18914151617181920

الإحصائيات

سورة التوبة
ترتيب المصحف9ترتيب النزول113
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.00
عدد الآيات129عدد الأجزاء1.05
عدد الأحزاب2.10عدد الأرباع8.50
ترتيب الطول7تبدأ في الجزء10
تنتهي في الجزء11عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
الجمل الخبرية: 2/21_

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (14) الى الآية رقم (16) عدد الآيات (3)

أعادَ اللهُ هنا الأمرَ بقتالِ المشركينَ وذكرَ خمسَ فوائدٍ لذلك، ثُمَّ وَبَّخَ من تثاقلَ.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (17) الى الآية رقم (18) عدد الآيات (2)

بعدَ الأمرِ بقتالِهم بَيَّنَ اللهُ هنا حرمةَ مشاركةِ المشركينَ في عمارةِ مساجدِ اللهِ بالعبادةِ أو الخدمةِ أو الولايةِ.

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (19) الى الآية رقم (20) عدد الآيات (2)

بعدَ تحريمِ مشاركةِ المشركينَ في عمارةِ مساجدِ اللهِ بَيَّنَ هنا أن الإيمانَ والهجرةَ والجهادَ أفضلُ ممَّا كانَ يفخرُ به المشركونَ من عمارةِ المسجدِ الحرامِ وسقايةِ الحَاجّ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة التوبة

باب التوبة مفتوح للجميع (دعوة الجميع للتوبة)/ البلاغ الأخير في سورة التوبة/ سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • لماذا غابت «بسم الله الرحمن الرحيم»؟:   1- قالوا: لأن السورة نزلت في فضح المنافقين والكفّار وأعمالهم، قال علي بن أبي طالب عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمان، وبراءة -أي سورة التوبة- نزلت بالسيف، ليس فيها أمان. 2- وقالوا: لأن براءة سخط، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» رحمة، فكيف الجمع بين السخط والرحمة!
  • • ما علاقة هذه الموضوعات بالتوبة؟:   إنه بالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحًا لجميع الناس، وتدعو الجميع إلى التوبة في مرات عديدة.بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «التوبة»، و«براءة».
  • • معنى الاسم ::   التوبة: ترك الذنب مع الندم، وبراءة: مصدرُ الفعل (برأ) بمعنى خَلِص، وبراءة: أي إعذار وإنذار.
  • • سبب التسمية ::   هي أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، وسميت «براءة»؛ لأنها مفتتحة بها، أي تسمية لها بأول كلمة منها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   «الفاضحة»؛ لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، و«المُقَشقِشة» أي: المبرِّئة من النِّفاق.
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن باب التوبة مفتوح للجميع.
  • • علمتني السورة ::   أن التوبة إعلان للبداية الجديدة، إعلان للحياة الجديدة، إعلان للهجرة من الظلمات إلى النور، من الضيق الى السعة، من الحزن إلى السعادة
  • • علمتني السورة ::   التوبة أنَّ الجهاد سبيل الأمة إلى العزّة، وطريقها إلى الريادة، متى أقامته قويَت وعزّت، وإذا تخلّت عنه ضعفت وهانت.
  • • علمتني السورة ::   حرمة دخول الكافر حدود الحرم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ».وسورة التوبة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَنْ تَعَلَّمُوا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ».
    • وذلك أن سورة التوبة ذُكِرَ فيها أحكام الجهاد فناسبت الرجال، وسورة النور ذُكِرَ فيها أحكام الحجاب فناسبت النساء.
    • عن إبراهيم قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ مَرَّةً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُجَاعِلَ -أي يدفع جُعالة لمن يخرج بدلًا عنه-، فِي بَعْثٍ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ فَقُلْتُ لَهُ: «مَا لَكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُجَاعِلَ؟»، قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ؛ فَسَمِعْتُهَا تَحُثُّ عَلَى الْجِهَادِ».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم».
    • تمتاز بكثرة أسمائها، فهي تأتي بعد سورة الفاتحة في كثرة الأسماء، ومعظم هذه الأسماء أطلق عليها بسبب ما فيها من دلالات وصفات تفضح المنافقين.
    • هي آخر سور السبع الطِّوَال، وهي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة».
    • أفاضت في الحديث عن المنافقين وصفاتهم إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
    • ذكرت فيها أحداث غزوة تبوك، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب 9 هـ.
    • أكثر سورة وردت فيها كلمة التوبة ومشتقاتها، ولذا لم تذكر فئة إلا وحثتها على التوبة: كالكفار، والمشركين والمنافقين والعصاة والمؤمنين.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبادر إلى التوبة والرجوع إلى الله قبل أن يفاجئنا الموت، وندعو كل الناس إلى ذلك.
    • أن نتعلم سياسة الإسلام في التعامل مع الكافرين والمنافقين.
    • أن نلزم الوفاء بالعهود مع المشركين إلى مدتها إلا إذا خانوا؛ فإن خانوا فيجب إخبارهم بنقض العهد: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ...﴾ (4).
    • أن نقرأ كلام الله على من حولنا من غير المسلمين؛ رجاء هدايتهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ (6).
    • ألا نَأْمَن غير المسلمين، ولا نُسَلِّم لهم أنفسنا مهما كانت وعودهم؛ فإنهم لا يؤمَنون: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ﴾ (8).
    • أن نحذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ (16).
    • أن نتعلم أحكام التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا﴾ (28).
    • ألا نوالي الكفار؛ حتى ولو كانوا من الأقربين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (23).
    • أن تكون محبة الله ورسوله أغلى عندنا من كلّ شيء سواها: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ (24).
    • ألا نقدم على محبة الله أحدًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...﴾ (24).
    • أن نستبشِر؛ سيُصبحُ الإسلام هو الدينُ الذي يُعبَدُ اللهُ به في الأرضِ لا غيره: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (33). • أن نظهر الأشهر الهجرية في تعاملاتنا قدر الاستطاعة؛ فهي المقدمة عند الله، وهي من مظاهر الدين الإسلامي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ (36).
    • أن نلقي المحاضرات، أو نرسل رسائل عن خطر التحايل على الشريعة وأهمية مراقبة الله: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ﴾ (37).
    • ألا نشعر بالضعف إلا لله، ولا نطأطئ رؤوسنا لسواه: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا﴾ (40).
    • أن نتبرع بشيء من أموالنا للجهات الخيرية؛ فهذا من الجهاد بالمال: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ (41).
    • أن نستفتِح العِتابَ بأجملِ الكلماتِ؛ لنستميلَ قلبَ مَن نُعاتِبُ: ﴿عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (43)، تأمَّلْ: بدأَ بالعَفوِ عن الخَطأِ قبلَ أن يعاتِبَه على ارتكابِه.
    • ألا نتأثر لخذلان بعض الناس لنا؛ فقد يكون الله ثبطهم لفسادٍ عَلِمه أنه سيكون لو كانوا معكم: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ (46).
    • ألا نخاف ولا نحزن من أقدار الدنيا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (51).
    • ألا نضع زكاة أموالنا إلا في المصارف التي حددها الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).
    • ألا نتناول شعائر الدين وأحكامه بسخرية واستهزاء، ولو على سبيل المزاح والضحك، فالخائض فيها على خطر عظيم: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (65، 66).
    • أن نحرص على الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنْكرِ مخالفة لحالِ المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (67).
    • أن ندرس قصص الأنبياءِ حتى نكونَ من الذين يعتبرون ويتعظون إذا تُليتْ عليهم أنباءُ الرسلِ وأممهِم: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (70).
    • أن نتقي الله تعالى في سرنا وجهرنا؛ فإن الله علام الغيوب: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (78).
    • ألا نسخر من صدقة مسلم؛ ولو قلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (79).
    • أن ندعو الله أن يرزقنا الحلم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (114).

تمرين حفظ الصفحة : 189

189

مدارسة الآية : [14] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ ..

التفسير :

[14] يا معشر المؤمنين:قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم، ويذلهم بالهزيمة والخزي، وينصركم عليهم، ويُعْلِ كلمته، ويشف بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلاء المشركين .

ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد، وكل هذا حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم، فقال‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ‏}‏ بالقتل ‏{‏وَيُخْزِهِمْ‏}‏ إذا نصركم اللّه عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، ‏{‏وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ‏}‏ هذا وعد من اللّه وبشارة قد أنجزها‏.‏ ‏{‏وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}

ثم أمرهم- سبحانه- أمرا صريحا قاطعا بمقاتلة المشركين. ورتب على هذه المقاتلة خمسة أنواع من الفوائد فقال: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ.

أى: أقدموا على قتالهم وباشروه بشجاعة وإخلاص كما أمركم ربكم، فإنكم متى فعلتم ذلك يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ بسبب ما تنزلونه بهم من قتل وأسر وجراحات بليغة، واغتنام للأموال.

وأسند- سبحانه- التعذيب إليه، لأنه أمر زائد على أسبابه من الطعن والضرب وما يفضيان إليه من القتل والجرح.. والأسر. تلك هي الفائدة الأولى من قتالهم.

أما الفائدتان الثانية والثالثة فتتجليان في قوله. تعالى. وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ.

أى: ويخزهم بسبب ما ينزل بهم من هزيمة وهوان وهم يتفاخرون بقواتهم وبأسهم، وينصركم عليهم بأن يجعل كلمتكم هي العليا وكلمتهم هي السفلى.

قال الإمام الرازي: فإن قالوا: لما كان حصول ذلك الخزي مستلزما لحصول هذا النصر، كان إفراده بالذكر عبثا؟

فتقول: ليس الأمر كذلك، لأنه من المحتمل أن يحصل الخزي لهم من جهة المؤمنين، إلا أن المؤمنين قد تحصل لهم آفة لسبب آخر، فلما قال: وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ دل على أنهم ينتفعون بهذا النصر والفتح والظفر» .

والفائدة الرابعة بينها- سبحانه- في قوله. وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.

أى: أنكم بقتالكم لهم وانتصاركم عليهم، تشفون قلوب جماعة من المؤمنين من غيظها المكظوم، لأن هذه الجماعة قد لقيت ما لقيت من أذى المشركين وظلمهم وغدرهم.. فكان انتصاركم عليهم شفاء لصدورهم.

قالوا: والمراد بهؤلاء القوم بنو خزاعة الذين غدر بهم بنو بكر بمساعدة قريش.

والأولى أن تكون الجملة الكريمة عامة في كل من آذاهم المشركون.

أما الفائدة الخامسة فقد بينها- سبحانه. في قوله وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ:

ثم قال تعالى عزيمة على المؤمنين ، وبيانا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) وهذا عام في المؤمنين كلهم .

وقال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي في هذه الآية : ( ويشف صدور قوم مؤمنين ) يعني : خزاعة .

القول في تأويل قوله : قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قاتلوا، أيها المؤمنون بالله ورسوله، هؤلاء المشركين الذين نكثوا أيمانهم، ونقضوا عهودهم بينكم وبينهم, وأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم =(يعذبهم الله بأيديكم)، يقول: يقتلهم الله بأيديكم =(ويخزهم)، يقول: ويذلهم بالأسر والقهر (1) =(وينصركم عليهم)، فيعطيكم الظفر عليهم والغلبة =(ويشف صدور قوم مؤمنين)، يقول: ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسوله، بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالكم وقهركم إياهم. وذلك الداء، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموْجِدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه.

* * *

وقيل: إن الله عنى بقوله: (ويشف صدور قوم مؤمنين)، : صدورَ خزاعة حلفاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك أن قريشًا نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونتهم بكرًا عليهم.

* ذكر من قال ذلك:

16540- حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد في هذه الآية: (ويشف صدور قوم مؤمنين)، قال: خزاعة.

16541- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, عن أسباط, عن السدي: (ويشف صدور قوم مؤمنين)، قال: خزاعة، يشف صدورهم من بني بكر.

16542- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط, عن السدي, مثله.

16543- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ويشف صدور قوم مؤمنين)، خزاعة حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم.

16544- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: (ويشف صدور قوم مؤمنين)، قال: حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة.

16545- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.

---------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " الإخزاء " فيما سلف ص : 112 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[14] ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ ما أنتم إلا سبب من الأسباب، والله رب الأسباب، وقد بَيَّنَ في الآية أنه هو المعذِّب؛ وأن أيدينا مجرد سبب لتوصيل عذابه إلى هؤلاء، ولو شاء لعذبهم بغيرنا.
وقفة
[14] ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ ما أشرف الأيادي التي اختارها الله لينتقم بها من أعدائه!
وقفة
[14] قال تعالى عزيمة على المؤمنين، وبيانًا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[14] في جهاد الكافر المعتدي شفاء للقلوب المكلومة الموجَعة ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ... وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾.
عمل
[14] اكتب مقالًا أو رسالة تفضح أساليب المنافقين في إفساد المجتمع أو محاربتهم للدين ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾.
وقفة
[14] ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ وليس بأفواهكم، أين أيدي المؤمنين؟!
وقفة
[14] ﴿وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ القهر والغُبْن الموجود في قلوب المؤمنين من أسباب النصر (الصدر العامر بالإيمان ليس هينًا على الله).
تفاعل
[14] ﴿وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يعجل بنصر المستضعفين، ويشفيَ صدور قوم مؤمنين.
وقفة
[14] ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ شفاء صدور قوم مؤمنين يستلزم شفاء صدور كل المؤمنين؛ لأن المؤمن جسد واحد، ويستلزم كذلك غيظ صدور أعداء الدين.
وقفة
[14] ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ المراد بالقوم المؤمنين هنا خزاعة؛ حيث تمالأ عليهم الكفار وقتلوهم في الحرم، فاستنجدوا بالنبي ﷺ، فكان ذلك سبب فتح مكة.
وقفة
[14] ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ غيظ القلوب مرض دفين يفتك بالقلب والجسد، وسبب غيظ المؤمنين هو بغي الكفار وقتلهم المسلمين، وشفاء هذا الغيظ لا يكون إلا بالتمكن من الأعداء، فينشرح الصدر، ويزول ما فيه من غضب.
وقفة
[14] ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ أحزانك التي تختبئ وراء ضلوعك، تخفيها عن أقرب الناس منك، تعجز أنت عن تطويق آلامها، ربك يداويها لك، يا رب اشف صدورنا.
وقفة
[14] ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ حُزنك عَظيم لكن الله وَقدرته أعظم، رَحمتهُ تَسع حاجتك وأكثر.
وقفة
[14، 15] ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ هذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى أنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم.
وقفة
[14، 15] فَرَحُ المسلمين بمصيبة عدوهم المحارِب دليل إيمان، فلنفس المؤمن ألم ولقلبه غيظ جعل الله ذهابه بمصاب عدوه ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ قاتِلُوهُمْ:
  • فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة.الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم»: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ يُعَذِّبْهُمُ:
  • فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب- الأمر- وعلامة جزمه سكون آخره. و «هم»: ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ:
  • لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بأيدي: جار ومجرور متعلق بيعذبهم والكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم علامة الجمع.
  • ﴿ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على «يُعَذِّبْهُمُ» وتعربان إعرابها وفاعلهما: ضمير مستتر فيهما جوازا تقديره هو. وعلامة جزم «يخز» حذف آخره- حرف العلة-.
  • ﴿ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ:
  • جار ومجرور متعلق بينصركم و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى. ويشق: معطوفة بالواو على «يعذب» «وتعرب اعراب» يخز».
  • ﴿ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ:
  • صدور: مفعول به منصوب بالفتحة. قوم:مضاف اليه مجرور بالكسرة. مؤمنين صفة- نعت- لقوم مجرورة مثلها وعلامة جرها الياء لأنها جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد '

المتشابهات :

الأنفال: 34﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّـهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ
التوبة: 14﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبَهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
التوبة: 74﴿فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [14] لما قبلها :     وبعد تحريض المُؤمِنينَ على قتالِ المُشرِكين؛ أعادَ اللهُ عز وجل هنا الأمرَ بقتالهم، وذكرَ خمس فوائد لذلك: 1- تعذيب المشركين. 2- خِزْي المشركين. 3- نصر المسلمين. 4- شفاء صدور المسلمين، قال تعالى:
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يشف:
وقرئ:
ونشف، بالنون، على الالتفات، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [15] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ ..

التفسير :

[15]ويُذهِبْ عن قلوب المؤمنين الغيظ. ومن تاب من هؤلاء المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء. والله عليم بصدق توبة التائب، حكيم في تدبيره وصنعه ووَضْع تشريعاته لعباده.

{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ‏}‏ فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين للّه ولرسوله، ساعين في إطفاء نور اللّه، وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة اللّه لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل ـ من جملة المقاصد الشرعية ـ شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ‏}‏ من هؤلاء المحاربين، بأن يوفقهم للدخول في الإسلام، ويزينه في قلوبهم، ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها، ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه، ومن لا يصلح، فيبقيه في غيه وطغيانه‏.‏

أى:

ويذهب غيظ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين ويزيل كربها وغمها، لأن الشخص الذي طال أذى خصمه له. ثم مكنه الله منه على أحسن الوجوه فإن هذا الشخص في هذه الحالة يعظم سروره، ويفرح قلبه، ويتحول غيظه السابق إلى غبطة وارتياح نفسي.

قال الآلوسى: «وظاهر العطف أن إذهاب الغيط غير شفاء الصدور. ووجه بأن الشفاء يكون بقتل الأعداء وخزيهم، وإذهاب الغيظ يكون بالنصر عليهم ... وقيل إذهاب الغيظ كالتأكيد لشفاء الصدر، وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمن الله به عليهم من تعذيبه لأعدائهم، ونصرته لهم عليهم، ولعل إذهاب الغيظ من القلب أبلغ مما عطف عليه، فيكون ذكره من باب الترقي ... » .

وقوله: تعالى- وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ كلام مستأنف لبيان شمول قدرة الله- تعالى-، وواسع رحمته، وبالغ حكمته.

أى: ويتوب الله على من يشاء أن يتوب عليه من عباده فيوفقه للإيمان، ويشرح صدره للإسلام، والله- تعالى عليم بسائر شئون خلقه، حكيم في كل أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته، فامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، لتنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: وهذه الآية تدل على كون الصحابة مؤمنين في علم الله- تعالى- إيمانا حقيقيا لأنها تدل على أن قلوبهم كانت مملوءة بالغضب وبالحمية من أجل الدين، ومن أجل الرغبة الشديدة في علو دين الإسلام، وهذه الأحوال لا تحصل إلا في قلوب المؤمنين الصادقين.

كما تدل على أنها من المعجزات، لأنه- تعالى- أخبر عن حصول هذه الأحوال، وقد وقعت كما أخبر فقد انتصر المؤمنون، وأسلم من المشركين أناس كثيرون- فيكون ذلك إخبارا عن الغيب، والإخبار عن الغيب معجزة» .

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة التي حرضت المؤمنين على القتال أعظم تحريض، ببيان بعض الحكم التي من أجلها شرع الجهاد في سبيل الله، فقال- تعالى-:

تدل على أن قلوبهم كانت مملوءة بالغضب وبالحمية من أجل الدين، ومن أجل الرغبة الشديدة في علو دين الإسلام، وهذه الأحوال لا تحصل إلا في قلوب المؤمنين الصادقين.

كما تدل على أنها من المعجزات، لأنه- تعالى- أخبر عن حصول هذه الأحوال، وقد وقعت كما أخبر فقد انتصر المؤمنون، وأسلم من المشركين أناس كثيرون- فيكون ذلك إخبارا عن الغيب، والإخبار عن الغيب معجزة» .

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة التي حرضت المؤمنين على القتال أعظم تحريض، ببيان بعض الحكم التي من أجلها شرع الجهاد في سبيل الله، فقال- تعالى-:

وأعاد الضمير في قوله : ( ويذهب غيظ قلوبهم ) عليهم أيضا .

وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - عن مسلم بن يسار ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غضبت أخذ بأنفها ، وقال : يا عويش ، قولي : اللهم رب النبيمحمد اغفر ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن .

ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ، عن الباغندي ، عن هشام بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون ، عنه .

( ويتوب الله على من يشاء ) أي : من عباده ، ( والله عليم ) أي : بما يصلح عباده ، ( حكيم ) في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ، فيفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبدا ، ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر ، بل يجازي عليه في الدنيا والآخرة .

القول في تأويل قوله : وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)

قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: ويذهب وَجْدَ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة, (2) على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين، وغمَّها وكربَها بما فيها من الوجد عليهم, بمعونتهم بكرًا عليهم، (3) كما:-

16546- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, عن أسباط, عن السدي: (ويذهب غيظ قلوبهم)، حين قتلهم بنو بكر، وأعانتهم قريش.

16547- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, مثله = إلا أنه قال: وأعانتهم عليهم قريش. (4)

* * *

وأما قوله: (ويتوب الله على من يشاء)، فإنه خبر مبتدأ, ولذلك رفع، وجُزِم الأحرفُ الثلاثة قبل ذلك على وجه المجازاة, كأنه قال: قاتلوهم، فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم, ويخزهم, وينصركم عليهم = ثم ابتدأ فقال: (ويتوب الله على من يشاء)، لأن القتال غير موجب لهم التوبةَ من الله, وهو موجبٌ لهم العذابَ من الله، والخزيَ، وشفاءَ صدور المؤمنين، وذهابَ غيظ قلوبهم, فجزم ذلك شرطًا وجزاءً على القتال, ولم يكن موجبًا القتالُ التوبةَ, فابتُدِئ الخبرُ به ورُفع. (5)

* * *

ومعنى الكلام: ويمنّ الله على من يشاء من عباده الكافرين, فيقبل به إلى التوبة بتوفيقه إياه =(والله عليم)، بسرائر عباده، ومَنْ هو للتوبة أهلٌ فيتوب عليه, ومَنْ منهم غير أهل لها فيخذله =(حكيم)، في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان بتوفيقه من وفَّقه لذلك (6) = ومن حال إيمان إلى كفر، بخذلانه من خذل منهم عن طاعته وتوحيده, (7) وغير ذلك من أمرهم. (8)

-----------------------

الهوامش :

(2) انظر تفسير " الإذهاب " فيما سلف 12 : 126 تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(3) انظر تفسير " الغيظ " فيما سلف 7 : 215 .

(4) في المطبوعة : " وأعانهم " ، وفي المخطوطة : " وأعلسهم ، وصواب قراءتها ما أثبت . "

(5) في المطبوعة : " فابتدأ الحكم به " ، والصواب ما أثبت من المخطوطة .

(6) في المطبوعة : " بتوفيق " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(7) السياق : " في تصريف عباده من حال كفر . . . ومن حال إيمان " .

(8) انظر تفسير " تاب " ، و " عليم " ، و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( توب ) ، ( علم ) ، ( حكم ) .

التدبر :

وقفة
[15] ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ القلوب التي لا تغيظها إساءة الفجرة, قلوب باردة بلهاء.
وقفة
[15] املأ قلبك غيظًا على الطغاة، فسيأتي وعد الله: ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾.
وقفة
[15] ﴿وَيَتُوبُ﴾ فتح الله للكفار باب التوبة بعد هزيمتم؛ لعلهم يرجعون إلى الحق.
وقفة
[15] ﴿وَيَتُوبُ اللَّـهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ﴾ كان القياس أن يقول: (ويتب) عطفًا على ما قبلها من الأفعال المجزومة: (يخزهم، ينصركم، يشف، يذهب) لأن (يتوب) هي للكفار، فلم يرد المساواة بين المؤمنين والكافرين في جواب الشرط.
تفاعل
[15] ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ ادعُ الله الآن أن يتوب عليك.
وقفة
[15] التذييل بجملة: ﴿وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ لإفادة أن الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم، وأنه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة، فوجب على الناس امتثال أوامره.

الإعراب :

  • ﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ:
  • ويذهب: معطوفة بالواو على «يعذب» وتعرب إعرابها والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. غيظ: مفعول به منصوب بالفتحة. قلوب: مضاف اليه مجرور بالكسرة و «هم»: ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ وَيَتُوبُ اللَّهُ:
  • الواو: استئنافية. يتوب: فعل مضارع مرفوع للتجرد بالضمة. الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
  • ﴿ عَلى مَنْ يَشاءُ:
  • جار ومجرور متعلق بيتوب: من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى. يشاء: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل:ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «يَشاءُ صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. عليم حكيم: خبران للفظ الجلالة مرفوعان بالضمة. '

المتشابهات :

التوبة: 15﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّـهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
التوبة: 27﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّـهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [15] لما قبلها :     5- إذهاب غيظ قلوب المسلمين بقتل المشركين، قال تعالى:
﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

ويذهب:
وقرئ:
ويذهب، فعل لازم، و «غيظ» فاعل، وهى قراءة فرقة.
ويتوب:
قرئ:
1- بالرفع، وهى قراءة الجمهور.
2- بالنصب، وهى قراءة زيد بن على، والأعرج، وابن أبى إسحاق، وغيرهم.

مدارسة الآية : [16] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا ..

التفسير :

[16] مِن سنة الله الابتلاء، فلا تظنوا يا معشر المؤمنين أن يترككم الله دون اختبار؛ ليعلم الله علماً ظاهراً للخلق الذين أخلصوا في جهادهم، ولم يتخذوا غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء. والله خبير بجميع أعمالكم ومجازيكم بها.

يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد ما أمرهم بالجهاد‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا‏}‏ من دون ابتلاء وامتحان، وأمر بما يبين به الصادق والكاذب‏.‏ ‏{‏وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ علما يظهر مما في القوة إلى الخارج، ليترتب عليه الثواب والعقاب، فيعلم الذين يجاهدون في سبيله‏:‏ لإعلاء كلمته ‏{‏وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً‏}‏ أي‏:‏ وليا من الكافرين، بل يتخذون اللّه ورسوله والمؤمنين أولياء‏.‏ فشرع اللّه الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين اللّه، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ يعلم ما يصير منكم ويصدر، فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما أنتم عليه، ويجازيكم على أعمالكم خيرها وشرها‏.‏

و «أم» هنا للاستفهام الإنكارى. وحسب- كما يقول الراغب- مصدره الحسبان وهو أن يحكم الشخص لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله، فيحسبه ويعقد عليه الأصابع، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك. ويقارب ذلك الظن، لكن الظن أن يخطر النقيضان بباله فيغلب أحدهما على الآخر .

والواو في قوله: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ ... حالية، ولَمَّا للنفي مع توقع الحصول، ونفى العلم هنا مجاز عن نفى التبيين والإظهار والتمييز.

وقوله: وَلِيجَةً أى، بطانة ومداخلة. من الولوج في الشيء أى الدخول فيه.

يقال: ولج يلج ولوجا إذا دخل. وكل شيء أدخلته في شيء ولم يكن منه فهو وليجة.

والمراد بالوليجة هنا: البطانة من المشركين الذين يطلعون على أسرار المؤمنين ويداخلونهم في أمورهم.

قال ابن جرير: قوله: وَلِيجَةً هو الشيء يدخل في آخر غيره. يقال منه: ولج فلان في كذا يلجه فهو وليجة. وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين، نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء يفشون إليهم أسرارهم .

والمعنى: أحسبتم- أيها المؤمنون- أن تتركوا دون أن تؤمروا بقتال المشركين، والحال أن الله- تعالى- لم يظهر الذين جاهدوا منكم بإخلاص ولم يتخذوا بطانة من أعدائكم.. ممن جاهدوا منكم بدون إخلاص؟

لا. أيها المؤمنون، إن كنتم حسبتم ذلك فهو حسبان باطل، لأن سنة الله قد اقتضت أن يميز المخلص في جهاده من غيره، وأن يجعل من حكم مشروعية الجهاد الامتحان والتمحيص.

قال ابن كثير: والحاصل أنه- تعالى- لما شرع الجهاد لعباده، بين أن له فيه حكمة وهو اختبار عبيده من يطيعه ممن يعصيه، وهو- تعالى- العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فيعلم الشيء قبل كونه ومع كونه على ما هو عليه، لا إله إلا هو ولا رب سواه، ولا راد لما قدره وأمضاه» .

وقوله تعالى. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ بيان لشمول علمه- سبحانه لجميع شئون خلقه.

أى: والله- تعالى- خبير بجميع أعمالكم، مطلع على نياتكم، فأخلصوا له العمل والطاعة، لتنالوا ثوابه ورضاه وعونه.

وبذلك نرى السورة الكريمة من أولها إلى هنا قد أعلنت براءة الله ورسوله من عهود المشركين، وأعطتهم مهلة يتدبرون خلالها أمرهم، وأمرت المؤمنين بعد هذه المهلة- أن يقتلوا المشركين حيث وجدوهم.. ثم ساقت الأسباب التي تدعو إلى مجاهدتهم، والفوائد التي تترتب على هذه المجاهدة، والحكم التي من أجلها شرعت هذه المجاهدة.

ثم أخذت السورة بعد ذلك في إعلان حكم آخر يتعلق بتعمير مساجد الله، فبينت أنه يحرم على المشركين أن يعمروا مساجد الله، وأن المستحقين لذلك هم المؤمنون الصادقون، فقال- تعالى-:

يقول تعالى : ( أم حسبتم ) أيها المؤمنون أن نترككم مهملين ، لا نختبركم بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب ؟ ولهذا قال : ( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) أي : بطانة ودخيلة ، بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله ، فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر ، كما قال الشاعر :

وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني

وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى : ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ العنكبوت : 1 - 3 ] وقال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ آل عمران : 142 ] وقال تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) [ آل عمران : 179 ] .

والحاصل أنه تعالى لما شرع الجهاد لعباده ، بين أن له فيه حكمة ، وهو اختبار عبيده : من يطيعه ممن يعصيه ، وهو تعالى العالم بما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؟ فيعلم الشيء قبل كونه ، ومع كونه على ما هو عليه ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه ، ولا راد لما قدره وأمضاه .

القول في تأويل قوله : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين, الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ، الآية, حاضًّا على جهادهم: (أم حسبتم)، أيها المؤمنون (9) = أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به, فيعرف الصادقَ منكم في دينه من الكاذب فيه =(ولما يعلم الله الذين جاهدوا)، يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله, من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين (10) =(ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله)، يقول: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم, والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين =(وليجة).

* * *

= هو الشيء يدخل في آخر غيره, يقالُ منه: " ولج فلان في كذا يلجِه، فهو وليجة ". (11)

* * *

وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم =(والله خبير بما تعملون)، يقول: والله ذو خبرة بما تعملون، (12) من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه, لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم, والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.

* * *

وبنحو الذي قلت في معنى " الوليجة "، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16548- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولا المؤمنين وليجة)، يتولّجها من الولاية للمشركين.

16549- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع: (وليجة)، قال: دَخَلا.

16550- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قوله: (أم حسبتم أن تتركوا)، إلى قوله: (وليجة)، قال: أبي أن يدعهم دون التمحيص. وقرأ: ( " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ "، وقرأ: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ )، [سورة آل عمران : 142] ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، الآيات كلها, (13) [سورة البقرة 214] أخبرهم أن لا يتركهم حتى يمحِّصهم ويختبرهم. وقرأ: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، لا يختبرون وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ، [سورة العنكبوت: 1 - 3]، أبى الله إلا أن يمَحِّص.

16551- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (وليجة)، قال: هو الكفر والنفاق = أو قال أحدَهما.

* * *

وقيل: (أم حسبتم)، ولم يقل: " أحسبتم ", لأنه من الاستفهام المعترض في وسط الكلام, فأدخلت فيه " أم " ليفرَّق بينه وبين الاستفهام المبتدأ. وقد بينت نظائر ذلك في غير موضع من الكتاب. (14)

-----------------

الهوامش :

(9) انظر تفسير " حسب " فيما سلف 12 : 388 ، تعليق 3 : والمراجع هناك .

(10) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص : 77 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(11) في المخطوطة : " ولج في فلان كذا " ، والذي في المطبوعة أجود .

(12) انظر تفسير " خبير " فيما سلف من فهارس اللغة ( خبر ) .

(13) صدر هذه الآية ، لم يكن في المخطوطة ولا المطبوعة ، كان بدؤها " ولم يأتكم . . . " .

(14) انظر ما سلف في تفسير " أم " 2 : 492 - 494 / 3 : 97 / 4 : 287 ، 288 ، ثم انظر معاني القرآن للفراء 1 : 426 .

التدبر :

وقفة
[16] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا ...﴾ الجنة أغلى مما تظن! تُريدينَ إدراكَ المعالي رَخِيصةً ... ولا بُدَّ دونَ الشَهْدِ من إبرِ النَّحْلِ
وقفة
[16] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا ...﴾ لا بُدَّ من ابتلاءاتٍ وامتحاناتٍ من اللهِ تبيِّن هل أنت صادقٌ في إيمانِكَ أم لا؟
وقفة
[16] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا ...﴾ شرع الله الجهاد؛ ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين الله من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان.
وقفة
[16] لن يترك الله أمة تنتصر إلا بدمها ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا ...﴾.
وقفة
[16] لو لم يكن للباطل صولة لما امتاز الخبيث من الطيب، والله يقول: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[16] ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ تحكيم غير الشريعة جريمة! قال ابن القيم: «وَلَا وَلِيجَةَ أَعْظَمُ مِمَّنْ جَعَلَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ مُخْتَارًا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ سَائِرِ الْأُمَّةِ, يُقَدِّمُهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ, وَيَعْرِضُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى قَوْلِهِ فَمَا وَافَقَهُ مِنْهَا قَبِلَهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِهِ، وَمَا خَالَفَهُ مِنْهَا تَلَطَّفَ فِي رَدِّهِ وَتَطَلَّبَ لَهُ وُجُوهَ الْحِيَلِ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ وَلِيجَةً فَلَا نَدْرِي مَا الْوَلِيجَةُ».
عمل
[16] احذر اتخاذ بطانة من أعداء الدين ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[16] ﴿وَلِيجَةً﴾ كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والوليجة هي بطانة من المشركين يتخذها المسلمون ويفشون إليهم أسرارهم، انظروا حولكم، مَنْ مِن المسلمين يرتكب هذه الجريمة؟!

الإعراب :

  • ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ:
  • أم: هنا منقطعة وهي حرف عطف والهمزة فيها تفيد التوبيخ.حسب: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ أَنْ تُتْرَكُوا:
  • أن: حرف مصدري ناصب. تتركوا: فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. وأن وما تلاها: بتأويل مصد سدّ مسدّ مفعولي «حَسِبْتُمْ».
  • ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ:
  • لواو: عاطفة. لما: حرف نفي وجزم وقلب بمعنى:التوقع وتختلف عن «لم» في أنّ نفيها مستمر حتى زمن التكلم. يعلم: فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه سكون آخره حرك بالكسر لالتقاء الساكنين.الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. وجملة «تُتْرَكُوا» صلة «أَنْ» المصدرية لا محل لها.
  • ﴿ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به: جاهدوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. منكم:جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «الَّذِينَ» وجملة «جاهَدُوا» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُوا:
  • الجملة: معطوفة بالواو على «جاهَدُوا» لا محل لها لأنّها صلة الموصول أيضا بتقدير: المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة أي بطانة. وحاشا لله أن يجهل شيئا وسياق القول المراد به أنّ نفي العلم يراد نفي المعلوم. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يتخذوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.
  • ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ:
  • جار ومجرور متعلق بيتخذوا أو في محل نصب حال من «وَلِيجَةً» لأنه صفة مقدمة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة ولا: الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي. رسول: معطوف على لفظ الجلالة مجرور بالكسر والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة.
  • ﴿ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً:
  • ولا: أعربت. المؤمنين: مجرور بالاضافة ايضا وعلامة جره: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. وليجة: أي بطانة: مفعول به ليتخذوا منصوب بالفتحة. المنونة
  • ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ:
  • الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. خبير: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. بما: جار ومجرور متعلق بخبير و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. تعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «تَعْمَلُونَ» صلة الموصول لا محل لها والعائد الى الموصول: ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير: بما تعملونه ويجوز أن تكون «ما» مصدرية وفي هذه الحالة تكون «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالباء بتقدير: والله خبير بعملكم. وجملة «تَعْمَلُونَ» صلة «ما» المصدرية لا محل لها من الاعراب. '

المتشابهات :

البقرة: 214﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم
آل عمران: 142﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
التوبة: 16﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [16] لما قبلها :     ولما كانت الآيات المُتقَدِّمة مُرغِّبةً في الجهادِ؛ جاء هنا مَزيدُ بَيانٍ في التَّرغيبِ
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

تعملون:
1- بالتاء على الخطاب، وهى قراءة الجمهور.
وقرئ:
2- بالياء، على الغيبة، وهى قراءة الحسن، ويعقوب.

مدارسة الآية : [17] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ ..

التفسير :

[17] ليس من شأن المشركين إعمارُ بيوت الله، وهم يعلنون كفرَهم بالله ويجعلون له شركاء. هؤلاء المشركون بطلت أعمالهم يوم القيامة، ومصيرهم الخلودُ في النار.

يقول تعالى:( مَا كَانَ ) أي:ما ينبغي ولا يليق ( لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ) بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات، والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر بشهادة حالهم وفطرهم، وعلم كثير منهم أنهم على الكفر والباطل.

فإذا كانوا ( شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) وعدم الإيمان، الذي هو شرط لقبول الأعمال، فكيف يزعمون أنهم عُمَّارُ مساجد اللّه، والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟!!.

ولهذا قال:( أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) أي:بطلت وضلت ( وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) .

قال الجمل: وسبب نزول هذه الآية أن جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر، منهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيرونهم بالشرك. وجعل على بن أبى طالب يوبخ العباس بسبب قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم.

فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقيل له: وهل لكم محاسن؟

قال: نعم. ونحن أفضل منكم. إنا لنعمر المسجد الحرام. ونحجب الكعبة- أى نخدمها-، ونسقى الحجيج، ونفك العاني- أى الأسير- فنزلت هذه الآية .

وقال صاحب المنار: والمراد أن هذه الآية تتضمن الرد على ذلك القول الذي كان يقوله ويفخر به العباس وغيره من كبراء المشركين، لا أنها نزلت عند ما قال ذلك القول لأجل الرد عليه في أيام بدر من السنة الثانية من الهجرة، بل نزلت في ضمن السورة بعد الرجوع من غزوة تبوك كما تقدم .

وقوله: يَعْمُرُوا من العمارة التي هي نقيض الخراب. يقال: عمر فلان أرضه يعمرها عمارة إذا تعهدها بالخدمة والإصلاح والزراعة.

والمراد بعمارة المساجد، هنا: ما يشمل إقامة العبادة فيها، وإصلاح بنائها وخدمتها، ونظافتها، واحترامها، وصيانتها عن كل مالا يتناسب مع الغرض الذي بنيت من أجله.

وقوله: مَساجِدَ اللَّهِ قرأ أبو عمرو وابن كثير مسجد الله بالإفراد، فيكون المراد به المسجد الحرام: لأنه أشرف المساجد في الأرض، ولأنه قبلة المساجد كلها..

فلا يجوز للمشركين دخوله أو الخدمة فيه.

وقرأ الجمهور مَساجِدَ اللَّهِ بالجمع، فيكون المراد من المساجد جميعها لأنها جمع مضاف في سياق النفي فيعم سائر المساجد، ويدخل فيها المسجد الحرام دخولا أوليا، لأن تعميره مناط افتخارهم، وأهم مقاصدهم. وهذه القراءة آكد في النفي، لأن نفى الجمع يدل على النفي عن كل فرد، فيلزم نفيه عن الفرد المعين بطريق الكناية، كما لو قلت: فلان لا يقرأ كتب الله، فإن قولك هذا أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك.

قوله: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ حال من الواو في قوله يَعْمُرُوا.

وفائدة المجيء بهذه الجملة: الإشعار بأن كفرهم كفر صريح، وأنهم يعترفون به اعترافا لا يملكون إنكاره، ولا يسعهم إلا إقراره.

والمعنى: لا ينبغي ولا يصح للمشركين أن يعمروا مساجد الله التي بنيت لعبادته وحده سبحانه. وذلك لأن هؤلاء المشركين قد شهدوا على أنفسهم بالكفر شهادة نطقت بها ألسنتهم، وأيدتها أعمالهم.

فهم لا ينطقون بكلمة التوحيد، وإنما ينطقون بالكفر والإشراك. وهم لا يعملون أعمال المؤمنين، وإنما يعملون الأعمال القبيحة التي تدل على إصرارهم على باطلهم كسجودهم للأصنام عقب الطواف بالكعبة.

قال الفخر الرازي: وذكروا في تفسير هذه الشهادة وجوها:

الأول- وهو الأصح: أنهم أقروا على أنفسهم بعبادة الأوثان، وتكذيب القرآن، وإنكار نبوة محمد- عليه الصلاة والسلام- وكل ذلك كفر فمن يشهد على نفسه بكل هذه الأشياء فقد شهد على نفسه بما هو كفر في نفس الأمر، وليس المراد أنهم شهدوا على أنفسهم بأنهم كفرة.

الثاني. قال السدى: شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو أن يقول عابد الوثن أنا عابد الوثن.

الثالث: أنهم كانوا يطوفون عراة وكلما طافوا شوطا سجدوا للأصنام. وكانوا يقولون:

لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك .

ثم بين- سبحانه: في ختام الآية سوء عاقبتهم فقال أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ:

أى: أولئك المشركون الشاهدون على أنفسهم بالكفر قد فسدت أعمالهم التي كانوا يفتخرون بها مثل العمارة والحجابة والسقاية لأنها مع الكفر لا قيمة لها، وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ يوم القيامة بسبب كفرهم وإصرارهم على باطلهم.

يقول تعالى : ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له . ومن قرأ : " مسجد الله " فأراد به المسجد الحرام ، أشرف المساجد في الأرض ، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده لا شريك له . وأسسه خليل الرحمن هذا ، وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر ، أي : بحالهم وقالهم ، كما قال السدي : لو سألت النصراني : ما دينك ؟ لقال : نصراني ، واليهودي : ما دينك ؟ لقال يهودي ، والصابئي لقال : صابئي ، والمشرك لقال : مشرك .

( أولئك حبطت أعمالهم ) أي : بشركهم ، ( وفي النار هم خالدون ) كما قال تعالى : ( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ الأنفال : 34 ] ؛ ولهذا قال :

القول في تأويل قوله : مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر. يقول: إن المساجد إنما تعمر لعبادة الله فيها، لا للكفر به, فمن كان بالله كافرًا، فليس من شأنه أن يعمُرَ مساجد الله.

* * *

وأما شهادتهم على أنفسهم بالكفر, فإنها كما:-

16552- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر)، يقول: ما ينبغي لهم أن يعمروها. وأما(شاهدين على أنفسهم بالكفر)، فإن النصراني يسأل: ما أنت؟ فيقول: نصراني = واليهودي, فيقول: يهودي = والصابئ, فيقول: صابئ = والمشرك يقول إذا سألته: ما دينك؟ فيقول: مشرك ! لم يكن ليقوله أحدٌ إلا العرب.

16553- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو العنقزي, عن أسباط, عن السدي: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله)، قال: يقول: ما كان ينبغي لهم أن يعمروها.

16554- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو, عن أسباط, عن السدي: (شاهدين على أنفسهم بالكفر)، قال: النصراني يقال له: ما أنت؟ فيقول: نصراني = واليهودي يقال له: ما أنت؟ فيقول: يهودي = والصابئ يقال له: ما أنت؟ فيقول: صابئ.

* * *

وقوله: (أولئك حبطت أعمالهم)، يقول: بطلت وذهبت أجورها, لأنها لم تكن لله بل كانت للشيطان (15) =(وفي النار هم خالدون)، يقول: ماكثون فيها أبدًا, لا أحياءً ولا أمواتًا. (16)

* * *

واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله)، فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: ( مساجد الله ) ، على الجماع. (17)

* * *

وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: (مَسْجِدَ اللهِ)، على التوحيد, بمعنى المسجد الحرام.

* * *

قال أبو جعفر: وهم جميعًا مجمعون على قراءة قوله: (18) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ، على الجماع, لأنه إذا قرئ كذلك، احتمل معنى الواحد والجماع, لأن العرب قد تذهب بالواحد إلى الجماع، وبالجماع إلى الواحد, كقولهم: " عليه ثوب أخلاق ". (19)

-----------------------

الهوامش :

(15) انظر تفسير " حبط " فيما سلف 113 : 116 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(16) انظر تفسير " الخلود " فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .

(17) في المطبوعة : " على الجمع " ، وأثبت ما في المخطوطة ، في هذا الموضوع ما يليه جميعا .

(18) يعني أبو جعفر أن جميع القرأة مجمعون على قراءة الآية التالية : " إنما يعمر مساجد الله " ، على الجماع ، بلا خلاف بينهم في ذلك ولذلك زدت تمام الآية ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : " مساجد الله " ، دون : " إنما يعمر " .

(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 426 ، 427 .

التدبر :

وقفة
[17] سبب نزول الآية: أن جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر، ومنهم العباس بن عبد المطلب، فجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس بسبب قتال رسول الله وقطيعة الرحم، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة -أي نخدمها-، ونسقي الحجيج، ونفك العاني (الأسير)، فنزلت هذه الآية.
لمسة
[17] ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ استعمل صيغة الجمع في (مَسَاجِدَ)؛ لأنه أريد بها المساجد العامة ليوم القيامة، فيدخل فيه المسجد الحرام، هم ليس لهم أن يعمروا المسجد الحرام ولا سائر المساجد لا حق لهم في ولوجها.
وقفة
[17] ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ ليس بعد الكفر ذنب، وليس مع الكفر حسنة!
تفاعل
[17] ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ:
  • ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض تام مبني على الفتح بمعنى: ما صح أو ما ينبغي له ما استقام. للمشركين: جار ومجرور متعلق بكان وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته.
  • ﴿ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ:
  • أن: حرف مصدري ناصب. يعمروا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه: حذف النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. مساجد: مفعول به منصوب بالفتحة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة وجملة «يَعْمُرُوا» صلة «أَنْ» لا محل لها و «أَنْ» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «كانَ».
  • ﴿ شاهِدِينَ:
  • حال من واو الجماعة في «يَعْمُرُوا» منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين والحركة في المفرد.
  • ﴿ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ:
  • جار ومجرور متعلق بشاهدين. و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. بالكفر: جار ومجرور متعلق بشاهدين.
  • ﴿ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ:
  • أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف: حرف خطاب. حبط: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. أعمال: فاعل مرفوع بالضمة.و«هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة وجملة «حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» في محل رفع خبر «أُولئِكَ».
  • ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ:
  • الواو: عاطفة. في النار: جار ومجرور متعلق بخبر ثان لأولئك. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. خالدون: خبر «هُمْ» مرفوع بالواو: لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد والجملة الاسمية «هُمْ خالِدُونَ» في محل نصب حال بمعنى: وبعد موتهم يخلدون في النار. '

المتشابهات :

آل عمران: 22﴿ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
البقرة: 217﴿فَـ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
التوبة: 17﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّـهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ
التوبة: 69﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

أسباب النزول :

  • قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أن يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا أُسِرَ العَبّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ أقْبَلَ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ يُعَيِّرُونَهُ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ وقَطِيعَتِهِ الرَّحِمَ، وأغْلَظَ عَلِيٌّ لَهُ القَوْلَ. فَقالَ لَهُ العَبّاسُ: ما لَكم تَذَكُرُونَ مَساوِئَنا ولا تَذْكُرُونَ مَحاسِنَنا ؟ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ: ألَكم مَحاسِنُ ؟ قالَ: نَعَمْ، إنّا لَنَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَحْجُبُ الكَعْبَةَ، ونَسْقِي الحاجَّ، ونَفُكُّ العانِيَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ رَدًّا عَلى العَبّاسِ: ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أن يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ﴾ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [17] لما قبلها :     وبعد ذكرِ البراءة مِن المُشركينَ، وذكرِ بعض فضائِحِهم التي تُوجِب تلك البراءةَ؛ افتخرَ بعضُهم بأنَّهم موصوفونَ بصِفاتٍ حَميدةٍ، منها: أنهم يتولَّون عمارة المسجد الحرام، والقيام على شئونه، مثل: سقاية الحجيج، وخدمة البيت وغير ذلك؛ فبَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا حرمةَ مشاركتهم في عمارةِ مساجدِ اللهِ، قال تعالى:
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

يعمروا:
وقرئ:
يعمروا، بضم الياء وكسر الميم أي: يعينوا على عمارتها، وهى قراءة ابن السميفع.
مساجد:
قرئ:
1- مسجد، بالإفراد، وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، والجحدري.
2- مساجد، بالجمع، وهى قراءة باقى السبعة.
شاهدين:
وقرئ:
شاهدون، على إضمار «هم» ، وهى قراءة زيد بن على.
أنفسهم:
وقرئ:
أنفسهم، بفتح الفاء، أي أشرفهم وأجلهم قدرا.
خالدون:
وقرئ:
خالدين، بالياء، نصبا على الحال، و «فى النار» الخبر، وهى قراءة زيد بن على.

مدارسة الآية : [18] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ ..

التفسير :

[18] لا يعتني ببيوت الله ويعمرها إلا الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ولا يخافون في الله لومة لائم، هؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى الحق.

ثم ذكر من هم عمار مساجد اللّه فقال:( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ ) الواجبة والمستحبة، بالقيام بالظاهر منها والباطن.

( وَآتَى الزَّكَاةَ ) لأهلها ( وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ ) أي قصر خشيته على ربه، فكف عما حرم اللّه، ولم يقصر بحقوق اللّه الواجبة.

فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية اللّه التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها.

( فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) و « عسى » من اللّه واجبة. وأما من لم يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية للّه، فهذا ليس من عمار مساجد اللّه، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه.

ثم بين. سبحانه. أن المؤمنين الصادقين هم الجديرون بعمارة مساجد الله، فقال: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ.

أى: ليس المشركون أهلا لعمارة مساجد الله وإنما الذين هم أهل لذلك المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله إيمانا حقا، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، وآمنوا بما فرضه الله عليهم من فرائض فأدوها بالكيفية التي أرشدهم إليها نبيهم صلى الله عليه وسلم فهم في صلاتهم خاشعون وللزكاة معطون بسخاء وإخلاص.

وهم بجانب ذلك لا يخشون أحدا إلا الله في تبليغ ما كلفوا بتبليغه من أمور الدين ولا يقصرون في العمل بموجب أوامر الله ونواهيه.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا ذكر الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: لما علم وشهر أن الإيمان بالله قرينته الإيمان بالرسول. عليه الصلاة والسلام. لاشتمال كلمة الشهادة والأذان والإقامة وغيرها عليهما مقترنين كأنهما شيء واحد.. انطوى تحت ذكر الإيمان بالله.

تعالى. الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن قلت: كيف قال: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها.

قلت: هي الخشية والتقوى في أبواب الدين، وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف: وإذا اعترض أمران: أحدهما حق الله والآخر حق نفسه، آثر حق الله على حق نفسه .

وقوله- تعالى- فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ تذييل قصد به حسن عاقبة المؤمنين الصادقين.

أى: فعسى أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة من الإيمان بالله واليوم الآخر.. أن يكونوا من المهتدين إلى الجنة وما أعد فيها من خير عميم، ورزق كبير.

قال الآلوسى: وإبراز اهتدائهم لذلك- مع ما بهم من تلك الصفات الجليلة- في معرض التوقع، لحسم أطماع الكافرين عن الوصول إلى مواقف الاهتداء لأن هؤلاء المؤمنين. وهم من هم. إذا كان أمرهم دائرا بين لعل وعسى فكيف يقطع المشركون. وهم بيت المخازي والقبائح. أنهم مهتدون؟!.

وفيه قطع اتكال المؤمنين على أعمالهم، وإرشادهم إلى ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء .

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى:

1- أن أعمال البر الصادرة عن المشركين. كإطعام الطعام، وإكرام الضيف.. إلخ.

لا وزن لها عند الله، لاقترانها بالكفر والإشراك به- سبحانه-.

قال. تعالى.: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً .

2- أن عمارة مساجد الله من حق المؤمنين وحدهم، أما المشركون فإنهم لا يصح منهم ذلك بسبب كفرهم ونجاستهم.

قال الجمل. لا يصح للمشركين أن يعمروا مساجد الله بدخولها والقعود فيها. فإذا دخل الكافر المسجد بغير إذن من مسلم عزّر، وإن دخل بإذنه لم يعزر لكن لا بد من حاجة.

فيشترط للجواز الإذن والحاجة. ويدل على جواز دخول الكافر المسجد بالإذن أن النبي صلى الله عليه وسلم شد ثمامة بن أثال إلى سارية من سوارى المسجد وهو كافر .

3- التنويه بشأن بناء المساجد، والتعبد فيها، وإصلاحها، وخدمتها، وتنظيفها، والسعى إليها، واحترامها، وصيانتها عن كل ما يتنافى مع الغرض الذي بنيت من أجله، وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى، ومن ذلك: ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عثمان بن عفان. رضى الله عنه. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجدا يبتغى به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة» .

وروى الشيخان. أيضا. عن أبى هريرة. رضى الله عنه. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من غدا إلى المسجد أو راح- أى سار قبل الزوال أو بعده لعبادة الله في المسجد- أعد الله له نزلا- أى مكانا طيبا في الجنة- كلما غدا أو راح» .

وروى الترمذي عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان» قال الله. تعالى-: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.. الآية.

وروى أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة أو ينشد فيه شعر» . وروى مسلم في صحيحه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى. وقراءة القرآن» .

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت بشأن المساجد.

ثم بين. سبحانه. بعد ذلك أنه لا يصلح أن يسوى بين هؤلاء المشركين- لمجرد سقايتهم الحجاج وعمارتهم المسجد الحرام. وبين المؤمنين الصادقين المجاهدين في سبيل الله لإعلاء كلمته فقال- سبحانه-:

( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) فشهد تعالى بالإيمان لعمار المساجد ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا سريج حدثنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ؛ أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ؛ قال الله تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر )

ورواه الترمذي ، وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب ، به .

وقال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا صالح المري ، عن ثابت البناني ، عن ميمون بن سياه ، وجعفر بن زيد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما عمار المساجد هم أهل الله .

ورواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عبد الواحد بن غياث ، عن صالح بن بشير المري ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما عمار المساجد هم أهل الله ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت غير صالح .

وقد روى الدارقطني في الأفراد من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار ، عن أبيها ، عن أخيه مالك بن دينار ، عن أنس مرفوعا : إذا أراد الله بقوم عاهة ، نظر إلى أهل المساجد ، فصرف عنهم . ثم قال : غريب .

وروى الحافظ البهاء في المستقصى ، عن أبيه بسنده إلى أبي أمية الطرسوسي : حدثنا منصور بن صقير ، حدثنا صالح المري ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا : يقول الله : وعزتي وجلالي ، إني لأهم بأهل الأرض عذابا ، فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في ، وإلى المستغفرين بالأسحار ، صرفت ذلك عنهم . ثم قال ابن عساكر : حديث غريب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، حدثنا العلاء بن زياد ، عن معاذ بن جبل ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الشيطان ذئب الإنسان ، كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ، فإياكم والشعاب ، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي قال : أدركت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون : إن المساجد بيوت الله في الأرض ، وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها .

وقال المسعودي ، عن حبيب بن أبي ثابت وعدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : من سمع النداء بالصلاة ثم لم يجب ويأتي المسجد ويصلي ، فلا صلاة له ، وقد عصى الله ورسوله ، قال الله تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) الآية رواه ابن مردويه .

وقد روي مرفوعا من وجه آخر ، وله شواهد من وجوه أخر ليس هذا موضع بسطها .

وقوله : ( وأقام الصلاة ) أي : التي هي أكبر عبادات البدن ، ( وآتى الزكاة ) أي : التي هي أفضل الأعمال المتعدية إلى بر الخلائق ، ( ولم يخش إلا الله ) أي : ولم يخف إلا من الله تعالى ، ولم يخش سواه ، ( فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) يقول : من وحد الله ، وآمن باليوم الآخر يقول : من آمن بما أنزل الله ، ( وأقام الصلاة ) يعني : الصلوات الخمس ، ( ولم يخش إلا الله ) يقول : لم يعبد إلا الله - ثم قال : ( فعسى أولئك [ أن يكونوا من المهتدين ] ) يقول : إن أولئك هم المفلحون ، كقوله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ الإسراء : 79 ] يقول : إن ربك سيبعثك مقاما محمودا وهي الشفاعة ، وكل " عسى " في القرآن فهي واجبة .

وقال محمد بن إسحاق بن يسار - رحمه الله - : و " عسى " من الله حق .

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (إنما يعمر مساجد الله)، المصدِّق بوحدانية الله, المخلص له العبادة =(واليوم الآخر), يقول: الذي يصدق ببعث الله الموتى أحياءً من قبورهم يوم القيامة (20) =(وأقام الصلاة)، المكتوبة، بحدودها = وأدَّى الزكاة الواجبة عليه في ماله إلى من أوجبها الله له (21) =(ولم يخش إلا الله)، يقول: ولم يرهب عقوبة شيء على معصيته إياه، سوى الله (22) =(فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)، يقول: فخليق بأولئك الذين هذه صفتهم، أن يكونوا عند الله ممن قد هداه الله للحق وإصابة الصواب. (23)

16555- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)، يقول: من وحَّد الله، وآمن باليوم الآخر. يقول: أقرّ بما أنـزل الله =(وأقام الصلاة)، يعني الصلوات الخمس =(ولم يخش إلا الله)، يقول: ثم لم يعبد إلا الله = قال: (فعسى أولئك)، يقول: إن أولئك هم المفلحون, كقوله لنبيه: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، [سورة الإسراء: 79]: يقول: إن ربك سيبعثك مقامًا محمودًا، وهي الشفاعة, وكل " عسى "، في القرآن فهي واجبة.

16556- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم ذكر قول قريش: إنَّا أهلُ الحرم, وسُقاة الحاج, وعُمَّار هذا البيت, ولا أحد أفضل منا! فقال: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)، أي: إن عمارتكم ليست على ذلك,(إنما يعمر مساجد الله)، أي: من عمرها بحقها =(من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) = فأولئك عمارها =(فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)، و " عسى " من الله حق. (24)

-------------------------

الهوامش :

(20) انظر تفسير " اليوم الآخر " فيما سلف من فهارس اللغة ( آخر ) .

(21) انظر تفسير " إقامة الصلاة " و " إيتاء الزكاة " فيما سلف من فهارس اللغة ( قوم ) ، ( أتى ) .

(22) انظر تفسير " الخشية " فيما سلف ص : 158 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(23) انظر تفسير " عسى " فيما سلف 13 : 45 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .

= وتفسير " الاهتداء " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .

(24) الأثر : 16556 - سيرة ابن هشام 4 : 192 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16539 .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

عمل
[18] ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ﴾ امكُثْ في المسجدِ لذكرِ اللهِ قبل الصلاةِ أو بعدها، أو بين المغربِ والعشاءِ، فهذا من عمارةِ المساجد.
وقفة
[18] ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ﴾ ومن أعظم عمارتها: دروس العلم وحلق القرآن وتفقيه الناس.
وقفة
[18] ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ضعف البعض إسناد حديث: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ؛ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ» [أحمد 3/68، وضعفه الألباني]، لكن معناه صحيح، وتشهد له هذه الآية.
وقفة
[18] ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ عُمَّار المساجد الحقيقيون هم من وُصِفوا بالإيمان الصادق، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وخشية الله التي هي أصل كل خير.
وقفة
[18] ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَـٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ فبين أن عُمَّار المساجد هم الذين لا يخشون إلا الله، ومن لم يخش إلا الله فلا يرجو ويتوكل إلا عليه؛ فإن الرجاء والخوف متلازمان، والذين يحجون إلى القبور يدعون أهلها، ويتضرعون لهم، ويعبدونهم، ويخشون غير الله، ويرجون غير الله؛ كالمشركين الذين يخشون آلهتهم ويرجونها.
وقفة
[18] ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَـٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ وأَمَّا من لم يؤمن بالله ولا باليوم والآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادَّعَاه.
وقفة
[18] منطوق الآية: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، ومفهومها: من يهدم المساجد ضال لم يؤمن بالله واليوم الآخر.
وقفة
[18] ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ ليس المراد بقصر الخشية هنا على الله أنهم لا يخافون شيئًا غير الله، فإنهم قد يخافون الأسد ويخافون العدو، ولكن المعني: إذا تردد الحال بين خشية الله وخشية غيره قدموا خشية الله، فالقصر هنا عند تعارض خشيتين.
تفاعل
[18] ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ﴾ سل الله تعالى أن يرزقك الخشية؛ فإنها أجلُّ علامات الهداية.
تفاعل
[18] ﴿فَعَسَىٰ أُولَـٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ ادعُ الله الآن أن يهديك إلى الصراط المستقيم.

الإعراب :

  • ﴿ ِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ:
  • إنما: كافة ومكفوفة. يعمر: فعل مضارع مرفوع بالضمة. مساجد: مفعول به منصوب بالفتحة. الله لفظ الجلالة: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر: الكسرة بمعنى المسجد الحرام.
  • ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ:
  • من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.آمن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمن وجملة «آمَنَ» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ:
  • الواو: عاطفة. اليوم: اسم مجرور أي آمن باليوم الآخر: صفة لليوم مجرورة مثله. وأقام: معطوفة بالواو على «آمَنَ» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ:
  • الصلاة: مفعول به منصوب بالفتحة. واتى الزكاة معطوفة بالواو: على «أَقامَ الصَّلاةَ» وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل «آتَى» الفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
  • ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ:
  • الواو: عاطفة. لم: حرف نفي وجزم وقلب.يخش: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره- حرف العلة- والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. إلّا: أداة حصر لا عمل لها.الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
  • ﴿ فَعَسى أُولئِكَ:
  • الفاء: استئنافية. عسى: فعل ماض ناقص. أولاء:اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع اسم «عسى» والكاف للخطاب.
  • ﴿ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ:
  • أن: مصدرية ناصبة. يكونوا: فعل مضارع ناقص منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «يكون» والألف فارقة. من المهتدين: جار ومجرور متعلق بخبر يكون وعلامة جر. الاسم: الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. وجملة «يَكُونُوا وخبرها» صلة أَنْ» لا محل لها.و«أَنْ» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب خبر «عسى» يراجع اعراب الآية الكريمة الثانية بعد المائة. '

المتشابهات :

البقرة: 177﴿وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا
التوبة: 18﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [18] لما قبلها :     ولَمَّا بيَّنَ اللهُ عز وجل عدَمَ استحقاقِ المُشرِكينَ لِعِمارةِ مَساجِدِ اللهِ؛ ذكر هنا من يستحق، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

مساجد:
وقرئ:
1- مسجد، بالتوحيد، وهى قراءة الجحدري، وحماد بن أبى سلمة عن ابن كثير.
2- مساجد، بالجمع، وهى قراءة باقى السبعة.

مدارسة الآية : [19] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ ..

التفسير :

[19] أجعلتم -أيها القوم- ما تقومون به مِن سقي الحجيج وعِمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله؛ لأن الله لا يقبل عملاً بغير الإيمان. والله سبحانه لا يوفق لأعمال الخير القومَ ال

لما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان باللّه والجهاد في سبيله، أخبر اللّه تعالى بالتفاوت بينهما، فقال‏:‏ ‏{‏أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ‏}‏ أي‏:‏ سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم، أنه المراد ‏{‏وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏

فالجهاد والإيمان باللّه أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال‏.‏

وأما الجهاد في سبيل اللّه فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل‏.‏

وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال‏:‏ ‏{‏لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر‏.‏

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها: ما رواه مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر النبي. صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل: ما أبالى أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله. تعالى.:

أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ.. الآية وأخرج ابن جرير عن عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ..: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك. فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام. ونفك العاني، ونحجب البيت، ونسقى الحاج فأنزل الله. تعالى.: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ..

.

وقال صاحب المنار، بعد أن ساق عددا من الروايات في سبب نزول هذه الآيات.:

والمعتمد من هذه الروايات حديث النعمان لصحة سنده، وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات من كون موضوعها في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجابه. من أعمال البر الهينة المستلذة. وبين الإيمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة وهي أشق العبادات البدنية والمالية .

والسقاية والعمارة: مصدران من سقى وعمر. بتخفيف الميم.

والمراد بسقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان العباس. رضى الله عنه. هو الذي يتولى إدارة هذا العمل.

قال الجمل: السقاية هي المحل الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم. كان يشترى الزبيب فينبذ في ماء زمزم ويسقى للناس، وكان يليها العباس جاهلية وإسلاما، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم له.. ويظهر أن المراد بها هنا المصدر. أى: إسقاء الحجاج وإعطاء الماء لهم «2» .

والمراد بعمارة المسجد الحرام: ما يشمل العبادة فيه، وإصلاح بنائه، وخدمته، وتنظيفه.. كما سبق أن بينا.

والهمزة في قوله. أَجَعَلْتُمْ للاستفهام الإنكارى المتضمن معنى النهى.

والكلام على حذف مضاف، لأن العمارة والسقاية مصدران ولا يتصور تشبيههما بالأعيان، فلا بد من تقدير مضاف في أحد الجانبين حتى يتأتى التشبيه والمعنى: أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله؟ ويؤيده قراءة أجعلتم سقاة الحاج بضم السين. جمع ساق. وعمرة المسجد الحرام بفتح العين والميم جمع عامر.

وعلى هذا المعنى يكون التقدير في جانب الصفة، ويجوز أن يكون التقدير في جانب الذات فيكون المعنى. أجعلتموهما، أى السقاية والعمارة. كإيمان من آمن وجهاد من جاهد؟

والخطاب يشمل بعض المؤمنين الذين آثروا السقاية والعمارة على الجهاد كما جاء في حديث النعمان. كما يشمل المشركين الذين كانوا يتفاخرون بأنهم سقاة الحجيج، وعمار المسجد الحرام.

والمقصود من الجملة الكريمة إنكار التسوية بين العملين وبين الفريقين. وقد جاء هذا الإنكار صريحا في قوله تعالى. لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ.

أى: لا يساوى الفريق الأول الفريق الثاني في حكم الله، إذ أن الفريق الثاني له بفضل إيمانه الصادق. وجهاده الخالص الأجر الجزيل عند الله.

فالجملة الكريمة مستأنفة لتقرير الإنكار المذكور وتأكيده ثم ختم- سبحانه. الآية الكريمة بقوله. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

أى. والله تعالى. لا يوفق القوم الظالمين إلى معرفة الحق، وتمييزه من الباطل، لأنهم قد آثروا الشر على الخير والضلالة على الهداية.

قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ، قال : إن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ المؤمنون : 66 ، 67 ] يعني : أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال : ( به سامرا ) كانوا يسمرون به ، ويهجرون القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - فخير الله الإيمان والجهاد مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به إن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه .

قال الله : ( لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله " ظالمين " بشركهم ، فلم تغن عنهم العمارة شيئا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية ، قال : نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي [ الحاج ] ونفك العاني ، قال الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك .

وقال الضحاك بن مزاحم : أقبل المسلمون على العباس وأصحابه ، الذين أسروا يوم بدر ، يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ، فأنزل الله : ( أجعلتم سقاية الحاج [ وعمارة المسجد الحرام ] ) الآية .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : نزلت في علي ، والعباس - رضي الله عنهما - تكلما في ذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرت عن أبي صخر قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، ولو أشاء بت فيه . وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد . فقال علي - رضي الله عنه - : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) الآية كلها .

وهكذا قال السدي ، إلا أنه قال : افتخر علي ، والعباس ، وشيبة بن عثمان ، وذكر نحوه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن قال : نزلت في علي ، وعباس وعثمان ، وشيبة ، تكلموا في ذلك ، فقال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقيموا على سقايتكم ، فإن لكم فيها خيرا .

ورواه محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن فذكر نحوه .

وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع ، فلا بد من ذكره هاهنا ، قال عبد الرزاق :

أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير [ عن رجل ] عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رجلا قال : ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي ألا أعمل بعد الإسلام ، إلا أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا عليه . فنزلت ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( لا يستوون عند الله )

طريق أخرى : قال الوليد بن مسلم : حدثني معاوية بن سلام ، عن جده أبي سلام الأسود ، عن النعمان بن بشير الأنصاري قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي ألا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام . وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم . فزجرهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . قال : ففعل ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين )

رواه مسلم في صحيحه ، وأبو داود - وابن جرير وهذا لفظه - وابن مردويه ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه .

القول في تأويل قوله : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)

قال أبو جعفر: وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت, فأعلمهم جل ثناؤه أن الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله، لا في الذي افتخروا به من السِّدانة والسقاية. (25)

* * *

وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16557- حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثني معاوية بن سلام, عن جده أبي سلام الأسود, عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه, فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام, إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام ! وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم ! فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم = وذلك يوم الجمعة = ولكن إذا صليتُ الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال: ففعل, فأنـزل الله تبارك وتعالى: (أجعلتم سقاية الحاج) إلى قوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين). (26)

16558- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر)، قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد, لقد كنا نعمر المسجد الحرام, ونسقي الحاج, ونفك العاني ! (27) قال الله: (أجعلتم سقاية الحاج)، إلى قوله: (الظالمين)، يعني أن ذلك كان في الشرك, ولا أقبل ما كان في الشرك.

16559- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (أجعلتم سقاية الحاج)، إلى قوله: (الظالمين)، وذلك أن المشركين قالوا: عمارة بيت الله، وقيام على السقاية، خير ممن آمن وجاهد، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون، (28) من أجل أنهم أهله وعُمَّاره. فذكر الله استكبارهم وإعراضهم, فقال لأهل الحرم من المشركين: قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [سورة المؤمنون: 66، 67]، يعني أنهم يستكبرون بالحرم. وقال: بِهِ سَامِرًا ، لأنهم كانوا يسمرون، ويهجرون القرآن والنبيَّ صلى الله عليه وسلم. فخيَّر الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، على عمران المشركين البيتَ وقيامهم على السقاية. ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به، أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه. قال الله: ( لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)، يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة, فسماهم الله " ظالمين "، بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئًا.

16560- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير, عن النعمان بن بشير, أن رجلا قال: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج ! وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أعمر المسجد الحرامَ ! وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم! فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم = وذلك يوم الجمعة = ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه! فنـزلت: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام)، إلى قوله: (لا يستوون عند الله)، (29)

16561- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن عمرو, عن الحسن قال: نـزلت في علي، وعباس، وعثمان، وشيبة, تكلموا في ذلك، فقال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقيموا على سقايتكم، فإن لكم فيها خيرًا.

16562-... قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن إسماعيل, عن الشعبي قال: نـزلت في علي، والعباس, تكلما في ذلك.

16563- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرت عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار, وعباس بن عبد المطلب, وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة، أنا صاحب البيت، معي مفتاحه, لو أشاء بِتُّ فيه ! وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها, ولو أشاء بِتُّ في المسجد ! وقال علي: ما أدري ما تقولان, لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس, وأنا صاحب الجهاد ! فأنـزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام)، الآية كلها.

16564- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن قال: لما نـزلت (أجعلتم سقاية الحاج)، قال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرًا ".

16565- حدثني محمد بن الحسن قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله)، قال: افتخر علي، وعباس، وشيبة بن عثمان, فقال للعباس: أنا أفضلكم, أنا أسقي حُجَّاج بيت الله ! وقال شيبة: أنا أعمُر مسجد الله ! وقال علي: أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاهد معه في سبيل الله ! فأنـزل الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إلى: نَعِيمٌ مُقِيمٌ .

16566- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أجعلتم سقاية الحاج)، الآية, أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسرُوا يوم بدر يعيِّرونهم بالشرك, فقال العباس: أما والله لقد كنَّا نَعمُر المسجدَ الحرام, ونفُكُّ العاني, ونحجب البيتَ, ونسقي الحاج ! فأنـزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج)، الآية.

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: أجعلتم، أيها القوم، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله =(لا يستوون) هؤلاء، وأولئك, ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملا =(والله لا يهدي القوم الظالمين)، يقول: والله لا يوفّق لصالح الأعمال من كان به كافرًا ولتوحيده جاحدا.

* * *

ووضع الاسم موضع المصدر في قوله: (كمن آمن بالله)، إذ كان معلومًا معناه, كما قال الشاعر: (30)

لَعَمْـرُكَ مَـا الفِتْيَـانُ أَنْ تَنْبُـتَ اللِّحَى

وَلَكِنَّمَــا الفِتْيَـانُ كُـلُّ فَتًـى نَـدِي (31)

فجعل خبر " الفتيان "، " أن ", وهو كما يقال: " إنما السخاء حاتم، والشعر زهير ".

---------------------

الهوامش :

(25) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .

(26) الأثر : 16557 - " أحمد بن عبد الرحمن بن بكار القرشي ، الدمشقي " ، " أبو الوليد " ، شيخ الطبري ، مضى مرارا ، آخرها رقم : 11416 .

و " الوليد بن مسلم القرشي الدمشقي " ، سلف مرارا ، آخرها رقم : 9071 روى له الجماعة .

و " معاوية بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي " ، " أبو سلام الدمشقي " ، روى له الجماعة ، روى عن جده أبي سلام. مترجم في التهذيب ، والكبير 4 /1 / 335 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 383 .

و " أبو سلام الأسود " واسمه " ممطور " ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 15654 ، 15655 .

وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه ( 13 : 25 ، 26 ) ، من طريق أبي توبة ، عن معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، أنه سمع أبا سلام قال : حدثني النعمان بن بشير ، ثم رواه من طريق يحيى بن حسان ، عن معاوية ، عن زيد ، بمثله .

وذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 131 ، ونسبه لأبي داود ، ولم استطع أن عليه في السنن .

وزاد السيوطي في الدر المنثور 3 : 218 نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه .

وسيأتي بإسناد آخر رقم : 16560 ، من طريق أخرى مرسلة .

(27) " العاني " ، الأسير .

(28) في المطبوعة : " يستكبرون به " ، بزيادة " به " ، وليست في المخطوطة ، وفيها " يستكثرون " وهو خطأ .

(29) الأثر 16560 - " يحيى بن أبي كثير الطافي " ، ثقة ، روى له الجماعة ، روى عن زيد بن سلام بن أبي سلام ، وأرسل عن أبي سلام الحبشي وغيره وهذا من مرسله عن النعمان بن بشير ، أو عن أبي سلام . وقد مضى برقم: 9189 ، 11505 - 11507 .

(30) لم أعرف قائله .

(31) معاني القرآن للفراء 1 : 427 ، شرح شواهد المغني : 325 . و " الندي " ، السخي .

التدبر :

وقفة
[19] سببها أن قومًا من قريش افتخروا بسقاية الحاج، وبعمارة المسجد الحرام؛ فبين الله أن الجهاد أفضل من ذلك.
وقفة
[19] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ خدموا (ضيوف الله) وعمروا مسجده ومع ذلك حُرِموا التوفيق لشركهم! اللهم طهّر قلوبنا من الشرك.
وقفة
[19] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ عدالة القرآن لم يسلبهم امتياز السقاية والعمران, ولكن وضع الأشياء في مكانها.
وقفة
[19] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ مهما كان عملكَ الخيري فلن يقابلَ الإيمانَ باللهِ والجِهادِ في سبيلِه.
وقفة
[19] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ﴾ الجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة؛ لأن الإيمان أصل الدين، وأما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين.
وقفة
[19] الأعمال الصالحة لا تنفع مع عدم وجود التوحيد الخالص ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[19] ما أعظم فضل الإيمان والجهاد! ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾.
وقفة
[19] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ظالمين بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئًا.
وقفة
[19] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ مهما بلغ عملك الخيري والتطوعي؛ فلن يجاري أبدًا الإيمان بالله والجهاد في سبيله.
وقفة
[19] ﴿كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ﴾ لا بد من اقتران العمل الصالح بالإيمان.
تفاعل
[19] ﴿وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ استعذ بالله الآن أن تكون من الظالمين.
وقفة
[19] الضلال والخيبة وعدم الهداية مصير كل ظالم ﴿ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا﴾ [نوح: 24]، ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: 111].

الإعراب :

  • ﴿ أَجَعَلْتُمْ:
  • الهمزة: همزة إنكار بلفظ استفهام. جعلتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور.
  • ﴿ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ:
  • سقاية: مفعول به أول منصوب بالفتحة. الحاج: مضاف اليه مجرور بالكسرة وعمارة المسجد معطوفة بالواو على «سِقايَةَ الْحاجِّ» وتعرب إعرابها والتقدير: أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد وقد حذف المضاف الذي لا بد منه لأن كلمتي: السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر.
  • ﴿ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ:
  • الحرام: صفة- نعت- للمسجد مجرورة أيضا وعلامة الجر الكسرة. كمن: الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب مفعول به ثان لجعلتم يفيد التشبيه. من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالاضافة بتقدير كإيمان من. آمن: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وجملة «آمَنَ» صلة الموصول.
  • ﴿ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بآمن. واليوم:معطوف بالواو: على لفظ الجلالة ويعرب اعرابه بتقدير وباليوم. الآخر: صفة لليوم مجرورة مثله.
  • ﴿ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
  • معطوفة بالواو: على «آمَنَ» وتعرب إعرابها. في سبيل: جار ومجرور متعلق بجاهد. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ:
  • لا: نافية لا عمل لها. يستوون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة جواب للاستفهام «أَجَعَلْتُمْ» أي كلا لا تستوي السقاية والعمارة أو إنكار أن تكون المساواة بين المشركين والمؤمنين. عند: ظرف مكان متعلق بيستوون منصوب بالفتحة. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ الواو: استئنافية. الله لفظ الجلالة: مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. لا: نافية لا عمل لها. يهدي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
  • الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
  • ﴿ القوم: مفعول به منصوب بالفتحة. الظالمين: صفة- نعت- للقوم منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته. والجملة الفعلية «لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» في محل رفع خبر المبتدأ «لفظ الجلالة». '

المتشابهات :

البقرة: 258﴿فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
آل عمران: 86﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
التوبة: 19﴿لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
التوبة: 109﴿خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الصف: 7﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الجمعة: 5﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو إسْحاقَ الثَّعالِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامِدٍ الوَزّانُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُنادِي، قالَ: أخْبَرَنا أبُو داوُدَ سُلَيْمانُ بْنُ الأشْعَثِ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ الحَلَبِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ سَلّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلّامٍ، عَنْ أبِي سَلّامٍ قالَ: حَدَّثَنا النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ رَجُلٌ: لا أُبالِي ألّا أعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ أنْ أسْقِيَ الحاجَّ. وقالَ الآخَرُ: ما أُبالِي ألّا أعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ أنْ أعْمُرَ المَسْجِدَ الحَرامَ. وقالَ آخَرُ: الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ أفْضَلُ مِمّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهم عُمَرُ وقالَ: لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - وهو يَوْمُ الجُمُعَةِ - ولَكِنِّي إذا صَلَّيْتُ دَخَلْتُ فاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَفَعَلَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ .رَواهُ مُسْلِمٌ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الحُلْوانِيِّ، عَنْ أبِي تَوْبَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الوالِبِيِّ: قالَ العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونا بِالإسْلامِ والهِجْرَةِ والجِهادِ لَقَدْ كُنّا نَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَسْقِي الحاجَّ، ونَفُكُّ العانِيَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . وقالَ الحَسَنُ والشَّعْبِيُّ والقُرَظِيُّ: نَزَلَتِ الآيَةُ في عَلِيٍّ والعَبّاسِ وطَلْحَةَ بْنِ شَيْبَةَ، وذَلِكَ أنَّهُمُ افْتَخَرُوا، فَقالَ طَلْحَةُ: أنا صاحِبُ البَيْتِ، بِيَدِي مِفْتاحُهُ، ولَوْ أشاءُ بِتُّ فِيهِ، وإلَيَّ ثِيابُ بَيْتِهِ. وقالَ العَبّاسُ: أنا صاحِبُ السِّقايَةِ والقائِمُ عَلَيْها. وقالَ عَلِيٌّ: ما أدْرِي ما تَقُولانِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ سِتَّةَ أشْهُرٍ قَبْلَ النّاسِ، وأنا صاحِبُ الجِهادِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. وقالَ ابْنُ سِيرِينَ ومُرَّةُ الهَمْدانِيُّ: قالَ عَلِيٌّ لِلْعَبّاسِ: ألا تُهاجِرُ ؟ ألا تَلْحَقُ بِالنَّبِيِّ ﷺ ؟ فَقالَ: ألَسْتُ في شَيْءٍ أفْضَلَ مِنَ الهِجْرَةِ ؟ ألَسْتُ أسْقِي حاجَّ بَيْتِ اللَّهِ، وأعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. ونَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وجاهَدُوا﴾ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [19] لما قبلها :     وبعدَ تحريمِ مشاركةِ المشركينَ في عمارةِ مساجدِ اللهِ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا أن الإيمانَ والهجرةَ والجهادَ أفضلُ ممَّا كانَ يفخرُ به المشركونَ من عمارةِ المسجدِ الحرامِ وسقايةِ الحَاجّ، قال تعالى:
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

سقاية ... وعمارة:
1- سقاية ... وعمارة، مصدران، وهى قراءة الجمهور.
وقرئا:
2- سقاة ... وعمرة، جمع «ساق» ، وجمع «عامر» ، مس: رام ورماة، وصانع وصنعة، وهى قراءة ابن الزبير، والباقر، وأبى حيوة.

مدارسة الآية : [20] :التوبة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي ..

التفسير :

[20] الذين آمنوا بالله وتركوا دار الكفر قاصدين دار الإسلام، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد لإعلاء كلمة الله، هؤلاء أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون برضوانه.

ثم صرح بالفضل فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ‏}‏ بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة ‏{‏وَأَنْفُسِهِمْ‏}‏ بالخروج بالنفس ‏{‏أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم‏.‏

وقوله. الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ..» استئناف لبيان مراتب فضلهم زيادة في الرد، وتكميلا له.

أى: الَّذِينَ آمَنُوا بالله- تعالى- إيمانا حقا، وَهاجَرُوا من دار الكفر إلى دار الإيمان فرارا بدينهم، وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لإعلاء كلمة الله بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ هؤلاء الذين توفرت فيهم هذه الصفات الجليلة أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ أى: أعلى مقاما وأشرف منزلة في حكم الله وتقديره من أهل سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام ومن كل من لم يتصف بهذه الصفات الأربعة الكريمة وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد بالمال، والجهاد بالنفس.

قال الفخر الرازي. فإن قيل: لما أخبرتم أن هذه الصفات كانت بين المسلمين والكافرين. كما جاء في بعض روايات أسباب النزول. فكيف قال في وصفهم أعظم درجة مع أنه ليس للكفار درجة.

قلنا. الجواب عنه من وجوه. الأول أن هذا ورد على حسب ما كانوا يقدرون لأنفسهم من الدرجة والفضيلة عند الله، ونظيره قوله. سبحانه آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ .

الثاني: أن يكون المراد أن أولئك أعظم درجة من كل من لم يكن موصوفا بهذه الصفات، تنبيها على أنهم لما كانوا أفضل من المؤمنين الذين ما كانوا موصوفين بهذه الصفات، فبأن لا يقاسوا إلى الكفار أولى.

الثالث: أن يكون المراد أن المؤمن المجاهد المهاجر أفضل ممن على السقاية والعمارة.

والمراد منه ترجيح تلك الأعمال. ولا شك أن السقاية والعمارة من أعمال الخير، وإنما بطل ثوابها في حق الكفار بسبب كفرهم .

وقوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ أى: وأولئك الموصوفون بتلك الصفات الكريمة، هم الفائزون، بثواب الله الأعظم، وبرضائه الأسمى الذي لا يصل إليه، سواهم ممن لم يفعل فعلهم.

قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ، قال : إن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ المؤمنون : 66 ، 67 ] يعني : أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال : ( به سامرا ) كانوا يسمرون به ، ويهجرون القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - فخير الله الإيمان والجهاد مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به إن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه .

قال الله : ( لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله " ظالمين " بشركهم ، فلم تغن عنهم العمارة شيئا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية ، قال : نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي [ الحاج ] ونفك العاني ، قال الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك .

وقال الضحاك بن مزاحم : أقبل المسلمون على العباس وأصحابه ، الذين أسروا يوم بدر ، يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ، فأنزل الله : ( أجعلتم سقاية الحاج [ وعمارة المسجد الحرام ] ) الآية .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : نزلت في علي ، والعباس - رضي الله عنهما - تكلما في ذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرت عن أبي صخر قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، ولو أشاء بت فيه . وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد . فقال علي - رضي الله عنه - : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج ) الآية كلها .

وهكذا قال السدي ، إلا أنه قال : افتخر علي ، والعباس ، وشيبة بن عثمان ، وذكر نحوه .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن قال : نزلت في علي ، وعباس وعثمان ، وشيبة ، تكلموا في ذلك ، فقال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقيموا على سقايتكم ، فإن لكم فيها خيرا .

ورواه محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن فذكر نحوه .

وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع ، فلا بد من ذكره هاهنا ، قال عبد الرزاق :

أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير [ عن رجل ] عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رجلا قال : ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي ألا أعمل بعد الإسلام ، إلا أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا عليه . فنزلت ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( لا يستوون عند الله )

طريق أخرى : قال الوليد بن مسلم : حدثني معاوية بن سلام ، عن جده أبي سلام الأسود ، عن النعمان بن بشير الأنصاري قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي ألا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام . وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم . فزجرهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . قال : ففعل ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين )

رواه مسلم في صحيحه ، وأبو داود - وابن جرير وهذا لفظه - وابن مردويه ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه .

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)

قال أبو جعفر: وهذا قضاءٌ من الله بَيْن فِرَق المفتخرين الذين افتخرَ أحدهم بالسقاية, والآخرُ بالسِّدانة, والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: (الذين أمنوا) بالله، وصدقوا بتوحيده من المشركين =(وهاجروا) دورَ قومهم (32) =(وجاهدوا) المشركين في دين الله (33) =(بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله)، وأرفع منـزلة عنده، (34) من سُقَاة الحاج وعُمَّار المسجد الحرام، وهم بالله مشركون =(وأولئك)، يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم، أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا =(هم الفائزون)، بالجنة، الناجون من النار. (35)

-------------------------------

الهوامش :

(32) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 427 .

(33) انظر تفسير " هاجر " فيما سلف ص : 81 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(34) انظر تفسير " جاهد " فيما سلف ص : 163 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

= وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .

(35) انظر تفسير " الدرجة " فيما سلف : 13 : 389 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[20] ﴿إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ [الأنفال: 72]، ﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم﴾، لماذا قدم المال هنا وأخره في براءة؟ الجواب: أن آية الأنفال تقدمها ذكر الغنائم واختيارهم أخذ الفداء من الأسرى ببدر؛ فناسب تقديم إنفاق المال في سبيل الله تعالى، وآية براءة: تقدمها ذكر افتخارهم بعمارة المسجد الحرام على المجاهدين؛ فناسب تقديم الجهاد في سبيل الله على ذكر الأموال، وأنه أهم، والله أعلم.
وقفة
[20] ليس المهم من أنت بين الناس، ولكن الأهم ما درجتكَ عند الله؟ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ... أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾، ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ﴾ [آل عمران: 163].
وقفة
[20] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ من كان موصوفًا بهذه الصفات الأربعة كان أعظم درجة عند الله ممن اتصف بخدمة الكعبة والبيت الحرام، وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد في سبيل الله بالمال، والجهاد بالنفس.
تفاعل
[20] ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من الفائزين.
وقفة
[20، 21] ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ بشرى من ربهم، رحمة منه، رضوان، جنات؛ من حظي بكل ذلك حَرِيٌّ أن يكون من الفائزين، نسألك اللهم من فضلك.

الإعراب :

  • ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا:
  • ذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «آمَنُوا» أي آمنوا بالله: صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا:
  • الجملتان: معطوفتان بواوي العطف على «آمَنُوا» وتعربان إعرابها بمعنى: هاجروا هربا بدينهم من أوطانهم.
  • ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ:
  • جار ومجرور متعلق بجاهدوا.الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة. بأموال: جار ومجرور متعلق بجاهدوا و «هم»: ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالإضافة وأنفسهم: معطوفة بالواو: على «أموالهم» وتعرب إعرابها.
  • ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً:
  • أعظم: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم مرفوع بالضمة.درجة: تمييز منصوب بالفتحة. والجملة الاسمية «هم أعظم درجة» في محل رفع خبر «الَّذِينَ» أي أعظم درجة عند الله من اهل السقاية والعمارة عندكم.
  • ﴿ عِنْدَ اللَّهِ:
  • ظرف مكان متعلق بدرجة منصوب على الظرفية بالفتحة. وهو مضاف. الله: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة.
  • ﴿ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ:
  • الواو: عاطفة. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع معطوف على «الَّذِينَ» والكاف للخطاب. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون حرك آخره بالضم لاشباع الميم في محل رفع مبتدأ. الفائزون: خبر «هُمُ» مرفوع بالواو: لأنه جمع مذكر سالم والنون:عوض عن تنوين المفرد وحركته. والجملة الاسمية «هُمُ الْفائِزُونَ» في محل رفع خبر «أُولئِكَ» ويجوز أن تعرب «هُمُ»: ضمير فصل أو حرف عماد لا محل لها و «الْفائِزُونَ» خبر «أُولئِكَ». التقدير: وأولئك المؤمنون هم الفائزون. '

المتشابهات :

البقرة: 218﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ
الأنفال: 72﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ
الأنفال: 74﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا
الأنفال: 75﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَـٰئِكَ مِنكُمْ
التوبة: 20﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ

أسباب النزول :

  • أخْبَرَنا أبُو إسْحاقَ الثَّعالِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامِدٍ الوَزّانُ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُنادِي، قالَ: أخْبَرَنا أبُو داوُدَ سُلَيْمانُ بْنُ الأشْعَثِ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ الحَلَبِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ سَلّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلّامٍ، عَنْ أبِي سَلّامٍ قالَ: حَدَّثَنا النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ رَجُلٌ: لا أُبالِي ألّا أعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ أنْ أسْقِيَ الحاجَّ. وقالَ الآخَرُ: ما أُبالِي ألّا أعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ أنْ أعْمُرَ المَسْجِدَ الحَرامَ. وقالَ آخَرُ: الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ أفْضَلُ مِمّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهم عُمَرُ وقالَ: لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - وهو يَوْمُ الجُمُعَةِ - ولَكِنِّي إذا صَلَّيْتُ دَخَلْتُ فاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَفَعَلَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ .رَواهُ مُسْلِمٌ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الحُلْوانِيِّ، عَنْ أبِي تَوْبَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الوالِبِيِّ: قالَ العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونا بِالإسْلامِ والهِجْرَةِ والجِهادِ لَقَدْ كُنّا نَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَسْقِي الحاجَّ، ونَفُكُّ العانِيَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . وقالَ الحَسَنُ والشَّعْبِيُّ والقُرَظِيُّ: نَزَلَتِ الآيَةُ في عَلِيٍّ والعَبّاسِ وطَلْحَةَ بْنِ شَيْبَةَ، وذَلِكَ أنَّهُمُ افْتَخَرُوا، فَقالَ طَلْحَةُ: أنا صاحِبُ البَيْتِ، بِيَدِي مِفْتاحُهُ، ولَوْ أشاءُ بِتُّ فِيهِ، وإلَيَّ ثِيابُ بَيْتِهِ. وقالَ العَبّاسُ: أنا صاحِبُ السِّقايَةِ والقائِمُ عَلَيْها. وقالَ عَلِيٌّ: ما أدْرِي ما تَقُولانِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ سِتَّةَ أشْهُرٍ قَبْلَ النّاسِ، وأنا صاحِبُ الجِهادِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. وقالَ ابْنُ سِيرِينَ ومُرَّةُ الهَمْدانِيُّ: قالَ عَلِيٌّ لِلْعَبّاسِ: ألا تُهاجِرُ ؟ ألا تَلْحَقُ بِالنَّبِيِّ ﷺ ؟ فَقالَ: ألَسْتُ في شَيْءٍ أفْضَلَ مِنَ الهِجْرَةِ ؟ ألَسْتُ أسْقِي حاجَّ بَيْتِ اللَّهِ، وأعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. ونَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وجاهَدُوا﴾ .'
  • المصدر

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [20] لما قبلها :     ولمَّا حكَمَ اللهُ عز وجل بأنَّ الصنفينِ لا يستوون بقولِه: ﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾؛ بَيَّنَ ذلك وأوضَحه، فعدَّد الإيمانَ والهجرةَ والجهادَ، وحكَم أنَّ أهلَ هذه الخصالِ أعْظمُ دَرَجَةً عندَ اللَّهِ مِن جميعِ الخلق، ثم حكَم لهم بالفوزِ، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف