155383940414243

الإحصائيات

سورة الأعراف
ترتيب المصحف7ترتيب النزول39
التصنيفمكيّةعدد الصفحات26.00
عدد الآيات206عدد الأجزاء1.25
عدد الأحزاب2.50عدد الأرباع10.00
ترتيب الطول4تبدأ في الجزء8
تنتهي في الجزء9عدد السجدات1
فاتحتهافاتحتها
حروف التهجي: 3/29آلمص: 1/1

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (38) الى الآية رقم (39) عدد الآيات (2)

بعدَ مشهدِ قبضِ الأرواحِ تنتقلُ الآياتُ لمشهدِ إلقاءِ الأممِ الكافرةِ في النَّارِ تباعًا، كلَّما دخلتْ أمَّةٌ لعنتْ أختَها، وما دعا به الأتباعُ المستضعفونَ، وردُّ المتبوعينَ عليهم.

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (40) الى الآية رقم (43) عدد الآيات (4)

بعدَ مشهدِ دخولِ المكذِّبينَ النَّارَ بَيَّنَ هنا استحالةَ دخولِهم الجَنَّةَ ووَصَفَ حالَهم في النَّارِ، ثُمَّ على عادةِ القرآنِ بعدَ ذكرِ الوَعيدِ للمُكذِّبينَ أتبعَه بالبِشارَةِ والوَعدِ لِلمُؤمِنينَ المُصَدِّقينَ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة الأعراف

الصراع بين الحق والباطل/ احسم موقفك ولا تكن سلبيًّا

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • بدأت السورة ::   بالصراع بين آدم وإبليس، وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار. وكأنها تنادينا: هذه هي بداية الصراع، أو أول صراع: (آدم وإبليس)، وهذه هي النتيجة: (فريق في الجنة وفريق في النار).
  • • ثم عرضت السورة ::   الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائمًا هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم، ونجاة المؤمنين بسبب إيمانهم.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «الأعراف».
  • • معنى الاسم ::   الأعراف: جمع عُرْفٍ، وعُرْف الجبل ونحوه: أعلاه، ويطلق على السور ونحوه، وقيل لعرف الديك: عُرف، لارتفاعه على ما سواه من جسده، والأعراف: هو ‏السور ‏الذي ‏بين ‏الجنة ‏والنار يحول بين أهليهما. وأهل الأعراف: من تساوت حسناتهم وسيئاتهم يوم القيامة، إذ يوقفون على أعالي سور بين الجنة والنار، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته.
  • • سبب التسمية ::   لورود لفظ "‏الأعراف" ‏فيها، ولم يذكر في غيرها من السور.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة الميقات»، و«سورة الميثاق»، «أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ» (الطُّولَيَيْن: الأنعام والأعراف، فهما أطول السور المكية).
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   أن الصراع دائم ومستمر بين الحق والباطل، من بداية خلق آدم إلى نهاية الخلق، مرورًا بنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وفي قصص هؤلاء الأنبياء ظهر لنا كيف أن الله ينجي أولياءه ويهلك أعداءه.
  • • علمتني السورة ::   وجوب اتباع الوحي، وحرمة اتباع ما يدعو إليه أصحاب الأهواء والمبتدعة: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الوزن يوم القيامة لأعمال العباد يكون بالعدل والقسط: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾
  • • علمتني السورة ::   أن من أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب اجتباه ربه وهداه‏، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، فإنه لن يزداد من اللّه إلا بعدًا‏.
رابعًا : فضل السورة :
  • • عن مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: «مَا لِى أَرَاكَ تَقْرَأُ فِى الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ السُّوَرِ؟ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِأَطْوَلِ الطُّولَيَيْنِ»، قُلْتُ (القائل ابن أَبِي مُلَيْكَة): «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ؟»، قَالَ: «الأَعْرَافُ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ الأَعْرَافِ فِى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، فَرَّقَهَا فِى رَكْعَتَيْنِ».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة الأعراف من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
خامسًا : خصائص السورة :
  • • أطول سورة مكية (وكما سبق فهي أَطْوَلُ الطُّولَيَيْنِ (الأنعام والأعراف)، فهما أطول السور المكية).
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء: آدم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى.
    • بها أول سجدة تلاوة -بحسب ترتيب المصحف-، ويبلغ عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم 15 سجدة.
    • اشتملت على 4 نداءات متتالية لبني آدم من أصل 5 نداءات ذُكرت في القرآن الكريم، وهذه النداءات الأربعة ذُكرت في الآيات (26، 27، 31، 35)، وكلها بعد سرد قصة آدم في بداية السورة، والنداء الخامس ذُكِرَ في الآية (60) من سورة يس.
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نبذل قصارى جهدنا في دعوة النَّاس إلى الله كما فعل الأنبياء الكرام.
    • أن نحسم موقفنا من الصراع بين الحق والباطل، فأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم.
    • ألا يكون طموحنا أدني المنازل في الجنان؛ حتى لا نكن ممن سيقفون على الأعراف ينتظرون وغيرهم سبق وفاز، ولا نرضى في العبادة أدناها.
    • ألا نتحرج في تبليغ هذا الدين وأداء فرائضه فهو الدين الحق: ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (2).
    • ألا نتكبر على عباد الله؛ فالكبر سبب معصية إبليس: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ (12).
    • أن نلبس الحسن من الثياب إذا ذهبنا إلى المساجد، ولا نسرف في الأكل والشرب: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (31).
    • أن نجتنب هذه الأمور التي حرمها الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (33).
    • أن نُذَكِّر أنفسنا ومن حولنا بأهمية سلامة القلب، وأنه من صفات أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ (43).
    • ألا نغتر بالحياة الدنيا؛ فهي دار لهو ولعب: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ...﴾ (51).
    • أن نُذَكِّر بعض البائعين -بأسلوب طيب- بأهمية العدل في الميزان: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (85).
    • أن نجمع في الدنيا بين الخوف والرجاء: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (99).
    • أن نحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ فهي من العهد الذي بينك وبين الله: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ (102).
    • أن نضمّ أسماء أحبابِنا في الدُّعاء: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي﴾ (151).
    • أن نتذكر سنة كنا غافلين عنها من سنن النبي ﷺ، ونطبقها: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ (157).
    • ألا نتهاون في الأخذِ بنصيحةِ من يعظنا ويذكِّرنا بالله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ (165).
    • أن نطلب دومًا الثبات على الصراط المستقيم، ونتعوذ من نزغات الشياطين والكفر بعد الإيمان: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ...﴾ (175).
    • أن نسأل الله تعالى صلاح قلوبنا، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا في طاعته: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ (179).
    • أن نحذر من مكر الله فيما أنعم به علينا: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (182).
    • أن نتيقن ويستقر في قلوبنا أنه لن ينفعنا أو يضرنا أحد إلا بإذن الله: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ...﴾ (188).
    • أن نقابل وسوسة الشيطان بالاستعاذة بالله منه: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ...﴾ (200).
    • أن نستمع وننصت أثناء قراءة القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (204).
    • أن نداوم على أذكار الصباح والمساء، ونُذَكِّر بهـا غيرنا: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ ... وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ (205).

تمرين حفظ الصفحة : 155

155

مدارسة الآية : [38] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ ..

التفسير :

[38] قال الله تعالى -لهؤلاء المشركين المفترين-:ادخلوا النار في جملة جماعات من أمثالكم في الكفر، قد سلفت من قبلكم من الجن والإنس، كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل مِلَّة لعنت نظيرتها التي ضلَّتْ بالاقتداء بها، حتى إذا تلاحق في النار الأولون من أهل الملل الك

فقالت لهم الملائكة{ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ ْ} أي:في جملة أمم{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ْ} أي:مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار، فاستحق الجميع الخزي والبوار، كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار{ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ْ} كما قال تعالى:{ ويَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ْ}{ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ْ} أي:اجتمع في النار جميع أهلها، من الأولين والآخرين، والقادة والرؤساء والمقلدين الأتباع.{ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ ْ} أي:متأخروهم، المتبعون للرؤساء{ لِأُولَاهُمْ ْ} أي:لرؤسائهم، شاكين إلى اللّه إضلالهم إياهم:{ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ْ} أي:عذبهم عذابا مضاعفا لأنهم أضلونا، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة.{ قَالَ ْ} اللّه{ لِكُلٍّ ْ} منكم{ ضِعْفٌ ْ} ونصيب من العذاب.

أى: قال الله- تعالى- لأولئك المكذبين ادخلوا في ضمن أمم من الجن والإنس قد سبقتكم في الكفر، وشاركتكم في الضلالة.

ثم بين- سبحانه- بعض أحوالهم فقال: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها أى: كلما دخلت أمة من أمم الكفر النار لعنت أختها في الدين والملة، فالأمة المتبوعة تلعن الأمة التابعة لأنها زادتها ضلالا، والأمة التابعة تلعن الأمة المتبوعة لأنها كانت سببا في عذابها.

ثم قال- تعالى-: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً أى: حتى إذا ما اجتمعوا جميعا في النار الرؤساء والأتباع، والأغنياء، والفقراء، قالت أخراهم دخولا أو منزلة وهم الأتباع، لأولاهم دخولا أو منزلة وهم الزعماء والمتبوعين رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ.

أى: قال الأتباع: يا ربنا هؤلاء الرؤساء هم السبب في ضلالنا وهلاكنا، فأذقهم ضعفا من عذاب النار لإضلالهم إيانا فضلا عن أنفسهم.

وهنا يأتيهم الجواب الذي يحمل لهم التهكم والسخرية، فيقول الله لهم: قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أى: لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار. أما أنتم فبسبب تقليدكم الأعمى، وأما هم فبسبب إضلالهم لكم ولغيركم، ولكنكم يا معشر المقلدين لا تعلمون ذلك لجهلكم وانطماس بصيرتكم.

يقول تعالى مخبرا عما يقوله لهؤلاء المشركين به ، المفترين عليه المكذبين بآياته : ( ادخلوا في أمم ) أي : من أشكالكم وعلى صفاتكم ، ( قد خلت من قبلكم ) أي : من الأمم السالفة الكافرة ، ( من الجن والإنس في النار ) يحتمل أن يكون بدلا من قوله : ( في أمم ) ويحتمل أن يكون ) في أمم ) أي : مع أمم .

وقوله : ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) كما قال الخليل ، عليه السلام : ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) الآية [ العنكبوت : 25 ] . وقوله تعالى : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) [ البقرة : 166 ، 167 ] .

وقوله تعالى ( حتى إذا اداركوا فيها جميعا ) أي : اجتمعوا فيها كلهم ، ( قالت أخراهم لأولاهم ) أي : أخراهم دخولا - وهم الأتباع - لأولاهم - وهم المتبوعون - لأنهم أشد جرما من أتباعهم ، فدخلوا قبلهم ، فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة; لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل ، فيقولون : ( ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ) أي : أضعف عليهم العقوبة ، كما قال تعالى : ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) [ الأحزاب : 66 - 68 ] .

وقوله : ( قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) أي : قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه ، كما قال تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل : 88 ] وقال تعالى : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) [ العنكبوت : 13 ] وقال : ( ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) [ النحل : 25 ] .

القول في تأويل قوله : قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم (1) =(قد خلت من قبلكم)، يقول: قد سلفت من قبلكم (2) =" من الجن والإنس في النار "، ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلت من قبلكم من الجن والإنس = وإنما يعني بـ" الأمم "، الأحزابَ وأهلَ الملل الكافرة =(كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول جل ثناؤه: كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة = لعنت أختها, يقول: شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملتها، تبرِّيًا منها. (3)

وإنما عنى بـ" الأخت "، الأخوة في الدين والملة، وقيل: " أختها "، ولم يقل: " أخاها ", لأنه عنى بها " أمة " وجماعة أخرى, كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. (4)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14592- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين, (5) يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ, تلعن الآخرةُ الأولى.

* * *

القول في تأويل قوله : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا, يعني اجتمعت فيها.

* * *

يقال: " قد ادَّاركوا "، و " تداركوا "، إذا اجتمعوا. (6)

* * *

يقول: اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم.

* * *

القول في تأويل قوله : قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا, قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان, فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:-

14593- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " قالت أخراهم "، الذين كانوا في آخر الزمان =" لأولاهم "، الذين شرعوا لهم ذلك الدين =(ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)

* * *

وأما قوله: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون)، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم, يقول: قال الله للذين يدعونه فيقولون: " ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار " =: لكلكم, أوَّلكم وآخركم، وتابعوكم ومُتَّبَعوكم =" ضعف ", يقول: مكرر عليه العذاب.

* * *

و " ضعف الشيء "، مثله مرة.

* * *

وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-

14594- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف)، مضعّف.

14595- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14596- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال الله: (لكل ضعف)، للأولى، وللآخرة ضعف.

14597- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله: (ضعفًا من النار)، قال: أفاعي.

14598- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله: (فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)، قال: حيّات وأفاعي.

* * *

وقيل: إن " المضَعَّف "، في كلام العرب، ما كان ضعفين، (7) و " المضاعف "، ما كان أكثر من ذلك.

* * *

وقوله: (ولكن لا تعلمون)، يقول: ولكنكم، يا معشر أهل النار, لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب, فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى.

------------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص : 405 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير (( خلا )) فيما سلف 3 : 100 ، 128 / 4 : 289 / 7 : 228 .

(3) انظر تفسير (( اللعن )) فيما سلف 10 : 489 ، تعليق : 1 .

(4) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 378 .

(5) في المطبوعة والمخطوطة : (( كلما دخلت أهل ملة )) ، والصواب ما أثبت .

(6) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 214 ، وفي نصه زيادة حسنة : (( ويقال : تدارك لي عليه شيء ، أي اجتمع لي عنده شيء . وهو مدغم التاء في الدال ، فثقلت الدال )) .

(7) في المطبوعة : (( الضعف ، في كلام العرب )) ، والصواب من المخطوطة .

التدبر :

وقفة
[38] فيما قص الله من محاورة قادة الأمم وأتباعهم ما فيه موعظة وتحذير لقادة المسلمين من الإيقاع بأتباعهم فيما يزج بهم في الضلالة، ويحسن لهم هواهم، وموعظة لعامتهم من الاسترسال في تأييد من يشايع هواهم، ولا يبلغهم النصيحة.
وقفة
[38] ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ﴾ النار تحوي فريقين من أهل العذاب: الجن والإنس، قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: «وقد ثبت بنص القرآن وإجماع الأمة أن مسيء الجن في النار بعدل الله وبما كانوا يكسبون، فمحسنهم في الجنة بفضل الله، وبما كانوا يعملون».
لمسة
[38] ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ﴾، ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾ [١٧٩]، ﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ [السجدة: ١٣]: إذا كان السياق يتحدث عن دخول النار؛ عندها يقدم القرآن الجن على الإنس؛ لأنهم أول الداخلين للنار.
عمل
[38] أرسل رسالة تحذر فيها من اللعن؛ لأنه من صفات أهل النار ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾.
تفاعل
[38] ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ﴾ استعذ بالله من عذاب النار.
وقفة
[38] ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ ما أشد تخاصم أهل النار، كل يلقي باللوم على غيره وينسى نفسه!
وقفة
[38] ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ تحية أهل النار اللعن.
وقفة
[38] ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ التعبير عن المستقبل بلفظ الماضى للتنبيه على تحقق وقوعه.
وقفة
[38] ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ فلسفةُ حطبِ النَّار: كلٌّ يُلقِي باللومِ على الآخرِين وينْسى نفسَه.
وقفة
[38] ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ المودة التي كانت بين المكذبين في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنة.
عمل
[38] ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ اللعن من صفات أهل النار؛ فابتعد عنه.
وقفة
[38] يلعن أصدقاء السوء بعضهم بعضًا يوم القيامة لأن كل واحد كان سببًا في عذاب الآخر ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾.
عمل
[38] إذا خرجت من منزلك فقل: «اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل, أو أَزل أو أُزل, أو أَظلم أو أُظلم ,أو أَجهل أو يُجهل عليَّ» ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾.
لمسة
[38] ﴿عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾، ﴿عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ [ص: 61] ما الفرق بينهما؟ لماذا استخدم هنا (من) وفي الأخرى (في)؟ الجواب: قولهم: ﴿عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾ بيان لجنس العذاب وأنهم من جنس عذاب النار، وقولهم: ﴿عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ بيان لمكان العذاب.
وقفة
[38] ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ﴾ أي: لا يعلم كل فريق ما بالفريق الآخر؛ إذ لو علم بعض من في النار أن عذاب أحد فوق عذابه، لكان نوع سلوة له.

الإعراب :

  • ﴿ قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ:
  • قال: فعل ماض مبني على الفتح والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو، أي قال الله للكافرين. ادخلوا: فعل أمر مبني على حذف النون لان مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. في أمم: جار ومجرور في موضع الحال أي كائنين في جملة. أمم أو مع أمم وجملة «ادخلوا وما تلاها» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ:
  • قد: حرف تحقيق. خلت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هي. من قبل: جار ومجرور متعلق بخلت. الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة والميم علامة جمع الذكور. وجملة «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ» في محل جر صفة- نعت- لأمم. أي بمعنى: ادخلوا في النار مع أمم قد خلت من قبلكم.
  • ﴿ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أُمَمٍ». من: بيانية. والإنس: معطوفة بالواو على الجن مجرورة مثلها بالكسرة. في النار: جار ومجرور متعلق بادخلوا.
  • ﴿ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ:
  • كلما. كل: اسم منصوب على نيابة الظرفية الزمانية متعلق بشبه جواب الشرط «لَعَنَتْ» وهو مضاف و «ما» مصدرية. و «ما» وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر بالاضافة. دخلت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. أمة: فاعل مرفوع بالضمة وجملة «دَخَلَتْ أُمَّةٌ» صلة ما.
  • ﴿ لَعَنَتْ أُخْتَها:
  • لعنت: تعرب إعراب «دَخَلَتْ» والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. وجملة «لَعَنَتْ» مشبهة لجواب الشرط لا محل لها. أختها:مفعول به منصوب بالفتحة. و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا:
  • حتى حرف غاية وابتداء. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه أداة شرط غير جازمة. اداركوا: أي تداركوا وتلاحقوا بأن أدرك بعضهم بعضا. فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.وجملة «ادَّارَكُوا» في محل جر مضاف اليه، أي تلاحقوا.
  • ﴿ فِيها جَمِيعاً:
  • جار ومجرور متعلق باداركوا. جميعا: حال منصوب بالفتحة من الضمير في «ادَّارَكُوا».
  • ﴿ قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ:
  • الجملة: جواب شرط غير جازم لا محل لها من الاعراب والمعنى: قالت أخراهم لأجل أولاهم أو قالت أخراهم تخاطب الله تعالى عن أولاهم. قالت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. أخرى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر و «هم»ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة. لأولاهم: اللام:حرف جر. أولى: اسم مجرور باللام وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر و «هم» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة والجار والمجرور متعلق بقالت.
  • ﴿ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به- مقول القول-.ربنا: منادى مضاف منصوب بأداء نداء محذوفة تقديرها: يا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. هؤلاء: الهاء للتنبية. أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. أضلونا:فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به وجملة «أَضَلُّونا» في محل رفع خبر المبتدأ.
  • ﴿ فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ:
  • الفاء استئنافية. آت: فعل تضرع والتماس وبصيغة أمر مبني على حذف آخره- حرف العلة- والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. عذابا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. ضعفا:أي مضاعفا لانهم ضلّوا وأضلّوا: صفة- نعت- لعذابا منصوب بالفتحة.من النار: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «عَذاباً».
  • ﴿ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ:
  • قال: أعربت. لكل: أي لكل منكم: جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. ضعف: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وجملة «لِكُلٍّ ضِعْفٌ» في محل نصب مفعول به- مقول القول-.
  • ﴿ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ:
  • الواو: زائدة لمجيئها بعد حرف مخفف. لكن: حرف استدراك لا عمل له لانه مخفف. لا: نافية لا عمل لها. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.والفعل هنا لم يتعد الى مفعول لان معناه لم يحصل لكم حقيقة العلم أو محذوف بتقدير: لا تعلمون ما سينالكم. '

المتشابهات :

الأعراف: 38﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ
فصلت: 25﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
الأحقاف: 18﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [38] لما قبلها :     بعدَ مشهدِ قبضِ الأرواحِ؛ تنتقلُ الآياتُ لمشهدِ إلقاءِ الأممِ الكافرةِ في النَّارِ تباعًا، كلَّما دخلتْ أمَّةٌ لعنتْ أختَها، وما دعا به الأتباعُ المستضعفونَ، وردُّ المتبوعينَ عليهم، قال تعالى:
﴿ قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

اداركوا:
وقرئ:
1- بقطع ألف الوصل، وهى قراءة أبى عمرو.
2- اداركوا، بشد الدال، المفتوحة وفتح الراء، بمعنى: أدرك بعضهم بعضا، وهى قراءة مجاهد.
3- أدركوا، بضم الهمزة وكسر الراء، وهى قراءة حميد.
4- تداركوا، وهى قراءة ابن مسعود، والأعمش.
لا تعلمون:
قرئ:
1- بالتاء، على الخطاب للسائلين، وهى قراءة الجمهور.
2- بالياء، على الإخبار عن الأمة، وهى قراءة أبى بكر، والمفضل.

مدارسة الآية : [39] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ ..

التفسير :

[39] وقال المتبوعون من الرؤساء وغيرهم لأتباعهم:نحن وأنتم متساوون في الغيِّ والضلال، وفي فِعْلِ أسباب العذاب فلا فَضْلَ لكم علينا، قال الله تعالى لهم جميعاً:فذوقوا العذاب أي عذاب جهنم؛ بسبب ما كسبتم من المعاصي.

أي:الرؤساء، قالوا لأتباعهم:{ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ ْ} أي:قد اشتركنا جميعا في الغي والضلال، وفي فعل أسباب العذاب، فأي:فضل لكم علينا؟{ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ْ} ولكنه من المعلوم أن عذاب الرؤساء وأئمة الضلال أبلغ وأشنع من عذاب الأتباع، كما أن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب الأتباع، قال تعالى:{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ْ} فهذه الآيات ونحوها، دلت على أن سائر أنواع المكذبين بآيات اللّه، مخلدون في العذاب، مشتركون فيه وفي أصله، وإن كانوا متفاوتين في مقداره، بحسب أعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم، وأن مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنة.

أى: قال الزعماء لأتباعهم بعد أن سمعوا رد الله عليهم: إنا وإياكم متساوون في استحقاق العذاب، وكلنا فيه سواء، لأنا لم نجبركم على الكفر، ولكنكم أنتم الذين كفرتم باختياركم، وضللتم بسبب جهلكم، فذوقوا العذاب المضاعف مثلنا بسبب ما اكتسبتموه في الدنيا من قبائح ومنكرات:

فقوله- تعالى-: بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ بيان لأسباب الحكم عليهم.

وأنهم ما وردوا هذا المصير الأليم إلا بسبب، ما اكتسبوه من آثام: واجترحوه من سيئات.

ثم بين القرآن بعد ذلك لونا آخر من ألوان عذاب المكذبين فقال:

( وقالت أولاهم لأخراهم ) أي : قال المتبوعون للأتباع : ( فما كان لكم علينا من فضل ) قال السدي : فقد ضللتم كما ضللنا .

( فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) وهذا الحال كما أخبر الله تعالى عنهم في حال محشرهم ، في قوله تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) [ سبأ : 31 - 33 ] .

القول في تأويل قوله : وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا، لأخراها الذين جاؤوا من بعدهم، وحَدَثوا بعد زمانهم فيها, فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم: (فما كان لكم علينا من فضل)، و قد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا بآياته, بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر, (8) فهل أنَبْتم إلى طاعة الله, (9) وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخُصِموا ولم يطيقوا جوابًا بأن يقولوا: " فضِّلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله ", (10) قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم، أيها الكفرة، عذابَ جهنم, (11) بما كنتم في الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي, وتجترحون من الذنوب والإجرام. (12)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14599- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران, عن أبي مجلز: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)، قال: يقول: فما فَضْلكم علينا, وقد بُيِّن لكم ما صنع بنا، وحُذِّرتم؟

14600- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل)، فقد ضللتم كما ضللنا.

* * *

وكان مجاهد يقول في هذا بما:-

14601- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن أبن أبي نجيح, عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل)، قال: من التخفيف من العذاب.

14602- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل)، قال: من تخفيف.

* * *

وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد، قولٌ لا معنى له لأن قول القائلين: " فما كان لكم علينا من فضل " لمن قالوا ذلك، إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال, يدل على ذلك دخول " كان " في الكلام. ولو كان ذلك منهم توبيخًا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم: "آتهم عذابًا ضعفًا من النار ", لكان التوبيخ أن يقال: " فما لكم علينا من فضل، في تخفيف العذاب عنكم، وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا "، ولم يقل: " فما كان لكم علينا من فضل ".

--------------

الهوامش :

(8) في المطبوعة : (( وكفرنا به وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل )) ، وفي المخطوطة : (( وكفرنا به ما جاءتنا وجاءتكم )) ، وهو غير مستقيم ، صوابه إن شاء الله ما أثبت . وهو سياق الآيات قبلها. هكذا استظهرته من تفسير الآيات السالفة.

(9) في المطبوعة : (( هل انتهيتم )) ، وفي المخطوطة : (( هل أسم )) ، وهذا صواب قراءتها ، وزدت الفاء في أول (( هل )) ، لاقتضاء سياق الكلام إثباتها .

(10) في المطبوعة : (( إنا اعتبرنا بكم )) وفي المخطوطة : (( إذا اعتبرنا بكم )) ، والصواب ما أثبت .

(11) انظر تفسير : (( ذوقوا العذاب )) فيما سلف 11 : 420 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(12) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف ص : 286 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[39] تدل الآية على أن الكفار والضلال والمبتدعة، وإن تناصروا وتعاونوا على ضلالتهم، وتوادوا في الدنيا، فإنهم في الآخرة يتلاعنون ويتقاطعون، ويسألون العذاب لمن أضلهم، وتدل على فساد التقليد، والاغترار بقول علماء السوء، وتدل على أن الداعي إلى الضلال مضل، وتدل على أن إضلال غيره إياه ليس بعذر له، وتدل على أن اشتراكهم في العذاب لا يوجب لهم راحة، بخلاف الاشتراك في محن الدنيا.
وقفة
[39] ﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ اعلم إنه كما أن التعاون على البر يزيد الألفة بين الأفراد؛ فإن مساعدة الغير على الشر يزيد التشاحن.
اسقاط
[39] ﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ لن ينفعك صاحب المال والجاه إذا اتبعته على ضلالِه، بل سيتبرأ منك، في الآخرة.
تفاعل
[39] ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ استعذ بالله من عذابه الآن.

الإعراب :

  • ﴿ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ:
  • الواو: عاطفة. قالت: فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. أولى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر. و «هم» ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالاضافة. لأخرى: جار ومجرور متعلق بقالت وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر و «هم» أعربت.
  • ﴿ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ:
  • الجملة معطوفة بالفاء على جملة «لِكُلٍّ ضِعْفٌ» ما: نافية لا عمل لها. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح.لكم: جار ومجرور متعلق بخبر «كانَ» مقدم والميم علامة جمع الذكور.علينا: جار ومجرور متعلق بحال محذوف من «فَضْلٍ». من: حرف جر زائد. فضل: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لانه اسم «كانَ» مؤخر.
  • ﴿ فَذُوقُوا:
  • الفاء استئنافية. ذوقوا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • ﴿ الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ:
  • مفعول به منصوب بالفتحة. بما: جار ومجرور متعلق بذوقوا. أي بسبب ما كنتم و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. وجملة «كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» صلة الموصول لا محل لها. والعائد الى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لانه مفعول به.التقدير: تكسبونه.
  • ﴿ تَكْسِبُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة. في محل نصب خبر «كان». '

المتشابهات :

الأعراف: 39﴿فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
آل عمران: 106﴿أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
الأنعام: 30﴿قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
الأنفال: 35﴿إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
الأحقاف: 34﴿أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [39] لما قبلها :     بعد ذكر ما دعا به الأتباعُ المستضعفونَ؛ جاء هنا ردُّ المتبوعينَ عليهم، قال تعالى:
﴿ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [40] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ ..

التفسير :

[40] إن الكفار الذين لم يصدِّقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا، ولم يعملوا بشرعنا تكبراً واستعلاء، لا تُفَتَّح لأعمالهم في الحياة ولا لأرواحهم عند الممات أبواب السماء، ولا يمكن أن يدخل هؤلاء الكفار الجنة إلا إذا دخل الجمل في ثَقْب الإبرة، وهذا مستحي

يخبر تعالى عن عقاب من كذب بآياته فلم يؤمن بها، مع أنها آيات بينات، واستكبر عنها فلم يَنْقَد لأحكامها، بل كذب وتولى، أنهم آيسون من كل خير، فلا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا وصعدت تريد العروج إلى اللّه، فتستأذن فلا يؤذن لها، كما لم تصعد في الدنيا إلى الإيمان باللّه ومعرفته ومحبته كذلك لا تصعد بعد الموت، فإن الجزاء من جنس العمل. ومفهوم الآية أن أرواح المؤمنين المنقادين لأمر اللّه المصدقين بآياته، تفتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى اللّه، وتصل إلى حيث أراد اللّه من العالم العلوي، وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه. وقوله عن أهل النار{ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ ْ} وهو البعير المعروف{ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ْ} أي:حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما، في خرق الإبرة، الذي هو من أضيق الأشياء، وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال، أي:فكما أنه محال دخول الجمل في سم الخياط، فكذلك المكذبون بآيات اللّه محال دخولهم الجنة، قال تعالى:{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ْ} وقال هنا{ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ْ} أي:الذين كثر إجرامهم واشتد طغيانهم.

فهاتان الآيتان تصوران أكمل تصوير استحالة دخول المشركين الجنة بسبب تكذيبهم لآيات الله واستكبارهم عنها.

وقد فسر بعض العلماء قوله- تعالى-: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ بمعنى، لا تقبل أعمالهم ولا ترفع إلى الله كما ترفع أعمال الصالحين. قال- تعالى-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

وفسره بعضهم بمعنى أن أرواحهم لا تصعد إلى السماء بعد الموت، لأنها قد أغلقت عليهم بسبب شركهم، ولكنها تفتح لأرواح المؤمنين.

والمراد أن الكافرين عند موتهم وعند حسابهم يوم القيامة يكونون على غضب الله ولعنته بسبب ما ارتكبوه في الدنيا من شرك وظلم.

أما قوله- تعالى-: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ فمعناه: أن هؤلاء المشركين لا تفتح لأعمالهم ولا لأرواحهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يدخل ما هو مثل في الضخامة وهو الجمل الكبير، فيما هو مثل في الضيق وهو ثقب الإبرة.

وفي قراءة حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ- بضم الجيم وتشديد الميم وفتحها- وهو الحبل الغليظ أى: لا يدخلون الجنة حتى يدخل الحبل الغليظ الذي تربط به السفن في ذلك الثقب الصغير للإبرة، وهيهات أن يحصل هذا، فكما أنه غير ممكن حصول ذلك فكذلك غير ممكن دخول المشركين الجنة.

قال الجمل في حاشيته: ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. الولوج:

الدخول بشدة، ولذلك يقال هو الدخول في ضيق فهو أخص من مطلق الدخول. والجمل معروف وهو الذكر من الإبل، وسم الخياط، ثقب الإبرة، وإنما خص الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات لأنه أكبرها، وثقب الإبرة من أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق محالا فثبت أن الموقوف على المحال محال، فوجب بهذا الاعتبار أن دخول الكفار الجنة ميئوس منه قطعا » .

وقوله: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ معناه: ومثل ذلك الجزاء الرهيب نجزى جنس المجرمين، الذين صار الاجرام وصفا لازما لهم.

قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) قيل : المراد : لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء .

قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير . ورواه العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وكذا رواه الثوري ، عن ليث ، عن عطاء ، عن ابن عباس .

وقيل : المراد : لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء .

رواه الضحاك ، عن ابن عباس . وقاله السدي وغير واحد ، ويؤيده ما قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن المنهال - هو ابن عمرو - عن زاذان ، عن البراء; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر ، وأنه يصعد بها إلى السماء ، قال : " فيصعدون بها ، فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون : فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء ، فيستفتحون بابها له فلا يفتح له " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) الآية .

هكذا رواه ، وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، من طرق ، عن المنهال بن عمرو ، به وقد رواه الإمام أحمد بطوله فقال :

حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن منهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد . فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر " مرتين أو ثلاثا ثم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال إلى الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد بصره . ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان "

قال : " فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط . ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض . فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله ، عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى "

قال : " فتعاد روحه ، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقولان له : وما علمك؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة " " فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره "

قال : " ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير . فيقول : أنا عملك الصالح . فيقول : رب أقم الساعة ، رب أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي "

قال : " وإن العبد الكافر ، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط الله وغضب " قال : " فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض . فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له ، فلا يفتح ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) فيقول الله ، عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى . فتطرح روحه طرحا " ثم قرأ : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) [ الحج : 31 ] " فتعاد روحه في جسده . ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : هاه هاه ! لا أدري . فيقولان : ما دينك؟ فيقول : هاه هاه ! لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هاه هاه ! لا أدري . فينادي مناد من السماء : أن كذب ، فأفرشوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك; هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر . فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : رب لا تقم الساعة "

وقال أحمد أيضا : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن يونس بن خباب ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة ، فذكر نحوه .

وفيه : " حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ، عز وجل ، أن يعرج بروحه من قبلهم "

وفي آخره : " ثم يقيض له أعمى أصم أبكم ، في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا ، فيضربه ضربة فيصير ترابا ، ثم يعيده الله ، عز وجل ، كما كان ، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين " قال البراء : " ثم يفتح له باب من النار ، ويمهد له فرش من النار "

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه وابن جرير - واللفظ له - من حديث محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقولون : من هذا؟ فيقولون : فلان . فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فيقال لها ذلك حتى ينتهى به إلى السماء التي فيها الله ، عز وجل . وإذا كان الرجل السوء قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فيقولون ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقولون : فلان . فيقولون : لا مرحبا بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء ، فترسل بين السماء والأرض ، فتصير إلى القبر "

وقد قال ابن جريج في قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) قال : لا تفتح لأعمالهم ، ولا لأرواحهم .

وهذا فيه جمع بين القولين ، والله أعلم .

وقوله : ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) هكذا قرأه الجمهور ، وفسروه بأنه البعير . قال ابن مسعود : هو الجمل ابن الناقة . وفي رواية : زوج الناقة . وقال الحسن البصري : حتى يدخل البعير في خرق الإبرة . وكذا قال أبو العالية ، والضحاك . وكذا روى علي بن أبي طلحة ، والعوفي عن ابن عباس .

وقال مجاهد ، وعكرمة ، عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " بضم الجيم ، وتشديد الميم ، يعني : الحبل الغليظ في خرم الإبرة .

وهذا اختيار سعيد بن جبير . وفي رواية أنه قرأ : " حتى يلج الجمل " يعني : قلوس السفن ، وهي الحبال الغلاظ .

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا (13) =(واستكبروا عنها)، يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرًا (14) =" لا تفتح لهم "، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم =" أبواب السماء ", ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل, لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يُرْفع الكلم الطيبُ والعملُ الصالح, كما قال جل ثناؤه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [سورة فاطر: 10].

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء).

فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء.

* ذكر من قال ذلك:

13603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يعلى, عن أبي سنان, عن الضحاك, عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: عنى بها الكفار، أنّ السماء لا تفتح لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين.

14604- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن أبي سنان, عن الضحاك قال، قال ابن عباس: تُفتح السماء لروح المؤمن, ولا تفتح لروح الكافر.

14605- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: إن الكافر إذا أُخِذ روحُه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء, فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط, فضربته ملائكة الأرض فارتفع, فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمنًا نفخ روحه, (15) وفتحت له أبواب السماء, فلا يمرّ بملك إلا حيَّاه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله, فيعطيه حاجته, ثم يقول الله: ردّوا روحَ عبدي فيه إلى الأرض, فإني قضيتُ من التراب خلقه, وإلى التراب يعود, ومنه يخرج.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاءٌ إلى الله.

* ذكر من قال ذلك:

14606- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن سفيان, عن ليث, عن عطاء, عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، لا يصعد لهم قولٌ ولا عمل.

14607- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء)، يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء.

14608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، يقول: لا تفتح لخير يعملون.

14609- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يصعد لهم كلامٌ ولا عمل.

14610- حدثنا مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا عبد الله بن داود قال، حدثنا شريك, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. (16)

14611- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سالم, عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء.

14612- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لا يرفع لهم عملٌ صالح ولا دعاء.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم.

* ذكر من قال ذلك:

14613- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول، لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم. ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء, فذلك على ما عمّه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء، مع تأييد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا في ذلك، وذلك ما:-

14614- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن المنهال, عن زاذان, عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبضَ روح الفاجر, وأنه يصعد بها إلى السماء, قال: فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملإ من الملائكة إلا قالوا: " ما هذا الروح الخبيث "؟ فيقولون: " فلان "، بأقبح أسمائه التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله: (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (17)

14615- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن, عن ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة, فإذا كان الرجلَ الصالحَ قالوا: " اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب, اخرجي حميدة, وأبشري برَوْح وريحان، وربّ غير غضبان "، قال: فيقولون ذلك حتى يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها, فيقال: " من هذا "؟ فيقولون: " فلان ". فيقال: " مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب, (18) ادخلي حميدة, وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان "، فيقال لها حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجلَ السَّوْءَ قال: " اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, اخرجي ذميمة, وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شكله أزواج "، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها, فيقال: " من هذا "؟ فيقولون: " فلان ". فيقولون: " لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء "، (19) فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر. (20)

14616- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.

* * *

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الكوفة: " لا يُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَاء "، بالياء من " يفتح "، وتخفيف " التاء " منها, بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدةٍ وفتحةٍ واحدة.

* * *

وقرأ ذلك بعض المدنيين وبعض الكوفيين: (لا تُفَتَّحُ)، بالتاء وتشديد التاء الثانية, بمعنى: لا يفتح لهم باب بعد باب، وشيء بعد شيء.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى. وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبوابُ السماء بمرة واحدة، ولا مرة بعد مرة، وباب بعد باب. فكلا المعنيين في ذلك صحيح.

وكذلك " الياء "، و " التاء " في" يفتح "، و " تفتح ", لأن " الياء " بناء على فعل الواحد للتوحيد، و " التاء " لأن " الأبواب " جماعة, فيخبر عنها خبر الجماعة. (21)

* * *

القول في تأويل قوله : وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدًا, كما لا يلج الجمل في سمِّ الخياط أبدًا, وذلك ثقب الإبرة.

* * *

وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك, فإن العرب تسميه " سَمًّا " وتجمعه " سمومًا "، و " السِّمام ", في جمع " السَّم " القاتل، أشهر وأفصح من " السموم ". وهو في جمع " السَّم " الذي هو بمعنى الثقب أفصح. وكلاهما في العرب مستفيض. وقد يقال لواحد " السموم " التي هي الثقوب " سَمٌّ" و " سُمٌّ" بفتح السين وضمها, ومن " السَّم " الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق:

فَنَفَّسْــتُ عَـنْ سَـمَّيْهِ حَـتَّى تَنَفَّسَـا

وَقُلْـتُ لَـهُ: لا تَخْـشَ شَـيْئًا وَرَائِيـا (22)

يعني بسمِّيه، ثقبي أنفه.

* * *

وأما " الخياط" فإنه " المخيط"، وهي الإبرة. قيل لها: " خِيَاط" و " مِخْيَط", كما قيل: " قِناع " و " مِقْنع ", و " إزار " و " مِئْزر ", و " قِرام " و " مِقْرَم ", و " لحاف " و " مِلْحف ".

وأما القرأة من جميع الأمصار, فإنها قرأت قوله: ( فِي سَمِّ الْخِيَاطِ )، بفتح " السين ", وأجمعت على قراءة: " الجَمَلُ" بفتح " الجيم "، و " الميم " وتخفيف ذلك.

* * *

وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير, فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرؤون ذلك: " الجُمَّلُ"، بضم " الجيم " وتشديد " الميم ", على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس.

* * *

فأما الذين قرؤوه بالفتح من الحرفين والتخفيف, فإنهم وجهوا تأويله إلى " الجمل " المعروف، وكذلك فسروه.

* ذكر من قال ذلك:

14617- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: الجمل ابن الناقة, أو: زوج الناقة.

14618- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن أبي حصين, عن إبراهيم, عن عبد الله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: " الجمل "، زوج الناقة.

14619- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي حصين, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.

14620- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي, عن هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله قال: " الجمل "، زوج الناقة.

14621- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله، مثله.

14622- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا قرة قال، سمعت الحسن يقول: " الجمل "، الذي يقوم في المِرْبد. (23)

14623- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: حتى يدخل البعير في خُرت الإبرة. (24)

14624- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي, عن هشيم, عن عباد بن راشد, عن الحسن قال: هو الجمل! فلما أكثروا عليه قال: هو الأشتر. (25)

14625- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم, عن عباد بن راشد, عن الحسن, مثله.

14626- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد, عن يحيى قال: كان الحسن يقرؤها: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: فذهب بعضهم يستفهمه, قال: أشتر، أشتر. (26)

14627- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد, عن شعيب بن الحبحاب, عن أبي العالية: (حتى يلج الجمل)، قال: الجمل الذي له أربع قوائم.

14628- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن أبي حصين = أو: حصين = , عن إبراهيم, عن ابن مسعود في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: زوج الناقة, يعني الجمل.

14629- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك أنه كان يقرأ: (الجمل)، وهو الذي له أربع قوائم.

14630- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة, عن عبيد, عن الضحاك: (حتى يلج الجمل)، الذي له أربع قوائم.

14631- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب, عن قرة, عن الحسن: (حتى يلج الجمل)، قال: الذي بالمربد.

14632- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: " حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الأَصْفَرُ".

14633- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا يحيى بن سليم قال، حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق, عن الحسن في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: الجمل ابن الناقة = أو بَعْلُ الناقة.

* * *

وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا.

فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل.

* ذكر الرواية بذلك عنه:

14634- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، والجمل: ذو القوائم.

* * *

وذكر أن ابن مسعود قال ذلك.

14635- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، وهو الجمل العظيم، لا يدخل في خُرْت الإبرة، (27) من أجل أنه أعظم منها.

* * *

والرواية الأخرى ما:-

14636- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس في قوله: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: هو قَلْس السفينة. (28)

14637- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل, عن خالد بن عبد الله الواسطي, عن حنظلة السدوسي, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه كان يقرأ: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، يعني الحبل الغليظ = فذكرت ذلك للحسن فقال: (حتى يلجَ الجمَل)، قال عبد الأعلى: قال أبو غسان, قال خالد: يعني: البعير.

14638- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن فضيل, عن مغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه قرأ: " الجُمَّلُ"، مثقَّلة, وقال: هو حبل السفينة.

14639- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي, عن هشيم, عن مغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس قال: " الجمَّل "، حبال السفن.

14640- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن ابن مبارك, عن حنظلة, عن عكرمة, عن ابن عباس: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: الحبل الغليظ.

14641- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" قال: هو الحبل الذي يكون على السفينة.

* * *

واختُلِف عن سعيد بن جبير أيضًا في ذلك, فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس: بضم " الجيم " وتثقيل " الميم ".

* ذكر الرواية بذلك عنه:

14642- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حسين المعلم, عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ"، يعني قُلُوس السفن, يعني: الحبال الغلاظ. (29)

* * *

والأخرى منهما بضم " الجيم " وتخفيف " الميم ".

* ذكر الرواية بذلك عنه:

14643- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عمرو, عن سالم بن عجلان الأفطس قال، قرأت على أبي: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلَ" فقال: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ" خفيفة، هو حبل السفينة = هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير.

* * *

وأما عكرمة, فإنه كان يقرأ ذلك: " الْجُمَّلُ"، بضم " الجيم " وتشديد " الميم ", وبتأوّله كما:-

14644- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة, عن عيسى بن عبيد قال: سمعت عكرمة يقرأ: " الْجُمَّلُ" مثقلة, ويقول: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل.

14645- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة, عن عكرمة, في قوله: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: الحبل الغليظ في خرق الإبرة. (30)

14646- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، قال: حبل السفينة في سمّ الخياط.

14647- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: الحبل من حبال السفن.

* * *

وكأنَّ من قرأ ذلك بتخفيف " الميم " وضم " الجيم "، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير، على مثال " الصُّرَد " و " الجُعَل "، وجهه إلى جماع " جملة " من الحبال جمعت " جُمَلا ", كما تجمع " الظلمة "،" ظُلَمًا "، و " الخُرْبة "" خُرَبًا ".

* * *

وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في" الميم " ويقول: إنما أراد الراوي" الجُمَل " بالتخفيف, فلم يفهم ذلك منه فشدّده.

* * *

14648- وحدثت عن الفراء, عن الكسائي أنه قال: الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميًّا.

* * *

وأما من شدد " الميم " وضم " الجيم " فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد، وهو الحبل، أو الخيط الغليظ.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، ما عليه قرأة الأمصار، وهو: ( حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ )، بفتح " الجيم " و " الميم " من " الجمل " وتخفيفها, وفتح " السين " من " السم ", لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار, وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراءة.

وكذلك ذلك في فتح " السين " من قوله: (سَمِّ الخياط) .

* * *

وإذ كان الصواب من القراءة ذلك, فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج = و " الولوج " الدخول، من قولهم: " ولج فلان الدار يلِجُ ولوجًا ", (31) بمعنى: دخل = الجملُ في سم الإبرة، وهو ثقبها

=(وكذلك نجزي المجرمين)، يقول: وكذلك نثيب الذين أجرَموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة. (32)

* * *

وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: (سم الخياط)، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14649- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي, عن حماد بن زيد, عن يحيى بن عتيق قال: سألت الحسن عن قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: ثقب الإبرة. (33)

14650- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة, عن عكرمة: (في سم الخياط)، قال: ثقب الإبرة. (34)

14651- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن, مثله.

14652- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (في سم الخياط)، قال: جُحْر الإبرة.

14653- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (في سم الخياط)، يقول: جُحْر الإبرة.

14654- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (في سم الخياط)، قال: في ثقبه.

--------------------

الهوامش :

(13) انظر تفسير (( الآية )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .

(14) انظر تفسير (( الاستكبار )) فيما سلف 11 : 540 .

(15) في المطبوعة : (( وإذا كان مؤمنًا أخذ روحه )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

(16) الأثر : 14610 - (( مطر بن محمد الضبي )) ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة ، ومضى أيضا برقم : 12198 .

(17) الأثر : 14614 - (( المنهال )) هو (( المنهال بن عمرو الأسدي )) ، ثقة ، رجح أخي توثيقه في المسند رقم : 714 ، وفيما يلي رقم : 337 ، 799 .

و (( زاذان )) هو (( أبو عبد الله )) ، ويقال (( أبو عمر )) الكوفي الضرير . تابعي ثقة ، مضى أيضًا برقم : 9508 ، 13017 ، 13018 .

وهذا الخبر مختصرًا رواه أحمد مطولا ومختصرًا في مسنده 4 : 287 ، 288 ، من طريقتين ، و 297 ، كلها من طريق العمش ، عن المنهال . ورواه أيضًا 4 : 295 ، 296 ، من طريقين . أحدهما من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يونس بن خباب ، عن المنهال ، والآخر من طريق أبي الربيع ، عن حماد بن زيد ، عن يونس بن خباب .

ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص : 102 ، مطولا من طريق أبي عوانة ، عن الأعمش . ورواه أبو داود في سننه 3 : 289 ، رقم : 3212 مختصرًا ، ورواه مطولا 4 : 330 رقم : 4753 .

ورواه الحاكم في المستدرك 1 : 37 - 40 ، من طرق ، وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، فقد احتجا بالمنهال بن عمرو ، وزاذان بن عمرو ، وزاذان أبي عمر الكندي . وفي هذا الحديث فوائد كثيرة لأهل السنة ، وقمع للمبتدعة ، ولم يخرجاه بطوله )) .

وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 473 ، 474 ، وقال : (( رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من طرق عن المنهال بن عمرو به )) ثم ساق حديث أحمد في المسند .

وخره السيوطي في الدر المنثور 1 : 83 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وهناد بن السري ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب عذاب القبر .

(18) في المخطوطة والمطبوعة : (( بالنفس الطيبة التي كانت ... )) ، والظاهر أنها زيادة من الناسخ ، فإن روايتهم جميعًا اتفقت على ما أثبت .

(19) في المطبوعة : (( لا تفتح لك أبواب السماء )) ، وفي المخطوطة : (( لم تفتح )) بغير (( لك )) ، وأثبت ما في تفسير ابن كثير . وفي ابن ماجه : (( لا تفتح لك )) .

(20) الأثر : 14615 ، 14616 - (( عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي )) (( أبو بحر البكراوي )) ، ضعيف متكلم فيه ، قال أبو حاتم : (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 264 .

و (( ابن أبي ذئب )) هو (( محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب )) ، ثقة حافظ ، مضى برقم : 2995 .

و (( محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري )) ، ثقة روى له الجماعة .

و (( سعيد بن يسار )) أبو الحباب المدني ، تابعي ثقة لا يختلفون في توثيقه . روى له الجماعة .

وهذا خبر صحيح ، رواه عن ابن أبي ذئب غير (( عبد الرحمن بن عثمان )) . وسيأتي بإسناد ليس فيه ضعف ، في الأثر التالي .

وهذا الخبر رواه ابن ماجه ص : 1423 رقم : 4262 .

وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 475 ، ونسبة إلى أحمد ، والنسائي وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 83 ، وزاد إلى حبان ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث .

والأثر رقم : 14616 . هو إسناد صحيح للخبر السالف .

(( ابن أبي فديك )) ، هو (( محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك )) ، ثقة ، روى له الجماعة . مضى برقم : 4319 ، 9482 ، 9876 .

(21) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 378 ، 379 .

(22) ديوانه : 895 ، النقائض : 169 ، واللسان ( سمم ) ، من أول قصيدة هاجى بها جريرًا ، ونصر البعيث وهجاه معًا . وكان الذي هاج الهجاء بين جرير والفرزدق ، أن البعيث المجاشعي ، سرقت إبله ، سرقها ناس من بني يربوع ، من رهط جرير ، فطلبها البعيث حتى وجدها في أيديهم ، فأرسل لسانه في بني يربوع ، فاعترضه جرير ، فهجاه ، فانبعث الشر بالبعيث ، فانطلق الفرزدق بعد قليل ينصره ، فقال هذه القصيدة يهجو جريرًا ، وينصر البعيث ويهجوه ، فيقول للبعيث :

دَعَـانِي ابْـنُ حَـمْرَاءِ العِجَانِ وَلَم يَجِدْ

لَـهُ إذْ دَعَـا ، مُسْـتأْخِرًا عَـنْ دُعَائيا

فَنَفَّسْـتُ عَـنْ سَـمَّيْهِ...............

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(( نفس عنه )) ، فرج عنه كربته إذ أطبق عليه جرير ، فاستنقذه من تحت وطأته . فاستطاع أن يتنفس . وقوله : (( لا تخش شيئًا ورائيا )) ، أي : لا تخش ما دمت درعًا لك وأنت من ورائي تحتمي بلساني وهجائي جريرًا . وأما قول أبي عبيدة : (( أي لا تخش شيئًا يأتيك من خلفي )) ، فليس عندي بشيء .

وكان في المطبوعة : (( شيئًا وراءنا )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة .

(23) (( المربد )) ( بكسر فسكون ) : هو المكان الذي تحبس فيه الإبل ، يقال : (( ربد الإبل ربدًا )) ، حبسها . ويقال : (( مربد الغنم )) أيضًا . وبه سمى (( مربد البصرة )) ، لأنه كان موضع سوق الإبل .

(24) (( خرت الإبرة )) ( بضم الخاء أو فتحها ، وسكون الراء ) : هو ثقبها . وكان في المطبوعة : (( في خرق )) وهي صواب ، والمخطوطة تشبه أن تقرأ هكذا وهكذا .

(25) (( أشتر )) ، وهو الجمل ، بالفارسية .

(26) (( أشتر )) ، وهو الجمل ، بالفارسية .

(27) انظر ص : 429 ، التعليق : 2 .

(28) (( القلس )) ( بفتح فسكون ) : هو حبل ضخم غليظ من ليف أو خوص ، وهو من حبال السفن .

(29) (( القلوس )) جمع (( قلس )) ، انظر التعليق السالف .

(30) الأثر : 14645 - (( كعب بن فروخ ، أبو عبد الله البصري )) ، ثقة . مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 2 / 162 . وسيأتي في رقم : 14650 .

(31) انظر تفسير (( الولوج )) فيما سلف 6 : 302 ، وفيه زيادة في مصادره .

(32) انظر تفسير (( الجزاء )) ، و (( الإجرام )) فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) ( جرم ) .

(33) الأثر : 14649 - (( سويد الكلبي )) ، هو : (( كان يقلب السانيد ، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية )) !! ووثقه النسائي وابن معين والعجلي . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 /2 / 149 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 239 .

و (( يحيى بن عتيق الطفاوي البصري )) ، ثقة ، وكان ورعًا متفنًا .

مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 295 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 176 .

(34) الأثر : 14650 - (( كعب بن فروخ )) ، مضى برقم : 14645 .

التدبر :

وقفة
[40] مفهوم الآية أن أرواح المؤمنين المنقادين لأمر الله المصدقين بآياته تفتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى الله، وتصل إلى حيث أراد الله من العالم العلوي، وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ أرواح المكذبين المعرضين لا تفتح لها أبواب السماء، وإذا ماتوا وصعدت فهي تستأذن فلا يؤذن لها، فهي كما لم تصعد في الدنيا بالإيمان بالله ومعرفته ومحبته، فكذلك لا تصعد بعد الموت، فإن الجزاء من جنس العمل.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ كما لم تصعد أرواحهم في الدنيا إلى الإيمان بالله ومعرفته ومحبته؛ كذلك لا تصعد بعد الموت.
عمل
[40] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ أكثِر من طرق بابك الأعلى بالصلاة والدعاء.
وقفة
[40] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ ما دام أن هناك كِبْـرًا فالطريق إلى الجنة مغلق.
اسقاط
[40] ﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ ما دام في القلب كبر، فالطريق نحو الجنة مسدود!
وقفة
[40] ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ ديننا عظيم، لا يقبل كبرًا ولا استعلاء ولا تَألُّهًا.
تفاعل
[40] ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[40] ﴿حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ﴾ هو البعير المعروف، وقال البعض: المقصود بالجمل الحبل الغليظ، لا الجمل المعروف.
لمسة
[40] ﴿حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ يلِج بمعنى يدخل؛ لكن الدخول قد يكون براحة، أما الولوج إلى المكان ففيه شيء من التضييق وصعوبة الحركة.

الإعراب :

  • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا:
  • إن: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إِنَّ». كذبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة: صلة الموصول.
  • ﴿ بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها:
  • جار ومجرور متعلق بكذبوا و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. واستكبروا: معطوفة بالواو على «كَذَّبُوا» وتعرب مثلها. عنها: جار ومجرور متعلق باستكبروا. بمعنى عن الايمان بها.
  • ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ:
  • الجملة: في محل رفع خبر «إِنَّ». لا:نافية لا عمل لها. تفتح: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة والجار والمجرور «لَهُمْ» متعلق بتفتح. و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام. أبواب: نائب فاعل مرفوع بالضمة. السماء: مضاف اليه مجرور بالكسرة. ومعنى لا تفتح لهم: أي لدعائهم.
  • ﴿ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ:
  • الواو: عاطفة. لا: نافية لا عمل لها. يدخلون:فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الجنة: مفعول به منصوب بالفتحة.
  • ﴿ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ:
  • حتى: حرف جر. يلج: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حَتَّى» و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بما قبله بتقدير: لن تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى ولوج الجملة في سم الخياط أي الإبرة. الجمل: فاعل مرفوع بالضمة. في سم: جار ومجرور متعلق بيلج.الخياط: مضاف اليه مجرور بالكسرة وجملة «يَلِجَ الْجَمَلُ» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
  • ﴿ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ:
  • الواو: استئنافية. كذلك: الكاف: اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل نصب نائب مفعول مطلق والتقدير:نجزي جزاء مثل ذلك أو ومثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي المجرمين تكون الكاف في محل رفع مبتدأ وجملة «نَجْزِي» في محل رفع خبرا للمبتدأ. نجزي:فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. المجرمين: مفعول به منصوب بالياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

الأعراف: 36﴿وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الأعراف: 40﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [40] لما قبلها :     بعدَ مشهدِ دخولِ المكذِّبينَ النَّارَ؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا استحالةَ دخولِهم الجَنَّةَ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لا تفتح:
قرئ:
1- لا تفتح، بتاء التأنيث، وهى قراءة أبى عمرو.
2- بالياء والتخفيف، وهى قراءة الأخوين.
3- بالتاء والتشديد، وهى قراءة باقى السبعة.
4- بالتاء مفتوحة والتشديد، وهى قراءة أبى حيوة، وأبى.
الجمل:
قرئ:
1- بضم الجيم وفتح الميم مشددة، وهى قراءة ابن عباس.
2- بضم الجيم وفتح الميم مخففة، وهى قراءة ابن عباس أيضا.
3- بضم الجيم وسكون الميم، وهى قراءة عكرمة، وابن جبير.
4- بفتح الجيم وسكون الميم، وهى قراءة المتوكل، وأبى الجوزاء.
ومعناه فى هذه كلها: حبل السفينة.
5- بفتح الجيم والميم، وهى قراءة الجمهور.
سم:
قرئ:
1- بضم السين، وهى قراءة عبد الله، وقتادة، وأبى رزين، وابن مصرف، وطلحة.
2- بكسر السين، وهى قراءة أبى عمران الحوفى، وأبى نهيك، والأصمعى عن نافع.
3- المخيط، بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء، وهى قراءة عبد الله، وأبى مجاز.
4- المخيط، بفتح الميم، وهى قراءة طلحة.

مدارسة الآية : [41] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن ..

التفسير :

[41] هؤلاء الكفار مخلدون في النار، لهم مِن جهنم فراش مِن تحتهم، ومِن فوقهم أغطية تغشاهم. وبمثل هذا العقاب الشديد يعاقب الله تعالى الظالمين الذين تجاوزوا حدوده فكفروا به وعصَوْه.

{ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ ْ} أي:فراش من تحتهم{ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ْ} أي:ظلل من العذاب، تغشاهم.{ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ْ} لأنفسهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.

ثم بين- سبحانه- ما أعد لهم في النار فقال: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.

جهنم: اسم لدار العذاب. والمهاد: الفراش. والغواشي جمع غاشية، وهي ما يغشى الشيء أى يغطيه ويستره.

أى: أن هؤلاء المكذبين لهم نار جهنم تحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم، فهي من تحتهم بمنزلة الفراش، ومن فوقهم بمثابة الغطاء، ومثل ذلك الجزاء نجزى كل ظالم ومشرك. وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد بينت لنا بأسلوب مؤثر مصور حال المشركين عند ما تقبض أرواحهم، وحالهم عند ما يقفون أمام الله للحساب، وحالهم عند ما يلعن بعضهم بعضا، وحالهم والعذاب من فوقهم ومن أسفل منهم، وهي مشاهد تفزع النفوس، وتحمل العقلاء على الاستقامة والاهتداء.

ثم نرى السورة بعد ذلك تسوق لنا ما أعده الله للمؤمنين بعد أن بينت فيما سبق عاقبة الكافرين فقال- تعالى-:

وقوله : ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ) قال محمد بن كعب القرظي : ( لهم من جهنم مهاد ) قال : الفرش ، ( ومن فوقهم غواش ) قال : اللحف .

وكذا قال الضحاك بن مزاحم ، والسدي ، ( وكذلك نجزي الظالمين ) .

القول في تأويل قوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها =(من جهنم مهاد).

* * *

= وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع، كالفراش الذي يفرش، والبساط الذي يبسط. (35)

* * *

=(ومن فوقهم غواش).

* * *

وهو جمع " غاشية ", وذلك ما غَشَّاهم فغطاهم من فوقهم.

* * *

وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد من تحتهم فُرُش، ومن فوقهم منها لُحُف, وإنهم بين ذلك.

* * *

وبنحو ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14655- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب: (لهم من جهنم مهاد)، قال: الفراش =(ومن فوقهم غواش)، قال: اللُّحُف

14656- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح, عن أبي روق, عن الضحاك: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)، قال: " المهاد "، الفُرُش, و " الغواشي"، اللحف.

14657- حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش)، أما " المهاد " كهيئة الفراش = و " الغواشي"، تتغشاهم من فوقهم.

* * *

وأما قوله (وكذلك نجزي الظالمين)، فإنه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه، فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره بربه، وتكذيبه أنبياءه. (36)

----------------------

الهوامش :

(35) انظر تفسير (( المهاد )) فيما سلف 4 : 246 /6 : 229 /7 : 494 .

(36) انظر تفسير (( الجزاء )) و (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى ) و ( ظلم ) .

التدبر :

وقفة
[41] ﴿لهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ أي: فراش، ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ أي: لحف، وهي جمع غاشية؛ يعني: ما غشاهم وغطاهم؛ يريد إحاطة النار بهم من كل جانب.
لمسة
[41] ﴿لهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ المهاد والغواشي ما يفرشه الإنسان ويتغطى به عند اضطجاعه للنوم، فحولت الآية هذه الوسائل المريحة إلى أدوات للعذاب في جهنم؛ للتهكم والسخرية بأولئك الذين اتخذوا فراشًا وثيرًا في الدنيا، فأُبدِلوا هذا الفراش بفراش آخر، ولكنه في نار جهنم.
وقفة
[41] ﴿لهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ المهاد: الفرش، والغواشي: اللحف، كما أحاطوا أنفسهم بالذنوب في الدنيا، فكذلك أحاطت بهم العقوبات في النار، فمِن فوقهم عذاب، ومِن تحتهم عذاب.
تفاعل
[41] ﴿لهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ استعذ بالله من جهنم.
وقفة
[41] قام من مرضه لسماع آية: عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: سمعت عبد الله بن حنظلة يومًا وهو على فراشه وعُدتُهُ من عِلته، فتلا رجلٌ عنده هذه الآية: ﴿لهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾؛ فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج، وقال: «صاروا بين أطباق النار»، ثم قام على رجليه، فقال قائل: «يا أبا عبد الرحمن، اقعد»، قال: «منعني القعود ذكر جهنم؛ ولعلى أحدهم».

الإعراب :

  • ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ:
  • اللام: حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر مقدم. من: حرف جر. جهنم: اسم مجرور بمن وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث. والجار والمجرور متعلق بحال محذوف من «مِهادٌ» لانه صفة مقدمة له. مهاد: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ:
  • الواو: عاطفة. من فوق: جار ومجرور و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. غواش: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة وحذفت الياء لان الاسم نكرة منقوص أي أغطية جمع «غاشية»
  • ﴿ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ:
  • تعرب أعراب «وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ» الواردة في الاية الكريمة السابقة. '

المتشابهات :

الأعراف: 40﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ
الأعراف: 152﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ
الأعراف: 41﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
يوسف: 75﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
الأنبياء: 29﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [41] لما قبلها :     وبعدَ أن بَيَّنَ اللهُ عز وجل استحالةَ دخولِ الكافرين الجَنَّةَ؛ وَصَفَ هنا حالَهم في النَّارِ، قال تعالى:
﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

غواش:
وقرئ:
بالرفع، كقراءة عبد الله «وله الجوار المنشآت» .

مدارسة الآية : [42] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ ..

التفسير :

[42] والذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة في حدود طاقاتهم -لا يكلف الله نفساً من الأعمال إلا ما تطيق- أولئك أهل الجنة، هم فيها ماكثون أبداً لا يخرجون منها.

لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين، ذكر ثواب المطيعين فقال:{ وَالَّذِينَ آمَنُوا ْ} بقلوبهم{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ْ} بجوارحهم، فجمعوا بين الإيمان والعمل، بين الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، بين فعل الواجبات وترك المحرمات، ولما كان قوله:{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ْ} لفظا عاما يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة، وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد، قال تعالى:{ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ْ} أي:بمقدار ما تسعه طاقتها، ولا يعسر على قدرتها، فعليها في هذه الحال أن تتقي اللّه بحسب استطاعتها، وإذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها كما قال تعالى:{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ْ}{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ْ}{ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ْ}{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ْ} فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة.{ أُولَئِكَ ْ} أي:المتصفون بالإيمان والعمل الصالح{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ْ} أي:لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا، لأنهم يرون فيها من أنواع اللذات وأصناف المشتهيات ما تقف عنده الغايات، ولا يطلب أعلى منه.

أى: والذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعملوا الأعمال الصالحة التي لا عسر فيها ولا مشقة، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أولئك الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، هم أصحاب الجنة هم فيها خالدون.

وجملة- لا نكلف نفسا إلا وسعها- معترضة بين المبتدأ الذي هو قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وبين الخبر الذي هو قوله: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ.

قال الجمل: «وإنما حسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر، لأنه من جنس هذا الكلام، لأنه- سبحانه- لما ذكر عملهم الصالح، ذكر أن ذلك العمل من وسعهم وطاقتهم وغير خارج عن قدرتهم، وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم قدرها، يتوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة ولا صعوبة » .

وقال صاحب الكشاف: «وجملة لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها معترضة بين المبتدأ والخبر، للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع التعظيم بما هو في الوسع، وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الإيمان والعمل الصالح » .

لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر حال السعداء ، فقال : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ، ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله ، واستكبروا عنها .

وينبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل; لأنه تعالى قال : ( لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل ) أي : من حسد وبغضاء ، كما جاء في الصحيح للبخاري ، من حديث قتادة ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا ، أذن لهم في دخول الجنة; فوالذي نفسي بيده ، إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا "

القول في تأويل قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنـزيله وشرائع دينه, وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه، وتجنبوا ما نهاهم عنه (37) =(لا نكلف نفسًا إلا وسعها)، يقول: لا نكلف نفسًا من الأعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه (38) =(أولئك)، يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات =(أصحاب الجنة)، يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها، دون غيرهم ممن كفر بالله, وعمل بسيئاتهم (39) =(هم فيها خالدون)، يقول (40) هم في الجنة ماكثون, دائمٌ فيها مكثهم، (41) لا يخرجون منها، ولا يُسلبون نعيمها. (42)

---------------------

الهوامش :

(37) انظر تفسير (( الصالحات )) فيما سلف من فهارس اللغة ( صلح ) .

(38) انظر تفسير (( التكليف )) و (( الوسع )) فيما سلف ص : 225 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

(39) انظر تفسير (( أصحاب الجنة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( صحب ) .

(40) في المطبوعة والمخطوطة : (( فيها خالدون )) ، بغير (( هم )) ، وأثبت نص التلاوة .

(41) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .

(42) في المطبوعة والمخطوطة : (( ولا يسلبون نعيمهم )) ، والسياق يقتضي ما أثبت .

التدبر :

وقفة
[42] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: آمنت قلوبهم، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بجوارحهم؛ ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله، واستكبروا عنها، وينبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل؛ لأنه تعالى قال: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
وقفة
[42] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ الجنة مع عظم قدرها، يتوصل إليها العبد بالعمل السهل من غير مشقة ولا صعوبة.
وقفة
[42] ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ الالتزامُ بشرعِ اللهِ سهلٌ ومتيسرٌ, فاستعِنْ باللهِ ولا تعجَز.
وقفة
[42] ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ بمقدار ما تسعه طاقتها ولا يعسر على قدرتها، فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة.
وقفة
[42] قال أحدهم: «في لحظات خسرت صحتي ومالي وبيتي وحريتي، وبفضل الله تجاوزتها جميعًا، وخلاصة تجربتي أن الله لا يكلف نفسًا من الإبتلاءات والمصائب إلا ما كان في وسع الانسان أن يتجاوزه، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾».
وقفة
[42] ﴿إِلَّا وُسْعَهَا﴾ الأمر الذي تظن أنَّه فوق طاقتك؛ تأكد أن الله لن يضعه أمامك إلا وجعل بيديك القدرة على تجاوُزه.
تفاعل
[42] ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.

الإعراب :

  • ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا:
  • الواو: استئنافية. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ:
  • معطوفة بالواو على «آمَنُوا» وتعرب إعرابها. الصالحات: مفعول به منصوب بالكسرة لانه ملحق بجمع المؤنث السالم.
  • ﴿ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها:
  • الجملة: اعتراضية بين المبتدأ والخبر لا محل لها. لا: نافية لا عمل لها. نكلف: فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. نفسا: مفعول به منصوب بالفتحة. إلا: أداة استثناء. وسع: مستثنى بإلا منصوب بالفتحة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف اليه.
  • ﴿ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ:
  • الجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول «الَّذِينَ» أولاء: اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. أصحاب: خبر مبتدأ محذوف تقديره هم. الجنة:مضاف اليه مجرور بالكسرة والجملة الاسمية «هم أصحاب الجنة» في محل رفع خبر «أُولئِكَ».
  • ﴿ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
  • هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. فيها: جار ومجرور متعلق بالخبر. خالدون: خبر «هم» مرفوع بالواو لانه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. والجملة الاسمية في محل نصب حال. '

المتشابهات :

البقرة: 286﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
الأنعام: 152﴿وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ
الأعراف: 42﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
المؤمنون: 62﴿وَ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [42] لما قبلها :     وعلى عادةِ القرآنِ بعدَ ذكرِ الوَعيدِ للمُكذِّبينَ؛ أتبعَه هنا بالبِشارَةِ والوَعدِ لِلمُؤمِنينَ المُصَدِّقينَ، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [43] :الأعراف     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ ..

التفسير :

[43] وأذهب الله تعالى ما في صدور أهل الجنة مِن حقد وضغائن، ومن كمال نعيمهم أن الأنهار تجري في الجنة من تحت غرفهم ومنازلهم. وقال أهل الجنة حينما دخلوها:الحمد لله الذي وفَّقنا للعمل الصالح الذي أكسبنا ما نحن فيه من النعيم، وما كنا لنوفَّق إلى سلوك الطريق ا

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ْ} وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن اللّه يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانا متحابين، وأخلاء متصافين. قال تعالى:{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ْ} ويخلق اللّه لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه. وقوله:{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ْ} أي:يفجرونها تفجيرا، حيث شاءوا، وأين أرادوا، إن شاءوا في خلال القصور، أو في تلك الغرف العاليات، أو في رياض الجنات، من تحت تلك الحدائق الزاهرات. أنهار تجري في غير أخدود، وخيرات ليس لها حد محدود{ و ْ} لهذا لما رأوا ما أنعم اللّه عليهم وأكرمهم به{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ْ} بأن من علينا وأوحى إلى قلوبنا، فآمنت به، وانقادت للأعمال الموصلة إلى هذه الدار، وحفظ اللّه علينا إيماننا وأعمالنا، حتى أوصلنا بها إلى هذه الدار، فنعم الرب الكريم، الذي ابتدأنا بالنعم، وأسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون، ولا يعده العادون،{ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ْ} أي:ليس في نفوسنا قابلية للهدى، لولا أنه تعالى منَّ بهدايته واتباع رسله.{ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ْ} أي:حين كانوا يتمتعون بالنعيم الذي أخبرت به الرسل، وصار حق يقين لهم بعد أن كان علم يقين [لهم]، قالوا لقد تحققنا، ورأينا ما وعدتنا به الرسل، وأن جميع ما جاءوا به حق اليقين، لا مرية فيه ولا إشكال،{ وَنُودُوا ْ} تهنئة لهم، وإكراما، وتحية واحتراما،{ أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا ْ} أي:كنتم الوارثين لها، وصارت إقطاعا لكم، إذ كان إقطاع الكفار النار، أورثتموها{ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ} قال بعض السلف:أهل الجنة نجوا من النار بعفو اللّه، وأدخلوا الجنة برحمة اللّه، واقتسموا المنازل وورثوها بالأعمال الصالحة وهي من رحمته، بل من أعلى أنواع رحمته.

ثم بين- سبحانه- ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسي ونقاء قلبي فقال- تعالى-:

وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ أى: قلعنا ما في قلوبهم من تحاقد وعداوات في الدنيا، فهم يدخلون الجنة بقلوب سليمة، زاخرة بالتواد والتعاطف حالة كونهم تجرى من تحتهم الأنهار فيرونها وهم في غرفات قصورهم فيزداد سرورهم وحبورهم.

وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ. أى: قالوا شاكرين لله أنعمه ومننه: الحمد لله الذي هدانا في الدنيا إلى الإيمان والعمل الصالح، وأعطانا في الآخرة هذا النعيم الجزيل، وما كنا لنهتدي إلى ما نحن فيه من نعيم لولا أن هدانا الله إليه بفضله وتوفيقه. وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: ولولا هداية الله موجودة ما اهتدينا.

وقوله: لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ جملة قسمية، أى: والله لقد جاءت رسل ربنا في الدنيا بالحق، لأن ما أخبرونا به قد وجدنا مصداقه في الآخرة.

وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أى: ونودوا من قبل الخالق- عز وجل- بأن قيل لهم: تلكم هي الجنة التي كانت الرسل تعدكم بها في الدنيا قد أورثكم الله إياها بسبب ما قدمتموه من عمل صالح.

فالآية الكريمة صريحة في أن الجنة قد ظفر بها المؤمنون بسبب أعمالهم الصالحة.

فإن قيل: إن هناك أحاديث صحيحة تصرح بأن دخول الجنة ليس بالعمل وإنما بفضل الله،ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته» .

فالجواب على ذلك أنه لا تنافى في الحقيقة، لأن المراد أن العمل لا يوجب دخول الجنة، بل الدخول بمحض فضل الله، والعمل سبب عادى ظاهرى. وتوضيحه أن الأعمال مهما عظمت فهي ثمن ضئيل بالنسبة لعظمة دخول الجنة، فإن النعمة الأخروية سلعة غالية جدا فمثل هذه المقابلة كمثل من يبيع قصورا شاهقة وضياعا واسعة بدرهم واحد.

فإقبال البائع على هذه المبادلة ليس للمساواة بين العمل ونعمة الجنة، بل لتفضله على المشترى ورحمته به، فمن رحمته بعباده المؤمنين أن جعل بعض أعمالهم الفانية وأموالهم الزائلة ثمنا لنعيم لا يبلى، ولذلك قال ابن عباس عند ما قرأ قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ: نعمت الصفقة، أنفس هو خالقها وأموال هو رازقها ثم يمنحنا عليها الجنة.

على أنه- سبحانه- هو المتفضل في الحقيقة بالثمن والمثمن جميعا. لا جرم كان دخول الجنة بفضله- سبحانه- وهو الموفق للعمل والمعين عليه.

ويمكن أن يجاب- أيضا- بأن الفوز بالجنة ونعيمها إنما هو بفضل الله والعمل جميعا، فقوله: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أى: مع فضل الله- تعالى-، وإنما لم يذكر ذلك لئلا يتكلوا. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدا عمله الجنة..» أى مجردا من فضل الله، وإنما اقتصر على هذا لئلا يغتروا.

هذا أصح الآراء في الجمع بين الآية والحديث، وهناك آراء أخرى لم نذكرها لضعفها.

وبعد هذه الموازنة بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين، بدأ القرآن يسوق لنا مشهدا آخر من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.

استمع إلى سورة الأعراف وهي تحكى لنا هذا المشهد المؤثر بأسلوبها العجيب فتقول:

وقال السدي في قوله : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار ) الآية : إن أهل الجنة إذا سبقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فشربوا من إحداهما ، فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو " الشراب الطهور " ، واغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم " نضرة النعيم " فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدا .

وقد روى أبو إسحاق ، عن عاصم ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوا من ذلك كما سيأتي في قوله تعالى : ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) [ الزمر : 73 ] إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان .

وقال قتادة : قال علي ، رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) رواه ابن جرير .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسرائيل قال : سمعت الحسن يقول : قال علي : فينا والله أهل بدر نزلت : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) .

وروى النسائي وابن مردويه - واللفظ له - من حديث أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني ، فيكون له شكرا . وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ، فيكون له حسرة "

ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا : ( أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) أي : بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة ، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم . وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل "

القول في تأويل قوله : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة, ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض, (43) فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين, لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه, تجري من تحتهم أنهار الجنة.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14658- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: (ونـزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: العداوة.

14659- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن سعيد بن بشير, عن قتادة: (ونـزعنا ما في صدورهم من غل)، قال: هي الإحَن.

14660 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك, عن ابن عيينة, عن إسرائيل أبي موسى, عن الحسن, عن علي قال: فينا والله أهلَ بدر نـزلت: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [سورة الحجر: 47].

14661- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة, عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهلَ بدر نـزلت: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ

14662- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: قال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى فيهم: ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ )، رضوان الله عليهم.

14663- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( ونـزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار)، قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا, وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان, فشربوا من إحداهما, فينـزع ما في صدورهم من غِلّ, فهو " الشراب الطهور "، واغتسلوا من الأخرى, فجرت عليهم " نَضْرة النعيم ", فلم يشعَثُوا ولم يتَّسخوا بعدها أبدًا.

14664- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية, عن الجريري, عن أبي نضرة قال، يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض, حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظُفُرٍ ظلمها إياه. ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض, فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقُلامة ظفر ظلمها إياه. (44)

* * *

القول في تأويل قوله : وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حين أدخلوا الجنة, ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته, وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رُسله: (الحمد لله الذي هدانا لهذا)، يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه عنا =(وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، يقول: وما كنا لنرشد لذلك، لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنّه وطَوْله، كما:-

14665- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا الأعمش, عن أبي صالح, عن [أبي سعيد] قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى منـزله من الجنة, فيقولون: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ , فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منـزله من النار, فيقولون: " لولا أن هدانا الله "! فهذا شكرهم. (45)

14666- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا إسحاق يحدِّث عن عاصم بن ضمرة, عن علي قال، ذكر عمر = لشيء لا أحفظه = , ثم ذكر الجنة فقال: يدخلون، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان. قال: فيغتسلون من إحداهما, فتجري عليهم نضرة النعيم, فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبرُّ أبشارهم. ويشربون من الأخرى, فيخرج كل قذًى وقذر وبأس في بطونهم. (46) قال، ثم يفتح لهم باب الجنة, فيقال لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ، قال: فتستقبلهم الوِلدان, فيحفّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. (47) ثم يأتون فيبشرون أزواجهم, فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيقلن: أنت رأيته! قال: فيستخفهنَّ الفرَح, قال: فيجئن حتى يقفن على أُسْكُفَّة الباب. (48) قال: فيجيئون فيدخلون, فإذا أسُّ بيوتهم بِجَندل اللؤلؤ, وإذا صُرُوح صفر وخضر وحمر ومن كل لون, وسُرُر مرفوعة, وأكواب موضوعة, ونمارق مصفوفة, وزرِابيُّ مبثوثة. فلولا أن الله قدَّرها، لالْتُمِعَتْ أبصارهم مما يرون فيها. (49) فيعانقون الأزواج, ويقعدون على السرر, ويقولون: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق)، الآية. (50)

* * *

القول في تأويل قوله : لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها, وهو أنّ أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهلَ طاعته والإيمان به وبرسله، ووعيده أهلَ معاصيه والكفر به.

* * *

وأما قوله: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، فإن معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته: أنْ يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها, أورَثكموها الله عن الذين كذبوا رسله, لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: (بما كنتم تعملون) .

* * *

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14667- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منـزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ, ودخلوا منازلهم, رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها, فقيل لهم: " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ", ثم يقال: " يا أهل الجنة، رِثُوهم بما كنتم تعملون "، فتُقْسم بين أهل الجنة منازلهم.

14668- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري, [عن سعيد بن بكير], عن سفيان الثوري, عن أبي إسحاق, عن الأغرّ: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا، واخلُدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تَبْأسوا. (51)

14669- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن الأغر, عن أبي سعيد: (ونودوا أن تلكم الجنة)، الآية, قال: ينادي منادٍ: أن لكم أنْ تصحُّوا فلا تسقموا أبدًا. (52)

* * *

واختلف أهل العربية في" أنْ" التي مع " تلكم ".

فقال بعض نحويي البصرة: هي" أنّ" الثقيلة، خففت وأضمر فيها, ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة، لأن بعدها اسمًا, والخفيفة لا تليها الأسماء, وقد قال الشاعر: (53)

فِـي فِتْيَـةٍ كَسُـيُوفِ الهِنْـد, قَدْ عَلِمُوا

أنْ هَـالِكٌ كُـلُّ مَـنْ يَحْـفَى وَيَنْتَعِـلُ (54)

وقال آخر: (55)

أُكَاشِـــرُهُ وَأَعْلَـــمُ أَنْ كِلانَـــا

عَـلَى مَـا سَـاءَ صَاحِبَـهُ حَـرِيصُ (56)

قال: فمعناه: أنه كِلانا. قال: ويكون كقوله: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا ، في موضع " أي"؛ وقوله: أَنْ أَقِيمُوا ، [سورة الشورى: 13]، ولا تكون " أن " التي تعمل في الأفعال, لأنك تقول: " غاظني أن قام ", و " أن ذهب ", فتقع على الأفعال، وإن كانت لا تعمل فيها. وفي كتاب الله: وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [سورة ص: 6]، أي: امشوا.

* * *

وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة, فقال: غير جائز أن يكون مع " أن " في هذا الموضع " هاء " مضمرة, لأن " أن " دخلت في الكلام لتَقِيَ ما بعدها. قال: " وأن " هذه التي مع " تلكم " هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية, وليس بلفظ الحكاية, نحو: " ناديت أنك قائم," و " أنْ زيد قائم " و " أنْ قمت ", فتلي كلَّ الكلام, وجعلت " أن " وقاية, لأن النداء يقع على ما بعده, وسلم ما بعد " أن " كما سلم ما بعد " القول ". ألا ترى أنك تقول: " قلت: زيد قائم ", و " قلت: قام ", فتليها ما شئت من الكلام؟ فلما كان النداء بمعنى " الظن " وما أشبهه من " القول " سلم ما بعد " أن ", ودخلت " أن " وقاية. قال: وأما " أي"، فإنها لا تكون على " أن " لا يكون " أي" جواب الكلام, و " أن " تكفي من الاسم.

-------------------

الهوامش :

(43) (( الغمر )) ( بكسر فسكون ) و (( الغمر )) ( بفتحتين ) : الحقد الذي يغمر القلب .

(44) الأثر : 14664 - (( الجريري )) ، (( سعيد بن إياس الجريري )) ، مضى برقم : 196 . و (( أبو نضرة )) ، هو (( المنذر بن مالك بن قطعة العبدي )) ، روى عن علي . مضى برقم : 6337 .

(45) الأثر : 14665 - جاء هكذا في المخطوطة والمطبوعة : (( عن أبي سعيد )) ، يعني أبا سعيد الخدري .

وكأنه خطأ لا شك فيه ، فإني لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد ، ولأن هذا الخبر معروف في حديث أبي هريرة ، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 85 ، فقال : (( أخرج النسائي ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير في ذكر الموت ، وابن مردويه عن أبي هريرة )) ، وساق الخبر . وذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 477 ، فقال : (( روى النسائي وابن مردويه ، واللفظ له ، من حديث أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة )) ، وساق الخبر . وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10 : 399 فقال : (( عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ، وساق الخبر بنحوه من طريقين ، ثم قال : (( رواه كله أحمد ، ورجال الرواية الولى رجال الصحيح )) ، ولم أعرف مكانه من المسند .

فهذا كله يوشك أن يقطع بأن ما في المطبوعة والمخطوطة من قوله : (( عن أبي سعيد )) ، خطأ ، صوابه : (( عن أبي هريرة )) ، ولذلك وضعته بين القوسين .

(46) في المطبوعة : (( قذى وقذر أو شيء في بطونهم )) ، وفي المخطوطة : (( أوس )) ، غير منقوطة وفوقها حرف ( ط ) دلالة على الشك والخطأ . وأثبت الصواب من حادي الأرواح لابن القيم ، والدر المنثور .

(47) (( الحميم )) ، ذو القرابة القريب الذي تحبه وتهتم لأمره .

(48) (( أسكفة الباب )) ( بضم الهمزة ، وسكون السين ، وضم الكاف ، بعدها فاء مشددة مفتوحة ) : عتبة الباب التي يوطأ عليها .

(49) (( التمع الشيء )) اختلسه وذهب به . و (( التمع بصره )) باليناء بالمجهول ، اختلس واختطف فلا يكاد يبصره . ويقال مثله (( التمع لونه )) ، ذهب وتغير .

(50) الأثر : 14666 - (( عاصم بن ضمرة السلولي )) ، وثقه ابن سعد وابن المديني ، والعجلي ، وقال النسائي : (( ليس به بأس )) . ولكن الجوزجاني وابن عدي ضعفاه ، وقال ابن أبي حاتم : (( كان رديء الحفظ ، فاحش الخطأ ، على أنه أحسن حالا - يعني الأعور )) . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 345 ، وميزان الاعتدال 2 : 3 .

وهذا الخبر ، ذكره ابن القيم في حادي الأرواح ( إعلام الموقعين ) 1 : 233 مطولا ، فقال : (( وقال عدي بن الجعد في الجعديات : أنبأنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي قال )) وليس فيه ذكر (( عمر )) .

ثم وجدت أبا جعفر قد رواه في تفسيره ( 24 : 24 ، بولاق ) ، من طريق مجاهد بن موسى ، عن يزيد ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي ، بنحوه .

ثم رواه بعد من طريق أبي إسحاق ، عن الحارث الأعور ، عن علي ، بنحوه .

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 5 : 342 ، ونسبه إلى ابن المبارك في الزهد ، وعبد الرازق ، وابن أبي شيبة ، وابن راهويه ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، والبيهقي في البعث ، والضياء في المختارة ، ولم ينسبه لابن جرير . وساقه مطولا.

وساقه ابن كثير في تفسيره 7 : 273 ، من تفسير ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب ، بنحوه .

وليس في هذه جميعًا ذكر (( عمر )) ، فقوله : (( قال ذكر عمر ، لشيء لا أحفظه )) غريب جدًا لم أعرف تأويله ، ولا ما فيه من تحريف ، إلا أن يكون : (( قال غندر ، لشيء لا أحفظه )) و (( غندر )) هو (( محمد بن جعفر )) الراوي عن شعبة ، فيكون قوله (( قال غندر )) من قول (( محمد بن المثنى )) ، والله أعلم .

(51) الأثر : 14668 - (( عمر بن سعد )) ، (( أبو داود الحفري )) ، ثقة . مضى رقم : 863 ، وهو يروي عن (( سفيان الثوري )) ، ولكن جاء هنا (( سعيد بن بكير )) .

وأما (( سعيد بن بكير )) ، فهو في المطبوعة (( سعد بن بكر )) ، وأثبت ما في المخطوطة . ولست أدري من يكون ؟ أو عن أي شيء هو محرف .

و (( الأغر )) هو (( الأغر )) ، أبو مسلم المدني ، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد ، وكانا اشتركا في عتقه . روى عنه أبو إسحاق السبيعي ، تابعي ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 /2 / 44 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 308 .

وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 17 : 174 ، من طريق عبد الرازق ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مطولا ، بنحوه . وسيأتي مختصرًا في الذي يليه .

(52) الأثر : 14669 - هذا مختصر حديث مسلم ( 17 : 174 ) الذي خرجته في التعليق السالف .

(53) هو الأعشى .

(54) ديوانه : 45 ، سيبويه 1 : 282 ، 440 ، 480 /2 : 123 ، أمالي ابن الشجري 2 : 2 ، الإنصاف : 89 ، والخزانة 3 : 547 / 4 : 356 ، وشرح شواهد العيني ( بهامش الخزانة ) 2 : 287 ، وغيرها .

وهذا البيت أنشده سيبويه ، وتبعه النحاة في كتبهم ، وهو بيت ملفق من بيتين ، يقول الأعشى في قصيدته المشهورة :

إمَّــا تَرَيْنَــا حُفَــاةً لا نِعَـالَ لَنَـا

إِنَّــا كَــذَلِكَ مَـا تَحْـفَى ونَنْتَعِـلُ

فَقَــدْ أُخَــالِسُ رَبَّ البَيْـتِ غَفْلَتُـهُ

وَقَــدْ يُحَـاذِرُ مِنِّـي ثُـمَّ مَـا يَئِـلُ

وَقَــدْ أَقُـودُ الصِّبَـا يَوْمًـا فَيَتْبَعُنِـي

وَقَـدْ يُصَـاحِبْنِي ذُو الشِّـرَّةِ الغَـزِلُ

وَقَــدْ غَـدَوْتُ إلَـى الحَـانُوتِ يَتْبَعُنِي

شَـاوٍ مِشَـلٌ شَـلُولٌ شُلْشُـلٌ شَـوِلُ

فِـي فِتْيَـةٍ كَسُـيُوفِ الهِنْـد، قَدْ عَلِمُوا

أَنْ لَيْسَ يَـدْفَعُ عَـنْ ذِي الحِيلَة الحيَلُ

نــازَعْتُهُمْ قُضُـبَ الرَّيْحَـانِ مُتَّـكِئًـا

وَقَهْــوَةً مُــزَّةً رَواوُوقُهـا خَـضِلُ

لا يَسْــتَفِيقُونَ مِنْهَـا وَهْـيَ رَاهِنَـةٌ

إِلا بِهَــاتِ ، وَإنْ عَلُّـوا وإنْ نَهِلُـوا

(55) لم أعرف قائله .

(56) سيبويه 1 : 440 ، الإنصاف لابن الأنباري : 89 ، 183 ، وأمالي ابن الشجري 1 : 188 ، وغيرها وقوله : (( أكاشره )) : أضاحكه .

التدبر :

وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ حين نطهِّر قلوبنا من الغل؛ نعِشْ في بقعة من الجنة، وحين نحمل الغل؛ فإنما نحمل في صدورنا النار.
لمسة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ (وَنَزَعْنَا) يدل على أنهم يخفون (غلهم) إخفاءً شديدًا عميقًا داخل نفوسهم، (فليس له أثر في حياتهم)، رحم الله أهل الإيمان.
لمسة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ قال: (نزعنا) بلفظ الماضي وهو مستقبل؛ لتحقُّق وقوعه في المستقبل، حتى عبَّر عنه بما يعبر عن الواقع، وكذلك كلُّ ما جاء بعد هذا من الأفعال الماضية في اللفظ وهي تقع في الآخرة؛ كقوله تعالى: ﴿ونادى أصحاب الجنة﴾ [44]، ﴿ونادى أصحاب الأعراف﴾ [48]، وغير ذلك.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ حين نطهر قلوبنا من الغل، فنحن نعيش في جزء من الجنة.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ إن خلا القلبُ من غلٍّ يُكدّره، فبشروه بـدنيا ما بهـا كَـدَرُ!
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ هنيئًا لقلوبٍ تُصْبحُ وتمسِي لا تحملُ حقدًا، تعيش بصفةٍ من صفاتِ أهلِ الجنَّةِ.
عمل
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ تذوق طعم الجنة وأنت هنا، انزعه من قلبك الآن.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ قد يختلف الصالحون ويتطاحنون وتضيق النفوس أحيانًا، لكن لما اجتمعت قلوبهم على الغاية جمعهم هناك.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ صفاء القلب نعيمٌ من الجنة مُعجّل.
اسقاط
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ من رزقه الله سلامة الصدر لإخوانه المسلمين، فقد تعجل شيئًا من نعيم الجنة في صدره.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ قلبك الصافي شيءٌ من الجنة.
عمل
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ فاحْمِ نفسك من قلبك قبل أن يرديك ما فيه من غل، فلن ينجو يوم العرض: ﴿ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ﴾ [الشعراء: 89].
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ ما ألطف الله بعباده المؤمنين! كتب لهم الجنة مع وجود الغل في صدورهم، ونزعه قبل دخولهم إليها، أحسِن الظن بربك.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾، قف وتأمل! إذا كان هذا في صدور الصالحين، والنزع يدل على التجذر، فكيف بما في صدور غيرهم؟!
عمل
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ فلا نعيم يضاهي سلامة الصدر؛ فعجل به في دنياك.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ لماذا خص الله تعالى الغل؟ الجواب والله أعلم: لأنه من أعظم ما يُفسد بين الناس.
وقفة
[43] كلما صفت النفوس قويت أواصر الأخوة ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
عمل
[43] إذا أردت أن تذوق شيئًا من نعيم أهل الجنة؛ فعليك بسلامة الصدر ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
وقفة
[43] إن الحقد يشبه تجرع السم، على أمل أن يموت به شخص آخر، ولذلك كان من نعيم أهل الجنة ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾، فعِش نعيمهم.
عمل
[43] من أعظم صفات أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾، الغل والحقد هو المدمر؛ فراجع قلبك، ونقّه من كل غل وحقد، وادع بالبركة لمن جاء في نفسك عليه شيء.
وقفة
[43] ﻏُﻞ ﺑﻀﻢ ﺍﻟﻐﻴﻦ: ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ﴾ [آل عمران: 161]، ﻏِﻞ ﺑﻜﺴﺮ ﺍﻟﻐﻴﻦ: ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻘﺪ ﻭﺍﻟﻀﻐﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
وقفة
[43] سليم الصدر يتنعم بخصلة من خصال أهل الجنة ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغمر وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.
وقفة
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ وذلك أن صاحب الغلّ متعذب به، ولا عذاب في الجنة.
تفاعل
[43] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ ادعُ الله الآن أن يجعلك من هؤلاء.
عمل
[43] ذَكِّر من حولك بأهمية سلامة القلب، وأنه من صفات أهل الجنة ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾.
تفاعل
[43] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾ (لهذا (تخيل لحظة قد أشارت فيها أصبعك إلى ملكك في الجنة تقول عنه: (هذا).
وقفة
[43] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾ تخيل أنهم عاينوا الجنة بما فيها، أرادوا التعبير عن حمدهم وثنائهم فلم يجدوا خيرًا من: الحمد لله.
وقفة
[43] أهل الجنة يدخلونها يحمدون ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾، وآخر دعواهم الحمد ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: 10].
وقفة
[43] قال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر: 74]، ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾، ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: 10]، الحمد عبادة دائمة في الدنيا والآخرة.
وقفة
[43] بين: ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، و: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾: قصَّةُ حالِ المؤمن مع الهداية في الدارين، ففي الدنيا بحث، وفي الآخرة حمدٌ.
وقفة
[43] الحمد يكون بالقول: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾، والشكر يكون بالقلب: «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ» [الترمذي 3393، وصححه الألباني]، واللسان: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، والعمل: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13].
وقفة
[43] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ﴾ الذي يعمل الحسنات، إذا عملها فنفس عمله الحسنات هو من إحسان الله، وبفضله عليه بالهداية والإيمان؛ كما قال أهل الجنة.
وقفة
[43] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ﴾ طريق الهداية الذي تسلكه، وكل خير تعمله، وكل طاعة تألفها، كل ذلك توفيق من الله وحده، فاحمده واشكره، وانسب الفضل كله له.
وقفة
[43] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا ... أُورِثْتُمُوهَا﴾ أهل الجنة نجوا من النار بعفو الله، وأدخلوا الجنة برحمة الله، واقتسموا المنازل وورثوها بالأعمال الصالحة وهي من رحمته، بل من أعلى أنواع رحمته.
تفاعل
[43] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ قل الآن: الحمد لله.
وقفة
[43] ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾ ما أجملها من كلمة! حين تسمعها بأصوات المرضى الخافتة وعلى شفاه النفوس المتعبة يقولون: «يا رب لك الحمد» في غمرات الألم.
وقفة
[43] الهداية نعمة يحمد أهل الجنة الله عليها ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾.
وقفة
[43] قال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا﴾؛ من ذاق طعم الشكر لا يتركه حتى في الجنة.
عمل
[43] إذا لفحتك يومًا نار الغرور؛ فاذکر دعاء أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ﴾.
عمل
[43] إذا وفقك الله لطاعته فردد شاكرًا لله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ﴾.
وقفة
[43] يجب أن يعلم العبد أن عمله من الحسنات هو بفضل الله ورحمته، ومن نعمته، كما قال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ﴾.
لمسة
[43] ما دلالة التأنيث والتذكير: ﴿لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾، وفي آل عمران: ﴿قد جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي﴾ [آل عمران: 183]؟ آية آل عمران في بني اسرائيل: ﴿الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، كم واحد جاءهم بقربان تأكله النار؟ قليل، أما هنا فآية الأعراف فى الآخرة عند الحساب، عندما يخاطب الله تعالى الناس، فجاء بالصيغة المؤنثة الدالة على الكثرة، كل الرسل الذين بعثوا إليهم.
وقفة
[43] ﴿وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾ ما أجمل هذا النداء! وما أروع ما بعده! (الأمنيات أصبحت حقيقة) بعد رحمة الله.
وقفة
[43] ﴿وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تطييب من الله لخواطر المؤمنين، وإلا فإنهم إذا رأوا مقاعدهم في الجنات علموا أن أعمالهم المشوبة بالتقصير لا توجب لهم أبدًا هذه الدرجات.
وقفة
[43] ﴿وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الميراث هو ما ينتقل من ميِّتٍ إلى حيٍّ، وهو مفقودٌ هنا؟! قلتُ: بل هو تشبيهُ أهل الجنة وأهل النَّار بالوارث والموروث عنه، لأن الله خلق في الجنَّة منازل للكفار بتقدير إيمانهم، فمن لم يُؤمن منهم جُعل منزلُه لأهل الجنة، أو لأنَّ: دخول الجنة لا يكون إلا برحمة الله تعالى لا بعمل، فأشبه الميراثَ، وإن كانت الدرجاتُ فيها بحسب الأعمال.
تفاعل
[43] ﴿وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ سَل الله الجنة الآن.
وقفة
[43] لم يُكتَف في إكرام أهل الجنة وثوابهم بالإكرام بالفعل، والثواب المحسوس، بل إنهم يكرمون بالقول؛ ولذلك لما قال سبحانه: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١]، قال لهم على سبيل الحفاوة والإكرام: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾ [الإنسان: 22]، وهذا له نظائر في القرآن كقوله تعالى: ﴿وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
وقفة
[43] ﴿أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ كلمة الميراث دليل على أن الجنة عطية من الله، ومحض فضل منه؛ لأن إيمان العبد وطاعته لا يوجب عقلًا ولا عدلًا إلا نجاته من العقاب المترتب على الكفران والعصيان، لكن لا يوجب له جزاء ولا عطاء.
وقفة
[43] ﴿الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ الجنة ميراث يرثه أهل الجنة من قوم كانت قد أعدت الجنة لهم، لكنهم لم يقدموا الثمن اللازم لشرائها، قال رسول الله ﷺ: «كُلُّ أَهْلِ الجَنَّةِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ: لَوْلاَ أَنَّ الله هَدَانِي، فَيَكُونُ لَهُ شُكْرٌ، وَكُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي، فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً». [أحمد 2/512، وحسنه الألباني].

الإعراب :

  • ﴿ وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ:
  • الواو: استئنافية. نزع: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في صدور: جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة وتقديرها: استقر في صدورهم أو مستقر في صدورهم. وجملة «استقر» صلة الموصول لا محل لها و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بالاضافة.من غل: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «ما» و «مِنْ» حرف جر بياني.
  • ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ:
  • الجملة في محل نصب حال بمعنى: اخرجنا ما في صدورهم من حقد وهم في الجنة تجري من تحتهم الأنهار. تجري: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. من تحت: جار ومجرور متعلق بتجري أو بحال محذوفة من الانهار. التقدير: كائنة. من تحتهم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. الانهار: فاعل مرفوع بالضمة.
  • ﴿ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ:
  • الواو: استئنافية. قالوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الحمد: مبتدأ مرفوع بالضمة. لله: جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر المبتدأ. وجملة «الْحَمْدُ لِلَّهِ» في محل نصب مفعول به.
  • ﴿ الَّذِي هَدانا لِهذا:
  • الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة للفظ الجلالة. هدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لهذا: اللام حرف جر. هذا:اسم إشارة مبني على السكون في محل جر باللام أي هدانا لما جزاؤه هذا الذي نحن فيه. والجار والمجرور متعلق بهدانا. أي تعدى الفعل باللام وهو قول أهل الجنة وبمعنى الى هذا.
  • ﴿ وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ:
  • الواو عاطفة او استئنافية. ما: نافية لا عمل لها. كنا:فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان». لنهتدي: اللام لام الجحود أي النفي لتوكيد النفي وهي حرف جر. نهتدي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. و «أن» المضمرة وما تلاها: بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخبر «كان» المحذوف. التقدير: ما كنا مريدين للهداية. وبمعنى: وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله.وجملة «نهتدي» صلة «ان» المصدرية المضمرة لا محل لها. اي نهتدي اليه.
  • ﴿ لَوْلا:
  • حرف شرط غير جازم.
  • ﴿ أَنْ هَدانَا اللَّهُ:
  • أن: حرف مصدري. هدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. و «أَنْ» المصدرية وما بعدها: بتاؤيل مصدر في محل رفع مبتدأ. التقدير: لولا هداية الله.وخبر هذا المبتدأ محذوف وجملة «هَدانَا اللَّهُ» صلة «أَنْ» لا محل لها. وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه أي لولا هداية الله لما اهتدينا.
  • ﴿ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ:
  • اللام للابتداء والتوكيد. قد: حرف تحقيق. جاء: فعل ماض مبني على الفتح والتاء علامة التأنيث. رسل: فاعل مرفوع بالضمة وقد أنث فعله على لفظ «الرسل» لا المعنى. رب: مضاف اليه مجرور للتعظيم بالكسرة و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالاضافة. بالحق: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة بتقدير: جاءت الرسل هادية بالحق فاهتدينا بهداهم.
  • ﴿ وَنُودُوا:
  • الواو عاطفة. نودوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح المقدر على الياء المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. بمعنى: وناداهم الملائكة.
  • ﴿ أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها:
  • أن: مخففة من الثقيلة أو هي مهملة لا تعمل والمعنى بأنه والضمير ضمير الشأن والحديث أي ونودوا بأنه تلكم الجنة أورثتموها. ويجوز أن تكون بمعنى «أي» لأن المناداة من القول على تقدير:وقيل لهم: أي تلكم الجنة أورثتموها. تي: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ اللام للبعد والكاف للخطاب والميم علامة الجمع أوردت للتفخيم. الجنة: بدل من اسم الاشارة مرفوعة أيضا وعلامة رفعها الضمة أورثتموها. فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل.الميم علامة جمع الذكور. الواو لاشباع الميم والواو لمعرفة أن الميم للجمع و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. وجملة «أُورِثْتُمُوها» في محل رفع خبر المبتدأ «تِلْكُمُ» والمعنى: هذه هي الجنة التي أورثكم الله جزاء لكم.
  • ﴿ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:
  • بمعنى: بسبب أعمالكم أو جزاء لكم على ما كنتم تعملون بما: جار ومجرور متعلق بأورثتم. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء أو هي مصدرية. كنتم: فعل ماض ناقص مبني على السكون. التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تعملون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «تَعْمَلُونَ» في محل نصب خبر «كان» وجملة «كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» صلة الموصول. '

المتشابهات :

الأعراف: 43﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
الحجر: 47﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [43] لما قبلها :     وبعد ذكر دخول المؤمنين الجنة؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا ما هم عليه من نعيم معنوي، قال تعالى:
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

القراءات :

جاري إعداد الملف الصوتي

وما كنا:
قرئ:
ما كنا، بغير واو، وكذا هى فى مصاحف أهل الشام، وهى قراءة ابن عامر.

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف