330919293949596979899100101

الإحصائيات

سورة الأنبياء
ترتيب المصحف21ترتيب النزول73
التصنيفمكيّةعدد الصفحات10.00
عدد الآيات112عدد الأجزاء0.50
عدد الأحزاب1.00عدد الأرباع4.00
ترتيب الطول22تبدأ في الجزء17
تنتهي في الجزء17عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 4/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (91) الى الآية رقم (95) عدد الآيات (5)

القصَّةُ العاشرةُ: قصَّةُ مريمَ وابنِها عيسى عليهما السلام، وبعدَ هذهِ القصصِ العشرةِ بَيَّنَ اللهُ أن هؤلاءِ الأنبياءِ جميعًا دينُهم واحدٌ وهو الإسلامُ، ورجوعُ كلِّ الخلقِ إلى اللهِ يومَ القيامةِ للجزاءِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (96) الى الآية رقم (101) عدد الآيات (6)

بعدَ ذِكْرِ القيامةِ بَيَّنَ هنا اقترابَها وذكَرَ أحدَ علاماتِها (خروجُ يأجوجَ ومأجوجَ)، ثُمَّ حالَ الكفارِ فيها، ثُمَّ حالَ العابدينَ والمعبودينَ من دونِ اللهِ وأنَّهم سيكونُونَ وقودَ جهنمَ، أمَّا المؤمنُونَ فهم =

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة الأنبياء

دور الأنبياء في الدعوة إلى الله (الأنبياء قدوتك)/ سورة الإستجابة

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • سؤال: بمن تقتدي في حياتك؟ من هو قدوتك؟:   لو سألنا أكثر شباب اليوم عن قدوتهم، يا ترى كم واحدًا سيجيب أن إبراهيم عليه السلام هو قدوته؟ كم واحدًا سيجيب أن يوسف عليه السلام هو مثله الأعلى؟ وكم واحدًا سيقول أن النبي ﷺ هو قدوته؟ وكم واحدًا سيقول أن المغني الفلاني أو الممثل الفلاني هو قدوته؟ ويا ترى كم واحدًا سيجيب بأنه ليس عنده قدوة أصلاً؟
  • • السورة تجيب عن هذا السؤال: بمن تقتدي في حياتك؟:   وتركز على ناحيتين مضيئتين من حياة كل نبي: طاعته وعبادته وخشيته لله، ثم دعوته وإصلاحه في قومه. وكأنها تقول لك: هؤلاء هم مثلك الأعلى في حسن التعامل مع الله وفي حسن التعامل مع الناس، أي في العبادة والدعوة إلى الله.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأنبياء».
  • • معنى الاسم ::   الأنبياء: جمع نبي، وهو رجل اختاره الله وأوحي إليه برسالة، وأمره بتبليغها للناس.
  • • سبب التسمية ::   لتضمنها الحديث عن جهاد الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم الوثنيين، حيث ذكر فيها ستة عشر نبيًا ومريم، ‏في ‏استعراض ‏سريع ‏يطول ‏أحيانًا ‏ويَقْصُر ‏أحيانًا.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «سورة اقترب»؛ لأنها أول كلمة بها.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   جهود الأنبياء في الدعوة إلى الله.
  • • علمتني السورة ::   دعاء الله تعالى بخضوع الأنبياء وخشوعهم.
  • • علمتني السورة ::   أن الله مع رسله والمؤمنين بالتأييد والعون على الأعداء: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن القرآن شرف وعز لمن آمن به وعمل به: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ (87)، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي»، قال ابن حجر: «وَمُرَاد اِبْن مَسْعُود أَنَّهُنَّ مِنْ أَوَّل مَا تُعُلِّمَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّ لَهُنَّ فَضْلًا لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْقَصَص وَأَخْبَار الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأنبياء من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • استخدمت السورة أسلوبين لإثبات أصول العقيدة: أسلوب التقرير والمجادلة كما في سورة الأنعام، وأسلوب القصص كما في سورة الأعراف.
    • ذُكِرَ فيها أسماء 16 نبي، ولم يسبقها في ذلك إلا الأنعام (حيث ذُكِرَ في الأنعام أسماء 18 نبي).
    • يوجد في القرآن 3 سور لم يرد اسمها المشهور في آياتها؛ وهي: الفاتحة والأنبياء والإخلاص.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقتدي بأنبياء الله، وبإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم في عبادتهم، وفي غيرتهم على دين الله، وعملهم الدؤوب على نشره وتبليغه.
    • أن نخاف؛ فهذه الآيات نزلت قبل قرابة 1440 سنة! والله يقول: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ (1).
    • أن نرجع إلى العلماء إذا أشكل علينا أمر من أمور الدين: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (7).
    • أن نتبع منهج الأنبياء عليهم السلام ببدء الدعوة بتعريف الناس بالله تعالى وتحبيبهم له سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (25).
    • أن نسأل اللهَ أن يرزقنا خشيتَه في الغيبِ والشهادةِ: ﴿وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ (28).
    • ألا نتعجل، فالأناة خلق فاضل، وطبع الإنسان الاستعجال: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ (37).
    • أن نتذكر من ظلمناه في مال، أو عرض، أو حق، ونتحلل منه قبل ألا نستطيع: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (47).
    • ألا نقدس أقوال وأعمال السابقين دون دليل من الكتاب والسنة: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ (53).
    • ألا نكترث بالمحقرين؛ فنبي الله إبراهيم في نظرهم فتي نكره، وفي ميزان الله كان أمة: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (60).
    • أن نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذرية صالحة: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ (72).
    • أن نلجأ عند الكربِ إلى اللهِ، فلا فرجَ إلا من عندِه: ﴿نَادَى ... فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ﴾ (76).
    • أن نقص قصة من قصص القرآن عن سير الأنبياء على إخواننا أو أبنائنا، ونبين لهم أهم الفوائد والعبر منها: ﴿رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ﴾ (84).
    • أن نتذكر ذنبًا فعلناه وقعت بعده مصيبة، ثم نقول: ﴿لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين﴾ (87).
    • أن ندعو الله تعالى أن نكون ممن سبقت لهم من الله تعالى الحسنى, وأن نكون من المبعدين عن جهنم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ (101).
    • أن نستعين بالله على كل عمل نعمله: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَـٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ (112).

تمرين حفظ الصفحة : 330

330

مدارسة الآية : [91] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا ..

التفسير :

[91] واذكر -أيها الرسول- قصة مريم بنت عمران التي حفظت فرجها من الحرام، ولم تأتِ فاحشة في حياتها، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، فنفخ في جيب قميصها، فوصلت النفخة إلى رحمها، فخلق الله بذلك النفخ المسيح عيسى عليه السلام، فحملت به من غير زوج، فكانت هي وا

أي:واذكر مريم، عليها السلام، مثنيا عليها مبينا لقدرها، شاهرا لشرفها فقال:{ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي:حفظته من الحرام وقربانه، بل ومن الحلال، فلم تتزوج لاشتغالها بالعبادة، واستغراق وقتها بالخدمة لربها.

وحين جاءها جبريل في صورة بشر سوي تام الخلق والحسن{ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} فجازاها الله من جنس عملها، ورزقها ولدا من غير أب، بل نفخ فيها جبريل عليه السلام، فحملت بإذن الله.

{ وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} حيث حملت به، ووضعته من دون مسيس أحد، وحيث تكلم في المهد، وبرأها مما ظن بها المتهمون وأخبر عن نفسه في تلك الحالة، وأجرى الله على يديه من الخوارق والمعجزات ما هو معلوم، فكانت وابنها آية للعالمين، يتحدث بها جيلا بعد جيل، ويعتبر بها المعتبرون.

وقوله: أَحْصَنَتْ من الإحصان بمعنى المنع، يقال: هذه درع حصينة أى: مانعة صاحبها من الجراحة. ويقال: هذه امرأة حصينة، أى: مانعة نفسها من كل فاحشة بسبب عفتها أو زواجها.

أى: واذكر- أيضا أيها المخاطب خبر مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها، أى:

حفظته ومنعته من النكاح منعا كليا. والتعبير عنها بالموصول لتفخيم شأنها، وتنزيهها عن السوء.

فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا أى: فنفخنا فيها من جهة روحنا، وهو جبريل- عليه السلام- حيث أمرناه بذلك فامتثل أمرنا، فنفخ في جيب درعها، فكان بذلك عيسى ابنها، ويؤيد هذا التفسير قوله- تعالى- في سورة مريم: قالَ

- أى جبريل لمريم- إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا.

أى: لأكون سببا في هبة الغلام لك عن طريق النفخ في درعك فيصل هذا النفخ إلى الفرج فيكون الحمل بعيسى بإذن الله وإرادته.

والمراد بالآية في قوله- سبحانه-: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ: الأمر الخارق للعادة، الذي لم يسبقه ولم يأت بعده ما يشابهه.

أى: وجعلنا مريم وابنها عيسى آية بينة، ومعجزة واضحة دالة على كمال قدرتنا للناس جميعا، إذ جاءت مريم بعيسى دون أن يمسها بشر، ودون أن تكون بغيا.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: هلا قيل آيتين كما قال- سبحانه-: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ؟ قلت: لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة. وهي ولادتها إياه من غير فحل»

وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصص عدد كبير من الأنبياء في سورة الأنبياء، عقب- سبحانه- على ذلك ببيان أنهم- عليهم السلام- قد جاءوا بعقيدة واحدة، هي إخلاص العبادة لله- تعالى- فقال:

هكذا قرن تعالى قصة مريم وابنها عيسى ، عليه السلام ، بقصة زكريا وابنه يحيى ، عليهما السلام ، فيذكر أولا قصة زكريا ، ثم يتبعها بقصة مريم; لأن تلك موطئة لهذه ، فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد طعن في السن ، ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها ، ثم يذكر قصة مريم وهي أعجب ، فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر . هكذا وقع في سورة " آل عمران " ، وفي سورة " مريم " ، وهاهنا ذكر قصة زكريا ، ثم أتبعها بقصة مريم ، فقوله : ( والتي أحصنت فرجها ) يعني : مريم ، عليها السلام ، كما قال في سورة التحريم : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) [ التحريم : 12 ] .

وقوله : ( وجعلناها وابنها آية للعالمين ) أي : دلالة على أن الله على كل شيء قدير ، وأنه يخلق ما يشاء ، و ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) [ يس : 82 ] . وهذا كقوله : ( ولنجعله آية للناس ) [ مريم : 21 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن شبيب - يعني ابن بشر - عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( للعالمين ) قال : العالمين : الجن والأنس .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر التي أحصنت فرجها ، يعني مريم بنت عمران.

ويعني بقوله ( أَحْصَنَتْ ) : حفظت فرجها ومنعت فرجها مما حرم الله عليها إباحته فيه.

واختلف في الفرج الذي عنى الله جلّ ثناؤه أنها أحصنته ، فقال بعضهم: عنى بذلك فرج نفسها أنها حفظته من الفاحشة.

وقال آخرون: عنى بذلك جيب درعها أنها منعت جبرائيل منه قبل أن تعلم أنه رسول ربها ، وقبل أن تثبته معرفة، قالوا: والذي يدلّ على ذلك قوله ( فَنَفَخْنَا فِيهَا ) ويعقب ذلك قوله ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) قالوا: وكان معلوما بذلك أن معنى الكلام: والتي أحصنت جيبها( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) .

قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة ، لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه ، والأظهر في ظاهر الكلام ، ( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) يقول: فنفخنا في جيب درعها من روحنا ، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله ( فَنَفَخْنَا فِيهَا ) في غير هذا الموضع ، والأولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله ( وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) يقول: وجعلنا مريم وابنها عبرة لعالمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون في أمرهما ، فيعلمون عظيم سلطاننا وقدرتنا على ما نشاء: وقيل آية ولم يقل آيتين وقد ذكر آيتين ، لأن معنى الكلام: جعلناهما عَلَما لنا وحجة ، فكل واحدة منهما في معنى الدلالة على الله ، وعلى عظيم قدرته يقوم مقام الآخر إذا كان أمرهما في الدلالة على الله واحدا.

التدبر :

وقفة
[91] ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ لقد كانت مريمُ صوامةً قوامةً عابدةً قانتةً، لكنَّ أعظمَ أسبابِ كرامتِها: العفافُ.
وقفة
[91] ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ عفَّت مريم فرُزقت بابنٍ نبي وعفَّت الفتاة فرُزقت بزوجٍ نبي! العفاف باب رزق.
وقفة
[91] ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ التنويه بالعفاف وبيان فضله.
وقفة
[91] ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ علل منحها الشرف العظيم بعفافها.
وقفة
[91] ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ هكذا يذكر تعالى قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام مقرونة بقصة زكريا وابنه يحيى عليهما السلام فيذكر أولًا قصة زكريا، ثم يتبعها قصة مريم؛ لأن تلك مربوطة بهذه؛ فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد طعن في السن، ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها، ثم يذكر قصة مريم وهي أعجب؛ فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر، هكذا وقع في سورة آل عمران، وفي سورة مريم، وههنا.
وقفة
[91] فضيلة العفة، والحياء وإحصان الفرج ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
وقفة
[91] قوله تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾ أي في جَيْبِ درعها، بحذف مضافين، ولهذا ذكَّر الضمير في سورة التحريم فقال: ﴿فنفخنا فيه﴾ [التحريم: 12].
وقفة
[91] ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ أما مريم فآياتها ظهور الحمل من غير زوج، وأن رزقها كان يأتيها من الجنة عن طريق الملائكة، وأما آيات عيسی، فكلامه في المهد، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وغيرها كثير.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّتِي:
  • الواو عاطفة. التي: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به بفعل محذوف تقديره اذكر. المقصود مريم.
  • ﴿ أَحْصَنَتْ فَرْجَها:
  • الجملة الفعلية: صلة الموصول لا محل لها. احصنت: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. فرج: مفعول به منصوب بالفتحة. و«ها» ضمير الغائبة مبني على السكون في محل جر بالاضافة بمعنى: صانت نفسها وحمته من الاعتداء.
  • ﴿ فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا:
  • الفاء استئنافية. نفخ: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. فيها: جار ومجرور متعلق بنفخنا. من روح: جار ومجرور متعلق بنفخنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة بمعنى فنفخنا الروح في عيسى فيها. اي احييناه في جوفها من جهة روحنا وهو جبريل عليه السّلام.
  • ﴿ وَجَعَلْناها وَابْنَها:
  • معطوفة بالواو على «نفخنا» وتعرب اعرابها. و «ها» ضمير الغائبة مبني على السكون في محل نصب مفعول به اول. وابنها: معطوفة بالواو على ضمير الغائبة منصوب بالفتحة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ آيَةً لِلْعالَمِينَ:
  • مفعول به ثان منصوب بالفتحة. للعالمين: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «آية» وعلامة جر الاسم الياء لانه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض من تنوين المفرد. بمعنى: وجعلناها معجزة او آية بينة على قدرة الخالق وجعلنا ابنها كذلك. حيث آتيناها بولد من دون ان يمسسها بشر.'

المتشابهات :

الأنبياء: 91﴿وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
التحريم: 12﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [91] لما قبلها :     القصَّةُ العاشرةُ: قصَّةُ مريمَ وابنِها عيسى عليهما السلام، قال تعالى :
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [92] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ..

التفسير :

[92] هؤلاء الأنبياء جميعاً دينهم واحد، الإسلام، وهو الاستسلام لله بالطاعة وإفرادُه بالعبادة، والله سبحانه وتعالى رب الخلق فاعبدوه -أيها الناس- وحده لا شريك له.

ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام، قال مخاطبا للناس:{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي:هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم وائمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون، كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضا واحد.

ولهذا قال:{ وَأَنَا رَبُّكُمْ} الذي خلقتكم، وربيتكم بنعمتي، في الدين والدنيا، فإذا كان الرب واحدا، والنبي واحدا، والدين واحدا، وهو عبادة الله، وحده لا شريك له، بجميع أنواع العبادة كان وظيفتكم والواجب عليكم، القيام بها، ولهذا قال:{ فَاعْبُدُونِ} فرتب العبادة على ما سبق بالفاء، ترتيب المسبب على سببه.

ولفظ الأمة يطلق بإطلاقات متعددة. يطلق على الجماعة كما في قوله- تعالى- وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ.. . ويطلق على الرجل الجامع للخير، كما في قوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً.. . ويطلق على الحين والزمان، كما في قوله- سبحانه-: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ. أى وتذكر بعد حين من الزمان.

والمراد بالأمة هنا: الدين والملّة. كما في قوله- تعالى-: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ.. أى: على دين وملة معينة.

والمعنى: إن ملة التوحيد التي جاء بها الأنبياء جميعا. هي ملتكم ودينكم أيها الناس، فيجب عليكم أن تتبعوا هؤلاء الأنبياء، وأن تخلصوا لله- تعالى- العبادة والطاعة، فهو- سبحانه- ربكم ورب كل شيء، فاعبدوه حق العبادة لتنالوا رضاه ومحبته.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حال الناس من الدين الواحد الذي جاء به الرسل، وعاقبة من اتبع الرسل وعاقبة من خالفهم فقال:

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) يقول : دينكم دين واحد .

وقال الحسن البصري; في هذه الآية : بين لهم ما يتقون وما يأتون ثم قال : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) أي : سنتكم سنة واحدة . فقوله : ( إن هذه ) إن واسمها ، و ) أمتكم ) خبر إن ، أي : هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم ، وقوله : ( أمة واحدة ) نصب على الحال; ولهذا قال : ( وأنا ربكم فاعبدون ) ، كما قال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) [ المؤمنون : 51 ، 52 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " ، يعني : أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله ، كما قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) [ المائدة : 48 ] .

يقول تعالى ذكره: إن هذه ملتكم ملة واحدة ، وأنا ربكم أيها الناس فاعبدون دون الآلهة والأوثان وسائر ما تعبدون من دوني.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول: دينكم دين واحد.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال مجاهد ، في قوله ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: دينكم دين واحد ، ونصبت الأمة الثانية على القطع ، وبالنصب قرأه جماعة قرّاء الأمصار ، وهو الصواب عندنا ، لأن الأمة الثانية نكرة، والأولى معرفة .

وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الخبر قبل مجيء النكرة مستغنيا عنها كان وجه الكلام النصب ، هذا مع إجماع الحجة من القراء عليه ، وقد ذكر عن عبد الله بن أبي إسحاق رفع ذلك أنه قرأه (أُمَّة وَاحِدَةٌ) بنية تكرير الكلام ، كأنه أراد: إن هذه أمتكم هذه أمة واحدة.

التدبر :

وقفة
[92] ما كل دعوة إلى الوحدة ونبذ الفرقة يستجاب لها؛ ﻷنها ربما كانت من أجل عصبية، أو إخلال بشريعة، أو عرض، أو نفس، أو عقل، أو مال﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾.
وقفة
[92] الله أرادنا: أمة واحدة: ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾، وحزبًا واحدًا: ﴿حِزْبَ اللَّهِ﴾ [المجادلة: 22]، وتسمية واحدة: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الحج: 78]، رضينا بالله وحده.
وقفة
[92] ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ من تيقن أممية الإسلام كفر بصنم التنظيمات أو القوميات.
وقفة
[92] ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم، وأئمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون؛ كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضاً واحد، ولهذا قال: (وأنا ربكم).
وقفة
[92] ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ ومعنى كونها واحدة: أنها توحّد الله تعالى؛ فليس دونه إله، وهذا حال شرائع التوحيد، وبخلافها أديان الشرك؛ فإنها لتعدد آلهتها تتشعب إلى عدة أديان؛ لأن لكل صنم عبادة وأتباعًا، وإن كان يجمعها وصف الشرك.
وقفة
[92] ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ اتفاق الرسالات السماوية في التوحيد وأسس العبادات.
وقفة
[92] المسلمون إذا نسوا أنهم أمة واحدة، وفرقتهم العصبيات الجاهلية، وفرقتهم الحزبيات، فإن شمس عرفات تذكِّرهم بوحدتهم، وتعيدهم إليها، وكل عمل من أعمال الحج مذكر بالوحدة الإسلامية ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وقفة
[92] لا تعارض بين الانتماء للأمة المسلمة والانتماء للوطن، سلخ المسلم عن هويته كتابة على الماء! ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وقفة
[92] التوحيد الخالص عمدة وأساس لتوحيد الأمة الإسلامية ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وقفة
[92، 93] ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ أي: هذه أمتكم ما دامت أمة واحدة، واجتمعتم على التوحيد، فإذا تفرقتم وخالفتم فليس من خالف الحق من جملة أهل الدين الحق.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذه: اسم اشارة مبني على الكسر في محل نصب اسم «إن».امتكم: خبر «إن» مرفوع بالضمة. الكاف ضمير المخاطبين مبني على الضم في محل جر بالاضافة. والميم علامة جمع الذكور. والخطاب للمؤمنين او الناس كافة. والاشارة الى ملة الاسلام اي ان ملة الاسلام هي ملتكم التي يجب ان تكونوا عليها.
  • ﴿ أُمَّةً واحِدَةً:
  • حال منصوبة بالفتحة وهي حال مؤكدة محذوفة العامل الذي يدل عليه ما يرمز اليه اسم الاشارة. واحدة: صفة لامة ويجوز ان تكون توكيدا لامة منصوبة مثلها بالفتحة بمعنى: ملتكم التي يشار اليها ملة واحدة غير مختلفة لان الله وحّد بينها في الدين.
  • ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ:
  • الواو استئنافية. أنا: ضمير رفع منفصل-ضمير المتكلم-مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ربكم: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. والكاف ضمير المخاطبين مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ فَاعْبُدُونِ:
  • الفاء سببية. اعبدون: فعل امر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والنون للوقاية. وياء المتكلم سبحانه محذوفة اختصارا في الخط‍ اكتفاء بالكسرة الدالة عليها هي ضمير متصل في محل نصب مفعول به. اي وانا الهكم إله واحد فاعبدون.'

المتشابهات :

الأنبياء: 92﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
المؤمنون: 52﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [92] لما قبلها :     وبعد ما ذُكرَ من قَصص الأنبياء؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أن هؤلاءِ الأنبياءَ جميعًا دينُهم واحدٌ وهو الإسلامُ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أمتكم:
1- بالرفع، خبر «إن» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالنصب، بدل من «هذه» ، وهى قراءة الحسن.
3- برفع الثلاثة «أمتكم أمة واحدة» ، وهى قراءة الحسن أيضا، وابن أبى إسحاق، والأشهب العقيلي، وأبى حيوة، وابن أبى عبلة، والجعفي، وهارون، عن أبى عمرو، والزعفراني.

مدارسة الآية : [93] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا ..

التفسير :

[93] لكن الناس اختلفوا على رسلهم، وتفرَّق كثير من أتباعهم في الدين شيعاً وأحزاباً، فعبدوا المخلوقين والأهواء، وكلهم راجعون إلينا ومحاسبون على ما فعلوا.

وكان اللائق، الاجتماع على هذا الأمر، وعدم التفرق فيه، ولكن البغي والاعتداء، أبيا إلا الافتراق والتقطع. ولهذا قال:{ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي:تفرق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقا، وتشتتوا، كل يدعي أن الحق معه، والباطل مع الفريق الآخر و{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وقد علم أن المصيب منهم، من كان سالكا للدين القويم، والصراط المستقيم، مؤتما بالأنبياء وسيظهر هذا، إذا انكشف الغطاء، وبرح الخفاء، وحشر الله الناس لفصل القضاء، فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب، ولهذا قال:{ كُلٌّ} من الفرق المتفرقة وغيرهم{ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} أي:فنجازيهم أتم الجزاء

والضمير في قوله- تعالى-: وَتَقَطَّعُوا.. يعود للناس الذين تفرقوا في شأن الدين شيعا وأحزابا. أى: وافترق الناس في شأن الدين الحق فرقا متعددة،

وقوله : ( وتقطعوا أمرهم بينهم ) أي : اختلفت الأمم على رسلها ، فمن بين مصدق لهم ومكذب; ولهذا قال : ( كل إلينا راجعون ) أي : يوم القيامة ، فيجازى كل بحسب عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر

يقول تعالى ذكره: وتفرّق الناس في دينهم الذي أمرهم الله به ودعاهم إليه ، فصاروا فيه أحزابا ، فَهَودت اليهود ، وتنصَّرت النصارى وعُبدت الأوثان ، ثم أخبر جلّ ثناؤه عما هم إليه صائرون ، وأن مرجع جميع أهل الأديان إليه ، متوعدا بذلك أهل الزيغ منهم والضلال ، ومعلمهم أنه لهم بالمرصاد ، وأنه مجاز جميعهم جزاء المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) قال: تقطَّعوا: اختلفوا ، في الدين.

التدبر :

لمسة
[93] ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ كان مقتضى السياق أن يقال: (وتقطعتم)، إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة عن طريق الالتفات، كأن الله يقص ما أفسدوه على الآخرين، ويقبح عندهم أفعالهم، ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكبوه! جعلوا أمر دينهم بينهم قطعًا وتفرقوا فيه، كما تتوزع الجماعة الشيء ويقسمونه.

الإعراب :

  • ﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ:
  • الواو استئنافية. تقطعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. واصله «وتقطعتم» على المخاطبة الا انه انتقل بالكلام الى الغيبة. وفي الكلام كناية عن اختلافهم بمعنى جعلوا أمرهم أو أمر دينهم فيما بينهم قطعا. امر: مفعول به منصوب بالفتحة. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ بَيْنَهُمْ:
  • ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بتقطعوا. وهو مضاف. و«هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ كُلٌّ إِلَيْنا:
  • مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة لانقطاعه عن الاضافة بتقدير: كلهم. إلينا: جار ومجرور للتعظيم متعلق بالخبر.
  • ﴿ راجِعُونَ:
  • خبر المبتدأ مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد اي فنجازيهم.'

المتشابهات :

الأنبياء: 93﴿وَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ
المؤمنون: 53﴿فَـ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [93] لما قبلها :     وبعد أن بَيَّنَ اللهُ أن دين جميع الأنبياء واحد، وهو الإسلام، بَيَّنَ هنا أن الناس تفرقوا، فصار منهم الموحِّد والمشرك، والكافر والمؤمن، قال تعالى:
﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [94] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ ..

التفسير :

[94] فمن التزم الإيمان بالله ورسله، وعمل ما يستطيع من صالح الأعمال طاعةً لله وعبادة له فلا يضيع الله عمله ولا يبطله، بل يضاعفه كلَّه أضعافاً كثيرة، وسيجد ما عمله في كتابه يوم يُبْعث بعد موته.

ثم فصل جزاءه فيهم، منطوقا ومفهوما، فقال:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} أي:الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بالله وبرسله، وما جاءوا به{ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي:لا نضيع سعيه ولا نبطله، بل نضاعفه له أضعافا كثيرة.

{ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} أي:مثبتون له في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي مع الحفظة. أي:ومن لم يعمل من الصالحات، أو عملها وهو ليس بمؤمن، فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه.

وسنحاسبهم جميعا على أعمالهم حسابا دقيقا، يجازى فيه المحسن خيرا، ويعاقب فيه المسيء على إساءته.

وقال- سبحانه-: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ بالنفي المفيد للعموم، لبيان كمال عدالته- تعالى- وتنزيهه- عز وجل- عن ظلم أحد، أو أخذ شيء مما يستحقه.

وعبر عن العمل بالسعي، لإظهار الاعتداد به، وأن صاحب هذا العمل الصالح، قد بذل فيه جهدا مشكورا، وسعى من أجل الحصول عليه سعيا بذل فيه طاقته.

ولهذا قال : ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ) أي : قلبه مصدق ، وعمل عملا صالحا ، ( فلا كفران لسعيه ) ، كقوله : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) [ الكهف : 30 ] أي : لا يكفر سعيه ، وهو عمله ، بل يشكر ، فلا يظلم مثقال ذرة; ولهذا قال : ( وإنا له كاتبون ) أي : يكتب جميع عمله ، فلا يضيع عليه منه شيء .

يقول تعالى ذكره: فمن عمل من هؤلاء الذين تفرقوا في دينهم بما أمره الله به من العمل الصالح ، وأطاعه في أمره ونهيه ، وهو مقرّ بوحدانية الله ؛ مصدّق بوعده ووعيده متبرّئ من الأنداد والآلهة ( فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) يقول: فإن الله يشكر عمله الذي عمل له مطيعا له ، وهو به مؤمن ، فيثيبه في الآخرة ثوابه الذي وعد أهل طاعته أن يثيبهموه ، ولا يكفر ذلك له فيجحده ، ويحرمه ثوابه على عمله الصالح ( وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ) يقول : ونحن نكتب أعماله الصالحة كلها ، فلا نترك منها شيئا لنجزيه على صغير ذلك وكبيره وقليله وكثيره .

قال أبو جعفر: والكفران مصدر من قول القائل: كفرت فلانا نعمته فأنا أكفُره كُفْرا وكُفْرانا ومنه قوله الشاعر:

مِـنَ النَّـاسِ نـاسٌ مـا تَنامُ خُدُودهُم

وخَــدّي وَلا كُفْــرَانَ للــه نـائِمُ (1)

-----------------------

الهوامش :

(1) البيت شاهد على أن الكفران في قوله تعالى : ( فلا كفران لسعيه ) مصدر من قول القائل : كفرت فلانا نعمته ، فأنا أكفره كفرا وكفرانا . قال في ( اللسان : كفر ) : وتقول : كفر نعمة الله ، وبنعمة الله ، كفرا وكفرانا وكفورا .

التدبر :

وقفة
[94] ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ حينما تعملُ تذكرْ أنَّ اللهَ لا يضيعُ عملَكَ، بل هو مكتوبٌ لديهِ.
وقفة
[94] الإيمان شرط لقبول الصالحات ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾.
وقفة
[94] ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ تسجيل الملائكة لعملك الصالح عملية في غاية الدقة، فلن يبخسك الله من حقك مثقال ذرة، ليثيبك عليه أحوج ما تكون إليه.

الإعراب :

  • ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ:
  • الفاء استئنافية. من: اسم شرط‍ جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يعمل: فعل مضارع فعل الشرط‍ مبني على السكون في محل جزم بمن. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • ﴿ مِنَ الصّالِحاتِ:
  • جار ومجرور متعلق بمفعول يعمل اي بمعنى: صالحا من الصالحات. ويجوز ان تكون «من» تبعيضية. وحذف المفعول لدلالة «من» عليه بمعنى بعض الاعمال الصالحات والجملة الاسمية بعدها اعتراضية لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ:
  • وهو ضمير رفع منفصل-ضمير الغائب-في محل رفع مبتدأ. مؤمن. خبر المبتدأ «هو» مرفوع بالضمة. والجملة من فعل الشرط‍ وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ «من».
  • ﴿ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ:
  • الجملة جواب شرط‍ جازم مسبوق بنفي مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء: واقعة في جواب الشرط‍.لا: نافية للجنس تعمل عمل «إن».كفران: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب بمعنى فلا جحد. وخبر «لا» محذوف وجوبا. لسعيه: جار ومجرور متعلق بخبر «لا».والهاء ضمير متصل-ضمير الغائب-في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ وَإِنّا لَهُ كاتِبُونَ:
  • الواو: استئنافية. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» ضمير متصل مدغم بالنون مبني على السكون في محل نصب اسم «ان».له: جار ومجرور متعلق بخبر «ان».كاتبون: خبر «إن» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. ومفعول اسم الفاعل «كاتبون» محذوف تقديره: وانا له كاتبون ذلك السعي او كاتبون اعماله في صحيفة اعماله.'

المتشابهات :

النساء: 124﴿وَ مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
طه: 112﴿وَ مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا
الأنبياء: 94﴿فَـ مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [94] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ أن الناس تفرقوا، فصار منهم الكافر والمؤمن؛ ذكر هنا حالَ المحسن وأنه لا يكفر سعيه، قال تعالى:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [95] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ ..

التفسير :

[95] وممتنع على أهل القرى التي أهلكناها بسبب كفرهم وظلمهم، رجوعهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة؛ ليستدركوا ما فرطوا فيه.

أي:يمتنع على القرى المهلكة المعذبة، الرجوع إلى الدنيا، ليستدركوا ما فرطوا فيه فلا سبيل إلى الرجوع لمن أهلك وعذب، فليحذر المخاطبون، أن يستمروا على ما يوجب الإهلاك فيقع بهم، فلا يمكن رفعه، وليقلعوا وقت الإمكان والإدراك.

ثم أكد- سبحانه- بعد ذلك ما سبق أن قرره من أن الكل سيرجعون إليه للحساب، فقال: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

وللمفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة أقوال منها:

أن المعنى: وحرام- أى: وممتنع امتناعا تاما- على قرية أهلكنا أهلها بسبب فسوقهم عن أمرنا، وتكذيبهم لرسلنا أنهم لا يرجعون إلينا في الآخرة للحساب.

فالآية الكريمة تأكيد لما قررته الآيات السابقة، من أن الذين تقطعوا أمرهم بينهم، والذين آمنوا وعملوا صالحا في دنياهم، الكل سيرجعون إلى الله- تعالى- ليجازيهم بما يستحقون يوم القيامة.

وقد أكدت الآية الكريمة رجوعهم إليه- تعالى- يوم القيامة بأسلوب بديع، حيث نفت عن الأذهان ما قد يتبادر من أن هلاك الكافرين بالعذاب في الدنيا، قد ينجيهم من الحساب والعقاب يوم القيامة، وأثبتت أن الرجوع يوم القيامة للحساب مؤكد.

قال صاحب فتح القدير: قوله وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها.. قرأ أهل المدينة «وحرام» ، وقرأ أهل الكوفة «وحرم» - بكسر الحاء وإسكان الراء- وهما لغتان مثل:

حلال وحل.

ومعنى أَهْلَكْناها: قدرنا إهلاكها. وجملة أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ في محل رفع مبتدأ، وقوله: «حرام» خبرها.. والمعنى: وممتنع ألبتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء.. .

وقال بعض العلماء: وجعل أبو مسلم هذه الآية من تتمة ما قبلها و «لا» فيها على بابها. وهي مع لفظ «حرام» من قبيل نفى النفي. فيدل على الإثبات، والمعنى: وحرام على القرية المهلكة. عدم رجوعها إلى الآخرة، بل واجب رجوعها للجزاء، فيكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث. وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعى أحد وأنه- سبحانه- سيحييه وبعمله يجزيه، .

ومنهم من يرى أن «لا» زائدة، وأن المراد بالرجوع رجوع الهالكين إلى الدنيا فيكون المعنى: وحرام على أهل قرية أهلكناهم بسبب كفرهم ومعاصيهم، أن يرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى بعد هلاكهم.

ومنهم من يرى أن المراد بقوله- تعالى- أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ أى: لا يرجعون إلى التوبة أو إلى الإيمان.

قال صاحب الكشاف: استعير الحرام للممتنع وجوده، ومنه قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ أى. منعهما منهم.. ومعنى الرجوع: الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة، ومجاز الآية: إن قوما عزم الله- تعالى- على إهلاكهم غير متصور أن يرجعوا وينيبوا إلى أن تقوم القيامة.. .

ويبدو لنا أن القول الأول هو أقرب إلى الصواب، لأنه هو المتبادر من ظاهر الآية، ولأنه هو المستقيم مع سياق الآيات، ولأنه بعيد عن التكلف إذ أن الآية الكريمة واضحة في بيان أن حكمة الله قد اقتضت أن يرجع المهلكون في الدنيا بسبب كفرهم ومعاصيهم إلى الحياة يوم القيامة ليحاسبوا على أعمالهم كما قال- تعالى-: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ .

يقول تعالى : ( وحرام على قرية ) قال ابن عباس : وجب ، يعني : قدرا مقدرا أن أهل كل قرية أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة . هكذا صرح به ابن عباس ، وأبو جعفر الباقر ، وقتادة ، وغير واحد .

وفي رواية عن ابن عباس : ( أنهم لا يرجعون ) أي : لا يتوبون .

والقول الأول أظهر ، والله أعلم .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَحَرَامٌ ) فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة (وَحِرْمٌ) بكسر الحاء ، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( وَحَرَامٌ ) بفتح الحاء والألف.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متفقتا المعنى غير مختلفتيه ، وذلك أن الحِرْم هو الحرام ، والحرام هو الحِرْم ، كما الحلّ هو الحلال والحلال هو الحل ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وكان ابن عباس يقرؤه: (وَحِرم) بتأويل: وعزم.

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا بن علية ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها(وَحِرْمَ على قرية) قال: فقلت ، لسعيد: أيّ شيء حرم؟ قال: عزم.

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها(وحِرْمٌ عَلى قَرْيةٍ) قلت لأبي المعلى: ما الحرم؟ قال: عزم عليها.

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ هذه الآية ( وَحِرْمٌ عَلى قَرْيَة أهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) فلا يرجع منهم راجع ، ولا يتوب منهم تائب.

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود عن عكرمة ، قال ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) قال: لم يكن ليرجع منهم راجع ، حرام عليهم ذلك.

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، قال : ثنا جابر الجعفي ، قال: سألت أبا جعفر عن الرجعة ، فقرأ هذه الآية ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) .

فكأن أبا جعفر وجه تأويل ذلك إلى أنه: وحرام على أهل قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا ، والقول الذي قاله عكرمة في ذلك أولى عندي بالصواب ، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن تفريق الناس دينهم الذي بُعث به إليهم الرسل ، ثم أخبر عن صنيعه بمن عم بما دعته إليه رسله من الإيمان به والعمل بطاعته ، ثم أتبع ذلك قوله ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) فلأن يكون ذلك خبرا عن صنيعه بمن أبى إجابة رسله وعمل بمعصيته ، وكفر به ، أحرى ، ليكون بيانا عن حال القرية الأخرى التي لم تعمل الصالحات وكفرت به.

فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام: حرام على أهل قرية أهلكناهم بطبعنا على قلوبهم وختمنا على أسماعهم وأبصارهم ، إذ صدّوا عن سبيلنا وكفروا بآياتنا ، أن يتوبوا ويراجعوا الإيمان بنا واتباع أمرنا والعمل بطاعتنا ، وإذ كان ذلك تأويل قوله الله (وَحِرْمٌ) وعزم ، على ما قال سعيد ، لم تكن " لا " في قوله ( أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) صلة ، بل تكون بمعنى النفي ، ويكون معنى الكلام: وعزم منا على قرية أهلكناها أن لا يرجعوا عن كفرهم ، وكذلك إذا كان معنى قوله (وَحَرَمٌ. نوجبه ، وقد زعم بعضهم أنها في هذا الموضع صلة ، فإن معنى الكلام: وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا ، وأهل التأويل الذين ذكرناهم كانوا أعلم بمعنى ذلك منه.

التدبر :

وقفة
[95] ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ الكل سيرجع إلى الله تعالى ليجازيه بما يستحق يوم القيامة، وقد نفت الآية عن الأذهان ما قد يتبادر من أن هلاك الكافرين بالعذاب في الدنيا، قد ينجيهم من عقاب الآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ:
  • الواو استئنافية. حرام: مبتدأ مرفوع بالضمة. على قرية: جار ومجرور متعلق بحرام. واصله «اهل قرية» بدليل قوله أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» فحذف المجرور المضاف «اهل» وناب عنه المضاف اليه «قرية» واستعير الحرام للممتنع وجوده.
  • ﴿ أَهْلَكْناها:
  • الجملة الفعلية في محل جر صفة-نعت-لقرية. بمعنى: عزمنا على اهلاكها او قدرنا وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. و «ها» ضمير المخاطبة مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسم «ان».لا: نافية لا عمل لها. يرجعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية لا يَرْجِعُونَ» في محل رفع خبر «ان» وان وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل رفع خبر المبتدأ «حرام» بمعنى: عودتهم الى الحياة مرة اخرى او بمعنى: لانهم لا يرجعون.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [95] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ حالَ من يعمل الصالحات؛ أشار هنا إلى مقابل هؤلاء، وهم من أعرضوا عن ذكره تعالى، بإلحاق الوعيد لهم، قال تعالى:
﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وحرام:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- حرم، بكسر الحاء وسكون الراء، وهى قراءة حمزة، والكسائي، وأبى بكر، وطلحة، والأعمش، وأبى حنيفة، وأبى عمرو، فى رواية.
3- حرم، بفتح الحاء وسكون الراء، وهى قراءة قتادة، ومطر الوراق، ومحبوب، عن أبى عمرو.
4- حرم، بكسر الراء وفتح الحاء والميم، على المضي، وهى قراءة ابن عباس، وعكرمة، وابن المسيب، وقتادة أيضا.
5- حرم، بضم الراء وفتح الحاء والميم، على المضي، وهى قراءة أبى العالية، وزيد بن على.
6- حرم، بفتح الحاء والراء والميم، على المضي، وهى قراءة ابن عباس أيضا.
7- حرم، يضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم، وهى قراءة اليماني.
أهلكناها:
1- بالنون، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- أهلكتها، بتاء المتكلم، وهى قراءة السلمى، وقتادة.

مدارسة الآية : [96] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ..

التفسير :

[96] فإذا فُتِح سد يأجوج ومأجوج، وانطلقوا من مرتفعات الأرض وانتشروا في جنباتها مسرعين،

هذا تحذير من الله للناس، أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع، وهو الحدب ينسلون أي:يسرعون. وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة، وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد، وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس، ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم.

ولعل مما يؤيد هذا الرأى قوله- تعالى- بعد ذلك: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ...

فإن حتى هنا ابتدائية، وما بعدها غاية لما يدل عليه ما قبلها، فكأنه قيل: إن هؤلاء المهلكين ممتنع ألبتة عدم رجوعهم إلينا وإنما هم سيستمرون على هلاكهم حتى تقوم الساعة فيرجعوا إلينا للحساب، ويقولوا عند مشاهدته: يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا.

ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان لقبيلتين من الناس، قيل: مأخوذان من الأوجة وهي الاختلاط أو شدة الحر، وقيل من الأوج وهو سرعة الجري.

والمراد بفتحهما: فتح السد الذي على هاتين القبيلتين، والذي يحول بينهم وبين الاختلاط بغيرهم من بقية الناس.

وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ والحدب: المرتفع من الأرض كالجبل ونحوه.

ويَنْسِلُونَ من النسل- بإسكان السين-، وهو مقاربة الخطو مع الإسراع في السير، يقال: نسل الرجل في مشيته إذا أسرع، وفعله من باب قعد وضرب.

أى: وهم- أى يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون السير إلى المحشر، أو إلى الأماكن التي يوجههم الله- تعالى- إليها، وقيل إن الضمير «هم» يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر.

وقوله : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ) : قد قدمنا أنهم من سلالة آدم ، عليه السلام ، بل هم من نسل نوح أيضا من أولاد يافث أبي الترك ، والترك شرذمة منهم ، تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين .

وقال : ( هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) [ الكهف : 98 ، 99 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) أي : يسرعون في المشي إلى الفساد .

والحدب : هو المرتفع من الأرض ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وأبو صالح ، والثوري وغيرهم ، وهذه صفتهم في حال خروجهم ، كأن السامع مشاهد لذلك ، ( ولا ينبئك مثل خبير ) [ فاطر : 14 ] : هذا إخبار عالم ما كان وما يكون ، الذي يعلم غيب السماوات والأرض ، لا إله إلا هو .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن مثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض ، يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج .

وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية :

فالحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يفتح يأجوج ومأجوج ، فيخرجون كما قال الله عز وجل " : ( [ وهم ] من كل حدب ينسلون ) ، فيغشون الناس ، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ، ويضمون إليهم مواشيهم ، ويشربون مياه الأرض ، حتى أن بعضهم ليمر بالنهر ، فيشربون ما فيه حتى يتركوه يبسا ، حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول : قد كان هاهنا ماء مرة حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم : هؤلاء أهل الأرض ، قد فرغنا منهم ، بقي أهل السماء . قال : " ثم يهز أحدهم حربته ، ثم يرمي بها إلى السماء ، فترجع إليه مختضبة دما; للبلاء والفتنة . فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه ، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس ، فيقول المسلمون : ألا رجل يشري لنا نفسه ، فينظر ما فعل هذا العدو؟ " قال : " فيتجرد رجل منهم محتسبا نفسه ، قد أوطنها على أنه مقتول ، فينزل فيجدهم موتى ، بعضهم على بعض ، فينادي : يا معشر المسلمين ، ألا أبشروا ، إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم ، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم ، فما يكون لها رعي إلا لحومهم ، فتشكر عنه كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط .

ورواه ابن ماجه ، من حديث يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، به .

الحديث الثاني : قال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني يحيى بن جابر الطائي - قاضي حمص - حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، عن أبيه ، أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، [ فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا ، فسألناه فقلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال الغداة ، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ] . فقال : " غير الدجال أخوفني عليكم ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم : إنه شاب جعد قطط عينه طافية ، وإنه يخرج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وشمالا يا عباد الله اثبتوا " .

قلنا : يا رسول الله ، ما لبثه في الأرض؟ قال : " أربعين يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم " .

قلنا : يا رسول الله ، فذاك اليوم الذي هو كسنة ، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال : " لا اقدروا له قدره " .

قلنا : يا رسول الله ، فما إسراعه في الأرض؟ قال : " كالغيث استدبرته الريح " . قال : " فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذرى ، وأمده خواصر ، وأسبغه ضروعا . ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فتتبعه أموالهم ، فيصبحون ممحلين ، ليس لهم من أموالهم . ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " . قال : " ويأمر برجل فيقتل ، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل إليه [ يتهلل وجهه ] .

فبينما هم على ذلك ، إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مهرودتين واضعا يده على أجنحة ملكين ، فيتبعه فيدركه ، فيقتله عند باب لد الشرقي " .

قال : " فبينما هم كذلك ، إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم : أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم ، فحوز عبادي إلى الطور ، فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج ، وهم كما قال الله : ( من كل حدب ينسلون ) فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل ، فيرسل الله عليهم نغفا في رقابهم ، فيصبحون فرسى ، كموت نفس واحدة .

فيهبط عيسى وأصحابه ، فلا يجدون في الأرض بيتا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله " .

قال ابن جابر فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي ، عن كعب - أو غيره - قال : فتطرحهم بالمهبل . [ قال ابن جابر : فقلت : يا أبا يزيد ، وأين المهبل؟ ] ، قال : مطلع الشمس .

قال : " ويرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أربعين يوما ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ويقال للأرض : أنبتي ثمرتك ، وردي بركتك " . قال : " فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرسل ، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر تكفي الفخذ ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت " .

قال : " فبينما هم على ذلك ، إذ بعث الله عز وجل ريحا طيبة تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مسلم - أو قال : كل مؤمن - ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمير ، وعليهم تقوم الساعة " .

انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري ، فرواه مع بقية أهل السنن من طرق ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، به وقال الترمذي : حسن صحيح .

الحديث الثالث : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن ابن حرملة ، عن خالته قالت : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب ، فقال : " إنكم تقولون : " لا عدو ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوا ، حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه ، صغار العيون ، صهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة " .

وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو ، عن خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي ، عن خالة له ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .

الحديث الرابع : قد تقدم في تفسير آخر سورة الأعراف من رواية الإمام أحمد ، عن هشيم ، عن العوام ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عفازة ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، عليهم السلام ، قال : فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال : أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيها عهد إلي ربي أن الدجال خارج " .

قال : " ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص " قال : " فيهلكه الله إذا رآني ، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم إن تحتي كافرا ، فتعال فاقتله " . قال : " فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم " . قال : " فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيطؤون بلادهم ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه " . قال : " ثم يرجع الناس إلي يشكونهم ، فأدعو الله عليهم ، فيهلكهم ويميتهم ، حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم ، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم ، حتى يقذفهم في البحر . ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك ، أن الساعة كالحامل المتم ، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلا أو نهارا " .

ورواه ابن ماجه ، عن محمد بن بشار ، عن يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب ، به ، نحوه وزاد : " قال العوام ، ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) .

ورواه ابن جرير هاهنا من حديث جبلة ، به .

والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، والآثار عن السلف كذلك .

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف قال : قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ، حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيده الله كما كان . فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله . فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون حتى يخرجوا . فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة ، فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون : قد كان هاهنا مرة ماء ، ويفر الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء . ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مخضبة بالدماء فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء . فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فيقول : " اللهم ، لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت " ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له : النغف ، فيفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها : " الحياة " يطهر الله الأرض وينبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن " . قيل : وما السكن يا كعب؟ قال : أهل البيت - قال : " فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده . قال : فيبعث عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة ، أو بين السبعمائة والثمانمائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج الناس ، فيتسافدون كما تسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع؟ قال كعب : فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا - أو بعد علمي هذا شيئا - فهو المتكلف .

هذا من أحسن سياقات كعب الأحبار ، لما شهد له من صحيح الأخبار .

وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق ، وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد الله بن أبي عتبة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليحجن هذا البيت ، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " . انفرد بإخراجه البخاري .

يقول تعالى ذكره: حتى إذا فُتح عن يأجوج ومأجوج ، وهما أمَّتان من الأمم ردُمهما .

كما حدثني عصام بن داود بن الجراح ، قال: ثني أبي ، قال : ثنا سفيان بن سعيد الثوري ، قال : ثنا منصور بن المعتمر ، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش ، قال: سمعت حُذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَوَّلُ الآياتِ: الدَّجاَّلُ ، وَنـزولُ عِيسَى ، وَنارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنِ أَبْيَنَ ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلى المَحْشَرِ ، تُقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا ، وَالدُّخانُ ، والدَّابَّةُ ، ثُمّ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ. قال حُذيفة: قلت: يا رسول الله ، وما يأجوج ومأجوج؟ قال: يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ أُمَمٌ كُلُّ أُمَّةِ أَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفٍ ، لا يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ حتى يَرَى أَلْفَ عَيْنٍ تَطْرِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ صُلْبِهِ ، وَهُمْ وَلَدُ آدَمَ ، فَيَسِيرُونَ إِلَى خَرَابِ الدُّنْيَا ، يَكُونُ مُقَدِّمَتُهُمْ بِالشَّامِ وَسَاقَتُهُمْ بِالعِرَاقِ ، فَيَمُرُّونَ بِأَنْهَارِ الدُّنْيا ، فَيَشْرَبونَ الفُراتَ والدَّجْلَةَ وَبُحَيْرَةَ الطَّبَرِيَّةِ حَتَّى يَأْتُوا بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا أَهْلَ الدُّنْيَا فَقَاتِلُوا مَنْ فِي السَّماءِ ، فَيَرْمُونَ بالنَّشابِ إلى السَّماءِ ، فَتَرْجِعُ نُشَابُهُمْ مُخَضَّبَةً بِالدَّمِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي السَّماءِ ، وَعِيسَى وَالمُسْلِمُونَ بِجَبَلِ طُورِ سِينِينَ ، فَيُوحِي اللهُ جَلَّ جَلالُهُ إِلَى عِيسَى: أَنْ أَحْرِزْ عِبَادِي بِالطُّورِ وَمَا يَلِي أَيْلَةَ، ثُمّ إِنَّ عِيسَى يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّماءِ وَيَؤَمِّنُ المَسْلِمُونَ ، فَيَبْعَثُ اللهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا النَّغَفُ ، تَدْخُلُ مِنْ مَنَاخِرِهِمْ فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى مِنْ حاقِ الشَّامِ إلى حاقِ العِرَاقِ ، حتى تَنْتِنَ الأرْضُ مِنْ جِيَفِهِمْ ، وَيَأْمُرُ الله السَّماءَ فَتُمْطِرُ كأفْواهِ القِرَبِ ، فَتَغْسِلُ الأرْضَ مِنْ جِيَفِهِمْ وَنَتَنْهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طُلُوع الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ".

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال: إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الإنس الضِّعف ، وإن الجنّ يزيدون على الإنس الضعف ، وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج.

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال: سمعت وهب بن جابر يحدث ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمرّ آخرهم فيقول: قد كان في هذا مرّة ماء ، لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وقال: مِن بعدهم ثلاثُ أمم لا يعلم عددهم إلا الله: تأويل ، وتاريس ، وناسك أو منسك ، شكّ شعبة.

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر الخيواني ، قال: سألت عبد الله بن عمرو ، عن يأجوج ومأجوج ، أمن بني آدم هم؟ قال: نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله، تاريس ، وتأويل ، ومنسك.

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : ثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، قالا سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول: قال عبد الله بن عمرو: يأجوج ومأجوج لهم أنهار يَلْقَمون ما شاءوا ، ونساء يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقمون ما شاءوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا.

حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال: أخبرنا زكريا ، عن عامر ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن سلام ، قال: ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرء فصاعدا.

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عطية ، قال: قال أبو سعيد: يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحدا إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون ، فيمرّون على البحيرة فيشربونها ، فيمرّ المارُّ فيقول: كأنه كان ههنا ماء ، قال: فبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالا فتقول أهل الحصون: لقد هلك أعداء الله ، فيدلون رجلا لينظر ، ويشترط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا ، قال: فينـزل الله ماء من السماء فيقذفهم في البحر ، فتطهر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل ، وتخرج الأرض ثمرتها كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج.

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال: رأى ابن عباس صبيانا ينـزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج.

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو بن قيس ، قال: بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلا كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تخرج عليهم ، قال: فيسمعون جلبة وأمرا شديدا.

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، أن عبد الله بن عمرو ، قال: ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف ، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم إلا الله: منسك ، وتأويل ، وتاريس.

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن عمرو البكالي ، قال: إن الله جزأ الملائكة والإنس والجنّ عشرة أجزاء فتسعة منهم الكروبيون وهم الملائكة الذي يحملون العرش ، ثم هم أيضا الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، قال: ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته ، ثم جزّأ الإنس والجنّ عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة ، ثم جزأ الإنس على عشرة أجزاء ، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وسائر الإنس جزء.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ) قال: أمَّتانِ من وراء ردم ذي القرنين.

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف ، قال: قال كعب: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا: نجيء غدا فنخرج ، فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غدا فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون ثم يخرجون ، فتمرّ الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمرّ الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمرّ الزمرة الثالثة فيقولون: قد كان ههنا مرّة ماء - وتفرّ الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء ، يرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون: غلبْنا أهل الأرض وأهل السماء ، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، فيقول: اللهمّ لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له النغفُ ، فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن ، قيل: وما السكن يا كعب؟ قال: أهل البيت ، قال: فبينا الناس كذلك ، إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مائة ، أو بين السبع مائة والثمان مائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم ، فمثَل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا أو على هذا شيئا فهو المتلكف.

حدثنا العباس بن الوليد البيروتي ، قال: أخبرني أبي ، قال: سمعت ابن جابر ، قال: ثني محمد بن جابر الطائي، ثم الحمصي ، ثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، قال: ثني أبي أنه سمع النّواس بن سمعان الكلابي يقول: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، وذكر أمره ، وأن عيسى ابن مريم يقتله ، ثم قال: فبينا هو كذلك ، أوحى الله إليه: يا عيسى ، إني قد أخرجت عبادا لي لا يَد لأحد بقتالهم ، فحرّز عبادي إلى الطور، فيبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرّ أحدهم على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ثم ينـزل آخرهم ، ثم يقول: لقد كان بهذه ماء مرّة ، فيحاصر نبيّ الله عيسى وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرا لأحدهم من مائة دينار لأحدكم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم ، فيصبحون فرسى موت نفس واحدة ، فيهبط نبيّ الله عيسى وأصحابه ، فلا يجدون موضعا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البُخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة.

وأما قوله ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم: عني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض ، وإنما عني بذلك الحشر إلى موقف الناس يوم القيامة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: جمع الناس من كل مكان جاءوا منه يوم القيامة ، فهو حدب.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثنى حجاج ، عن ابن جُرَيح ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) ، قال ابن جُرَيج: قال مجاهد: جمع الناس من كلّ حدب من مكان جاءوا منه يوم القيامة فهو حدب.

وقال آخرون: بل عني بذلك يأجوج ، ومأجوج وقوله: وهم كناية أسمائهم .

ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : ثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله أنه قال: يخرج يأجوج ومأجوج فيمرحون في الأرض ، فيُفسدون فيها ، ثم قرأ عبد الله ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: ثم يبعث الله عليهم دابّة مثل النغف ، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها فتنتن الأرض منهم ، فيرسل الله عز وجل ماء فيطهر الأرض منهم.

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: عني بذلك يأجوج ومأجوج ، وأن قوله ( وَهُمْ) كناية عن أسمائهم ، للخبر الذي حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري ، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ يَخْرجُونَ عَلَى النَّاسِ كَما قَالَ الله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) فَيُغّشُّونَ الأرْضَ".

حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُذكر عن عيسى ابن مريم ، قال: قال عيسى: عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ ، وَأَنَّهُ مُهْبِطِي إِلَيْهِ ، فَذَكَرَ أَنَّ مَعَهُ قَضِيبَيْنِ ، فَإِذَا رَآنِي أَهْلَكَهُ اللهُ ، قَالَ: فَيَذُوبُ الرُّصاصُ ، حتى إنَّ الشَّجَرَ والحَجَر لَيَقُولُ: يَا مُسْلِم هَذَا كَافِرٌ فاقْتُلْهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعالى ، وَيَرْجِعُ النَّاسُ إلى بِلادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ ، فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، لا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلا أَهْلَكُوهُ ، وَلا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلا شَرِبُوهُ.

حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا المحاربي ، عن أصبغ بن زيد ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن موثر بن عفازة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.

وأما قوله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ ) فإنه يعني من كل شرف ونشَز وأكمة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك: حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) يقول: من كلّ شرف يُقبلون.

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: من كلّ أكمة.

حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: الحدب: الشيء المشرف ، وقال الشاعر:

عَلى الحِدَابِ تَمُورُ (2)

حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: هذا مبتدأ يوم القيامة.

وأما قوله ( يَنْسِلُونَ ) فإنه يعنى: أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب ، كما قال الشاعر:

عَسَــلانَ الــذئْبِ أمْسَــى قارِبـا

بَـــرَدَ اللَّيْـــلُ عَلَيْــهِ فَنَسَــلْ (3)

-----------------------------

الهوامش :

(2) هذا جزء من بيت لم ينسبه المؤلف عند قوله تعالى : ( وهم من كل حدب ينسلون ) قال في ( اللسان : حدب ) يريد يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها . وقال الفراء : " من كل حدب ينسلون " : من كل أكمة ومن كل موضع مرتفع والجمع أحداب وحداب والحدب : الغلظ من الأرض في ارتفاع ، والجمع الحداب . والحدبة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع . ولا تكون الحدبة إلا في قف أو غلظ أرض . وتمور : من مار الشيء يمور مورا : تحرك وجاء وذهب ، كا تتكفأ النخلة لعيدانة .

(3) البيت للبيد أو للنابغة الجعدي ( اللسان : عسل ، ونسل ) . وعسل الذئب والثعلب يعسل عسلا وعسلانا : مضى مسرعا ، واضطرب في عدوه ، وهز رأسه . والقارب : الذي يطلب الماء ليلا ، يسير إليه مسرعا . ونسل الماشي ينسل ( كيضرب ويقتل ) نسلا ( بالتسكين والتحريك ) ونسلانا : أسرع . وأصل النسلان للذئب ، ثم استعمل في غيره .

التدبر :

وقفة
[96] ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ لا أحد يعلم أين هم الآن؟! فقد حجبهم الله منذ عهد ذي القرنين، لكنهم موجودون يقينًا لأن الله أخبر بهذا.
لمسة
[96] ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ في الكلام بلاغة بالحذف، أي حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج، قال ابن عباس: «من كل شرف يقبلون»، أي لكثرتهم يخرجون من كل ناحية والحدب هو ما ارتفع من الأرض.
تفاعل
[96] تعوذ بالله من فتنة يأجوج ومأجوج ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾.
وقفة
[96] فَتْح سد يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ حَتّى إِذا:
  • حتى: حرف غاية وابتداء متعلقة بحرام وهي غاية له. اذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه متعلق بجوابه. والجملة الفعلية بعدها في محل جر بالاضافة. وهي اداة شرط‍ غير جازمة.
  • ﴿ فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ:
  • فتحت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الاعراب. يأجوج. نائب فاعل مرفوع بالضمة وهو ممنوع من الصرف-التنوين-لانه اسم قبيلة لانه جاء مهموزا. ومأجوج: معطوف بالواو على «يأجوج» ويعرب اعرابه. بمعنى: حتى اذا فتح سدهما. وحذف المضاف «سد» كما حذف المضاف الى القرية وهو اهلها وانث الفعل «فتحت» كما انث «أهلكناها».
  • ﴿ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ:
  • الواو حالية. والجملة الاسمية بعدها: في محل نصب حال. ويجوز ان تكون الواو اعتراضية فتكون الجملة الاسمية بعدها: اعتراضية لا محل لها. هم: ضمير رفع منفصل-ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. من كل: جار ومجرور متعلق بخبر «هم».حدب: مضاف اليه مجرور بالكسرة اي بمعنى: والناس المساقون الى المحشر. وقيل هم يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد. وقرأ ابن عباس رضي الله عنه: من كل جدث وهو القبر. وقيل الثاء حجازية. والباء تميمية.
  • ﴿ يَنْسِلُونَ:
  • اي يسرعون. بمعنى وهم من كل ارتفاع في الارض يسرعون. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «ينسلون» في محل رفع خبر المبتدأ «هم».وجواب «اذا» في الآية الكريمة التالية وهو قوله فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [96] لما قبلها :     وبعدَ ذِكْرِ القيامةِ؛ ذكَرَ هنا أحدَ علاماتِها: خروج يأجوجَ ومأجوجَ، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

حدب:
وقرئ:
1- جدث، بالثاء المثلثة، وهى القبر، بلغة الحجاز، وهى قراءة عبد الله، وابن عباس.
2- جدف، بالفاء بدل الثاء، وهى لغة تميم.
ينسلون:
1- بكسر السين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بضمها، وهى قراءة ابن أبى إسحاق، وأبى السمال.

مدارسة الآية : [97] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ ..

التفسير :

[97]دنا يوم القيامة وبدَتْ أهواله فإذا أبصار الكفار مِن شدة الفزع مفتوحة لا تكاد تَطْرِف، يدعون على أنفسهم بالويل في حسرة:يا ويلنا قد كنا لاهين غافلين عن هذا اليوم وعن الإعداد له، وكنا بذلك ظالمين.

{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} أي:يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات ويقولون لـ:{ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} اليوم العظيم، فلم نزل فيها مستغرقين، وفي لهو الدنيا متمتعين، حتى أتانا اليقين، ووردنا القيامة، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة، لماتوا.{ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} اعترفوا بظلمهم، وعدل الله فيهم، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار، هم وما كانوا يعبدون .

وقوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ.. معطوف على فُتِحَتْ أى: فتح السد الذي كان على يأجوج ومأجوج، وقرب موعد الحساب والجزاء.

قال الآلوسى: وهو ما بعد النفخة الثانية لا النفخة الأولى. وهذا الفتح لسد يأجوج ومأجوج يكون في زمن نزول عيسى من السماء، وبعد قتله الدجال.

فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث طويل: إن الله- تعالى- يوحى إلى عيسى بعد أن يقتل الدجال: أنى قد أخرجت عبادا من عبادي، لا يدان لك بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله- تعالى- يأجوج ومأجوج وهم كما قال- سبحانه- مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ثم يرسل الله عليهم نغفا- في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة» .

وقوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا.. جواب للشرط وهو قوله: تعالى- قبل ذلك إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.

والضمير «هي» للقصة والشأن. و «إذا» للمفاجأة.

قال الجمل: قوله: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. فيه وجهان:

أحدهما- وهو الأجود- أن يكون هي ضمير القصة. وشاخصة: خبر مقدم. وأبصار:

مبتدأ مؤخر، والجملة خبر لهى لأنها لا تفسر إلا بجملة مصرح بجزأيها..» .

والمعنى: لقد تحقق ما أخبرنا به من أمارات الساعة، ومن خروج يأجوج ومأجوج، ومن عودة الخلق إلينا للحساب.. ورأى المشركون كل ذلك، فإذا بأبصارهم مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من شدة الهول والفزع.

يقال: شخص بصر فلان يشخص شخوصا فهو شاخص، إذا فتح عينيه وصار لا يستطيع تحريكهما.

وقوله: يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا مقول لقول محذوف.

أى: أن هؤلاء الكافرين يقولون وهم شاخصو البصر: يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك، فإننا قد كنا في الدنيا في غفلة تامة عن هذا اليوم الذي أحضرنا فيه للحساب.

وقوله: بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ إضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة، إلى وصفها بالظلم وتجاوز الحدود.

أى: لم نكن في الحقيقة في غفلة عن هذا اليوم وأهواله، فقد أخبرنا رسلنا به، بل الحقيقة أننا كنا ظالمين لهؤلاء الرسل لأننا لم نطعهم، وكنا ظالمين لأنفسنا حيث عرضناها لهذا العذاب الأليم.

وهكذا يظهر الكافرون الندامة والحسرة في يوم لا ينفعهم فيه ذلك.

وقوله : ( واقترب الوعد الحق ) يعني : يوم القيامة ، إذا وجدت هذه الأهوال والزلازل والبلابل ، أزفت الساعة واقتربت ، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون : ( هذا يوم عسر ) [ القمر : 8 ] . ولهذا قال تعالى : ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) أي : من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام : ( يا ويلنا ) أي : يقولون : ( يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ) أي : في الدنيا ، ( بل كنا ظالمين ) ، يعترفون بظلمهم لأنفسهم ، حيث لا ينفعهم ذلك .

يقول تعالى ذكره: حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحقّ ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شك حق كما قال جلّ ثناؤه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : ثنا حذيفة: لو أن رجلا افتلى فَلوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة.

حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) قال: اقترب يوم القيامة منهم، والواو في قوله ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) مقحمة ، ومعنى الكلام: حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، وذلك نظير قوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ معناه: نادينا، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس:

فَلَمَّـا أجَزْنـا سـاحَة الحَـيّ وَانْتَحَـى

بِنـا بَطْـنُ خَـبْتٍ ذي حِقـافٍ عَقَنْقَلِ (4)

يريد: فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا.

وقوله ( فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان: أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار ، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر:

لَعَمْــرو أَبِيهَــا لا تَقُـولُ ظَعِينَتـي

ألا فَـرّ عَنِّـي مـالكُ بـن أبي كَعْبِ (5)

فكنى عن الظعينة في: لعمرو أبيها ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.

والثاني: أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وكقول الشاعر:

فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِما هَهُنا رأْسْ (6)

وقوله ( يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) يقول تعالى ذكره: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحقّ بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون: يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونـزل بنا من عظيم البلاء ، وفي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه ، وذلك يقولون من قوله ( فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقولون يا ويلنا، وقوله ( بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذ: ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عزّ وجلّ.

---------------------

الهوامش :

(4) البيت من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة مصطفى البابي الحلبي ص 27 ) قال : أجزنا : قطعنا . والساحة : الفناء . والخبت : أرض مطمئنة . والحقف من الرمل : المعوج ، والجمع حقاف ، ويروى " ركام " أي بعضه فوق بعض . وعقنقل : متعقد متداخل بعضه في بعض . والبيت شاهد على أن الواو في قوله : " وانتحى " : مقحمة ، يريد : فلما أجزنا ساحة الحي انتحى . وهي نظير الواو في قوله تعالى : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق ) . الواو في " واقترب " : مقحمة . والفعل جواب للشرط " حتى إذا فتحت " . قال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 306 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) : وقوله ( واقترب الوعد الحق ) معناه والله أعلم ، حتى إذا فتحت اقترب ، ودخول الواو في الجواب في " حتى إذا " بمنزلة قوله : "حتى إذا جاءوها وفتحت " . وفي قراءة عبد الله " فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية " . وفي قراءتنا بغير واو . ومثله في الصفات " فلما أسلما وتله للجنين وناديناه" معناها : ناديناه . وقال امرؤ القيس : " فلما أجزنا . . . البيت " يريد انتحى .

(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 307 من مصورة الجامعة ) عند قوله تعالى : ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) قال : تكون هي عمادا يصلح في موضعها هو ، فتكون كقوله "إنه أنا الله العزيز " . ومثله قوله : " فإنها لا تعمي الأبصار" فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة ، والتذكير للعماد . . . وإن شئت جعلت هي للأبصار ، كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها ، كما قال الشاعر : لعمر أبيها . . . البيت " اه .

وعلى كلام الفراء يكون الضمير " في أبيها " مفسرًا بقوله ظعينتي . ومثله الضمير " هي " في الآية " فإذا هي " مفسر بقوله " أبصار " . وقال أبو البقاء العكبري في إعراب القرآن وهو كالوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما الفراء : إذا للمفاجأة ، وهي مكان . والعامل فيها شاخصة . و " هي " : ضمير القصة . و " أبصار الذين " مبتدأ وشاخصة خبره . وقال الشوكاني في فتح القدير ( 3 : 413 ) مبنيا للوجهين : الضمير في فإذا هي للقصة ، أو مبهم يفسره ما بعده . وإذا للمفاجأة .

(6) هذا شطر بيت من أبيات ثلاثة وردت في الجزء الأول من هذا التفسير ص 401 عند قوله تعالى : " وهو محرم عليكم إخراجهم " . وقد بين أن الضمير " هو " فيه وجهان من التأويل ، كما قال في قوله تعالى : " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " ومثل قول الشاعر :

فــأَبْلِغْ أبــا يَحْـيَى إذَا مـا لَقِيتَـهُ

عـلى العِيسِ فـي آباطِهـا عَرَقٌ يَبْس

بــأنَّ السُّــلامِيَّ الَّــذِي بِضَرِيَّـةٍ

أمِـيرَ الحِـمَى قدْ باعَ حَقي بني عَبْس

بِثَــوْبٍ ودِينــارٍ وشــاةٍ ودِرْهَـمٍ

فَهَـلْ هُـوَ مَرْفُـوعٌ بِمَـا هاهُنا رَأْس

والأبيات : من شواهد الفراء في آية البقرة ولم يورد هنا إلا الشطر الثاني من البيت الثالث

التدبر :

وقفة
[97] ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة من شدة الأفزاع، والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة على ما فات.
وقفة
[97] ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي يوم القيامة أو وعد الله بدك سد يأجوج ومأجوج، وخروجهم على الناس، فلا يخلف الله وعده مهما تأخر، ولا يكون إلا ما وعد الله أن يكون.
وقفة
[97] الغفلة عن الاستعداد ليوم القيامة سبب لمعاناة أهوالها ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
وقفة
[97] مفتتح سورة الأنبياء تهديد، وختامها تهديد، افتتحت بـ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ [1]، وختمت بـ: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من شدة الخوف ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
عمل
[97] زُر المقبرة؛ حتى لا تكون في غفلة عن آخرتك ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
وقفة
[97] ﴿شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ﴾ يدل على مفاجأة القيامة للناس، بحيث تشخص أبصارهم، وترتفع حواجبهم، ولا تغمض عيونهم، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: 42].
لمسة
[97] ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ الويل: هو الدعاء بالهلاك، فهل يطلب أحد الملاك، ويدعو به على نفسه؟ والجواب: نعم، إذا رأى سوء عاقبة عمله في الآخرة، فيلوم نفسه أنها هي التي أوقعته في هذه الورطة.

الإعراب :

  • ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ:
  • الواو: عاطفة. اقترب: فعل ماض مبني على الفتح. الوعد: فاعل مرفوع بالضمة. الحق: صفة-نعت-للوعد مرفوع مثله بالضمة. بمعنى: واقترب يوم القيامة.
  • ﴿ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط‍ للتأكيد اي تأكيد جواب الشرط‍.اذا: حرف فجاءة او فجائية لا عمل لها ... او هي سادة مسد الفاء في جواب الشرط‍ -الجزاء-هي: ضمير مبهم-ضمير الغائبة- توضحه الابصار في محل رفع مبتدأ. شاخصة: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية هِيَ شاخِصَةٌ» جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها. اي جواب «اذا» في الآية السابقة.
  • ﴿ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • ابصار: فاعل لاسم الفاعل «شاخصة» مرفوع بالضمة وهو مضاف. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. والجملة الفعلية «كفروا» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب بمعنى: فاذا ابصار الكافرين مفتوحة ناظرة لا تطرف من الحيرة.
  • ﴿ يا وَيْلَنا:
  • يا: اداة نداء. ويل: منادى مضاف منصوب بالفتحة. و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. والجملة الندائية متعلقة بمحذوف تقديره: يقولون يا ويلنا. اي يا هلاكنا. والجملة الفعلية المحذوفة «يقولون» في محل نصب حال من الذين كفروا. ويا ويلنا: في محل نصب مفعول به «مقول القول».
  • ﴿ قَدْ كُنّا:
  • قد: حرف تحقيق. كنا: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير المتكلمين في محل رفع اسم «كان».
  • ﴿ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا:
  • جار ومجرور متعلق بخبر كان. من هذا: جار ومجرور متعلق بغفلة. بمعنى غافلين عن هذا. وهذا: اسم اشارة في محل جر بمن.
  • ﴿ بَلْ كُنّا ظالِمِينَ:
  • بل: حرف اضراب لا عمل له للاستئناف. والجملة الفعلية بعده: استئنافية لا محل لها. كنا: اعربت. ظالمين: خبر «كان» منصوب بالياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [97] لما قبلها :     ولَمَّا كان خروجُ يأجوجَ ومأجوجَ من علامات الساعة الكبرى، وباتت القيامةُ التي وعدَ اللهُ بوقوعها أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى؛ ناسَب أن يقال هنا:
﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [98] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ..

التفسير :

[98] إنكم -أيها الكفار- وما كنتم تعبدون من دون الله من الأصنام ومَن رضي بعبادتكم إياه من الجن والإنس، وقود جهنم وحطبها، أنتم وهم فيها داخلون.

أي:إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره{ حَصَبُ جَهَنَّمَ} أي:وقودها وحطبها{ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} وأصنامكم.

وقوله- سبحانه-: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ.. زيادة في تقريعهم وتوبيخهم.

والحصب- بفتحتين- ما تحصب به النار. أى: يلقى فيها لتزداد به اشتعالا كالحطب والخشب.

أى: إنكم- أيها الكافرون- وأصنامكم التي تعبدونها من دون الله- تعالى- وقود جهنم، وزادها الذي تزداد به اشتعالا.

وفي إلقاء أصنامهم معهم في النار مع أنها لا تعقل، زيادة في حسرتهم وتبكيتهم، حيث رأوا بأعينهم مصير ما كانوا يتوهمون من ورائه المنفعة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت: لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة، حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم، والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب، ولأنهم قدروا أنهم يستشفعون بهم في الآخرة، وينتفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا، لم يكن شيء أبغض إليهم منهم .

وجملة أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ بدل من حَصَبُ جَهَنَّمَ، أو مستأنفة.

أى: أنتم- أيها الكافرون- ومعكم أصنامكم داخلون في جهنم دخولا لا مفر لكم منه.

وجاء الخطاب بقوله أَنْتُمْ على سبيل التغليب، وإلا فالجميع داخلون فيها.

ولا يدخل في هذه الآية ما عبده هؤلاء المشركون من الأنبياء والصالحين كعيسى والعزيز والملائكة، فإن عبادتهم لهم كانت عن جهل وضلال منهم، فإن هؤلاء الأخيار ما أمروهم بذلك، وإنما أمروهم بعبادة الله- تعالى- وحده.

يقول تعالى مخاطبا لأهل مكة من مشركي قريش ، ومن دان بدينهم من عبدة الأصنام والأوثان : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) ، قال ابن عباس : أي وقودها ، يعني كقوله : ( وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم : 6 ] .

وقال ابن عباس أيضا : ( حصب جهنم ) بمعنى : شجر جهنم . وفي رواية قال : ( حصب جهنم ) يعني : حطب جهنم ، بالزنجية .

وقال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة : حطبها . وهي كذلك في قراءة علي وعائشة - رضي الله عنهما .

وقال الضحاك : ( حصب جهنم ) أي : ما يرمى به فيها .

وكذا قال غيره . والجميع قريب .

وقوله : ( أنتم لها واردون ) أي : داخلون .

يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون بالله ، العابدون من دونه الأوثان والأصنام ، وما تعبدون من دون الله من الآلهة .

كما حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يعني الآلهة ومن يعبدها ، (حصب جهنم ) وأما حصب جهنم ، فقال بعضهم: معناه: وقود جهنم وشجرها.

*ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) : شجر جهنم.

حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبى ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول: وقودها.

وقال آخرون: بل معناه: حطب جهنم.

ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال: حطبها.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، (مثله)! وزاد فيه: وفى بعض القراءة (حَطَبُ جَهَنَّمَ) يعني في قراءة عائشة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال: حطب جهنم يقذفون فيها.

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن الحر ، عن عكرمة ، قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال: حطب جهنم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يرمى بهم في جهنم.

ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول: إن جهنم إنما تحصب بهم ، وهو الرمي ، يقول: يرمي بهم فيها.

واختلف في قراءة ذلك ، فقرأته قراء الأمصار ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) بالصاد ، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة عليه.

ورُوي عن عليّ وعائشة أنهما كانا يقرآن ذلك ( حَطَبُ جَهَنَّمَ) بالطاء.

ورُوي عن ابن عباس أنه قرأه ( حَضَبُ) بالضاد.

حدثنا بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد ، عن عثمان بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأها كذلك.

وكأن ابن عباس إن كان قرأ ذلك كذلك ، أراد أنهم الذين تسجر بهم جهنم ، ويوقد بهم فيها النار ، وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به ، فهو عند العرب حضب لها . فإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا ، وكان المعروف من معنى الحصب عند العرب: الرمي ، من قولهم: حصبت الرجل: إذا رميته ، كما قال جلّ ثناؤه إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا كان الأولى بتأويل ذلك قول من قال: معناه أنهم تقذف جهنم بهم ويرمى بهم فيها ، وقد ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمين: الحطب ، فإن يكن ذلك كذلك فهو أيضا وجه صحيح ، وأما ما قلنا من أن معناه الرمي فإنه في لغة أهل نجد. وأما قوله ( أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) فإن معناه: أنتم عليها أيها الناس أو إليها واردون ، يقول: داخلون ، وقد بينت معنى الورود فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

التدبر :

وقفة
[98] في تركيز السورة على العبودية هدمت أسوار الشرك والعبودية لغير الله تعالى ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.
تفاعل
[98] ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ استعذ بالله من جهنم.
لمسة
[98] ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ (ما) هي لغير العاقل، و(من) للعاقل، لكن إذا اختلط العاقل وغير العاقل عند ذلك يمكن أن نعبِّر بـ (ما) أو نعبِّر بـ (من) بحسب الموضع الذي يتكلم عليه، الأصل في العبادة كانت للأصنام ولذلك استعمل (ما)، ولكن هذه لا تمنع من دخول العقلاء فيها؛ لأنها عامة، ونحن نعلم أنهم عبدوا فرعون والرهبان والأحبار، فهؤلاء أيضًا هم حصب جهنم مع من يقرُّهم على ذلك، كأنه عابد لهم حتى نُخرِج من أدانوا عبادتهم وهم لم يقروهم عليه كالمسيح أو العُزَير، فتكون (ما) شاملة العقلاء والأصنام والأحجار.
وقفة
[98، 99] ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ والحكمة في دخول الأصنام النار -وهي جماد لا تعقل، وليس عليها ذنب- بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم ﴿لَوْ كَانَ هَـٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾.
وقفة
[98، 99] ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ والحكمة في دخول الأصنام النار -وهي جماد لا تعقل، وليس عليها ذنب- بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: ﴿لَوْ كَانَ هَـٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّكُمْ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف ضمير المخاطبين-اي الوثنيين-في محل نصب اسم «ان».والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ وَما تَعْبُدُونَ:
  • الواو عاطفة. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب لانه معطوف على منصوب وهو ضمير المخاطبين في «انكم». تعبدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «تعبدون» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ مِنْ دُونِ اللهِ:
  • جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «ما» لله «من» بيانية. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ:
  • خبر «ان» مرفوع بالضمة وهو مضاف. جهنم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف-التنوين-للمعرفة والتأنيث. والكلمة من اسماء النار.
  • ﴿ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ:
  • الجملة الاسمية في محل نصب حال. انتم: ضمير رفع منفصل-ضمير المخاطبين-في محل رفع مبتدأ. لها: جار ومجرور متعلق بخبر «انتم».واردون: خبر «انتم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم. والنون عوض من التنوين والحركة في المفرد. بمعنى: ترمون في النار كما يرمى لها الحصب. والحصب هو ما تحصب به النار اي ترمى به لكي يزيدها اشتعالا.'

المتشابهات :

الأنبياء: 98﴿إِنَّكُمۡ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
مريم: 48﴿وَأَعۡتَزِلُكُمۡ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَأَدۡعُواْ رَبِّي عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّٗا
الزمر: 38﴿قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ
الأحقاف: 4﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [98] لما قبلها :     وبعد أن ذكرَ اللهُ هولَ الموقف، ودعاء المشركين على أنفسهم بالهلاك؛ ذكرَ هنا ما يؤول إليه أمرهم بعد الحساب، وأنهم يكونون هم ومعبوداتهم من الأصنام والأوثان حطبًا لجهنم، قال تعالى:
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

حصب:
1- بالحاء والصاد المهملتين، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بإسكان الصاد، مصدر يراد به المفعول، ورويت عن ابن عباس.
3- بالضاد المعجمة مفتوحة، أو ساكنة، وهو ما يرمى به فى النار، وهى قراءة ابن عباس.
4- حطب، بالطاء، وهى قراءة أبى، وعلى، وعائشة، وابن الزبير، وزيد بن على.

مدارسة الآية : [99] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا ..

التفسير :

[99] لو كان هؤلاء الذين عبدتموهم من دون الله تعالى آلهة تستحق العبادة ما دخلوا نار جهنم معكم أيها المشركون، إنَّ كُلّاً من العابدين والمعبودين خالدون في نار جهنم.

والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب، بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال:{ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} وهذا كقوله تعالى:{ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.

ثم أقام- سبحانه- لهؤلاء الكافرين الأدلة على بطلان عبادتهم لغيره فقال: لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها.

أى: لو كان هؤلاء الأصنام المعبودون من دون الله آلهة حقا- كما زعمتم أيها الكافرون- ما ألقى بهم في النار، وما قذفوا فيها كما يقذف الحطب، وحيث تبين لكم دخولهم إياه، فقد ثبت بطلان عبادتكم لها، وأن هذه الآلهة المزعومة لا تملك الدفاع عن نفسها فضلا عن غيرها.

وقوله وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ تذبيل مقرر لما قبله. أى: وكل من العابدين والمعبودين باقون في هذه النار على سبيل الخلود الأبدى.

( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) يعني : لو كانت هذه الأصنام والأنداد التي اتخذتموها من دون الله آلهة صحيحة لما وردوا النار ، ولما دخلوها ، ( وكل فيها خالدون ) أي : العابدون ومعبوداتهم ، كلهم فيها خالدون ،

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم أنهم مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، وهم مشركو قريش: أنتم أيها المشركون ، وما تعبدون من دون الله واردو جهنم ، ولو كان ما تعبدون من دون الله آلهة ما وردوها ، بل كانت تمنع من أراد أن يوردكموها إذ كنتم لها في الدنيا عابدين ، ولكنها إذ كانت لا نفع عندها لأنفسها ولا عندها دفع ضر عنها ، فهي من أن يكون ذلك عندها لغيرها أبعد ، ومن كان كذلك كان بينا بعده من الألوهة ، وأن الإله هو الذي يقدر على ما يشاء ولا يقدر عليه شيء ، فأما من كان مقدورا عليه فغير جائز أن يكون إلها. وقوله ( وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) يعني الآلهة ومن عبدها أنهم ماكثون في النار أبدا بغير نهاية ، وإنما معنى الكلام: كلكم فيها خالدون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) قال: الآلهة التي عبد القوم ، قال: العابد والمعبود.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[99] ﴿لَوْ كَانَ هَـٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ الكفر انطماس للبصيرة، وهم في لهيب جهنم ما زالوا بحاجة إلى إقناعات بخطأ ماضيهم.
وقفة
[99] ﴿لَوْ كَانَ هَـٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ الآن فقط تنكشف لهم الحقائق، فلو كان المعبودون من دون الله من أصنام وجن وبشر آلهة، لما دخلوا النار مع من عبدهم.
لمسة
[99] ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ العابد والمعبود في النار، والسؤال: لم قرنوا بآلهتهم؟ والجواب: سببان: 1. أن هذا الاقتران يزيدهم غمًّا وحسرة، فقد أصابهم العذاب بسبب هذه الآلهة، والنظر إلى وجه العدو هو عذاب فوق العذاب. 2. أنهم يستشفعون بآلهتهم في الآخرة، فإذا خذلتهم، لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.

الإعراب :

  • ﴿ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً:
  • لو: حرف شرط‍ غير جازم. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. هؤلاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع اسم «كان».آلهة: خبرها منصوب بالفتحة. والاشارة الى الاصنام.
  • ﴿ ما وَرَدُوها:
  • الجملة الفعلية جواب شرط‍ غير جازم لا محل لها من الاعراب. ما: نافية لا عمل لها. وردوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بمعنى: ما ادخلوها اي ما ادخلوا الى جهنم.
  • ﴿ وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ:
  • الواو استئنافية. كل: مبتدأ مرفوع بالضمة لانقطاعه عن الاضافة وال التعريف. فيها: جار ومجرور متعلق بالخبر. خالدون: خبر «كل» مرفوع بالضمة لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [99] لما قبلها :     وبعد بيان أن المشركين ومعبوداتهم من الأصنام والأوثان سيكونون حطبًا لجهنم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا بالدليل خطأ ما يعتقد المشركون، فمن يُرمى إلى النَّار لا يمكن أن يكون إلهًا، قال تعالى:
﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

آلهة:
1- بالنصب، على خبر «كان» ، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالرفع، على أن فى «كان» ضمير الشأن، وهى قراءة طلحة.

مدارسة الآية : [100] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا ..

التفسير :

[100] لهؤلاء المعذبين في النار آلام ينبئ عنها زفيرهم الذي تندفع فيه أنفاسهم من صدورهم بشدَّة، وهم في النار لا يسمعون؛ من هول عذابهم.

{ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} من شدة العذاب{ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} صم بكم عمي، أولا يسمعون من الأصوات غير صوتها، لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها.

ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته.

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات ببيان حال الكافرين في جهنم فقال: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ.

أى: لهم فيها تنفس شديد يخرج من أقصى أفواههم بصعوبة وعسر، كما هو شأن المغموم المحزون. وأصل الزفير: تردد النفس حتى تنتفخ منه الضلوع.

وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ أى: وهم في جهنم لا يسمعون ما يريحهم، وإنما يسمعون ما فيه توبيخهم وعذابهم، أو: وهم فيها لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة ما هم فيه من هول وخوف.

وبعد هذا الحديث الذي ترتجف له القلوب.. أتبع القرآن ذلك بحديث آخر تسر له النفوس، وتنشرح له الصدور، فقال- تعالى-:

( لهم فيها زفير ) ، كما قال : ( لهم فيها زفير وشهيق ) [ هود : 106 ] ، والزفير : خروج أنفاسهم ، والشهيق : ولوج أنفاسهم ، ( وهم فيها لا يسمعون ) .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عبد الرحمن - يعني : المسعودي - عن أبيه قال : قال ابن مسعود : إذا بقي من يخلد في النار ، جعلوا في توابيت من نار ، فيها مسامير من نار ، فلا يرى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره ، ثم تلا عبد الله : ( لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ) .

ورواه ابن جرير ، من حديث حجاج بن محمد ، عن المسعودي ، عن يونس بن خباب ، عن ابن مسعود فذكره .

يعني تعالى ذكره بقوله ( لَهُمْ ) المشركين وآلهتهم ، والهاء ، والميم في قوله (لَهُمْ ) من ذكر كل التي في قوله ( وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، يقول تعالى ذكره: لكلهم في جهنم زفير ، ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) يقول: وهم في النار لا يسمعون.

وكان ابن مسعود يتأوّل في قوله ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن المسعودي ، عن يونس بن خباب ، قال: قرأ ابن مسعود هذه الآية ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) قال: إذا ألقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى ، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار ، فلا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذّب غيره ، ثم قرأ ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) .

التدبر :

تفاعل
[100] ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[100] ﴿زَفِيرٌ﴾ اقتصر على الزفير دون الشهيق؛ لأن الزفير هو الهواء الفاسد، وليس لهم سبيل إلى الهواء النقي.
وقفة
[100] ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ فقدان السمع من أعظم العذاب.
وقفة
[100] ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ أي وهم في جهنم لا يسمعون ما يريحهم، وإنما يسمعون ما فيه توبيخهم وعذابهم، فحتى السماع في النار لون من ألوان العذاب.
وقفة
[100] ﴿لَا يَسْمَعُونَ﴾، في موضع آخر قال تعالى: ﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 44]، وهذا يدل على سماعهم، فكيف يوفق بينهما؟ المقصود أنهم لا يسمعون كلامًا يسرهم، وإنما سماعهم هو تبكيت لهم.

الإعراب :

  • ﴿ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ:
  • اللام: حرف جر. و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام. والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. فيها: جار ومجرور متعلق بحال من «زفير» اي في جهنم. زفير: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. بمعنى: لهم في جهنم أنين وتنفس شديد.
  • ﴿ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ:
  • الواو عاطفة. هم: ضمير رفع منفصل- ضمير الغائبين-في محل رفع مبتدأ. فيها: جار ومجرور متعلق بيسمعون. لا: نافية لا عمل لها. يسمعون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «يسمعون» في محل رفع خبر «هم» اي هم صمّ من شدة العذاب.'

المتشابهات :

هود: 106﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ
الأنبياء: 100﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [100] لما قبلها :     وبعد بيان دخول المشركين النَّار؛ بَيَّنَ اللهُ هنا حالَهم فيها، قال تعالى:
﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [101] :الأنبياء     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا ..

التفسير :

[101] إن الذين سبقت لهم منا سابقة السعادة الحسنة في علمنا بكونهم من أهل الجنة، أولئك عن النار مبعدون، فلا يدخلونها ولا يكونون قريباً منها.

تفسير الآيتين 101 و102:ـ

وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله:{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} أي:سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة.

{ أُولَئِكَ عَنْهَا} أي:عن النار{ مُبْعَدُونَ} فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها،{ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب.

والحسنى: تأنيث الأحسن، وهي صفة لموصوف محذوف.

أى: إن الذين سبقت لهم منا في دنياهم المنزلة الحسنى بسبب إيمانهم الخالص وعملهم الصالح، وقولهم الطيب.

أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات الحميدة عَنْها مُبْعَدُونَ أى: عن النار وحرها وسعيرها.. مبعدون إبعادا تاما بفضل الله- تعالى- ورحمته.

وقوله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) : قال عكرمة : الرحمة . وقال غيره : السعادة ، ( أولئك عنها مبعدون ) لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله ، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسله ، وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا ، كما قال : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] : وقال ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] ، فكما أحسنوا العمل في الدنيا ، أحسن الله مآلهم وثوابهم ، فنجاهم من العذاب ، وحصل لهم جزيل الثواب ، فقال : ( أولئك عنها مبعدون )

وأما قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم: عني به كل من سبقت له من الله السعادة من خلقه أنه عن النار مُبعد.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن سعد وليس بابن ماهَك عن محمد بن حاطب ، قال: سمعت عليا يخطب فقرأ هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) ، قال: عثمان رضي الله عنه منهم.

وقال آخرون: بل عني: منْ عبد مِن دون الله ، وهو لله طائع ولعبادة من يَعبد كاره.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) قال: عيسى ، وعزير ، والملائكة.

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جُرَيح ، عن مجاهد ، مثله.

قال ابن جريج: قوله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثم استثنى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، والحسن البصري قالا قال في سورة الأنبياء إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ثم استثنى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فقد عُبدت الملائكة من دون الله ، وعُزَيرٌ وعيسى من دون الله.

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) قال: عيسى.

حدثني إسماعيل بن سيف ، قال : ثنا علي بن مسهر ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) قال: عيسى ، وأمه ، وعُزَير ، والملائكة.

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له النضر بن الحارث ، وكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ . . . إلى قوله ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبد الله بن الزّبَعْرى بن قيس بن عديّ السهمي حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزّبَعْرى : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد ، وقد زعم أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا: أكلّ من عبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عُزَيرا ، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم ، فعجب الوليد بن المغيرة ومن كان في المجلس من قول عبد الله بن الزّبَعْرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزّبَعْرى، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبد ، إنما يعبدون الشياطين ومن أمرهم بعبادته " ، فأنـزل الله عليه ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) . . . . إلى خَالِدُونَ أي عيسى ابن مريم ، وعُزير ، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله ، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ، فأنـزل الله فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . . . إلى قوله نَجْزِي الظَّالِمِينَ .

حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك ، قال: يقول ناس من الناس (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) يعني من الناس أجمعين ، فليس كذلك ، إنما يعني من يعبد الآلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والملائكة ، واستثنى الله هؤلاء الآلهة المعبودة التي هي ومن يعبدها في النار.

حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : ثنا الحسن بن الحسين الأشقر ، قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: لما نـزلت إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ قال المشركون: فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون، فأنـزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) لعيسى وغيره.

وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) ما كان من معبود ، كان المشركون يعبدونه والمعبود لله مطيع وعابدوه بعبادتهم إياه بالله كفّار ، لأن قوله تعالى ذكره ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم ، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس ، فكأن المشركين قالوا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ : ما الأمر كما تقول ، لأنا نعبد الملائكة ، ويعبد آخرون المسيح وعُزَيرا ، فقال عزّ وجلّ ردا عليهم قولهم: بل ذلك كذلك ، وليس الذي سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون ، لأنهم غير معنيين بقولنا إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ، فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فقول لا معنى له ، لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه ، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانٌ ، وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن ، لا بما ، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنم بما ، قال إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب ، لا من كان من الملائكة والإنس ، فإذا كان ذلك كذلك لما وصفنا ، فقوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ ، وأما الحُسنى فإنها الفُعلى من الحسن ، وإنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم .

كما حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) قال: الحسنى: السعادة ، وقال: سبقت السعادة لأهلها من الله ، وسبق الشقاء لأهله من الله.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[101] ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ سبب فوزهم هو سابق تقدير الله الهداية لهم.
تفاعل
[101] ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ سل الله تعالى الآن أن تكون ممن سبقت لهم من الله تعالى الحسنى, وأن تكون من المبعدين عن جهنم.
وقفة
[101] ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ أي عن جهنم، فإن قلتَ: كيف يكونون مبعدين عنها، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّاَ وَارِدُهَا﴾ [مريم: 71] وورودُها يقتضي القرب منها؟ قلت: معناه: مبعدون عن ألمها، وعَنَاها، مع ورودهم لها، أو معناه: مبعدون عنها بعد ورودها، بالِإنجاءِ المذكور بعد الورود.
وقفة
[101] إذا تأملت قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾، وأضفت له قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: 10] تبين لك أن الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعًا؛ لأنه وعد أهل الحسنى بالإبعاد عن النار، وأخبر أن الصحابة سواء من أسلم قبل الفتح أو بعده موعود بالحسنى.
وقفة
[101] ﴿أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ من رحمة الله أن يجعلك بعيدًا بعيدًا عن الكوارث والمصائب والبلايا، فلا تسمع بها، ولا تدري عنها.
وقفة
[101] ﴿أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ لم يكتفوا بعدم مقارفة المعاصي؛ بل لم يقربوها، فلم ينجهم الله من النار فحسب؛ بل أبعدهم عنها.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «ان».والجملة بعده صلته لا محل لها.
  • ﴿ سَبَقَتْ لَهُمْ:
  • فعل ماض مبني على الفتح. والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام.
  • ﴿ مِنَّا الْحُسْنى:
  • جار ومجرور للتعظيم. الحسنى. فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر بمعنى الخصلة الحسنى اي السعادة.
  • ﴿ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ:
  • الجملة الاسمية في محل رفع خبر «ان».اولئك: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف للخطاب. عنها: جار ومجرور متعلق بخبر اولئك. مبعدون: خبر «اولئك» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد والجار والمجرور «منا» متعلق بحال من «الحسنى».'

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا عُمَرُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الماوَرْدِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الرّازِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أيُّوبَ، قالَ: أخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ آدَمَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ عاصِمٍ قالَ: أخْبَرَنِي أبُو رَزِينٍ، عَنْ أبِي يَحْيى، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: آيَةٌ لا يَسْألُنِي عَنْها النّاسُ، لا أدْرِي أعَرَفُوها فَلَمْ يَسْألُوا عَنْها، أوْ جَهِلُوها فَلا يَسْألُونَ عَنْها ؟ قِيلَ لَهُ: وما هي ؟ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] . شَقَّ عَلى قُرَيْشٍ، فَقالُوا: يَشْتُمُ آلِهَتَنا ؟ فَجاءَ ابْنُ الزِّبَعْرى فَقالَ: ما لَكم ؟ قالُوا: يَشْتُمُ آلِهَتَنا. قالَ: فَما يَقُولُ ؟ قالُوا: قالَ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] . قالَ: ادْعُوهُ لِي. فَلَمّا دُعِيَ النَّبِيُّ ﷺ قالَ: يا مُحَمَّدُ، هَذا شَيْءٌ لِآلِهَتِنا خاصَّةً أوْ لِكُلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ ؟ قالَ: ”بَلْ لِكُلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ“ . فَقالَ ابْنُ الزِّبَعْرى: خُصِمْتَ ورَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ – يَعْنِي الكَعْبَةَ - ألَسْتَ تَزْعُمُ أنَّ المَلائِكَةَ عِبادٌ صالِحُونَ، وأنَّ عِيسى عَبْدٌ صالِحٌ، وأنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صالِحٌ ؟ فَهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ، وهَذِهِ النَّصارى يَعْبُدُونَ عِيسى، وهَذِهِ اليَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا. قالَ: فَضَجَّ أهْلُ مَكَّةَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنّا الحُسْنى﴾ . المَلائِكَةُ وعِيسى وعُزَيْرٌ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. ﴿أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ . '
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [101] لما قبلها :     ولَمَّا بَيَّنَ اللهُ حالَ الأشقياءِ؛ بَيَّنَ هنا حالَ السُّعداءِ: 1- مُبعَدُونَ عن النار، لا يدخلونها ولا يكونون قريبًا منها، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف