2263839404142434445

الإحصائيات

سورة هود
ترتيب المصحف11ترتيب النزول52
التصنيفمكيّةعدد الصفحات14.00
عدد الآيات123عدد الأجزاء0.65
عدد الأحزاب1.30عدد الأرباع5.90
ترتيب الطول8تبدأ في الجزء11
تنتهي في الجزء12عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 5/29آلر: 2/5

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (38) الى الآية رقم (40) عدد الآيات (3)

نوحٌ عليه السلام يصنعُ السفينةَ وقومُه يسخرُونَ منه، وبدايةُ الطُّوفانِ، فحَمَلَ في السَّفينةِ من كلِّ نوعٍ من أنواعِ الحيوانِ ذكرًا وأنْثى، وأهلَه (إلا امرأتُه وابنُه كنْعَان)، ومَنْ آمنَ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


المقطع الثاني

من الآية رقم (41) الى الآية رقم (45) عدد الآيات (5)

سارتْ السفينةُ، ونادى نوحٌ عليه السلام ابنَه ليركبَ معَه فأَبَى فكانَ مَعَ مَنْ غَرَقَ، ثُمَّ أُمِرَت الأرضُ أن تبْلَعَ ماءَها، والسماءُ أن تمسكَ المطرَ، فاستقرَّتْ السَّفينةُ على جبلِ الجُودِيِّ شمالَ العراقِ.

فيديو المقطع

قريبًا إن شاء الله


مدارسة السورة

سورة هود

الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف/ التوازن (أو: الثبات على الحق دون تهور أو ركون)

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • السورة تقدم 7 نماذج من الأنبياء الكرام::   في ظل هذه الأجواء تنزل سورة "هود" لتقول: اثبتوا واستمروا في الدعوة. نزلت بهدف : تثبيت النبي ﷺ والذين معه على الحق. نزلت تنادي: الثبات والاستمرار في الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف.
  • • سورة هود شيبت النبي ﷺ::   ذكرت السورة 7 نماذج من الأنبياء الكرام، وصبرهم على ما لاقوه من أقوامهم، كل منهم يواجه الجاهلية الضالة ويتلقى الإعراض والتكذيب والسخرية والاستهزاء والتهديد والإيذاء، وهم: نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، شعيب، موسى. وهم الأنبياء أنفسهم الذين ذُكروا في سورة الشعراء والعنكبوت (لكن ليس بنفس هذا الترتيب). وأيضًا نفس الأنبياء الذين ذكروا في سورة الأعراف إلا إبراهيم (وبنفس ترتيب هود). وكأنها تقول للنبي ﷺ وأصحابه: هذا ما حدث للأنبياء قبلكم، أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم، ومع هذا ثبتوا وصبروا واستمروا؛ فاثبتوا واصبروا واستمروا مثلهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «هود».
  • • معنى الاسم ::   هو نبي الله هود عليه السلام، أرسله الله إلى عاد في الأحقاف التي تقع جنوب الجزيزة العربية بين عُمان وحضر موت.
  • • سبب التسمية ::   لتكرار اسمه فيها خمس مرات، ولأنه ما حكي عنه فيها أطول مما حكي عنه في غيرها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   : لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   رعاية الله عز وجل لأوليائه ولطفه بهم في أوقات الشدائد والمحن.
  • • علمتني السورة ::   أن التوحيد أول الواجبات: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن العبرة بالأحسن، لا بالأكثر! فالله لم يقل: (أكثر عملًا)، بل قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
  • • علمتني السورة ::   أن أقارن بين خاتمة المجرمين والمؤمنين، فقد وجدت الكافرين في النار، ليس لهم أولياء يدفعون عنهم العذاب الأليم، أما المؤمنون فـ ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (23)، فالفريق الأول (الكفار) مثلهم كمثل الأعمى الأصم، والفريق الثاني (المؤمنون) كالبصير السميع، وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (24).
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْت»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كَوِّرَتْ».
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة هود من المئين التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان الزبور.
    • عَنْ كَعْب الأحبار قَالَ: «فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ الْأَنْعَامُ، وَخَاتِمَتُهَا هُودٌ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • سورة هود من السور الخمس التي شيبت النبي صلى الله عليه وسلم (حديث: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» سبق قبل قليل).
    • سورة هود احتوت على أطول قصة لنوح في القرآن الكريم، وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور، ولا سورة الأعراف على طولها، ولا سورة نوح التي أفردت لقصته.
    • سورة هود تشبه سورة الأعراف من حيث الموضوع؛ فكلتاهما تتناولان قصة التوحيد في مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ من خلال قصص الأنبياء، ولكن تبقى لكل سورة أسلوبها الخاص؛ فمثلًا نجد سورة الأعراف ركزت وفصلت كثيرًا في قصة موسى خاصة مع بني إسرائيل في ما يقارب من 70 آية من السورة، بينما قصة موسى ذكرت في 4 آيات من سورة هود، ونجد سورة هود فصلت أكثر في قصة نوح من سورة الأعراف.
    • سورة هود وسورة النحل تعتبر من أطول سور المئين، فهما من أطول سور القرآن الكريم بعد سور السبع الطِّوَال.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نصبر ونستمر في الدعوة إلى الله رغم كل الظروف، دون أي تهور أو ركون.
    • أن نستغفر الله دومًا ونتوب إليه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، فإذا تم هذا كان العيشُ الهانئ في الدنيا: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، والتكريم في الآخرة: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، وإلا كان التهديد والوعيد بعذاب الآخرة الدائم: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ (3).
    • أن نراقب الله في السر والعلن: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (5).
    • أن نجتهد في طلب الرزق، متيقنين أن الله هو الرزاق: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (6).
    • ألا نتكبر إذا أصابنا الخير بعد الشر؛ بل نشكر الله تعالى على نعمه: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ (10).
    • أن نراجع مشروعاتنا في الحياة؛ هل سننتفع بها في الآخرة؟: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (16).
    • أن نعمل أعمالًا صالحة تشهد لنا بها الأشهاد يوم القيامة: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾ (18).
    • أن نتقي ظلم أنفسنا بالمعاصي، أو ظلم غيرنا بإضلالهم: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (18، 19).
    • أن نصلي ركعتين، ثم ندعو الله ونتضرع إليه أن يرزقنا الإخبات إليه (أي: التواضع والتسليم له): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ (23).
    • ألا نحتقر أحدًا في دعوتنا لمكانته الاجتماعية أو المادية: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (27).
    • أن نحتسب في تعليم المسلمين ودعوتهم إلى الله: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـه﴾ (29).
    • أن نكثر من زيارة الضعفاء، ونقدّم لهم الهدايا والعطايا: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ﴾ (30).
    • ألا نيأس إذا قَلَّ من يسمع نصحنا، أو كَثُرَ مخالفونا؛ فإنَّ الأنبياء قد أفنوا أعمارهم الطويلة في الدعوة، ولم يستجب لبعضهم إلا القليل: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (40).
    • أن نُذَكِّر من حولنا بنعم الله تعالى عليهم وإحسانه لهم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه﴾ (61).
    • أن نلقي السلام، وأن نرد بأحسن منه، فضيوف إبراهيم عليه السلام حين دخلوا سلموا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا﴾ (69)، وهو رد: ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ هم حيـَّوه بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث، ورد عليهم بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت، فكان رد إبراهيم عليه السلام بأحسن من تحيتهم.
    • أن نتم الكيل والوزن، ولا نبخس الناس أشياءهم: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نفتش في أنفسنا: هل ظلمنا أحدًا في عرض، أو مال، أو غيره، ثم نردّ الحقوق لأهلها: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (85).
    • أن نبتعد عن الظلم والظالمين: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (113).
    • أن نحافظ على أداء الصلوات أول وقتها مع الجماعة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ (114).
    • أن ننكر على أهل البدع أو المجاهرين بالمعاصي بأسلوب حكيم: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ (116).

تمرين حفظ الصفحة : 226

226

مدارسة الآية : [38] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ ..

التفسير :

[38] ويصنع نوح السفينة، وكلَّما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا منه، قال لهم نوح:إن تسخروا منا اليوم لجهلكم بصدق وعد الله، فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق كما تسخرون منا.

تفسير الآيتين 38 و 39:ـ

فامتثل أمر ربه، وجعل يصنع الفلك{ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ} ورأوا ما يصنع{ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا} الآن{ فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} نحن أم أنتم. وقد علموا ذلك، حين حل بهم العقاب.

وقوله- تعالى- وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ بيان لامتثال نوح لأمر ربه.

وجاء التعبير بالفعل المضارع مع أن الصنع كان في الماضي: استحضارا لصورة الصنع، حتى لكأن نوحا- عليه السلام- يشاهد الآن وهو يصنعها.

ثم بين- سبحانه- موقف قومه منه وهو يصنعها وقال: وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ....

والسخرية: الاستهزاء. يقال: سخر فلان من فلان وسخر به، إذا استخف به وضحك منه.

أى: امتثل نوح لأمر ربه، فطفق يصنع الفلك، فكان الكافرون من قومه كلما مروا به وهو يصنعها استهزءوا به، وتعجبوا من حاله، وقالوا له على سبيل التهكم به، يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيا، كما جاء في بعض الآثار.

وهنا يرد عليهم نوح بقوله: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ.

أى قال نوح لهم: إن تسخروا منى ومن أتباعى اليوم لصنعنا السفينة، وتستجهلوا منا هذا العمل، فإنا سنسخر منكم في الوقت القريب سخرية محققة في مقابل سخريتكم الباطلة.

قال الإمام الرازي: وقوله إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فيه وجوه:

الأول: التقدير: إن تسخروا منا في هذه الساعة فإنا نسخر منكم سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والخزي في الآخرة.

الثاني: إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله وعذابه، فأنتم أولى بالسخرية منا.

الثالث: إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم، واستجهالكم أقبح وأشد، لأنكم لا تستجهلون إلا لأجل الجهل بحقيقة الأمر، والاغترار بظاهر الحال، كما هو عادة الأطفال .

وقوله : ( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) أي : يطنزون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق ، ( قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون ) وعيد شديد ، وتهديد أكيد ،

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويصنع نوح السفينة، وكلما مرّ عليه جماعة من كبراء قومه (1) ، ( سَخِرُوا مِنْهُ ) ، يقول: هزئوا من نوح، ويقولون له: أتحوّلت نجارًا بعد النبوّة ، وتعمل السفينة في البر ؟ ، فيقول لهم نوح: ( إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا ) ، إن تهزءوا منا اليوم، فإنا نهزأ منكم في الآخرة ، كما تهزءون منا في الدنيا (2) ، (فسوف تعلمون) ، إذا عاينتم عذابَ الله، مَن الذي كان إلى نفسه مُسِيئًا منَّا .

* * *

وكانت صنعة نوح السفينة ، كما:-

18133- حدثني المثنى وصالح بن مسمار قالا حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا موسى بن يعقوب قال، حدثني فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع: أنّ إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، أخبره : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو رحم الله أحدًا من قوم نوح لرحم أم الصبي ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ، حتى كان آخر زمانه غَرس شجرةً، فعظمت وذهبت كلَّ مذهب، ثم قطعها، ثم جعل يعمل سفينة، ويمرُّون فيسألونه، فيقول: أعملها سفينة ! فيسخرون منه ويقولون: تعمل سفينةً في البر فكيف تجري ! فيقول: سوف تعلمون. فلما فرغ منها ، وفارَ التنور ، وكثر الماء في السكك ، خشيت أمُّ الصبيِّ عليه، وكانت تحبّه حبًّا شديدًا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثُلُثه . فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل . فلما بلغها الماء خرجت ، حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها رفعتْه بين يديها ، حتى ذهب بها الماء . فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم أمّ الصبيّ . (3)

18134- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن طول السفينة ثلاث مائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعًا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعًا، وبابها في عرضها

18135- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مبارك، عن الحسن، قال: كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ست مائة ذراع.

18136- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن مفضل بن فضالة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال الحواريُّون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدَّثنا عنها ! قال: فانطلق بهم حتى انتهى بهم إلى كثيب من تراب، فأخذ كفًّا من ذلك التراب بكفه، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب حام بن نوح. قال: فضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن الله ! فإذا هو قائمٌ ينفُض التراب عن رأسه قد شَابَ ، قال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا ولكن مِتُّ وأنا شابّ، ولكني ظننت أنها الساعة، فمن ثَمَّ شِبتُ. قال: حدثنا عن سفينة نوح . قال: كان طولها ألف ذرع ومائتي ذراع، وعرضها ست مائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدوابُّ والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير. فلما كثر أرواث الدوابِّ، أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذَنب الفيل ، فغمزه فوقع منه خنـزير وخنـزيرة، فأقبلا على الرَّوْث. فلما وقع الفأر بجَرَز السفينة يقرضه، (4) أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخره سِنَّور وسنّورة، فأقبلا على الفأر، فقال له عيسى: كيف علم نوح أنّ البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغرابَ يأتيه بالخبر، فوجد جيفةً فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت قال: فطوَّقَها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنسٍ وأمان، فمن ثم تألف البيوت. قال: فقلنا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا، فيجلس معنا، ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عُدْ بإذن الله، قال: فعاد ترابًا. (5)

18137- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق عمن لا يتَّهم عن عبيد بن عمير الليثي: أنه كان يحدّث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به ، يعني قوم نوح ، فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " ، حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النَّجْل بعد النَّجْل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من القرن الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول: " قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونًا " ! لا يقبلون منه شيئًا . حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله تعالى، كما قص الله علينا في كتابه: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا ، إلى آخر القصة، حتى قال : رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا ، إلى آخر القصة [سورة نوح: 5 -27] فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله واستنصره عليهم، أوحى الله إليه أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ....... وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ، أي : بعد اليوم، إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ . فأقبل نوح على عمل الفلك، ولَهِيَ عن قومه، وجعل يقطع الخشب، ويضرب الحديد ، ويهيئ عدة الفلك من القَار وغيره مما لا يصلحه إلا هو ، وجعل قومه يمرُّون به وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه ويستهزئون به، فيقول: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ، قال: ويقولون فيما بلغني: يا نوح قد صرت نجَّارًا بعد النبوّة ! قال: وأعقم الله أرحام النساء، فلا يولد لهم ولد. قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب السّاج، وأن يصنعه أزْوَر، (6) وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعًا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطًا وعلوًا، وأن يجعل فيه كُوًى. ففعل نوح كما أمره الله، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ وقد جعل التَّنُّور آية فيما بينه وبينه ، فقال : ( إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ) ، واركب. فلما فار التنور، حمل نوح في الفلك من أمره الله، وكانوا قليلا كما قال الله، وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر ، ذكر وأنثى، فحمل فيه بنيه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناس ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره به من الدوابّ، وتخلف عنه ابنه يَام، وكان كافرًا. (7)

18138- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: كان أوّل ما حمل نوح في الفلك من الدوابّ الذرّة، وآخر ما حمل الحمار ، فلما أدخل الحمار وأدخَل صدره ، تعلق إبليس بذنبه، (8) فلم تستقلّ رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك ادخل ! فينهض فلا يستطيع. حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك ! قال: كلمة زلَّت عن لسانه، فلما قالها نوح خلَّي الشيطان سبيله، فدخل ودخل الشيطانُ معه، فقال له نوح: ما أدخلك عليّ يا عدوَّ الله؟ فقال: ألم تقل: " ادخل وإن كان الشيطان معك "؟ قال: اخرج عنّي يا عدوّ الله ! فقال: ما لك بدٌّ من أن تحملني ! فكان ، فيما يزعمون ، في ظهر الفلك ، فلما اطمأن نوح في الفلك، وأدخل فيه من آمن به، وكان ذلك في الشهر . . . . (9) من السنة التي دخل فيها نوح بعد ست مائة سنة من عمره ، لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر ، فلما دخل وحمل معه من حمل، تحرك ينابيع الغوط الأكبر، (10) وفتح أبواب السماء، كما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إذا َتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ، [ سورة القمر: 11-12] . فدخل نوح ومن معه الفلك ، وغطاه عليه وعلى من معه بطَبَقه، (11) فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يومًا وأربعون ليلة، ثم احتمل الماء كما تزعم أهل التوراة، وكثر الماء واشتد وارتفع ، يقول الله لمحمد: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ، [سورة القمر: 13] ، و " الدسر " ، المسامير، مسامير الحديد ، فجعلت الفلك تجري به ، وبمن معه في موج كالجبال ، ونادي نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك، وكان في معزلٍ حين رأى نوحٌ من صدق موعد ربه ما رَأى ، فقال: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ، وكان شقيًّا قد أضمر كفرًا . قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ، وكان عَهِد الجبال وهي حِرْزٌ من الأمطار إذا كانت، فظنّ أن ذلك كما كان يعهد. قال نوح: لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ، وكثر الماء حتى طغى ، وارتفع فوق الجبال ، كما تزعم أهل التوراة ، بخمسة عشر ذراعًا، فباد ما على وجه الأرض من الخلق ، من كل شيء فيه الروح أو شجر، فلم يبق شيء من الخلائق إلا نوح ومن معه في الفلك، وإلا عُوج بن عُنُق فيما يزعم أهل الكتاب ، فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر ليالٍ. (12)

18139- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد بن جدعان ، قال ابن حميد، قال سلمة ، وحدثني علي بن زيد عن يوسف بن مهران، قال: سمعته يقول: لما آذى نوحًا في الفلك عَذِرة الناس، أمر أن يمسح ذنب الفيل، فمسحه، فخرج منه خنـزيران، وكفي ذلك عنه. وإن الفأر توالدت في الفلك، فلما آذته، أمر أن يأمر الأسد يعطس، فعطس ، فخرج من منخريه هِرّان يأكلان عنه الفأر.

18140- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: لما كان نوح في السفينة، قرض الفأر حبالَ السفينة، فشكا نوح، فأوحى الله إليه ، فمسح ذنب الأسد ، فخرج سِنَّوران. وكان في السفينة عذرة، فشكا ذلك إلى ربه، فأوحى الله إليه، فمسح ذنب الفيل، فخرج خنـزيران

18141- حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال ، حدثنا الأسود بن عامر قال، أخبرنا سفيان بن سعيد، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، بنحوه. (13)

18142- حدثت عن المسيب بن أبي روق، عن الضحاك، قال: قال سليمان القراسي: عمل نوح السفينة في أربع مائة سنة، وأنبت الساج أربعين سنة ، حتى كان طوله أربع مائة ذراع، والذراع إلى المنكب. (14)

---------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " الملأ " فيما سلف ص : 295 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير " سخر " فيما سلف 14 : 382 ، تعليق : 2 .

(3) الأثر : 18133 - " ابن أبي مريم " ، هو : " سعيد بن أبي مريم " ، ثقة : روى له الجماعة ، سلف مرارًا ، آخرها : 12771 ." وموسى بن يعقوب بن يعقوب الزمعي " ، ثقة ، متكلم فيه ، مضى توثيقه برقم : 9923 ، ورقم : 15756 ، 15822 ، وقال علي بن المديني : " ضعيف الحديث ، منكر الحديث " ، وقال الأثرم : سألت أحمد عنه ، فكأنه لم يعجبه . " وفائد ، مولى عبيد الله بن بن علي بن أبي رافع ، عبادل " ، وهو " فائد ، مولى عبادل " ، ثقة لا باس به . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 131 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 84 . " وإبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي " ، هو " إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة " ، ثقة ، روى عن خالته عائشة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 296 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 111 .هذا إسناد " حسن " . ورواه الطبري بهذا الإسناد نفسه في تاريخه 1 : 91 . وقد رواه من هذه الطريق نفسها ، الحاكم في المستدرك 2 : 342 ، 547 ثم قال : " هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه " ، ولكن الذهبي قال : " إسناده مظلم . وموسى ، ليس بذاك " ، وهذا شديد ، وأقرب منه ما قاله ابن كثير في تفسيره 4 : 367 ، 368 ، ورواه عن هذا الموضع من تفسير الطبري ، ومن تفسير الحبر أبي محمد بن أبي حاتم ، ثم قال : " وهذا حديث غريب من هذا الوجه . وقد روى عن كعب الأحبار ، ومجاهد بن جبير ، قصة هذا الصبي وأمه بنحو هذا " . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8 : 200 ، وقال : " رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه موسى بن يعقوب الزمعي ، وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه ابن المديني ، وبقية رجاله ثقات " .

(4) في المطبوعة " بحبل السفينة " ، وفي المخطوطة : " يحرر " غير منقوطة ، ورأيت أن أقرأها كذلك ، و " الجرز " ( بفتح الجيم والزاي ) صدر الإنسان أو وسطه ، كما قالوا له : " الجؤجؤ " ، وهو صدر الطائر . وفي تاريخ الطبري " بخرز " ، كأن جمع " خرزة " .

(5) الأثر 18136 - " المفضل بن فضالة بن أبي أمية القرشي " ليس بذاك ، وقيل : في حديثه نكارة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 405 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 317 ، وميزان الاعتدال 3 : 195 ." وعلي بن زيد بن جدعان " ، سلف مرارًا ، آخرها رقم : 17861 ، وقد ذكرت هناك توثيق أخي السيد أحمد رحمه الله ، له . وذكرت تضعيف الأئمة لحديثه ، ورجحت أن يعتبر بحديثه . وهذا خبر لا شك أنه من بقية أخبار بني إسرائيل وأشباههم ، لا يبلغ أن يكون شيئا .

ورواه الطبري في تاريخه 1 : 91 ، 92 .

(6) " أزور " ، من " الزور " ، (بفتح فسكون ) وهو الصدر ، و " الزور " ( بفتحتين ) ، وهو عوج الزور ، وهو أن يستدق جوشن الصدر ، ويخرج الكلكل ، كأنه عصر من جانبيه .

(7) الأثر : 18137 - رواه الطبري في تاريخه 1 : 92 ، 93 .

(8) في المطبوعة : " فلما دخل الحمار وأدخل رأسه مسك إبليس " ، وفي المخطوطة : " فلما أدخل الحمار ، وأدخل صدره إبليس بذنبه " ، الأولى " أدخل " ، وبين الكلامين بياض ، وأثبت الصواب من تاريخ الطبري .

(9) سقط من المخطوطة والمطبوعة عدد الشهر الذي ذكره ، وساق الكلام سياقًا واحدًا ، فوضعت النقط دلالة على هذا السقط ، ولكن هكذا جاء أيضًا في التاريخ .

(10) " الغوط " ( بفتح فسكون ) و" الغائط " ، المتسع من الأرض من طمأنينة ، وهو هنا : عمق الأرض الأبعد .

(11) " الطبق " ، غطاء كل شيء . وكان في المطبوعة : " بطبقة " ، وهو خطأ .

(12) الأثر : 18138 - رواه الطبري في تاريخه 1 : 93 ، 94 .

(13) الأثر : 18141 - " إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني ، السعدي ، شيخ الطبري ، كان من الحفاظ ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 148 " ." والأسود بن عامر ، شاذان " ، ثقة ، مضى برقم : 13927 .

(14) الأثر : 18142 - " المسيب " ، هو " المسيب بن شريك التميمي " ، متروك سلف برقم : 16806 . " وسليمان القراسي " ، لم أعرف من يكون .وكان في المخطوطة والمطبوعة : " المسيب بن أبي روق " ، وهو خطأ صرف وسيأتي على الصواب برقم : 18173 .قلت : وهذه الأخبار الآنفة ، كلها رجم من رجم أصحاب الكتب السالفة ، لا خير فيها ، إلا أنهم ربما أثبتوها في كتبهم ، لأنه كان هكذا يروى ، ولكن ما من أحد من أهل العلم يعدها حجة على شيء ، أو مظنة اعتقاد بصحتها .

التدبر :

لمسة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ﴾ بالمضارع مع أن الفعل حدث في الماضي، هذا يسمى حكاية الحال، تذكر أمرًا ماضيًا تذكره بالفعل المضارع تنقله إلى المشاهدين كأنما هو الآن.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ كان ذلك الفلك أهم ما تحتاجه البشرية لتنجو من الهلاك، دائمًا أهل الخير في المقدمة لإنقاذ البشرية.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ صاحب الهم والقضية يباشر الموضوع بنفسه وينزل للميدان.
عمل
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ لن يقبل الناس فكرتك ما لم تشاركهم في الميدان.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ سخرية الناس لا تعني أنك مخطئ، والعبرة بالنهايات وليس بالبدايات!
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ سخروا من صنع سفينة أنجت البشرية! هذا ما يجيده عدو النجاح فلا تهتم به.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ أقدم حملات السخرية من المشاريع الإسلامية، فكان هذا المشروع لإنقاذ الفئة المؤمنة.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ بيان عادة المشركين في الاستهزاء والسخرية بالأنبياء وأتباعهم.
عمل
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ (ويصنع) لا تجعل من سخرية المكذبين مانعًا من الاستمرار بدعوتك.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ لا يسخرون إلا من العامل، لا تحزن، سخريتهم وسام لك.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ لن يسلم العامل لدين الله من الساخرين حتى لو كان نبيًّا يوحى إليه.
عمل
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ ما دمتَ تعمل؛ ستجد الأقزام والسفهاء، استمر في مشروعك.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ مشاريع المصلحين واضحة، ليس لديهم ما يخشون ظهوره.
عمل
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ اصبر، ابن مشروعك، وفكر فيما بعد اللحظة الراهنة!
عمل
[38] أرسل رسالة تحذر فيها من السخرية بالعلماء؛ فإنهم ورثة الأنبياء ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾.
وقفة
[38] ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ جعل قومه يمرون به وهو في عمله، ويسخرون منه، ويقولون: يا نوح، لقد صرت نجارًا بعد النبوة!
وقفة
[38] ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ سخروا واستهزؤوا فغرق وهلك المستهزئ ونجا المستهزئ به، فهل يعي مستهزؤوا زماننا هذا الدرس؟!
وقفة
[38] ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ قال: (مَرَّ عَلَيْهِ) وليس: (مر به) مع أنها جاءت في القرآن: ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين: 30]، وهذا يدل على أن سيدنا نوح لا يصنع في طريق المارة، وإنما في مكان متنحي، أخفض من المكان، وهم يمرون من علو، بينما: ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين: 30]، هم في مستوى مرور واحد.
وقفة
[38] كان نوح يعمل نجّارًا: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾؛ كانوا يسخرون من نوح فيقولون: إن هذا الذي يزعم أنه نبي قد أصبح نجّارًا.
وقفة
[38] ما الفرق بين: (استهزأ بـ) و(سخر من) في الاستعمال القرآني؟ الاستهزاء هو المزح في خفية، وهو جانب من السخرية، الاستهزاء عام، سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا﴾ [المائدة: 58]، ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾ [البقرة: 231]، ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [التوبة: 65]، أما السخرية لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص تحديدًا: ﴿سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾.
وقفة
[38] ﴿إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ السخرية بأهل الحق بضاعتهم من القِدَم، وسخريتهم في الدنيا تفنى، والموعد الآخرة.
وقفة
[38] ﴿إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ تعلموا الاستعلاء على الباطل، وعزة النفس في مقابلة إساءات المعاندين.
وقفة
[38] ﴿إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ سُئل ابن المبارك عن التواضع، فقال: «التكبر على الأغنياء».
وقفة
[38] ﴿إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ أتى سليمان بن عبد الملك طاووسًا اليماني وهو من كبار فقهاء التابعين، فلم يكلمه طاووس، فقيل له في ذلك فقال: أردت أن يعلم أن في عباد الله من يستصغر ما يستعظم من نفسه (أي الملك).

الإعراب :

  • ﴿ ويصنع الفلك:
  • الواو استئنافية. يصنع: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. الفلك: أي السفينة: مفعول به منصوب بالفتحة .. والجملة حكاية حال ماضية.
  • ﴿ وكلّما مر عليه ملأ:
  • الواو استئنافية. كلما: مؤلفة من \"كل\" و \"ما\" المصدرية. وهي بهذا التركيب نائبة عن الظرف ومتضمنة شبه معنى الشرط وإعرابها: كل: اسم منصوب على نيابة الظرفية متعلق بشبه جواب الشرط \"سخروا\" و \"ما\" مصدرية. و\"ما\" وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالإضافة. مر: فعل ماضٍ مبني على الفتح. عليه: جار ومجرور متعلق بمر. ملأ: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة \"مر عليه ملأ\" صلة \"ما\" لا محل لها.
  • ﴿ من قومه سخروا منه:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من \"ملأ\" والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. سخروا: فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. منه: جار ومجرور متعلق بسخروا وجملة \"سخروا\" مشبهة لجواب الشرط \"كلما\" لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ قال:
  • فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. وجملة \"قال\" استئنافية لا محل لها على تقدير سؤال سائل ويجوز أن تكون جملة \"سخروا\" بدلًا من \"مر\" في محل جر أو في محل رفع صفة لملأ وفي هذه الحالة تكون جملة \"قال\" مشبهة لجواب الشرط. أي قال لهم.
  • ﴿ إن تسخروا منا:
  • إنْ: حرف شرط جازم. تسخروا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه: حذف النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. منا: جار ومجرور متعلق بتسخروا. بمعنى إن تستجهلونا فيما نصنع فإنا نستجهلكم فيما أنتم عليه من الكفر.
  • ﴿ فإنا نسخر منكم:
  • الفاء: واقعة في جواب الشرط. إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و \"نا\" ضمير متصل مبنى على السكون في محل نصب اسم \"إن\". نسخر: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره نحن. منكم: جار ومجرور متعلق بنسخر. والميم علامة جمع الذكور وجملة \"نسخر منكم\" في محل رفع خبر \"إنّ\" وجملة \"فإنا نسخر منكم\" جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. بمعنى: نسخر منكم في المستقبل.
  • ﴿ كما تسخرون:
  • الكاف: حرف جر. ما: مصدرية. تسخرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و \"ما\" المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق محذوف التقدير: نسخر منكم الساعة سخرية كسخريتكم أي مثل سخريتكم. وجملة \"تسخرون\" صلة \"ما\" لا محل لها. '

المتشابهات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     ولَمَّا أمرَ اللهُ عز وجل نبيَّه نوحًا عليه السلام أن يصنع السفينةَ؛ بدأ نوح عليه السلام في صنع السَّفينةِ، وقومُه يسخرُونَ منه، قال تعالى:
﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [39] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ ..

التفسير :

[39] فسوف تعلمون إذا جاء أمر الله بذلك:من الذي يأتيه في الدنيا عذاب الله الذي يُهينه، وينزل به في الآخرة عذاب دائم لا انقطاع له؟

تفسير الآيتين 38 و 39:ـ

فامتثل أمر ربه، وجعل يصنع الفلك{ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ} ورأوا ما يصنع{ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا} الآن{ فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} نحن أم أنتم. وقد علموا ذلك، حين حل بهم العقاب.

ثم أضاف نوح- عليه السلام- إلى تهديدهم تهديدا آخر فقال: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ.

أى: فسوف تعلمون عما قريب، من منا الذي سينزل عليه العذاب المخزى المهين في الدنيا، ومن منا الذي سيحل عليه العذاب الدائم الخالد في الآخرة.

وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد قررت حكم الله الفاصل في شأن قوم نوح- عليه السلام- بعد أن لبث فيهم زمنا طويلا يدعوهم إلى الحق، ولكنهم صموا آذانهم عنه فماذا كان من أمره وأمرهم بعد ذلك.

كان من أمره وأمرهم بعد ذلك أن أمر الله- تعالى- نوحا- عليه السلام- أن يحمل في السفينة بعد أن أتم صنعها من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرا وأنثى، ثم نزل الطوفان، وسارت السفينة بمن فيها، وأغرق الله- تعالى- الظالمين، وقد حكى- سبحانه- كل ذلك فقال- تعالى.

( من يأتيه عذاب يخزيه ) أي : يهنه في الدنيا ، ( ويحل عليه عذاب مقيم ) أي : دائم مستمر أبدا .

القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نوح لقومه: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، أيها القوم ، إذا جاء أمر الله، من الهالك ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ، يقول: الذي يأتيه عذابُ الله منا ومنكم يهينه ويذله (15) ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ، يقول: وينـزل به في الآخرة ، مع ذلك ، عذابٌ دائم لا انقطاع له، مقيم عليه أبدًا. (16)

--------------------

الهوامش :

(15) انظر تفسير " الخزى " فيما سلف من فهارس اللغة ( خزى ) .

(16) انظر تفسير " عذاب مقيم " فيما سلف 10 : 293 / 14 : 174 ، 340 .

التدبر :

لمسة
[39] قال: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ولم يقل: (فسوف نعلم)؛ إيماء إلى أن المخاطبين هم الأحق بعلم ذلك، وأما هو فعلمُه علم يقين.
وقفة
[39] ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ (مَنْ) تحتمل أن تكون اسمًا موصولًا بمعنى: (الذي يأتيه)، وتحتمل أن تكون اسم استفهام بمعنى من الذي يأتيه؟ ولو أراد أن يعيِّنه بمعنى واحد لعينه، لكن هكذا جعلها تحتمل المعنيين، الاستفهامية والموصولة لتحتمل أكثر من دلالة.
وقفة
[39] ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ المؤمن الواثق بأنه على الحق لا يُزَعزع ثقتَه مقابلة السُّفهاء لدعوته بالسُّخرية، بل يجهر بكلمة الحق بكل قوة.
تفاعل
[39] ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ فسوف تعلمون:
  • الفاء استئنافية. سوف: حرف استقبال لا عمل له. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ من يأتيه عذاب:
  • من: اسم موصول بمعنى \"الذي\" مبني على السكون في محل نصب بتعلمون، يأتي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به مقدم. عذاب: فاعل مرفوع بالضمة. وجملة \"يأتيه عذاب\" صلة الموصول لا محل لها وجملة \"يخزيه\" في محل رفع صفة لعذاب.
  • ﴿ يخزيه ويحلّ:
  • تعرب إعراب \"يأتيه\" والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود على \"عذاب\" الواو عاطفة. يحلّ: فعل مضارع مرفوع بالضمة.
  • ﴿ عليه عذاب مقيم:
  • جار ومجرور متعلق بيحلّ. عذاب: فاعل مرفوع بالضمة. مقيم: صفة -نعت- لعذاب مرفوعة مثلها بالضمة. '

المتشابهات :

هود: 39﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
الزمر: 39﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
الزمر: 40﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     ولمَّا سخر قوم نوح منه ورد عليهم؛ هددهم هنا: سوف تعلمون قريبًا، من منا الذي سينزل عليه العذاب المخزي المهين في الدنيا، ومن منا الذي سيحل عليه العذاب الدائم الخالد في الآخرة، قال تعالى:
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ ..

التفسير :

[40] حتى إذا جاء أمرنا بإهلاكهم كما وَعدْنا نوحاً بذلك، ونبع الماء بقوة من التنور -وهو المكان الذي يخبز فيه- علامة على مجيء العذاب، قلنا لنوح:احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكراً وأنثى، واحمل فيها أهل بيتك، إلا مَن سبق عليهم القول ممن لم يؤ

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} أي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم{ وَفَارَ التَّنُّورُ} أي:أنزل الله السماء بالماء بالمنهمر، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة، وأبعد ما يكون عن الماء، تفجرت فالتقى الماء على أمر، قد قدر.

{ قُلْنَا} لنوح:{ احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي:من كل صنف من أصناف المخلوقات، ذكر وأنثى، لتبقى مادة سائر الأجناس وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين، فلأن السفينة لا تطيق حملها{ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} ممن كان كافرا، كابنه الذي غرق.

{ وَمَنْ آمَنَ}{ و} الحال أنه{ مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}

فقوله- سبحانه- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... بيان لمرحلة جديدة من مراحل قصة نوح- عليه السلام- مع قومه.

وحَتَّى هنا حرف غاية لقوله- تعالى- قبل ذلك وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ.. إلخ.

والمراد بالأمر في قوله- سبحانه- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا ... حلول وقت نزول العذاب بهم، فهو مفرد الأمور، أى: حتى إذا حل بهم وقت عذابنا.. قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.

ويصح أن يكون المراد به الأمر بالشيء على أنه مفرد الأوامر، فيكون المعنى: حتى إذا جاء أمرنا لنوح بركوب السفينة، وللأرض بتفجير عيونها، وللسماء بإنزال أمطارها ... قلنا احمل فيها ...

وجملة، وفار التنور، معطوفة على جاءَ أَمْرُنا، وكلمة فارَ من الفور والفوران، وهو شدة الغليان للماء وغيره.

قال صاحب المنار ما ملخصه: «والفور والفوران ضرب من الحركة والارتفاع القوى، يقال في الماء إذا غلا وارتفع ... ويقال في النار إذا هاجت قال- تعالى- إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ...

ومن المجاز: فار الغضب، إذا اشتد ... » .

وللمفسرين في المراد بلفظ التَّنُّورُ أقوال منها: أن المراد به الشيء الذي يخبز فيه الخبز، وهو ما يسمى بالموقد أو الكانون ...

ومنها أن المراد به وجه الأرض ...

ومنها: أن المراد به موضع اجتماع الماء في السفينة ...

ومنها: أن المراد به طلوع الفجر من قولهم: تنور الفجر ...

ومنها: أن المراد به أعالى الأرض والمواضع المرتفعة فيها..

وقيل: إن الكلام على سبيل المجاز، والمراد بقوله- سبحانه- فارَ التَّنُّورُ التمثيل بحضور العذاب، كقولهم، حمى الوطيس، إذا اشتد القتال .

وأرجح هذه الأقوال أولها، لأن التنور في اللغة يطلق على الشيء الذي يخبز فيه، وفورانه معناه: نبع الماء منه بشدة مع الارتفاع والغليان، كما يفور الماء في القدر عند الغليان، ولعل ذلك كان علامة لنوح- عليه السلام- على اقتراب وقت الطوفان.

وقد رجح هذا القول المحققون من المفسرين، فقد قال الإمام ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى التنور: «وأولى الأقوال عندنا بتأويل قوله التَّنُّورُ قول من قال:

هو التنور الذي يخبز فيه، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حجة على شيء منه بخلاف ذلك، فيسلم لها.

وذلك لأنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به.

أى: قلنا لنوح حين جاء عذابنا قومه ... وفار التنور الذي جعلنا فورانه بالماء آية مجيء عذابنا.. احمل فيها- أى السفينة من كل زوجين اثنين..» .

وقال الإمام الرازي ما ملخصه: فإن قيل: فما الأصح من هذه الأقوال- في معنى التنور..؟.

قلنا: الأصل حمل الكلام على حقيقته، ولفظ التنور حقيقة في الموضع الذي يخبز فيه، فوجب حمل اللفظ عليه ...

ثم قال: والذي روى من أن فور التنور كان علامة لهلاك القوم لا يمتنع لأن هذه واقعة عظيمة، وقد وعد الله- تعالى- المؤمنين النجاة فلا بد أن يجعل لهم علامة بها يعرفون الوقت المعين «فلا يبعد جعل هذه الحالة علامة لحدوث هذه الواقعة» .

وجملة قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ جواب إذا ولفظ زَوْجَيْنِ تثنية زوج، والمراد به هنا الذكر والأنثى من كل نوع.

قراءة الجمهور: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بدون تنوين للفظ كل، وإضافته إلى زوجين.

وقرأ حفص: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بتنوين لفظ كل وهو تنوين عوض عن مضاف إليه، والتقدير: احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى.

ويكون لفظ زَوْجَيْنِ مفعولا لقوله احْمِلْ واثنين صفة له.

والمراد بأهله: أهل بيته كزوجته وأولاده، وأكثر ما يطلق لفظ الأهل على الزوجة، كما في قوله- فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ... .

والمراد بأهله: من كان مؤمنا منهم.

وجملة إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ استثناء من الأهل.

أى: احمل فيها أهلك إلا من سبق عليه قضاؤنا بكفره منهم فلا تحمله.

والمراد بمن سبق عليه القول: زوجته التي جاء ذكرها في سورة التحريم في قوله- تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما.. وابنه الذي أبى أن يركب معه السفينة.

قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الجملة: والمراد زوجة له أخرى تسمى (واعلة) بالعين المهملة، وفي رواية (والقه) وابنه منها واسمه (كنعان) .. وكانا كافرين» .

وجملة وَمَنْ آمَنَ معطوفة على قوله وَأَهْلَكَ أى: واحمل معك من آمن بك من قومك.

والمعنى للآية الكريمة: لقد امتثل نوح أمر ربه له بصنع السفينة، حتى إذا ما تم صنعها، وحان وقت نزول العذاب بالكافرين من قومه، وتحققت العلامات الدالة على ذلك، قال الله- تعالى- لنوح: احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى، واحمل فيها أيضا من آمن بك من أهل بيتك دون من لم يؤمن، واحمل فيها كذلك جميع المؤمنين الذين اتبعوا دعوتك من غير أهل بيتك.

وقد ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على قلة عدد من آمن به فقال: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.

أى: وما آمن معه إلا عدد قليل من قومه بعد أن لبث فيهم قرونا متطاولة يدعوهم إلى الدين الحق ليلا ونهارا، وسرا وعلانية.

قال الآلوسى بعد أن ساق أقوالا في عدد من آمن بنوح- عليه السلام- من قومه: ...

والرواية الصحيحة أنهم كانوا تسعة وسبعين: زوجته، وبنوه الثلاثة ونساؤهم، واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم ... » .

هذه مواعدة من الله تعالى لنوح ، عليه السلام ، إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة ، والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر ، بل هو كما قال تعالى : ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ) [ القمر : 11 - 14 ] .

وأما قوله : ( وفار التنور ) فعن ابن عباس : التنور : وجه الأرض ، أي : صارت الأرض عيونا تفور ، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ، صارت تفور ماء ، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف .

وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : التنور : فلق الصبح ، وتنوير الفجر ، وهو ضياؤه وإشراقه .

والأول أظهر .

وقال مجاهد والشعبي : كان هذا التنور بالكوفة ، وعن ابن عباس : عين بالهند . وعن قتادة : عين بالجزيرة ، يقال لها : عين الوردة .

وهذه أقوال غريبة .

فحينئذ أمر الله نوحا - عليه السلام - أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح - قيل : وغيرها من النباتات - اثنين . ذكرا وأنثى ، فقيل : كان أول من أدخل من الطيور الدرة ، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار ، فدخل إبليس متعلقا بذنبه ، فدخل بيده ، وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ، فجعل يقول له نوح : مالك ؟ ويحك . ادخل . فينهض ولا يقدر ، فقال : ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة .

وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد ، حتى ألقيت عليه الحمى .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم . عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه : وكيف يطمئن - أو تطمئن - المواشي ومعها الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حمى نزلت الأرض ، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا . فأوحى الله إلى الأسد ، فعطس ، فخرجت الهرة منه ، فتخبأت الفأرة منها .

وقوله : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) أي : " واحمل فيها أهلك ، وهم أهل بيته وقرابته " إلا من سبق عليه القول منهم ، ممن لم يؤمن بالله ، فكان منهم ابنه " يام " الذي انعزل وحده ، وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله .

وقوله : ( ومن آمن ) أي : من قومك ، ( وما آمن معه إلا قليل ) أي : نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا نوح وبنوه الثلاثة سام ، وحام ، ويافث ، وكنائنه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام . وقيل : بل امرأة نوح كانت معهم في السفينة ، وهذا فيه نظر ، بل الظاهر أنها هلكت; لأنها كانت على دين قومها ، فأصابها ما أصابهم ، كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها ، والله أعلم وأحكم .

وقوله: (حتى إذا جاء أمرُنا)، يقول: " ويصنع نوح الفلك "(حتى إذا جاء أمرنا ) الذي وعدناه أن يجيء قومه من الطوفان الذي يغرقهم.

* * *

وقوله: (وفار التنور) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.

فقال بعضهم: معناه: انبجس الماء من وجه الأرض ، ( وفار التنور)، وهو وجه الأرض.

*ذكر من قال ذلك:

18143- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام بن حوشب، عن الضحاك، عن ابن عباس أنه قال في قوله: (وفار التنور) ، قال: (التنور)، وجه الأرض . قال: قيل له: إذا رأيت الماء على وجه الأرض، فاركب أنت ومن معك . قال: والعرب تسمى وجه الأرض: " تنور الأرض ".

18144- حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن العوام، عن الضحاك، بنحوه.

18145- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا الشيباني، عن عكرمة، في قوله: (وفار التنور) ، قال: وجه الأرض

18146- حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة وسفيان بن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس، عن الشيباني، عن عكرمة: (وفار التنور) ، قال: وجه الأرض.

* * *

وقال آخرون: هو تنويرُ الصبح ، من قولهم: " نوَّرَ الصبح تنويرًا " .

*ذكر من قال ذلك:

18147- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا محمد بن فضيل قال ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن عباس مولى أبي جحيفة، عن أبي جحيفة، عن علي رضى الله عنه قوله: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)، قال: هو تنوير الصبح.

18148- حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيل قالا حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد مولى أبي جحيفة، عن أبي جحيفة، عن علي في قوله: (وفار التنور) ، قال: تنوير الصبح.

18149- حدثنا حماد بن يعقوب، قال: أخبرنا ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن مولى أبي جحيفة ، أراه قد سماه ، عن أبي جحيفة ، عن علي: (وفار التنور) قال: تنوير الصبح.

18150- حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا هشيم، عن ابن إسحاق، عن رجل من قريش، عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه: (وفار التنور) ، قال: طلع الفجر.

* * *

18151- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن رجل قد سمّاه، عن علي بن أبي طالب قوله: (وفار التنور) ، قال: إذا طلع الفجر.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وفار أعلى الأرض وأشرف مكانٍ فيها بالماء. وقال: " التنور " أشرف الأرض.

*ذكر من قال ذلك:

18152- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)، كنا نحدّث أنه أعلى الأرض وأشرَفُها، وكان عَلَمًا بين نوح وبين ربّه

18153- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا سليمان قال ، حدثنا أبو هلال قال، سمعت قتادة قوله: (وفار التنور) قال: أشرف الأرض وأرفعها فار الماء منه.

* * *

وقال آخرون: هو التنور الذي يُخْتَبز فيه.

*ذكر قال ذلك:

18154- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) ، قال: إذا رأيت تنُّور أهلك يخرج منه الماءُ، فإنه هلاك قومك.

18155- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، عن أبي محمد، عن الحسن قال: كان تنورًا من حجارة كان لحوّاء حتى صار إلى نوح . قال: فقيل له: إذا رأيت الماء يفورُ من التنور فاركب أنتَ وأصحابك.

18156- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وفار التنور)، قال: حين انبجس الماء ، وأمر نوحٌ أن يركب هو ومن معه في الفلك.

18157- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وفار التنور) ، قال: انبجس الماء منه ، آيةً، أن يركب بأهله ومن معه في السفينة.

18158- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه ، إلا أنه قال: آيةً ، أن يركب أهله ومن معه في السفينة.

18159- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: آية بأن يركب بأهله ومن معهم في السفينة.

18160- حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد قال، نبع الماء في التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته قال، وكان ذلك في ناحية الكُوفة.

18161- . . .. قال، حدثنا القاسم قال ، حدثنا علي بن ثابت، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي: أنه كان يحلف بالله ، ما فار التّنُّور إلا من ناحية الكوفة.

18162- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن النضر أبي عمر الخزاز، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (وفار التنور) ، قال: فار التنُّور بالهند.

18163- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وفار التنور) ، كان آيةً لنوح ، إذا خرج منه الماء فقد أتى الناسَ الهلاكُ والغرق.

* * *

وكان ابن عباس يقول في معنى " فار " نبع.

18164- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وفار التنور) ، قال: نبع.

* * *

قال أبو جعفر: و " فوران الماء " سَوْرَة دفعته، يقال منه: " فار الماء يَفُور فَوْرًا وفَؤُورًا وفَوَرَانًا "، (17) وذلك إذا سارت دفعته.

* * *

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله: (التنور) ، قول من قال: " هو التنور الذي يخبز فيه " ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب ، إلا أن تقوم حجَّة على شيء منه بخلاف ذلك فيسلم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به ، لإفهامهم معنى مَا خاطبهم به.

* * *

، (قلنا) ، لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحًا أن نعذبهم به، وفار التنورالذي جعلنا فورَانه بالماء آيةَ مجيء عذابنا بيننا وبينه لهلاك قومه ، (احمل فيها) ، يعني في الفلك (من كل زوجين اثنين) ، يقول: من كل ذكر وأنثى ، كما:-

18165- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من كل زوجين اثنين) ، قال: ذكر وأنثى من كل صنف.

18166- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

18167- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من كل زوجين اثنين ) ، فالواحد " زوج "، و " الزوجين " ذكر وأنثى من كل صنف.

18168-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (من كل زوجين اثنين) ، قال: ذكر وأنثى من كل صنف.

18169-. . . . قال، حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

18170- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين)، يقول: من كل صنف اثنين.

18171- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (من كل زوجين اثنين)، يعني بالزوجين اثنين: ذكر أو أنثى.

* * *

وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين، " الزوجان " ، في كلام العرب: الاثنان. قال، ويقال : " عليه زوجَا نِعال " ، إذا كانت عليه نعلان، ولا يقال : " عليه زوجُ نعال "، وكذلك : " عنده زوجا حمام "، و " عليه زوجَا قيود " . وقال: ألا تسمع إلى قوله: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [سورة النجم: 45]، فإنما هما اثنان. (18)

* * *

وقال بعض البصريين من أهل العربية في قوله: (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) ، قال: فجعل " الزوجين "، " الضربين "، الذكور والإناث. قال: وزعم يونس أن قول الشاعر: (19)

وَأَنْـتَ امْـرُؤٌ تَغْـدُو عَـلَى كُلِّ غِرَّة

فَتُخْــطِئُ فِيهَــا مَــرَّةً وَتُصِيـبُ (20)

يعني به الذئب. قال: فهذا أشذّ من ذلك.

* * *

وقال آخر منهم: " الزوج "، اللون . قال: وكل ضرب يدعى " لونًا "، واستشهد ببيت الأعشى في ذلك:

وَكُــلُّ زَوْجٍ مِــنَ الدِّيبَـاجِ يَلْبَسُـهُ

أَبُــو قُدَامَــةَ مَحْـبُوًّا بِـذَاكَ مَعَـا (21)

ويقول لبيد:

وَذِي بَهْجَــةٍ كَـنَّ المقَـانِبُ صَوْتَـهُ

وَزَيَّنَـــهُ أَزْوَاجُ نَــوْرٍ مُشَــرَّبِ (22)

* * *

وذكر أن الحسن قال في قوله: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [سورة الذاريات: 49]: السماء زوج، والأرض زوج، والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الأمر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء.

* * *

وقوله: (وأهلك إلا من سبق عليه القول) ، يقول: واحمل أهلك أيضًا في الفلك، يعني ب " الأهل "، ولده ونساءه وأزواجه (23) ، (إلا من سبق عليه القول) ، يقول: إلا من قلت فيهم إني مهلكه مع مَنْ أُهْلِكُ من قومك.

* * *

ثم اختلفوا في الذي استثناه الله من أهله.

فقال بعضهم: هو بعض نساء نوح.

*ذكر من قال ذلك:

18172- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: (وأهلك إلا من سبق عليه القول) ، قال: العذاب، هي امرأته كانت في الغابرين في العذاب. (24)

* * *

وقال آخرون: بل هو ابنه الذي غرق.

*ذكر من قال ذلك:

18173- حدثت عن المسيب، عن أبي روق. عن الضحاك في قوله: (وأهلك إلا من سبق عليه القول) ، قال: ابنه ، غرق فيمن غرق.

* * *

وقوله: (ومن آمن) ، يقول: واحمل معهم من صدقك واتبعك من قومك ، يقول الله: (وما آمن معه إلا قليل) ، يقول: وما أقرّ بوحدانية الله مع نوح من قومه إلا قليل.

* * *

واختلفوا في عدد الذين كانوا آمنوا معه فحملهم معه في الفلك، فقال بعضهم في ذلك: كانوا ثمانية أنفس.

*ذكر من قال ذلك:

18174- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل)، قال: ذكر لنا أنه لم يتمّ في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه، ونساؤهم، فجميعهم ثمانية.

18175- حدثنا ابن وكيع والحسن بن عرفة قالا حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: (وما آمن معه إلا قليل) ، قال: نوح، وثلاثة بنيه، وأربع كنائنه.

18176- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: حُدّثت أن نوحًا حَمَل معه بنيه الثلاثة ، وثلاث نسوة لبنيه، وامرأة نوح، فهم ثمانية بأزواجهم. وأسماء بنيه: يافث، وسام، وحام، وأصاب حام زوجته في السفينة، فدعا نوحٌ أن يغيّر نُطْفته، فجاء بالسُّودان.

* * *

وقال آخرون: بل كانوا سبعة أنفس.

*ذكر من قال ذلك:

18177- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن الأعمش : (وما آمن معه إلا قليل)، قال: كانوا سبعة: نوح، وثلاث كنائن له، وثلاثة بنين.

* * *

وقال آخرون: كانوا عشرة سوى نسائهم.

*ذكر من قال ذلك:

18178- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما فار التنور، حمل نوح في الفلك من أمره الله به، وكانوا قليلا كما قال الله، فحمل بنيه الثلاثة: سام، وحام، ويافث، ونساءهم، وستة أناسي ممن كان آمن، فكانوا عشرة نفر ، بنوح وبنيه وأزواجهم. (25)

* * *

وقال آخرون: بل كانوا ثمانين نفسًا.

*ذكر من قال ذلك:

18179- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: حمل نوح معه في السفينة ثمانين إنسانًا.

18180- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، كان بعضهم يقول: كانوا ثمانين ، يعني " القليل " الذي قال الله: (وما آمن معه إلا قليل).

18181- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال ، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثني حسين بن واقد الخراساني قال، حدثني أبو نهيك قال: سمعت ابن عباس يقول: كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جُرْهُم.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: (وما آمن معه إلا قليل) ، يصفهم بأنهم كانوا قليلا ولم يحُدّ عددهم بمقدار، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح، فلا ينبغي أن يُتَجاوز في ذلك حدُّ الله، إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حدٌّ من كتاب الله ، أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-------------------------

الهوامش :

(17) قوله : " وفؤورا " ، حذفها من المطبوعة ، وهي ثابتة في المخطوطة .

(18) انظر تفسير " الزوجين " فيما سلف 12 : 183 ، 184 .

(19) لم أعرف قائله .

(20) اللسان ( مرأ ) ، ويعني أنه سمى الذئب " امرءا " ، جعله إنسانا ، فهذا شذوذه .

(21) ديوانه : 86 ، اللسان ( زوج ) ، من قصيدته في " هوذة بن علي الحنفي " ، وهو " أبو قدامة " ، وقبله :

مَـنْ يَلْـقَ هَـوْذَةَ يَسْـجُدْ غَيْرَ مُتَّئِبٍ

إذا تَعَصَّـبَ فَـوْقَ التَّـاجِ أوْ وَضَعَـا

لَــهُ أَكَــالِيلُ بِالْيَــاقُوتِ زَيَّنَهــا

صُوَّاغُهـا , لاَ تَـرَى عَيْبًـا ولَا طَبَعَا

.

(22) ديوانه : قصيدة 9 ، البيت : 25 ، يصف غيثًا تبرجت به الأرض ، يقول قبله :

وَغَيْــثٍ بِدَكْــدَاكٍ يَــزِينُ وِهَـادَهُ

نَبَــاتٌ كوَشْـي العَبْقَـرِيِّ المُخَـلَّبِ

أَرَبَّــتْ عَلَيْـهِ كُـلُّ وَطْفَـاءَ جَوْنَـةٍ

هَتُـوفٍ مَتَـى يُنْزِفُ لَهَا الوَبْلُ تَسْكُبِ

بِـذِي بَهْجَـةٍ كَـنَّ المَقَـانِبَ صَوْبُـهُ

وَزَيَّنَــهُ أَطْــرَافُ نَبْـتٍ مُشَـرَّبِ

هذه رواية الديوان ، وروى أيضًا : " ألوان نور مشرب " . و"الدكداك " ما ارتفع واستوى من الأرض ، و " الوهاد " ، ما اطمأن من الأرض ، و " المخلب " ، المخطط ، يصف النبت وزهره ، كأنه برود مخططة منشورة على الربى والوهاد . و" أربت " ، أقامت ، و" الوطفاء "السحابة الدانية من الأرض ، و" الجونة " ، السوداء ، وذلك لكثرة مائها ، و" هتوف " ، يهتف رعدها ويصوت . و" أنزف الشيء " ، أذهبه . يقول : أقامت عليه هذه السحابة الكثيرة الماء ترعد ، فلما ذهب الوبل ، جاءت بمطر سكب . و"البهجة " ، زهو النبات ، و" كن " ، منع وستر ، و" المقانب " ، جماعة الخيل . و" الصوب " المطر . و"مشرب " أشرب ألوانًا من حمرة وصفرة وخضرة . يقول : جاء المطر فاستتروا به لطوله وارتفاعه . وأما رواية أبي جعفر ، فمعناها : أن المقانب منعته أن يرعاه أحد سواهم ، فلم يسمع به صوت .

(23) انظر تفسير " الأهل " فيما سلف 8 : 192 .

(24) في المطبوعة : " من الغابرين " ، غير ما في المخطوطة وهو صواب محض .

(25) الأثر : 18178 - سلف مختصرًا برقم 14792 ، وانظر التعليق عليه هناك .

التدبر :

لمسة
[40] ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا﴾ قال: (جَاء)، وليس: (أتى)؛ فالقرآن الكريم يستعمل (جاء) لما هو أشق وأصعب، وهو الآن في العقوبة: (جَاء أَمْرُنَا).
وقفة
[40] ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ طوفان يخرج من تنور (فرن)! درس إلهي: أستطيع أن أنصرك بالسبب، وبلا سبب، بل وبعكس السبب.
وقفة
[40] ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ طوفان ينشأ من تنور! درس من الله لك: أستطيع الانتقام منك بالطريقة التي لا تتوقعها.
وقفة
[40] ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ فيها احتمالان في المعنى: فوران الماء من تنور الخبز ينزل على الأرض، هذه إشارة لسيدنا نوح أن يركب السفينة، وقسم يقول هذا مجاز عن شدة الأمر، كما يقال: الآن حمي الوطيس، هذا مجاز لشدة المعركة، الوطيس هو الفرن، فار التنور مثل حمي الوطيس، حتى في العاميّة العراقية نقول: قامت القيامة وفار التنور؛ كناية عن الشدة وعن حصول شيء.
لمسة
[40] لماذا قال الله: ﴿قُلْنَا﴾ ثم بعدها قال: ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [٤٤]؟ الجواب: في نجاة المؤمنين أسند القول إلى نفسه سبحانه، كأنما هو رعاية لهم ورحمة ولطف، بينما ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فيها إهانة لهم، وقد يكون القائل ليس الله سبحانه وتعالى بالضرورة وإنما قد يقول الملائكة والمؤمنون: ﴿بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
وقفة
[40] ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات ذكر وأنثى؛ لتبقى مادة سائر الأجناس.
وقفة
[40] ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ سورة هود أوصى الله بالحيوان البهيم ما لم يوص بالكافر المعاند اللئيم! فتعسًا لمن كرّمه ربه فأبى إلا أن ينحط إلى رتبة تشرف عليه فيها بعض العجماوات.
لمسة
[40] ضمير التعظيم في: (قُلْنَا) إذا كان في مقام التعظيم، وإذا كان في مقام التوحيد يأتي بالإفراد، وقسم يقول: إنه إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾، وإذا لم يكن كذلك يُفرِد: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ [الحجر: 29].
وقفة
[40] ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ بدأ بالحيوان؛ لأنه قوام حياة الإنسان الطعام الذي يعيشون منه، ثم أهله (وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)؛ لأن الأقربين أولى بالمعروف، ذلك هو نادى ابنه ولم ينادِ أحدًا غيره، ثم المؤمنين (وَمَنْ آمَنَ) .
وقفة
[40] ﴿وَأَهْلَكَ﴾ صحح الله مفهوم الأهل لنوح عليه السلام، (فالمؤمنون هم أهلك فلا تؤذِ أهلك).
وقفة
[40] القرابة والنسب لا تنفعان من لم يؤمن بالله سبحانه ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾.
لمسة
[40] لماذا ﴿سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ وليس (سبق له)؟ الجواب: (عليه) للاستعلاء، مثل حق عليه القول، تستعمل في العقوبة والعذاب، لكن (سبق له) يستعملها في الخير: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾ [الصافات:171، 172].
وقفة
[40] ﴿وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ دعاء نوح لربه سبحانه وتعالى تسعمائة وخمسين سنة لم يملأ أتباعه سفينة صغيرة, لا يوجد تلازم بين الجهد الدعوي المبذول والثمرة الناتجة.
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ بعد ٩٥٠ سنة كانت النتيجة أتباعًا لم يملؤوا سفينة صغيرة، (قد لا يوجد نسبة وتناسب بين الجهد الدعوي والثمرة).
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ بيان سُنَّة الله في الناس وهي أن أكثرهم لا يؤمنون.
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ لا تستطل طريق الدعوة؛ فنوح مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولا تضجر من قلة من استجاب لك.
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ لا يُقاس نجاح الداعية بعدد المنتفعين به.
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ تسلية لأهل الإيمان والصلاح بأن النصر والتمكين لهم وإن قل عددهم.
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ تأمل: قلّة الأتباع لا تعني عدم مصداقية الدعوة، قليلٌ لكنّهم مؤمنون.
عمل
[40] لا تبتئس إذا قَلَّ من يسمع نصحك، أوكَثُرَ مخالفوك؛ فإنَّ الأنبياء قبلك قد أفنوا أعمارهم الطويلة في الدعوة، ولم يستجب لبعضهم إلا القليل ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وقفة
[40] طريق الدعوة طويل، ولن يقطعه أحد قلبه معلق بكثرة اﻷتباع، فنبي الله نوح مكث في دعوته ألف سنة إﻻ خمسين عامًا فقال الله عنه: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وقفة
[40] قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام وهو الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم ليلًا ونهارًا سرًّا وجهارًا ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وقفة
[40] قد تقر عين الداعية برؤية آثار دعوته وهو حي: ﴿وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا﴾ [الصافات: 147]، وقد لا يقع ذلك وإن طالت مدة الدعوة: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وقفة
[40] في الأزمات لا يثني عزمك أن ترى نفسك وحيدًا في الميدان، فأنت الجماعة وإن كنت وحدك ما دمت على الحق ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وقفة
[40] قال نوح: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ [نوح: 5]، وقال الله ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، نجح نوح ولا شك؛ يُقاس النجاح بالثبات وليس بالثمار.
وقفة
[40] جملة: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ اعتراض لتكميل الفائدة من القصة في قلة الصالحين.
وقفة
[40] ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ مَرَّ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَجُلٍ فِيْ السُّوْقِ، فِإِذَا بِالرَّجُلِ يَدْعُو وَيَقُوْلُ: «اللهم اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ القَلِيْلِ ... اللهم اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ القَلِيْلِ»، فَقَالَ لَهُ عُمَر: «مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا الدُّعَاءِ؟»، فَقَالَ الرَّجُلُ: «إنَّ اللهَ يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ العَزِيْزِ: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]»، فَبَكَى سَيِّدُنَا عُمَر وَقَالَ: «كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ يَا عُمَر».
عمل
[40] ﴿إِلَّا قَلِيلٌ﴾ لا تحزنْ إذَا قَلَّ مَنْ يستجيبُ لِدَعوتِكَ.

الإعراب :

  • ﴿ حتى إذا جاء أمرنا:
  • حتى: حرف غاية للابتداء أي غاية لقوله ويصنع الفلك بمعنى وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد. وإذا اتصلت \"حتى\" بيصنع فإن الجملة الواقعة بينهما في محل نصب حال من يصنع بتقدير: يصنعها والحال أنه كلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو أداة شرط غير جازمة. جاء: فعل ماضٍ مبني على الفتح. أمر: فاعل مرفوع بالضمة و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. وجملة \"جاء أمرنا\" مضاف إليه في محل جر لوقوعها بعد \"إذا\" وقيل في معنى \"التنور\" هنا: هو وجه الأرض.
  • ﴿ وفار التنور قلنا:
  • معطوفة بالواو على \"جاء الأمر\" وتعرب إعرابها. قلنا: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا. و \"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة \"قلنا\" جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ احمل فيها من كل زوجين اثنين:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- احمل: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. فيها: جار ومجرور متعلق باحمل. أي في الفلك -السفينة- من كل: جار ومجرور متعلق باحمل بمعنى من كل شيء. زوجين: مفعول به معطوف منصوب بالياء لأنه مثنى والنون عوض عن حركة المفرد. اثنين: توكيد لزوجين منصوبة مثلها بالياء.
  • ﴿ وأهلك إلا من:
  • الواو عاطفة. أهل: مفعول به على \"اثنين\" منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. إلا: أداة استثناء. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا.
  • ﴿ سبق عليه القول:
  • الجملة: صلة الموصول لا محل لها: سبق فعل ماضٍ مبني على الفتح. عليه: جار ومجرور متعلق بسبق القول: فاعل مرفوع بالضمة: أي من سبق عليه القول بأنه من المغرقين. أو تكون \"زوجين\" مضافًا إليها. و \"اثنين\" مفعول \"احمل\" أي من المؤمنين.
  • ﴿ ومن آمن:
  • الواو عاطفة. من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على \"اثنين\". آمن: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. وجملة \"آمن\" صلة الموصول لا محل لها أي واحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم أي وخذ معك من آمن بك.
  • ﴿ وما آمن معه:
  • الواو استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. آمن: أعربت. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة متعلق بآمن وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ إلا قليل:
  • إلّا: أداة حصر لا عمل لها. قليل: فاعل \"آمن\" مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

هود: 40﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ
المؤمنون: 27﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَـ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     وبعد ما كان بين نوح عليه السلام وقومه؛ بدأ الطُّوفان، فأمرَ اللهُ عز وجل نوحًا عليه السلام أن يحملَ في السَّفينةِ من كلِّ نوعٍ من أنواعِ الحيوانِ ذكرًا وأنْثى، وأهلَه (إلا امرأتُه وابنُه كنْعَان)، ومَنْ آمنَ، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [41] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ ..

التفسير :

[41] وقال نوح لمن آمن معه:اركبوا في السفينة، باسم الله يكون جريها على وجه الماء، وباسم الله يكون منتهى سيرها ورُسوُّها. إن ربي لَغفور ذنوبَ من تاب وأناب إليه من عباده، رحيم بهم أن يعذبهم بعد التوبة.

{ وَقَالَ} نوح لمن أمره الله أن يحملهم:{ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} أي:تجري على اسم الله، وترسو على اسم الله، وتجري بتسخيره وأمره.

{ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} حيث غفر لنا ورحمنا، ونجانا من القوم الظالمين.

ثم حكى- سبحانه- ما قاله نوح للمؤمنين عند ركوبهم السفينة فقال: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

ومجريها ومرساها، قرأهما الجمهور بضم الميمين فيهما، وهما مصدران من جرى وأرسى.

والباء في باسم الله للملابسة، والآية الكريمة معطوفة على جملة، قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.

أى: قلنا له ذلك فامتثل أمرنا، وقال لمن معه من المؤمنين: سلموا أمركم لمشيئة الله- تعالى- وقولوا عند ركوب السفينة: باسم الله جريها في هذا الطوفان العظيم، وباسم الله إرساءها في المكان الذي يريد الله- تعالى- إرساءها فيه.

قال الشيخ الفاضل ابن عاشور: وعدى فعل ارْكَبُوا بفي، جريا على الأسلوب الفصيح، فإنه يقال: ركب الدابة إذا علاها. وأما ركوب الفلك فيعدى بفي، لأن إطلاق الركوب عليه مجاز، وإنما هو جلوس واستقرار، فلا يقال: ركب السفينة فأرادوا التفرقة بين الركوب الحقيقي والركوب المشابه له، وهي تفرقة حسنة» .

وجملة إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل للأمر بالركوب المصاحب لذكر الله- تعالى-:

أى: إن ربي لعظيم المغفرة ولعظيم الرحمة لمن كان مطيعا له مخلصا في عبادته.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: يقول الله- تعالى- إخبارا عن نوح أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها ...

وقال- سبحانه- في موضع آخر: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.

ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور: عند الركوب في السفينة وعلى الدابة.

فقد روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمان أمتى من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم الله الملك.. بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم» .

يقول تعالى إخبارا عن نوح - عليه السلام - أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة : ( اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) أي : بسم الله يكون جريها على وجه الماء ، وبسم الله يكون منتهى سيرها ، وهو رسوها .

وقرأ أبو رجاء العطاردي : " بسم الله مجريها ومرسيها " .

وقال الله تعالى : ( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) [ المؤمنون : 28 ، 29 ] ; ; ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور : عند الركوب على السفينة وعلى الدابة ، كما قال تعالى : ( والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) [ الزخرف : 12 - 14 ] ، وجاءت السنة بالحث على ذلك ، والندب إليه ، كما سيأتي في سورة " الزخرف " ، إن شاء الله وبه الثقة .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا ، محمد بن موسى الحرشي ، قالا حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ، عن نهشل بن سعيد ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا : باسم الله الملك ، ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) [ الزمر : 67 ] ، ( بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ) .

وقوله : ( إن ربي لغفور رحيم ) مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين ذكر أنه غفور رحيم ، كما قال : ( إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) [ الأعراف : 167 ] ، وقال : ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ) [ الرعد : 6 ] ، إلى غير ذلك من الآيات التي يقرن فيها بين انتقامه ورحمته .

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال نوح: اركبوا في الفلك ، " بسم الله مجراها ومرساها ".

* * *

وفي الكلام محذوف قد استغني بدلالة ما ذكر من الخبر عليه عنه، وهو قوله: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ ، فحملهم نوح فيها ، " وقال " لهم، " اركبوا فيها ". فاستغني بدلالة قوله: (وقال اركبوا فيها) ، عن حمله إياهم فيها، فتُرك ذكره.

* * *

واختلفت القراء في قراءة قوله: ( بسم الله مجراها ومرساها ) ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: ( بِسْمِ اللهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) ، بضم الميم في الحرفين كليهما. وإذا قرئ كذلك كان من " أجرى " و " أرسى "، وكان فيه وجهان من الإعراب:

أحدهما : الرفع بمعنى: بسم الله إجراؤها وإرساؤها ، فيكون " المجرى " و " المرسى " مرفوعين حينئذ بالباء التي في قوله: (بسم الله).

والآخر : النصب، بمعنى: بسم الله عند إجرائها وإرسائها، أو وقت إجرائها وإرسائها ، فيكون قوله: (بسم الله) ، كلامًا مكتفيًا بنفسه، كقول القائل عند ابتدائه في عمل يعمله: " بسم الله "، ثم يكون " المجرى " و " المرسى " منصوبين على ما نصبت العرب قولهم : " الحمد لله سِرارَك و إهلالك " ، يعنون الهلال أوّله وآخره، كأنهم قالوا: " الحمد لله أوّل الهلال وآخره "، ومسموع منهم أيضا: " الحمدُ لله ما إهلالك إلى سِرارِك ". (26)

* * *

وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: ( بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) ، بفتح الميم من " مجراها "، وضمها من " مرساها "، فجعلوا " مجراها " مصدرًا من " جري يجري مَجْرَى "، و " مرساها " من " أرسَى يُرْسي إرساء " . (27)

وإذا قرئ ذلك كذلك ، كانَ في إعرابهما من الوجهين ، نحو الذي فيهما إذا قرئا: (مُجراها ومُرساها)، بضم الميم فيهما ، على ما بيَّنتُ.

* * *

وروي عن أبي رجاء العطاردي أنه كان يقرأ ذلك: (بِسْمِ اللهِ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا ) ، بضم الميم فيهما، ويصيرهما نعتًا لله. وإذا قرئا كذلك، كان فيهما أيضًا وجهان من الإعراب، غير أن أحدهما الخفضُ، وهو الأغلب عليهما من وجهي الإعراب ، لأن معنى الكلام على هذه القراءة: بسم الله مُجْرى الفلك ومرسيها ، ف " المجرى " نعت لاسم الله. وقد يحتمل أن يكون نصبًا، وهو الوجه الثاني، لأنه يحسن دخول الألف واللام في " المجري" و " المرسي"، كقولك: " بسم الله المجريها والمرسيها " ، وإذا حذفتا نصبتا على الحال، إذ كان فيهما معنى النكرة، وإن كانا مضافين إلى المعرفة.

* * *

وقد ذكر عن بعض الكوفيين أنه قرأ ذلك: ( مَجْرَاهَا ومَرْسَاهَا) ، بفتح الميم فيهما جميعا، من " جرى " و " رسا " ، كأنه وجهه إلى أنه في حال جَرْيها وحال رُسُوّها، وجعل كلتا الصفتين للفلك ، كما قال عنترة:

فَصَــبَرْتُ نَفْسًـا عِنْـدَ ذَلِـكَ حُـرَّةً

تَرْسُــو إذَا نَفَسُ الجبَــانِ تَطَلّــعُ (28)

* * *

قال أبو جعفر: والقراءة التي نختارها في ذلك قراءة من قرأ: (بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا) ، بفتح الميم (وَمُرْسَاهَا) ، بضم الميم، بمعنى: بسم الله حين تَجْري وحين تُرْسي.

وإنما اخترت الفتح في ميم " مجراها " لقرب ذلك من قوله: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ، ولم يقل: " تُجْرَى بهم " . ومن قرأ: (بسم الله مُجْراها)، كان الصواب على قراءته أن يقرأ: " وهي تُجْرى بهم ". وفي إجماعهم على قراءة تَجْرِي ، بفتح التاء دليل واضع على أن الوجه في (مجراها) فتح الميم. وإنما اخترنا الضم في (مرساها) ، لإجماع الحجة من القراء على ضمّها.

ومعنى قوله (مجراها) ، مسيرها ، (ومرساها)، وقفها، من وقَفَها الله وأرساها.

* * *

وكان مجاهد يقرأ ذلك بضم الميم في الحرفين جميعًا.

18182- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ،

18183-. . .. قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : ( بِسْمِ اللهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) ، قال: حين يركبون ويجرون ويرسون.

18184- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بسم الله حين يركبون ويجرون ويرسون.

18185- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( بِسْمِ اللهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) ، قال: بسم الله حين يجرون وحين يرسون.

18186- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قال ، حدثنا أبو روق، عن الضحاك، في قوله: (اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) قال: إذا أراد أن ترسي قال: " بسم الله " فأرست، وإذا أراد أن تجري قال " بسم الله " فجرت.

* * *

وقوله: (إن ربي لغفور رحيم) ، يقول: إن ربي لساتر ذنوب من تاب وأناب إليه ، رحيم بهم أن يعذبهم بعدَ التوبة. (29)

-------------------

الهوامش :

(26) قال الفراء في معاني القرآن ، بعد ذلك : " يريدون : ما بين إهلالك إلى سرارك " .

(27) انظر تفسير " الإرساء " فيما سلف 13 : 293 .

(28) ديوانه : 89 من أبيات ، يقول قبله ، يذكر الغراب ، ويتشاءم به .

إنَّ الَّــذِينَ نَعَبْــتَ لِــي بِفِـرَاقِهِمْ

قَـدْ أَسْـهَرُوا لَيْـلَ التِّمَـامِ وأوْجَـعُوا

وَعَــرَفْتُ أنَّ مَنِيَّتِــي إنْ تَــأتِنِي

لا يُنْجِــنِي مِنْهَـا الفِـرَارُ الأسْـرَعُ

فَصَــبَرْتُ عَارِفَــةً لــذَلِكَ حُـرَّةً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

و " نفس عارفة " ، حاملة الشدائد صبور ، إذا حملت على أمر احتملته ، من طول مكابدتها لأهوال هذه الحياة . و" ترسو " ، تثبت . و" تطلع " ، تنزو متلفتة إلى مهرب ، أو ناصر ، من الجزع والرعب .

(29) انظر تفسير " غفور " و " رحيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) ، ( رحم ) .

التدبر :

اسقاط
[41] ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ﴾ استحباب التسمية في ابتداء الأمور، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: 12-14].
عمل
[41] ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ابدأ دومًا باسم الله، يحفظك بحفظه، ويرحمك بمغفرته.
وقفة
[41] ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ نادى نوح عليه السلام في الحيوانات مرة فركبت السفينة، وقضى 950 سنة ينادي البشر فاختاروا الغرق!
وقفة
[41] ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ لولا مغفرة ربي ورحمته لغرقتم فاركبوها باسمه، ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ جملة مستأنفة لبيان موجب الإنجاء.
وقفة
[41] ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ في هذه الآية دليل على ذكر البسملة عند ابتداء كل فعل.
وقفة
[41] ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ التعليل بالمغفرة والرحمة رمز إلى أن الله وعَده بنجاتهم؛ وذلك من غفرانه ورحمته.
عمل
[41] حافظ على دعاء الركوب هذا اليوم ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
لمسة
[41] قال ربنا: ﴿مَجْرَاهَا﴾ وليس جريها؛ لأن الجري مصدر فقط، لكن مجرى مصدر واسم مكان واسم زمان، فيها عموم وشمول.
لمسة
[41] ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ الرب أنسب اسم هنا؛ لأن الرب هو المعلم والموجه والمرشد، رئيس الملاحين في السفينة يسمى رُبَّانًا، والربان من الرب؛ لأنه يوجهها إلى المسار الصحيح، أنسب شيء، هو يوجههم ويجريها ويرسيها في المكان.
وقفة
[41] انظر للعارفين بربهم كيف يتحدثون عنه: قال صالح: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ [61]، وقال شعيب: ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [90]، وقال نوح: ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وقال يوسف: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ﴾ [يوسف: 100]، وقال إبراهيم: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: 39]، وقال سليمان: ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 40].

الإعراب :

  • ﴿ وقال اركبوا فيها:
  • الواو: عاطفة. قال: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو والجملة بعده: في محل نصب مفعول به -مقول القول- اركبوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. فيها: جار ومجرور متعلق باركبوا بمعنى ادخلوا وقيل: في: حرف جر زائد لغير عوض للتوكيد. وقيل: التقدير: اركبوا الماء فيها.
  • ﴿ بسم الله:
  • باسم: جار ومجرور. الله لفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة والجار والمجرور متعلق باركبوا في محل نصب حال من واو الجماعة في \"اركبوا\" بمعنى: اركبوا فيها مسمِّين الله أو قائلين بسم الله. وقيل المراد: بالله اجراؤها وارساؤها أي بقدرته وأمره سبحانه.
  • ﴿ مجراها ومرساها:
  • مجرى: ظرف مكان منصوب بما في بسم الله من معنى الفعل أو بما فيه من إرادة القول وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر و \"ها\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة ومرساها: معطوفة بالواو على \"مجراها\" وتعرب إعرابها ويجوز أن يكونا ظرفي زمان بمعنى: وقت إجرائها ووقت إرسائها إما لأن المجرى والمرسى للوقت وإما لأنهما مصدران كالإجراء والإرساء حذف منهما الوقت المضاف. ويجوز أن تعرب الجملة على وجه آخر هو بسم الله: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم مجراها: مبتدأ مؤخر .. أي بتقدير: بسم الله إجراؤها وإرساؤهم وهناك من قرأها مجريها ومرسيها بلفظ اسم الفاعل في محل جر صفتين للفظ الجلالة.
  • ﴿ إن ربي:
  • ان: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ربى: اسم \"ان\" منصوب للتعظيم بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ لغفور رحيم:
  • اللام للتوكيد مزحلقة. غفور: خبر \"إن\" مرفوع بالضمة رحيم: صفة -نعت- لغفور أو خبر ثانٍ لإن مرفوع بالضمة. '

المتشابهات :

هود: 41﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
يوسف: 53﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     ولمَّا أمرَ اللهُ عز وجل نوحًا عليه السلام ؛ بادر نوح عليه السلام بالاستجابة، وأخبر المؤمنين هنا ما يقولون عند ركوب السفينة، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مجراها:
قرئ:
1- بضم الميم، وهى قراءة مجاهد، والحسن، وأبى رجاء، والأعرج، وشعبة، والجمهور من السبعة، والحرميين، والعربيين، وأبى بكر.
2- بفتحها، وهى قراءة الأخوين، وحفص، وابن مسعود، وعيسى الثقفي، وزيد بن على، والأعمش.
3- مجريها، اسم فاعل، من «أجرى» ، وهى قراءة الضحاك، والنخعي، وابن وثاب، وأبى رجاء، ومجاهد، وابن جندب، والكلبي، والجحدري.
مرساها:
قرئ:
1- بفتح الميم، مع فتح ميم «مجراها» وهى قراءة ابن مسعود، وعيسى الثقفي، وزيد بن على، والأعمش.
2- بضمها، اسم فاعل من «أجرى» ، وهى قراءة الضحاك، والنخعي، وابن وثاب، وأبى رجاء، ومجاهد وابن جندب، والكلبي، والجحدري.

مدارسة الآية : [42] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ ..

التفسير :

[42] وهي تجري بهم في موج يعلو ويرتفع حتى يصير كالجبال في علوها، ونادى نوح ابنه -وكان في مكانٍ عَزَل فيه نفسه عن المؤمنين- فقال له:يا بني اركب معنا في السفينة، ولا تكن مع الكافرين بالله فتغرق.

ثم وصف جريانها كأنا نشاهدها فقال:{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} أي:بنوح، ومن ركب معه{ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} والله حافظها وحافظ أهلها{ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} لما ركب، ليركب معه{ وَكَانَ} ابنه{ فِي مَعْزِلٍ} عنهم، حين ركبوا، أي:مبتعدا وأراد منه، أن يقرب ليركب، فقال له:{ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} فيصيبك ما يصيبهم.

ثم بين- سبحانه- حال السفينة وهي تمخر بهم عباب الماء فقال:

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ.

والموج: ما ارتفع من ماء البحر عند اضطرابه. وأصله من ماج الشيء يموج إذا اضطرب ومنه قوله- تعالى- وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت. بم اتصل قوله- تعالى- وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ؟

قلت: اتصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها باسم الله، كأنه قيل: فركبوا فيها وهم يقولون: باسم الله، وهي تجرى بهم. أى تجرى بهم وهم فيها في موج كالجبال، يريد موج الطوفان، شبه كل موجة بالجبل في تراكمها وارتفاعها.. .

وقوله- سبحانه-: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ تصوير لتلك اللحظة الرهيبة الحاسمة التي أبصر فيها نوح- عليه السلام- ابنه الكافر وهو منعزل عنه وعن جماعة المؤمنين.

والمعزل: مكان العزلة، أى: الانفراد.

أى: وقبل أن يشتد الطوفان وترتفع أمواجه، رأى نوح ابنه كنعان، وكان هذا الابن في مكان منعزل، فقال له نوح بعاطفة الأبوة الناصحة الملهوفة يا بنى اركب معنا في السفينة، ولا تكن مع القوم الكافرين الذين سيلفهم الطوفان بين أمواجه عما قريب. ولكن هذه النصيحة الغالية من الأب الحزين على مصير ابنه، لم تجد أذنا واعية من هذا الابن العاق المغرور، بل رد على أبيه: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ...

وقوله : ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) أي : السفينة سائرة بهم على وجه الماء ، الذي قد طبق جميع الأرض ، حتى طفت على رءوس الجبال ، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا ، وقيل : بثمانين ميلا وهذه السفينة على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) [ الحاقة : 11 ، 12 ] ، وقال تعالى : ( وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر ) [ القمر : 13 - 15 ] .

وقوله : ( ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) هذا هو الابن الرابع ، واسمه " يام " ، وكان كافرا ، دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون ،

القول في تأويل قوله تعالى : وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: (وهي تجري بهم) ، والفلك تجري بنوح ومن معه فيها ، (في موج كالجبال ونادى نوح ابنه) ، يام ، (وكان في معزل) ، عنه ، لم يركب معه الفلك: (يا بني اركب معنا) ، الفلك ، (ولا تكن مع الكافرين).

* * *

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

لمسة
[42] هذه الآية جاءت بعد الأمر بالركوب (ارْكَبُواْ فِيهَا) فلم يقل: (فركبوا فيها وجرت السفينة)، وإنما انتقل رأسًا إلى مشهد الفلك فقال: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ﴾، هذا من نوع المجاز، اختزال، مفهوم من السياق، فعندما قال: (تَجْرِي) يعني هم ركبوا فيها وجرت (بِهِمْ)، فماذا تضيف لو قال فركبوا فيها؟ لا شيء، بحسب الغرض التي تساق فيه القصة ووضعها في سياقها يذكر ما يريد أن يركز عليه في هذا المشهد.
لمسة
[42] لماذا قال: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ﴾ بصيغة المضارع مع أن الحديث عن حادثة قديمة؟ هذا يسمونه حكاية الحال الماضية يعبّر عنها بالمضارع؛ لأهميتها كأنها مشاهدة.
عمل
[42] ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ وهل يضر حجم البلاء إن كان الله ناصرك؟! فتوكل عليه.
وقفة
[42] ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ ما دمت في معية الله؛ فلن يضرك شيء.
وقفة
[42] ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ مهما عصفت الأهوال بأبيك؛ تبق أنت الأهم فى قلبه.
وقفة
[42] سفينة نوح: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾، موقف مزلزل لكن (يقينه بالله راسخ)، اليقين: الثبات وقت الشك.
وقفة
[42] تعلمك الحياة بطريقتها المؤلمة أحيانًا أن القليل فقط هم من يستمرون معك إلى أقصى النهاية، نادرون من ترى فيهم قول الله جل وعلا: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾.
وقفة
[42] ﴿وَنَادَى نُوحٌ﴾ النداء هو رفع الصوت، دليل على أن ابنه كان في مكان بعيد في معزل لمّا يصل إليه الماء، بعد لا يُسمِعه إلا النداء، ومجرد القول لا يُسمعه.
وقفة
[42] ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ... يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ قد عَلِم أن أمر الله نافذ، وقدَره لا محالة كائن، ولكنه طغيان رحمة الأبوة.
وقفة
[42] ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ... يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ فهو ناداه بصفته أبًا له عطفًا عليه؛ فأرشده إلى سبيل النجاة والإيمان؛ فلا تعارض.
وقفة
[42] ﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ... يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ بين النبوة والأبوة حكاية حب ورحمة لا تنتهي.
وقفة
[42] ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ... يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ نجاة الابن من الفتن والشرور أمل كل أب صالح.
عمل
[42] انصح شخصًا محتاجًا للنصيحة؛ كما فعل نوح عليه السلام مع ابنه ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾.
وقفة
[42] عاطفة الأبوَّة حاضرة حتى في أصعب المواقف، تدبَّر: ﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾.
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ﴾ ما قال: (يا فلان)، نداء فيه حنان، بالتصغير والتحبيب والتودد والإضافة إلى ضميره يستعطفه حتى يأتي معه.
اسقاط
[42] ﴿يَا بُنَيَّ﴾ استخدام أسلوب النداء بالبنوة يعين علي الإصغاء، ويهيئ الابن للامتثال، ويشعره بصدق المربي وعطفه وشفقته.
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ الحب لا يمنحنا صلاحية القسوة وإيلام من نحب.
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ وردت (يا بَنيَّ) ٣ مرات في سياق الأب الناصح، ووردت (يا بُنيَّ) ٦ مرات في سياقات مختلفة، بين يديك العِبَر، المناهج لا تفي بها التغريدات، صدقني.
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ مئات السنين وهو يدعوه، لكنه لم يفقد الأمل حتى آخر لحظة!
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ لهفي على الأبوة، هل نسي نوح عليه السلام أنه لن يؤمن أحد ﴿أَنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إِلّا مَن قَد آمَنَ﴾ [36].
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾، ﴿قال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق﴾ [45]، المشاعر والعواطف الجبلية تعرض للأنبياء فمن دونهم، والواجب الذي يوجه إليه الأنبياء فمن دونهم، هو إخضاع تلك العواطف والمشاعر الطبعية إلى حكم الشرع.
عمل
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ اجعلها شعارك لإنقاذ من تحب: ابنك، صديقك، جارك ...، كل من تخاف عليه الغرق ادعوه لسفينة النجاة (تقوى الله).
اسقاط
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ هل يدرك الأبناء عظيم حسرة والديهم على تفريطهم في حق الله؟!
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾ دعوة من أب مكلوم لابنه لماذا لا نقولها لأبنائنا: يا بني اركب معنا، نسمع صوتك، ونأنس بقربك، ونشم أنفاسك، يا بني إننا نحبك.
وقفة
[42] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ الحريص عليك حقًا سيظل يحاول من أجلك ... حتى اللحظات الأخيرة.
لمسة
[42] ﴿وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ لماذا قال (مع) ولم يقل (من)؟ هو دعاه إلى النجاة أولًا، الآن ليس وقت إيمان وإنما وقت نجاة، ليعيش في مجتمع مؤمن جديد غير الذي ألِفه من تلك الزمرة الضالة الذين أهلكوه حتى تكون مرقاة للإيمان، ولكنه رفض الدعوة، ولو قال لا تكن من الكافرين يبتعد مباشرة.
لمسة
[42] قال: ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ ولم يقلْ: (مع الغَارِقين)؛ إشارة إلى أن من له عقل ينبغي أن يكون صون دينه آكد عليه من صون نفسه.
لمسة
[42] قال: ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ ولم يقلْ: (مع الغَارِقين)؛ لأنَّ مُصيبةَ الدِّينِ أعظمُ المصائبِ، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
وقفة
[42، 43] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾ إن سلوك طريق المؤمنين ومجالستهم، والانحياز إليهم هو سبيل النجاة الحقة؛ لأنهم في كنف الله وعنايته، حتى وإن تقاذفتهم الفتن، وكانت أسبابهم يسيرة، كسفينة من خشب في أمواج كالجبال، كما أن سلوك طريق الكافرين والمنافقين والانحياز إليهم هو سبيل الهلاك، حتى وإن توفرت لهم الأسباب المادية المنيعة كالجبال في علوها وصلابتها.
وقفة
[42، 43] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾ شعور مرعب! مجرد إحساسك أنك قد تعاند يومًا فتمضي السفينة وتترك وحيدا! أما آن لنا أن نلحق الركب وننجو من الطوفان؟! أما آن لنا أن نستقل سفينة النجاة لنصل إلى بر الأمان؟!
وقفة
[42، 43] ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ جمع نوح في كلمته الأخيرة: اللين والأمر والأدب والتحذير والنهي والشفقة والطلب، فرحم الله أبناءنا, بينما كلام ابنه: ﴿سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ يحمل: القسوة والجفاء والغلظة وسوء الأدب ورد النصيحة, فارحم اللهم حالنا.
عمل
[42، 43] إذا ناداك من يريد لك الخير: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾؛ فلا يكن ردك بفعلك أو قولك: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾.

الإعراب :

  • ﴿ وهي تجري بهم:
  • الواو: حالية والجملة بعدها: في محل نصب حال. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. الباء حرف جر و\"هم\" ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بتجري والجملة الاسمية متصلة بمحذوف دل عليه اركبوا فيها باسم الله بتقدير فركبوا فيها يقولون بسم الله وهي تجري بهم أي تجري وهم فيها و\"هي\" ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. وجملة \"تجري بهم\" في محل رفع خبر \"هي\".
  • ﴿ في موج كالجبال:
  • جار ومجرور متعلق بتجري. كالجبال: الكاف اسم مبني على الفتح في محل نصب حال بمعنى \"مثل\". الجبال: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة والكاف يفيد التشبيه أو تكون نائبة عن مفعول مطلق.
  • ﴿ ونادى نوح ابنه:
  • الواو عاطفة. نادى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. نوح: فاعل مرفوع بالضمة ونوّن رغم عجمته وعلميته لأنه مكون من ثلاثة أحرف أوسطه ساكن. ابنه: مفعول به منصوب بالفتحة. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وكان في معزل:
  • الواو: اعتراضية والجملة بعدها: اعتراضية لا محل لها. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. في معزل: جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر \"كان\" أي معتزلًا إياه في ناحية.
  • ﴿ يا بني:
  • يا: أداة نداء. بني: منادى مضاف منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء المناسبة. والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة والفتحة في آخر الياء اقتصارًا من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولنا: يا بنيا.
  • ﴿ اركب معنا:
  • اركب: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. مع: ظرف مكان متعلق باركب يدل على المصاحبة في محل نصب وهو مضاف و\"نا\" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ ولا تكن:
  • الواو استئنافية. لا: ناهية جازمة. تكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت الواو لالتقاء الساكنين واسمه ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت.
  • ﴿ مع الكافرين:
  • ظرف مكان يدل على المصاحبة متعلق بخبر \"تكن\" وهو مضاف. الكافرين: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

هود: 42﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ
هود: 45﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     ولمَّا سارت السفينةُ؛ نادى نوحٌ عليه السلام ابنَه كَنْعَان ليركبَ معَه، قال تعالى:
﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

نوح:
وقرئ:
1- بكسر التنوين، وهى قراءة الجمهور.
2- بضمه، على إتباع حركته حركة الإعراب فى الحاء، وهى قراءة وكيع بن الجراح.
ابنه وكان:
قرئ:
1- بوصل الهاء بالواو، وهى قراءة الجمهور.
2- بسكون الهاء، وهى قراءة ابن عباس.
3- ابناه، بألف وهاء السكت، وهى قراءة السدى.
4- ابنها، بفتح الهاء وألف، أي ابن امرأته، وهى قراءة على، وعروة.

مدارسة الآية : [43] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي ..

التفسير :

[43] قال ابن نوح:سألجأ إلى جبل أتحصَّن به من الماء، فيمنعني من الغرق، فأجابه نوح:لا مانع اليوم من أمر الله وقضائه الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا مَن رحمه الله تعالى، فآمِنْ واركب في السفينة معنا، وحال الموج المرتفع بين نوح وابنه، فكان من المغرق

فـ{ قَالَ} ابنه، مكذبا لأبيه أنه لا ينجو إلا من ركب معه السفينة.

{ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} أي:سأرتقي جبلا، أمتنع به من الماء، فـ{ قَالَ} نوح:{ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} فلا يعصم أحدا، جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب، لما نجا إن لم ينجه الله.{ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ} الابن{ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}

أى: قال: سألتجئ إلى جبل من الجبال الشاهقة، لكي أتحصن به من وصول الماء إلى.

وهنا يرد عليه أبوه الرد الأخير فيقول- كما حكى القرآن عنه-: قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ...

أى: قال نوح لابنه: لا معصوم اليوم من عذاب الله إلا من رحمه- سبحانه- بلطفه وإحسانه، وأما الجبال وأما الحصون.. وأما غيرهما من وسائل النجاة، فسيعلوها الطوفان، ولن تغنى عن المحتمى بها شيئا.

وعبر عن العذاب بأمر الله، تهويلا لشأنه.

وقوله: وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ بيان للعاقبة السيئة التي آل إليها أمر الابن الكافر.

أى: وحال وفصل الموج بهديره وسرعته بين الابن وأبيه، فكانت النتيجة أن صار الابن الكافر من بين الكافرين المغرقين.

والتعبير بقوله: وَحالَ ... يشعر بسرعة فيضان الماء واشتداده، حتى لكأن هذه السرعة لم تمهلهما ليكملا حديثهما.

والتعبير بقوله: فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ يشير إلى أنه لم يغرق وحده، وإنما غرق هو وغرق معه كل من كان على شاكلته في الكفر.

وهكذا تصور لنا هذه الآية الكريمة ما دار بين نوح وابنه من محاورات في تلك اللحظات الحاسمة المؤثرة، التي يبذل فيها كل أب ما يستطيع بذله من جهود لنجاة ابنه من هذا المصير المؤلم.

( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) وقيل : إنه اتخذ له مركبا من زجاج ، وهذا من الإسرائيليات ، والله أعلم بصحته . والذي نص عليه القرآن أنه قال : ( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رءوس الجبال ، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق ، فقال له أبوه نوح ، عليه السلام : ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) أي : ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله . وقيل : إن عاصما بمعنى معصوم ، كما يقال : " طاعم وكاس " ، بمعنى مطعوم ومكسو ، ( وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) .

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ابن نوح لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة خوفًا عليه من الغرق: ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) يقول: سأصير إلى جبل أتحصّن به من الماء ، (30) فيمنعني منه أن يغرقني.

* * *

ويعني بقوله: (يعصمني) يمنعني، مثل " عصام القربة " ، الذي يشدُّ به رأسها ، فيمنع الماء أن يسيل منها. (31)

* * *

وقوله: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)، يقول: لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نـزل بالخلق من الغرق والهلاك ، إلا من رحمنا فأنقذنا منه، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم.

* * *

، ف " من " في موضع رفع، لأن معنى الكلام: لا عاصم يَعصم اليوم من أمر الله إلا الله.

* * *

وقد اختلف أهل العربية في موضع " من " في هذا الموضع.

فقال بعض نحويي الكوفة: هو في موضع نصب، لأن المعصوم بخلاف العاصم، والمرحوم معصوم . قال: كأن نصبه بمنـزلة قوله: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [ سورة النساء : 157] ، قال: ومن استجاز : اتِّبَاعَ الظَّنِّ ، والرفع في قوله: (32)

وَبَلْـــــدَةٌ لَيْسَ بِهَـــــا أَنِيسُ

إِلا الْيَعَـــــــــافِيرُ وَإِلا العِيسُ (33)

لم يجز له الرفع في " من "، لأن الذي قال: " إلا اليعافير "، جعل أنيس البرِّ ، اليعافير وما أشبهها. وكذلك قوله: إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ، يقول علمهم ظنٌّ. قال: وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: " المعصوم " هو " عاصم " في حال، ولكن لو جعلت " العاصم " في تأويل " معصوم " ، [كأنك قلت]: " لا معصوم اليوم من أمر الله " ، (34) لجاز رفع " من ". قال: ولا ينكر أن يخرج " المفعول " على " فاعل "، ألا ترى قوله: مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ، [سورة الطارق: 6] ، معناه ، والله أعلم : مدفوق ، وقوله: فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ، معناها: مرضية؟ قال الشاعر: (35)

دَعِ الْمَكَــارِمَ لا تَرْحَــلْ لِبُغْيَتِهَــا

وَاقْعُـدْ فَـإِنَّكَ أَنْـتَ الطَّـاعِمُ الْكَاسِي (36)

ومعناه: المكسوُّ.

* * *

وقال بعض نحويّي البصرة: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) ، على: " لكن من رحم "، ويجوز أن يكون على: لا ذا عصمة: أي : معصوم، ويكون (إلا من رحم) ، رفعًا بدلا من " العاصم " .

* * *

قال أبو جعفر: ولا وجه لهذه الأقوال التي حكيناها عن هؤلاء، لأن كلام الله تعالى إنما يُوَجَّه إلى الأفصح الأشهر من كلام من نـزل بلسانه ، ما وُجِد إلى ذلك سبيل.

ولم يضطرَّنا شيء إلى أن نجعل " عاصمًا " في معنى " معصوم "، ولا أن نجعل " إلا " بمعنى " لكن "، إذ كنا نجد لذلك في معناها الذي هو معناه في المشهور من كلام العرب مخرجًا صحيحًا، وهو ما قلنا من أنَّ معنى ذلك: قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله ، إلا من رحمَنا فأنجانا من عذابه، كما يقال: " لا مُنجي اليوم من عذاب الله إلا الله " ، " ولا مطعم اليومَ من طعام زيد إلا زيد " . فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم.

* * *

وقوله: (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)، يقول: وحال بين نوح وابنه موجُ الماء فغرق، (37) فكان ممن أهلكه بالغرق من قوم نوح صلى الله عليه وسلم.

-----------------------

الهوامش :

(30) انظر تفسير " أوى " فيما سلف 13 : 477 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(31) انظر تفسير " يعصم " فيما سلف 10 : 472 ، تعليق : 2 / 15 : 73 .

(32) هو جران العود .

(33) سلف البيت وتخريجه فيما مضى 9 : 203 .

(34) الزيادة بين القوسين من معاني القرآن للفراء ، وهو نص كلامه .

(35) هو الحطيئة .

(36) ديوانه : 54 ، وطبقات فحول الشعراء : 98 ، واللسان ( طعم ) ، ( كسا ) ، ومعاني القرآن للفراء ، وغيرها كثير ، في خبره المشهور لما ذم الزبرقان ، واستعدى عليه عمر بن الخطاب ، وقال عمر لحسان : أهجاه ؟ قال : لا ، ولكنه ذرق عليه ! وقد فسرته على أن " الطاعم " و" الكاسي " ، على النسب ، أي : ذو الطعام ، يشتهيه ويستجيده من شرهه ، وذو الكسوة ، يتخيرها ويتأنق فيها ، لا هم له في المكارم . ولذلك قال الزبرقان لعمر : أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس ! ! ومثل هذا قول عبد الرحمن بن حسان :

إنِّـي رأَيْـتُ مِـنَ المَكَـارِمِ حَسْـبَكُم

أَن تَلْبَسُــوا حُـرَّ الثِّيَـابِ وَتَشْـبَعُوا

.

(37) انظر تفسير " حال " فيما سلف 13 : 472 .

التدبر :

وقفة
[43] ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ إذا جاء أمر الله فلا منجي إلا هو وإن لجأت إلى جبل، وكان أبوك خير البشر، فهلم إلى فلك التقوى.
عمل
[43] ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ لقد كان الجبل أعظم مخلوق يمكنه الهرب إليه لكنه لم ينفعه؛ ‏لا تأو لغير الله في كربتك.
وقفة
[43] ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ العصاة الجهلة يخطئون بتقدير عواقب عصيانهم، ويتمادون في الكبر والعناد حتي يلاقوا مصيرهم!
وقفة
[43] من لم يعتصم بالله أضله الله وأوكله إلى نفسه فأنساه اللجوء إليه عند المخاطر ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ لجأ لغير ربه (فكان من المغرقين).
وقفة
[43] ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ﴾ من الخطأ في الحساب والتقدير والتدبير عند نزول البلاء: الاتكاء على الأسباب المادية، ونسيان المتصرف فيها؛ فليكن أول أسباب السلامة: الأوبة إلى من بيده مقاليد الأمور.
وقفة
[43] إذا نزلت عقوبة الله فلا ترفع بالتحايل عليها بل بإزالة أسباب وقوعها، فعقابه لا يفر منه ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[43] ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾ فلا يعصم أحدًا جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب لمَا َنجا إن لم ينجه الله.
وقفة
[43] ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾ لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا عاصم من أمره إلا هو سبحانه.
وقفة
[43] الأسباب الدنيوية مهما عظمت لا تنفع العاصي إذا أراد الله عقوبته ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾.
وقفة
[43] ﴿سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾: هذا عقل، ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾: هذا وحي، ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾: هذه نتيجة؛ فمن قدم عقله على الوحي كانت النتيجة هي الغرق في بحور الأهواء والبدع.
وقفة
[43] ابن نوح ظنه (ماء)، ونوح يعرف أنه (أمر الله)، يعمي الله بصيرة أهل الباطل فلا يرون إلا الظواهر، ويفتح بصيرة أهل الإيمان فيعلمون أنه الله: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾.
وقفة
[43] ذكر المهروب منه تحديدًا: ﴿يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾، وسيدنا نوح قال: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾، ما قال (من الماء)، هذه عقوبة خاصة وليست مياهًا كسائر المياه، هذا أمر الله الذي أنزله خاص لهؤلاء القوم، ولهذه المسألة لنجاة المؤمنين وإغراق الكافرين.
وقفة
[43] ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾ ذكر (اليوم) تحديدًا مع أنه لا عاصم من أمر الله في أي يوم، لا نافية للجنس، تنفي العاصم مطلقًا، لا في هذا اليوم ولا في غيره، لكن هذا اليوم ليس كسائر الأيام، فأنت في سائر الأيام قد تأخذ بالأسباب فتنجو بأمر الله، مثلًا المرض من أمر الله، والدواء من أمر الله، لكن أنت قد تفر من قدر الله إلى قدر الله فتأخذ الدواء فتنجو، لكن في هذا اليوم؛ الله سبحانه قضى أمرًا وجاء أمره، فلا ينفع فيه اتخاذ الأسباب لكي تنجو، ولذلك ما قال: (لا عاصم اليوم من الماء)، وإنما قال: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾، هذا أمر الله لا مفرَّ، في هذا اليوم لا ينفع إلا هذا الفلك، أن يركب معه فقط، هذا الوحيد سبب للنجاة وليس هناك سبب آخر، اليوم لا جبل ولا غيره ينفع، الذي فررت منه سيصل إليك، أنت تفرُّ من الماء لكنه سيصل إليك أينما ذهبت، تصور أنت تذهب إلى جبل والجبل سيغرق، في هذا اليوم لا ينفع.
وقفة
[43] ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾ تتبع مظان ومواطن رحمة الله، وتحراها واقترب منها؛ لعلك تفوز بها، فتنجو في الدنيا والآخرة.
وقفة
[43] ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ﴾ لو كان أحدٌ يملك لأحدٍ هدايةً؛ لبذلها نوح لابنه وهو يرى الموج يحول بينهما (لك أن تتخيل قلبه).
وقفة
[43] الذي تربى في بيت نبي غرق بالطوافان: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾، والذي تربى في بيت فرعون شق البحر بعصاه، ليس المهم أين تعيش، بل كيف؟ ليس المهم البدايات بل النهايات.
لمسة
[43] قال: ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ ولم يقل: (مغرقًا)؛ يعني هو ليس وحده وإنما معه من لم يؤمن بسيدنا نوح.

الإعراب :

  • ﴿ قال:
  • فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. بمعنى: قال يا أبتِ.
  • ﴿ سآوي إلى جبل:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- والسين حرف استقبال -تسويف- للقريب. آوي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. إلى جبل: جار ومجرور متعلق بآوي.
  • ﴿ يعصمني من الماء:
  • الجملة: في محل جر صفة -نعت- لجبل. يعصمني: فعل مضارع مرفوع بالضمة. النون للوقاية. والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو من الماء: جار ومجرور متعلق بيعصمني أي من طغيان الماء. ويجوز في \"لا عاصم\" أن يراد \"لا معصوم\" أي لا ذا عصمة.
  • ﴿ قال لا عاصم:
  • قال: أعربت بمعنى: قال له أبوه. لا: نافية للجنس تعمل عمل \"إن\" عاصم: اسم \"لا\" مبني على الفتح في محل نصب.
  • ﴿ اليوم من أمر الله:
  • مفعول فيه ظرف زمان متعلق بعاصم. من أمر: جار ومجرور متعلق بعاصم أو بفعله. الله: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ إلّا من رحم:
  • إلا: أداة استثناء وهو استثناء منقطع. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع لأنه في موضع رفع بدلًا من وصنع \"لا عاصم\" لأن وضع \"لا\" وما عملت فيه الرفع بالابتداء. وخبر \"لا\" النافية للجنس محذوف تقديره كائن أو موجود. رحم: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر. فيه جوازًا تقديره هو. وجملة \"رحم\" صلة الموصول لا محل لها والعائد ضمير منصوب محلًّا لأنه مفعول به. التقدير:رحمه. والمعنى: لا عاصم اليوم من الطوفان إلّا من رحمه الله. بتقدير: ولكن من رحمة الله فهو المعصوم. أو بمعنى: إلا مكان من رحم الله من المؤمنين. ويجوز أن يكون التقدير: لا عاصم إلّا الراحم وهو الله تعالى. وفي هذه الآية الكريمة عدة احتمالات منها المعنى: لا عاصم إلّا راحم ولا معصوم إلّا مرحوم، ولا عاصم إلا مرحوم ولا معصوم إلا راحم. فالاحتمالان الأولان استثناء من الجنس، والاحتمالان الآخران من غير الجنس وزاد الزمخشري احتمالًا خامسًا وهو لا عاصم إلّا مرحوم على أنه من الجنس بتأويل حذف المضاف تقديره: لا مكان عاصم إلّا مكان مرحوم. وقيل الاستثناء متصل لأن المستثنى منه موجود.
  • ﴿ وحال بينهما الموج:
  • الواو استئنافية. حال: فعل ماضٍ مبني على الفتح. بين: ظرف مكان متعلق بحال منصوب بالفتحة على الظرفية المكانية والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة والميم علامة الجمع والألف علامة التثنية. الموج: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ فكان من المغرقين:
  • الفاء: استئنافية. كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو و \"من المغرقين\" جار ومجرور متعلق بخبر \"كان\" وعلامة جر الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في الاسم المفرد. '

المتشابهات :

يوسف: 53﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ
هود: 43﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ
هود: 119﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ
الدخان: 42﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّـهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     ولمَّا نادى نوحٌ عليه السلام ابنَه كَنْعَان ليركبَ معَه؛ أبى ورفض هذه النصيحة الغالية من الأب الحزين على مصير ابنه العاق المغرور، فكانَ مَعَ مَنْ غَرَقَ، قال تعالى:
﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [44] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ ..

التفسير :

[44] وقال الله للأرض- بعد هلاك قوم نوح-:يا أرض اشربي ماءك، ويا سماء أمسكي عن المطر، ونقص الماء ونَضَب، وقُضي أمر الله بهلاك قوم نوح، ورست السفينة على جبل الجوديِّ، وقيل:هلاكاً وبُعْداً للقوم الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله، ولم يؤمنوا به.

فلما أغرقهم الله ونجى نوحا ومن معه{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} الذي خرج منك، والذي نزل إليك، أي:ابلعي الماء الذي على وجهك{ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} فامتثلتا لأمر الله، فابتلعت الأرض ماءها, وأقلعت السماء، فنضب الماء من الأرض،{ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} بهلاك المكذبين ونجاة المؤمنين.

{ وَاسْتَوَتْ} السفينة{ عَلَى الْجُودِيِّ} أي:أرست على ذلك الجبل المعروف في أرض الموصل.

{ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي:أتبعوا بعد هلاكهم لعنة وبعدا, وسحقا لا يزال معهم.

وبعد أن غرق الكافرون، ونجا نوح ومن معه من المؤمنين، وجه الله- تعالى- أمره إلى الأرض وإلى السماء.. فقال: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

أى: وبعد أن أدى الطوفان وظيفته فأغرق بأمر الله- تعالى- الكافرين، قال الله- تعالى- للأرض: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.

أى: اشربى أيتها الأرض ما على وجهك من ماء، وابتلعيه بسرعة في باطنك كما يبتلع الإنسان طعامه في بطنه بدون استقرار في الفم.

وقال- سبحانه- للسماء وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أى: أمسكى عن إرسال المطر يقال:

أقلع فلان عن فعله إقلاعا، إذا كف عنه وترك فعله. ويقال: أقلعت الحمى عن فلان، إذا تركته.

فامتثلتا- أى الأرض والسماء- لأمر الله- تعالى- في الحال، فهو القائل وقوله الحق:

إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .

وقوله وَغِيضَ الْماءُ أى: نقص ونضب. يقال: غاض الماء يغيض، إذا قل ونقص.

والمراد به هنا: الماء الذي نشأ عن الطرفان.

وقوله: وَقُضِيَ الْأَمْرُ أى: تم ونفذ ما وعد الله- تعالى- به نبيه نوحا- عليه السلام- من إهلاكه للقوم الظالمين.

والضمير في قوله: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ للسفينة، والجودي، جيل بشمال العراق بالقرب من مدينة الموصل. وقيل هو جبل بالشام.

أى: واستقرت السفينة التي تحمل نوحا والمؤمنين بدعوته، على الجبل المعروف بهذا الاسم، بعد أن أهلك الله أعداءهم.

قال ابن كثير ما ملخصه: وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، فقد روى الإمام أحمد عن أبى هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا الصوم؟ قالوا، هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبنى إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون. وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي. فصامه نوح وموسى- عليه السلام- شكرا لله.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم» . فصامه، وقال لأصحابه: من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه، ومن كان قد أصاب من غذاء أهله، فليتم بقية يومه» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وقيل بعدا للقوم الظالمين.

أى: هلاكا وسحقا وطردا من رحمة الله- تعالى- للقوم الذين ظلموا أنفسهم بإيثارهم الكفر على الإيمان، والضلالة على الهداية.

قال الجمل: وبُعْداً مصدر بعد- بكسر العين-، يقال بعد بعدا- بضم فسكون- وبعدا- بفتحتين- إذا بعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده، ثم استعير للهلاك، وخص بدعاء السوء، وهو منصوب على المصدر بفعل مقدر. أى: وقيل بعدا بعدا ... » .

هذا وقد تكلم بعض العلماء عن أوجه البلاغة والفصاحة في هذه الآية كلاما طويلا، نكتفي بذكر جانب مما قاله في ذلك الشيخ القاسمى في تفسيره.

قال- رحمه الله- ما ملخصه: «هذه الآية بلغت من أسرار الإعجاز غايتها، وحوت من بدائع الفوائد نهايتها. وقد اهتم علماء البيان بإبراز ذلك، ومن أوسعهم مجالا في مضمار معارفها الإمام «السكاكي» فقد أطال وأطنب في كتابه «المفتاح» في الحديث عنها.

فقد قال- عليه الرحمة- في بحث البلاغة والفصاحة:

وإذ قد وقفت على البلاغة، وعثرت على الفصاحة، فأذكر لك على سبيل الأنموذج، آية أكشف لك فيها من وجوههما ما عسى أن يكون مستورا عنك، وهذه الآية هي قوله- تعالى- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، وَغِيضَ الْماءُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ....

والنظر في هذه الآية من أربع جهات: من جهة علم البيان، ومن جهة علم المعاني، ومن جهة الفصاحة المعنوية، ومن جهة الفصاحة اللفظية.

أما النظر فيها من جهة علم البيان.. فتقول: إنه- عز سلطانه- لما أراد أن يبين معنى هو: أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض لما أراد ذلك: بنى الكلام على التشبيه، بأن شبه الأرض والسماء بالمأمور الذي لا يتأتى منه أن يعصى أمره.. وكأنهما عقلاء مميزون فقال:

يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ...

ثم قال: ماءَكِ بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز، تشبيها لاتصال الماء بالأرض، باتصال الملك بالمالك.

ثم اختار لاحتباس المطر لفظ الإقلاع الذي هو ترك الفاعل للفعل.

وأما النظر فيها من حيث علم المعاني ... فذلك أنه اختير يا دون سائر أخواتها، لكونها أكثر في الاستعمال ... واختير لفظ «ابلعي» على «ابتلعى» لكونه أخصر. ثم أطلق الظلم ليتناول كل نوع منه، حتى يدخل فيه ظلمهم لأنفسهم.

وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى. نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد، ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد، بل إذا جربت نفسك عند استماعها، وجدت ألفاظها تسابق معانيها، ومعانيها تسابق ألفاظها، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك، إلا ومعناها أسبق إلى قلبك.

وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية: فألفاظها على ما ترى عربية، مستعملة جارية على قوانين اللغة، سليمة من التنافر، بعيدة عن البشاعة.

ولا تظن الآية مقصورة على ما ذكرت، فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت .

ثم ختم- سبحانه- قصة نوح مع قومه في هذه السورة، بتلك الضراعة التي تضرع بها نوح- عليه السلام- بشأن ولده، وبذلك الرد الحكيم الذي رد به الخالق- عز وجل- على نوح- عليه السلام، وبتعقيب على القصة يدل على وحدانية الله- تعالى-، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه قال- تعالى-:

يخبر تعالى أنه لما غرق أهل الأرض إلا أصحاب السفينة ، أمر الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها ، وأمر السماء أن تقلع عن المطر ، ( وغيض الماء ) أي : شرع في النقص ، ( وقضي الأمر ) أي : فرغ من أهل الأرض قاطبة ، ممن كفر بالله ، لم يبق منهم ديار ، ( واستوت ) السفينة بمن فيها ( على الجودي ) قال مجاهد : وهو جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت ، وتواضع هو لله عز وجل ، فلم يغرق ، وأرست عليه سفينة نوح عليه السلام .

وقال قتادة : استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها ، قال قتادة : قد أبقى الله سفينة نوح ، عليه السلام ، على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوائل هذه الأمة ، وكم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت ، وصارت رمادا .

وقال الضحاك : الجودي : جبل بالموصل : وقال بعضهم : هو الطور .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا محمد بن عبيد ، عن توبة بن سالم قال : رأيت زر بن حبيش يصلي في الزاوية حين يدخل من أبواب كندة على يمينك فسألته إنك لكثير الصلاة هاهنا يوم الجمعة ! قال : بلغني أن سفينة نوح أرست من هاهنا .

وقال علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم ، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما ، وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ، ثم وجهها الله إلى الجودي فاستقرت عليه ، فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض ، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ، ولطخت رجليها بالطين ، فعرف نوح ، عليه السلام ، أن الماء قد نضب ، فهبط إلى أسفل الجودي ، فابتنى قرية وسماها ثمانين ، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ، إحداها اللسان العربي . فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض ، وكان نوح عليه السلام يعبر عنهم .

وقال كعب الأحبار : إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجودي .

وقال قتادة وغيره : ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين واستقرت بهم على الجودي شهرا ، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم . وقد ورد نحو هذا في حديث مرفوع رواه ابن جرير . وأنهم صاموا يومهم ذاك ، فالله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو جعفر ، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي ، عن أبيه حبيب بن عبد الله ، عن شبيل ، عن أبي هريرة قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأناس من اليهود ، وقد صاموا يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا الصوم ؟ قالوا : هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق ، وغرق فيه فرعون ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي ، فصامه نوح وموسى ، عليهما السلام ، شكرا لله عز وجل . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : " أنا أحق بموسى ، وأحق بصوم هذا اليوم " . فصام ، وقال لأصحابه : " من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ، ومن كان أصاب من غداء أهله ، فليتم بقية يومه "

وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شاهد في الصحيح .

وقوله : ( وقيل بعدا للقوم الظالمين ) أي : هلاكا وخسارا لهم وبعدا من رحمة الله ، فإنهم قد هلكوا عن آخرهم ، فلم يبق لهم بقية .

وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث موسى بن يعقوب الزمعي ، عن قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع ، أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره : أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبي " قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " كان نوح - عليه السلام - مكث في قومه ألف سنة [ إلا خمسين عاما ] ، يعني وغرس مائة سنة الشجر ، فعظمت وذهبت كل مذهب ، ثم قطعها ، ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون : تعمل سفينة في البر ، فكيف تجري ؟ قال : سوف تعلمون . فلما فرغ ونبع الماء ، وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه ، وكانت تحبه حبا شديدا ، فخرجت إلى الجبل ، حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء [ ارتفعت حتى بلغت ثلثيه ، فلما بلغها الماء ] خرجت به حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي " .

وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقد روى عن كعب الأحبار ومجاهد بن جبير قصة هذا الصبي وأمه بنحو من هذا.

القول في تأويل قوله تعالى : وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله للأرض بعد ما تناهَى أمرُه في هلاك قوم نوح بما أهلكهم به من الغرق: (يا أرض ابلعي ماءك)، أي: تشرَّبي.

* * *

، من قول القائل: " بَلِعَ فلان كذا يَبْلَعُه، أو بَلَعَه يَبْلَعُه " ، إذا ازدَردَه. (38)

* * *

، (ويا سماء أقلعي) ، يقول: أقلعي عن المطر، أمسكي ، (وغيض الماء) ، ذهبت به الأرض ونَشِفته، (وقضي الأمر) ، يقول: قُضِي أمر الله، فمضى بهلاك قوم نوح (39) ، (واستوت على الجوديّ) ، يعني الفلك ، " استوت ": أرست ، " على الجودي" ، وهو جبل ، فيما ذكر بناحية الموصل أو الجزيرة، ، (وقيل بعدًا للقوم الظالمين)، يقول: قال الله: أبعد الله القوم الظالمين الذين كفروا بالله من قوم نوح. (40)

* * *

18187- حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال ، حدثنا المحاربي، عن عثمان بن مطر، عن عبد العزيز بن عبد الغفور ، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في أول يوم من رجب ركب نوح السفينة ، فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستةَ أشهر، فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجوديّ يوم عاشوراء، فصام نوح ، وأمر جميع من معه من الوحش والدوابّ فصامُوا شكرًا لله . (41)

18188- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كانت السفينة أعلاها للطير، ووسطها للناس، وفي أسفلها السباع، وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعًا، ودفعت من عَين وردة يوم الجمعة لعشر ليالٍ مضين من رجب، وأرست على الجوديّ يوم عاشوراء، ومرت بالبيت فطافت به سبعًا، وقد رفعه الله من الغرق، ثم جاءت اليمن، ثم رجعت. (42)

18189- حدثنا القاسم، قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، قال: هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم، فقال لمن معه: من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرًا فليصم. (43)

18190- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: [ما] كان زَمَن نوحٍ شبر من الأرض ، إلا إنسانٌ يَدَّعيه. (44)

18191- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنَّها ، يعني الفُلك ، استقلَّت بهم في عشر خلون من وجب، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم، واستقرت على الجودي شهرًا، وأهبط بهم في عشر [خَلَوْن] من المحرم يوم عاشوراء . (45)

* * *

وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: (وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي) ، قال أهل التأويل.

* * *

ذكر من قال ذلك:

18192- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وغيض الماء) ، قال: نقص ، (وقضي الأمر)، قال: هلاك قوم نوح

18193- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

-

18194 حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال: قال ابن جريج (وغيض الماء) ، نَشِفَتهُ الأرض. (46)

18195- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (يا سماء أقلعي) ، يقول: أمسكي (وغيض الماء) ، يقول: ذهب الماء.

18196- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وغيض الماء) ، والغُيوض ذهاب الماء ، (واستوت على الجودي).

18197- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واستوت على الجودي) ، قال: جبل بالجزيرة، تشامخت الجبال من الغَرَق، وتواضع هو لله فلم يغرق، فأرسيتْ عليه.

18198- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واستوت على الجودي) ، قال: الجودي جبل بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذ من الغَرَق وتطاولت، وتواضع هو لله فلم يغرق، وأرسيت سفينة نوح عليه

18199- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

18200- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (واستوت على الجودي) ، يقول: على الجبل ؛ واسمه " الجودي"

18201- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان: (واستوت على الجودي) ، قال: جبل بالجزيرة ، شمخت الجبال، وتواضعَ حين أرادت أن ترفأ عليه سفينة نوح. (47)

18202- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (واستوت على الجودي) ، أبقاها الله لنا بوادي أرض الجزيرة عبرة وآية.

18203- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: (واستوت على الجودي) ، هو جبل بالموصل.

18204- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن نوحًا بعث الغراب لينظر إلى الماء، فوجد جيفة فوقع عليها، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون، فأعْطيت الطوقَ الذي في عنقها، وخضابَ رجليها.

18205- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما أراد الله أن يكفّ ذلك ، يعني الطوفان ، أرسل ريحًا على وجه الأرض، فسكن الماء، واستدَّت ينابيع الأرضِ الغمرَ الأكبر، وَأبوابُ السماء . (48) يقول الله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي)، إلى: (بعدًا للقوم الظالمين) ، فجعل ينقص ويغيض ويُدبر. وكان استواء الفلك على الجودي ، فيما يزعم أهل التوراة، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه، في أول يوم من الشهر العاشر، رئي رءوس الجبال. فلما مضى بعد ذلك أربعون يومًا ، فتح نوح كُوَّة الفلك التي صنع فيها، ثم أرسلَ الغراب لينظر له ما فعل الماءُ، فلم يرجع إليه. فأرسل الحمامةَ، فرجعت إليه، ولم يجد لرجليها موضعًا، فبسط يده للحمامة، فأخذها . ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له، فرجعت حين أمست ، وفي فيها ورَق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قلَّ عن وجه الأرض. ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها فلم ترجع، فعلم نوح أن الأرض قد برَزَت، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأوّل من سنة اثنتين ، برز وجه الأرض، فظهر اليبس، وكشف نوح غطاء الفلك، ورأى وجه الأرض. وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في سبع وعشرين ليلة منه قيل لنوح: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ .

18206- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: تزعُم أناسٌ أن من غرق من الولدان مع آبائهم، وليس كذلك، إنما الولدان بمنـزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم، والمدرِكون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ، ثم مصيرهم إلى النار.

------------------------

الهوامش :

(38) الذي في المعاجم " بلع " ( بفتح فكسر ) ، أما " بلع " ( بفتحتين ) ، فقد ذكرها ابن القطاع في كتاب الأفعال 1 : 85 وفرق بينهما وقال : " بَلِعَ الطعام بَلْعًا ، وبَلَعَ الماء والربق بَلْعًا " ، وذكر أيضا ابن القوطية في كتاب الأفعال : 281 ، مثل ذلك .

(39) انظر تفسير " قضى " فيما سلف من فهارس اللغة ( قضى ) .

(40) انظر تفسير " استوى " فيما سلف ص : 18 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(41) الأثر : 18187 - " عباد بن يعقوب الأسدي " ، شيخ الطبري ، ثقة في الحديث ، شيعي الرأي ، مضى برقم : 5475 ." والمحاربي " ، هو " عبد الرحمن بن محمد المحاربي " ، ثقة ، من شيوخ أحمد ، مضى مرارًا ." وعثمان بن مطر الشيباني " ، ضعيف منكر الحديث ، متروك . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 169 .وأما "عبد العزيز بن عبد الغفور " ، فهذا اسم مقلوب ، وإنما هو " عبد الغفور بن عبد العزيز " ويقال : " عبد الغفار بن عبد العزيز " ويروى عنه " عثمان بن مطر ". وهو كذاب خبيث كان يضع الحديث ، ومضى برقم : 14776 . ولكن العجب أن أبا جعفر رواه في تاريخه مقلوبًا أيضًا .وأبوه " عبد العزيز الشامي " ، لم أجد له ذكرًا ، كما أسلفت في رقم : 14776 ، وأخشى أن يكون هذا الإسناد : " عن أبيه ، عن أبيه " ، كما سلف .وهذا خبر هالك من نواحيه جميعًا ، ووقع فيه الخلط في اسم " عبد الغفور " جزاء ما خلط في أحاديثه ومناكيره .ورواه أبو جعفر في تاريخه أيضًا 1 : 96 .

(42) الأثر : 18188 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 96 .

(43) الأثر : 18189 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 96 .

(44) الأثر : 18190 - كان في المخطوطة : " قال: كان زمن نوح شبر عن الأرض لإنسان يدعيه " ، وكان في المطبوعة:" كان في زمن نوح شبر عن الأرض لا إنسان يدعيه" فزاد ، وأساء القراءة ، وأفسد الكلام . والصواب من تاريخ الطبري 1 : 96 . وقوله : " إلا إنسان يدعيه " ، أي : يدعى أن الماء لم يعم الأرض كلها .

(45) الأثر : 18191 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 96 ، والزيادة بين القوسين منه .

(46) " نشفت الأرض الماء ، نشفًا " ( بفتح النون وكسر الشين ، في الفعل) ، شربته .

(47) " رفأ السفينة يرفؤها " ، أدناها من الشط ، فعل متعد ، و" أرفأت السفينة نفسها " ، لازم ، ولكن هكذا جاء في المخطوطة " أرادت أن ترفأ " ، وعندي أنه جائز أن يقال : " رفأت السفينة نفسها " ، لازما .

(48) هكذا في المخطوطة والمطبوعة : " الغمر الأكبر " ، وأنا أرجح أنه خطأ محض ، وأن الصواب : " الغوط الأكبر " ، وبهذا اللفظ رواه صاحب اللسان في مادة ( غوط ) . وقد سبق تفسير " الغوط الأكبر" في الأثر رقم : 18138 ص : 315 ، تعليق : 2 .

التدبر :

لمسة
[44] ﴿وَقِيلَ﴾ لم يذكر القائل تعظيمًا له عز وجل؛ ليبين سلطانه، أنهما عرفتا القائل ونفَّذتا؛ لأنه لا تستطيع أي واحدة منهما أن تخالف هذا الأمر.
لمسة
[44] بدأ بفعل القول: ﴿وَقِيلَ﴾ والقول يقال لمن يسمع ويعقل، ثم نادى (يَا أَرْضُ)، والمنادى عندما تناديه ينبغي أن يعلم أنه نودي حتى يسمع أو تبلغه بأمر، ثم أُمِر على سبيل الحقيقة وليس على سبيل المجاز (ابْلَعِي)، كان القول على سبيل الحقيقة، والنداء على سبيل الحقيقة، والأمر على سبيل الحقيقة، والمأمور ينبغي أن يكون عالمًا بما أُبلِغ به ثم ينُفِّذ، وهذا يدل على أن الأرض والسماء سمعتا وعقلتا وامتثلتا، إذن ليس هذا مثل نداء من يؤمر على سبيل المجاز مثل (يا ليل طُل يا شوق دُم).
وقفة
[44] قال القاضي عياض: «حكي أن ابن المقفع أراد أن يعارض القرآن، فحاول ذلك وطلبه، وبدأ فيه؛ فمر بصبي يقرأ: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ﴾، فرجع فمحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارَض، وما هو من كلام البشر، وكان من أفصح أهل وقته».
وقفة
[44] كل فوضى مهما بدا من تعقيدها يمكن أن تعود طمأنينة إذا أراد الله ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾؛ اقترب من مالك الأمر وحياتك ستكون بخير.
وقفة
[44] ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ لم يصرح بمن أغاض الماء، ولا بمن قضى الأمر، وسوى السفينة، وقال: (بُعدًا)، كما لم يصرح بقائل: يا أرض ويا سماء، إشارة إلى أن تلك الأمور العظام لا تتأتى إلا من ذي قدرة قهار، فلا مجال لتوهم أن يكون غير الله قام بذلك.
وقفة
[44] قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمَّى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقصَّ من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام.
لمسة
[44] ناداها باسم الجنس: ﴿يَا أَرْضُ﴾ كما تقول: (يا رجل افعل)، ولم يقل: (يا أرضي)، كما تقول: (يا أخي، يا صاحبي)، ولم يضفها، لم يقل: (يا أرض البركة، يا سماء الخير)، جرّدها من كل إضافة أو وصف تشريف؛ لأن المقام مقام تعظيم وأمر وسطوة وعقوبة، (يا أرض، يا سماء) فيها قوة، ليس فيها تودد؛ لتستجيب (يا أرض) وبالتالي (يا سماء).
لمسة
[44] حرف النداء (يا) للبعيد، والله يأمرها: ﴿يَا أَرْضُ﴾ من فوق سبع سموات فتستجيب، هذا بُعد منزلة يدل على عظمة المنادى.
لمسة
[44] ﴿ابْلَعِي مَاءكِ﴾ (ابلعي) أوجز من (ابتلعي)، ابتلع على وزن افتعل، فيها تكلف واجتهاد وفيها تأخر في الوقت، مثل صبر واصطبر، هذه ليس فيها انتظار، ابلعي الآن، ليس فيها تأخر ولا تكلف ولا زمن، إضافة إلى الإيجاز فيها.
لمسة
[44] ﴿مَاءكِ﴾ أفادت هذه الإضافة أن الماء ماؤها، ما أنزلت السماء هو من الأرض، من التبخر، هو ماؤك ليس غريبًا عنك.
لمسة
[44] ﴿وَغِيضَ الْمَاء﴾ فِعلها غاض بمعنى ذهب ونشف، لاحظ الاستجابة على الفور امتثالًا لأمر الآمر، لم يقل: (فبلعت الأرض ماءها)، ولم يقل: (أمسكت السماء)، هذا الحذف يظهر لنا عظمة الموقف كله.
وقفة
[44] علق القرطبي على خاتمة قصة نوح مع قومه بقوله سبحانه: ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فقال رحمه الله: «لما تواضع الجودي وخضع عز، ولما ارتفع غيره واستعلى ذل، وهذه سنة الله في خلقه؛ يرفع من تخَشَّع، ويضع من ترَفَّع».
لمسة
[44] ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ لم يذكر الفاعل أي السفينة، فهي معلومة.
تفاعل
[44] ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الظالمين.
وقفة
[44] ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (وَقِيلَ بُعْدًا) بنى الفعل للمجهول، من القائل؟ القائل هو الله والملائكة والصالحون، كلهم يقولون: «بعدًا للقوم الظالمين».
لمسة
[44] قال: ﴿بُعْدًا﴾ بالمصدر ليدل على الثبوت، بينما الفعل يدل على الحدوث والتجدد، ولأن المصدر لا يحتاج إلى زمن، ولا إلى فاعل، فهو متناسب مع الإيجاز.
وقفة
[44] ﴿بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ قيام الطوفان بهذه الصورة الهائلة ما هو إلا أحد آثار الظلم.
وقفة
[44] ﴿بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ بُعدًا للظالمين تحديدًا لأنه وصفهم بالظلم أولًا، قال: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ [37] ذكر الوصف الذي استحق به القوم هذه العقوبة، وهذا تحذير لكل ظالم وهذه عِلّة الهلاك.
لمسة
[44] ﴿لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ جاء باللام التي هي للاستحقاق، يعني استحق هؤلاء البعد؛ لظلمهم هذا.

الإعراب :

  • ﴿ وقيل يا أرض:
  • الواو: استئنافية. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. يا: أداة نداء. أرض: منادى مبني على الضم في محل نصب. والجملة الفعلية \"ابلعي ماءك\" في محل رفع نائب فاعل للفعل \"قيل\" أي ونودي بعد ذلك وقيل. وفي هذا التأويل يكون نائب الفاعل جملة فعلية في محل رفع.
  • ﴿ ابلعي ماءك:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. ماءك: مفعول به منصوب بالفتحة والكاف ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ ويا سماء أقلعي:
  • معطوفة بالواو على \"يا أرض ابلعي\" وتعرب إعرابها. بمعنى: يا سماء كفي عن المطر.
  • ﴿ وغيض الماء:
  • الواو: سببية. غيض: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. الماء: نائب فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وقضي الأمر:
  • معطوفة بالواو على \"غيض الماء\" وتعرب إعرابها. بمعنى: ونضب الماء وتم إهلاك الكافرين.
  • ﴿ واستوت على الجوديّ:
  • الواو عاطفة. استوت: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هي يعود على السفينة. على الجودي: جار ومجرور متعلق باستوت.
  • ﴿ وقيل بعدًا:
  • وقيل: أعربت. بعدًا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة بفعل مقدّر أي أبعده الله بعدًا وهو دعاء بالسوء. بمعنى وقالت الملائكة بعدًا. والجملة الفعلية المقدرة \"أبعدهُ الله بعدًا\" في محل رفع نائب فاعل لقيل.
  • ﴿ للقوم الظالمين:
  • جار ومجرور متعلق ببعدًا. الظالمين: صفة -نعت- للقوم مجرورة مثلها وعلامة جرها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. و\"الجودي\" جبل بالموصل. '

المتشابهات :

هود: 44﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
المؤمنون: 41﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ۚ فَـ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [44] لما قبلها :     وبعد أن غرق الكافرون، ونجا نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين؛ أمرَ اللهُ عز وجل الأرضَ أن تبْلَعَ ماءَها، والسماءَ أن تمسكَ المطرَ، فاستقرَّتْ السَّفينةُ على جبلِ الجُودِيِّ شمالَ العراقِ، قال تعالى:
﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الجودي:
وقرئ:
بسكون الياء، مخففة، وهى قراءة الأعمش، وابن أبى عبلة.

مدارسة الآية : [45] :هود     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ ..

التفسير :

[45] ونادى نوح ربه فقال:رب إنك وعَدْتني أن تنجيني وأهلي من الغرق والهلاك، وإن ابني هذا من أهلي، وإن وعدك الحق الذي لا خُلْف فيه، وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم.

{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} أي:وقد قلت لي:فـ{ احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} ولن تخلف ما وعدتني به.

لعله عليه الصلاة والسلام، حملته الشفقة، وأن الله وعده بنجاة أهله، ظن أن الوعد لعمومهم، من آمن، ومن لم يؤمن، فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء، ومع هذا، ففوض الأمر لحكمة الله البالغة.

والمراد بالنداء في قوله- سبحانه-: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ.. الدعاء والضراعة إلى الله- تعالى- والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها.

أى: وبعد أن تخلف ابن نوح عليه السلام عن الركوب معه في السفينة، وقضى الأمر بهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين.. تضرع نوح- عليه السلام- إلى ربه فقال في استعطاف ورجاء:

يا رب! ان ابني «كنعان» مِنْ أَهْلِي فهو قطعة منى، فأسألك أن ترحمه برحمتك إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ أى: وإن كل وعد تعده لعبادك هو الوعد الحق وأنت- يا ربي- قد وعدتني بنجاة أهلى إلا من سبق عليه القول منهم، لكني في هذا الموقف العصيب أطمع في عفوك عن ابني وفي رحمتك له.

وقوله: وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أى: وأنت يا إلهى- لا راد لما تحكم به، ولا معقب لحكمك، وحكمك هو الحق والعدل، وهو المنزه عن الخطأ والمحاباة، لأنه صادر عن كمال العلم والحكمة.

واكتفى نوح- عليه السلام- بأن يقول: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي. وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ دون أن يصرح بمطلوبه وهو نجاة ابنه تأدبا مع الله- تعالى- وحياء منه- سبحانه- واعتقادا منه بأنه- سبحانه- عليم بما يريده، وخبير بما يجول في نفسه.

وهذا لون من الأدب السامي، سلكه الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- في مخاطبتهم لربهم- عز وجل- ومن أولى منهم بذلك؟!! ولعل نوحا- عليه السلام- عند ما تضرع إلى ربه- سبحانه- بهذا الدعاء لم يكن يعلم أن طلب الرحمة أو النجاة لابنه الكافر ممنوع، فكان حاله في ذلك كحال النبي صلى الله عليه وسلم عند ما قال لعمه أبى طالب: «لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك» واستمر يستغفر له إلى أن نزل قوله- تعالى- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى.. .

وقال الشيخ القاسمى: وإنما قال نوح ذلك- أى: رب إن ابني من أهلى.. ألخ- لفهمه من الأهل ذوى القرابة الصورية، والرحمة النسبية، وغفل- لفرط التأسف على ابنه- عن استثنائه- تعالى- بقوله: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ولم يتحقق أن ابنه هو الذي سبق عليه القول، فاستعطف ربه بالاسترحام، وعرض بقوله وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ إلى أن العالم العادل الحكيم لا يخلف وعده .

هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الذي غرق "قال رب إن ابني من أهلي" أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يخلف فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين ؟.

القول في تأويل قوله تعالى : وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ونادى نوح ربه فقال: ربِّ إنك وعدتني أن تنجيني من الغرق والهلاك وأهلي، وقد هلك ابني، وابني من أهلي (49) ، (وإن وعدك الحقُّ)، الذي لا خلف له ، (وأنت أحكم الحاكمين) ، بالحق، فاحكم لي بأن تفي بما وعدتني ، من أنْ تنجّي لي أهلي ، وترجع إليَّ ابني، كما:-

18207- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأنت أحكم الحاكمين) ، قال: أحكم الحاكمين بالحق.

------------------------

الهوامش:

(49) انظر تفسير " الأهل " فيما سلف ص . . . ، تعليق : . . . ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[45] ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ﴾ قال سيدنا نوح (رَبِّ) تحديدًا دون أي اسم آخر من أسماء الله الحسنى، فمع النداء لم يستعمل في القرآن إلا الرب، هذه قاعدة سواء كانت من العبد إلى الله أو من الله للعبد، ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا﴾ [الأنبياء: 89]، ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الشعراء: 10]، ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾ [الأعراف: 22]؛ لأنه مناسب أنت لما تحتاج شيئًا تنادي ربك القائم على أمرك، هو القائم والقيِّم، والذي يجيبك ويربيك ويرشدك ويعلمك، هو المعلم القيم المرشد المربي والهادي، أقرب الأسماء إلى الغرض من التودد.
وقفة
[45] ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ قال مالك بن أنس: «الأدب أدب الله، لا أدب الآباء والأمهات، والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات».
لمسة
[45] ﴿ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين﴾ القول بعد النداء تفصيل بعد الإجمال.
وقفة
[45] حنان الأبوة يتجلى حتى مع كمال النبوة، يا لقلب الأب ﴿ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين﴾.
لمسة
[45] ﴿فَقَالَ رَبِّ﴾ لم يقل: (يا رب)، وحذف أداة النداء حتى يصل إلى مقصوده بأقصر طريق، ابنه غارق في الماء، ولا يريد أن يطيل في الكلام، إشارة إلى حالته، ماذا في نفسه من لهفة لابنه ولنجاته، فيحذف ويدلف إلى المطلوب مباشرة.
وقفة
[45] عرض نوح عليه السلام بسؤال ربه، ولم يصرح: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾، ولم يقل: (ربي نجي لي ابني) أو: (ربي احفظه)؛ إنه كمال الأدب مع الله.
وقفة
[45] في قول نوح عليه السلام: ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ أي ذُرّيتي؛ أما قول الله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾؛ أي ليس من أهلك في الدين، كقول: (المسلمون إخوة).
لمسة
[45] ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ ولم يقل: (ما وعدتني به الحق)، هو أشار إشارة بأدب، وعدك الحق ليس فقط في هذه، وإنما كل ما تعد به هو الحق.
لمسة
[45] ﴿وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ ولم يقل: (وأنت أرحم الراحمين)، هو لم يطلب غفرانًا ورحمة؛ لأن ابنه كافر، وإنما طلب نجاة، أنت أحكم الحاكمين أنت فعلت هذا وأنت لا شك لك حكمة في ذلك، معناها قد تكون من الحِكمة أو الحُكم كليهما.
وقفة
[45، 46] ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟! ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ أي: الذين وعدت بإنجائهم؛ لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك؛ ولهذا قال: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [40]، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحًا عليه السلام.
وقفة
[45، 46] قال نوح: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾؛ فصحح الله مفهوم الأهل لنوح عليه السلام، فقال له: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾، فالمؤمنون هم أهلك؛ فلا تؤذ أهلك.
وقفة
[45، 46] البعيد المؤمن قريب، والقريب الكافر بعيد، فالقرب هو القرب من الله، لا قرب النسب، قال نوح: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾، قال الله: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ ونادى نوح ربه:
  • الواو استئنافية. نادى: ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. نوح: فاعل مرفوع بالضمة. ربه: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ فقال رب:
  • فقال معطوفة بالفاء على \"نادى\" وهي فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو. رب: منادى مضاف بأداة نداء محذوفة تقديرها: يا رب. منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اختصارًا منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. والكسرة في آخره دالة على حذف الياء.
  • ﴿ إنّ ابني من أهلي:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به -مقول القول- إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ابني: اسم \"إن\" منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. من أهلي: جار ومجرور متعلق بخبر \"إنّ\" والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وإنّ وعدك الحق:
  • الواو: عاطفة. إن: أعربت. وعدك: اسم \"إنّ\" منصوب بالفتحة. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. الحق: خبر \"إنّ\" مرفوع بالضمة ويجوز أن تكون \"الحق\" خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره هو. والجملة الاسمية \"هو الحق\" في محل رفع خبر \"إنّ\".
  • ﴿ وأنت أحكم الحاكمين:
  • الواو عاطفة. أنت: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. أحكم: خبر \"أنت\" مرفوع بالضمة. الحاكمين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

هود: 42﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ
هود: 45﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [45] لما قبلها :     وبعد أن غرق الابن؛ نادى نوحٌ عليه السلام ربه: ربِّ إنَّك وعَدْتني أنْ تنجِّيني وأهلي من الغرقِ، قال تعالى:
﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف