246878889909192939495

الإحصائيات

سورة يوسف
ترتيب المصحف12ترتيب النزول53
التصنيفمكيّةعدد الصفحات13.50
عدد الآيات111عدد الأجزاء0.60
عدد الأحزاب1.20عدد الأرباع4.90
ترتيب الطول11تبدأ في الجزء12
تنتهي في الجزء13عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 6/29آلر: 3/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (87) الى الآية رقم (90) عدد الآيات (4)

يعقوبُ عليه السلام يرسلُ أبناءَه لمصرَ ليبحثُوا عن ولديه (يُوسُف وبِنْيَامِين)، فيدخلوا على يوسفَ عليه السلام ويكشفُ لهم عن نفسِه.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (91) الى الآية رقم (95) عدد الآيات (5)

إخوةُ يوسفَ يعتذرُونَ له، وهو يعفو عنهم، ويُعطيهم قميصَه ليطرحُوه على وجْهِ أبيه ليعودَ إليه بصرُه، فلمَّا خرجَتْ القافلةُ من مصرَ قالَ يعقوبُ عليه السلام: إنِّي لأشمُّ رائحَةَ يوسفَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة يوسف

الثقة في تدبير الله (اصبر ولا تيأس)/ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ/ الصبر الجميل/ يوسف الإنسان قصة نجاح

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • إلى هؤلاء وإلى كل مسلم نزلت سورة يوسف.:   نزلت تهمس في أذن كل مسلم في فترات الضيق أو البلاء؛ لتقول له: تعلَّم من يوسف عليه السلام الصبر، والأمل، وعدم اليأس رغم كل الظروف. وبالمقابل: تعلَّم منه كيف تواجه فترات الراحة والاطمئنان، وذلك بالتواضع والإخلاص لله عز وجل. فالسورة ترشدنا أن حياة الإنسان هي عبارة عن فترات رخاء وفترات شدة، فلا يوجد إنسان قط كانت حياته كلها فترات رخاء أو كلها فترات شدة، وهو في الحالتين: الرخاء والشدة، يُختبر.
  • • سورة يوسف أحسن القصص::   لأنها اشتملت على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وإجداب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، وحل وترحال، وذل وعز. وعالجت مشاكل تربوية واجتماعية ونفسية وأخلاقية واقتصادية وسياسية.
  • • سورة يوسف أحسن القصص::   لأن في نهايتها حسن المآل وطيب العافية، فيعقوب عليه السلام رد إليه بصره وظفر بفلذة كبده، ويوسف عليه السلام آتاه الله الملك والحكمة، والأخوة تاب الله عليهم، ومنهم أو من ذريتهم اصطفى الله أسباط بني إسرائيل، وامرأة العزيز أقرت بذنبها وحسنت توبتها، وأهل مصر اجتازوا السبع الشداد حتى صار الناس يأتونهم من جميع الأقطار للمؤنة.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «‏يوسف».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم عليهم السلام.
  • • سبب التسمية ::   لأنها ذكرت قصة ‏يوسف عليه السلام كاملة، ولم تذكر قصته في غيرها، بل لم يذكر اسمه إلا في سورة الأنعام آية (84) ، وغافر آية (34).
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الثقة بتدبير الله، والأمل، والصبر، وعدم اليأس رغم كل الظروف.
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات المحن.
  • • علمتني السورة ::   أن القصص فيها الحسن والسيِّئ، وأن قصص القرآن أحسن القصص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾
  • • علمتني السورة ::   العفو والصفح ثم الإحسان بالدعاء من أخلاق الأنبياء: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «مَا حَفِظْتُ سُورَةَ يُوسُفَ وَسُورَةَ الْحَجِّ إِلَّا مِنْ عُمَرَ بنِ الخطابِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وكَانَ يَقْرَؤُهُمَا قِرَاءَةً بَطِيئَةً».
    • عَنِ الْفَرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلاَّ مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ إِيَّاهَا فِى الصُّبْحِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا».
    • عَن عَلْقَمَة بن وَقاص قَالَ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ فِى الْعَتَمَةِ بِسُورَةِ يُوسُفَ، وَأَنَا فِى مُؤَخِّرِ الصُّفُوفِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ يُوسُفَ سَمِعْتُ نَشِيجَهُ فِى مُؤَخَّرِ الصَّفِّ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة يوسف من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • انفردت السورة بذكر قصة يوسف عليه السلام كاملة من بدايتها إلى نهايتها، حيث لم تذكر في غيرها من السور، كما هي العادة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن الكريم.
    • قصة يوسف عليه السلام هي أطول قصة في القرآن، استغرقت معظم السورة (97 آية)، ولم تذكر قصة نبي في القرآن بمثل ما ذكرت قصة يوسف عليه السلام في هذه السورة.
    • رغم أن سورة يوسف تزيد عن مئة آية فإنه ليس فيها ذكر جنة ولا نار.
    • أكثر ما اجتمع في القرآن من الحروف المتحركة المتوالية ثمانية حروف، جاءت في سورة يوسف في قوله تعالى: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾، وذلك فيما بين ياء (رَأَيْتُ) وواو (كَوْكَبًا).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نقتدي بيوسف عليه السلام في الصبر، والأمل، وعدم اليأس رغم كل الظروف.
    • أن ننزع اليأس من قلوبنا؛ مهما بلغ بنا الحال.
    • أن نهتم بدراسة اللغة العربية لنتمكن من تدبر وتعقل القرآن: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (2).
    • أن نطلب المشورة من أهل العقل والعلم، ونعرض عليهم ما يشكل علينا: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ ...﴾ (4).
    • أن نتعاهد أولادنا، فالسورة بدأت برؤيا يوسف: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (4)، فقال له أباه: ﴿يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (5)، فمن هذا يؤخذ تعاهد الأب لأولاده بالتربية والرعاية والتدبير.
    • أن نعدل بين أولادنا قدر الإمكان؛ حتى لا ينزغ الشيطان بينهم: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا﴾ (8).
    • أن نتيقظ لأسلوب الشيطان مع الصالحين: اعمل المعصية ثم تب: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ ... وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ (9).
    • ألا نَغْتر؛ فليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا كل من يدمع صادقًا: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ (16).
    • ألا نحزن إذا جهل الناس قدرنا؛ فيوسف عليه السلام ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ (20).
    • أن نستحضر عند الهم بالمعصية خوفنا من الله ونردد: ﴿معاذ الله﴾ (23).
    • ألا نسكت إذا سمعنا اتهامًا لأحد لم نعلم عنه سوءً: ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ﴾ (51).
    • أن ندقق فيما نقول، فيوسف عليه السلام لم يقل: (إلا من سرق)، بل قال: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ (79)؛ لأنه يعلم أن أخاه لم يسرق.
    • أن نتفاءل ونحسن الظن بالله: ﴿عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ (83).
    • ألا نبث شكوانا إلا للقادر على كشف بلوانا: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ﴾ (86).
    • أن نعترف بالتقصير والخطأ، ولا نتكبر: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ (91).
    • أن نعفو عند المقدرة، ونطلب الأجر من الله تعالى: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ (92).
    • أن نتواضع لله، فيوسف عليه السلام مع مكانته وهيبة قدره لم يقل: (ادخلوا مصر في حمايتي آمنين)، بل قال: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ﴾ (99).
    • أن نلتمس العذر للآخرين، فيوسف عليه السلام التمس العذر لإخوته رغم ما فعلوا به، ونحن لا نعذر أحدًا ولو لأتفه الأسباب: ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ (100).
    • أن نرد الفضل لله دائمًا، مهما ارتفعت منزلتنا وعظم قدرنا: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ (101).
    • أن ندعو إلى الله تعالى على بصيرة: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ (108).

تمرين حفظ الصفحة : 246

246

مدارسة الآية : [87] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن ..

التفسير :

[87] قال يعقوب:يا أبنائي عودوا إلى «مصر» فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله؛ إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به.

أي:قال يعقوب عليه السلام لبنيه:{ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي:احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما{ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس:يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه،{ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين.

ثم يمضى يعقوب- عليه السلام- في رده على أولاده فيأمرهم أن يواصلوا بحثهم عن يوسف وأخيه، وأن لا يقنطوا من رحمة الله فيقول: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ.

والتحسس: هو طلب الشيء بطريق الحواس بدقة وحكمة وصبر على البحث.

أى: قال يعقوب لأبنائه: يا بنى «اذهبوا» إلى أرض مصر وإلى أى مكان تتوقعون فيه وجود يوسف وأخيه «فتحسسوا» أمرهما. وتخبروا خبرهما، وتعرفوا نبأهما بدون كلل أو ملل.

وفي التعبير بقوله «فتحسسوا» إشارة إلى أمره لهم بالبحث الجاد الحكيم المتأنى «ولا تيأسوا من روح الله» أى: ولا تقنطوا من فرج الله وسعة رحمته، وأصل معنى الروح التنفس. يقال: أراح الإنسان إذا تنفس، ثم استعير لحلول الفرج.

وكلمة «روح» - بفتح الراء- أدل على هذا المعنى، لما فيها من ظل الاسترواح من الكرب الخانق بما تتنسمه الأرواح من رحمة الله.

وقوله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ تعليل لحضهم على التحسس أى: لا تقصروا في البحث عن يوسف وأخيه، ولا تقنطوا من رحمة الله، فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، لعدم علمهم بالله- تعالى- وبصفاته وبعظيم قدرته، وبواسع رحمته ...

أما المؤمنون فإنهم لا ييأسون من فرج الله أبدا، حتى ولو أحاطت بهم الكروب، واشتدت عليهم المصائب ...

واستجاب الأبناء لنصيحة أبيهم، فأعدوا عدتهم للرحيل إلى مصر للمرة الثالثة، ثم ساروا في طريقهم حتى دخلوها، والتقوا بعزيز مصر الذي احتجز أخاهم بنيامين، وتحكى السورة الكريمة ما دار بينهم وبينه فتقول:

يقول تعالى مخبرا عن يعقوب ، عليه السلام ، إنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض ، يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين .

والتحسس يكون في الخير ، والتجسس يستعمل في الشر .

ونهضهم وبشرهم وأمرهم ألا ييأسوا من روح الله ، أي : لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه فإنه لا يقطع الرجاء ، ويقطع الإياس من الله إلا القوم الكافرون .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف ، قال لبنيه: (يا بني اذهبوا) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به ، ( فتحسَّسوا من يوسف ) ، يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره .

* * *

وأصل " التحسُّس "،" التفعل " من " الحِسِّ".

* * *

، ( وأخيه ) يعني بنيامين ، ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما ، ( إنه لا ييأس من روح الله ) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه (1) ( إلا القوم الكافرون ) ، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه .

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

*ذكر من قال ذلك:

19734- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) ، بمصر ، ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال: من فرج الله أن يردَّ يوسف.

19735- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، أي من رحمة الله.

19736- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة نحوه .

19737- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، ثم إن يعقوب قال لبنيه ، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: ( يا بني اذهبوا ) إلى البلاد التي منها جئتم ، ( فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ) : أي من فرجه ، ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )

19738- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول: من رحمة الله.

19739- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال: من فرج الله ، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه

التدبر :

وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ هذا هو حسن الظن بالله، ابنه غائب منذ مدة ويلحق به أخوه، ولايزال أمله بالله كبير.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ إنه يوسف أول شيء يتبادر على اللسان، يوسف فؤاد والده لم ينسه.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ فلم يذكر الولد الثالث -والعلم عند الله -لأنه بقي هناك اختيارًا منه مع علمه بحاله، ولأن يوسف وأخاه كان بعدهما اضطرارًا بدون اختيار منهما، وأقدم عهدًا من الثالث، مع جهله بحالهم ومآله الجرح الإختياري أقل عمقًا من الاضطراري.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ بعد كل ما فعلوه يناديهم بكل لطف (يَا بَنِيَّ)؛ هذه رحمة أب بأبنائه الذين أخطأوا؛ فكيف هي إذن رحمة أرحم الراحمين سبحانه؟!
لمسة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ أب مكلوم ومفجوع من فقد ولديه ومع ذلك يناديهم بألطف كلمه (يا بَني) إنها رحمة الأب، توجب لنا البر، وقفة: كيف برحمة أرحم الراحمين؟! فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسَبْىٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ تَبْتَغِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ»، قُلْنَا: لاَ وَاللَّهِ وَهِىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» [مسلم 2754].
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ كيف يتحسسون منه وقد أكله الذئب؟! انفضحوا حتى عند أنفسهم، فلم يعد لإصرارهم على كذبتهم فائدة.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ روح الله وفرجه قريب، تحسسه تحسسًا، ولا تبعد الظن.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ قَدَّمَ يوسف في الذّكر مع غيابه الطويل المؤذِن باليأس من عودته؛ لكنها شدة اليقين بالفرج والنصر.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ فقده طفلًا قبل سنين طويلة ويطلب البحث عنه، إذا حدثوك عن الاحتمالات العقلية فحدثتهم أنت عن الثقة بالله.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ إن سُم التشاؤم الذي يحاول المنافقون دسه على المؤمنين، له ترياق ودواء جدير بأن يذهبه، ألا وهو بث اليقين بمعية الله، والتوكل عليه، ولنثق بأن الذي يخرج اللبن من بين الفرث والدم، قادر على إخراج النصر من رحم البأساء والضراء.
وقفة
[87] تأمل وصية يعقوب لأبنائه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ ووصية الفتية لمن أرسلوه لجلب الرزق: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، فيعقوب قد ذهب بصره، وأهم وسيلة للبحث عن الأشياء الدقيقة والتحقق منها التحسس، فعبر بها،والفتية شأنهم مبني على الحذر خوفًا من علم قومهم، فعبروا بالتلطف، فلكل شيء ما يناسبه.
وقفة
[87] لما عَلِم يعقوب عليه السلام من شدَّة البلاء مع الصبر قُرْبَ الفرج، قوَّى رجاءهم، وأمرهم أن يرحلوا لمصر، ويتطلبوا خبر يوسف وأخيه بقوله: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ.
وقفة
[87] ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ رغم كثرة المصائب وشدة النكبات والمتغيرات التي تعاقبت على نبي الله يعقوب عليه السلام، إلا أن الذي لم يتغير أبدًا هو حسن ظنه بربه تعالى.
وقفة
[87] التفاؤل الإيجابي الذي ترجى ثمرته: ذلك العمل الجاد الحكيم غير المستعجل، المبني على الثقة بالله مع فعل السبب دون الاعتماد عليه، تدبر هذه الوصية المحكمة التي ترسم منهجًا للمتفائلين: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[87] معالجة الأمور العظيمة وحل المشكلات العويصة يحتاج إلى رفق وأناة وبعد نظر: ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا﴾، و﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، بخلاف ما درج عليه كثير من الناس.
وقفة
[87] ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ فقَد يعقوب ابنَه يُوسُفَ طفلًا لِسنينَ طويلة؛ ولمْ ييأْسْ من البَحث عنه، ثُم فقدَ ابنَه الآخر، واستمر ينتظِرُهم حتَّى لَقِيهم، فإذا حدَّثوك عَن الاحتمالات؛ فحدِّثهُم أنت عَنِ الثَّقةِ بالله، وقل لهم إنه علىٰ كلِّ شيء قديـر.
وقفة
[87] ربط يعقوب فعل السبب بمسببه: ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، الاعتماد على الله هو الذي يدلكم ويهديكم لأخيكم.
وقفة
[87] ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ﴾ [100]، ﴿فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾، ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 19]، عند التمعن في هذه الآيات: يتضح أن تحقيق الأمور العظيمة يحتاج إلى حكمة وتلطف ورفق وأناة مهما كانت قوة ومنزلة صاحبها.
وقفة
[87] ﴿فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا﴾ إخوته فقدوا الأمل في رؤيته مع أنهم قابلوه ثلاث مرات! ويعقوب لم يفقد الأمل وهو في منزله!
عمل
[87] في القرآن الكريم ما يبعث على التفاؤل: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا﴾، ﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ [الزمر: 53]، ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ [آل عمران: 139]، ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [آلعمران: 139]، فتفاءلوا يا أهل القرآن.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53] بناء الإيجابية وغرس التفاؤل في الآخرين من صفات الكرماء والعظماء.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53]؛ الروح القرآنية روحٌ متفائلة لا تعرف اليأس والتشاؤم.
عمل
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ إياك واليأس؛ فاليأس سوء ظنٍّ بالله.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56] اليأس والقنوط استصغار لسعة رحمة الله ومغفرته، وذلك ذنب عظيم، وتضييق لفضاء جوده.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53] الروح القرآنية روحٌ متفائلة لا تعرف اليأس والتشاؤم.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ أجابوا دعوة أبيهم وحركتهم الثقة بربهم، في عودة طفل صغير رموه قبل سنين طويلة في بئر في الصحراء، فحقق الله رجاءهم، املأ قلبك بالثقة بربك يبلغك ما ترجو.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ يا للعجب، أعمى -فقدَ بصره وابنه- يعلم المبصرين الفأل!
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ من رحمه الله وفرجه، يفرج عنكم الغم الذي أنتم فيه.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ رغم كل أنواع البلاء، ورغم اختفاء السعادة من حياته، إلا أن سعادة (اليقين) في قلبه ما زالت تغمره وتحدوه.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ الرَّجاء يُوجب للعبد السَّعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يُوجب له التثاقل والتباطؤ.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ فإن فرجه قريب، ولطفه عاجل، وتيسيره حاصل، وكرمه عظيم، ورحمته واسعة، وفضله كبير.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ ثمة أوجاع في دواخلنا ﻻ يسكنها إﻻ اﻷمل بالله بأن هنالك أيامًا يدخرها الله لك ستنسيك آﻻم الماضي.
عمل
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ رَوْحِ الله: أي رحمته، ثبت في السُّنة أن اليأس من رحمة الله من الكبائر، فأبشروا وأمِّلوا خيرًا.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ هم وﺷﺪﺓ ﻭﺿﻴﻖ، ﺛِﻖ بالله واستبشر خيرًا، ثم انتظر من الله الفرج.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ قالها من ابيضت عيناه من الحزن، مهما تفاقمت أحزانك لديك فرصة لتبث في الآخرين الأمل.
عمل
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ رب دعوة منذ سنوات ستتحقق غدًا، أو أمنية طال انتظارها حان موعدها؛ انزع اليأس من صدرك، وتفاءل بكرم ربك.
وقفة
[87] أولياء الله يلتمسون الفرج عند ضراوة البلاء، فشيخ كبير يوصي أبناءه بعد أن كف بصره من البكاء على فقد أبنائه الثلاثة، قائلًا: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾.
عمل
[87] قد يصيبك البلاء في أحب ما تملك وتظن أن أبواب السعادة أُغلقت دونك، فيأتي هاتف من قلبك بـ ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، تفائل.
وقفة
[87] الأولياء يتلمسون الفرج عند شدة الابتلاء، هذا الشيخ الصالح يوصي أبناءه، وقد كُفَّ بصره حزَنًا إثر فقد أبنائه الثلاثة ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[87] أقعده الحزن ولكنه أقامهم على درب اليقين ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾، فاعجب لمهمومٍ لا يغادر فلك اليقين!
وقفة
[87] شدة البلاء وتراكمه وطوله لا يقطع حسن الظن بالله ولا يجلب اليأس، فقدَ يعقوب أحب أبنائه، وتبعه الآخر ثم فقد بصره، ثم قال: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[87] كم في القرآن من بشائر ومفاتح تفاؤل! ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى: 28] فها هي الأرض تسقى بعد جدبها؛ فلننتظر بشائر عزة الأمة ونصرها، ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [110] لنتفاءل بعودة الغائب بعد طول عناء، ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾ فأملوا خيرًا، ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] مهما طال الزمن واستحكم البلاء.
عمل
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ اطرح عنك اليأس، فإنه رجس وللحياة بؤس.
وقفة
[87] ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ المؤمنون ما داموا مؤمنين لا ييأسون من روح الله، وهذه السورة تضمنت ذكر المستيئسين وأن الفرج جاءهم بعد ذلك لئلا ييأس المؤمن، تأمل كيف خُتمت السورة: ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [110].
عمل
[87] تذكر مصيبة حلت بالأمة، ثم قارنها بصفات القدرة لله تعالى؛ فستعيش بعدها متفائلًا ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[87] الحزن لا ينافي حسن الظن بالله، فالذي قال الله عنه: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [84] هو الذي قال لبنيه بعد تواتر المصائب: ﴿لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[87] ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال الرازي: «واعلم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بکريم، بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر، ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرًا».
وقفة
[87] ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ المؤمن مهما ضاقت عليه، لديه يقين أن هنالك ركن قوي يسند إليه ضعفه، ويرجو رحمته وغوثه.
وقفة
[87] ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ المؤمن الحق يثق بربه مهما عظم كربه، ويوقن بقدرته العظيمة ولطفه الخفي بعباده.
وقفة
[87] ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ إنما جعل اليأس من صفة الكافر؛ لأن سببه تكذيب الربوبية، أو جهلٌ بصفات الله من: قدرته، وفضله، ورحمته.
وقفة
[87] ثلاثة فقدها يعقوب عليه السلام مجتمعة، هي يوسف وأخوه وبصره، فردها الله له بثلاثة، بتوكله وفأله وصبره ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
وقفة
[87] ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ استدل به على أن اليأس من رحمة الله من الكبائر.
وقفة
[87] عندما يستمد المسلم تفاءله من إيمانه بالله، فلن تؤثر فيه تقلبات الأحداث، تأمل قول يعقوب في محنته ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ يَابَنِيَّ:
  • يا: أداة نداء. بني: منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت نونه للإضافة والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة مبني على الفتح.
  • ﴿ اذْهَبُوا:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأنَّ مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة وما تلاها: في محل نصب مفعول به - مقول القول - لفعل مضمر بتقدير فقال لهم يا بنّي اذهبوا.
  • ﴿ فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ:
  • معطوفة بالفاء على \"اذهبوا\" تعرب إعرابها ومعناها: فتفحصوا. من يوسف: جار ومجرور متعلق بتحسسوا وعلامة جر الاسم الفتحة بدلًا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف - التنوين - على المعجمة والعلمية بمعنى عن يوسف وأخيه معطوف بالواو على \"يوسف\" مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الخمسة - الستة - والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ:
  • الواو عاطفة. لا: ناهية جازمة. تيأسوا فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من روح: جار ومجرور بتيأسوا. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسمها. لا: نافية لا عمل لها. ييأس: فعل مضارع مرفوع بالضمة. من روح: جار ومجرور متعلق بييأس. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ:
  • إلَّا: أداة حصر لا عمل لها. القوم: فاعل \"ييأس\" مرفوع بالضمة. الكافرون: صفة - نعت - للقوم مرفوعًا مثلها وعلامة رفعها: الواو لأنَّها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته وجملة لا ييأس مع الفاعل في محل رفع خبر إنّ '

المتشابهات :

يوسف: 87﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ
يوسف: 89﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِـ يُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [87] لما قبلها :     ولَمَّا أَخبرَ يَعقوبُ عليه السلام بَنِيه أنَّه يعلم من الله ما لا يعلمون؛ أمرَهم هنا أن يواصلوا بحثهم عن يوسف وأخيه، وأن لا ييأسوا من رحمة الله، قال تعالى:
﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تيأسوا:
1- وهى قراءة فرقة من الجمهور.
وقرئ:
2- تأيسوا، وهى قراءة فرقة أخرى من الجمهور.
3- تئسوا، بكسر التاء، هى قراءة الأعرج.
روح:
وقرئ:
روح، بضم الراء، وهى قراءة عمر بن عبد العزيز، والحسن، وقتادة.

مدارسة الآية : [88] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا ..

التفسير :

[88] فذهبوا إلى «مصر» للمرَّة الثالثة، فلما دخلوا على يوسف قالوا:يا أيها العزيز أصابنا وأهلَنا القحط والجدب، وجئناك بثمن رديء قليل، فأعطنا به ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد، وتصدَّقْ علينا بقبض هذه الدراهم الرديئة القليلة وتسامَحْ معنا فيها، إن الله ت

ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه، فذهبوا{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ} أي:على يوسف{ قَالُوا} متضرعين إليه:{ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} أي:قد اضطررنا نحن وأهلنا{ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي:مدفوعة مرغوب عنها لقلتها، وعدم وقوعها الموقع،{ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} أي:مع عدم وفاء العرض، وتصدق علينا بالزيادة عن الواجب.{ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} بثواب الدنيا والآخرة.

فلما انتهى الأمر، وبلغ أشده، رقَّ لهم يوسف رقَّة شديدة، وعرَّفهم بنفسه، وعاتبهم.

وقوله- تعالى- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ... حكاية لما قاله إخوة يوسف له، بعد أن امتثلوا أمر أبيهم، فخرجوا إلى مصر للمرة الثالثة، ليتحسسوا من يوسف وأخيه، وليشتروا من عزيزها ما هم في حاجة إليه من طعام.

والبضاعة: هي القطعة من المال، يقصد بها شراء شيء.

والمزجاة: هي القليلة الرديئة التي ينصرف عنها التجار إهمالا لها.

قالوا: وكانت بضاعتهم دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة- أى: بأقل قيمة- وقيل غير ذلك.

وأصل الإزجاء: السوق والدفع قليلا قليلا، ومنه قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً.... أى: يرسله رويدا رويدا ...

وسميت البضاعة الرديئة القليلة مزجاة، لأنها ترد وتدفع ولا يقبلها التجار إلا بأبخس الأثمان.

والمعنى: وقال إخوة يوسف له بأدب واستعطاف، بعد أن دخلوا عليه للمرة الثالثة «يا أيها العزيز» أى: الملك صاحب الجاه والسلطان والسعة في الرزق، «مسنا وأهلنا الضر» أى:

أصابنا وأصاب أهلنا معنا الفقر والجدب والهزل من شدة الجوع.

وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أى: وجئنا معنا من بلادنا ببضاعة قليلة رديئة يردها وينصرف عنها كل من يراها من التجار، إهمالا لها، واحتقارا لشأنها.

وإنما قالوا له ذلك: استدرارا لعطفه، وتحريكا لمروءته وسخائه، قبل أن يخبروه بمطلبهم الذي حكاه القرآن في قوله:

فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ... أى: هذا هو حالنا شرحناه لك، وهو يدعو إلى الشفقة والرحمة، ما دام أمرنا كذلك، فأتمم لنا كيلنا ولا تنقص منه شيئا، وتصدق علينا فوق حقنا بما أنت أهل له من كرم ورحمة إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ على غيرهم جزاء كريما حسنا ويبدو أن يوسف- عليه السلام- قد تأثر بما أصابهم من ضر وضيق حال، تأثرا جعله لا يستطيع أن يخفى حقيقته عنهم أكثر من ذلك، فبادرهم بقوله: قالَ: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ.

وقوله : ( فلما دخلوا عليه ) تقدير الكلام : فذهبوا فدخلوا بلد مصر ، ودخلوا على يوسف ، ( قالوا ياأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) يعنون من الجدب والقحط وقلة الطعام ، ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) أي : ومعنا ثمن الطعام الذي تمتاره ، وهو ثمن قليل . قاله مجاهد ، والحسن ، وغير واحد .

وقال ابن عباس : الرديء لا ينفق ، مثل خلق الغرارة ، والحبل ، والشيء ، وفي رواية عنه : الدراهم الرديئة التي لا تجوز إلا بنقصان . وكذا قال قتادة ، والسدي .

وقال سعيد بن جبير [ وعكرمة ] هي الدراهم الفسول .

وقال أبو صالح : هو الصنوبر وحبة الخضراء .

وقال الضحاك : كاسدة لا تنفق .

وقال أبو صالح : جاءوا بحب البطم الأخضر والصنوبر .

وأصل الإزجاء : الدفع لضعف الشيء ، كما قال حاتم الطائي :

ليبك على ملحان ضيف مدفع وأرملة تزجي مع الليل أرملا

وقال أعشى بني ثعلبة :

الواهب المائة الهجان وعبدها عوذا تزجي خلفها أطفالها

وقوله إخبارا عنهم : ( فأوف لنا الكيل ) أي : أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك . وقرأ ابن مسعود : " فأوقر ركابنا وتصدق علينا " .

وقال ابن جريج : ( وتصدق علينا ) برد أخينا إلينا .

وقال سعيد بن جبير والسدي : ( وتصدق علينا ) يقولون : تصدق علينا بقبض هذه البضاعة المزجاة ، وتجوز فيها .

وسئل سفيان بن عيينة : هل حرمت الصدقة على أحد من الأنبياء قبل النبي ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ألم تسمع قوله : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ) رواه ابن جرير عن الحارث ، عن القاسم ، عنه .

وقال ابن جرير : حدثنا الحارث ، حدثنا القاسم ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود : سمعت مجاهدا وسئل : هل يكره أن يقول الرجل في دعائه : اللهم تصدق علي ؟ فقال : نعم ، إنما الصدقة لمن يبتغي الثواب .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)

قال أبو جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف ، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها ، فدَخلوا على يوسف ، ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، أي الشدة من الجدب والقحط (2) ، ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) . كما:-

19740- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها ، (ببضاعة مزجاة): أي قليلة ، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به ، إلا أن يتجاوز لهم فيها ، وقد رأوا ما نـزل بأبيهم ، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره ، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: (يا أيها العزيز ) ، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم (3) ، ( مسنا وأهلنا الضر ) .

* * *

وعنى بقوله: ( وجئنا ببضاعة مُزْجاة ) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها .

* * *

وأصل " الإزجاء ": السوق بالدفع ، كما قال النابغة الذبياني:

وَهَبّـتِ الـرِّيحُ مِـنْ تِلْقَـاءِ ذِي أُرُلٍ

تُزْجِـي مَـعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا (4)

يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة:

الــوَاهِبُ المِئــةَ الهِجَـانَ وعَبْدَهَـا

عُــوذًا تُزَجِّــي خَلْفَهــا أطْفَالَهـا (5)

وقول حاتم:

لِبَيْـكِ عَـلَى مِلْحَـانَ ضَيْـفٌ مُـدَفَّعٌ

وَأَرْمَلَـةٌ تُزْجِـى مَـعَ اللَّيـلِ أَرْمَـلا (6)

يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل: ( ببضاعة مزجاة ) ، لأنها غير نافقة ، وإنما تُجَوَّز تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها. (7)

* * *

وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة .

*ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك:

19741- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: ( ببضاعة مزجاة ) قال: رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.

19742- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها.

19743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: خَلَقٍ (8) الغِرَارة والحبلُ والشيء.

19744- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة قال، سمعت ابن عباس ، وسئل عن قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: رِثَّةُ المتاع، (9) الحبلُ والغرارةُ والشيء.

19745- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، مثله .

19746- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: " البضاعة "، الدراهم ، (10) و " المزجاة ": غير طائل.

19747- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي زياد ، عمن حدثه ، عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل.

19748- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير، وعكرمة،: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال سعيد: ناقصة ، وقال عكرمة: دراهم فُسُول. (11)

19749- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، مثله .

19750- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال أحدهما: ناقصة . وقال الآخر: رديَّةٌ.

19751- ... وبه قال، حدثنا أبي عن سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال، كان سَمْنًا وصُوفًا.

19752- حدثنا الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم ، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: قليلةٌ ، متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن.

19753- حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري ، قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي ، قال:حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن مروان بن عمرو العذري ، عن أبي إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال الصنوبر والحبة الخضراء. (12)

19754- حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن يزيد بن الوليد ، عن إبراهيم ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال:قليلة ، ألا تسمع إلى قوله: " فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا " ، وهم يقرءون كذلك. (13)

19755- حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال:حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال: ما أراها إلا القليلة ، لأنها في مصحف عبد الله: " وَأَوْقِرْ رِكَابَنا " ، يعني قوله: " مزجاة ".

19756- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا جرير ، عن القعقاع بن يزيد ، عن إبراهيم قال، قليلة ، ألم تسمع إلى قوله: " وَأَوْقِرْ رِكَابنَا "؟

19757- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير والحسن: بضاعة مزجاة قال سعيد:الرديّة ، وقال الحسن:القليلة.

19758- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا ابن إدريس ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال، متاع الأعراب سمنٌ وصوف.

19759- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية قال، دراهم ليست بطائل. (14)

19760- حدثني محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، قال:حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( مزجاة ) ، قال:قليلة.

19761- حدثنا الحسن بن محمد ، قال:حدثنا شبابة ، قال:حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( مزجاة ) قال:قليلة.

19762- حدثني المثنى ، قال:حدثنا أبو حذيفة ، قال:حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

19763- ... قال، حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال، حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال:شيء من صوف ، وشيء من سمن.

19764- ... قال، حدثنا عمرو بن عون ، قال، أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن قال: قليلة.

19765- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن مجاهد: ( مزجاة ) قال:قليلة.

19766- حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

19767- ... قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن عكرمة قال: ناقصة ، وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ.

19768- ... قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال:رديّة.

19769- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة لا تنفق .

19770- حدثني المثنى ، قال:حدثنا عمرو بن عون ، قالأخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة.

19771- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا عبدة ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة غير طائل.

19772- حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال:سمعت أبا معاذ يقول:حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ببضاعة مزجاة ) ، يقول:كاسدة غير نافقة.

19773- حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال:حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قالالناقصة ، وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ.

19774- ... قال، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: الدراهم الرديّة التي لا تجوز إلا بنقصان.

19775- ... قال، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: الدراهم الرُّذَال، (15) التي لا تجوز إلا بنقصان. (16)

19776- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: دراهم فيها جَوازٌ.

19777- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) :، أي: يسيرة.

19778- حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

19779- حدثنا يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال: " المزجاة "، القليلة.

19780- حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) :، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك ، إلا أن تتجاوز لنا فيها.

* * *

وقوله: ( فأوف لنا الكيل ) ..... بها (17) وأعطنا بها ما كنت تعطينا قبل بالثمن الجيّد والدراهم الجائزة الوافية التي لا تردّ، كما:-

19781- حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فأوف لنا الكيل ) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ ، فإن بضاعتنا مزجاة.

19782- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( فأوف لنا الكيل ) قال:كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد.

* * *

وقوله: ( وتصدق علينا ) يقول تعالى ذكره: قالوا: وتفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة ، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ بضاعتنا ، ( إن الله يجزي المتصدقين ) ، يقول: إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم . (18)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

*ذكر من قال ذلك:

19783- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( وتصدق علينا ) ، قال:تفضل بما بين الجياد والرديّة.

19784- حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير: ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر من أجل رديّ دراهمنا.

* * *

واختلفوا في الصدقة ، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كانت حرامًا؟

فقال بعضهم:لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام .

*ذكر من قال ذلك:

19785- حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير قال، ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة ، ولكنهم قالوا: ( جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر.

* * *

وروي عن ابن عيينة ما:-

19786- حدثني به الحارث ، قال:حدثنا القاسم قال: يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل:هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ).

، قال الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ ، وهم أنبياء ، فإن الصدقة إنما حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليهم . (19)

* * *

وقال آخرون:إنما عنى بقوله: ( وتصدق علينا ) وتصدق علينا بردّ أخينا إلينا .

*ذكر من قال ذلك:

19787- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( وتصدق علينا ) قال:رُدَّ إلينا أخانا.

* * *

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه، فليس بالقول المختار في تأويل قوله: ( وتصدَّق علينا ) لأن " الصدقة " في متعارف [العرب]، (20) إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله عليه، (21) وإن كان كلّ معروف صدقةً ، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نـزل القرآن بلسانه أولى وأحرى .

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .

19788- حدثني الحارث ، قال، حدثنا القاسم ، قال، حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود ، قال:سمعت مجاهدًا ، وسئل: هل يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؟ فقال:نعم ، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.

* * *

----------------------

الهوامش:

(1) انظر تفسير" اليأس" فيما سلف 9 : 516 .

(2) انظر تفسير" الضر" فيما سلف من فهارس اللغة ( ضرر ) .

(3) في المطبوعة :" رجاء" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو بمثل معناه .

(4) ديوانه : 52 ، و" ذو أرل" ، جبل بديار غطفان . و" الصراد" ، سحاب بارد رقيق تسفره الريح وتسوقه . و" الصرم" جمع صرمة ، وهي قطع السحاب . وقبل البيت :

هَـلاَّ سَـأَلْتَ بَنـي ذُبْيَـانَ ما حَسَبي

إذَا الدُّخَـانُ تَغَشَّـى الأشْـمَطَ البَرَمَـا

من أبيات يذكر فيها كرمه في زمن الجدب والشتاء .

(5) ديوانه : 25 ، من قصيدته في قيس بن معد يكرب ، مضت منها أبيات . و" الهجان" ، الإبل الأبيض ، وهي كرام الإبل . و" العوذ" جمع عائذ ، وهي الناقة الحديثة النتاج .

(6) ليس في ديوانه ، وأنشده ابن بري غير منسوب ( اللسان : رمل ) ، وظاهر أن الشعر لحاتم ، لأن" ملحان" ، هو ابن عمه" ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي" ، وكنت وقفت على أبيات من هذا الشعر ، ثم أضعتها اليوم .

(7) في المخطوطة والمطبوعة :" على نفع من آخذيها" ، والصواب ما أثبتناه ، إن شاء الله ، تدل عليه الآثار الآتية بعد . ولو قرئت" على دفع" ، فلا بأس بذلك .

(8) الخلق : البالي .

(9) الرث ( بفتح الراء ) ، والرثة ( بكسرها ) ، والرثيث : الخلق الخسيس البالي من كل شيء .

(10) انظر تفسير" البضاعة" فيما سلف : ص : 4 ، 156 .

(11) " فسول" جمع" فسل" ( بفتح فسكون ) : وهو الردئ الرذل من كل شيء . يقال :" دراهم فسول" ، أي : زيوف .

(12) الأثر : 19753 -" إسحاق بن زياد القطان" ،" أبو يعقوب البصري" ، شيخ الطبري لم أجد له بعد ترجمة ، وقد مضى برقم : 14146 ، وهو هناك" العطار النصري" ، ثم في رقم : 17430 ، وهو هناك :" إسحاق بن زيادة العطار ؛" بزيادة التاء . ولا طاقة لنا بالفصل في ذلك ، حتى نجد ما يدل عليه .

و" محمد بن إسحاق البلخي : مضى برقم : 14146 ، روى عنه هناك" إسحاق بن زياد" أيضًا .

و" مروان بن معاوية الفزاري" ، مضى مرارًا آخرها : 15446 .

أما" مروان بن عمرو العذري" ، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم ، وأخشى أن كون فيه تحريف وأما" أبو إسماعيل" . فلم أتبين من يكون ، لما في هذا الإسناد من الظلمة .

(13) يعني أصحاب عبد الله بن مسعود ، كما سترى في الأثر التالي .

(14) ]في المخطوطة :" ليس بطائل" ، ولا بأس به .

(15) ]يقال :" هذا رذل" و" هذا رذال" ( بضم الراء ) أي : دون خسيس رديء . وفي المخطوطة (الرذل) وهو مثله .

(16) الأثر (19775) في المطبوعة (إسرائيل عن ابن أبي نجيح) غير ما في المخطوطة، فإنه كان فيها :" عن أبي يحيى" كأنه أراد أن يكتب" نجيح" ، ثم صيرها :" يحيى" ، غير منقوطة . و" أبو يحيى" ، هو :" أبو يحيى القتات الكوفي" ، وهو الذي يروي عن مجاهد ، وقد سلف برقم : 12139 ، 15697 .

(17) لا شك عندي أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء في تفسير" أوف لنا" ، لم يبق منه إلا قوله :" بها" ، فلذلك وضعت هذه النقط . والمراد من ذلك ظاهر ، كأنه كتب :" فأتم لنا حقوقنا في الكيل بها،وأعطنا ..." ، وانظر تفسير" الإيفاء" فيما سلف 12 : 224 ، 554 .

(18) انظر تفسير" التصدق" فيما سلف 9 : 31 ، 37 ، 38 / 14 : 369 .

(19) في المطبوعة :" صلى الله عليه وسلم لا عليهم" ، غير ما في المخطوطة ، كأنه ظن أن قوله :" وعليهم" ، معطوف على قوله :" إنما حرمت على محمد ... وعليهم" ، وظاهر أن المراد :" صلى الله عليه وسلم وعليهم" ، أي : وصلى عليهم .

(20) في المطبوعة :" في المتعارف" ، وفي المخطوطة :" في متعارف إنما هي" ، وفي الكلام سقط لا شك فيه ، وإنما سقط منه لأن" متعارف" هي آخر كلمة في الصفحة ، و" إنما" في أول الصفحة الأخرى ، فسها الناسخ ، فاستظهرت هذه الزيادة التي بين القوسين .

(21) في المطبوعة :" إعطاء الرجل ذا الحاجة" ، وهو خطأ وتصرف في نص المخطوطة لا وجه له والصواب ما في المخطوطة كما أثبته . وقوله :" ذا حاجة" مفعول المصدر من قوله :" إعطاء الرجل .. ." .

التدبر :

وقفة
[88] ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ لما شكوا إليه رقَّ لهم، وعرّفهم بنفسه.
وقفة
[88] ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ استرحام بديع مع مخلوق فاسترحم خالقك.
وقفة
[88] ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ ما كانوا يعرفون أن من يخاطبونه هو نفسه الذي رموه بقاع البئر! فالحسد ظلم، والله لايرضاه.
وقفة
[88] لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ لبرز لهم التوقيع عليها: ﴿لَاتَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ [92].
وقفة
[88] ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ قالوها ليوسف وقد أساءوا أعظم الإساءة إليه فرحمهم وأحسن إليهم وهو بشر، فكيف لو قلتها أنت واشتكيت لأرحم الراحمين.
وقفة
[88] ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ ما أشد بؤس الحال التي وصل إليها إخوة يوسف! وصفوا بضاعتهم بأنها مزجاة، ومعنى المزجاة على خمسة أقوال: قليلة أو رديئة أو كاسدة أو رثة أو ناقصة والبضاعة المزجاة من مظاهر الضُر الذي نزل بهم، وقدموا هذا الوصف لترقيق القلوب بين يدي طلبهم للطعام.
وقفة
[88] ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ﴾ عادوا مرة أخرى ليوسف؛ لأنهم توسموا به الخير؛ فالنفوس الكريمة ملاذ أمان إن اشتدت قسوة الأيام.
لمسة
[88] ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ وفي طلب الصدقة هنا تعريض، قال ابن عاشور: «وطلبوا التصدق تعريضًا بإطلاق أخيهم؛ لأن ذلك فضل منه، إذ صار مملوكًا له کما تقدم».
وقفة
[88] من عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [20] امتدت أكفهم بين يديه يقولون ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾.
وقفة
[88] الأيدي التي ألقت يوسف في الجب هي نفس الأيدي التي امتدت تسأله الصدقة! ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾، فلا تحزن أيها المظلوم.
لمسة
[88] ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ فائدة دعائية! قال القرطبي: «كره للرجل أن يقول في دعائه: اللهم تصدق عليَّ، سمع الحسن رجلًا يقول: اللهم تصدق عليَّ، فقال الحسن: يا هذا! إن الله لا يتصدق، إنما يتصدق من يبتغي الثواب، أما سمعت قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾، قل: اللهم أعطني وتفضل عليَّ».
لمسة
[88] ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ ما الفرق بين كلمة (المصّدقين) في آية سورة الحديد و(المتصدقين) في سورتي الأحزاب ويوسف؟ الأصل في كلمة المصّدقين هي المتصدقين وأُبدلت التاء إلى صاد، مثل متزمّل ومزّمل، ومتدثّر ومدّثّر، كلمة المصّدّقين فيها تضعيفان، تضعيف في الصاد، وتضعيف في الدال، والتضعيف يفيد المبالغة والتكثير، مثل كسر وكسّر، أما المتصدقين ففيها تضعيف واحد في الدال. في سورة يوسف ناسب ذكر المتصدقين؛ لأن إخوة يوسف طلبوا التصدق فقط، لم يطلبوا المبالغة في الصدقة، وهذا من كريم خلقهم، فطلبوا الشيء القليل اليسير، هذا أمر، والآمر الآخر، أنه قال تعالى: (اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، فلو قال (يجزي المصّدّقين)؛ لكان الجزاء للمبالغ في الصدقة دون غير المبالغ وهذا غير مقصود في الآية، أما عندما يقول: (الْمُتَصَدِّقِينَ) يجزي المُقِلّ والمُكثِر، فيدخل فيها المصّدّقين، وهذا ينطبق أيضًا على آية سورة الأحزاب. في سورة الحديد سياق الآيات نجد أنها اشتملت على المضاعفة والأجر الكريم، وهذا يتناسب مع المبالغة في التصدق ويتناسب مع الذي يبالغ في الصدقة، ثم إن في السورة كلها خطًّا تعبيريًّا واضحًا في دفع الصدقة والحث على دفع الأموال.
وقفة
[88] من تأمل ذل إخوة يوسف لما قالوا: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ عرف شؤم الزلل!

الإعراب :

  • ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ:
  • الفاء: استئنافيّة. لما: اسم شرط غير جازم بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب. و \"دخلوا\" فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. عليه: جار ومجرور متعلق بدخلوا. وجملة \"دخلوا عليه\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد \"لما\".
  • ﴿ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ:
  • قالوا: تعرب إعراب \"دخلوا\" وهي جواب شوط غير جازم لا محل لها من الإعراب. يا: أداة نداء و \"أي\" منادى مبني على الضم في محل نصب و \"ها\" زائدة للتنبيه. العزيز: صفة - نعت - لأيّ لأنَّها اسم مشتق.
  • ﴿ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول -. مس: فعل ماضٍ مبني على الفتح و\"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. الواو عاطفة. أهل: معطوفة على ضمير المتكلمين منصوبة بالفتحة أي ومس أهلنا. و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. الضر: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ:
  • معطوفة بالواو على \"مسّنا\" وتعرب إعرابها. ببضاعة: جار ومجرور متعلق بجئنا. مزجاة: صفة - نعت - لبضاعة مجرورة مثلها بمعنى: رديئة. وجئنا: أي وجئناك بحذف ضمير المفعول.
  • ﴿ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ:
  • الفاء: استئنافية. أوف: فعل أمر مبني على حذف آخره - حرف العلة - والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. لنا: جار ومجرور متعلق بأوف. الكيل: مفعول به منصوب بالفتحة وفأوف: أي فأتمَّ.
  • ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ:
  • وتصدق: معطوفة بالواو على \"أوف\" وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل السكون. علينا: جار ومجرور متعلق بتصدق. إنّ: حرف نصب وتوكيد. الله لفظ الجلالة: اسم \"إنّ\" منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ:
  • الجملة: في محل رفع خبر \"إنّ\". يجزي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. المتصدقين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين في الفرد. '

المتشابهات :

يوسف: 68﴿وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ
يوسف: 69﴿وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ
يوسف: 88﴿فَـ لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ
يوسف: 99﴿فَـ لَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [88] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَهم بمواصلة البحث؛ استجاب الأبناء لنصيحة أبيهم، فسافروا إلى مصر للمرة الثالثة، لهذا الأمر ولقصد الطعام، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [89] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم ..

التفسير :

[89] فلما سمع مقالتهم رَقَّ لهم، وعرَّفهم بنفسه وقال:هل تذكرون الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الأذى في حال جَهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟

{ قال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} أما يوسف فظاهر فعلهم فيه، وأما أخوه، فلعله والله أعلم قولهم:{ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} أو أن الحادث الذي فرَّق بينه وبين أبيه، هم السبب فيه، والأصل الموجب له.{ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم، أو توبيخ لهم إذ فعلوا فعل الجاهلين، مع أنه لا ينبغي ولا يليق منهم.

أى: قال لهم يوسف- عليه السلام- على سبيل التعريض بهم، والتذكير بأخطائهم:

هل علمتم ما فعلتموه بيوسف وأخيه من أذى وعدوان عليهما، وقت أن كنتم تجهلون سوء عاقبة هذا الأذى والعدوان.

قالوا: وقوله هذا يدل على سمو أخلاقه حتى لكأنه يلتمس لهم العذر، لأن ما فعلوه معه ومع أخيه كان في وقت جهلهم وقصور عقولهم، وعدم علمهم بقبح ما أقدموا عليه ...

وقيل: نفى عنهم العلم وأثبت لهم الجهل، لأنهم لم يعملوا بمقتضى علمهم.

والأول أولى وأقرب إلى ما يدل عليه سياق الآيات بعد ذلك، من عفوه عنهم، وطلب المغفرة لهم.

قول تعالى مخبرا عن يوسف ، عليه السلام : أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب ، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه ، مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة ، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته ، وبدره البكاء ، فتعرف إليهم ، يقال إنه رفع التاج عن جبهته ، وكان فيها شامة ، وقال : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟ يعني : كيف فرقوا بينه وبينه ) إذ أنتم جاهلون ) أي : إنما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه ، كما قال بعض السلف : كل من عصى الله فهو جاهل ، وقرأ : ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ) إلى قوله : ( إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) [ النحل : 119 ] .

والظاهر - والله أعلم - أن يوسف ، عليه السلام ، إنما تعرف إليهم بنفسه ، بإذن الله له في ذلك ، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك ، والله أعلم ، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر ، فرج الله تعالى من ذلك الضيق ، كما قال تعالى : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) [ الشرح : 5 ، 6 ] ، فعند ذلك قالوا :

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)

قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ، أدركته الرقّة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كما:-

19789- حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه ، فارفضَّ دمعه باكيًا ، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم ، فقال: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه ، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه ، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.

19790- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ، الآية ، قال:فرحمهم عند ذلك ، فقال لهم: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام:هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه ، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون؟ يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف ، وما إليه صائر أمره وأمركم.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[89] ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ﴾ كان كلامه شفقة عليهم وتنصحًا لهم في الدين لامعاتبة وتثريبًا بل التمس لهم العذر قبل أن ينطقوا بـ﴿تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا﴾ [91]، قال:﴿إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾، إيثارًا لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام.
وقفة
[89] ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ مهما كنت كتومًا، وتتحمل الأذى بصمت، لكن يجب عليك أن تترك مساحة للعتب فهو الذي يغسل القلوب.
وقفة
[89] ماذا فعل إخوة يوسف بأخي يوسف، حتى قال يوسف عنهم: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾؟ قد يكون سوء ظنهم بأخيهم الصغير وتصديقهم بأنه سرق، تصديقك التهم المشينة عن إخوانك الصالحين جريمة في حقهم.
وقفة
[89] ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ الكريم لا يُكثر العتاب لأحبابه، بل ويعتذر لهم؛ فلم يعتبر ذلك حقد وَخُبث بل نسبه لجهلهم.
وقفة
[89] ﴿إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ومن أجمل ما قيل في التماس الأعذار: إذَا مَا بَدَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَك زَلَّةٌ ... فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالًا لِزَلَّتِهِ عُذْرَا
وقفة
[89] قيل: من تلطفه قوله: ﴿إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ كالاعتذار لهم، لأن فعل القبيح على جهل بمقدار عظم قبحه إلا أنه أسهل من فعل القبيح على علم.

الإعراب :

  • ﴿ قَالَ:
  • فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. والجملة استئنافيّة لا محل لها. أي فرق فقال لهم.
  • ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ:
  • هل: حرف استفهام لا محل لها. علمتم: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل في محل رفع فاعل والميم للجمع.
  • ﴿ مَا فَعَلْتُمْ:
  • ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به أي قبح ما فعلتم فحذف المضاف وحل المضاف إليه محله. فعلتم: تعرب إعراب \"علمتم\" وجملة \"فعلتم\" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ:
  • جار ومجرور متعلق بفعلتم وعلامة جر الاسم الفتحة بدلًا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف - التنوين - على المعجمة والعلمية. وأخيه: معطوفة بالواو على \"يوسف\" مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ:
  • إذ: ظرف زمان بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعلتم. أنتم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. جاهلون: خبر \"أنتم\" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. والجملة الاسمية \"أنتم جاهلون\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد إذ بمعنى حين كنتم جاهلين بشناعة ما فعلتم وقبحه. '

المتشابهات :

يوسف: 87﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ
يوسف: 89﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِـ يُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [89] لما قبلها :     ولَمَّا رأى إخوته تضرعوا إليه ووصفوا ما هم عليه من شدة الزمان وقلة الحيلة؛ عَرَّفَهم هنا بنفسه عن طريق التلميح، قال تعالى:
﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [90] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ ..

التفسير :

[90] قالوا:أإنَّك لأنت يوسف؟ قال:نعم أنا يوسف، وهذا شقيقي، قد تفضَّل الله علينا، فجمع بيننا بعد الفرقة، إنه من يتق الله ويصبر على المحن، فإن الله لا يذهب ثواب إحسانه، وإنما يجزيه أحسن الجزاء.

فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف، فقالوا:{ أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بالإيمان والتقوى والتمكين في الدنيا، وذلك بسبب الصبر والتقوى،{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} أي:يتقي فعل ما حرم الله، ويصبر على الآلام والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها{ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فإن هذا من الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

وهنا يعود إلى الإخوة صوابهم، وتلوح لهم سمات أخيهم يوسف، فيقولون له في دهشة وتعجب قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟.

أى: أإنك لأنت أخونا يوسف الذي أكرمنا ... والذي فارقناه وهو صغير فأصبح الآن عزيز مصر، والمتصرف في شئونها؟ ..

فرد عليهم بقوله قالَ أَنَا يُوسُفُ الذي تتحدثون عنه. والذي فعلتم معه ما فعلتم ...

«وهذا أخى» بنيامين الذي ألهمنى الله الفعل الذي عن طريقه احتجزته عندي، ولم أرسله معكم ...

«قد منّ الله» - تعالى- «علينا» حيث جمعنا بعد فراق طويل، وبدل أحوالنا من عسر إلى يسر ومن ضيق إلى فرج ...

ثم علل ذلك بما حكاه القرآن عنه في قوله إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

أى: إن من شأن الإنسان الذي يتقى الله- تعالى- ويصون نفسه عن كل ما لا يرضاه، ويصبر على قضائه وقدره، فإنه- تعالى- يرحمه برحمته، ويكرمه بكرمه، لأنه- سبحانه- لا يضيع أجر من أحسن عملا، وتلك سنته- سبحانه- التي لا تتخلف ...

( أئنك لأنت يوسف ) ؟

وقرأ أبي بن كعب : " أو أنت يوسف " ، وقرأ ابن محيصن : " إنك لأنت يوسف " . والقراءة المشهورة هي الأولى; لأن الاستفهام يدل على الاستعظام ، أي : إنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر ، وهم لا يعرفونه ، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه ، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام : ( أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي ) ( قد من الله علينا ) أي : بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة ، ( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: ( إنك لأنت يوسف)؟ ، فقال:نعم أنا يوسف ، (وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا ، ( إنه من يتق ويصبر ) ، يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، (ويصبر) ، يقول: ويكفّ نفسه ، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نـزلتْ به من الله (22) ، ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) ، يقول:فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه .

* * *

وقد اختلف القرأة في قراءة قوله: ( أإنك لأنت يوسف ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: ( أَإِنّكَ ) ، على الاستفهام .

* * *

وذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب: " أَوَأَنْتَ يُوسُفُ.

* * *

وروي عن ابن محيصن أنه قرأ: " إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ" ، على الخبر ، لا على الاستفهام .

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءةُ من قرأه بالاستفهام ، لإجماع الحجّة من القرأة عليه .

* * *

19791- حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، لما قال لهم ذلك ، يعني قوله: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ، كشف الغِطاء فعرفوه ، فقالوا: ( أإنك لأنت يوسف )، الآية.

19792- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله: ( إنه من يتق ويصبر ) ، يقول:من يتق معصية الله، ويصبر على السِّجن.

* * *

----------------------

الهوامش:

(22) انظر تفسير" التقوى" ، و" الصبر" فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) ، ( صبر ) .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[90] ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ﴾ هذا الذكاء والفطنة والمكانة الرفيعة لا يمكن أن تكون إلا ليوسف، فقد شاهدوا به كل ذلك قبل أن يقذفوه بالبئر حسدًا.
وقفة
[90] ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ﴾ قيل هذه الآية تصديق لأول السورة في قوله قوله: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ﴾ [15].
وقفة
[90] ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ﴾ بدأت ملامح يوسف القديمة تتركب في أعينهم، وذكريات بئر الجريمة تعصف، وبات الموقف ساخنًا، واللحظات محرجة.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ أنا يوسف الذي ظلمتموه بكل ألوان الظلم، أنا ذلكم العاجز الذي أردتم قتله، وإلقاءه في البئر، ثم صار اليوم إلى ما تشاهدون من الملك والسلطان؛ أردتم أمرًا وأراد الله أمرًا، فكان ما أراد الله.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ من هنا ظهر شعور الرحمة في قلب يوسف، ولم يتمالك نفسه، بعد أن تأثر غاية التأثر بالحالة التي رآهم عليها، والتي أعلنوا عنها: ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ [88]، واستعطفوه: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [88]، فإذا بنبع العاطفة يتفجر في قلبه، ليكشف عن هويته، ويمد يد المصافحة لهم لنسيان الماضي الأليم وإرث العداوة القديم.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ كان وقتها صاحب منصب، والذين يخاطبهم قد أجرموا وأخطؤوا في حقه، ومع ذلك قال : أنا يوسف، فقط، من دون ألقاب! لا شيء يرفع كالتواضع.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي﴾ أظهر الاسم، ولم يقل: (أنا هو)، تعظيمًا لما وقع به من ظلم إِخوته، فكأنه قال: (أنا المظلوم المستحَلُّ منه، المراد قتلُه)، فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني، ولهذا قال: (وَهذا أَخِي) وهم يعرفونه، وإِنما قصد -والعلم عند الله- وهذا المظلوم كظلمي.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي﴾ سألوه عن نفسه فأخبرهم عن نفسه وعن أخيه! حين يفتقد المرء أخاه سيفعل ذلك حتمًا!
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي﴾ لم يقل: (أنا عزيز مصر)؛ بل ذكر اسمه خاليًا من أي صفة، كبير النفس يبقى كبيرًا ﻻ تغره المناصب.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي﴾ التعارف الأكثر إحراجًا في التاريخ.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا﴾ تخطى الحديثَ عن سنواتِ البلاءِ، وكان أوّلَ ما نطقَ به لإخوته: إعلامُهم بنعمةِ الله عليه، الأدبُ مع الله.
وقفة
[90] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الداعية الموفق من يستغل الموافق لزرع المبادئ.
وقفة
[90] بالرغم من سنوات البعد الطويلة, بقي حنانه لأخيه لم يتغير كأنه يحمد الله أن جمعه به ﴿وَهَـٰذَا أَخِي﴾.
وقفة
[90] ﴿قَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا﴾ يا سعد من منَّ الله عليه! قذ منَّ الله علينا بالخلاص مما ابتلينا به من الظلم والإذلال، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة، والأنس بعد الوحشة.
وقفة
[90] ﴿قَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا﴾ أدب الأنبياء يتمثل في رد الفضل في كل ما وصلوا إليه من خير إلى الله رب العالمين، فكانوا كلما ازدادوا نعمًا، ازدادوا تواضعًا وشكرًا.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾ تعليل لجملة: ﴿مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ وحثهم على التقوى والتخلق بالصبر تعريضًا بأنهم لم يتقوا الله فيه وفي أخيه، ولم يصبروا على إيثار أبيهم ليوسف وأخيه، وهذا من أفانين الخطابة أن يغتنم الواعظ الفرصة لإلقاء الموعظة، وهي فرصة تأثر السامع وانفعاله وظهور شواهد صدق الواعظ في موعظته.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾، ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ [آل عمران: 120]: في آية آل عمران قدم (الصبر)؛ لأن السياق يتحدث عن معركة أحد، وأهم عوامل النصر في الحرب هو الصبر، وفي آية يوسف قدمت (التقوى) في سياق الفتنة ومراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، والمنجي من الفتن هو لزوم التقوى.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ من احتمل الهوان والأذى في طاعة الله على الكرامة والعز في معصية الله - كما فعل يوسف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين- كانت العاقبة له في الدنيا والآخرة، وكأن ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيمًا وسرورًا.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾ أي: يتق الله، ويصبر على المصائب وعن المعاصي، ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: الصابرين في بلائه، القائمين بطاعته.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الصبر شاق على النفوس، والتقوى لا تختلف عنه، فمن ألزم نفسه وتحمل فليبشر بما يسره.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ جميع ما في سورة يوسف اختصر في هذه الكلمات العشر بحروفها.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لو أنّ شخصًا ترك المعصية لأجل الله تعالى؛ لوجد ثمرة ذلك، وكذلك إذا فعل طاعة.
لمسة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾ لم يذكر مفعولًا؛ ليعم، لذا ناسب عموم التقوى والصبر اسم الإحسان ﴿فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال ابن تيمية: «ومن احتمل الهوان والأذى في طاعة الله على الكرامة والعز في معصية الله -كما فعل يوسف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين- كانت العاقبة له في الدنيا والآخرة، وكأن ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيما وسرورًا؛ كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنا وثبورًا».
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ سنة إلهية جارية، قال ابن القيم: «هذه عادة الله سبحانه في الغايات العظيمة الحميدة: إذا أراد أن يوصل عبده إليها هيأ لها أسبابًا من المحن والبلايا والمشاق، فيکون وصوله إلى تلك الغايات بعدها؛ کوصول أهل الجنة إليها بعد الموت وأهوال البرزخ والبعث والنشور والموقف والحساب والصراط، ومقاساة تلك الأهوال والشدائد، وكما أدخل رسول الله ﷺ إلى مكة ذلك المدخل العظيم، بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز، بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه».
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ صبر على ترك المعصية لحظات فكانت النتيجة: علو الدرجات في الدنيا والآخرة.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ تقواه عن الشهوات للحظات نافست صبره في السجن للسنوات.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال ابن الجوزي: «كل من عمل خيرًا، أو صحح نية، فلينتظر جزاءها الحسن، وإن امتدت المدة».
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بالصبر والتقوى تنال عز الدنيا والآخرة.
وقفة
[90] ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ التقوى والصبر سببان في تغير الحال إلى الأفضل؛ أحسن لغيرك رجاء أن يحسن الله إليك.
وقفة
[90] ابتلي يوسف عليه السلام في حياته بلاء جعل الله عاقبته التمكين، وقد أوجز يوسف سبب هذه العاقبة ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] خلاصة العبرة من قصة يوسف عليه السلام تأتي على لسانه في خاتمة القصة: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] ما ضرّك بخس الناس حقك إنْ علا قدرك عند ربك، فالذي بيع بثمن بخس؛ مُكِّن مِن خزائن الأرض ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] قصة يوسف كلها تكمن في هذه الآية: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] في آخر المطاف، وبعد أن أسدل ستار الخلاف، رسَّخ يوسف قاعدة عظيمة تكتب بماء العينين ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
عمل
[90] سل الله تعالى أن يرزقك التقوى والصبر؛ فهما طريق الإحسان ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] عبادتان عظيمتان لنيل حسن العاقبة في الأمور: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] معينات الثبات والتكيّف على ابتلاءات الحياة: تقوى وصبر وإحسان ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وقفة
[90] ما هي الحكمة من عدم إنزال العقاب بإخوة يوسف بعد ما فعلوا به ما فعلوه؟ الله تعالى أرحم الراحيمن، أولًا هم لم يرتكبوا جرمًا يقتضي عقوبة لما رموه في الجب، لم يكن قتلًا، وإنما شروع في القتل، عقوبته تعزير ليس الحدّ، وهو قد رحم إخوته، وهذا درس لنا أن نكون رحيمين بأرحامنا وبمن نعرف من إخواننا من المسلمين وحتى من جيراننا من غير المسلمين.
وقفة
[90، 91] ﴿قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ التعارف الأكثر إحراجًا في التاريخ، ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ علموا الآن أنه ليس أحب إلى أبيهم منهم فحسب، بل أحب إلى ربهم منهم.

الإعراب :

  • ﴿ قَالُوا:
  • فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. أي بعد ان انتبهوا قالوا له.
  • ﴿ أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ:
  • الهمزة أو الألف ألف تقرير بلفظ استفهام. إنك: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم \"إن\" اللام: لام التأكيد. أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. يوسف: خبر \"أنت\" مرفوع بالضمة. والجملة الاسمية \"لأنت يوسف\" في محل رفع خبر \"إن\".
  • ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ:
  • قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. أي قال نعم. أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يوسف: خبر \"أنا\" مرفوع بالضمة والجملة في محل نصب مفعول به - مقول القول - ونصبت للسبب نفسه الجملة الاسمية - إنك أنت يوسف -.
  • ﴿ وَهَذَا أَخِي:
  • معطوفة بالواو على \"أنا يوسف\" وتعرب إعرابها و \"هذا\" اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أخي: خبر \"هذا\" مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء المناسبة والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا:
  • الجملة: في محل نصب حال. قد: حرف تحقيق. من: فعل ماضٍ مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. علينا: جار ومجرور متعلق بمنّ.
  • ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير الشأن أو الحديث مبني على الضم في محل نصب اسم \"إنَّ\" وخبرها: الجملة الشرطية في محل رفع. من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يتق: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه: حذف آخره - حرف العلة - والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو والكسرة دالة على حذف حرف العلة - الياء -. الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. ويصبر: معطوفة بالواو على \"يتق\" وتعرب إعرابها وعلامة جزم الفعل السكون.
  • ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ:
  • الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله: اسم \"إن\" منصوب للتعظيم بالفتحة. وجملة \"فإن الله لا يضيع\" جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم بمن.
  • ﴿ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ:
  • الجملة: في محل رفع خبر \"إن\" والجملة من فعل الشرط وجوابه - جزائه - في محل رفع خبر المبتدأ \"من\". لا: نافية لا عمل لها. يضيع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو أي سبحانه وتعالى. أجر: مفعول به منصوب بالفتحة. المحسنين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. والتقدير: لا يضيع أجرهم. فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين. '

المتشابهات :

آل عمران: 171﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
التوبة: 120﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
هود: 115﴿وَاصْبِرْ فَـ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
يوسف: 90﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَـ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [90] لما قبلها :     وبعد التلميح؛ تنبَّهوا وفَهِموا أنه لا يخاطِبُهم بمثل هذا إلا هو، فجاء التصريح، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

أإنك:
1- على الاستفهام، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- إنك، بغير همزة استفهام، وهى قراءة قتادة، وابن محيصن.

مدارسة الآية : [91] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ ..

التفسير :

[91] قالوا:تالله لقد فَضَّلك الله علينا وأعزَّك بالعلم والحلم والفضل، وإن كنا لخاطئين بما فعلناه عمداً بك وبأخيك.

{ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي:فضلك علينا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأسأنا إليك غاية الإساءة، وحرصنا على إيصال الأذى إليك، والتبعيد لك عن أبيك، فآثرك الله تعالى ومكنك مما تريد{ وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف.

وهنا يتجسد في أذهان إخوة يوسف ما فعلوه معه في الماضي، فينتابهم الخزي والخجل، حيث قابل إساءتهم إليه بالإحسان عليهم، فقالوا له في استعطاف وتذلل: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا، وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ أى: نقسم بالله- تعالى- لقد اختارك الله- تعالى- لرسالته، وفضلك علينا بالتقوى وبالصبر وبكل الصفات الكريمة.

أما نحن فقد كنا خاطئين فيما فعلناه معك، ومتعمدين لما ارتكبناه في حقك من جرائم، ولذلك أعزك الله- تعالى- وأذلنا، وأغناك وأفقرنا، ونرجو منك الصفح والعفو.

يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق ، والسعة والملك ، والتصرف والنبوة أيضا - على قول من لم يجعلهم أنبياء - وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطئوا في حقه .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل ، ( وإن كنا لخاطئين ) ، يقول:وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك ، إلا خاطئين ، يعنون: مخطئين.

* * *

يقال منه: " خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً ، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً"، (23) ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:

وَإنَّ مُهَـــــاجِرَيْنِ تَكَنَّفَـــــاهُ

لَعَمْــرُ اللــهِ قَــدْ خَطِئـا وحَابَـا (24)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

*ذكر من قال ذلك:

19793- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لما قال لهم يوسف: أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي اعتذروا إليه وقالوا: ( تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) فيما كنا صنعنا بك.

19794- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( تالله لقد آثرك الله علينا ) وذلك بعد ما عرَّفهم أنفسهم ، يقول:جعلك الله رجلا حليمًا.

* * *

----------------------

الهوامش:

(23) انظر تفسير" خطيء" فيما سلف 2 : 110 / 6 : 134 .

(24) مضى البيت وتخريجه وتصويب روايته فيما سلف 2 : 110 / 7 : 529 ، ويزاد عليه ، مجاز القرآن 1 : 113 ، 318 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا أيضًا" وخابا" بالخاء ، وقد فسره أبو جعفر في 7 : 529 ، بمعنى : أثما ، من" الحوب" وهو الإثم ، وهو الصواب المحض إن شاء الله .

التدبر :

وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ﴾ أَجْود وأعلى الشهادات: شهادة خصومك لك.
وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ﴾ في أربعة مواضع: الأول يمين منهم أنهم ليسوا سارقين وأن أهل مصر بذلك عالمون: ﴿قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ﴾ [73]، والثاني يمين منهم أنك لو واظبت على الحزن تصير حرضًا أو تكون من الهالكين: ﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ [85]، والثالث يمين منهم أن الله فضله عليهم وإنهم كانوا خاطئين: ﴿قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا﴾، والرابع يمين منهم على أنه لم يزل على محبة يوسف: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ [95].
وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ ما من شخص يعاديه الناس ظلمًا لميزة اختصها الله له إلا ويأتي يوم ويعترفون بفضله.
وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ يحتاج البعض إلى عقود من السنين ليقتنعوا ببديهية ما.
وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ علموا الآن أنه ليس أحب إلى أبيهم منهم فحسب، بل أحب إلى ربهم منهم.
لمسة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ لم يقولوا: (فَضَّلك)؛ ﻷنه ذهب بمآثر الدنيا والدين (الله أعلم بأهل الفضل).
وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ علموا اليوم أن حقيقة الإيثار الإلهي ليست بالغنى والقصور، إنما هي بالتقوى والصبر وهما مفتاح الأجور.
وقفة
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾، ﴿قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين﴾ [97] الزلة تورث الذلة.
عمل
[91] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ لنعترف بأخطائنا، ولو كان ذلك بعد فوات الأوان.
وقفة
[91] من أعجب ما يفعله الحاسدون أن يكونوا سببًا في تتويج من أرادوا القضاء عليه، تدبر: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.
وقفة
[91] من أتاك يعرج فمهد طريقه، أو امنحه عصا يتكئ عليها، أو خذ بيده لتعينه، وإياك أن تزيده عرجًا وشللًا، كذلك حال المخطئ ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
وقفة
[91] يومًا ما سيقر بفضلك بقلبٍ منكسر من أنكره بقلبٍ مستعل ﴿تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ﴾.
وقفة
[91] ﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾، ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ [٩٧]، كلا القولين اعتذار من إخوة يوسف، الأول موجه ليوسف، والثاني موجه لأبيهم، جاء التوكيد للأب أقوى من يوسف؛ وذلك أنهم لما رأوا ما انتهي إليه يوسف من الملك لم يدعهم إلى شدة الاعتذار، في حين أنه لما رأوا ما حل بأبيهم اعتذروا أشد الاعتذار.
لمسة
[91] ما الفرق بين استغفار يوسف لإخوته واستغفار يعقوب لأبنائه؟ إخوة يوسف لم يسألوه المغفرة، وإنما هو الذي دعا لهم بالمغفرة دون أن يسألوه، حتى أنهم لم يذكروا الخطيئة التي ارتكبوها بحق يوسف كما فعلوا مع أبيهم:﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ وإنما جاءت (إن) مخففة كأنها هذه الفعلة جرّت على أخيهم خيرًا فصار عزيز مصر، أما مع أبيهم قالإقرار بالخطيئة آكد: ﴿قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ [٩٧]، ويعقوب لم يستغفر لهم ولكن وعدهم بالاستغفار؛ لأن فعلتهم مع يوسف لم تكن عاقبتها على يوسف كما كانت على أبيهم، فيوسف أصبح عزيز مصر وبيده الأمر والنهي، أما تأثير فعلة إخوة يوسف على أبيهم أعظم؛ لأنه أُصيب بالعمى والأسى والحسرة على ولده، ولا يزال قلب يعقوب فيه كثير من الحزن والأسى، لذا أجَّل الاستغفار في قوله: ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [٩٨]، سوف أبعد من السين وآكد، هذا يدل على عمق هذه الفعلة وشدتها في نفسه.
وقفة
[91] قال آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23]، وقال موسى: ﴿فعلتُها إذًا﴾ [الشعراء: 20]، وقال إخوة يوسف: ﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾، اعترافك بالخطأ لا ينقص من قدرك، وهو فِعل العظماء.
وقفة
[91، 92] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ الاعتراف بالتقصير والخطأ ولو عظم؛ يطيب نفوس الكرام فيقابل بالإحسان: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾.
وقفة
[91، 92] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أخطأوا واعترفوا، وأقسموا على تفضيل الله له، فأتت ردة الفعل: العفو والصفح: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾، لا تعيير، ولا فتح ملفات، ولا تصفية حسابات، ولا مراجعة حقوق، بل زاد على ذلك بالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة: ﴿يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، وهذا نهاية الإحسان.
وقفة
[91، 92] كلمة مباركة، كان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية من أشد الناس عداوة وإيذاء للنبي ﷺ فأقبلا على الرسول ﷺ، فأعرض عنهما، فلجأ أبو سفيان لابن عمه علي بن أبي طالب، فقال علي لأبي سفيان: ائت رسول الله ﷺ من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولًا منه، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له النبي ﷺ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، انظر كيف مسحت كلمة واحدة عشرين عامًا من العداوة ؛ لأن صاحبها هو صاحب أعلى فئة بشرية، فلا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولًا، وهذا ما أدركه علي رضي الله عنه.

الإعراب :

  • ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ:
  • فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. تالله: التاء: حرف جر للقسم مختص بلفظ الجلالة. الله لفظ الجلالة: اسم مجرور بتاء القسم وعلامة الجر الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل أو بجملة \"أقسم\" المحذوف.
  • ﴿ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا:
  • اللام: واقعة في جواب القسم المحذوف. قد: حرف تحقيق. آثرك: فعل ماضٍ مبني على الفتح والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. علينا: جار ومجرور متعلق بآثرك والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ:
  • الواو: استئنافيّة. إنْ: مخففة من \"إنّ\" الثقيلة مهملة لا عمل لها لأنَّها دخلت على جملة فعلية. كنَّا: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم \"كان\" وقد أدغمت بنون \"كان\" اللام: فارقة بين \"إنْ\" الحرف المشبه المخفف من \"إنَّ\" الثقيلة وما بين \"ان\" النافية التي بمعنى \"ما\". خاطئين: خبر \"كان\" منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. بمعنى خاطئين فيما فعلناه معه.'

المتشابهات :

يوسف: 73﴿ قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ
يوسف: 85﴿ قَالُوا تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا
يوسف: 91﴿ قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا
يوسف: 95﴿ قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [91] لما قبلها :     ولَمَّا ذكَرَ يوسُفُ عليه السلام لإخوتِه أنَّ اللَّهَ مَنَّ عليه، وأنَّ مَنْ يَتَّقِ المعاصي ويَصبِرْ على أذَى النَّاسِ، فإنَّه لا يُضَيِّعُه اللَّهُ؛ اعتَرَفوا له بالفضلِ والمَزِيَّةِ، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [92] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ..

التفسير :

[92] قال لهم يوسف:لا تأنيب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته.

فـ{ قَالَ} لهم يوسف عليه السلام، كرما وجودا:{ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} أي:لا أثرب عليكم ولا ألومكم{ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فسمح لهم سماحا تاما، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين.

فرد عليهم يوسف- عليه السلام- بقوله: قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

والتثريب: التعيير والتوبيخ والتأنيب. وأصله كما يقول الآلوسى: من الثرب، وهو الشحم الرقيق في الجوف وعلى الكرش ... فاستعير للتأنيب الذي يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه، لأنه بإزالة الشحم يبدو الهزال، كما أنه بالتأنيب واللوم تظهر العيوب، فالجامع بينهما طريان النقص بعد الكمال.

أى: قال يوسف لإخوته على سبيل الصفح والعفو يا إخوتى: لا لوم ولا تأنيب ولا تعيير عليكم اليوم، فقد عفوت عما صدر منكم في حقي وفي حق أخى من أخطاء وآثام وأرجو الله- تعالى- أن يغفر لكم ما فرط منكم من ذنوب وهو- سبحانه- أرحم الراحمين بعباده.

وقوله «لا تثريب» اسم لا النافية للجنس، و «عليكم» متعلق بمحذوف خبر لا، و «اليوم» متعلق بذلك الخبر المحذوف.

أى: لا تقريع ولا تأنيب ثابت أو مستقر عليكم اليوم.

وليس التقييد باليوم لإفادة أن التقريع ثابت في غيره، بل المراد نفيه عنهم في كل ما مضى من الزمان، لأن الإنسان إذا لم يوبخ صاحبه في أول لقاء معه على أخطائه فلأن يترك ذلك بعد أول لقاء أولى.

( قال لا تثريب عليكم اليوم ) يقول : لا تأنيب عليكم ولا عتب عليكم اليوم ، ولا أعيد ذنبكم في حقي بعد اليوم .

ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال : ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين )

قال السدي : اعتذروا إلى يوسف ، فقال : ( لا تثريب عليكم اليوم ) يقول : لا أذكر لكم ذنبكم .

وقال ابن إسحاق والثوري : ( لا تثريب عليكم [ اليوم ] ) أي : لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم ( يغفر الله لكم ) أي : يستر الله عليكم فيما فعلتم ، ( وهو أرحم الراحمين )

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:قال يوسف لإخوته: ( لا تثريب ) يقول:لا تعيير عليكم (25) ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة ، ولكن لكم عندي الصفح والعفو .

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

*ذكر من قال ذلك:

19795- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( لا تثريب عليكم ) ، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.

19796- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، قوله: ( لا تثريب عليكم اليوم ) ، قال:قال سفيان:لا تعيير عليكم.

19797- حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قال لا تثريب عليكم اليوم ) :، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.

19798- وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، اعتذروا إلى يوسف فقال: ( لا تثريب عليكم اليوم، ) يقول:لا أذكر لكم ذنبكم.

* * *

وقوله: ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) ، وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم ، يقول:عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم ، فستره عليكم ، ( وهو أرحم الراحمين ) ، يقول:والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه، (26) وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته . كما:-

19799- حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( يغفر الله وهو أرحم الراحمين ) حين اعترفوا بذنبهم.

----------------------

الهوامش:

(25) في المطبوعة والمخطوطة :" تغيير" ، بالغين ، والصواب ما أثبته بالعين المهملة ، وهو صريح اللغة . وقد صححته في كل موضع يأتي بعد هذا .

(26) في المطبوعة والمخطوطة :" ممن تاب" ، وصواب الكلام ما أثبت .

التدبر :

وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾ معاناة السنين تنتهي عند العظماء هكذا بكل بساطة.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾ هنا تتجلى العظمة، كيف استطاع أن يمزق تاريخ الكيد والمكر، والاتهامات والتشريد، والبيع وتشويه السمعة في لحظة؟!
وقفة
[92] إخوة يوسف أرادوا قتله، ألقوه في الجب، أبعدوه عن والده، فُتن، سُجن، ومع ذلك قال: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾؛ فكن كذلك مترفِعًا عن الانتقام.
وقفة
[92] قالوا كلما كان الشخص بالشرع أعلم كان للناس أعذر ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾.
عمل
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ اعفُ عن من أخطأ في حقك، انسَ خطأه، وادعُ له دعوة تنفعه بالدنيا والأخرة، تخلّق بصفات الأنبياء.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ ما أعظم تحقيق يوسف لمقام الفتوة، فما الفتوة؟! جاء في تعريفها في مدارج السالكين: «أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجني عليك، وهذه تتضمن الإحسان إلى من أساء إليك، ومعاملته بضد ما عاملك به، فيكون الإحسان والإساءة بينك وبينه خطتين، فخطتك: الإحسان، وخطته: الإساءة».
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ هنا تبكي العَظَمَة.
عمل
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ اعزم الآن أن تعفو عمن أساء إليك، كما فعل الصدِّيق عليه السلام مع إخوته.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ العفو عن المخطئين من صفات الأنبياء؛ ولا تَكْتَفِ بمجرد العفو عمن أخطأ في حقك، بل زِدْهُ دعوةً تنفعه في الدنيا والآخرة.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ سؤال وأترك لك الإجابة: هل مارست خلق العفو مع أشد الناس لك كيدًا سواء من أقاربك أو أقرانك؟ أعوذ برحمتك من أن تنقلب رسائلي للمفاكهة والاستئناس لا للعمل والاقتداء.
عمل
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ حدد مشكلة وقعت بينك وبين أحد أقاربك، واتخذ قرارًا بالعفو عنه ابتغاء وجه الله تعالى؛ حتى تكون قريبًا من رحمة الله تعالى.
عمل
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ من أتاك نادمًا معتذرًا، فلا تكثر عليه اللوم فيكفيه ما به من ندم، فللندم عذاب وانكسار.
عمل
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ يوسف عليه السلام عفا عن إخوته لمَّا جاؤوا نادمين؛ ‏فمن أتاك نادمًا معتذرًا عن خطئه عازمًا على عدم العودة إليه، فالأَوْلى أن تعفو عنه.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ هكذا تنسى القلوب الكبيرة كل أخطاء الماضي مهما عظمت في لحظة.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ إخوة يوسف بعد ذنوبهم أفسح لهم ربهم في الأجل فرضي أبوهم وعفا أخوهم وجمعهم بعد فراق وألهم نبيين الدعاء لهم، لا تيأس بعد ذنبك أنت تعامل الله.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ عدم التعيير خلق إيماني رفيع، ولو كان متعلقا بأكبر الكبائر؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». [البخاري 2152]، وَلَا يُثَرِّبْ: أي لا يوبخها ولا يعيرها بعد إقامة الحد، وقالوا: وسبب ذلك ستة أشياء: أحدها: لأن المقدور کائن، والثاني: لأن الهوى غالب، والثالث: لأنها نالت عقوبتها الشرعية، فلا يزاد عليها، والرابع: أنها ربما تكون قد ندمت وتابت، والخامس: أنه ربما سمع تعييره لها من لم يكن يعلم حالها، والسادس: أن المعير لها لا يأمن أن يبتلى بما عيرها به.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22]، من الطرائق الموصلة لغفران الرب: العفو والمغفرة لمن أخطأ في حقك، كما قال أبو بكر في قصة الإفك: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي» [البخاري 4750]، فنقول هنا لكل متخاصم: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾؟!
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأخ تنازل والأب تجاوز والرب غفر، إذن ليس لنا أن نثرب عليهم أو نطعن فيهم بل نأخذ العبرة وحسب.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ النفوس العظيمة تتكابر على الجراح، وتنسى آلام الماضي، وتغفر زلة الأحبة.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ العفو والصفح ثم الإحسان بالدعاء من أخلاق الأنبياء وجميل صفاتهم.
وقفة
[92] ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ لا تعيير عليكم اليوم، ولا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم.
عمل
[92] قف هنيّة، تذكر كل من أخطأ عليك، أو أساء إليك، ثم اغسل قلبك بماء العفو، وقل كما قال يوسف: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
وقفة
[92] القلوب البيضاء ستُنهي المشكلة بـ ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾، ولا تفتح سجلات الماضي.
وقفة
[92] فى الوفاق لا يمكن معرفة النبلاء، النبلاء يظهرون فى الخصومات ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾.
وقفة
[92] يلاقى المرء فى حياته آلاف الأشخاص، أكثرهم بقاءً فى الذاكرة: أطيبهم لفظًا وأسرعهم بسمةً وسلامًا وأقلهم غضبًا وعتابًا ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾.
وقفة
[92] والله لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [88] لبرز لهم التوقيع عليها: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾.
وقفة
[92] ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: 22] في الإحسان إلى المسيء شرف الاتصاف بصفات الخالق؛ إذ يجعلون له الصاحبة والولد، وهو يعافيهم ويرزقهم، وفيه فطام للمسيء عن إساءته، وتعريف له بقبح ظلمه.
وقفة
[92] ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ﴾، طوى بها ألم الكيد الذي امتد لأعوام، عظماء الأرواح لطيفون حتى في قبول اعتذار من آذاهم بعنف.
وقفة
[92] يزداد التعجب ويشتد الاستغراب من أناس يقرؤون سورة يوسف، يرون ما عمله إخوته معه عندما فرقوا بينه وبين أبيه، وما ترتب على ذلك من مآسي وفواجع: إلقاء في البئر، وبيعه مملوكًا، وتعريضه للفتن وسجنه، واتهامه بالسرقة. بعد ذلك كله يأتي منه ذلك الموقف الرائع: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ يرون ذلك فلا يعفوا ولا يصفحوا؟ فهلا عفوت أخي كما عفا بلا مَنٍّ ولا أذى؟ ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟
وقفة
[92] الأنبياء رمز التسامح، هذا يوسف قال لإخوته: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ قبل أن يطلبوا منه، ولم يوبخهم بل قال: نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي.
وقفة
[92] العفو من شيم الكرام؛ ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾؛ وأعظم عفو شملته البشرية ما فعله ﷺ في فتح مكة مع من ظلموه.
وقفة
[92] أسقط حق نفسه بقوله: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾، ثم دعا الله أن يغفر لهم حقه: ﴿يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
وقفة
[92] مهما كنت تشعر حاول أن يكون تعاملك مع عباد الله دائرًا حول حمى هذه الكلمات: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
وقفة
[92] يوسف: ﴿يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾، ويعقوب: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ﴾ [98]، الشباب أسرع عاطفة من الشيوخ، فيوسف استغفر لهم مباشرة ويعقوب وعدهم.
وقفة
[92] طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ، ألم ترَ قول يوسف: ﴿يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾، وقال يعقوب: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ﴾ [98].
وقفة
[92] عند العزيز كان يقدر على الخطيئة لكنه قال: ﴿مَعَاذَ اللَّـهِ﴾، وعند الملك كان يقدر على الإنتقام لكنه قال: ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [23]، قيمتنا أحيانًا فيما لا نفعل.
تفاعل
[92] ﴿يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ﴾ ادعُ الله الآن أن يغفر لك ولإخوانك.
وقفة
[92، 93] ﴿يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ﴾، ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا﴾ لم تشغله فرحة الصفاء مع إخوانه عن أبيه، بِرّ العظماء بوالديهم عجيب.

الإعراب :

  • ﴿ قَالَ:
  • فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. والجملة بعدها: في محل نصب مفعول به - مقول القول -.
  • ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ:
  • لا: نافية للجنس تعمل عمل \"انّ\" تثريب اسم \"لا\" مبني على الفتح في محل نصب. عليكم: جا اومجرور متعلق بخبر \"لا\" المحذوف. التقدير: لا تثريب كائن أو موجود عليكم. والميم علامة جمع المذكور. ولاتثريب: بمعنى لا عتاب وَلَا لوم وَلَا تأنيب عليكم.
  • ﴿ الْيَوْمَ
  • اليوم: مفعول به منصوب بالفتحة على الظرفية الزمانية متعلق بتثريب أو بالمقدر في عليكم من معنى الاستقرار والمعنى لا إثم بكم اليوم.
  • ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ:
  • جملة ابتدائية بعد قول أي ثم ابتدأ فقال. يغفر: فعل مضارع على لفظ الماضي والمضارع والستقبل وفيه معنى الدعاء: مرفوع بالضمة. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. لكم: جار ومجرور متعلق بيغفر والميم علامة جمع المذكور.
  • ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ:
  • الواو: استئنافيّة. هو: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. أرحم: خبر \"هو\" مرفوع بالضمة. الراحمين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [92] لما قبلها :     ولَمَّا اعترفوا بفضله عليهم، وبكونهم مجرمين خاطئين؛ عفا عنهم، دون لوم ولا تأنيب ولا تعيير، قال تعالى:
﴿ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [93] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى ..

التفسير :

[93] ولما سألهم عن أبيه أخبروه بذهاب بصره من البكاء عليه، فقال لهم:عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي هذا فاطرحوه على وجه أبي يَعُدْ إليه بصره، ثم أحضِروا إليَّ جميع أهلكم.

أي:قال يوسف عليه السلام لإخوته:{ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} لأن كل داء يداوى بضده، فهذا القميص - لما كان فيه أثر ريح يوسف، الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم - أراد أن يشمه، فترجع إليه روحه، وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره، ولله في ذلك حكم وأسرار، لا يطلع عليها العباد، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر.

{ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} أي:أولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم، ليحصل تمام اللقاء، ويزول عنكم نكد المعيشة، وضنك الرزق.

ثم انتقل يوسف- عليه السلام- من الحديث عن الصفح عنهم إلى الحديث عن أبيه الذي ابيضت عيناه عليه من الحزن فقال:

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ.

أى. اذهبوا يا إخوتى بقميصي هذا «فألقوه على وجه أبى» الذي طال حزنه بسبب فراقي له «يأت بصيرا» أى يرتد إليه كامل بصره، بعد أن ضعف من شدة الحزن.

«وأتونى» معه إلى هنا ومعكم أهلكم جميعا من رجال ونساء وأطفال.

وقول يوسف هذا إنما هو بوحي من الله- تعالى- فهو- سبحانه- الذي ألهمه أن إلقاء قميصه على وجه أبيه يؤدى إلى ارتداد بصره إليه كاملا، وهذا من باب خرق العادة بالنسبة لهذين النبيين الكريمين.

يقول : اذهبوا بهذا القميص ، ( فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ) وكان قد عمي من كثرة البكاء ، ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) أي : بجميع بني يعقوب .

القول في تأويل قوله تعالى : اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)

قال أبو جعفر:ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته ، سألهم عن أبيهم ، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: ( اذهبوا بقميصي هذا ) .

* * *

*ذكر من قال ذلك:

19800- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: قال لهم يوسف:ما فعل أبي بعدي؟ قالوا:لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين ).

* * *

وقوله: ( يأت بصيرًا ) يقول:يَعُدْ بصيرًا (27) ، ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم .

* * *

----------------------

الهوامش:

(27) هذا معنى يقيد في معاجم اللغة ، في باب" أتى" ، بمعنى : عاد ، وهو معنى عزيز لم يشر إليه أحد من أصحاب المعاجم التي بين أيدينا .

التدبر :

وقفة
[93] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا﴾ القميص الذي لم يأكله الذئب، ولم تمزقه السنين، ولم يسلبه السجن شذاه.
وقفة
[93] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا﴾ القميص الذي جلب الحزن للأب، هو ذاته سيجلب الفرح، وفي ذلك إشارة أن لا نتعلق بالأشياء.
وقفة
[93] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا﴾ قيل: إن الذي ذهب بالقميص، هو أخوه الأكبر، الذي رفض العودة إلى أبيه في حادثة بنيامين.
وقفة
[93] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا﴾ لأنَّ كلَّ داءٍ يُداوى بضده، فهذا القميص -لما كان فيه أثر ريح يوسف عليه السلام، الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم- أراد أن يشمَّه؛ فترجع إليه روحه، وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره.
وقفة
[93] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا﴾ من حق الروح التي فجعت بقميص ملئ دمًا وفجيعة؛ أن تسعد بقميص ملئ عبقًا وعطرًا.
وقفة
[93] بر الابن وعاطفته: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا﴾ أهم قضية الآن ذاك الذي ابيضت عيناه لفراقي !خذوا قميصي، وإن شئتم فاقطعوا جزءًا مني وقربوه له، دعوه يطمئن حتى مسافة الطريق بيني وبينه لا أريد أن يمشيها مبيض العين .
عمل
[93] أيها الابن أو البنت: إذا ابتعدت عن والديك؛ فاترك بعض بقاياك، أو أسمعهما صوتك، أرأيت ثوب يوسف، كيف أثر ببصر أبيه عليهما السلام ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا﴾.
وقفة
[93] ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ولما كان مبدأ الهمِّ الذي أصابه من القميص الذي جاؤوا عليه بدم كذب؛ عَيَّنَ هذا القميص مبدأً للسرور -دون غيره من آثاره عليه السلام- ليُدخِل السرور عليه من الجهة التي دخل عليه الهَمُّ منها.
عمل
[93] لمَّا علم يوسف عليه السلام ما آل إليه بصر أبيه بسبب حزنه عليه، قال: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾، كذلك أنت، لمَّا تعلم أن ضُرًا أصاب أحدًا بسببك، لا تتركه، بل اسعَ في جبره والتخفيف عنه.
وقفة
[93] ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ كرم وخير يوسف يأبى أن يكون على شكل صدقة لأهله، لأنهم قطعة منه، فمن لم يكن به خير لأهله فلا خير به للناس.
وقفة
[93] ما معنى السعادة إن لم تشاركها: ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾؟! فحتى أعلى النعيم -الجنة- إنما يكتمل بحضور من نحب: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: 21]، وإن من جليل النعم أن يكون هناك من تعود إليه لتقاسمه مسراتك: ﴿وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الإنشقاق: 9].

الإعراب :

  • ﴿ اذْهَبُوا:
  • أي ارجعوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأنَّ مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ بِقَمِيصِي هَذَا:
  • جار ومجرور متعلق باذهبوا والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر صفة - نعت - للقميص.
  • ﴿ فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي:
  • ي فارموه: معطوفة بالفاء على \"اذهبوا\" وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على وجه: جار ومجرور متعلق بألقوه. أَبِي: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وأعربت كلمة \"أَبِي\" بالحركة لأنَّها مفردة مضافة إِلَى ياء المتكلم.
  • ﴿ يَأْتِ بَصِيرًا :
  • أي يرتد بصيرًا كما كان أو يصير بصيرًا كقولنا: جاء البناء محكمًا بمعنى: صار. يأتِ: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب - الأمر - وعلامة جزمه: حذف آخره - حرف العلة - والكسرة دالة على الياء المحذوفة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. بصيرًا: حال منصوب بالفتحة على لفظ الكلمة وعلى معناها: خبر \"يصر والضمير المستتر يكون اسم \"يصرْ\" والإعراب الأول أفصح.
  • ﴿ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ:
  • معطوفة بالواو على \"اذهبوا\" وتعرب إعرابها. النون للوقاية والياء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. بأهلكم: جار ومجرور متعلق بإئتوني والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَجْمَعِينَ:
  • توكيد للأهل مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. وهي جمع\"أجمع\" و \"أجمع\" واحد في معنى جمع وليس له مفرد من لفظة والمؤنث جمعاء والنون عوض عن الحركة في الفرد. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [93] لما قبلها :     ولَمَّا عفا يوسُفُ عليه السلام عن إخوته، سألهم عن أبيه فأخبروه أنه قد عَمِيَ من البكاء عليه؛ فأعطاهم قميصه ليطرحوه على وجهه فيعودَ إليه بصره، قال تعالى:
﴿ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [94] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ ..

التفسير :

[94] ولما خرجت القافلة من أرض «مصر» قاصدة الشام، ومعهم القميص، قال يعقوب لمن حضره:إني لأشم رائحة يوسفَ وقميصِه، لولا أن تسفهوني وتسخروا مني، وتزعموا أن هذا الكلام صدر مني من غير شعور.

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} عن أرض مصر مقبلة إلى أرض فلسطين، شمَّ يعقوب ريح القميص، فقال:{ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} أي:تسخرون مني، وتزعمون أن هذا الكلام، صدر مني من غير شعور، لأنه رأى منهم من التعجب من حاله ما أوجب له هذا القول.

واستجاب الإخوة لتوجيه يوسف، فأخذوا قميصه وعادوا إلى أوطانهم ويصور القرآن ما حدث فيقول: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ.

و «فصلت العير» أى خرجت من مكان إلى مكان آخر. يقال: فصل فلان من بلده كذا فصولا، إذا جاوز حدودها إلى حدود بلدة أخرى.

و «تفندون» من الفند وهو ضعف العقل بسبب المرض والتقدم في السن.

والمعنى: وحين غادرت الإبل التي تحمل إخوة يوسف حدود مصر، وأخذت طريقها إلى الأرض التي يسكنها يعقوب وبنوه، قال يعقوب- عليه السلام- لمن كان جالسا معه من أهله وأقاربه، استمعوا إلى «إنى لأجد ريح يوسف» .

أى: رائحته التي تدل عليه، وتشير إلى قرب لقائي به.

و «لولا» أن تنسبونى إلى الفند وضعف العقل لصدقتمونى فيما قلت، أو لولا أن تنسبونى إلى ذلك لقلت لكم إنى أشعر أن لقائي بيوسف قد اقترب وقته وحان زمانه.

فجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه.

وقد أشم الله- تعالى- يعقوب- عليه السلام- ما عبق من القميص من رائحة يوسف من مسيرة أيام، وهي معجزة ظاهرة له- عليه الصلاة والسلام-.

وقال الإمام مالك- رحمه الله- أوصل الله- تعالى- ريح قميص يوسف ليعقوب، كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه.

( ولما فصلت العير ) أي : خرجت من مصر ، ( قال أبوهم ) يعني : يعقوب ، عليه السلام ، لمن بقي عنده من بنيه : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) تنسبوني إلى الفند والكبر .

قال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : سمعت ابن عباس يقول : ( ولما فصلت العير ) قال : لما خرجت العير ، هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) قال : فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام .

وكذا رواه سفيان الثوري ، وشعبة ، وغيرهما عن أبي سنان ، به .

وقال الحسن وابن جريج : كان بينهما ثمانون فرسخا ، وكان بينه وبينه منذ افترقا ثمانون سنة .

وقوله : ( لولا أن تفندون ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وقتادة ، وسعيد بن جبير : تسفهون .

وقال مجاهد أيضا ، والحسن : تهرمون .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب ، (28) قال أبوهم يعقوب: ( إني لأجد ريح يوسف ) . ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير ، فأذن لها ، فأتته بها .

* * *

*ذكر من قال ذلك:

19801- حدثني يونس ، قالأخبرنا ابن وهب ، قال:حدثني أبو شريح ، عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال، استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير ، ففعل. قال يعقوب: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ). (29)

19802- حدثنا أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) ، قال:هاجت ريح ، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ). (30)

19803- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( ولما فصلت العير ) قال:هاجت ريح ، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.

19804- حدثني أبو السائب ، قال:حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن ابن أبي الهذيل قال، سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف ، وهو منه على مسيرة ثمان ليال.

19805- حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد ، قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال، كنت إلى جنب ابن عباس ، فسئل:من كم وجد يعقوب ريح القميص؟ قال:من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال.

19806- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا جرير ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال: قال لي أصحابي:إنك تأتي ابن عباس ، فسله لنا. قال: فقلت:ما أسأله عن شيء ، ولكن أجلس خلف السرير، فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي ، فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ، قال ابن أبي الهذيل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة.

19807- حدثنا الحسن بن محمد ، قال:حدثنا علي بن عاصم ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال:سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال:فقلت في نفسي:هذا كمكان البصرة من الكوفة

19808- حدثنا أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا أبي ، ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال:قلت له:ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة . واللفظ لحديث أبي كريب.

19809- حدثنا الحسين بن محمد ، قال، حدثنا عاصم وعلي ، قالا أخبرنا شعبة قال، أخبرني أبو سنان ، قال، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس في هذه الآية: ( إني لأجد ريح يوسف ) ، قال:وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة.

19810- حدثني المثنى ، قال:حدثنا آدم العسقلاني ، قال، حدثنا شعبة ، قال:حدثنا أبو سنان ، قال:سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس ، مثله .

19811- ... قال: حدثنا أبو نعيم ، قال:حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: كنا عند ابن عباس فقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال: وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال.

19812- حدثنا الحسن بن يحيى ، قالأخبرنا عبد الرزاق ، قالأخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال:سمعت ابن عباس يقول: ( ولما فصلت العير ) قال:لما خرجت العير، هاجت ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) قال:فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.

19813- حدثنا بشر ، قال:حدثنا يزيد ، قال:حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا ، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان ، وقد أتى لذلك زمان طويل. (31)

19814- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال: بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخًا ، وقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) وكان قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.

19815- حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:وجد ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام.

19816- ... قال:حدثنا أبو أحمد ، قال:حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، قوله: ( ولما فصلت العير ) قال:فلما خرجت العير هبت ريح ، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام.

19817- حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما فصلت العير من مصر استروَح يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن عنده من ولده: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون ).

* * *

وأما قوله: ( لولا أن تفندون ) ، فإنه يعني: لولا أن تعنّفوني ، وتعجّزوني ، وتلوموني ، وتكذبوني.

ومنه قول الشاعر: (32)

يَـا صَـاحِبَيَّ دَعَـا لَـوْمِي وَتَفْنِيـدِي

فَلَيْسَ مَـا فَـاتَ مِـنْ أَمْـرِي بمَرْدُودِ (33)

ويقال: " أفند فلانًا الدهر " ، وذلك إذا أفسده، ومنه قول ابن مقبل:

دَعِ الدَّهْــرَ يَفْعَــلْ مَـا أَرَادَ فإنَّـهُ

إِذا كُــلِّفَ الإفْنَــاد بالنِّـاسِ أَفْنَـدا (34)

* * *

واختلف أهل التأويل في معناه.

فقال بعضهم: معناه:لولا أن تسفهوني.

*ذكر من قال ذلك:

19818- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( لولا أن تفندون ) قال:تسفّهون.

19819- حدثنا أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا أبي ، ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، مثله .

19820- ... وبه قال، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) قال:تسفّهون.

19821- حدثني المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله ، قال: حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( لولا أن تفندون ) يقول:تجهِّلون.

19822- حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تسفهون.

19823- حدثنا أحمد ، قال، حدثنا أبو أحمد ، وحدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو نعيم ، قالا جميعًا:حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تسفهون.

19824- حدثني المثنى ، قال، حدثنا الحماني ، قال:حدثنا شريك ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وسالم عن سعيد ، : ( لولا أن تفندون ) ، قال أحدهما: تسفهون ، وقال الآخر: تكذبون.

19825- حدثني يعقوب ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تكذبون ، لولا أن تسفّهون.

19826- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال، تسفهون.

19827- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تسفهون.

19828- حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تسفهون.

19829- حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: سمعت ابن عباس يقول: ( لولا أن تفندون ) ، يقول:تسفهّون.

19830- حدثنا الحسن بن محمد ، قال:حدثنا شبابة ، قال:حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( لولا أن تفندون ) ، قال:ذهبَ عقله!

19831- حدثني محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( تفندون ) ، قال:قد ذهبَ عقله!

19832- حدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ،

19833- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال: قد ذهب عقله!

19834- حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) قال:لولا أن تقولوا:ذهب عقلك!

19835- حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تضعِّفوني.

19836- حدثني يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( لولا أن تفندون ) ، قالالذي ليس له عقل ذلك " المفنّد " ، يقول: لا يعقل. (35)

* * *

وقال آخرون:معناه:لولا أن تكذبون .

*ذكر من قال ذلك:

19837- حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا سويد بن عمرو الكلبي ، عن شريك ، عن سالم عن سعيد: ( لولا أن تفندون ) قال:تكذبون.

19838- ... قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لولا أن تهرِّمون وتكذبون.

19839- ... قال: حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال:بلغني عن مجاهد قال: تكذبون.

19840- ... قال:حدثنا عبدة، وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: لولا أن تكذبون.

19841- حدثت عن الحسين ، قال، سمعت أبا معاذ ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لولا أن تفندون ) تكذبون.

19842- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله: ( لولا أن تفندون ) قال: تسفهون أو تكذبون.

19843- حدثني محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( لولا أن تفندون ) ، يقول:تكذبون .

* * *

وقال آخرون: معناه تهرِّمون.

*ذكر من قال ذلك:

19844- حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال: لولا أن تهرِّمون.

19845- حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، مثله .

19846- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال: تهرِّمون.

19847- حدثني يعقوب ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا أبو الأشهب ، عن الحسن: ( لولا أن تفندون ) ، قال:تهرِّمون.

19848- حدثني المثنى ، قال، حدثنا عمرو بن عون ، قال، أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب وغيره ، عن الحسن ، مثله .

* * *

قال أبو جعفر: وقد بينا أن أصل " التفنيد ":الإفساد . وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل في التفنيد ، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم:الهرمُ وذهاب العقل والضعف ، وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل ، ولذلك قال جرير بن عطية:

يـا عَـاذِليَّ دَعَـا المَـلامَ وأَقْصِـرَا

طَــالَ الهَــوَى وأَطَلْتُمـا التَّفْنيـدا (36)

يعني: الملامة ، فقد تبيّن، إذ كان الأمر على ما وصفنا، أنّ الأقوال التي قالها من ذكرنا قولَه في قوله: ( لولا أن تفندون ) على اختلاف عباراتهم عن تأويله ، متقاربةُ المعاني ، محتملٌ جميعَها ظاهرُ التنـزيل ، إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض .

* * *

----------------------

الهوامش:

(28) انظر تفسير" فصل" فيما سلف 5 : 338 .

(29) الأثر : 19801 -" أبو شريح" ، وهو :" عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله المعافري" ، ثقة روى له الجماعة ، مضى برقم : 6199 .

وأما" أبو أيوب الهوزني" ، فلم أستطع أن أعرف من هو ، وقد ذكره الطبري بكنيته هنا ، وفي تاريخه 1 : 185 ، وساق هذا الخبر بنصه .

(30) الأثر : 19801 -" أبو سنان"، هو الشيباني الأكبر:"ضرار بن مرة"، ثقة، مضى برقم: 17336، 17337، وسيأتي الخبر بعد رقم: 19804 وما بعده.

و" ابن أبي الهذيل" ، هو" عبد الله ابن أبي الهذيل العنزي" ، ثقة ، مضى برقم : 13932 .

(31) قوله :" وقد أتى لذلك زمان طويل" ، يعني مدة فراق يعقوب ويوسف ، كما يظهر من الأثر التالي .

(32) هو هانئ بن شكيم العدوي ، هكذا نسبة أبو عبيدة .

(33) مجاز القرآن 1 : 318 ، وروايته هناك :" عن أمر" ، بغير إضافة .

(34) لم أجد البيت فيما بين يدي من المراجع .

(35) في المطبوعة :" يقولون : لا يعقل" ، وما في المخطوطة صواب محض ، على منهاجهم .

(36) ديوانه : 169 ، من قصيدة له طويلة ، ورواية البيت خطأ في الديوان ، صوابه ما ههنا ،" وأقصرا" ، بالراء ، من" الإقصار" ، وهو الكف عن فعل الشيء .

التدبر :

وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ قبل قدوم الفرج هنالك نسمات البشائر تهب على النفوس المتعبة تبشر بالسعد القادم!
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ متى ما أحسنت الظن بالله ولم تقنط من روحه، حتمًا ستجد ريح ما أمّلت قبل أن يصل إليك.
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ كم هو متعب الحنين, وشوق الأب لابنه الغائب لكن مع هذا العذاب فهنالك رب رحيم لم يخيب قلب تحرق شوقًا.
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ قميص في رحل بعير على بعد، ومع ذلك وجد يعقوب ريح محبوبه يوسف، التعامل بين الأحباب يكون: بالأرواح.
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ لقد حوله الإحسان والصبر والتقوى إلى عطر بشري تستروحه النفوس المؤمنة.
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ كم كان في البيت سِوى يَعقوب، وما وجد الرِّيح إلا هُو دون سِواه، فرائحة الأحباب لا يجِدها مَن جهل قَدرهم!
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ ريح الأحبة لا تُخطئها القلوب.
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ مهما نأت بالأحبة الدار أو شَطَّ بهم المزار سيبقى طيفهم ورائحتهم عالقة في الفؤاد، ربّ إني أستودعك أحبتي.
وقفة
[94] ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ روحك المثقلة المتعبة التي ملت الانتظار ستهب عليها ﻻ محالة رياح الفرج من ربها جزاء لصبرها.
وقفة
[94] ﴿قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ كم مضى من الزمان على فَقدِ يوسف! ليجد ريح يوسف فيُبصر بعد أن وجد ريحه، هذا هو الحب في قانون الحب.
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ للفرج رائحة لا يجدها إلا المتفائلون.
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ إذا أذن الله لك بشيء حُمل إليك ولو بالرياح!
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ اللهم قبسًا من يقين يعقوب، وفرحة لكل مكروب كفرحة لقاء يوسف.
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ المحسنون الظن بالله يشمون رائحة الفرج رغم بعد المسافـــات.
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ قال المفسرون: «أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام»؛ نسائم اليقين تعجل بالمأمول، ولا يردها البعد.
عمل
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ لا تفقدْ الأمل؛ بل تَفقَّده ولو في ريح سيتحقق بأمر الله.
لمسة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ عبر يعقوب عليه السلام (بالوجد) ولم يعبر (بالشم)؛ لأنه يشم ريح يوسف بروحة قبل أنفه.
لمسة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ لم يقل: (أشم) أو (أحس)؛ دلالة على يقينه وثقته، فللفرج رائحة لا يجدها إلاالموقنون.
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ هذه معجزة يعقوب، قال الرازي: «إنه تعالى أوصل تلك الرائحة إليه على سبيل إظهار المعجزات، فإن وصول الرائحة إليه من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة، فيكون معجزة، ولا بد من كونها معجزة لأحدهما، والأقرب أنه ليعقوب عليه السلام».
لمسة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ ما دلالة استخدام الفعل أجد مع الرائحة مع أنها تُشم؟ الجواب: هي تُشمّ ولكن هذه إلتفاتة لطيفة؛ كأن الريح كان ضائعًا فوجده، يوسف فعلًا كان ضائعًا، ولا يعلم أين هو، ورائحته ضائعة معه فوجده، ثم (وجد) عامة ليست بالضرورة للأشياء المادية فقط، مثل: (وجدت الكتاب)، قد تأتي للأمور القلبية: ﴿لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 64].
وقفة
[94] مهما بلغ الابن في بره لوالده فإنه لن يصل لحب الوالد لولده, ومن شك في مبلغ حب والده له فليقرأ هذه الآية: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾.
وقفة
[94] فى الأزمات: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾، ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ [طه: 40]، كلها إشارات ودلالات تقول لك: «لا عسر يدوم إلا وخلفه فرج ربك».
وقفة
[94] ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ﴾ هكذا الإنسان إذا تقدم به العمر يَسخر البعض من آرائه!
عمل
[94] كن واثقًا بعلمك الصحيح وإن جوبهتَ بالسخرية والاستهزاء، ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ﴾ دليل على أن الإنسان يكره تسفيه رأيه ويألم من ذلك لاسيما إذا هرِم! فلنراع كبار السن.
وقفة
[94، 95] صدق أبوهم حين قال: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾، وأخطأوا حين قالوا: ﴿تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾؛ نحتاج إلى مراجعة ألفاظنا مع آبائنا، ونراعي شيبتهم فقد يقولون حقًّا لا ندركه.
وقفة
[94، 95] قال يعقوب: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ فأجابوه: ﴿تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾، هو عبر عن مشاعره وأشواقه وما بداخله، فقابلوه بمحاكمتها، فائدة: لا تحاكم أحبتك حين يشتكون إليك، تعاطف معهم، هم لا يريدون قاضيًا.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ:
  • الواو: استئنافيّة. لا: اسم شرط غير جازم بمعنى \"حين\" مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب فصلت أي انفصلت: فعل ماضٍ مبني على الفتح. العير: أي الإبل أو القافلة: فاعل مرفوع بالضمة وجملة \"فصلت العير\" في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد \"لما\".
  • ﴿ قَالَ أَبُوهُمْ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. أَبُو: فاعل مرفوع بالواو بدلًا من الضمة لأنه من الأسماء الخمسة. و \"هم\" ضمير الغائبين في محل جر بالإضافة بمعنى: قال أبوهم حين انفصلت الإبل أو القافلة عن أرض مصر قال لمن كان معه. والتاء في \"فصلت\" هي تاء التأنيث لا محل لها حركت بالكسر لالتقاء الساكنين.
  • ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به - مقول القول - إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل في محل نصب اسم\"إنّ\". اللام: مزحلقة. أجد: أي أشم: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. ريح: مفعول به منصوب بالفتحة. يوسف: مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلًا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف - التنوين - لعجمته وعلميته. والجملة الفعلية في محل رفع خبر إنّ.
  • ﴿ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ:
  • لولا: حرف شرط غير جازم. أنْ: حرف مصدري ناصب. تفندون: فعل مضارع منصوب بأنْ وعلامة نصبه حذف النون. والنون الثانية: نون الوقاية والكسرة دالة على حذف ياء المتكلم اختصارًا أو لوقوعها في رأس الآية والياء المحذوفة ضمير متصل في محل نصب مفعول به و \"ان\" وما تلاها: بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ خبره محذوف وجوبًا. المعنى أو التقدير: لولا تفنيدكم كائن وجملة \"تفندون\" صلة \"أن\" المصدرية لا محل لها. وجواب الشرط محذوف. التقدير: لولا: تفنيدكم ايَّاي لصدقتموني أو لقلت إنه قريب. وبمعنى: لولا خوفي من أنْ تنسبوني إِلَى ضعف العقل لقلت لكم إنه قريب منا. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [94] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَهم يوسُفُ عليه السلام ؛ استجاب الإِخوة، فأخذوا قميصه وعادوا، فلما غادرت الإِبل حدود مصر؛ أوصل اللهُ ريحَ قميص يوسف ليعقوب، كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه، قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [95] :يوسف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ..

التفسير :

[95] قال الحاضرون عنده:تالله إنك لا تزال في خطئك القديم مِن حب يوسف، وأنك لا تنساه.

فوقع ما ظنه بهم فقالوا:{ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} أي:لا تزال تائها في بحر الحبّ لا تدري ما تقول.

ولكن المحيطين بيعقوب الذين قال لهم هذا القول، لم يشموا ما شمه، ولم يجدوا ما وجده، فردوا عليه بقولهم: قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ.

قالوا له على سبيل التسلية: إنك يا يعقوب ما زلت غارقا في خطئك القديم الذي لا تريد أن يفارقك. وهو حبك ليوسف وأملك في لقائه والإكثار من ذكره.

وقولهم : ( إنك لفي ضلالك القديم ) قال ابن عباس : لفي خطئك القديم .

وقال قتادة : أي من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه ، قالوا لوالدهم كلمة غليظة ، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ، ولا لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا قال السدي ، وغيره .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ : تالله، أيها الرجل ، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم (37) لا تنساه ، ولا تتسلى عنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

*ذكر من قال ذلك:

19849- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( إنك لفي ضلالك القديم ) ، يقول: خطائك القديم.

19850- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) أي :من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.

19851- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال: في شأن يوسف.

19852- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، قال سفيان: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:من حبك ليوسف.

19853- حدثنا ابن وكيع. قال، حدثنا عمرو ، عن سفيان ، نحوه .

19854- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:في حبك القديم.

19855- حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل الذي أنت عليه.

19856- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد في قوله: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:يعنون:حزنه القديم على يوسف ، " وفي ضلالك القديم ": لفي خطائك القديم.

----------------------

الهوامش:

(37) في المخطوطة :" لفي حطامك في ذلك القديم" غير منقوطة ، والصواب ما في المطبوعة . ولكنه كتب هناك :" خطئك" مكان" خطائك" ، وهما بمعنى واحد . وسيأتي في مواضع أخرى ، سأصححها على رسم المخطوطة .

التدبر :

وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ﴾ في أربعة مواضع: الأول يمين منهم أنهم ليسوا سارقين وأن أهل مصر بذلك عالمون: ﴿قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ﴾ [73]، والثاني يمين منهم أنك لو واظبت على الحزن تصير حرضًا أو تكون من الهالكين: ﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ [85]، والثالث يمين منهم أن الله فضله عليهم وإنهم كانوا خاطئين: ﴿قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا﴾ [91]، والرابع يمين منهم على أنه لم يزل على محبة يوسف: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾.
وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ يا لقسوة بعض الأبناء على آبائهم في الحديث!
وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ من العقوق أن تقول لأبيك: «أنت لا تفهم، لا تدري، أنت في ضلال».
وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ سموا حبه لابنه ضلالًا مبينًا، وذكره له ضلالًا قديمًا؛ مشكلة إن كان ميلك الطبيعي سببًا في رميك بالضلال.
وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ حتى أقرب الناس لك قد يستخف بآلامك، وحده الله من يرحمك.
وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ وجوب التأدب مع الأنبياء! قال قتادة: «لفي حبك القديم لا تنساه ولا تذهل عنه، قالوا كلمة غليظة، ولم يكن يجوز أن يقولوها لنبي الله».
وقفة
[95] ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ لقد كان إخوة يوسف معه في مصر، فمن الذي قال هذا الكلام ليعقوب وهو في الشام؟! إنهم أحفاده، وكانوا أشد سفاهة وجفاء وغلظة من آبائهم، فقد قدموا القسم بالله أن يعقوب في ضلال مبين، في حين قال آباؤهم: ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [8]، وكان كلام آبائهم في حق أبيهم يعقوب في غيبته ، بينما الأحفاد واجهوا جدهم بهذا الوصف الشائن في وجهه.
وقفة
[95] من حيل خصوم الحق: إذا كان ماضي آبائهم باطلًا، قالوا للناصح: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء: 74]، وإن كان ماضي آبائهم حقًا، قالوا: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾.
وقفة
[95] هل سمعت كلمة موجعة؟ هذا نبي كريم قال له أهله وأقرب الناس له في غمرات أحزانه وحلفوا أيضًا: ﴿تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾، ومع ذلك لم يرد عليهم.

الإعراب :

  • ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ:
  • أعربت في الآية الكريمة الحادية والتسعين والجملة من بعدها: جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ:
  • انّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم \"انّ\" اللام مزحلقة للتوكيد. في ضلالك: جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر \"انّ\" والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. القديم: صفة - نعت - للضلال مجرورة بالكسرة. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [95] لما قبلها :     ولَمَّا قالَ يعقوبُ ما قال، ولم يشم المحيطون به شيئًا؛ استنكروا عليه ذلك، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف