20080818283848586

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (80) الى الآية رقم (82) عدد الآيات (3)

لَمَّا سَخِرَ المنافقونَ من المتطوعينَ بالقليلِ سَخِرَ اللهُ منهم وتوعَّدَهم، ثُمَّ بَيَّنَ هنا أنَّهم كالكفَّارِ ليسُوا أهلًا للاستغفارِ، وبَيَّنَ فرحَهم بتخلُّفِهم عنه ﷺ في غزوةِ تَبُوك، وكراهيتَهم للجهادِ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (83) الى الآية رقم (87) عدد الآيات (5)

لَمَّا بَيَّنَ اللهُ مَخازِيَ المُنافِقينَ أرشدَ نبيَّه ﷺ ألَّا يستصحِبَهم في غزَواتِه، ثُمَّ أتْبعَه بأمرٍ آخرَ لإذلالِهم وإهانتِهم وهو منعُه ﷺ من الصَّلاةِ على موتاهم، وعدمُ الاغترارِ بأموالِهم وأولادِهم.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟:   1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟:   إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم ::   التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية ::   هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة ::   أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة ::   التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة ::   حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة التوبة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ».
    • وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء.
    • عن إبراهيم قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ مَرَّةً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُجَاعِلَ -أي يدفع جُعالة لمن يخرج بدلًا عنه-، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ فَقُلْتُ لَهُ: «مَا لَكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُجَاعِلَ؟»، قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ؛ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم».
    • تمتاز بكثرة أسمائها، فهي تأتي بعد سورة الفاتحة في كثرة الأسماء، ومعظم هذه الأسماء أطلق عليها بسبب ما فيها من دلالات وصفات تفضح المنافقين.
    • هي آخر سور السبع الطِّوَال، وهي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة».
    • أفاضت في الحديث عن المنافقين وصفاتهم إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
    • ذكرت فيها أحداث غزوة تبوك، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب 9 هـ.
    • أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، ولذا لم تذكر فئة إلا وحثتها على التوبة: كالكفار، والمشركين والمنافقين والعصاة والمؤمنين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل أن يفاجئنا الموت، وندعو كل الناس إلى ذلك.
    • أن نتعلم سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين.
    • أن نلزم الوفاء بالعهود مع المشركين إلى مدتها إلا إذا خانوا؛ فإن خانوا فيجب إخبارهم بنقض العهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ...﴾ (4).
    • أن نقرأ كلام الله على من حولنا من غير المسلمين؛ رجاء هدايتهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ (6).
    • ألا نَأْمَن غير المسلمين، ولا نُسَلِّم لهم أنفسنا مهما كانت وعودهم؛ فإنهم لا يؤمَنون: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ﴾ (8).
    • أن نحذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ (16).
    • أن نتعلم أحكام التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾ (28).
    • ألا نوالي الكفار؛ حتى ولو كانوا من الأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (23).
    • أن تكون محبة الله ورسوله أغلى عندنا من كلّ شيء سواها: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (24).
    • ألا نقدم على محبة الله أحدًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...﴾ (24).
    • أن نستبشِر؛ سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (33). • أن نظهر الأشهر الهجرية في تعاملاتنا قدر الاستطاعة؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ (36).
    • أن نلقي المحاضرات، أو نرسل رسائل عن خطر التحايل على الشريعة وأهمية مراقبة الله: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾ (37).
    • ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ (40).
    • أن نتبرع بشيء من أموالنا للجهات الخيرية؛ فهذا من الجهاد بالمال: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (41).
    • أن نستفتِح العِتابَ بأجملِ الكلماتِ؛ لنستميلَ قلبَ مَن نُعاتِبُ: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (43)، تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه.
    • ألا نتأثر لخذلان بعض الناس لنا؛ فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ (46).
    • ألا نخاف ولا نحزن من أقدار الدنيا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (51).
    • ألا نضع زكاة أموالنا إلا في المصارف التي حددها الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).
    • ألا نتناول شعائر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، ولو على سبيل المزاح والضحك، فالخائض فيها على خطر عظيم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (65، 66).
    • أن نحرص على الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنْكرِ مخالفة لحالِ المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (67).
    • أن ندرس قصص الأنبياءِ حتى نكونَ من الذين يعتبرون ويتعظون إذا تُليتْ عليهم أنباءُ الرسلِ وأممهِم: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (70).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فإن الله علام الغيوب: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (78).
    • ألا نسخر من صدقة مسلم؛ ولو قلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (79).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الحلم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (114).

تمرين حفظ الصفحة : 200

200

مدارسة الآية : [80] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ ..

التفسير :

[80] استغفر -أيها الرسول- للمنافقين أو لا تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم، مهما كثر استغفارك لهم وتكرر؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.

‏{‏اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً‏}‏ على وجه المبالغة، وإلا، فلا مفهوم لها‏.‏

‏{‏فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏}‏ كما قال في الآية الأخرى ‏{‏سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏}‏ ثم ذكر السبب المانع لمغفرة اللّه لهم فقال‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ والكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرا‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين صار الفسق لهم وصفا، بحيث لا يختارون عليه سواه ولا يبغون به بدلا، يأتيهم الحق الواضح فيردونه، فيعاقبهم اللّه تعالى بأن لا يوفقهم له بعد ذلك‏.‏

قال الجمل: قال المفسرون: لما نزلت الآيات المتقدمة في المنافقين، وفي بيان نفاقهم، وظهر أمرهم للمؤمنين، جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، ويقولون: استغفر لنا فنزلت هذه الآية.

وهذا كلام خرج مخرج الأمر ومعناه الخبر، والتقدير: استغفارك وعدمه لهم سواء .

وإنما جاء هذا الخبر هنا في صورة الأمر للمبالغة في بيان استوائهما.

وقد جاء هذا الحكم في صورة الخبر في موضع آخر هو قوله- تعالى- سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ .

والمقصود بذكر السبعين في قوله: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً إرادة التكثير، والمبالغة في كثرة الاستغفار، فقد جرت عادة العرب في أساليبهم على استعمال هذا العدد للتكثير لا للتحديد، فهو لا مفهوم له.

ونظيره قوله- تعالى- ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً.. .

أى: مهما استغفرت لهم يا محمد فلن يغفر الله لهم.

وقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ بيان للأسباب التي أدت إلى عدم مغفرة الله لهم.

واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى امتناع المغفرة لهم، المفهوم من قوله: فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.

أى: ذلك الحكم الذي أصدرناه عليهم بعدم مغفرة ذنوبهم مهما كثر استغفارك لهم، سببه:

أنهم قوم «كفروا بالله ورسوله» ومن كفر بالله ورسوله، فلن يغفر الله له، مهما استغفر له المستغفرون، وشفع له الشافعون.

وقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تذييل مؤكد لما قبله، أى والله- تعالى- لا يهدى إلى طريق الخير أولئك الذين فسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، ولم يستمعوا إلى نصح الناصحين، وإرشاد المرشدين، وإنما آثروا الغواية على الهداية.

هذا، ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، شدة شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه على هدايتها، وكثرة دعائه لها بالرحمة والمغفرة، وأنه مع إيذاء المنافقين له كان يستغفر لهم- أملا في توبتهم- إلى أن نهاه الله عن ذلك.

روى ابن جرير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية، قال الرسول صلى الله عليه وسلم أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فو الله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة، فلعل الله أن يغفر لهم، فقال الله- تعالى- من شدة غضبه عليهم سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ... .

وعن قتادة لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد خيرنى ربي فلأزيدنهم على السبعين» فقال الله- تعالى-: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ... .

وهكذا أصدر الله حكمه العادل في هؤلاء المنافقين، بعدم المغفرة لهم، بسبب كفرهم به وبرسوله ...

وبعد هذا الحديث الطويل المتنوع عن أحوال المنافقين ومسالكهم الخبيثة، أخذت السورة الكريمة في الحديث عن حال المنافقين الذين تخلفوا في المدينة، وأبوا أن يخرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، فقال- تعالى-

يخبر تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلا للاستغفار ، وأنه لو استغفر لهم ، ولو سبعين مرة فإن الله لا يغفر لهم .

وقد قيل : إن السبعين إنما ذكرت حسما لمادة الاستغفار لهم ؛ لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها ، ولا تريد التحديد بها ، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها .

وقيل : بل لها مفهوم ، كما روى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما نزلت هذه الآية : أسمع ربي قد رخص لي فيهم ، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة ، لعل الله أن يغفر لهم ! فقال الله من شدة غضبه عليهم : ( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) [ المنافقون : 6 ] .

وقال الشعبي : لما ثقل عبد الله بن أبي ، انطلق ابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أبي قد احتضر ، فأحب أن تشهده وتصلي عليه . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما اسمك . قال الحباب بن عبد الله . قال : بل أنت عبد الله بن عبد الله ، إن الحباب اسم شيطان . قال : فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق ، وصلى عليه ، فقيل له : أتصلي عليه [ وهو منافق ] ؟ قال : إن الله قال : ( إن تستغفر لهم سبعين مرة ) ولأستغفرن له سبعين وسبعين وسبعين .

وكذا روي عن عروة بن الزبير ومجاهد بن جبير ، وقتادة بن دعامة . رواها ابن جرير بأسانيده .

القول في تأويل قوله : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ادع الله لهؤلاء المنافقين، الذين وصفت صفاتهم في هذه الآيات (1) بالمغفرة, أو لا تدع لهم بها.

وهذا كلام خرج مخرج الأمر, وتأويله الخبر, ومعناه: إن استغفرت لهم، يا محمد، أو لم تستغفر لهم, فلن يغفر الله لهم.

وقوله: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، يقول: إن تسأل لهم أن تُسْتر عليهم ذنوبهم بالعفو منه لهم عنها، وترك فضيحتهم بها, فلن يستر الله عليهم, ولن يعفو لهم عنها، ولكنه يفضحهم بها على رءوس الأشهاد يوم القيامة (2) (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله)، يقول جل ثناؤه: هذا الفعل من الله بهم, وهو ترك عفوه لهم عن ذنوبهم, من أجل أنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله =(والله لا يهدي القوم الفاسقين)، يقول: والله لا يوفق للإيمان به وبرسوله، (3) من آثر الكفر به والخروج عن طاعته، على الإيمان به وبرسوله. (4)

* * *

ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين نـزلت هذه الآية قال: " لأزيدنّ في الاستغفار لهم على سبعين مرة "، رجاءً منه أن يغفر الله لهم, فنـزلت: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [سورة المنافقون: 6].

17023- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه: أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لأصحابه: لولا أنكم تُنْفقون على محمد وأصحابه لانفَضُّوا من حوله! وهو القائل: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [سورة المنافقون: 8]، فأنـزل الله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على السبعين! فأنـزل الله: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، فأبى الله تبارك وتعالى أن يغفر لهم .

17024- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن شباك, عن الشعبي قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: حُباب بن عبد الله بن أبيّ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول, إن " الحُبَاب " هو الشيطان. (5)

ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه قد قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم), فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين، وألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصَه وهو عَرِقٌ.

17025- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إن تستغفر لهم سبعين مرة)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سأزيد على سبعين استغفارة! فأنـزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون: لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ، عزمًا. (6)

17026- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

17027-...... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه.

17028- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه.

17029-...... قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة, عن الشعبي قال: لما ثَقُل عبد الله بن أبيّ, انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أبي قد احْتُضِر, فأحبُّ أن تشهده وتصليّ عليه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: الحُباب بن عبد الله. قال: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي, إن " الحباب " اسم شيطان. قال: فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عَرِق, وصلى عليه, فقيل له: أتصلي عليه وهو منافق؟ فقال: إن الله قال: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، ولأستغفرن له سبعين وسبعين! = قال هشيم: وأشكُّ في الثالثة.

17030- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله: (القوم الفاسقين)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نـزلت هذه الآية: أسمعُ ربّي قد رَخّص لي فيهم, فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة, فلعل الله أن يغفر لهم ! فقال الله، من شدة غضبه عليهم: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [سورة المنافقون: 6].

17031- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، فقال نبي الله: قد خيَّرني ربي، فلأزيدنهم على سبعين! فأنـزل الله سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ، الآية.

17032- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: لما نـزلت: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على سبعين! فقال الله: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .

-----------------------

الهوامش :

(1) في المطبوعة والمخطوطة : " وصف صفاتهم " ، وما أثبت أبين .

(2) انظر تفسير "الاستغفار" و "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر).

(3) انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى).

(4) انظر تفسير " الفسق " فيما سلف : 339 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(5) " الحباب " (بضم الحاء) ، الحية ، قال ابن كثير : " ويقع على الحية أيضا ، كما يقال لها الشيطان ، فهما مشتركان فيه " .

(6) "عزما"، يعني توكيدًا ، وحقًا واجبًا.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[80] ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ﴾ انظر شدة شفقته ﷺ بأمته، وكثرة دعائه لها بالرحمة والمغفرة، وأنه مع إيذاء المنافقين له كان يستغفر لهم-أملًا في توبتهم- إلى أن نهاه الله عن ذلك.
وقفة
[80] ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ﴾ بشارة عظيمة! استغفارك لأخيك نافع؛ لأن الذي حال بين أهل هذه الآية وبين استغفار النبي ﷺ لهم هو كفرهم لا غير؛ جهز من الآن قائمة الأسماء ممن ستستغفر لها.
وقفة
[80] ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ﴾ دل على أن سبعين مرة من الاستغفار أمر عظيم جدير بالغفران لولا أنهم منافقون، استغفر مائة مرة.
وقفة
[80] ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ﴾ الكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرًا.
وقفة
[80] ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ﴾ إن قلتَ: لم خصَّ السَّبعين، مع أنهم لا يُغفر لهم أصلًا، لقوله تعالى: ﴿سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لن يغفر الله لهم﴾ [المنافقون: 6]، ولأنهم مشركون، واللِّه لا يَغفر أن يُشرك به؟ قلتُ: لأن عادة العرب جرتْ بضرب المثل في الآحاد بالسبعة، وفي العشرات بالسبعين، استكثارًا ولا يريدون الحصر.
وقفة
[80] ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ على قدر طاعتك تكون هدايتك و أما المعاصي فهي سبب لحرمان الهداية.
وقفة
[80] ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ دلالة الفسق في تعبير القرآن الكريم: الفسق هو الخروج عن الطاعة ومعصية الأمر، وقد يكون خروجًا عن الدين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [67]، وقد يكون خروجًا عن الفطرة كحال قوم لوط: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء: 74]، وقد يكون خروجًا عن الأمر: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50]، وقد يكون معصية: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ [197].

الإعراب :

  • ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ:
  • فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لهم: جار ومجرور متعلق باستغفر و «هم» ضمير متصل في محل جر باللام.
  • ﴿ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ:
  • أو حرف عطف للتخيير. لا: ناهية جازمة. تستغفر: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. لهم: أعربت. وهذا الأمر في معنى الخبر كأنه قيل لن يغفر لهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم وأن فيه معنى الشرط.
  • ﴿ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ:
  • إن حرف شرط جازم. تستغفر: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. لهم: أعربت.
  • ﴿ سَبْعِينَ مَرَّةً:
  • سبعين: نائب عن المصدر- المفعول المطلق- لبيان العدد أي للتكثير منصوب بالياء لأنه من ألفاظ العقود وملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض عن تنوين المفرد. مرة: تمييز منصوب بالفتحة.
  • ﴿ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ:
  • الجملة: جواب شرط جازم مسبوق بلن مقترن بالفاء في محل جزم. فلن الفاء رابطة لجواب الشرط. لن: حرف نفي ونصب واستقبال. يغفر: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. لهم: أعربت متعلق بيغفر.
  • ﴿ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به اللام للبعد والكاف للخطاب أي لن يغفر لهم ذلك الكفر بأنّ:الباء حرف جر. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «أن». كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية «كَفَرُوا» في محل رفع خبر «أن» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيغفر.
  • ﴿ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بكفروا. ورسوله: الواو عاطفة. رسول: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي:
  • او: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والجملة الفعلية لا يهدي القوم الفاسقين في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ:
  • القوم: مفعول به منصوب بالفتحة. الفاسقين:صفة- نعت- للقوم منصوبة مثلها وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

التوبة: 80﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ
محمد: 34﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [80] لما قبلها :     ولَمَّا سَخِرَ المنافقونَ من المتطوعينَ بالقليلِ، وسَخِرَ اللهُ عز وجل منهم وتوعَّدَهم؛ بَيَّنَ اللهُ هنا أنَّهم كالكفَّارِ ليسُوا أهلًا للاستغفارِ، قال تعالى:
﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [81] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ..

التفسير :

[81] فرح المخلفون الذين تخلَّفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقعودهم في «المدينة» مخالفين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقال بعضهم لبعض:لا تنفروا في الحرِّ، وكانت غزوة «تبوك» في وقت شدة الحرِّ

يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك، الدال على عدم الإيمان، واختيار الكفر على الإيمان‏.‏

‏{‏فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏ وهذا قدر زائد على مجرد التخلف، فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به‏.‏

‏{‏وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا ـ ولو لعذر ـ حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل اللّه وإحسانه وبره وامتنانه‏.‏

‏{‏وَقَالُوا‏}‏ أي‏:‏ المنافقون ‏{‏لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ‏}‏ أي‏:‏ قالوا إن النفير مشقة علينا بسبب الحر، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة‏.‏

وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ‏}‏ لما آثروا ما يفنى على ما يبقى، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية، إلى المشقة الشديدة الدائمة‏.‏

وقوله: «المخلفون» اسم مفعول مأخوذ من قولهم خلف فلان فلانا وراءه إذا تركه خلفه.

والمراد بهم: أولئك المنافقون الذين تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك بسبب ضعف إيمانهم، وسقوط همتهم، وسوء نيتهم..

قال الجمل: وقوله خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر مدلول عليه بقوله «مقعدهم» لأنه في معنى تخلفوا أى: تخلفوا خلاف رسول الله. الثاني: أن خلاف مفعول لأجله والعامل فيه إما فرح وإما مقعد. أى: فرحوا لأجل مخالفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مضى هو للجهاد وتخلفوا هم عنه. أو بقعودهم لمخالفتهم له، وإليه ذهب الطبري والزجاج، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ: «خلف رسول الله» - بضم الخاء واللام، الثالث: أن ينتصب على الظرف. أى بعد رسول الله، يقال:

أقام زيد خلاف القوم، أى: تخلف بعد ذهابهم، وخلاف يكون ظرفا، وإليه ذهب أبو عبيدة وغيره، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس، وأبى حيوه، وعمرو بن ميمون، «خلف رسول الله» - بفتح الخاء وسكون اللام .

والمعنى: فرح المخلفون: من هؤلاء المنافقين، بسبب قعودهم في المدينة، وعدم خروجهم إلى تبوك للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وكرهوا أن يبذلوا شيئا من أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله.

وإنما فرحوا بهذا القعود، وكرهوا الجهاد لأنهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان بالله واليوم الآخر، وهبطت نفوسهم عن الارتفاع إلى معالى الأمور، وآثروا الدنيا وشهواتها الزائلة على الآخرة ونعيمها الباقي.

وفي التعبير بقوله: الْمُخَلَّفُونَ تحقير لهم، وإهمال لشأنهم، حتى لكأنهم شيء من سقط المتاع الذي يخلف ويترك ويهمل لأنه لا قيمة له، أو لأن ضرره أكبر من نفعه.

قال الآلوسى: وإيثار ما في النظم الكريم على أن يقال، وكرهوا أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذان بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجل الرغائب التي ينبغي أن يتنافس فيها المتنافسون، قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح وهو القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الكلام تعريض بالمؤمنين الذين آثروا ذلك وأحبوه».

وقوله: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ حكاية لأقوالهم التي تدل على ضعفهم وجبنهم، وعلى أنهم قوم لا يصلحون للأعمال التي يصلح لها الرجال.

أى. وقال هؤلاء المنافقون المخلفون لغيرهم، اقعدوا معنا في المدينة، ولا تخرجوا للجهاد مع المؤمنين، فإن الحر شديد، والسفر طويل، وقعودكم يريحكم من هذه المتاعب، ويحمل غيرنا وغيركم على القعود معنا ومعكم، وبذلك ننال بغيتنا من تثبيط همة المجاهدين عن الجهاد في سبيل الله.

وقوله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا رد على أقولهم القبيحة، وأفعالهم الخبيثة، أى، قل يا محمد لهؤلاء المنافقين على سبيل التهكم بهم، والتحقير من شأنهم: نار جهنم أشد حرا من هذا الحر الذي تخشونه وترونه مانعا من النفير بل هي أشد حرا من نار الدنيا ...

روى الإمام مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:

«نار بنى آدم التي توقدونها. جزء من سبعين جزءا من نار جهنم.. .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: وقوله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا استجهال لهم، لأن من تصون مشقة ساعة، فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد، كان أجهل من كل جاهل، ولبعضهم:

مسرة أحقاب تلقيت بعدها ... مساءة يوم أريها شبه الصاب

فكيف بأن تلقى مسرة ساعة ... وراء تقضيها مساءة أحقاب

أى: أن حزن يوم واحد يجعل المسرات الطويلة قبله تتحول إلى ما يشبه الصاب مرارة، فكيف يكون الحال إذا كانت المسرات ساعة واحدة تعقبها أحقاب طويلة من المساءات؟!!.

وقوله: لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ تذييل قصد به الزيادة في توبيخهم وتحقيرهم.

أى: لو كانوا يفقهون أن نار جهنم أشد حرا ويعتبرون بذلك، لما فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، ولما كرهوا الجهاد، ولما قالوا ما قالوا، بل لحزنوا واكتأبوا على ما صدر منهم، ولبادروا بالتوبة والاستغفار، كما فعل أصحاب القلوب والنفوس النقية من النفاق والشقاق.

يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه ، ( وكرهوا أن يجاهدوا ) معه ( بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ) أي : بعضهم لبعض : ( لا تنفروا في الحر ) ؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، فلهذا قالوا ( لا تنفروا في الحر ) قال الله تعالى لرسوله : ( قل ) لهم : ( نار جهنم ) التي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم ( أشد حرا ) مما فررتم منه من الحر ، بل أشد حرا من النار ، كما قال الإمام مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : نار بني آدم التي يوقدون بها جزء من سبعين جزءا [ من نار جهنم فقالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية . قال : إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ] أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل [ الله ] فيها منفعة لأحد وهذا أيضا إسناده صحيح .

وقد روى الإمام أبو عيسى الترمذي وابن ماجه ، عن عباس الدوري ، عن يحيى بن أبي بكير عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل المظلم . ثم قال الترمذي : لا أعلم أحدا رفعه غير يحيى .

كذا قال . وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن الحسين بن مكرم ، عن عبيد الله بن سعد عن عمه ، عن شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - به . وروى أيضا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( نارا وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم : 6 ] قال : أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى احمرت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل ، لا يضيء لهبها .

وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث تمام بن نجيح - وقد اختلف فيه - عن الحسن ، عن أنس مرفوعا : لو أن شرارة بالمشرق - أي من نار جهنم - لوجد حرها من بالمغرب .

وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن هشام بن حسان عن محمد بن شبيب ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه ، لاحترق المسجد ومن فيه غريب .

وقال الأعمش عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلان وشراكان من نار ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، لا يرى أحدا من أهل النار أشد عذابا منه ، وإنه أهونهم عذابا . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الأعمش .

وقال مسلم أيضا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ، يغلي دماغه من حرارة نعليه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، سمعت أبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أدنى أهل النار عذابا رجل يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه .

وهذا إسناد جيد قوي ، رجاله على شرط مسلم ، والله أعلم .

والأحاديث والآثار النبوية في هذا كثيرة ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز : ( كلا إنها لظى نزاعة للشوى ) [ المعارج : 15 ، 16 ] وقال تعالى : ( يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ) [ الحج : 19 - 22 ] وقال تعالى : ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) [ النساء : 56 ] .

وقال تعالى في هذه الآية الكريمة [ الأخرى ] ( قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) أي : لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ، ليتقوا به حر جهنم ، الذي هو أضعاف أضعاف هذا ، ولكنهم كما قال الآخر :

كالمستجير من الرمضاء بالنار

وقال الآخر :

عمرك بالحمية أفنيته مخافة البارد والحار

وكان أولى بك أن تتقي من المعاصي حذر النار

القول في تأويل قوله : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح الذين خلَّفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه =(بمقعدهم خلاف رسول الله)، يقول: بجلوسهم في منازلهم (7) =(خلاف رسول الله)، يقول: على الخلاف لرسول الله في جلوسه ومقعده. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنَّفْر إلى جهاد أعداء الله, فخالفوا أمْرَه وجلسوا في منازلهم.

* * *

وقوله: (خِلاف)، مصدر من قول القائل: " خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا "، فلذلك جاء مصدره على تقدير " فِعال ", كما يقال: " قاتله فهو يقاتله قتالا ", ولو كان مصدرًا من " خَلَفه " لكانت القراءة: " بمقعدهم خَلْفَ رسول الله ", لأن مصدر: " خلفه "، " خلفٌ" لا " خِلاف ", ولكنه على ما بينت من أنه مصدر: " خالف "، فقرئ: (خلاف رسول الله)، وهي القراءة التي عليها قرأة الأمصار, وهي الصواب عندنا.

* * *

وقد تأول بعضهم ذلك بمعنى: " بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ", (8) واستشهد على ذلك بقول الشاعر: (9)

عَقَــبَ الــرَّبِيعُ خِــلافَهُمْ فَكَأَنَّمَـا

بَسَــطَ الشَّـوَاطِبُ بَيْنَهُـنَّ حَـصِيرَا (10)

وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا, لأنهم قعدوا بعده على الخلافِ له.

* * *

وقوله: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)، يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزُوا الكفار بأموالهم وأنفسهم (11) =(في سبيل الله)، يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه, (12) ميلا إلى الدعة والخفض, وإيثارًا للراحة على التعب والمشقة, وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله.

* * *

=(وقالوا لا تنفروا في الحر)، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة, وهي غزوة تبوك، في حرّ شديدٍ, (13) فقال المنافقون بعضهم لبعض: " لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ"، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) لهم، يا محمد =(نار جهنم)، التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله =(أشد حرًّا)، من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الذي هو أشد حرًا، أحرى أن يُحذر ويُتَّقى من الذي هو أقلهما أذًى =(لو كانوا يفقهون)، يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظَه، ويتدبَّرون آي كتابه, (14) ولكنهم لا يفقهون عن الله, فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروهًا وأخفَّه أذًى, ويواقعون أشدَّه مكروهًا (15) وأعظمه على من يصلاه بلاءً.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17033- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله)، إلى قوله: (يفقهون)، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ الناس أن ينبعثوا معه, وذلك في الصيف, فقال رجال: يا رسول الله, الحرُّ شديدٌ، ولا نستطيع الخروجَ, فلا تنفر في الحرّ ! فقال الله: (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون)، فأمره الله بالخروج.

17034- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتاده في قوله: (بمقعدهم خلاف رسول الله)، قال: هي غزوة تبوك. (16)

17035- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك, فقال رجل من بني سَلِمة: لا تنفروا في الحرّ ! فأنـزل الله: (قل نار جهنم)، الآية.

17036- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: [ثم] ذكر قول بعضهم لبعض, حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد, وأجمع السير إلى تبوك، على شدّة الحرّ وجدب البلاد. يقول الله جل ثناؤه: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًّا). (17)

------------------------

الهوامش :

(7) انظر تفسير "القعود" فيما سلف 9 : 85 14 : 277.

(8) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 264 .

(9) هو الحارث بن خالد المخزومي.

(10) الأغاني 3 : 336 (دار الكتب) 15 : 128 (ساسي) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 264 ، واللسان (عقب) ، (خلف) ، من قصيدة روى بعضها أبو الفرج في أغانيه ، يقوله في عائشة بنت طلحة تعريضًا ، وتصريحًا ببسرة جاريتها ، يقول قبله :

يَـا رَبْـع بُسـرَةَ إن أضَـرَّ بِكَ البِلَى

فَلَقــد عَهِــدتُكَ آهــلا مَعْمـورًا

ورواية أبي الفرج " عقب الرذاذ " ، و " الرذاذ " صغار المطر . وأما " الربيع " ، فهو المطر الذي يكون في الربيع . قال أبو الفرج الأصبهاني : " وقوله : عقب الرذاذ ، يقول : جاء الرذاذ بعده . ومنه يقال : عقب لفلان غنى بعد فقر = وعقب الرجل أباه : إذا قام بعده مقامه . وعواقب الأمور ، مأخوذة منه ، واحدتها عاقبة . . . والشواطب : النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف ، يعملن منه الحصر . ومنه السيف المشطب ، والشطبية : الشعبة من الشيء . ويقال : بعثنا إلى فلان شطبية من خيلنا ، أي : قطعة " . قلت : وإنما وصف آثار الغيث في الديار ، فشبه أرضها بالحصر المنمقة ، للطرائق التي تبقى في الرمل بعد المطر.

(11) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص : 358 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(12) انظر تفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(13) انظر تفسير " النفر " فيما سلف 58 : 536 14 : 251 ، 254 .

(14) انظر تفسير "فقه" فيما سلف ص : 51 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك.

(15) في المطبوعة والمخطوطة : " ويوافقون أشده مكروهًا " ، وهو خطأ من الناسخ ، والصواب ما أثبت .

(16) في المطبوعة: "من عزوة تبوك"، والصواب ما في المخطوطة .

(17) الأثر : 17036 - سيرة ابن هشام 4 : 196، وهو تابع الأثر السالف رقم : 17012 . والزيادة بين القوسين منه.

التدبر :

تفاعل
[80] ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الفاسقين.
وقفة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ﴾ الفَرَح بفواتِ الطاعةِ مرحلةٌ متقدمةٌ من مراحلِ النّفاقِ.
وقفة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ﴾ هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم، وفي ضمنها وعيد، وقوله: ﴿الْمُخَلَّفُونَ﴾ لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه، وهذا أمكن في هذا من أن يقال: «المتخلفون»، ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك: الثلاثة، وأصحاب العذر.
وقفة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ﴾ الآيات تدل على قصر نظر الإنسان، فهو ينظر غالبًا إلى الحال والواقع الَّذي هو فيه، ولا ينظر إلى المستقبل وما يتَمَخَّض عنه من أحداث.
وقفة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ﴾ الشيء الذي لا يستطيع المنافقون إخفاءه: المشاعر، المشاعر فاضحة، وهي التي لا مجال للكذب فيها.
لمسة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا﴾ من اللطائف: اختيار لفظ (خِلَافَ) بدلًا من لفظ (خَلْفَ)، ليفيد معنیً إضافيًا: أن قُعودهم كان مخالفة لأمر رسول الله ﷺ حين استنفر الناس للغزو.
وقفة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا﴾ أثمر تخلفهم البدني تخلفًا قلبيًا أعظم جرمًا، إذ فرحوا بالقعود وكرهوا الطاعة.
وقفة
[81] ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ﴾ وهذا قدر زائد على مجرد التخلف؛ فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتَبَجُّح به، ﴿وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾: وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلِّفهم، وتأسَّفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله، وإحسانه، وبره، وامتنانه.
وقفة
[81] من علامات مرض القلب: كراهية الطاعات والعبادات ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[81] ﴿وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾ كره الجهاد وأهله من صفات المنافقين، فكيف بمن يطعن ويلمز في المجاهدين!
وقفة
[81] ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ هكذا قالها المنافقون وهم يسمعون داعي النفير، والفرَّارون اليوم من الطاعات كُثر! وهذه الأجواء الحارة التي يعيشها المؤمن ليتذكر معها -وهو يقرأ هروب المنافقين من نصرة الدين- تلك التضحيات العظام للصحابة الكرام رضوان الله عليهم لنصرة الدين، فماذا قدمنا لديننا ونحن ننعم بالرخاء؟
وقفة
[81]‏ ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ يعتذرون بالأحوال الجوية للتقاعس عن الواجبات الشرعية مع قدرتهم، والحقيقة أنهم مرضت قلوبهم فثقلت أبدانهم عن الطاعة!
وقفة
[81]‏ ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ اختلاق الأعذار الواهية مهنة قديمة.
وقفة
[81]‏ ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ تخطيط أصحاب المشاريع الفاسدة جماعي.
وقفة
[81] ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ اختلاق الأعذار لترك الواجبات لن يدفع عنا سخط الله وعقابه، والعاقل خصيم نفسه.
اسقاط
[81] ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ عندما تمرض القلوب تثقل الطاعة على الأبدان.
وقفة
[81] ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ فقدَّمُوا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة، وحَذِروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية.
وقفة
[81] ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ الكثير من الناس ينفر في الحر، لكن فرق كبير بين نافر في حر الصيف ليبحث عن نزوة، ويقضي شهوة محرمة هنا أو هناك، لو دعي إلى خدمة دينه أو نفع أمته لاعتذر بشدة الحر، وبين نافر في الحر ليبلغ الخير وينفع الأمة، وسيعلم الفريقان عاقبة نفيرهم يوم قيام الأشهاد.
عمل
[81] قم بعمل تجاهد فيه نفسك، وتضحي براحتك ونشاطك؛ كصيام يوم شديد الحر، أو الخروج في حاجة مسكين أو مضطر، لعل الله أن يفرج كربك ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾.
عمل
[81] حافظ على صلاة الجماعة في شدة الحر, وشدة البرد ولا تتخلف عنها ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾.
وقفة
[81] ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ كلُّ مَشقَّةٍ تتركُ الطَّاعةَ من أجلِها في الدنيا؛ تُعاقَبُ بأضعافِ أضعافِها يومَ القيامةِ.
وقفة
[81] يتذمرون من الحرّ ولم يظهر منه شيء؛ ونسوا قول الله تعالى: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾.
تفاعل
[81] ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[81، 82] يسخر المنافقون الماديون من صراع النبي ﷺ مع الباطل، ولو أطاعهم لم يتجاوز الإسلام المدينة ﴿وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾، ثم قال الله: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾.
وقفة
[81، 82] فرَحُك النفسي برأيك وفِكرِك لا يعني أنه الحق ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ﴾، بل قد تصل حد الضحك فرحًا بباطلك ﴿فليضحكوا قليلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾.

الإعراب :

  • ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ:
  • فرح: فعل ماض مبني على الفتح. المخلفون: فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.
  • ﴿ بِمَقْعَدِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بفرح. أى فرحوا بقعودهم عن القرب مع الرسول و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ:
  • خلاف: أي بعده (ص) أو خلفه. وقيل هو بمعنى:المخالفة وهو مفعول لأجله منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون حالا أي قعدوا لمخالفته أو مخالفين له. رسول: مضاف اليه مجرور بالكسرة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ وَكَرِهُوا:
  • الواو: عاطفة. كرهوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ أَنْ يُجاهِدُوا:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يجاهدوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و «أَنْ» وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر بتقدير: في المجاهدة فانتصب بنزع الخافض أي وكرهوا المجاهدة معه.وجملة «يُجاهِدُوا» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بيجاهدوا و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. وأنفسهم معطوفة بالواو على «بِأَمْوالِهِمْ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيجاهدوا أو بحال محذوفة من الأموال والأنفس. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالاضافة وعلامة الجر الكسرة.
  • ﴿ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ:
  • وقالوا: معطوفة بالواو: على «كَرِهُوا» وتعر إعرابها أي وقالوا للناس. لا: ناهية جازمة. تنفروا: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. في الحر: جار ومجرور متعلق بتنفر أي لا تخرجوا للحرب أو الجهاد في الحر.
  • ﴿ قُلْ:
  • فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل:ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره انت.
  • ﴿ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا:
  • الجملة الاسمية: في محل نصب مفعول به- مقول القول- نار: مبتدأ مرفوع بالضمة. جهنم: مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على المعرفة والتأنيث. أشد: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن: أفعل. حرا: تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره.
  • ﴿ لَوْ كانُوا:
  • حرف شرط غير جازم وحذف جوابه لأنه متقدم عليه. كانوا:فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. أي لو كانوا يفقهون لعلموا أنّ نار جهنم أشد حرا ويجوز أن تكون للتمني.
  • ﴿ يَفْقَهُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة: في محل نصب خبر «كان». '

المتشابهات :

التوبة: 44﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
التوبة: 81﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [81] لما قبلها :     14- الفرح بالقعود، وكراهية الجهاد، فذكرَ اللهُ عز وجل هنا حالَ المُنافِقينَ الذين لم يَخرُجوا معه صلى الله عليه وسلم إلى غزوةِ تَبوكَ، وتخلَّفوا عن الجهادِ، واعتَذَروا بأعذارٍ وعِلَلٍ كاذبةٍ، ففضحهم اللهُ، قال تعالى:
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

خلاف:
قرئ:
1- خلف، بالفتح، وهى قراءة ابن عباس: وأبى حيوة، وعمرو بن عمرو.
2- خلف، بالضم.

مدارسة الآية : [82] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء ..

التفسير :

[82] فليضحك هؤلاء المنافقون الذين تخلَّفوا عن رسول الله في غزوة «تبوك» قليلاً في حياتهم الدنيا الفانية، وليبكوا كثيراً في نار جهنم؛ جزاءً بما كانوا يكسبون في الدنيا من النفاق والكفر.

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا‏}‏ أي‏:‏ فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية، ويفرحوا بلذاتها، ويلهوا بلعبها، فسيبكون كثيرا في عذاب أليم ‏{‏جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ من الكفر والنفاق، وعدم الانقياد لأوامر ربهم‏.‏

وقوله: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً.. وعيد لهم بسوء مصيرهم، وإخبار عن عاجل أمرهم وآجله، من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الآخرة.

والمعنى: إنهم وإن فرحوا وضحكوا طوال أعمارهم في الدنيا، فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة، لأن الدنيا فانية والآخرة باقية، والمنقطع الفاني قليل بالنسبة إلى الدائم الباقي.

قال صاحب المنار: وفي معنى الآية قوله صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» متفق عليه، بل رواه الجماعة إلا أبا داود من حديث أنس، ورواه الحاكم من حديث أبى هريرة بلفظ «لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» .

ثم قال: وإنما كان الأمر في الآية بمعنى الخبر، لأنه إنذار بالجزاء لا تكليف وقد قيل في فائدة هذا التعبير عن الخبر بالإنشاء، إنه يدل على أنه حتم لا يحتمل الصدق والكذب كما هو شأن الخبر لذاته في احتمالها، لأن الأصل في الأمر أن يكون للإيجاب وهو حتم..».

وقوله: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ تذييل قصد به بيان عدالته، سبحانه، في معاملة عباده.

أى: أننا ما ظلمناهم بتوعدنا لهم بالضحك القليل وبالبكاء الكثير، وإنما هذا الوعيد جزاء لهم على ما اكتسبوه من فنون المعاصي، وما اجترحوه من محاربة دائمة لدعوة الحق.

وقوله: جَزاءً مفعول للفعل الثاني. أى: ليبكوا جزاء، ويجوز أن يكون مصدرا حذف ناصبه. أى: يجزون بما ذكر من البكاء الكثير جزاء.

وجمع- سبحانه- في قوله بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بين صيغتي الماضي والمستقبل، للدلالة على الاستمرار التجددي ماداموا في الدنيا.

ثم قال [ الله ] تعالى جل جلاله ، متوعدا لهؤلاء المنافقين على صنيعهم هذا : ( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون )

قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله - عز وجل - استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا . وكذا قال أبو رزين ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن خثيم ، وعون العقيلي وزيد بن أسلم .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش ، حدثنا محمد بن حميد عن ابن المبارك ، عن عمران بن زيد ، حدثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يا أيها الناس ، ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون . فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت .

ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، به .

وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا حماد الجزري ، عن زيد بن رفيع ، رفعه قال : إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ، ثم بكوا القيح زمانا ، قال : فتقول لهم الخزنة : يا معشر الأشقياء ، تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا ، هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ قال : فيرفعون أصواتهم : يا أهل الجنة ، يا معشر الآباء والأمهات والأولاد ، خرجنا من القبور عطاشا ، وكنا طول الموقف عطاشا ، ونحن اليوم عطاش ، فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ، فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ، ثم يجيبهم : ( إنكم ماكثون ) [ الزخرف : 77 ] فييأسون من كل خير .

القول في تأويل قوله : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح هؤلاء المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله, فليضحكوا فرحين قليلا في هذه الدنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول الله ولَهْوهم عن طاعة ربهم, فإنهم سيبكون طويلا في جهنم مكانَ ضحكهم القليل في الدنيا =(جزاء)، يقول: ثوابًا منا لهم على معصيتهم، بتركهم النفر إذ استنفروا إلى عدوّهم، وقعودهم في منازلهم خلافَ رسول الله (18) =(بما كانوا يكسبون)، يقول: بما كانوا يجترحون من الذنوب. (19)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17037- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل, عن أبي رزين: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا)، قال يقول الله تبارك وتعالى: الدنيا قليل, فليضحكوا فيها ما شاءوا, فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع. فذلك الكثير.

17038- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن منصور, عن أبي رزين, عن الربيع بن خثيم: (فليضحكوا قليلا)، قال: في الدنيا =(وليبكوا كثيرًا)، قال: في الآخرة.

17039- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن ويحيى قالا حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين في قوله: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا)، قال: في الآخرة.

17040- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن منصور, عن أبي رزين أنه قال في هذه الآية: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا)، قال: ليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا في النار كثيرًا. وقال في هذه الآية: وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا ، [سورة الأحزاب: 16]، قال: إلى آجالهم = أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خثيم. (20)

17041- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (فليضحكوا قليلا)، قال: ليضحكوا قليلا في الدنيا =(وليبكوا كثيرًا)، في الآخرة، في نار جهنم =(جزاء بما كانوا يكسبون).

17042- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (فليضحكوا قليلا)، : أي في الدنيا =(وليبكوا كثيرًا)، : أي في النار. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا. ذكر لنا أنه نودي عند ذلك, أو قيل له: لا تُقَنِّط عبادي.

17043- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن أبي رزين, عن الربيع بن خثيم، (فليضحكوا قليلا)، قال: في الدنيا =(وليبكوا كثيرًا)، قال: في الآخرة.

17044-...... قال، حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين: (فليضحكوا قليلا)، قال: في الدنيا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع, فذلك الكثير.

17045- حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا)، قال: هم المنافقون والكفار، الذين اتخذوا دينهم هُزُوًا ولعبًا. يقول الله تبارك وتعالى: (فليضحكوا قليلا)، في الدنيا =(وليبكوا كثيرًا)، في النار.

17046- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فليضحكوا)، في الدنيا، (قليلا) =(وليبكوا)، يوم القيامة، (كثيرًا). وقال: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ، حتى بلغ: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، [سورة المطففين: 36].

---------------------

الهوامش :

(18) انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى).

(19) انظر تفسير " الكسب " فيما سلف من فهارس اللغة (كسب) .

(20) الأثر : 17040 - سيأتي هذا الجزء نفسه بإسناده في تفسيره آية " سورة الأحزاب " . وكان في المطبوعة هنا : " قال : أجلهم " ، وفي المخطوطة : " قال : آجالهم " ، أسقط " إلى " ، أثبتها من نص الخبر في تفسير سورة الأحزاب .

وكان في المطبوعة في هذا الأثر ، والذي قبله ، وما سيأتي : " الربيع بن خيثم " ، والصواب : " خيثم " ، كما سلف مرارًا ، فغيرته ، ولم أنبه عليه .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[82] ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ مساكين! المدة الأطول تستحق البذل والتضحية، لكنه الاستهتار الذي أهلكهم.
وقفة
[82] ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ معنى الآية: فليضحكوا ضحكًا قليلًا وقتًا قليلًا وليبكوا بكاءً كثيرًا زمنًا كثيرًا ولو أراد تعالى أن يحدد يأتي بما يحدد كما قال: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41]، لكن هناك تعبيرات يسموها احتمالية، ويراد بها أن تجمع لها المعاني من باب التوسع في المعنى.
وقفة
[82] ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا،ً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ لَكَ: لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي؟» قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا». [ابن حبان 359، وصححه الألباني].
وقفة
[82] ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ كان الصحابة يضحكون، إلا أن الإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم، منهي عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة، وفي الخبر: أن كثرته تميت القلب.
عمل
[82] قارن بين عدد ضحكاتك وبكائك من خشية الله خلال الشهر الماضي ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
وقفة
[82] ﴿وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ بكاءُ الآخرةِ دائمٌ لا ينقطعُ.

الإعراب :

  • ﴿ فَلْيَضْحَكُوا:
  • الفاء استئنافية. اللام: لام الأمر. يضحكوا: فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه حذف النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وفي القول وعيد لهم.
  • ﴿ قَلِيلًا:
  • صفة للمصدر أو نائبة عن المفعول المطلق أو صفة له منصوبة بالفتحة.بتقدير: فليضحكوا ضحكا قليلا.
  • ﴿ وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً:
  • معطوفة بالواو: على «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا» تعرب إعرابها. جزاء: مفعول له- لأجله- منصوب بالفتحة.
  • ﴿ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بجزاء و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يكسبون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية «يَكْسِبُونَ» في محل نصب خبر «كانُوا» وجملة كانُوا يَكْسِبُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: يكسبون بمعنى جزاء لهم على ما كانوا يقترفونه ويجوز اعراب «ما» مصدرية. و «ما» وما تلاها:بتأويل مصدر في محل جر بالباء وجملة «كانُوا يَكْسِبُونَ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب أي صلة الموصول الحرفي. '

المتشابهات :

التوبة: 82﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
التوبة: 95﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
فصلت: 28﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [82] لما قبلها :     وبعد بيان فَرِح المُنافِقين بتخلفهم عن تبوك؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا إنهم وإن ضحكوا طوال أعمارهم في الدنيا، فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة، لأن الدنيا فانية والآخرة باقية، قال تعالى:
﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [83] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ ..

التفسير :

[83] فإنْ رَدَّك الله -أيها الرسول- مِن غزوتك إلى جماعة من المنافقين الثابتين على النفاق، فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة «تبوك» فقل لهم:لن تخرجوا معي أبداً في غزوة من الغزوات، ولن تقاتلوا معي عدواً من الأعداء؛ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة، فاق

‏{‏فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ‏}‏ وهم الذين تخلفوا من غير عذر، ولم يحزنوا على تخلفهم ‏{‏فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ‏}‏ لغير هذه الغزوة، إذا رأوا السهولة‏.‏ ‏{‏فَقُلْ‏}‏ لهم عقوبة ‏{‏لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا‏}‏ فسيغني اللّه عنكم‏.‏

‏{‏إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ‏}‏ وهذا كما قال تعالى ‏{‏ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة‏}‏ فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة، لا يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه‏.‏

وفيه أيضًا تعزير لهم، فإنه إذا تقرر عند المسلمين أن هؤلاء من الممنوعين من الخروج إلى الجهاد لمعصيتهم، كان ذلك توبيخا لهم، وعارا عليهم ونكالا أن يفعل أحد كفعلهم‏.‏

ثم بين- سبحانه- ما يجب على الرسول نحو هؤلاء المخلفين الكارهين للجهاد، فقال:

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ...

قوله: رَجَعَكَ من الرجع بمعنى تصيير الشيء إلى المكان الذي كان فيه أولا. والفعل رجع أحيانا يستعمل لازما كقوله- تعالى-: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً ...

وفي هذه الحالة يكون مصدره الرجوع، وأحيانا يستعمل متعديا كالآية التي معنا، وكقوله- تعالى-: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ.. وفي هذه الحالة يكون مصدره الرجع لا الرجوع.

قال الآلوسى: و «رجع» هنا متعد بمعنى رد ومصدره الرجع، وقد يكون لازما ومصدره الرجوع، وأوثر هنا استعمال المتعدى- وإن كان استعمال اللازم كثيرا- إشارة إلى أن ذلك السفر لما فيه من الخطر يحتاج الرجوع منه إلى تأييد إلهى، ولذا أوثرت كلمة «إن» على «إذا».

والمعنى: فإن ردك الله- تعالى- من سفرك هذا- أيها الرسول الكريم- إلى طائفة من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك إلى تبوك «فاستأذنوك للخروج» معك في غزوة أخرى بعد هذه الغزوة «فقل» لهم على سبيل الإهانة والتحقير «لن تخرجوا معى أبدا» مادمت على قيد الحياة «ولن تقاتلوا معى عدوا» من الأعداء الذين أمرنى الله بقتالهم، والسبب في ذلك «إنكم» أيها المنافقون «رضيتم بالقعود» عن الخروج معى وفرحتم به في «أول مرة» دعيتم فيها إلى الجهاد، فجزاؤكم وعقابكم أن تقعدوا «مع الخالفين» أى: مع الذين تخلفوا عن الغزو لعدم قدرتهم على تكاليفه كالمرضى والنساء والصبيان. أو مع الأشرار الفاسدين الذين يتشابهون معكم في الجبن والنفاق وسوء الأخلاق.

قال الإمام الرازي ما ملخصه، ذكروا في تفسير الخالف وجوها:

الأول: قال أبو عبيدة الخالفون جمع، واحدهم خالف، وهو من يخلف الرجل في قومه، ومعناه: فاقعدوا مع الخالفين من الرجال الذين يخلفون في البيت فلا يبرحونه.

الثاني: أن الخالفين فسر بالمخالفين، يقال: فلان خالفة أهل بيته إذا كان مخالفا لهم، وقوم خالفون أى: كثير والخلاف لغيرهم.

الثالث: أن الخالف هو الفاسد. قال الأصمعى: يقال: خلف عن كل خير يخلف خلوفا إذا فسد، وخلف اللبن إذا فسد.

إذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة فلا شك أن اللفظ يصلح حمله على كل واحد منها، لأن أولئك المنافقين كانوا موصوفين بجميع هذه الصفات السيئة ... ».

وقال- سبحانه- فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ... ولم يقل فإن رجعك الله إليهم، لأن جميع الذين تخلفوا عن الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، لم يكونوا من المنافقين، بل كان هناك من تخلف بأعذار مقبولة، كالذين أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليحملهم معه، فقال لهم: «لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا «وأعينهم تفيض من الدمع حزنا» .

وسيأتى الحديث عنهم بعد قليل.

وقوله: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إخبار في معنى النهى للمبالغة وجمع- سبحانه- بين الجملتين زيادة في تبكيتهم، وفي إهمال شأنهم، وفي كراهة مصاحبتهم ...

وذلك، لأنهم لو خرجوا مع المؤمنين ما زادوهم إلا خبالا، ولو قاتلوا معهم، لكان قتالهم خاليا من الغاية السامية التي من أجلها قاتل المؤمنون وهي إعلاء كلمة الله، وكل قتال خلا من تلك الغاية كان مآله إلى الهزيمة..

هذا، وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة على أسوأ صفات المنافقين، كما اشتملت على أشد ألوان الوعيد لهم في الدنيا والآخرة «جزاء بما كانوا يكسبون» .

قال الجمل: وفي قوله- تعالى- فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ... الآية دليل على أن الشخص إذا ظهر منه مكر وخداع وبدعة، يجب الانقطاع عنه، وترك مصاحبته، لأنه- سبحانه- منع المنافقين من الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد، وهو مشعر بإظهار نفاقهم وذمهم وطردهم وإبعادهم لما علم من مكرهم وخداعهم إذا خرجوا إلى الغزوات .

وبعد أن بين- سبحانه- ما يجب أن يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم معهم في حياتهم، أتبع ذلك ببيان ما يجب أن يفعله معهم بعد مماتهم فقال- تعالى-:

يقول تعالى آمرا لرسوله عليه الصلاة والسلام ( فإن رجعك الله ) أي : ردك الله من غزوتك هذه ( إلى طائفة منهم ) قال قتادة : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا ( فاستأذنوك للخروج ) أي : معك إلى غزوة أخرى ، ( فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ) أي : تعزيرا لهم وعقوبة . ثم علل ذلك بقوله : ( إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ) وهذا كقوله تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) [ الأنعام : 110 ] فإن من جزاء السيئة السيئة بعدها كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، كما قال في عمرة الحديبية : ( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) [ الفتح : 15 ] .

وقوله تعالى : ( فاقعدوا مع الخالفين ) قال ابن عباس : أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة . وقال قتادة : ( فاقعدوا مع الخالفين ) أي : مع النساء .

قال ابن جرير : وهذا لا يستقيم ؛ لأن جمع النساء لا يكون بالياء والنون ، ولو أريد النساء لقال : فاقعدوا مع الخوالف ، أو الخالفات ، ورجح قول ابن عباس ، رضي الله عنهما .

القول في تأويل قوله : فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن ردّك الله، يا محمد، إلى طائفة من هؤلاء المنافقين من غزوتك هذه (21) =(فاستأذنوك للخروج)، معك في أخرى غيرها =(فقل) لهم =(لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنكم رضيتم بالقعود أوّل مرة)، وذلك عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك (22) =(فاقعدوا مع الخالفين)، يقول: فاقعدوا مع الذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأنكم منهم, فاقتدوا بهديهم، واعملوا مثل الذي عملوا من معصية الله, فإن الله قد سخط عليكم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17047- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله, الحر شديد، ولا نستطيع الخروج, فلا تنفر في الحرّ ! = وذلك في غزوة تبوك = فقال الله: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ، فأمره الله بالخروج. فتخلف عنه رجال, فأدركتهم نفوسهم فقالوا: والله ما صنعنا شيئًا ! فانطلق منهم ثلاثة, فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتوه تابوا، ثم رجعوا إلى المدينة, فأنـزل الله: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم)، إلى قوله: وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك الذين تخلَّفوا، فأنـزل الله عُذْرَهم لما تابوا, فقال: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، [سورة التوبة: 117، 118] .

17048- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم)، إلى قوله: (فاقعدوا مع الخالفين)، أي: مع النساء. ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلا من المنافقين, قيل فيهم ما قيل. (23)

17049- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (فاقعدوا مع الخالفين)، و " الخالفون "، الرجال.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من التأويل في قوله: (الخالفين)، ما قال ابن عباس.

* * *

فأما ما قال قتادة من أن ذلك النساء, فقولٌ لا معنى له. لأن العرب لا تجمع النساء إذا لم يكن معهن رجال، بالياء والنون, ولا بالواو والنون. ولو كان معنيًّا بذلك النساء لقيل: " فاقعدوا مع الخوالف ", أو " مع الخالفات ". ولكن معناه ما قلنا، من أنه أريد به: فاقعدوا مع مرضى الرِّجال وأهل زَمانتهم، والضعفاء منهم، والنساء. وإذا اجتمع الرجال والنساء في الخبر, فإن العرب تغلب الذكور على الإناث, ولذلك قيل: (فاقعدوا مع الخالفين)، والمعنى ما ذكرنا.

* * *

ولو وُجِّه معنى ذلك إلى: فاقعدوا مع أهل الفساد, من قولهم: " خَلَف الرجال عن أهله يخْلُف خُلُوفًا " , إذا فسد, ومن قولهم: " هو خَلْف سَوْءٍ" = كان مذهبًا. وأصله إذا أريد به هذا المعنى، من قولهم: " خَلَف اللبن يَخْلُفُ خُلُوفا "، إذا خبث من طول وضعه في السِّقاء حتى يفسد, ومن قولهم: " خَلَف فم الصائم "، إذا تغيرت ريحه. (24)

-----------------------

الهوامش :

(21) انظر تفسير "طائفة" فيما سلف ص : 336، تعليق : 3 ، والمراجع هناك.

(22) انظر تفسير "القعود" فيما سلف ص : 397، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(23) في المطبوعة : " فقيل فيهم . . . " ، وكان في المخطوطة : " قتل منهم ما قتل " ، صوابه ما في المطبوعة .

(24) انظر تفسير " خلف " فيما سلف : 13 : 209 ، 210 .

التدبر :

وقفة
[83] ﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ﴾ إشارة إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كله لله تعالى، وليس له صلى الله عليه وسلم، وأمر المؤمنين تبع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال في آية أخرى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّـهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [94].
وقفة
[83] ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ﴾ لماذا يستئذنونك في الخروج للقتال معك، وهم قبل ذلك كانوا يستئذنونك للقعود وترك القتال؟ السبب هو أنهم المنافقون لما رأوا عودة المسلمين من غزوتهم سالمين، لم يضرهم أذى، ورأوا النصر والعز في وجوههم، ندموا على قعودهم، وظنوا أن كل قتالٍ يكون كذلك، فأحبوا أن ينالوا من مظاهر العز والنصر، ما ناله المسلمون في غزوتهم هذه.
وقفة
[83] ﴿فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا﴾ ولا خزي أعظم من أن يكون إنسان قد رفضه الشرع، ورده كالجمل الأجرب.
عمل
[83] ﴿فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ احذر أن تتخلف عن طاعة الله في البدايات، قد لا توفق لتكرارها مرة أخرى.
وقفة
[83] ألا يخشى أصحاب المواقف السلبية بعدم قيامهم بما أوجب الله عليهم من جهاد المنافقين بأن يحل عليهم غضب الله كما حل بمن قبلهم؟! أفلا يتدبرون: ﴿فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾.
وقفة
[83] ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ منعهم الله من الخروج لعمل مشروع وجهاد هو ذروة الدين؛ لتاريخهم المظلم الذي لم يتبرؤوا منه.
وقفة
[83] الحياة فرص، والموفق من بادر بانتهازها ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾.
وقفة
[83] ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا﴾ استحضار التاريخ وسوابق المرء ضرورة للتقديم والتأخير، وخاصة عند الترشح لعظائم الأمور والمهام.
وقفة
[83] ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا﴾ من وجدت منه رضا وعزمًا معك (أول مرة) فهو المؤهل لمشروعك.
وقفة
[83] ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه.
وقفة
[83] ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ التهاون بالطاعة إذا حضر وقتها سبب لعقوبة الله وتثبيطه للعبد عن فعلها وفضلها.
وقفة
[83] ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ الذين خانوا الحق في محنته ليس لهم حق الشراكة في مستقبله.

الإعراب :

  • ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ:
  • الفاء: استئنافية. إن: حرف شرط جازم. رجع:فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بإن والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. أي فإن ردّك الله الى المدينة.
  • ﴿ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق برجعك أو يكون في محل نصب حالا. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «طائِفَةٍ» و «هم»:ضمير الغائبين في محل جر بمن.
  • ﴿ فَاسْتَأْذَنُوكَ:
  • معطوفة بالفاء على «فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ أي فإن استأذنوك.والجملة: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو:ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ:
  • جار ومجرور متعلق باستأذنوك أي للخروج الى غزوة أخرى. فقل: الفاء واقعة في جواب الشرط. قل: فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوباتقديره: أنت أي فقل لهم
  • ﴿ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً:
  • لن: حرف نصب ونفي واستقبال. تخرجوا:فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مع: ظرف مكان منصوب متعلق بتخرجوا يدل على المصاحبة والاجتماع وكسر آخره لاتصاله بياء المتكلم.والياء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالاضافة. أبدا: ظرف زمان للمستقبل يدل على الاستمرار. والجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا:
  • معطوفة بالواو: على «لَنْ تَخْرُجُوا» وتعرب إعرابها. عدوا: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والميم علامةجمع الذكور. رضي: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. بالقعود: جار ومجرور متعلق برضيتم وجملة «رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ» في محل رفع خبر «إن».
  • ﴿ أَوَّلَ مَرَّةٍ:
  • أول: ظرف زمان منصوب على الظرفية وهو مضاف. مرة:مضاف اليه مجرور بالاضافة وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ:
  • الفاء: سببية. اقعدوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأنّ مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مع: مفعول فيه ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بنعت لحال محذوف تقديره: فاقعدوا متخلفين كائنين مع الخالفين. الخالفين: أي المتخلفين مضاف اليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

التوبة: 46﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
التوبة: 83﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فـ اقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [83] لما قبلها :     وبعد تخلف المُنافِقينَ عن الخروج إلى تبوك؛ أمر اللهُ عز وجل نبيَّه r هنا بثلاثة أمور لإذلالِهم وإهانتِهم: الأول: ألَّا يستصحِبَهم في غزَواتِه، قال تعالى:
﴿ فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

الخالفين:
وقرئ:
الخلفين، وهى قراءة مالك بن دينار، وعكرمة.

مدارسة الآية : [84] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم ..

التفسير :

[84] ولا تصلِّ -أيها الرسول- أبداً على أحد مات من المنافقين، ولا تقم على قبره لتدعو له؛ لأنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- وماتوا وهم فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه.

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا‏}‏ من المنافقين ‏{‏وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ‏}‏ بعد الدفن لتدعو له، فإن صلاته ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم، وهم لا تنفع فيهم الشفاعة‏.‏

‏{‏إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ‏}‏ ومن كان كافرا ومات على ذلك، فما تنفعه شفاعة الشافعين، وفي ذلك عبرة لغيرهم، وزجر ونكال لهم، وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق، فإنه لا يصلى عليه‏.‏

وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم، كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعل ذلك في المؤمنين، فإن تقييد النهي بالمنافقين يدل على أنه قد كان متقررا في المؤمنين‏.‏

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: «أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من المنافقين، وأن لا يصلى على أحد منهم إذا مات، وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له، أو يدعو له لأنهم كفروا بالله ورسوله، وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين.

فقد روى البخاري عن ابن عمر قال: لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه، فأعطاه إياه، ثم سأله أن يصلى عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، تصلى عليه، وقد نهاك ربك أن تصلى عليه؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «وإنما خيرنى الله» فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وسأزيده على السبعين. قال: إنه منافق- قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله- تعالى- قوله: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً.. الآية:

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفى عبد الله ابن أبى دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام عليه «فلما وقف عليه- يريد الصلاة- تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله، أعلى عدو الله: عبد الله بن أبى القائل يوم كذا، كذا وكذا، - وأخذ يعدد أيامه. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال: تأخر عنى يا عمر. إنى خيرت فاخترت، قد قيل لي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... الآية. لو أعلم أنى لو زدت على السبعين غفر له لزدت، قال: ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعجبت من جرأتى صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم. قال: فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً الآية. قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله- عز وجل» .

والمعنى: «لا تصل» - أيها الرسول الكريم- «على أحد» من هؤلاء المنافقين «مات أبدا ولا تقم على قبره» أى: ولا تقف على قبره عند الدفن أو بعده بقصد الزيارة أو الدعاء له، وذلك لأن صلاتك عليهم، ووقوفك على قبورهم شفاعة لهم، ورحمة بهم، وتكريم لشأنهم. وهم ليسوا أهلا لذلك.

وقوله: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ تعليل للنهى عن الصلاة عليهم، والوقوف على قبورهم.

أى: نهيناك- يا محمد- عن ذلك، لأن هؤلاء المنافقين قد عاشوا حياتهم كافرين بالله ورسوله، ومحاربين لدعوة الحق، وماتوا وهم خارجون عن حظيرة الإيمان.

وجمع- سبحانه- بين وصفهم بالكفر ووصفهم بالفسق زيادة في تقبيح أمرهم، وتحقير شأنهم فهم لم يكتفوا بالكفر وحده، وإنما أضافوا إليه الفسق، وهو الخروج عن كل قول طيب، وخلق حسن، وفعل كريم.

قال بعضهم: فإن قلت: الفسق أدنى حالا من الكفر، فما الفائدة في وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر؟ قلت إن الكافر قد يكون عدلا بأن يؤدى الأمانة، ولا يضمر لأحد سوءا، وقد يكون خبيثا كثير الكذب والمكر والخداع وإضمار السوء للغير، وهذا أمر مستقبح عند كل أحد، ولما كان المنافقون بهذه الصفة الخبيثة، وصفهم الله- تعالى- بكونهم فاسقين بعد أن وصفهم بالكفر» .

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:

1- تحريم الصلاة على الكافر، والوقوف على قبره، ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه ومشروعية الوقوف على قبره، والدعاء له.

قال الإمام ابن كثير: ولما نهى الله- تعالى- عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين، فشرع ذلك وفي فعله الأجر الجزيل، كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، من شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان، قال: «أصغرهما مثل أحد» . وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات، فروى أبو داود عن عثمان بن عفان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» .

2- وجوب منع كل مظهر من مظاهر التكريم- في الحياة وبعد الممات عن الذين يحاربون دعوة الحق، ويقفون في وجه انتشارها وظهورها:

أما منع تكريمهم في حياتهم فتراه في قوله- تعالى- في الآية السابقة:

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا.

وأما منع تكريمهم بعد مماتهم فتراه في هذه الآية: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ.

ولا شك أن حجب كل تكريم عن أولئك المنافقين في العهد النبوي، كان له أثره القوى في انهيار دولتهم، وافتضاح أمرهم، وذهاب ريحهم، وتهوين شأنهم..

هذا، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبى من الصلاة عليه، والقيام على قبره إنما كان قبل نزول هذه الآية..

أو أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تطييبا لقلب ابنه الذي كان من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاما.

فقد سبق أن ذكرنا ما رواه البخاري عن ابن عمر أنه قال: لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه، فأعطاه إياه ثم سأله أن يصلى عليه.. الحديث.

ثم نهى الله- تعالى- كل من يصلح للخطاب عن الاغترار بما عند هؤلاء المنافقين من مال وولد، فقال- تعالى:

أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرأ من المنافقين ، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات ، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له ؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله ، وماتوا عليه . وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه ، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين ، كما قال البخاري :

حدثنا عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله - هو ابن أبي - جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما خيرني الله فقال : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) وسأزيده على السبعين . قال : إنه منافق ! قال : فصلى عليه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فأنزل الله - عز وجل - آية : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره )

وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، به .

ثم رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر ، عن أنس بن عياض ، عن عبيد الله - وهو ابن عمر العمري - به ، وقال : فصلى عليه ، وصلينا معه ، وأنزل الله : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) الآية .

وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله ، به .

وقد روي من حديث عمر بن الخطاب نفسه أيضا بنحو من هذا ، فقال الإمام أحمد :

حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : لما توفي عبد الله بن [ أبي دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة عليه ، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أعلى عدو الله عبد الله بن ] أبي القائل يوم كذا : كذا وكذا - يعدد أيامه - قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : أخر عني يا عمر ، إني خيرت فاخترت ، قد قيل لي : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) [ التوبة : 80 ] لو أعلم أنى إن زدت على السبعين غفر له لزدت . قال : ثم صلى عليه ، ومشى معه ، وقام على قبره حتى فرغ منه - قال : فعجب لي وجراءتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ورسوله أعلم ! قال : فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تعجبك ) فما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله ، عز وجل .

وهكذا رواه الترمذي في " التفسير " من حديث محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، به وقال : حسن صحيح . ورواه البخاري عن يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، به ، فذكر مثله ، وقال : أخر عني يا عمر . فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت ، ولو أعلم أنى إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها . قال : فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) الآية ، فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم . .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عبيد ، حدثنا عبد الملك ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما مات عبد الله بن أبي ، أتى ابنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنك إن لم تأته لم نزل نعير بهذا . فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجده قد أدخل في حفرته ، فقال : أفلا قبل أن تدخلوه ! فأخرج من حفرته ، وتفل عليه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه .

ورواه النسائي ، عن أبي داود الحراني ، عن يعلى بن عبيد ، عن عبد الملك - وهو ابن أبي سليمان - به .

وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، سمع جابر بن عبد الله قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعد ما أدخل في قبره ، فأمر به فأخرج ، ووضع على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه والله أعلم .

وقد رواه أيضا في غير موضع مع مسلم والنسائي ، من غير وجه ، عن سفيان بن عيينة ، به .

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا مجالد ، حدثنا عامر ، حدثنا جابر ( ح ) وحدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ، حدثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : لما مات رأس المنافقين - قال يحيى بن سعيد : بالمدينة - فأوصى أن يصلي عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء ابنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك - وهذا الكلام في حديث عبد الرحمن بن مغراء - قال يحيى في حديثه : فصلى عليه ، وألبسه قميصه ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) وزاد عبد الرحمن : وخلع النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه ، فأعطاه إياه ، ومشى فصلى عليه ، وقام على قبره ، فأتاه جبريل - عليه السلام - لما ولى قال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) وهذا إسناد لا بأس به ، وما قبله شاهد له .

وقال الإمام أبو جعفر الطبري : حدثنا [ أحمد بن إسحاق ، حدثنا ] أبو أحمد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يصلي على عبد الله بن أبي ، فأخذ جبريل بثوبه وقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره )

ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ، من حديث يزيد الرقاشي وهو ضعيف .

وقال قتادة : أرسل عبد الله بن أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مريض ، فلما دخل عليه قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أهلكك حب يهود . قال : يا رسول الله ، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ، ولم أرسل إليك لتؤنبني ! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه ، فأعطاه إياه ، وصلى عليه ، وقام على قبره ، فأنزل الله - عز وجل - : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره )

وقد ذكر بعض السلف أنه إنما ألبسه قميصه ؛ لأن عبد الله بن أبي لما قدم العباس طلب له قميص ، فلم يوجد على تفصيله إلا ثوب عبد الله بن أبي ؛ لأنه كان ضخما طويلا ففعل ذلك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكافأة له ، فالله أعلم ، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلي على أحد من المنافقين ، ولا يقوم على قبره ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعي لجنازة سأل عنها ، فإن أثني عليها خيرا قام فصلى عليها ، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها : شأنكم بها ، ولم يصل عليها .

وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جهل حاله ، حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان ؛ لأنه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ ولهذا كان يقال له : " صاحب السر " الذي لا يعلمه غيره ، أي من الصحابة .

وقال أبو عبيد في كتاب " الغريب " ، في حديث عمر أنه أراد أن يصلي على جنازة رجل ، فمرزه حذيفة ، كأنه أراد أن يصده عن الصلاة عليها ، ثم حكي عن بعضهم أن " المرز " بلغة أهل اليمامة هو : القرص بأطراف الأصابع .

ولما نهى الله - عز وجل - عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم ، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين ، فشرع ذلك ، وفي فعله الأجر الجزيل ، لما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان . قيل : وما القيراطان ؟ قال : أصغرهما مثل أحد .

وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود : حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ، أخبرنا هشام ، عن عبد الله بن بحير ، عن هانئ - وهو أبو سعيد البربري ، مولى عثمان بن عفان - عن عثمان - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل .

انفرد بإخراجه أبو داود ، رحمه الله .

القول في تأويل قوله : وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تصلِّ، يا محمد، على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدًا =(ولا تقم على قبره)، يقول: ولا تتولَّ دفنه وتقبيره. (25)

من قول القائل: " قام فلان بأمر فلان "، إذا كفاه أمرَه.

* * *

=(إنهم كفروا بالله)، يقول: إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله = وماتوا وهم خارجون من الإسلام، مفارقون أمرَ الله ونهيه. (26)

* * *

وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبيّ.

* ذكر من قال ذلك:

17050- حدثنا محمد بن المثنى، وسفيان بن وكيع, وسوار بن عبد الله قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبيد الله قال، أخبرني نافع, عن ابن عمر قال: جاء ابن عبد الله بن أبيّ ابن سلول إلى رسول الله حين مات أبوه فقال: أعطني قميصَك حتى أكفّنه فيه, وصلّ عليه، واستغفر له . = فأعطاه قميصه = وإذا فرغتم فآذنوني. (27) فلما أراد أن يصلي عليه, [جذبه] عمر، (28) وقال: أليس قد نهاك الله أن تُصَلّي على المنافقين؟ فقال: بل خيّرني وقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، قال: فصلي عليه. قال: فأنـزل الله تبارك وتعالى: (ولا تُصَلِّ على أحَدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره)، قال: فترك الصلاة عليهم. (29)

17051- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن عبيد الله, عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ بثوب النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: ابنَ سلول ! أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما خيَّرني ربّي, فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ، وسأزيد على سبعين. فقال: إنه منافق ! فصلى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم, فأنـزل الله: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره). (30)

17052- حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا يحيى بن سعيد, عن مجاهد قال، حدثني عامر, عن جابر بن عبد الله: أن رأسَ المنافقين مات بالمدينة, فأوصى أن يصلي عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأن يكفَّن في قميصه، فكفنه في قميصه, وصلى عليه وقام على قبره, فأنـزل الله تبارك وتعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره). (31)

17053- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سلمة, عن يزيد الرقاشي, عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره). (32)

17054- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن جابر قال: جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أبيّ وقد أدخل حُفْرته, فأخرجه فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، وتَفَل عليه من ريقه, والله أعلم . (33)

17055- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, عن عبد الله بن عباس قال: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه, فقام إليه. فلما وقف عليه يريد الصلاة, تحوَّلتُ حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله, أتصلي على عدوّ الله عبد الله بن أبي، القائل يوم كذا كذا وكذا!! أعدِّد أيّامه, (34) ورسول الله عليه السلام يتبسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: أخِّر عنّي يا عمر، إني خُيِّرت فاخترت, وقد قيل لي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ، فلو أنّي أعلم أنّي إن زدت على السبعين غفر له، لزدت ! قال: ثم صلى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعجبتُ لي وجُرْأتي (35) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم. فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نـزلت هاتان الآيتان: (ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبدًا)، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَه على منافق, ولا قام على قبره، حتى قبضه الله. (36)

17056- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما مات عبد الله بن أبي, أتى ابنه عبد الله بن عبد الله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم, فسأله قميصه, فأعطاه, فكفَّن فيه أباه. (37)

17057- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل, عن ابن شهاب قال، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, عن عبد الله بن عباس, عن عمر بن الخطاب قال: لما مات عبد الله بن أبيّ = فذكر مثل حديث ابن حميد, عن سلمة. (38)

17058- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره)، الآية, قال: بعث عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ليأتيه, فنهاه عن ذلك عمر. فأتاه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليه، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أهلكك حبُّ اليهود! قال فقال: يا نبي الله، إني لم أبعث إليك لتؤنّبني, ولكن بعثت إليك لتستغفر لي! وسأله قميصه أن يكفن فيه, فأعطاه إياه, فاستغفر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فمات فكفن في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونفث في جلده، ودلاه في قبره، فأنـزل الله تبارك وتعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا)، الآية. قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كُلّم في ذلك فقال: وما يغني عنه قميصي من الله = أو: ربي = وصلى عليه = وإني لأرجو أن يسلم به ألفٌ من قومه. (39)

17059- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي بن سلول وهو مريض إلى النبي صلى الله عليه وسلم; فلما دخل عليه, قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أهلكك حبُّ يهود! قال: يا رسول الله, إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتؤنبني! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفّن فيه, فأعطاه إياه، وصلى عليه, وقام على قبره, فأنـزل الله تعالى ذكره: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره ).

-------------------------

الهوامش :

(25) في المطبوعة : " وتقبره " ، غير ما في المخطوطة . و " التقبير " بمعنى : الدفن ، من ألفاظ قدماء الفقهاء . وقد سلف استخدام أبي جعفر هذه اللفظة ، وتعليقي عليها فيما سلف 9 : 387 ، تعليق : 1 .

(26) انظر تفسير " الفسق " فيما سلف ص : 385 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(27) في المطبوعة : " قال : وإذا فرغتم " ، وليس في المخطوطة : " قال " بل فيها : " وإذا وإذا فرغتم " ، بالتكرار .

(28) "جذبه" التي بين القوسين ، ساقطة من المخطوطة ، زادها الناشر الأول ، وأصاب . .

(29) الأثر : 17050 - خبر " عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر " ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 3 : 110 8 : 251 ، 255 )، رواه من طريق يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، ثم من طريق أبي أسامة ، عن عبيد الله ، ثم من طريق أنس بن عياض ، عن عبيد الله .

ورواه مسلم في صحيحه 17 : 121 ، من طريق أبي أسامة ، عن عبيد الله بن عمر .

وسيأتي من رواية أبي جعفر، من طريق أسامة، في الذي يليه، رقم: 17051.

وخرجه ابن كثير في تفسيره 4 : 217 - 219 ، فراجعه هناك .

(30) الأثر : 17051 - انظر التخريج السالف .

(31) الأثر : 17052 - حديث جابر بن عبد الله من هذه الطريق، ذكره ابن كثير في تفسيره 4: 219، عن مسند البزار ، من طريق عمرو بن علي ، عن يحيى ، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، وقال: "وإسناده لا بأس به، وما قبله شاهد له". وسيأتي حديث جابر من طريق أخرى رقم: 17054

(32) الأثر : 17053 - " يزيد الرقاشي " ، هو " يزيد بن أبان الرقاشي " ، ضعيف بل متروك ، مضى برقم : 6654 ، 6728 ، 7577 ، وغيرها .

(33) الأثر : 17054 - حديث جابر ، مضى من طريق الشعبي آنفا رقم : 10752 .

وأما هذه الطريق ، فمنها رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 3 : 111 ) ، ومسلم في صحيحه 175 : 121 ، وروا أيضا من طريق ابن جريج ، عن عمرو بن دينار .

وقوله : " والله أعلم " ، يعني : والله أعلم بقضائه ، إذ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل ، مع قضاء الله في المنافقين بما قضى به فيهم .

(34) هكذا في السيرة : " أعدد أيامه " وظنها بعضهم خطأ ، وهو صواب . يعني يعدد ما كان منه في أيام من أيامه ، يوم قال كذا ، ويوم قال كذا .

(35) في المطبوعة : "أتعجب لي"، وفي المخطوطة : "تعجبت"، وأثبت نص ابن هشام في سيرته . وفي السيرة: "ولجرأتي".

(36) الأثر : 17055 - سيرة ابن هشام 4 : 196 ، 197 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 17036 .

وحديث الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 254 ) ، من طريق يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب الزهري . وسيأتي من هذه الطريق برقم : 17057 .

وخرجه ابن كثير في تفسيره 4 : 218 .

وقوله : " أخر عني يا عمر " ، أي : أخر عني رأيك ، فاختصر إيجاز وبلاغة - هكذا قالوا : وقد ذكرت آنفا ج 10 : 339 ، تعليق : 6 ، أنهم قصروا من شرحه ، وأن معناه ، اصرف عني رأيك وأبعده ، وأنه مما يزداد على بيان كتب اللغة .

(37) الأثر : 17056 - لم أجد هذا الخبر في سيرة ابن هشام.

(38) الأثر : 17057 - سلف تخريجه في رقم : 17055.

(39) قوله : " وصلى عليه " ، هكذا في المخطوطة ، وجعلها في المطبوعة : " وصلاتي عليه " ، كأنه ظنه معطوفًا على قوله : " ما يغنى عنه قميصي " ، ولكن جائز أن يكون ما أثبته من المخطوطة ، هو الصواب ، وهو خبر من قتادة أو غيره ، فصل به بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولذلك وضعته بين خطين .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[84] في الآيات دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، وزيارة قبورهم والدعاء لهم بعد موتهم، كما كان النبي ﷺ يفعل ذلك في المؤمنين.
وقفة
[84] ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا﴾ تحريم الصلاة على الكافر، والوقوف على قبره، وأن دفنه جائز.
وقفة
[84] ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ﴾ دليل على انتفاع عموم الأموات بوقوف من يقف عندهم من الداعين؛ إلا أن يكون منافقًا عرف به رسول الله ﷺ.
وقفة
[84] ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ﴾ صلاتك عليهم ووقوفك على قبورهم نوع من الشفاعة فيهم، والكافر لا تنفعه شفاعة، وفيه دليل على تحريم الصلاة على الكافر، والوقوف على قبره، والدعاء له، والاستغفار.
وقفة
[84] ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ﴾ أما المؤمن فقم على قبره وادع له.
وقفة
[84] السنة في زيارة قبور المسلمين نظير الصلاة عليهم قبل الدفن، قال الله تعالى في كتابه عن المنافقين: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ﴾ فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم ويقام على قبورهم.
وقفة
[84] استنبط بعض العلماء من قوله تعالى -عن المنافقين-: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ أن هذه الآية تدل على شرعية صلاة الجنازة؛ فلما نهى عن الصلاة على المنافقين دل على مشروعيتها في حق المؤمنين.
وقفة
[80-84] عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ مُنَافِقٌ، وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟! قَالَ: إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ أَوْ أَخْبَرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ فَقَالَ: سَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾. [البخاري 4672].

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تُصَلِّ:
  • الواو: استئنافية. لا: ناهية جازمة. تصلّ فعل أمر مجزوم بلا وعلامة جزمه: حذف آخره- حرف العلة- والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت.
  • ﴿ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ:
  • جار ومجرور متعلق بتصلّ. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أَحَدٍ» و «هم»: ضمير الغائبين في محل جر بمن.
  • ﴿ ماتَ أَبَداً:
  • الجملة في محل جر صفة- نعت- لأحد. مات: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. والفعل بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال. أبدا: ظرف زمان للمستقبل يدل على الاستمرار منصوب بالفتحة.
  • ﴿ وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ:
  • معطوفة بالواو: على «لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ» وتعرب إعرابها وعلامة جزم «تَقُمْ» السكون الظاهر وحذفت واوه لالتقاء الساكنين والهاء في «قَبْرِهِ»: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ:
  • إنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم»:ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالله: جار ومجرور متعلق بكفروا. وجملة «كَفَرُوا» في محل رفع خبر «إن».
  • ﴿ وَرَسُولِهِ وَماتُوا:
  • القول معطوف بالواو: على «كَفَرُوا بِاللَّهِ» ويعرب إعرابها والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهُمْ فاسِقُونَ:
  • الواو: حالية والجملة الاسمية بعدها في محل نصب حال.هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فاسقون:خبر «هُمْ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

البقرة: 161﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّـهِ
آل عمران: 91﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ
التوبة: 84﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ
التوبة: 125﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا إسْماعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أحْمَدَ الواعِظُ إمْلاءً سَنَةَ ثَلاثِينَ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، قالَ: أخْبَرَنا يُوسُفُ بْنُ عاصِمٍ الرّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا العَبّاسُ بْنُ الوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، قالَ: حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: لَمّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جاءَ ابْنُهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقالَ: أعْطِنِي قَمِيصَكَ حَتّى أُكَفِّنَهُ فِيهِ، وصَلِّ عَلَيْهِ، واسْتَغْفِرْ لَهُ. فَأعْطاهُ قَمِيصَهُ، ثُمَّ قالَ: ”آذِنِّي حَتّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ“ . فَآذَنَهُ، فَلَمّا أرادَ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وقالَ: ألَيْسَ قَدْ نَهاكَ اللَّهُ أنْ تُصَلِّيَ عَلى المُنافِقِينَ ؟ فَقالَ: ”أنا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ؛ أسْتَغْفِرُ لَهم أوْ لا أسْتَغْفِرُ“ . فَصَلّى عَلَيْهِ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِّنْهُم مّاتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ . فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ. رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، ورَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ أبِي قُدامَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ، كِلاهُما عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ.أخْبَرَنا إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ النَّصْراباذِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو بَكْرِ بْنُ مالِكٍ القَطِيعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبِي، قالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَمّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَقامَ إلَيْهِ، فَلَمّا وقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلاةَ تَحَوَّلْتُ حَتّى قُمْتُ في صَدْرِهِ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أعَلى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ القائِلِ يَوْمَ كَذا: كَذا وكَذا ؟ أُعَدِّدُ أيّامَهُ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَبَسَّمُ، حَتّى إذا أكْثَرْتُ عَلَيْهِ قالَ: ”أخِّرْ عَنِّي يا عُمَرُ، إنِّي خُيِّرْتُ فاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهم إن تَسْتَغْفِرْ لَهم سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] . لَوْ أعْلَمُ أنِّي إنْ زِدْتُ عَلى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ“ . قالَ: ثُمَّ صَلّى عَلَيْهِ ﷺ، ومَشى مَعَهُ فَقامَ عَلى قَبْرِهِ حَتّى فَرَغَ مِنهُ. قالَ: فَعَجِبْتُ لِي وجَراءَتِي عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، واللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: فَواللَّهِ ما كانَ إلّا يَسِيرًا حَتّى نَزَلَ: ﴿ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِّنْهُم مّاتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ . قالَ: فَما صَلّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَهُ عَلى مُنافِقٍ، ولا قامَ عَلى قَبْرِهِ حَتّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعالى. قالَ المُفَسِّرُونَ: وكُلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيما فُعِلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقالَ: ”وما يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي وصَلاتِي مِنَ اللَّهِ ؟ واللَّهِ إنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يُسْلِمَ بِهِ ألْفٌ مِن قَوْمِهِ“ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [84] لما قبلها :     الثاني: ألا يصلي صلى الله عليه وسلم على موتاهم، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [85] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا ..

التفسير :

[85] ولا تعجبك -أيها الرسول- أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بمكابدتهم الشدائد في شأنها، وبموتهم على كفرهم بالله ورسوله.

أي‏:‏ لا تغتر بما أعطاهم اللّه في الدنيا من الأموال والأولاد، فليس ذلك لكرامتهم عليه، وإنما ذلك إهانة منه لهم‏.‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا‏}‏ فيتعبون في تحصيلها، ويخافون من زوالها، ولا يتهنئون بها‏.‏

بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها، وتلهيهم عن اللّه والدار الآخرة، حتى ينتقلوا من الدنيا ‏{‏وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏ قد سلبهم حبها عن كل شيء، فماتوا وقلوبهم بها متعلقة، وأفئدتهم عليها متحرقة‏.‏

أى: عليك- أيها العاقل- أن لا تغتر بما عند هؤلاء المنافقين من أموال وأولاد، وأن لا يداخل قلبك شيء من الإعجاب بما بين أيديهم من نعم، فإن هذه النعم- التي من أعظمها الأموال والأولاد- إنما أعطاهم الله إياها، ليعذبهم بسببها في الدنيا عن طريق التعب في تحصيلها، والحزن عند فقدها وهلاكها.

وقوله: وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ بيان لسوء مصيرهم في الآخرة، بعد بيان عذابهم في الدنيا، وزهوق النفس: خروجها من الجسد بمشقة وتعب.

أى: أنهم في الدنيا تكون النعم التي بين أيديهم، مصدر عذاب لهم، وأما في الآخرة فعذابهم أشد وأبقى، لأن أرواحهم قد خرجت من أبدانهم وهم مصرون على الكفر والضلال.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد توعدت هؤلاء المنافقين بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، ومن كان مصيره كهذا المصير، لا يستحق الإعجاب أو التكريم وإنما يستحق الاحتقار والإهمال.

وهذه الآية الكريمة، قد سبقتها في السورة نفسها آية أخرى شبيهة بها. وهي قوله- تعالى-: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ .

وقد أشار صاحب الكشاف إلى سر هذا التكرار فقال: «وقد أعيد قوله وَلا تُعْجِبْكَ ... لأن تجدد النزول له شأنه في تقرير ما نزل له وتأكيده، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعتقد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية به، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين، فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه، ويتخلص إليه، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه» .

ثم بين- سبحانه- موقف المنافقين وموقف المؤمنين بالنسبة للجهاد، كما بين عاقبة كل فريق فقال- تعالى-:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم " كما قال تعالى " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " وقال " أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وقوله " إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا " قال الحسن البصري بزكاتها والنفقة منها في سبيل الله وقال قتادة هذا من المقدم والمؤخر تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.

واختار ابن جرير قول الحسن وهو القول القوي الحسن.

وقوله " وتزهق أنفسهم وهم كافرون " أي ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم.

عياذا بالله من ذلك وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه.

القول في تأويل قوله : وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجبك، يا محمد، أموالُ هؤلاء المنافقين وأولادهم، فتصلي على أحدهم إذا مات وتقوم على قبره، من أجل كثرة ماله وولده, فإني إنما أعطيته ما أعطيته من ذلك لأعذبه بها في الدنيا بالغموم والهموم, بما ألزمه فيها من المؤن والنفقات والزكوات، وبما ينوبه فيها من الرزايا والمصيبات، =(وتزهق أنفسهم)، يقول: وليموت فتخرج نفسه من جسده, (40) فيفارق ما أعطيته من المال والولد, فيكون ذلك حسرة عليه عند موته، ووبالا عليه حينئذٍ، ووبالا عليه في الآخرة، بموته جاحدًا توحيدَ الله، ونبوةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

17060- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن السدي: (وتزهق أنفسهم)، في الحياة الدنيا.

-----------------------

الهوامش :

(40) انظر تفسير " زهق " فيما سلف ص : 297 .

التدبر :

لمسة
[85] أعيد قوله: ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ﴾ لتأكيد ما قرره الله من عدم الإعجاب والاغترار بأموال الفجار والكفار في الدنيا، فيظل المعنى على بال المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، ولا يفتن إن رأى الدنيا تفتح أبوابها للفاجر.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ﴾ النهيُ عن الإعجابِ بأحوالِ الكافرين الماديةِ.
اسقاط
[85] ابتلينا في هذا الزمان بفتنة المظاهر والإعجاب بالمناظر، ونسينا أو تناسينا جمال الأفعال ومكارم الاخلاق وتزكية القلوب ﴿ولا تعجبك أموالهم وأولادهم﴾.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ﴾ سبحان الله! العاصي يتعذَّب بمعاصيه التي يحسده أناس عليها، شوقًا لها، وحسدًا لغيره عليها، وسعيًا في تحصيلها، وخوفًا من نظر الناس، ثم إذا نالها تعذَّب خشية الفوت، ثم حسرةً على الفقد، ثم العذاب الأكبر يوم القيامة إن لم يرحمه لله، يا للعذاب! لكن الشيطان سوَّل لهم وأملى لهم.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ تدريبًا لهم على الحبِّ في الله، والبُغض فيه؛ لأنه من أدقِّ أبواب الدِّين فهمًا، وأجلها قَدرًا, وعليه تُبتنى غالب أبوابه, ومنه تُجتنى أكثرُ ثمراته وآدابه, وذلك أنه ربما ظنَّ الناظر فيمن بُسِطت عليه الدنيا أنه من الناجين؛ فيوادُّه لحسن قوله غافلًا عن سوء فعله.
وقفة
[85] ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ إذا رأيت مُمَتّعًا من أهل الكفر أو نفاق فتذكر هذه الآية.
تفاعل
[85] ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا﴾ استعذ بالله الآن من عذاب الدنيا والآخرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ:
  • الواو: عاطفة. لا: ناهية جازمة تعجب: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. أموال: فاعل مرفوع بالضمة. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة وأولادهم معطوفة بالواو: على «أَمْوالُهُمْ».
  • ﴿ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ:
  • أداة حصر لا عمل لها أو كافة ومكفوفة. يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا:
  • حرف مصدرية ونصب. يعذب: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله سبحانه و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بها: جار ومجرور متعلق بيعذبهم. في الدنيا: جار ومجرور متعلق بيعذبهم وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.بمعنى: آتاهم الله هذه الأشياء وهو يريد تعذيبهم و «أَنْ» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل «يُرِيدُ» وجملة «يُعَذِّبَهُمْ بِها» صلة «أَنْ» المصدرية- صلة موصول حرفي- لا محل لها.
  • ﴿ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ:
  • الواو: عاطفة. تزهق: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة. أنفس: فاعل مرفوع بالضمة. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَهُمْ كافِرُونَ:
  • الواو: حالية. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كافرون: خبر «هُمْ» مرفوع بالواو: لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد والجملة الاسمية «هُمْ كافِرُونَ» في محل نصب حال. '

المتشابهات :

التوبة: 55﴿فَـ لَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
التوبة: 85﴿وَ لَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [85] لما قبلها :     الثالث: عدم الاغترارِ بأموالِهم وأولادِهم، قال تعالى:
﴿ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [86] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ ..

التفسير :

[86] وإذا أنزلت سورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- تأمر بالإيمان بالله والإخلاص له والجهاد مع رسول الله، طلب الإذن منك -أيها الرسول- أولو اليسار من المنافقين، وقالوا:اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج.

يقول تعالى في بيان استمرار المنافقين على التثاقل عن الطاعات، وأنها لا تؤثر فيهم السور والآيات‏:‏ ‏{‏وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ‏}‏ يؤمرون فيها بالإيمان باللّه والجهاد في سبيل اللّه‏.‏

‏{‏اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ‏}‏ يعني‏:‏ أولي الغنى والأموال، الذين لا عذر لهم، وقد أمدهم اللّه بأموال وبنين، أفلا يشكرون اللّه ويحمدونه، ويقومون بما أوجبه عليهم، وسهل عليهم أمره، ولكن أبوا إلا التكاسل والاستئذان في القعود ‏{‏وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ‏}‏

والمراد بالسورة في قوله- سبحانه- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ: كل سورة ذكر الله- تعالى- فيها وجوب الإيمان به والجهاد في سبيله.

أى: أن من الصفات الذميمة لهؤلاء المنافقين، أنهم كلما نزلت سورة قرآنية، تدعو في بعض آياتها الناس إلى الإيمان بالله والجهاد في سبيله، ما كان منهم عند ذلك إلا الجبن والاستخذاء والتهرب من تكاليف الجهاد ...

وقوله: اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ ... بيان لحال هؤلاء المنافقين عند نزول هذه السورة.

والطول- بفتح الطاء- يطلق على الغنى والثروة، مأخوذ من مادة الطول بالضم التي هي ضد القصر.

والمراد بأولى الطول: رؤساء المنافقين وأغنياؤهم والقادرون على تكاليف الجهاد.

أى: عند نزول السورة الداعية إلى الجهاد، يجيء هؤلاء المنافقون أصحاب الغنى والثروة، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستأذنوا في القعود وعدم الخروج ... وليقولوا له بجبن واستخذاء ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ.

أى: اتركنا يا محمد مع القاعدين في المدينة من العجزة والنساء والصبيان، واذهب أنت وأصحابك إلى القتال.

وإنما خص ذوى الطول بالذكر، تخليدا لمذمتهم واحتقارهم لأنه كان المتوقع منهم أن يتقدموا صفوف المجاهدين، لأنهم يملكون وسائل الجهاد والبذل، لا ليتخاذلوا ويعتذروا، ويقولوا ما قالوا مما يدل على جبنهم والتوائهم.

يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد ، الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول ، واستأذنوا الرسول في القعود ، وقالوا : ( ذرنا نكن مع القاعدين ) ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء - وهن الخوالف - بعد خروج الجيش ، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس ، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما ، كما قال [ الله ] تعالى ، عنهم في الآية الأخرى : ( فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ) [ الأحزاب : 19 ] أي : علت ألسنتهم بالكلام الحاد القوي في الأمن ، وفي الحرب أجبن شيء ، وكما قال الشاعر :

أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة وفي الحرب أشباه النساء العوارك

.

وقال تعالى في الآية الأخرى : ( ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم [ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ] ) [ الآية ] [ محمد : 20 - 22 ] )

القول في تأويل قوله : وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا أنـزل عليك، يا محمد، سورة من القرآن, بأن يقال لهؤلاء المنافقين: (آمنوا بالله)، يقول: صدِّقوا بالله =(وجاهدوا مع رسوله)، يقول: اغزوا المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (41) =(استأذنك أولو الطول منهم)، يقول: استأذنك ذوو الغنى والمال منهم في التخلف عنك، والقعود في أهله (42) =(وقالوا ذرنا)، يقول: وقالوا لك: دعنا، (43) نكن ممن يقعد في منـزله مع ضعفاء الناس ومرضاهم، ومن لا يقدر على الخروج معك في السفر. (44)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17061- حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (استأذنك أولو الطول)، قال: يعني أهل الغنى.

17062- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( أولو الطول منهم)، يعني: الأغنياء.

17063- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (وإذا أنـزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم)، كان منهم عبد الله بن أبيّ، والجدُّ بن قيس. فنعى الله ذلك عليهم. (45)

------------------------

الهوامش:

(41) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص : 399 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(42) انظر تفسير " الطول " فيما سلف 8 : 182 - 185 .

(43) انظر تفسير " ذر " فيما سلف 13 : 291 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(44) انظر تفسير " القعود " فيما سلف ص : 404 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(45) الأثر : 17063 - سيرة ابن هشام 4 : 197 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 17055 ، غير أن ابن هشام قال : " وكان ابن أبي من أولئك ، فنعى الله ذلك عليه ، وذكره منه " .

ولم يذكر هنا " الجد بن قيس " .

التدبر :

وقفة
[86] ﴿وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ﴾ أولو الطول هم الأغنياء، فكثيرًا ما يصد المال صاحبه عن التضحية في سبيل الله، وكما قيل: «رأس المال جبان».
اسقاط
[86] ﴿اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ﴾ كثرةُ الاستئذانِ عن العبادةِ بدونِ عذرٍ حقيقيٍّ أمرٌ مذمومٌ.

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ:
  • الواو: استئنافية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وهي أداة شرط غير جازمة. أنزلت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. سورة: نائب فاعل مرفوع بالضمة. وجملة «أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ:
  • أن: هنا تفسيرية بمعنى «أي». آمنوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمنوا ويجوز أن تكون «أَنْ» مصدرية وصلت بالأمر فيكون التقدير على هذا بأن آمنوا. أن وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء أي أنزلت سورة تدعو للإيمان بالله والجهاد مع رسوله أو بالإيمان. وجملة «آمِنُوا بِاللَّهِ» صلة «أَنْ» أي صلة موصول حرفي لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ:
  • وجاهدوا: معطوفة بالواو على «آمِنُوا» وتعرب إعرابها. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة في محل نصب على الظرفية المكانية وهو مضاف. رسوله: مضاف اليه مجرور بالكسرة والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها. استأذن: فعل ماض مبني على الفتح والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. أولوا: فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والألف زائدة. وأولوا: بمعنى «ذوو» لا واحد له ويكتب بواو لا تلفظ. وقيل هي اسم جمع واحده: ذو. الطول: مضاف اليه مجرور بالكسرة من: حرف جر. و «هم»: ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من «أُولُوا الطَّوْلِ» ومن: حرف جر بياني والمعنى أصحاب الغنى واليسر.
  • ﴿ وَقالُوا:
  • معطوفة بالواو على «اسْتَأْذَنَكَ» وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول- ذر: فعل أمر مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. نكن: فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه سكون آخره وحذفت واوه لالتقاء الساكنين واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: نحن. مع: ظرف مكان يدل على المصاحبة والاجتماع متعلق بخبر «نَكُنْ». القاعدين: مضاف اليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. '

المتشابهات :

التوبة: 86﴿وَ إِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ
التوبة: 124﴿وَ إِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَانًا
التوبة: 127﴿وَ إِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ
محمد: 20﴿فَـ إِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [86] لما قبلها :     15- التحايل للتخلف عن الجهاد، قال تعالى:
﴿ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف