل لها. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيأتين. منافع:مفعول به منصوب بالفتحة. ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف-التنوين-على وزن-مفاعل-لهم: اللام: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «نافع».
  • ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ:
  • معطوفة بالواو على «ليشهدوا» وتعرب إعرابها. اسم:مفعول به منصوب بالفتحة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. وفي هذا القول الكريم كناية عن النحر والذبح بذكر اسم الله لأن أهل الاسلام كما جاء في التفسير لا ينفكون عن ذكر اسمه تعالى إذا نحروا أو ذبحوا.
  • ﴿ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ:
  • جار ومجرور متعلق بيذكروا. معلومات: صفة -نعت-لأيام مجرورة مثلها وعلامة جرها الكسرة.
  • ﴿ عَلى ما رَزَقَهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيذكروا. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى رزق: فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به. وجملة «رزقهم» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ويجوز أن تكون «ما» مصدرية. وجملة «رزقهم» صلتها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعلى متعلقا بيذكروا. وفاعل «رزق» ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
  • ﴿ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما». الأنعام: مضاف اليه مجرور بالكسرة أي الحيوانات النافعة لهم.
  • ﴿ فَكُلُوا مِنْها:
  • الفاء: سببية. كلوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. منها: جار ومجرور متعلق بكلوا. ويجوز أن تكون «من» تبعيضية حلت محل مفعول «كلوا».
  • ﴿ وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ:
  • معطوفة بالواو على «كلوا» وتعرب إعرابها.البائس: مفعول به منصوب بالفتحة. الفقير: صفة-نعت-للبائس منصوبة مثلها بالفتحة.'

المتشابهات :

الحج: 28﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
الحج: 34﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّـ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [28] لما قبلها :     ولَمَّا أمَرَ اللهُ بالحَجِّ؛ ذكَرَ هنا حِكمةَ ذلك الأمرِ، قال تعالى:
﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [29] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ..

التفسير :

[29] ثم ليكمل الحجاج ما بقي عليهم من النُّسُك، بإحلالهم وخروجهم من إحرامهم، وذلك بإزالة ما تراكم مِن وسخ في أبدانهم، وقص أظفارهم، وحلق شعرهم، وليوفوا بما أوجبوه على أنفسهم من الحج والعمرة والهدايا، وليطوفوا بالبيت العتيق القديم، الذي أعتقه الله مِن تسلُّط

{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} أي:يقضوا نسكهم، ويزيلوا الوسخ والأذى، الذي لحقهم في حال الإحرام،{ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} التي أوجبوها على أنفسهم، من الحج، والعمرة والهدايا،{ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي:القديم، أفضل المساجد على الإطلاق، المعتق:من تسلط الجبابرة عليه. وهذا أمر بالطواف، خصوصا بعد الأمر بالمناسك عموما، لفضله، وشرفه، ولكونه المقصود، وما قبله وسائل إليه.

ولعله -والله أعلم أيضا- لفائدة أخرى، وهو:أن الطواف مشروع كل وقت، وسواء كان تابعا لنسك، أم مستقلا بنفسه.

ثم بين- سبحانه- ما يفعلونه بعد حلهم وخروجهم من الإحرام فقال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.

والمراد بالقضاء هنا: الإزالة، وأصله القطع والفصل، فأريد به الإزالة على سبيل المجاز.

والتفث: الوسخ والقذر، كطول الشعر والأظفار يقال: تفث فلان- كفرح- يتفث تفثا فهو تفث، إذا ترك الاغتسال والتطيب والتنظيف فأصابته الأوساخ.

والمراد بالطواف هنا: طواف الإفاضة، الذي هو أحد أركان الحج، وبه يتم التحلل.

والعتيق: القديم حيث إنه أول بيت وضع لعبادة الله في الأرض، وقيل سمى بالعتيق لأن الله- تعالى- أعتقه من أن يتسلط عليه جبار فيهدمه أو يخربه.

والمعنى: ثم بعد حلهم وبعد الإتيان بما عليهم من مناسك. فليزيلوا عنهم أدرانهم وأوساخهم، وليوفوا نذورهم التي نذروها لله- تعالى- في حجهم، وليطوفوا طواف الإفاضة، بهذا البيت القديم الذي جعله الله- تعالى- أول بيت لعبادته، وصانه من اعتداء كل جبار أثيم.

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد توعدت كل من يصد الناس عن هذا البيت بأشد ألوان الوعيد، وبينت أن الناس فيه سواء، وتحدثت عن جانب من فضله- سبحانه- على نبيه إبراهيم- عليه السلام- حيث أرشده إلى مكان هذا البناء، وشرفه بتهيئته ليكون أول مكان لعبادته- تعالى-، وأمره بأن ينادى في الناس بالحج إليه، ليشهدوا منافع عظيمة لهم.

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك الى الحديث عن الذين يعظمون حرمات الله، وعما أحله الله لعباده من الأنعام، وعن سوء عاقبة من يشرك بالله، فقال- تعالى-:

وقوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو وضع [ الإحرام ] من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظفار ، ونحو ذلك . وهكذا روى عطاء ومجاهد ، عنه . وكذا قال عكرمة ، ومحمد بن كعب القرظي .

وقال عكرمة ، عن ابن عباس : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : التفث : المناسك .

وقوله : ( وليوفوا نذورهم ) ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني : نحر ما نذر من أمر البدن .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وليوفوا نذورهم ) : نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج .

وقال إبراهيم بن ميسرة ، عن مجاهد : ( وليوفوا نذورهم ) قال : الذبائح .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : ( وليوفوا نذورهم ) كل نذر إلى أجل .

وقال عكرمة : ( وليوفوا نذورهم ) ، قال : [ حجهم .

وكذا روى الإمام ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان في قوله : ( وليوفوا نذورهم ) قال : ] نذر الحج ، فكل من دخل الحج فعليه من العمل فيه : الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وعرفة ، والمزدلفة ، ورمي الجمار ، على ما أمروا به . وروي عن مالك نحو هذا .

وقوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) : قال مجاهد : يعني : الطواف الواجب يوم النحر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن أبي حمزة قال : قال لي ابن عباس : أتقرأ سورة الحج؟ يقول الله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) ، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .

قلت : وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر بدأ يرمي الجمرة ، فرماها بسبع حصيات ، ثم نحر هديه ، وحلق رأسه ، ثم أفاض فطاف بالبيت . وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض .

وقوله : ( بالبيت العتيق ) : فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء الحجر; لأنه من أصل البيت الذي بناه إبراهيم ، وإن كانت قريش قد أخرجوه من البيت ، حين قصرت بهم النفقة; ولهذا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر ، وأخبر أن الحجر من البيت ، ولم يستلم الركنين الشاميين; لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة; ولهذا قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العدني ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن حجر ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) ، طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه .

وقال قتادة ، عن الحسن البصري في قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ قال ] : لأنه أول بيت وضع للناس . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وعن عكرمة أنه قال : إنما سمي البيت العتيق; لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح .

وقال خصيف : إنما سمي البيت العتيق; لأنه لم يظهر عليه جبار قط .

وقال ابن أبي نجيح وليث عن مجاهد : أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه . وكذا قال قتادة .

وقال حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد : لأنه لم يرده أحد بسوء إلا هلك .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن الزبير قال : إنما سمي البيت العتيق; لأن الله أعتقه من الجبابرة .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، أخبرني الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما سمي البيت العتيق; لأنه لم يظهر عليه جبار " .

وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن سهل النجاري ، عن عبد الله بن صالح ، به . وقال : إن كان صحيحا وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري ، مرسلا .

وقوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) يقول: تعالى ذكره: ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم: من حلق شعر, وأخذ شارب, ورمي جمرة, وطواف بالبيت.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن أبي الشوارب, قال: ثني يزيد, قال: أخبرنا الأشعث بن سوار, عن نافع, عن ابن عمر, أنه قال: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: ما هم عليه في الحجّ.

حدثنا حميد بن مسعدة, قال: ثنا يزيد, قال: ثني الأشعث, عن نافع, عن ابن عمر, قال: التفث: المناسك كلها.

قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا عبد الملك, عن عطاء, عن ابن عباس, أنه قال, في قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: التفث: حلق الرأس, وأخذ من الشاربين, ونتف الإبط, وحلق العانة, وقصّ الأظفار, والأخذ من العارضين, ورمي الجمار, والموقف بعرفة والمزدلفة.

حدثنا حميد, قال: ثنا بشر بن المفضل, قال: ثنا خالد, عن عكرمة, قال: التفث: الشعر والظفر.

حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن خالد, عن عكرمة, مثله.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن محمد بن كعب القرظي, أنه كان يقول في هذه الآية: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) رمي الجمار, وذبح الذبيحة, وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار, والطواف بالبيت وبالصفا والمروة.

حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: هو حلق الرأس، وذكر أشياء من الحجّ قال شعبة: لا أحفظها.

قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد, مثله.

حدثني محمد بن عمرو؛ قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: حلق الرأس, وحلق العانة, وقصر الأظفار, وقصّ الشارب, ورمي الجمار, وقص اللحية.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله. إلا أنه لم يقل في حديثه: وقصّ اللحية.

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: ثنا المحاربي, قال: سمعت رجلا يسأل ابن جُرَيج, عن قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: الأخذ من اللحية, ومن الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الإبط, وحلق العانة, ورمي الجمار.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا منصور, عن الحسن, وأخبرنا جويبر, عن الضحاك أنهما قالا حلق الرأس.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) يعني: حلق الرأس.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: التفث: حلق الرأس, وتقليم الظفر.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) يقول: نسكهم.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: التفث: حرمهم.

حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) قال: يعني بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرأس, ولبس الثياب, وقصّ الأظفار ونحو ذلك.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن عطاء بن السائب, قال: التفث: حلق الشعر, وقصّ الأظفار والأخذ من الشارب, وحلق العانة, وأمر الحجّ كله.

وقوله: ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) يقول: وليوفوا الله بما نذروا من هَدي وبدنة وغير ذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

حدثني علي, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) نحر ما نذروا من البدن.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى- وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) نذر الحجّ والهَدي, وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحجّ.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) قال: نذر الحجّ والهدي, وما نذر الإنسان على نفسه من شيء يكون في الحجّ.

وقوله: (وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العَتيقِ) يقول: وليطوّفوا ببيت الله الحرام.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (العَتِيق) في هذا الموضع, فقال بعضهم: قيل ذلك لبيت الله الحرام, لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه.

*ذكر من قال ذلك:- حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهري, أن ابن الزبير, قال: إنما سمي البيت العتيق, لأن الله أعتقه من الجبابرة.

حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن ابن الزبير, مثله.

حدثنا ابن بشار, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: إنما سمي العتيق, لأنه أعتق من الجبابرة.

قال: ثنا سفيان, قال: ثنا أبو هلال, عن قتادة: ( وَلْيَطَّوفوا بالْبَيتِ العَتِيق ) قال: أُعْتِق من الجبابرة.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( البَيْتِ العَتِيق ) قال: أعتقه الله من الجبابرة, يعني الكعبة.

وقال آخرون: قيل له عتيق، لأنه لم يملكه أحد من الناس.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن عبيد, عن مجاهد, قال: إنما سمي البيت العتيق لأنه ليس لأحد فيه شيء.

وقال آخرون: سمي بذلك لقِدمه.

*ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( البَيْتِ العَتِيق )قال: العتيق: القديم, لأنه قديم, كما يقال: السيف العتيق, لأنه أوّل بيت وُضع للناس بناه آدم, وهو أوّل من بناه, ثم بوّأ الله موضعه لإبراهيم بعد الغرق, فبناه إبراهيم وإسماعيل.

قال أبو جعفر: ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في قوله: ( البَيْتِ العَتِيق ) وجه صحيح, غير أن الذي قاله ابن زيد أغلب معانيه عليه في الظاهر. غير أن الذي رُوي عن ابن الزبير أولى بالصحة, إن كان ما:حدثني به محمد بن سهل البخاري, قال: ثنا عبد الله بن صالح, قال: أخبرني الليث, عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر, عن الزهريّ, عن محمد بن عروة, عن عبد الله بن الزبير, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِيقُ لأنَّ اللهُ أعْتَقَهُ مِنَ الجَبابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ قَطٌّ صَحِيحا ".

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال الزهريّ: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِقُ لأنَّ الله أعْتَقَهُ" ثم ذكر مثله.

وعني بالطواف الذي أمر جلّ ثناؤه حاجٌ بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يُطاف به بعد التعريف, إما يوم النحر وإما بعده, لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك.

*ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك: حدثنا عمرو بن سعيد القرشي, قال: ثنا الأنصاري, عن أشعث, عن الحسن: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال: طواف الزيارة.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا خالد, قال: ثنا الأشعث, أن الحسن قال في قوله: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال: الطواف الواجب.

حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) يعني: زيارة البيت.

حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, عن حجاج وعبد الملك, عن عطاء, في قوله: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال: طواف يوم النحر.

حدثني أبو عبد الرحمن البرقي, قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سألت زُهَيرا عن قول الله: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العتِيقِ ) قال: طواف الوداع.

واختلف القرّاء في قراءة هذه الحروف, فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا " بتسكين اللام في كل ذلك طلب التخفيف, كما فعلوا في هو إذا كانت قبله واو, فقالوا " وَهْوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" فسكَّنوا الهاء, وكذلك يفعلون في لام الأمر إذا كان قبلها حرف من حروف النسق كالواو والفاء وثم. وكذلك قرأت عامة قرّاء أهل البصرة, غير أن أبا عمرو بن العلاء كان يكسر اللام من قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا) خاصة من أجل أن الوقوف على ثم دون ليقضوا حسن, وغير جائز الوقوف على الواو والفاء، وهذا الذي اعتلّ به أبو عمرو لقراءته علة حسنة من جهة القياس, غير أن أكثر القرّاء على تسكينها.

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي, أن التسكين في لام " ليقضوا " والكسر قراءتان مشهورتان، ولغتان سائرتان, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. غير أن الكسر فيها خاصة أقيس, لما ذكرنا لأبي عمرو من العلة, لأن من قرأ " وَهْوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" فهو بتسكين الهاء مع الواو والفاء, ويحركها في قوله: ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ فذلك الواجب عليه أن يفعل في قوله: " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ" فيحرّك اللام إلى الكسر مع " ثم " وإن سكَّنها في قوله: ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ). وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السُّلميّ والحسن البصري تحريكها مع " ثم " والواو, وهي لغة مشهورة, غير أن أكثر القرّاء مع الواو والفاء على تسكينها, وهي أشهر اللغتين في العرب وأفصحها, فالقراءة بها أعجب إليّ من كسرها.

التدبر :

وقفة
[29] ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ هل وقفت متأملًا وأنت تقوم بتطهير جسدك، وتحلق شعرك، ثم تطيب بدنك؟ بأن تلتفت التفاتة جادة لقلبك فتطهره مما لحقه وران عليه، لتحقق الهدف الأسمى للحج، فتعود كما ولدتك أمك؟
وقفة
[29] ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ الآية عامة في كل نذر فيجب الوفاء به مالم يكن محرمًا.
وقفة
[29] ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ قال قتادة: «سمي عتيقًا؛ لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه، فلم يظهر عليه جبار قط»، وقال سفيان بن عيينة: «سمي عتيقًا لأنه لم يملك قط».
وقفة
[29] قوله تعالى: ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ دليل على قدمه، وأنه أول بيت وضع للناس دليل على لزوم الطواف من وراء الحجر لكونه داخل في اسم البيت العتيق.
وقفة
[27-29] سورة الحج من أعاجيب سور القرآن، فيها: أول الحج : ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ﴾، وآخره: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾، فيها: الساعة والتوحيد، والصلاة والإخبات، والمواعظ والآداب، فيها: المكي والمدني، والليلي والنهاري، والسفري والحضري، والحربي والسلمي، والشتائي والصيفي، هي سورة عجب، وأعجب منها حاج يقصد الحج ولم يتدبر سورة الحج.
وقفة
[29، 30] الطواف من أعظم ما يبعث على تعظيم الله وحرماته ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا:
  • معطوفتان بواوي العطف على لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» وتعربان اعرابها. و «يطوفوا» أصلها يتطوفوا ادغمت التاء في الطاء وشددت الطاء.
  • ﴿ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ:
  • جار ومجرور متعلق بيطوفوا. العتيق: صفة للبيت مجرورة مثله وعلامة جرها الكسرة.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [29] لما قبلها :     وبعد أن ذكَرَ اللهُ جُملةً مِمَّا يُفعَلُ في الحَجِّ، ذكرَ هنا جُملةً أخرى، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [30] :الحج     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ..

التفسير :

[30] ذلك الذي أمر الله به مِن قضاء التفث والوفاء بالنذور والطواف بالبيت، هو ما أوجبه الله عليكم فعظِّموه، ومن يعظم حرمات الله، ومنها مناسكه بأدائها كاملة خالصة لله، فهو خير له في الدنيا والآخرة. وأحلَّ الله لكم أَكْلَ الأنعام إلا ما حرَّمه فيما يتلى عليكم

{ ذَلِكَ} الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام، وما فيها من تعظيم حرمات الله وإجلالها وتكريمها، لأن تعظيم حرمات الله، من الأمور المحبوبة لله، المقربة إليه، التي من عظمها وأجلها، أثابه الله ثوابا جزيلا، وكانت خيرا له في دينه، ودنياه وأخراه عند ربه.

وحرمات الله:كل ماله حرمة، وأمر باحترامه، بعبادة أو غيرها، كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها، فتعظيمها إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاون، ولا متكاسل، ولا متثاقل، ثم ذكر منته وإحسانه بما أحله لعباده، من بهيمة الأنعام، من إبل وبقر وغنم، وشرعها من جملة المناسك، التي يتقرب بها إليه، فعظمت منته فيها من الوجهين،{ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} في القرآن تحريمه من قوله:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} الآية، ولكن الذي من رحمته بعباده، أن حرمه عليهم، ومنعهم منه، تزكية لهم، وتطهيرا من الشرك به وقول الزور، ولهذا قال:{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} أي:الخبث القذر{ مِنَ الْأَوْثَانِ} أي:الأنداد، التي جعلتموها آلهة مع الله، فإنها أكبر أنواع الرجس، والظاهر أن{ من} هنا ليست لبيان الجنس، كما قاله كثير من المفسرين، وإنما هي للتبعيض، وأن الرجس عام في جميع المنهيات المحرمات، فيكون منهيا عنها عموما، وعن الأوثان التي هي بعضها خصوصا،{ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} أي:جميع الأقوال المحرمات، فإنها من قول الزور الذي هو الكذب، ومن ذلك شهادة الزور فلما نهاهم عن الشرك والرجس وقول الزور.

واسم الإشارة ذلِكَ في قوله: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ ... يؤتى به في مثل هذا التركيب للفصل بين كلامين، والمشهور في مثل هذا التركيب الإتيان بلفظ «هذا» كما في قوله- تعالى-: هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ .

وجيء هنا بلفظ ذلك للإشعار بتعظيم شأن المتحدث عنه، وعلو منزلته، وهو يعود إلى المذكور من تهيئة مكان البيت لإبراهيم، وأمره بتطهيره ... إلخ.

قال صاحب الكشاف: قوله ذلِكَ خبر مبتدأ محذوف أى: الأمر والشأن ذلك، كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا، وقد كان كذا .

والحرمات: جمع حرمة. والحرمة كل ما أمر الله- تعالى- باحترامه، ونهى عن قوله أو فعله، ويدخل في ذلك دخولا أوليا ما يتعلق بمناسك الحج كتحريم الرفث والفسوق والجدال والصيد، وتعظيم هذه الحرمات يكون بالعلم بوجوب مراعاتها، وبالعمل بمقتضى هذا العلم.

والمعنى: ذلك الذي ذكرناه لكم عن البيت الحرام وعن مناسك الحج، هو جانب من أحكام الله- تعالى- في هذا الشأن فاتبعوها، والحال أن من يعظم حرمات الله- تعالى- بأن يترك ملابستها واقترافها، فهو أى: هذا التعظيم، خير له عند ربه. إذ بسبب هذا التعظيم لتلك الحرمات ينال رضا ربه وثوابه.

وقد جاء النهى في هذه الجملة عن فعل هذه الحرمات بأبلغ أسلوب حيث عبر عن اجتنابها بالتعظيم وبأفعل التفضيل وهو لفظ «خير» وبإضافتها إلى ذاته.

فكأنه- سبحانه- يقول: إذا كان ترك هذا التعظيم لحرمات الله يؤدى إلى حصولكم على شيء من المتاع الدنيوي الزائل، فإن الاستمساك بهذا التعظيم أفضل من ذلك بكثير عند ربكم وخالقكم، فكونوا عقلاء ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

ثم بين- سبحانه- بعض الأحكام التي تتعلق بالأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فقال:

وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ.

أى: وأحل الله- تعالى- لكم فضلا منه ورحمة ذبح الأنعام وأكلها إلا ما يتلى عليكم تحريم ذبحه وأكله فاجتنبوه.

وهذا الإجمال هنا، قد جاء ما فصله قبل ذلك في سورة الأنعام في قوله- تعالى-: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ.

قال بعض العلماء: ثم إنه ليس المقصود بما يتلى، ما ينزل في المستقبل، كما يعطيه ظاهر الفعل المضارع، بل المراد ما سبق نزوله مما يدل على حرمة الميتة وما أهل لغير الله به. أو ما يدل على حرمة الصيد في الحرم أو حالة الإحرام.

وعلى هذا يكون السر في التعبير بالمضارع، التنبيه إلى أن ذلك المتلو ينبغي استحضاره والالتفات إليه.. والجملة معترضة لدفع ما عساه يقع في الوهم من أن تعظيم حرمات الله في الحج قد يقضى باجتناب الأنعام، كما قضى باجتناب الصيد .

ثم أمرهم- سبحانه- باجتناب ما يغضبه، وحضهم على الثبات على الدين الحق فقال- تعالى-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ والفاء في قوله: فَاجْتَنِبُوا هي الفصيحة. والرجس: الشيء المستقذر الذي تعافه النفوس. ومَنْ في قوله مِنَ الْأَوْثانِ بيانية، والأوثان: الأصنام. يدخل في حكمها ومعناها عبادة كل معبود من دون الله- تعالى- كائنا من كان.

وسماها- سبحانه- رجسا، زيادة في تقبيحها وفي التنفير منها.

والزور: الكذب والباطل وكل قول مائل عن الحق فهو زور، لأن أصل المادة التي هي الزور من الازورار بمعنى الميل والاعوجاج، ومنه قوله- تعالى-: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ أى: تميل.

وقوله حُنَفاءَ جمع حنيف وهو المائل عن الأديان الباطلة الى الدين الحق.

والمعنى: مادام الأمر كما ذكرت لكم، فاجتنبوا- أيها الناس عبادة الأوثان أو تعظيمها، واجتنبوا- أيضا- القول المائل عن الحق، وليكن شأنكم وحالكم الثبات على الدين الحق، وعلى إخلاص العبادة لله- تعالى- الذي خلقكم، وخلق كل شيء.

وهذه الجملة الكريمة مؤكدة لما سبق من وجوب تعظيم حرمات الله، ومن وجوب التمسك بما أحله الله والبعد عما حرمه.

قال الآلوسى: قوله- تعالى-: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ تعميم بعد تخصيص، فإن عبادة الأوثان رأس الزور، لما فيها من ادعاء الاستحقاق، كأنه- تعالى- لما حث على تعظيم الحرمات، أتبع ذلك بما فيه رد لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب ونحوهما، والافتراء على الله- تعالى- بأنه حكم بذلك. ولم يعطف قول الزور على الرجس، بل أعاد العامل لمزيد الاعتناء. والإضافة بيانية.. .

يقول تعالى : هذا الذي أمرنا به من الطاعات في أداء المناسك ، وما لفاعلها من الثواب الجزيل .

( ومن يعظم حرمات الله ) أي : ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيما في نفسه ، ( فهو خير له عند ربه ) أي : فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل ، فكما على فعل الطاعات ثواب جزيل وأجر كبير ، وكذلك على ترك المحرمات و [ اجتناب ] المحظورات .

قال ابن جريج : قال مجاهد في قوله : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله ) قال : الحرمة : مكة والحج والعمرة ، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها . وكذا قال ابن زيد .

وقوله : ( وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ) أي : أحللنا لكم جميع الأنعام ، وما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام .

وقوله : ( إلا ما يتلى عليكم ) أي : من تحريم ( الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع [ إلا ما ذكيتم ] ) الآية [ المائدة : 3 ] ، قال ذلك ابن جرير ، وحكاه عن قتادة .

وقوله : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) : " من " هاهنا لبيان الجنس ، أي : اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان . وقرن الشرك بالله بقول الزور ، كقوله : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ الأعراف : 33 ] ، ومنه شهادة الزور . وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا : بلى ، يا رسول الله . قال : " الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس ، فقال : - ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور " . فما زال يكررها ، حتى قلنا : ليته سكت .

وقال الإمام أحمد : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، أنبأنا سفيان بن زياد ، عن فاتك بن فضالة ، عن أيمن بن خريم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال : " يا أيها الناس ، عدلت شهادة الزور إشراكا بالله " ثلاثا ، ثم قرأ : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور )

وهكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن مروان بن معاوية ، به ثم قال : " غريب ، إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد . وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث ، ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم " .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا سفيان العصفري ، عن أبيه ، عن حبيب بن النعمان الأسدي ، عن خريم بن فاتك الأسدي قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ، فلما انصرف قام قائما فقال : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز وجل " ، ثم تلا هذه الآية : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)

يقول تعالى ذكره بقوله (ذلِكَ) هذا الذي أمر به من قضاء التفث والوفاء بالنذور، والطواف بالبيت العتيق, هو الفرض الواجب عليكم يا أيها الناس في حجكم ( وَمَنْ يُعَظَّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) يقول:ومن يجتنب ما أمره الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحُرمَه أن يستحلها, فهو خير له عند ربه في الآخرة.

كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد, في قوله: ( ذلكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ ) قال: الحُرْمة: مكة والحجّ والعُمرة, وما نهى الله عنه من معاصيه كلها.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ ) قال: الحرمات: المَشْعَر الحرام, والبيت الحرام, والمسجد الحرام, والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات.

وقوله: ( وأُحِلَّتْ لَكُمْ الأنْعامُ ) يقول جل ثناؤه:وأحلّ الله لكم أيها الناس الأنعام أن تأكلوها إذا ذكَّيتموها, فلم يحرّم عليكم منها بحيرة, ولا سائبة, ولا وَصِيلة, ولا حاما, ولا ما جعلتموه منها لآلهتكم ( إلا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) يقول: إلا ما يتلى عليكم في كتاب الله, وذلك: الميتة, والدم, ولحم الخنـزير, وما أهلّ لغير الله به, والمنخنقة, والموقوذة, والمتردّية, والنطيحة, وما أكل السبع, وما ذُبح على النُّصب، فإن ذلك كله رجس.

كما: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( إلا ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) قال: إلا الميتة, وما لم يذكر اسم الله عليه.

حدثنا الحسن, قال: ثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.

وقوله: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثانِ ) يقول: فاتقوا عبادة الأوثان, وطاعة الشيطان في عبادتها فإنها رجس.

وبنحو الذي قلنا فى تأويل ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثانِ ) يقول تعالى ذكره: فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج في قوله: ( الرّجْسَ مِنَ الأوْثانِ ) قال: عبادة الأوثان.

وقوله: ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) يقول تعالى ذكره: واتقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وقولكم للملائكة: هي بنات الله, ونحو ذلك من القول, فإن ذلك كذب وزور وشرك بالله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال: أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: قول الزور قال: الكذب.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج, عن مجاهد مثله.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ يعني: الافتراء على الله والتكذيب.

حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن عاصم, عن وائل بن ربيعة, عن عبد الله, قال: تعدل شهادة الزور بالشرك. وقرأ: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا أبو بكر, عن عاصم, عن وائل بن ربيعة, قال: عُدِلت شهادة الزور الشرك. ثم قرأ هذه الآية: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).

حدثني أبو السائب, قال: ثنا أبو أسامة, قال: ثنا سفيان العصفري, عن أبيه, عن خُرَيم بن فاتك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بالشِّرِك باللهِ" ثم قرأ: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا مروان بن معاوية, عن سفيان العُصفريّ, عن فاتك بن فضالة, عن أيمن بن خريم, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال: " أيُّها النَّاسُ عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بالشِّركِ باللهِ" مرّتين. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).

ويجوز أن يكون مرادا به: اجتنبوا أن ترجسوا أنتم أيها الناس من الأوثان بعبادتكم إياها.

فإن قائل قائل: وهل من الأوثان ما ليس برجس حتى قيل: فاجتنبوا الرجس منها؟ قيل: كلها رجس. وليس المعنى ما ذهبت إليه في ذلك, وإنما معنى الكلام: فاجتنبوا الرجس الذي يكون من الأوثان أي عبادتها, فالذي أمر جل ثناؤه بقوله: ( فاجْتَنِبُوا الرّجْسَ ) منها اتقاء عبادتها, وتلك العبادة هي الرجس, على ما قاله ابن عباس ومن ذكرنا قوله قبل.

التدبر :

لمسة
[30] ﴿ذَلِكَ﴾ اسم إشارة البعيد في الآية للدلالة على بُعد المنزلة، كناية عن تعظيم مضمون ما قبله: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وأيُّ بيتٍ يستحق التعظيم والتبجيل أكثر من بيت الله الحرام؟!
وقفة
[30] سورة الحج سورة التعظيم والتذلل -جاء فيها سجدتان- تكرر فيها لفظ التعظيم وما يدل عليه ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ﴾، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [32]، فتدبرها.
وقفة
[30] ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ إذا سقطت عظمة حرمات الله من القلب، فيوشك أن تسقط بعدها عظمة الله.
وقفة
[30] ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ حرمة البيت الحرام تقتضي الاحتياط من المعاصي فيه أكثر من غيره.
وقفة
[30] ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ﴾ أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيمًا في نفسه ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾؛ فكما على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل؛ كذلك على ترك المحرمات، واجتناب المحظورات.
وقفة
[30] ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ في الحج: لا نتجرد من المخيط فقط، بل تصبح أخلاقنا في العراء أمام العالم.
وقفة
[30] بعد أن ذكر الله المناسك في سورة الحج قال: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾، ففيه إشارة إلى أن الحج ليس أقوالًا وأعمالًا جوفاء، وأن الخير الكثير إنما هو لمن تنسك؛ معظمًا لحرمات الله، متقيًا معصيته، ولعل في افتتاح السورة بالأمر بالتقوى، واختتامها بالجهاد في الله حق المجاهدة تأكيدًا على ذلك.
وقفة
[30] قال أحدهم لغيره: «لا تضع المصحف خلف ظهرك»، قيل له: «أنت تدخلنا في حرج عظيم»، فرد: «أي حرج في تعظيم حرمات الله!» ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.
وقفة
[30] ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: 1]، ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ﴾، في المائدة بهيمة الأنعام هي السباع مثل النسور والحُمُر الوحشية والفرس الجامح، يعني كل شيء يصاد صيدًا؛ لأنه كاسر ومتوحش، ولكنه يؤكل، ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: 1] وهذا حكم عام في غير الحرم، في الحج إذا كنت محرمًا فلا ينبغي أن تصيد شيئًا ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ﴾، كل ما يؤكل في الحج، وهي الأنعام المواشي من الإبل والبقر، ولهذا حذف كلمة بهيمة الأنعام لأنها من الصيد ولا ينبغي الصيد في الحَرَم.
وقفة
[30] ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ﴾ أي الأقوى الاجتناب أم التحريم؟ الرجس من الأوثان هذا الشرك، هل هنالك أكبر من الشرك هذا؟ ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا﴾ [الزمر: 17] هل هناك أكبر من هذا الاجتناب؟ ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ وقول الزور من الكبائر، هذا اجتناب كبير جدًا، يعني اتركها بعيدًا عنك، لا تقترب منها أصلًا، فالاجتناب أقوى من التحريم من حيث المفهوم الدلالي.
وقفة
[30] ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ ووصف الأوثان بالرجس أنها رجس معنوي؛ لِكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلُّق الخبث بالأجساد.
لمسة
[30] ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ لم يعطف قول الزور على الرجس، بل أعاد النهي: (واجتنبوا قول الزور)؛ لمزيد العناية والتحذير من قول الزور.
وقفة
[30] ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ الآية عامة في كل باطل.
وقفة
[30] ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ أي الباطل، ومنه الكذب والغيبة والفحش، كيف لو تمثلها الحاج وغيره في حجه وحياته؟!

الإعراب :

  • ﴿ ذلِكَ:
  • اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف أي الأمر أو الشأن ذلك. اللام للبعد والكاف للخطاب.
  • ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ:
  • الواو استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الشرطية من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع.يعظم: فعل مضارع فعل الشرط‍ مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يعظم» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ حُرُماتِ اللهِ:
  • مفعول به منصوب بالكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. وهي جمع حرمة. الله لفظ‍ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ:
  • الجملة: جواب شرط‍ جازم مقترن بالفاء في محل جزم.الفاء: واقعة في جواب الشرط‍.هو ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ.أي فالتعظيم. خير: خبر «هو» مرفوع بالضمة. له: جار ومجرور متعلق بخير.
  • ﴿ عِنْدَ رَبِّهِ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخير. ربه: مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. والهاء ضمير متصل -ضمير الغائب-في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ:
  • الواو استئنافية. أحلت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. لكم: جار ومجرور متعلق بأحلت والميم علامة جمع الذكور. الأنعام: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ:
  • إلاّ: أداة استثناء. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا. يتلى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يتلى عليكم» صلة الموصول لا محل لها. عليكم:جار ومجرور متعلق بيتلى والميم علامة جمع الذكور. بمعنى: الاّ ما يقرأ عليكم آية تحريمه. أي إلاّ ما استثناه في كتابه الكريم.
  • ﴿ فَاجْتَنِبُوا:
  • الفاء: سببية. اجتنبوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. من الأوثان: جار ومجرور. و «من» بيان لجنس الرجس وتمييز له. والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من الرجس بتقدير: فاجتنبوا الرجس حالة كونه من الأوثان.أي الذي هو الأوثان لأن الرجس مبهم تبين بمن الأوثان.
  • ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ:
  • معطوفة بالواو على ما قبلها وتعرب إعرابها.الزور: مضاف اليه مجرور بالكسرة.'

المتشابهات :

المائدة: 1﴿ ... أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ
الحج: 30﴿وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [30] لما قبلها :     وبعد ذكرِ بعض أعمال الحج؛ بَيَّنَ اللهُ هنا فضلَ تعظيمِ أحكامِ اللهِ وشرعِه، ومنها مناسكُ الحجِّ، ثُمَّ أمرَ باجتنابِ ما يغضبُه، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف