121787980818283

الإحصائيات

سورة المائدة
ترتيب المصحف5ترتيب النزول112
التصنيفمدنيّةعدد الصفحات21.50
عدد الآيات120عدد الأجزاء1.07
عدد الأحزاب2.15عدد الأرباع8.60
ترتيب الطول6تبدأ في الجزء6
تنتهي في الجزء7عدد السجدات0
فاتحتهافاتحتها
النداء: 2/10يا أيها الذين آمنوا: 1/3

الروابط الموضوعية

المقطع الأول

من الآية رقم (77) الى الآية رقم (77) عدد الآيات (1)

لمَّا بَيَّنَ غُلوَّ النَّصَارى في عيسى عليه السلام نهاهُم هنا عن الغلوِّ في الدِّينِ، =

فيديو المقطع


المقطع الثاني

من الآية رقم (78) الى الآية رقم (81) عدد الآيات (4)

= ثُمَّ بَيَّنَ سببَ لعنِ الكافرينَ من بني إسرائيلَ وطردِهم من رحمةِ اللهِ: عصيانُهم واعتداؤُهُم على حُرماتِ اللهِ، ولا يَنْهى بعضُهم بعضًا عن المُنكرِ، ويُوالُونَ المشركينَ.

فيديو المقطع


المقطع الثالث

من الآية رقم (82) الى الآية رقم (82) عدد الآيات (1)

لمَّا ذكرَ موالاةَ اليهودِ للمشركينَ ذكرَ هنا شدَّةَ عداوةِ اليهودِ والمشركينَ للمسلمينَ، وقُرْبَ النَّصَارى الصادقينَ من المسلمينَ.

فيديو المقطع


مدارسة السورة

سورة المائدة

الوفاء بالعهود والمواثيق/ الحلال والحرام.

أولاً : التمهيد للسورة :
  • • ما "المائدة" التي سميت بها السورة؟:   الحواريون (أصحاب عيسى عليه السلام الخُلَّص) طلبوا من عيسى عليه السلام أن يدعو اللهَ أن ينزل عليهم مائدة من السماء، ليأكلوا منها وتزداد قلوبهم اطمئنانًا إلى أنه صادق فيما يبلغه عن ربه: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (112-113)، فاستجاب عيسى عليه السلام لهم ودعا ربه، فوعده الله بها، وأخذ عليهم عهدًا وحذرهم من نقضه: أن من كفر بعد نزولها ولم يؤمن فسوف يعذبه عذابًا شديدًا: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (115). وهذا توجيه وتحذير للمسلمين بأن عليهم الوفاء بالعهود والمواثيق، وإلا سيكون العذاب جزاؤهم كما في قصة المائدة. السورة تنادي: - التزموا بالعقود التي ألزمكم الله بها، وأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه. - احذروا من التهاون بهذه العقود أو إضاعتها كما حصل من اليهود والنصارى.
  • • هدف السورة واضح من أول نداء:   لجاء في السورة: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ﴾ أي أوفوا بعهودكم، لا تنقضوا العهود والمواثيق.
ثانيا : أسماء السورة :
  • • الاسم التوقيفي ::   «المائدة».
  • • معنى الاسم ::   المائدة: الخِوَانُ الموضوع عليه طعام، والعرب تقول للخُوان إذا كان عليه طعام: مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة.
  • • سبب التسمية ::   لورود قصة المائدة بها.
  • • أسماء أخرى اجتهادية ::   ‏‏«سورة العقود»؛ لافتتاحها بطلب الإيفاء بالعقود، و«المنقذة»، و«الأحبار».
ثالثا : علمتني السورة :
  • • علمتني السورة ::   الوفاء بالعقود مع الله، ومع الناس، ومع النفس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...﴾
  • • علمتني السورة ::   أن الأخلاق الفاضلة هي أثر للعقيدة الصحيحة والتشريعات الحكيمة.
  • • علمتني السورة ::   أن الإنسان غال عند ربه، من أجل ذلك شرع الله الشرائع التي تضبط حياته، وتصون حرمته ودمه وماله (سورة المائدة أكثر سورة ذكرًا لآيات الأحكام).
  • • علمتني السورة ::   أنه ينبغي على الدعاة أن يبدأوا مع الناس بما أبيح أولًا، ثمّ يبينوا المحرّمات بعد ذلك، لكي يكسبوا القلوب: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِ﴾ (1)، فلم يبدأ ربنا بما قد حُرِّم لكي لا ينفروا، فكلمة ﴿أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ﴾ توحي بأن الخطاب بعدها شديد اللهجة، فتأتي مباشرة كلمة ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾ وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة.
رابعًا : فضل السورة :
  • • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا».
    • عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ، يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (118)، فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ بِهَا وَتَسْجُدُ بِهَا»، قَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا».
    • عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الأُوَل مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَبْرٌ». السبعُ الأُوَل هي: «البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة»، وأَخَذَ السَّبْعَ: أي من حفظها وعلمها وعمل بها، والحَبْر: العالم المتبحر في العلم؛ وذلك لكثرة ما فيها من أحكام شرعية.
    • عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». وسورة المائدة من السبع الطِّوَال التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم مكان التوراة.
    • عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (3)؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا»، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ».
    • قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: «الْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ، وَفِيهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ فَرِيضَةً لَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا».
خامسًا : خصائص السورة :
  • • هي الأكثر ذكرًا لآيات الأحكام.
    • أول سورة -بحسب ترتيب المصحف- تبدأ بنداء المؤمنين: ﴿يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾ من أصل 3 سور افتتحت بذلك، وهي: «المائدة، والحجرات، والممتحنة».
    • آخر سورة نزلت بالأحكام الشرعية.
    • تمتاز بالمواجهة الشديدة مع أهل الكتاب، فهي أكثر السور تكفيرًا لليهود والنصارى.
    • أكثر السور تأكيدًا على أن التشريع حق لله تعالى وحده، حيث خُتِمت ثلاث آيات بالتحذير من الحكم بغير ما أنزل الله، وهي: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (44)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (45)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (47).
سادسًا : العمل بالسورة :
  • • أن نفي بالعقود والعهود مع الله، ومع الناس، ومع النفس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...﴾ (1).
    • أن نتعاون دومًا على البر والتقوى، ففي التقوى رضى الله، وفي البر رضى الناس.
    • أن ندرس بابَ الأطعمةِ من أحد كتبِ الفقه لنتعلَّمَ ما يُبَاح وما يحْرُم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ...﴾ (3).
    • أن نزور أحد المرضى ونعلمه صفة التيمم: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (6).
    • أن نتوخي العدل دائمًا؛ حتى في معاملة المخالفين: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ (8).
    • أن نفوض أمورنا إلى الله تعالى، ونعتمد عليه، ونفعل الأسباب، ولا نعتمد عليها: ﴿وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (11).
    • ألا نُظهِر البلاء على ألسنتنا؛ فالبلاء موكّل بالمنطق، فاليهود لما قالوا: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ (النساء 155)، أي لا تعي شيء، حلّ بهم البلاء: ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ (13).
    • أن نجمع بين البشارة والنذارة أثناء دعوة الناس إلى الله: ﴿فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ (19).
    • أن نعدد ثلاثًا من النعم التي اختصنا الله بها دون أقراننا، ونشكره عليها: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ﴾ (20).
    • ألا يغيب عنا التفاؤل أبدًا: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ (23).
    • أن نحذر الحسد؛ لأنه صفة ذميمة تؤذي صاحبها وتجره إلى معصية الله، وتجعله يسخط ويعترض على ربه، فهو أول ذنب عُصي الله به في السماء والأرض: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ ...﴾ (27).
    • أن نشدد العقوبة بحق من يفسدون في الأرض ويقطعون الطريق؛ حتى نمنع مجرمين آخرين من الظهور: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ ...﴾ (33).
    • أن نشتغل بالإصلاح بعد التوبة؛ لأن هذا سبب لقبولها: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (39).
    • أن نحدد أمورًا تتطهر بها قلوبنا، ثم نفعلها، ونتحل بها؛ مثل: حسن الظن، والعفو: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّـهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ (41).
    • أن نسبق اليوم غيرنا إلى نوع من الطاعات؛ كالصف الأول، والصدقة لمضطر محتاج، أو غيرها من أبواب الخير: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (48).
    • ألا نتخذ اليهود والنصارى أولياء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ...﴾ (51).
    • أن نتذكّر قول الله: ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ (54) عندما نرى من أقراننا من هو أفضل منا فهمًا أو علمًا أو مالًا أو نعمة.
    • أن نحفظ ألسنتنا عن كثرة الحلِف: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ (89).
    • أن نتجنب الخمر والميسر والأزلام والأنصاب، ونبين للناس حرمة ذلك: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ...﴾ (90).
    • أن نحدد بعض المنكرات ونبلغ الناس حكم الله فيها: ﴿مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (99).
    • ألا نسأل عن الأمور التي لا فائدة من وراءها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (101).
    • أن نكتب الوصية قبل النوم، وننصح غيرنا بذلك، ونبين لهم أهمية كتابة الوصية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ (106).
    • أن نحذر أشد الحذر من كفران النعم، فإن أشد الناس عذابًا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (115).
    • أن نسأل الله كثيرًا أن يرزقنا الصدق في القول والعمل: ﴿قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ (119).

تمرين حفظ الصفحة : 121

121

مدارسة الآية : [78] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي ..

التفسير :

[78] يخبر تعالى أنه طرد مِن رحمته الكافرين من بني إسرائيل في الكتاب الذي أنزله على داود -عليه السلام- وهو الزَّبور، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى -عليه السلام- وهو الإنجيل؛ بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله.

{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي:طردوا وأبعدوا عن رحمة الله{ عَلَى لِسَـانِ دَاوُدَ وَعِيسَـى ابْنِ مَرْيَــمَ} أي:بشهادتهما وإقرارهما، بأن الحجة قد قامت عليهم، وعاندوها.{ ذَلِكَ} الكفر واللعن{ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} أي:بعصيانهم لله، وظلمهم لعباد الله، صار سببا لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله، فإن للذنوب والظلم عقوبات.

وقوله لُعِنَ من اللعن بمعنى الطرد من رحمة الله فالملعون هو المحروم من رحمته- سبحانه- ولطفه وعنايته.

والمعنى: لعن الله- تعالى- الذين كفروا من بنى إسرائيل بأن طردهم من رحمته، على لسان نبيين كريمين هما داود وعيسى- عليهما السلام- وقد جاء الفعل «لعن» بالبناء للمجهول لأن الفاعل معلوم وهو الله- تعالى- ولأن الأنبياء ومنهم داود وعيسى لا يلعنون أحدا إلا بإذن الله- سبحانه- وقوله: مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ في محل نصب على الحال من الذين كفروا أو من فاعل كَفَرُوا وهو واو الجماعة.

وقوله: عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ متعلق بلعن. أى: لعنهم- سبحانه- في الزبور والإنجيل على لسان هذين النبيين الكريمين اللذين كان أولهما- بجانب منصب الرسالة- قائدا مظفرا قادهم إلى النصر بعد الهزيمة. وكان ثانيهما وهو عيسى- عليه السلام- رسولا مسالما جاءهم ليحل لهم بعض الذي حرم عليهم.

قال الآلوسى: لعنهم الله- تعالى- في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى ابن مريم بأن أنزل في هذين الكتابين «ملعون من يكفر من بنى إسرائيل بالله أو بأحد من رسله» .

وقيل: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة.

وأصحاب المائدة لما كفروا بعيسى قال: اللهم عذب من كفر من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت».

وقوله: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ بيان لسبب لعنهم وطردهم من رحمة الله.

واسم الإشارة ذلِكَ يعود إلى اللعن المذكور.

أى: ذلك اللعن للكافرين من بنى إسرائيل سببه عصيانهم لله ولرسله، وعدوانهم على الذين يأمرونهم بالقسط من الناس.

أى أن لعنهم لم يكن اعتباطا أو جزافا، وإنما كان بسبب أقوالهم القبيحة وأفعالهم المنكرة، وسلوكهم السيئ.

وقوله: ذلِكَ بِما عَصَوْا جملة من مبتدأ وخبر. وقوله: وَكانُوا يَعْتَدُونَ معطوف على صلة ما وهو عَصَوْا فيكون داخلا في حيز السبب الذي أدى إلى لعنهم والجملة المكونة من اسم الإشارة ذلِكَ وما بعدها مستأنفة واقعة موقع الجواب لسؤال تقديره لماذا لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل؟

وقد أفاد اسم الإشارة مع باء السببية ومع وقوع الجملة في جواب سؤال مقدر أفاد مجموع ذلك ما يشبه القصر.

وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.

أى: لم يكن ذلك اللعن الشنيع إلا لأجل المعصية والاعتداء لا لشيء آخر،.

وعبر- سبحانه- عن عصيانهم بالماضي فقال ذلِكَ بِما عَصَوْا للإشارة إلى استقرار العصيان في طبائعهم، وثباته في نفوسهم وجوارحهم.

وعبر عن عدوانهم بالمضارع، للإيذان بأنه مستمر قائم، فهم لم يتركوا نبيا إلا وآذوه، ولم يتركوا مصلحا إلا واعتدوا عليه فاعتداؤهم على المصلحين مستمر في كل زمان ومكان.

يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل ، فيما أنزل على داود نبيه ، عليه السلام ، وعلى لسان عيسى ابن مريم بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه .

قال العوفي ، عن ابن عباس : لعنوا في التوراة و [ في ] الإنجيل وفي الزبور ، وفي الفرقان .

القول في تأويل قوله : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل لهؤلاء النصارى الذين وصفَ تعالى ذكره صفتهم: لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحق، ولا تقولوا فيه ما قالت اليهود الذين قد لعنهم الله على لسان أنبيائه ورسله، داود وعيسى ابن مريم. (4)

* * *

وكان لعن الله إياهم على ألسنتهم، كالذي:-

12298 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " قال: لعنوا بكل لسان: لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن.

12299 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم "، يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم، ولعنوا في الزبور على لسان داود.

12300 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم "، قال: خالطوهم بعد النهي في تجاراتهم، فضرب الله قلوبَ بعضهم ببعض، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم.

12301 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن حصين، عن مجاهد: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم "، قال: لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، ولُعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازيرَ.

12302 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس، قوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل "، بكل لسان لُعِنوا: على عهد موسى في التوراة، وعلى عهد داود في الزبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن= قال ابن جريج: وقال آخرون: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود "، على عهده، فلعنوا بدعوته. قال: مرَّ داود على نفر منهم وهم في بيت فقال: من في البيت؟ قالوا: خنازير. قال: " اللهم اجعلهم خنازير!" فكانوا خنازير. قال: ثم أصابتهم لعنته، ودعا عليهم عيسى فقال: " اللهم العن من افترى عليّ وعلى أمي، واجعلهم قردة خاسئين "!

12303 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل " الآية، لعنهم الله على لسان داود في زمانه، فجعلهم قردة خاسئين= وفي الإنجيل على لسان عيسى، فجعلهم خنازير.

12304 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير، عن حصين= يعني: ابن عبد الرحمن=، عن أبي مالك قال: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود "، قال: مسخوا على لسان داود قردة، وعلى لسان عيسى خنازير. (5)

12305 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك، مثله.

12306 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن العلاء بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو بن مرة، عن سالم الأفطس، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرًا، (6) فإذا كان من الغدِ لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشَرِيبَه. (7) فلما رأى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم=" ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "، قال: والذي نفسي بيده، لتأمُرنَّ بالمعروف، ولتنهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخُذُنَّ على يدي المسيء، ولتُؤَطِّرُنَّه على الحقّ أطْرًا، (8) أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعنَّنكم كما لعنهم. (9)

12307 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير بن سَلمان قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لما فشا المنكر في بني إسرائيل، جعل الرجل يلقَى الرجل فيقول: يا هذا، اتق الله! ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه. فلما رأى الله ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم أنـزل فيهم كتابًا: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهَوْن عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَّكئًا، فجلس وقال: كلا والذى نفسي بيده، حتى تأطِرُوا الظالم على الحق أطْرًا . (10)

12308 - حدثنا علي بن سهل الرملي قال، حدثنا المؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، أظنه عن مسروق، عن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل لما ظهر منهم المنكر، جعل الرجل يرى أخاه وجارَه وصاحبَه على المنكر، فينهاه، ثم لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشَرِيبَه ونديمه، فضرب الله قلوبَ بعضهم على بعض، ولعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم=" ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "، إلى فَاسِقُونَ ، قال عبد الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا، فاستوى جالسًا، فغضب وقال: لا والله، حتى تأخذوا على يَدَيِ الظالم فتأطِرُوه على الحق أطرًا. (11)

12309 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقصُ، كان الرجل يرى أخاه على الرَّيْبِ فينهاه عنه، فإذا كان الغدُ، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوبَ بعضهم ببعض، ونـزل فيهم القرآن فقال: " لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " حتى بلغ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، &; 10-494 &; قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا فجلس، وقال: لا حتى تأخذوا على يَدَيِ الظالم فتأطروه على الحق أطرًا. (12)

12310 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو داود= قال: أملاه عليَّ= قال، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. (13)

12311 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، على علي بن بذيمة قال: سمعت أبا عبيدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه= غير أنهما قالا في حديثهما: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا فاستوى جالسًا، ثم قال: كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يَدَيِ الظالم فتأطروه على الحق أطرًا ". (14)

12312 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم "، قال فقال: لعنوا في الإنجيل وفي الزبور= وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ رَحَى الإيمان قد دارت، فدُوروا مع القرآن حيث دار [*فإنه... قد فرغ الله مما افترض فيه]. (15) [وإن ابن مرح] كان أمة من بني إسرائيل، (16) كانوا أهل عدل، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فأخذه قومهم فنشروهم بالمناشير، وصلبوهم على الخشب، وبقيت منهم بقية، فلم يرضوا حتى داخلوا الملوك وجالسوهم، ثم لم يرضوا حتى واكلوهم، (17) فضرب الله تلك القلوب بعضها ببعض فجعلها واحدة. فذلك قول الله تعالى: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " إلى: " ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "، ماذا كانت معصيتهم؟ قال: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ .

* * *

فتأويل الكلام إذًا: لَعَن الله الذين كفروا= من اليهود= بالله على لسان داود وعيسى ابن مريم، ولُعن والله آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، بما عصوا الله فخالفوا أمره=" وكانوا يعتدون "، يقول: وكانوا يتجاوزون حدودَه. (18)

----------------

الهوامش :

(4) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف ص: 452 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

= وتفسير"الاعتداء" فيما سلف ص: 447 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(5) الأثر: 12304-"أبو محصن الضرير": "حصين بن نمير الواسطي" ، ثقة ، ولكن كان يحمل على علي رضي الله عنه ، فقال الحاكم: "ليس بالقوي عندهم". مترجم في التهذيب.

(6) في المطبوعة: "تعزيرًا" ، وهو خطأ محض ، صوابه من المخطوطة ، وتفسير ابن كثير. و"التعذير": أن يفعل الشيء غير مبالغ في فعله. وتعذير بني إسرائيل: أنهم لم يبالغوا في نهيهم عن المعاصي ، وداهنوا العصاة ، ولم ينكروا أعمالهم بالمعاصي حق الإنكار ، فنهوهم نهيًا قصروا فيه ولم يبالغوا.

(7) "الأكيل": الذي يصاحبك في الأكل. و"الشريب": الذي يصاحبك في الشراب. و"الخليط": الذي يخالطك. كل ذلك"فعيل" بمعنى"مفاعل".

(8) في المطبوعة: "ولا تواطئونه على الخواطر" ، وهو من عجيب الكلام ، فضلا عن أنه عبث وتحريف لما كان في المخطوطة!! وكان في المخطوطة: "ولواطونه على الحواطرا" ، غير منقوطة ، فلعب بها ناشر المطبوعة لعبًا كما شاء. وصواب قراءة ما كان في المخطوطة هو ما أثبت. وبمثل ذلك سيأتي في الأخبار التالية.

إلا أني قرأت المخطوطة: "ولتؤطرنه" (بتشديد الطاء) من قولهم في ماضيه: "أطره" (بتشديد الطاء) أي: عطفه. ورواية الآثار الآتية ، ثلاثية الفعل: "حتى تأطروه" من قولهم في الثلاثي: "أطره يأطره أطرًا": وذلك إذا قبض على أحد طرفي العود مثلا ، فعطفه عطفًا.

(9) الأثر: 12306-"عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي" ، ثقة ، مضى برقم: 221 ، 875.

و"العلاء بن المسيب بن رافع الأسدي" ، ثقة مأمون ، مضى برقم: 3789.

و"عبد الله بن عمرو بن مرة المرادي" ، روى عنه أبيه ، وعن محمد بن سوقة ، وعاصم ابن بهدلة.

و"سالم الأفطس" ، هو: "سالم بن عجلان الجزري الحراني" ، روى عنه عمرو بن مرة. وهو من أقرانه. وذكر الحافظ في التهذيب: "ويقال: عبد الله بن عمرو بن مرة".

ويمثل هذا الإسناد من رواية المحاربي = أي: "عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس" ، رواه أبو داود في سننه 4: 172 ، وابن أبي حاتم في تفسيره ، فيما نقله ابن كثير في تفسيره 3: 205 ، وعقب عليه بقوله: "ورواه خالد الطحان = هو: خالد بن عبد الله الواسطي = عن العلاء ، عن عمرو بن مرة" ، ورواه قبله برقم: 4337 ، من طريق خلف بن هشام ، عن أبي شهاب الحناط ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس". فالذي هنا هو رواية المحاربي ، لا شك أنها: "عبد الله بن عمرو بن مرة" ، وكأنه خطأ من المحاربي ، فسائر الرواة على أنه"عن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس".

و"عمرو بن مرة المرادي الجملي" ، "أبو عبد الله الأعمى" ، ثقة صدوق. وهو يروي عن أبي عبيدة مباشرة ، فرواه هنا عن أحد أقرانه"سالم الأفطس" ، عن أبي عبيدة" ، ورواه خالد الطحان ، عن العلاء ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة مباشرة ، دون واسطة"سالم الأفطس".

وهذا إسناد ضعيف على كل حال ، لانقطاعه.

(10) الأثر: 12307- خبر علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، رواه أبو جعفر من خمس طرق. سيأتي تخريجها مفصلا ، ثم انظر آخرها رقم: 12311.

"الحكم بن بشير بن سلمان النهدي" ، ثقة مضى برقم: 1497 ، 2872 ، 3014 ، 6171 ، 9646. وكان في المطبوعة هنا: "ابن سليمان" ، وهو خطأ مر مثله.

و"عمرو بن قيس الملائي" ، مضى برقم: 886 ، 1497 ، 3956 ، 6171 ، 9646. و"علي بن بذيمة الجزري" ، ثقة ، مضى برقم: 629.

وهذا الخبر ، لم أجده بهذا الإسناد إلى علي بن بذيمة.

(11) الأثر: 1308-"مؤمل بن إسمعيل العدوي" ، ثقة ، مضى برقم: 2057 ، 3337 ، 5728 ، 8356 ، 8367.

و"سفيان" هو الثوري.

وطريق سفيان ، عن علي بن بذيمة ، يأتي أيضا برقم: 12309 ، 12311 ، مرسلا ، "عن أبي عبيدة قال قال رسول الله" ، ليس فيه ذكر"عبد الله بن مسعود". وهو المعروف من رواية سفيان. روى الترمذي في السنن (في كتاب التفسير): "قال عبد الله بن عبد الرحمن ، قال يزيد بن هرون: وكان سفيان الثوري لا يقول فيه: "عبد الله" يعني أنه مرسل من خبر أبي عبيدة. فأفادنا الطبري هنا أن سفيان الثوري ، رواه مرة أخرى ، "عن أبي عبيدة ، أظنه عن مسروق ، عن عبد الله" ، فلم يذكر"عبد الله" فحسب ، بل شك في أن أبا عبيدة رواه عن مسروق عن عبد الله ، فإذا صح ظن سفيان هذا ، فإن حديث صحيح الإسناد ، غير منقطع ولا مرسل.

ولم أجد هذه الرواية بهذا الإسناد في مكان آخر.

(12) الأثر: 12209- وهذا الإسناد الثالث من أسانيد خبر علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، والثاني من خبر سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، رواه الترمذي في السنن (كتاب التفسير) من طريق محمد بن بشار ، بمثله. ورواه ابن ماجه رقم: 4006 أيضا ، بمثله.

(13) الأثر: 12310-"محمد بن أبي الوضاح" منسوب إلى جده ، وهو: "محمد بن مسلم ابن أبي الوضاح القضاعي". روى عنه أبو داود الطيالسي. ثقة مستقيم الحديث. مترجم في التهذيب.

وهذا الخبر بهذا الإسناد ، رواه الترمذي في السنن في (كتاب التفسير) ، وابن ماجه في السنن ، تابع رقم: 4006 ، بمثله.

(14) الأثر: 12311- هذا هو الإسناد الثالث من أسانيد"سفيان ، عن علي بن بذيمة". وهو خبر مرسل.

وخبر علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، روى من طرق أخرى.

رواه أحمد في المسند رقم: 3713 ، من طريق يزيد بن هرون ، عن شريك بن عبد الله ، عن علي بن بذيمة ، بلفظ آخر مثله. ورواه الترمذي في (كتاب التفسير) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن هرون ، بمثل رواية أحمد.

ورواه أبو داود في سننه 4: 172 ، رقم: 4336 ، من طريق عبد الله بن محمد النفيلي ، عن يونس بن راشد ، عن علي بن بذيمة ، بمثله ، بلفظ آخر.

وهذه الآثار كلها ، من منقطعة أو مرسلة ، ولم يوصل الخبر إلا في الإسناد رقم: 12308. وقال الترمذي بعد روايته: "هذا حديث حسن غريب".

انظر تفسير ابن كثير 3: 205 ، 206 ، والدر المنثور 2: 300.

(15) كان في المطبوعة: "... حيث دار ، فإنه قد فرغ الله مما افترض فيه" ، ساق الكلام سياقًا واحدًا بعد تغييره ، والذي في المخطوطة هو ما أثبته ، وبين الكلامين بياض بقدر كلمة أو كلمتين ، وضعت مكانهما نقطًا ، تركته حتى يعثر على الخبر فيتمه وجدانه.

(16) وهذا الذي بين القوسين ، هو الثابت في المخطوطة ، ولا أدري ما هو ، ولكن ناشر المطبوعة الأولى جعل الكلام هكذا: "وإنه كانت أمة من بني إسرائيل" ، فرأيت أن أثبت ما في المخطوطة على حاله ، حتى إذا وجد الخبر في مكان آخر صحح. وكان هذا والذي قبله في المخطوطة في سطر واحد ، وأمام السطر حرف (ط) بالأحمر دلالة على الخطأ.

(17) هكذا في المطبوعة والمخطوطة"فلم يرضوا" و"ثم لم يرضوا" في الموضعين ، وأنا في شك منها ، وأرجح أنها: "فلم يريموا" ، و"ثم لم يريموا" ، أي: لم يلبثوا.

(18) انظر تفسير"الاعتداء" فيما سلف قريبا ص: 489 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[78] المجتمع السلبي الذي يرى المنكر ولا ينكره هو مجتمع ملعون بنص القرآن.
وقفة
[78] العصيان والاعتداء يجلبان لصاحبهما الحرمان والخسران.
وقفة
[78] ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ لم ينفعهم -مع نسبتهم إلى واحدة من الشريعتين- نسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام؛ فإنه لا نسب لأحد عند الله دون التقوى، لا سيما في يوم الفصل؛ إذ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.
وقفة
[78] ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ لعن الله الكافرين وإن كانوا من أولاد الأنبياء؛ فشرف النسب لا يمنع إطلاق اللعنة في حقهم.
تفاعل
[78] ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ استعذ بالله الآن.
لمسة
[78] ﴿ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ عبر ربنا سبحانه عن عصيان بني إسرائيل بالفعل الماضي (عَصَوا)؛ لنعلم أن العصيان قد وقع منهم وتقرر ذلك، بينما عبر عن الاعتداء بالفعل المضارع (يَعْتَدُونَ)، ولم يقل: (بما عصوا واعتدوا)؛ ليستقر في الأذهان أن الاعتداء منهم مستمر، فقد اعتدوا على محمد r بالتكذيب ومحاولة الفتك والكيد، وما زال هذا شأنهم.
وقفة
[78، 79] إن القرآن ليحدثنا أن شعبًا قديمًا قد تعرضوا للعنة على ألسنة الأنبياء، وكان كل ذنبه حتى يستحق هذه اللعنة: أن المجتمع لم ينكر على بعض أعضائه فعلهم للشر! ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ... كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[78، 79] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات الدين العظيمة، وترك بعض الأمم لها كان سببًا للعنها ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ... كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[78، 79] القرآن يَلعن المجتمع السلبي الذي يرى المنكر ولا ينكره! ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ... كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[78، 79] ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لِلَّعْنِ والطرد من رحمة الله تعالى ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ... كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • لعن: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول لا محل لها.
  • ﴿ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ:
  • جار ومجرور وعلامة جر الاسم الياء لانه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون للاضافة. إسرائيل: مضاف اليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لانه اسم ممنوع من الصرف على العجمة و «مِنْ بَنِي» متعلق بحال محذوفة من «الَّذِينَ»
  • ﴿ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى:
  • جار ومجرور متعلق بلعن. داود: يعرب اعراب «إِسْرائِيلَ» وعيسى: معطوف بالواو على «داوُدَ» مجرور مثله بالفتحة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ ابْنِ مَرْيَمَ:
  • ابن: بدل من «عِيسَى» بدل كل من كل مجرور بالكسرة. مريم: مضاف اليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لانه ممنوع من الصرف.
  • ﴿ ذلِكَ بِما عَصَوْا:
  • ذا: اسم اشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد والكاف حرف خطاب. بما: الباء: حرف جر. ما: مصدرية. عصوا: فعل ماض مبني على الضم المقدر على الالف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة ولالتقاء الساكنين. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بالخبر، التقدير: ذلك اللعن كان بسبب عصيانهم واعتدائهم وجملة «عَصَوْا» صلة «ما» لا محل لها.
  • ﴿ وَكانُوا يَعْتَدُونَ:
  • الواو: عاطفة أي وبما كانوا. كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان». يعتدون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَعْتَدُونَ» في محل نصب خبر «كان». '

المتشابهات :

البقرة: 61﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ
آل عمران: 112﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ
المائدة: 78﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن فقاللُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) حتى بلغوَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) قال: وكان نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئًا فجلس فقاللا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد الطبري الحديث بنصه، أما سائر جمهور المفسرين فلم يذكروا التصريح بسبب النزول لكن منهم من ذكر الحديث بدون ذكر الآية، ومنهم من ذكر الحديث ثم قال: قرألُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .. ) والظاهر والله - تعالى أعلم - أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية لما يلي: أولأ: أن الحديث ضعيف بسبب انقطاعه. ثانيًا: إعراض جمهور المفسرين عن ذكره والاحتجاج به على نزولها.ثالثا: أن الآية تتحدث عن الكافرين الملعونين على لسان داود، وعيسى ابن مريم، ومن المعلوم أن دهراً طويلاً كان بين النبيين الكريمين، وبين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف ينزل قرآن بسبب قوم أذنبوا قبل نزوله بقرون. وبناءً على ما تقدم يكون المراد بقوله: ونزل فيهم القرآن، أي: نزل في الحديث عنهم القرآن كما نزل كثيراً في الحديث عن الأمم السابقة. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية بسبب ضعفه، وكون المتحدث عنهم من الأمم السالفة.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [78] لما قبلها :     وبعد أن ذكر اللهُ عز وجل في الآيات السابقة كثير من جرائم بني إسرائيل؛ أعاد التذكير هنا بجرائم شاعت في بني إسرائيل، وبسببها استحقوا اللعن والطرد من رحمة الله، قال تعالى:
﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [79] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ ..

التفسير :

[79] كان هؤلاء اليهود يُجاهرون بالمعاصي ويرضَوْنها، ولا يَنْهى بعضُهم بعضاً عن أيِّ منكر فعلوه، وهذا من أفعالهم السيئة، وبه استحقوا أن يُطْرَدُوا من رحمة الله تعالى.

ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات، وأوقعت بهم العقوبات أنهم:{ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} أي:كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة:منها:أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية. ومنها:ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها. ومنها:أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلًا. ومنها:أن - في ترك الإنكار للمنكر- يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟"ومنها:أن السكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه، ومنها ومنها. فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم.

ثم فسر- سبحانه- عصيانهم وعدوانهم بقوله كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ.

وقوله يَتَناهَوْنَ من التناهى.

قال الفخر الرازي: وللتناهى هاهنا معنيان:

أحدهما: وهو الذي عليه الجمهور- أنه تفاعل من النهى. أى: كانوا لا ينهى بعضهم بعضا.

روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رضى عمل قوم فهو منهم. ومن كثر سواد قوم فهو منهم» والمعنى الثاني: في التناهى أنه بمعنى الانتهاء عن الأمر، تناهى عنه إذا كف عنه»

والمنكر: هو كل ما تنكره الشرائع والعقول من الأقوال والأفعال.

أى أن مظاهر عصيان الكافرين من بنى إسرائيل وتعديهم مما أدى إلى لعنهم وطردهم من رحمة الله أنهم كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن اقتراف المنكرات. واجتراح السيئات، بل كانوا يرون المنكرات ترتكب فيسكتون عنها بدون استنكار مع قدرتهم على منعها قبل وقوعها.

وهذا شر ما تصاب به الأمم حاضرها ومستقبلها: أن تفشو فيها المنكرات والسيئات والرذائل فلا تجد من يستطيع تغييرها وإزالتها.

وقوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ذم لهم على كثرة ولوغهم في المعاصي والمنكرات وتعجب من سوء فعلهم.

واللام في قوله لَبِئْسَ لام القسم فكأنه- سبحانه- قال: أقسم لبئس ما كانوا يفعلون وهو ارتكاب المعاصي والعدوان وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

قال صاحب الكشاف: قوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ للتعجيب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم. فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهى عن المناكير، وقلة عبئهم به، كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب.

فإن قلت ما معنى وصف المنكر بفعلوه، ولا يكون النهى بعد الفعل؟ قلت: معناه لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه، أو عن منكر أرادوا فعله كما ترى أمارات الخوض في الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فتنكر» .

هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لأنهما قوام الأمم وسياج الدين ولإصلاح لأمة من الأمم إلا بالقيام بحقهما.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث في هذا المعنى.

ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» .

وروى الإمام أحمد في معنى الآية عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم أو في أسواقهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» .

قال ابن مسعود: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال: «لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا- أى تحملوهم على التزام الحق وتعطفوهم عليه» .

وروى الترمذي عن حذيفة بن اليمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» .

وروى الإمام أحمد عن عدى بن عميرة- رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله- لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه. فإذا فعلوا ذلك لعن الله العامة والخاصة» .

وروى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال يا رسول الله، متى نترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم قلنا: يا رسول الله، وما الذي ظهر في الأمم قبلنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم» أى في فساقكم.

هذا جانب من الأحاديث التي وردت في وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فعلى الأمة الاسلامية أن تقوم بحقها حتى تكون مستحقة لمدح الله- تعالى- لها بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.

ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ، فقال : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) أي : كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوا ، فقال : ( لبئس ما كانوا يفعلون )

وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يزيد ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم في مجالسهم - قال يزيد : وأحسبه قال : وأسواقهم - وواكلوهم وشاربوهم . فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال : " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا " .

وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا يونس بن راشد ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا ، اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك . ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) إلى قوله : ( فاسقون ) ثم قال : " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا - أو تقصرنه على الحق قصرا " .

وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة به ، وقال الترمذي : " حسن غريب " . ثم رواه هو وابن ماجه ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة مرسلا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وهارون بن إسحاق الهمداني قالا حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه - وفي حديث هارون : وشريبه ، ثم اتفقا في المتن - فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب قلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد المسيء ، ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، أو ليلعنكم كما لعنهم " ، والسياق لأبي سعيد . كذا قال في رواية هذا الحديث .

وقد رواه أبو داود أيضا ، عن خلف بن هشام ، عن أبي شهاب الخياط ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم - وهو ابن عجلان الأفطس - ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . ثم قال أبو داود : وكذا رواه خالد ، عن العلاء ، عن عمرو بن مرة به . ورواه المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : وقد رواه خالد بن عبد الله الواسطي ، عن العلاء عن عمرو بن مرة ، عن أبي موسى

والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام . [ و ] قد تقدم حديث جرير عند قوله [ تعالى ] ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ المائدة : 63 ] ، وسيأتي عند قوله : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ المائدة : 105 ] ، حديث أبي بكر الصديق وأبي ثعلبة الخشني [ رضي الله عنهما ] - فقال الإمام أحمد :

حدثنا سليمان الهاشمي أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " .

ورواه الترمذي ، عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر به . وقال : هذا حديث حسن

وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن عثمان ، عن عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة ، عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " . تفرد به ، وعاصم هذا مجهول .

وفي الصحيح من طريق الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، عن سعيد - وعن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا سيف - هو ابن أبي سليمان سمعت عدي بن عدي الكندي يحدث عن مجاهد قال : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي - يعني : عدي بن عميرة رضي الله عنه - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه . فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة " .

ثم رواه أحمد ، عن أحمد بن الحجاج ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، عن عدي بن عدي الكندي حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره . هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا مغيرة بن زياد الموصلي ، عن عدي بن عدي ، عن العرس - يعني ابن عميرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة : فأنكرها - كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها . "

تفرد به أبو داود ثم رواه عن أحمد بن يونس ، عن أبي شهاب ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي مرسلا .

[ و ] قال أبو داود : حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا حدثنا شعبة - وهذا لفظه - عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال : أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم - وقال سليمان : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " لن يهلك الناس حتى يعذروا - أو : يعذروا - من أنفسهم " .

وقال ابن ماجه : حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا ، فكان فيما قال : " ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه " . قال : فبكى أبو سعيد وقال : قد - والله - رأينا أشياء ، فهبنا .

وفي حديث إسرائيل : عن محمد بن حجادة ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " .

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه .

وقال ابن ماجه : حدثنا راشد بن سعيد الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال : يا رسول الله ، أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه . فلما رمى الجمرة الثانية سأله ، فسكت عنه . فلما رمى جمرة العقبة ، ووضع رجله في الغرز ليركب ، قال : " أين السائل؟ " قال : أنا يا رسول الله ، قال : " كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر " . تفرد به .

وقال ابن ماجه : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقر أحدكم نفسه " . قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ . قال : " يرى أمرا لله فيه مقال ، ثم لا يقول فيه . فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا وكذا؟ فيقول : خشية الناس ، فيقول : فإياي كنت أحق أن تخشى " . تفرد به .

وقال أيضا : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة ، حدثنا نهار العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال : يا رب ، رجوتك وفرقت من الناس " . تفرد به أيضا ابن ماجه وإسناده لا بأس به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عمرو بن عاصم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن جندب ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه " . قيل : وكيف يذل نفسه؟ قال : " يتعرض من البلاء لما لا يطيق " .

وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا ، عن محمد بن بشار ، عن عمرو بن عاصم به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .

وقال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ، حدثنا الهيثم بن حميد ، حدثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرعيني ، عن مكحول عن أنس بن مالك قال : قيل : يا رسول الله ، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم " . قلنا : يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال : " الملك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رذالكم " . قال زيد : تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " " والعلم في رذالكم " : إذا كان العلم في الفساق .

تفرد به ابن ماجه وسيأتي في حديث أبي ثعلبة عند قوله : ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ المائدة : 105 ] شاهد لهذا ، إن شاء الله تعالى وبه الثقة .

القول في تأويل قوله : كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء اليهود الذين لعنهم الله=" لا يتناهون "، يقول: لا ينتهون عن منكر فعلوه، ولا ينهى بعضهم بعضًا. (19) ويعني بـ" المنكر "، المعاصي التي كانوا يعصون الله بها. (20)

* * *

فتأويل الكلام: كانوا لا ينتهون عن منكر أتوه=" لبئس ما كانوا يفعلون ". وهذا قسم من الله تعالى ذكره يقول: أقسم: لبئس الفعل كانوا يفعلون، في تركهم الانتهاء عن معاصي الله تعالى ذكره، وركوب محارمه، وقتل أنبياء الله ورسله، (21) كما:-

12313 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه "، لا تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا في الكفر.

--------------

الهوامش :

(19) انظر تفسير"انتهى" فيما سلف قريبًا ص: 482 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.

(20) انظر تفسير"المنكر" فيما سلف 7: 91 ، 105 ، 130.

(21) انظر تفسير"بئس" فيما سلف 2 : 338 ، 393/ 3 : 56/ 7 : 459.

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[79] ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ إن قلتَ: النَّهيُ عن المنكر بعد فعله لا معنى له؟! قلتُ: فيه حذف مضافٍ، أي كانوا لا يتناهون عن معاودة منكرٍ فعلوه، أو عن مثله، أو عن منكرٍ أرادوا فعله، أي لا يمتنعون، أو المعنى كانوا لا ينتهون عن منكر فعلوه، بل يُصِرُّون عليه.
وقفة
[79] المتتبع في القرآن لعقوبات الله للأمم يجد أن معظمها وقع بسبب ترك النهي عن المنكر، لا بسبب ترك اﻷمر بالمعروف ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[79] لو سكت أهل الحق عن بيان الحق؛ لاستمر المخطئون على أخطائهم، وقلدهم غيرهم في ذلك، وباء الساكتون بإثم الكتمان ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[79] منكرات اﻷفعال في المجتمعات أشد خطرًا وأدعى لعقوبة الله ولعنته من منكرات اﻷقوال، فقد قال الله عن بني إسرائيل: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[79] قال ابن مسعود t: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر؛ وترك ذلك مجلبة لعقوبة الله ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾.
وقفة
[79] ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ قال أهل العلم: وليس من شرط الناهي عن المنكر أن يكون سليمًا من المعاصي، بل ينهى العصاة بعضهم بعضًا.
وقفة
[79] ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ من شأن المنكرات أن يبدأها واحد، ثم يتبناها قلة، فإن لم يجدوا من يغير عليهم تزايدوا، فانتشرت حتى تعم، وينسى الناس كونها من المنكرات، فلا يهتدون إلى الإقلاع والتوبة منها، فتصيبهم لعنة الله.
لمسة
[79] ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ قال ابن عاشور: «أطلق على ترك التناهي لفظ الفعل في قوله: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ مع أنه ترك؛ لأن السكوت على المنكر لا يخلو من إظهار الرضا به والمشاركة فيه».
وقفة
[79] ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ فعلك للمنكر لا يسوِّغ لك ترك الإنكار على مرتكب المنكر.
وقفة
[79] التناصح موجب لرحمة الله، وتركه موجب لغضبه ولعنته، لما لعن الله بني إسرائيل قال: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
وقفة
[79] المصلحون رحمة للأمة وخصومهم لعنة عليها، فالله حينما لعن بني إسرائيل بيَّن السبب فقال: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
وقفة
[79] المصلحون سبب رحمة الأمة، ووقاية لها من نزول لعنة الله، فالله حين (لعن) بني إسرائيل بين لنا السبب فقال: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
عمل
[79] بحكمة ورحمة أنكر اليوم منكرًا من غيبة تسمعها، أو نميمة تصل إليك، أو نحو ذلك ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
عمل
[79] اشكر أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وادعُ له بالتوفيق ولو برسالة ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
لمسة
[79] أطلق الله سبحانه على ترك التناهي: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ﴾ لفظ الفعل في قوله: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾؛ ذلك لأن السكوت عن المنكر لا يخلو من إظهار الرضا به والمشاركة فيه، وهو فعل كما جاء في الآية.

الإعراب :

  • ﴿ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ:
  • كان: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والالف فارقة. لا: نافية لا عمل لها. يتناهون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «لا يَتَناهَوْنَ» في محل نصب خبر «كان» بمعنى لا ينهي بعضهم بعضا.
  • ﴿ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ:
  • جار ومجرور متعلق بيتناهون. فعلوه: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وجملة «فَعَلُوهُ» في محل جر صفة لمنكر بمعنى: عن معاودة منكر فعلوه او عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله.
  • ﴿ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ:
  • اللام: لام التأكيد. والجملة بلفظ تعجيب مؤكد بالقسم بتقدير: لبئس الترك للتناهي فعلا. بئس: فعل ماض مبني على الفتح لانشاء الذم. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما: نكرة بمعنى «شيء» في محل نصب تمييز لفاعل «بئس» المستتر. كانوا: جملة في محل نصب صفة للتمييز «ما» والجملة سبق اعرابها. يفعلون: تعرب إعراب «يَتَناهَوْنَ». ويجوز أن تعرب «لَبِئْسَ ما» فعلا وفاعلا. '

المتشابهات :

المائدة: 62﴿وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
المائدة: 63﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
المائدة: 79﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن فقاللُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) حتى بلغوَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) قال: وكان نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئًا فجلس فقاللا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد الطبري الحديث بنصه، أما سائر جمهور المفسرين فلم يذكروا التصريح بسبب النزول لكن منهم من ذكر الحديث بدون ذكر الآية، ومنهم من ذكر الحديث ثم قال: قرألُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .. ) والظاهر والله - تعالى أعلم - أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية لما يلي: أولأ: أن الحديث ضعيف بسبب انقطاعه. ثانيًا: إعراض جمهور المفسرين عن ذكره والاحتجاج به على نزولها.ثالثا: أن الآية تتحدث عن الكافرين الملعونين على لسان داود، وعيسى ابن مريم، ومن المعلوم أن دهراً طويلاً كان بين النبيين الكريمين، وبين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف ينزل قرآن بسبب قوم أذنبوا قبل نزوله بقرون. وبناءً على ما تقدم يكون المراد بقوله: ونزل فيهم القرآن، أي: نزل في الحديث عنهم القرآن كما نزل كثيراً في الحديث عن الأمم السابقة. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية بسبب ضعفه، وكون المتحدث عنهم من الأمم السالفة.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [79] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل عصيان بني إسرائيل واعتداءهم على حُرماتِ اللهِ؛ بَيَّنَ هنا أن من أسباب استمرارهم على العصيان وتعدى الحدود، وهو: ترك النهي عن المُنكرِ، قال تعالى:
﴿ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [80] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ ..

التفسير :

[80] تَرَى -أيها الرسول- كثيراً من هؤلاء اليهود يَتَّخذون المشركين أولياء لهم، ساء ما عملوه من الموالاة التي كانت سبباً في غضب الله عليهم، وخلودهم في عذاب الله يوم القيامة.

{ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالمحبة والموالاة والنصرة.{ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} هذه البضاعةَ الكاسدة، والصفقةَ الخاسرة، وهي سخط الله الذي يسخط لسخطه كل شيء، والخلود الدائم في العذاب العظيم، فقد ظلمتهم أنفسهم حيث قدمت لهم هذا النزل غير الكريم، وقد ظلموا أنفسهم إذ فوتوها النعيم المقيم.

ثم حكى- سبحانه- ما كان يقوم به اليهود في العهد النبوي من تحالف مع المشركين ضد المسلمين فقال: تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا.

أى: ترى- أيها الرسول الكريم- كثيرا من بنى إسرائيل المعاصرين لك يوالون الكافرين ويحالفونهم عليك بسبب حسدهم لك على ما آتاك الله من فضله وبسبب كراهتهم للإسلام والمسلمين.

والذي يقرأ تاريخ الدعوة الاسلامية يرى أن اليهود كانوا دائما يضعون العراقيل في طريقها، ويناصرون كل محارب لها، ففي غزوة الأحزاب انضم بنو قريظة إلى المشركين ولم يقيموا وزنا للعهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين المسلمين .

وفي كل زمان ومكان نرى أن اليهود يحاربون الإسلام والمسلمين، ويؤيدون كل من يريد لهما الشرور والاضرار.

وقوله: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ذم لهم على موالاتهم للمشركين وبيان لما حاق بهم من سوء المصير بسبب مناصرتهم لأعداء الله، ومحاربتهم لأوليائه.

أى: لبئس ما قدمت لهم أنفسهم من أقوال كاذبة وأعمال قبيحة وأفعال منكرة استحقوا بسببها سخط الله عليهم، ولعنه إياهم كما استحقوا أيضا بسببها الخلود الدائم في العذاب المهين.

قال الجمل: وما في قوله لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ هي الفاعل، وقوله: وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ هذه الجملة معطوفة على ما قبلها فهي من جملة المخصوص بالذم.

فالتقدير: سخط الله عليهم وخلدهم في العذاب.

وقوله : ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ) قال مجاهد : يعني بذلك المنافقين . وقوله : ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) يعني بذلك موالاتهم للكافرين ، وتركهم موالاة المؤمنين ، التي أعقبتهم نفاقا في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم سخطا مستمرا إلى يوم معادهم ; ولهذا قال : ( أن سخط الله عليهم ) فسر بذلك ما ذمهم به . ثم أخيرا أنهم ( وفي العذاب هم خالدون ) يعني يوم القيامة .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مسلمة بن علي ، عن الأعمش بإسناد ذكره قال : " يا معشر المسلمين ، إياكم والزنا ، فإن فيه ست خصال ، ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة ، فأما التي في الدنيا : فإنه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر . وأما التي في الآخرة : فإنه يوجب سخط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار " . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )

هكذا ذكره ابن أبي حاتم وقد رواه ابن مردويه عن طريق هشام بن عمار ، عن مسلمة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم - فذكره . وساقه أيضا من طريق سعيد بن عفير ، عن مسلمة ، عن أبي عبد الرحمن الكوفي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله . وهذا حديث ضعيف على كل حال ، والله أعلم .

القول في تأويل قوله : تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " ترى "، يا محمد، كثيرًا من بني إسرائيل=" يتولون الذين كفروا "، يقول: يتولون المشركين من عَبَدة الأوثان، ويعادون أولياء الله ورسله (22) =" لبئس ما قدمت لهم أنفسهم "، يقول تعالى ذكره: أُقسم: لبئس الشيء الذي قدمت لهم أنفسهم أمامهم إلى معادهم في الآخرة (23) =" أنْ سخط الله عليهم "، يقول: قدّمت لهم أنفسهم سخط الله عليهم بما فعلوا.

* * *

و " أن " في قوله: " أنْ سخط الله عليهم "، في موضع رفع، ترجمةً عن " ما "، الذي في قوله: " لبئس ما ". (24)

* * *

=" وفي العذاب هم خالدون "، يقول: وفي عذاب الله يوم القيامة=" هم خالدون "، دائم مُقامهم ومُكثهم فيه. (25)

-------------

الهوامش :

(22) انظر تفسير"التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى).

(23) انظر تفسير"قدم" فيما سلف 2: 368/7: 447/8: 514.

(24) "الترجمة": البدل ، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات.

(25) انظر تفسير"الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد).

التدبر :

وقفة
[80] تولي الذين كـفروا من الأمـور التي تسـبب سـخط الله على العبد.
تفاعل
[80] ﴿أَن سَخِطَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ استعذ بالله أن تكون من هؤلاء.
وقفة
[80، 81] من علامات الإيمان: الحب في الله والبغض في الله ﴿تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ:
  • ترى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. كثيرا: مفعول به منصوب بالفتحة. منهم: جار ومجرور متعلق بصفة لكثيرا.
  • ﴿ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. كفروا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «كَفَرُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ:
  • اللام للتاكيد. بئس: فعل ماض مبني على الفتح لانشاء الذم وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. ما: نكرة بمعنى «شيء» في محل نصب تمييز لفاعل «بئس» المستتر و «قَدَّمَتْ لَهُمْ» فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة. لهم: جار ومجرور متعلق بقدمت. أنفس: فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف اليه وجملة «يَتَوَلَّوْنَ» في محل نصب حال من «كَثِيراً» لانه وصف. ولأن «تَرى» فعل الرؤية.
  • ﴿ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ:
  • أن: حرف مصدري. سخط: فعل ماض مبني على الفتح. الله: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة و «أن وما تلاها» بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر لانه هو المخصوص بالذم. كأنه قيل: لبئس زادهم الى الآخرة سخط الله عليهم. عليهم: جار ومجرور متعلق بسخط.
  • ﴿ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ:
  • الواو: استئنافية في العذاب جار ومجرور متعلق بخالدون. التقدير: سخط الله عليهم والخلود في النار. هم: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. خالدون: خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

المائدة: 80﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ
التوبة: 17﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّـهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن فقاللُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) حتى بلغوَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) قال: وكان نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئًا فجلس فقاللا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد الطبري الحديث بنصه، أما سائر جمهور المفسرين فلم يذكروا التصريح بسبب النزول لكن منهم من ذكر الحديث بدون ذكر الآية، ومنهم من ذكر الحديث ثم قال: قرألُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .. ) والظاهر والله - تعالى أعلم - أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية لما يلي: أولأ: أن الحديث ضعيف بسبب انقطاعه. ثانيًا: إعراض جمهور المفسرين عن ذكره والاحتجاج به على نزولها.ثالثا: أن الآية تتحدث عن الكافرين الملعونين على لسان داود، وعيسى ابن مريم، ومن المعلوم أن دهراً طويلاً كان بين النبيين الكريمين، وبين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف ينزل قرآن بسبب قوم أذنبوا قبل نزوله بقرون. وبناءً على ما تقدم يكون المراد بقوله: ونزل فيهم القرآن، أي: نزل في الحديث عنهم القرآن كما نزل كثيراً في الحديث عن الأمم السابقة. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية بسبب ضعفه، وكون المتحدث عنهم من الأمم السالفة.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [80] لما قبلها :     ولَمَّا وصف اللهُ عز وجل أسلافهم بما تقدم؛ وصف الحاضرين منهم هنا بأنهم يتولون الكافرين وعبدة الأوثان، ويتحالفون معهم ضد المسلمين، مما يدل على رسوخ تلك الأمور فيهم، قال تعالى:
﴿ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [81] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ ..

التفسير :

[81] ولو أن هؤلاء اليهود الذين يناصرون المشركين كانوا قد آمنوا بالله تعالى والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقرُّوا بما أنزل إليه -وهو القرآن الكريم- ما اتخذوا الكفار أصحاباً وأنصاراً، ولكن كثيراً منهم خارجون عن طاعة الله ورسوله.

{ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} فإن الإيمان بالله وبالنبي وما أنزل إليه، يوجب على العبد موالاة ربه، وموالاة أوليائه، ومعاداة من كفر به وعاداه، وأوضع في معاصيه، فشرط ولايةِ الله والإيمانِ به، أن لا يتخذ أعداء الله أولياء، وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط، فدل على انتفاء المشروط.{ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي:خارجون عن طاعة الله والإيمان به وبالنبي. ومن فسقهم موالاةُ أعداء الله.

ثم بين- سبحانه- الدوافع التي حملت هؤلاء الفاسقين من أهل الكتاب على ولاية الكافرين ومصادقتهم ومعاونتهم على حرب المسلمين فقال:

وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ، وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ.

فالضمير في قوله كانُوا يعود إلى أولئك الكثيرين من أهل الكتاب الذين حملهم حقدهم وبغضهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولأتباعه على موالاة الكافرين.

والمراد- هنا- بالنبي: موسى- عليه السلام- وبما أنزل إليه التوراة، لأن الحديث مع الكافرين من بنى إسرائيل الذين يزعمون أنهم من أتباع موسى.

وقيل المراد به النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بما أنزل إليه: القرآن.

أى: ولو كان هؤلاء اليهود يؤمنون بالله إيمانا حقا، ويؤمنون بنبيهم موسى إيمانا صادقا ويؤمنون بالتوراة التي أنزلها الله عليه إيمانا سليما، لو كانوا مؤمنين هذا الإيمان الصادق، لكفوا عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصفياء، لأن تحريم موالاة المشركين متأكدة في التوراة وفي كل شريعة أنزلها الله على نبي من أنبيائه.

وقوله: وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ استدراك لبيان حالهم، ولبيان سبب موالاتهم للكافرين وعداوتهم للمسلمين.

أى: ولكن كثيرا من هؤلاء اليهود فاسقون، أى: خارجون عن الدين الحق إلى الأديان الباطلة، فدفعهم هذا الفسق وما صاحبه من حقد وعناد على موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين.

وقد كرر سبحانه وصف الكثيرين منهم بالصفات الذميمة، إنصافا للقلة التي آمنت وتمييزا لها عن تلك الكثرة الكافرة الفاسقة..وبذلك نرى الآيات الكريمة قد بينت ما عليه الكافرون من بنى إسرائيل من صفات ذميمة، أفضت إلى لعنهم وطردهم من رحمة الله، حتى يحذرهم المسلمون ويجتنبوا سلوكهم السيئ، وخلقهم القبيح.

وبعد هذا الحديث الطويل الذي طوفت فيه سورة المائدة مع أهل الكتاب بصفة عامة ومع اليهود بصفة خاصة، والذي تحدثت خلاله عن علاقة المؤمنين بهم وعن العهود التي أخذها الله عليهم وموقفهم منها، وعن دعاواهم الباطلة وكيف رد القرآن عليها، وعن أخلاقهم السيئة، وعن مسالكهم الخبيثة لكيد الإسلام والمسلمين، وعن المصير السيئ الذي ينتظرهم إذا ما استمروا على كفرهم وضلالهم، وعن المنهاج القويم الذي استعمله القرآن معهم في دعوتهم إلى الدين الحق، بعد هذا الحديث الطويل معهم في تلك الموضوعات وفي غيرها نرى السورة الكريمة في نهاية المطاف تحدثنا عن أشد الناس عداوة للمؤمنين وعن أقربهم مودة لهم فتقول:

ثم قال تعالى : ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ) أي : لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسل والفرقان لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه ( ولكن كثيرا منهم فاسقون ) أي : خارجون عن طاعة الله ورسوله مخالفون لآيات وحيه وتنزيله .

القول في تأويل قوله : وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو كان هؤلاء الذين يتولون الذين كفروا من بني إسرائيل=" يؤمنون بالله والنبي"، يقول: يصدِّقون الله ويقرُّون به ويوحِّدونه، ويصدقون نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه لله نبي مبعوث، ورسول مرسل=" وما أنـزل إليه "، يقول: ويقرُّون بما أنـزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من آي الفرقان=

" ما اتخذوهم أولياء "، يقول: ما اتخذوهم أصحابًا وأنصارًا من دون المؤمنين (26) =" ولكن كثيرًا منهم فاسقون "، يقول: ولكن كثيرًا منهم أهل خروج عن طاعة الله إلى معصيته، وأهلُ استحلال لما حرَّم الله عليهم من القول والفعل. (27)

* * *

وكان مجاهد يقول في ذلك بما:-

12314 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنـزل إليه ما اتخذوهم أولياء "، قال: المنافقون.

------------------

الهوامش :

(26) انظر تفسير"الأولياء" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي).

(27) انظر تفسير"الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق).

المعاني :

لم يذكر المصنف هنا شيء

التدبر :

وقفة
[81] ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ بَيَّنَ سبحانه أن الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة؛ يستلزم ثبوت لوازمه وانتفاء أضداده، ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله.
وقفة
[81] ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ اتخاذ الكافرين أولياء مناف للإيمان بالله ورسوله وكتابه.
وقفة
[81] ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ الاستدلال بالمشاهَد على الخفي! لا أحدَ يعلم قدر الإيمان في القلب، لكن للإيمان آثار تدلُّ عليه، ومن آثاره: عدم تولِّي الكفَّار واتخاذهم أولياء.
وقفة
[81] ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ من خلا قلبه من القرآن والسنة أصبح مرتعًا لأولياء الشيطان حبًّا ونصرة.

الإعراب :

  • ﴿ وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ:
  • الواو: استئنافية. لو: حرف شرط غير جازم كانوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والالف فارقة. يؤمنون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يُؤْمِنُونَ» في محل نصب خبر «كان».
  • ﴿ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ:
  • جار ومجرور للتعظيم متعلق بيؤمنون. والنبي: معطوف بواو العطف على لفظ الجلالة مجرور وعلامة الجر الكسرة وما: معطوفة بالواو على ما قبلها وهي اسم موصول مبني على السكون في محل جر. أنزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «أُنْزِلَ إِلَيْهِ» صلة الموصول. إليه: جار ومجرور متعلق بأنزل.
  • ﴿ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ:
  • ما: حرف نفي واقع في جواب الشرط لا محل له. اتخذوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. أولياء: مفعول به ثان منصوب بالفتحة ولم ينون لانه ممنوع من الصرف.
  • ﴿ وَلكِنَّ كَثِيراً:
  • الواو: استئنافية تفيد الاستدراك. لكنّ: حرف مشبه بالفعل كثيرا: اسمها منصوب بالفتحة.
  • ﴿ مِنْهُمْ فاسِقُونَ:
  • جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من كثيرا ومن بيانية. فاسقون: خبر «لكِنَّ» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

المائدة: 49﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ
المائدة: 81﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن فقاللُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) حتى بلغوَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) قال: وكان نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئًا فجلس فقاللا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد الطبري الحديث بنصه، أما سائر جمهور المفسرين فلم يذكروا التصريح بسبب النزول لكن منهم من ذكر الحديث بدون ذكر الآية، ومنهم من ذكر الحديث ثم قال: قرألُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .. ) والظاهر والله - تعالى أعلم - أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية لما يلي: أولأ: أن الحديث ضعيف بسبب انقطاعه. ثانيًا: إعراض جمهور المفسرين عن ذكره والاحتجاج به على نزولها.ثالثا: أن الآية تتحدث عن الكافرين الملعونين على لسان داود، وعيسى ابن مريم، ومن المعلوم أن دهراً طويلاً كان بين النبيين الكريمين، وبين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف ينزل قرآن بسبب قوم أذنبوا قبل نزوله بقرون. وبناءً على ما تقدم يكون المراد بقوله: ونزل فيهم القرآن، أي: نزل في الحديث عنهم القرآن كما نزل كثيراً في الحديث عن الأمم السابقة. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية بسبب ضعفه، وكون المتحدث عنهم من الأمم السالفة.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [81] لما قبلها :     ولَمَّا ذكر اللهُ عز وجل ولاية أهل الكتاب للمشركين؛ بَيَّنَ هنا الدوافع التي حملت أهل الكتاب على ولاية المشركين ومصادقتهم ومعاونتهم على حرب المسلمين، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [82] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ..

التفسير :

[82] لتجدنَّ -أيها الرسول- أشدَّ الناس عداوة للذين صدَّقوك وآمنوا بك واتبعوك، اليهودَ؛ لعنادهم، وجحودهم، وغمطهم الحق، والذين أشركوا مع الله غيره، كعبدة الأوثان وغيرهم، ولتجدنَّ أقربهم مودة للمسلمين الذين قالوا:إنا نصارى؛ ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين

يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين، وإلى ولايتهم ومحبتهم، وأبعدهم من ذلك:{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا.{ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} وذكر تعالى لذلك عدة أسباب:منها:أن{ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} أي:علماء متزهدين، وعُبَّادًا في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين. ومنها:{ أنهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ} أي:ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر.

أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: بعث النجاشيّ وفدا إلى رسول صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قال: فأنزل الله فيهم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ إلى آخر الآية. قال:

فرجعوا إلى النجاشيّ فأخبروه فأسلم النجاشيّ فلم يزل مسلما حتى مات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن أخاكم النجاشيّ قد مات فصلوا عليه فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة والنجاشيّ بالحبشة.

ثم قال ابن جرير بعد أن ساق روايات أخرى في سبب نزول هذه الآيات: والصواب في ذلك من القول عندي، أن الله- تعالى- وصف صفة قوم قالوا: إنا نصارى، وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس مودة لأهل الايمان بالله ورسوله، ولم يسم لنا أسماءهم وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشيّ ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا على شريعة عيسى فأدركهم الإسلام فأسلموا، لما سمعوا القرآن، وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه» .

فقوله- تعالى- لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من آيات سجلت على اليهود كثيرا من الصفات القبيحة والمسالك الخبيثة.

وقد أكد- سبحانه- هذه الجملة بلام القسم اعتناء ببيان تحقق مضمونها، والخطاب للنبي- صلى الله عليه وسلم ويصح أن يكون لكل من يصلح للخطاب للإيذان بأن حالهم لا تخفى على أحد من الناس.

والمعنى: أقسم لك يا محمد بأنك عند مخالطتك للناس ودعوتهم إلى الدين الحق، ستجد أشدهم عداوة لك ولأتباعك فريقين منهم: وهما اليهود والذين أشركوا، لأن عداوتهم منشؤها الحقد والحسد والعناد والغرور. وهذه الرذائل متى تمكنت في النفس حالت بينها وبين الهداية والإيمان بالحق.

وقوله أَشَدَّ النَّاسِ مفعول أول لقوله لَتَجِدَنَّ ومفعوله الثاني الْيَهُودَ وقوله عَداوَةً تمييز.

قال الآلوسى: والظاهر أن المراد من اليهود العموم، أى من كان منهم بحضرة الرسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة وغيرهم ويؤيده ما أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله» وقيل المراد بهم يهود المدينة وفيه بعد، وكما اختلف في عموم اليهود اختلف في عموم الذين أشركوا. والمراد من النَّاسِ. كما قال أبو حيان- الكفار: أى لتجدن أشد الكفار عداوة هؤلاء.

ووصفهم- سبحانه- بذلك لشدة كفرهم، وانهماكهم في اتباع الهوى، وقربهم إلى التقليد، وبعدهم عن التحقيق، وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء، وقد قيل: إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأى طريق كان وفي تقديم اليهود على المشركين إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة» .

وقوله: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى معطوف على ما قبله لزيادة التوضيح والبيان.

أى: لتجدن يا محمد أشد الناس عداوة لك ولأتباعك- اليهود- والذين أشركوا. ولتجدن أقربهم مودة ومحبة لك ولأتباعك الذين قالوا إنا نصارى.

قال ابن كثير: أى الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة: وما ذاك إلا لما في قلوبهم- من لين عريكة- إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال- تعالى- وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً وفي كتابهم: «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر» وليس القتال مشروعا في ملتهم .

وقال الجمل: فإن قلت: كفر النصارى أشد من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الألوهية فيدعون أن لله ولدا، واليهود ينازعون في النبوة فينكرون نبوة بعض الأنبياء فلم ذم اليهود ومدح النصارى؟

قلت: هذا مدح في مقابلة ذم وليس مدحا على إطلاقه، وأيضا الكلام في عداوة المسلمين وقرب مودتهم لا في شدة الكفر وضعفه «3» .

وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تعليل لقرب مودة النصارى للمؤمنين.

والقسيسين: جمع قسيس. وأصله من قس إذا تتبع الشيء فطلبه، وهم علماء النصارى والمرشدون لهم.

والرهبان: جمع راهب كركبان جمع راكب وتطلق كلمة رهبان على المفرد كما تطلق على الجمع، والراهب هو الرجل العابد الزاهد المنصرف عن الدنيا، مأخوذ من الرهبة بمعنى الخوف. يقال: رهب فلان ربه يرهبه، أى: خافه.

والمعنى: ولتجدن يا محمد أقرب الناس مودة لك ولأتباعك الذين قالوا إنا نصارى، وذلك لأن منهم القسيسين الذين يرغبون في طلب العلم ويرشدون غيرهم إليه، ومنهم الرهبان الذين تفرغوا لعبادة الله وانصرفوا عن ملاذ الدنيا وشهواتهم وأيضا فلأن هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى من صفاتهم أنهم لا يستكبرون عن اتباع الحق والانقياد له إذا فهموه أو أنهم متواضعون وليسوا مغرورين أو متكبرين.

وفي ذلك تعريض باليهود والمشركين لأن غرورهم واستكبارهم جعلهم ينصرفون عن الحق فاليهود يرون أنفسهم شعب الله المختار، وأن النبوة يجب أن تكون فيهم والمشركون يرون أن النبوة يجب أن تكون في أغنيائهم وزعمائهم. وقد حملهم هذا الغرور على الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنهم وجدوا أكثر أتباعه من الفقراء.

قال الآلوسى: وفي الآية دليل على أن صفات التواضع والإقبال على العلم والعمل والإعراض عن الشهوات محمودة أينما كانت.

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه ، الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم . وهذا القول فيه نظر ; لأن هذه الآية مدنية ، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة .

وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما : نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ، ويروا صفاته ، فلما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا ، ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه .

قال السدي : فهاجر النجاشي فمات في الطريق .

وهذا من إفراد السدي فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات ، وأخبر به أصحابه ، وأخبر أنه مات بأرض الحبشة .

ثم اختلف في عدة هذا الوفد ، فقيل : اثنا عشر ، سبعة قساوسة وخمسة رهابين . وقيل بالعكس . وقيل : خمسون . وقيل : بضع وستون . وقيل : سبعون رجلا . فالله أعلم .

وقال عطاء بن أبي رباح : هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين ، وقال قتادة : هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم فلما رأوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا . واختار ابن جرير أن هذه [ الآية ] نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة ، سواء أكانوا من الحبشة أو غيرها .

فقوله [ تعالى ] ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) ما ذاك إلا لأن كفر اليهود عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم . ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسحروه ، وألبوا عليه أشباههم من المشركين - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الآية : حدثنا أحمد بن محمد بن السري : حدثنا محمد بن علي بن حبيب الرقي ، حدثنا سعيد العلاف بن العلاف ، حدثنا أبو النضر ، عن الأشجعي ، عن سفيان ، عن يحيى بن عبد الله عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا يهودي قط بمسلم إلا هم بقتله " .

ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق اليشكري ، حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي ، حدثنا فرج بن عبيد ، حدثنا عباد بن العوام ، عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا يهودي بمسلم إلا حدثت نفسه بقتله " . وهذا حديث غريب جدا .

وقوله : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) أي : الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله ، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة ، وما ذاك إلا لما في قلوبهم ، إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال تعالى : ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ) [ الحديد : 27 ] وفي كتابهم : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر . وليس القتال مشروعا في ملتهم ; ولهذا قال تعالى : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) أي : يوجد فيهم القسيسون - وهم خطباؤهم وعلماؤهم ، واحدهم : قسيس وقس أيضا ، وقد يجمع على قسوس - والرهبان : جمع راهب ، وهو : العابد . مشتق من الرهبة ، وهي الخوف ؛ كراكب وركبان ، وفارس وفرسان .

وقال ابن جرير : وقد يكون الرهبان واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين ، وجردان وجرادين وقد يجمع على رهابنة . ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحدا قول الشاعر :

لو عاينت رهبان دير في القلل لانحدر الرهبان يمشي ونزل

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا نصير بن أبي الأشعث حدثني الصلت الدهان عن حامية بن رئاب قال : سألت سلمان عن قول الله [ عز وجل ] : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) فقال : دع " القسيسين " في البيع والخرب ، أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا " .

وكذا رواه ابن مردويه من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن نصير بن زياد الطائي ، عن صلت الدهان ، عن حامية بن رئاب ، عن سلمان به .

وقال ابن أبي حاتم : ذكره أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا نصير بن زياد الطائي ، حدثنا صلت الدهان عن حامية بن رئاب قال : سمعت سلمان وسئل عن قوله : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) قال : هم الرهبان الذين هم في الصوامع والخرب ، فدعوهم فيها ، قال سلمان : وقرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ( ذلك بأن منهم قسيسين [ ورهبانا ] ) فأقرأني : " ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا " .

فقوله : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع

القول في تأويل قوله : لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمدّ صلى الله عليه وسلم: لتجدن، يا محمد، أشدَّ الناس عداوةً للذين صدَّقوك واتبعوك وصدّقوا بما جئتهم به من أهل الإسلام=" اليهودَ والذين أشركوا "، يعني: عبدة الأوثان الذين اتخذوا الأوثان آلهة يعبدونها من دون الله=" ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا "، يقول: ولتجدن أقربَ الناس مودةًّ ومحبة.

* * *

و " المودة "" المفعلة "، من قول الرجل: " ودِدْت كذا أودُّه وُدًّا، ووِدًّا، ووَدًّا ومودة "، إذا أحببته. (28)

* * *

=" للذين آمنوا "، يقول: للذين صدّقوا الله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم =" الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون "، عن قبول الحق واتباعه والإذعان به.

* * *

وقيل: إن هذه الآية والتي بعدها نـزلت في نفرٍ قدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى الحبشة، فلما سمعوا القرآن أسلموا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقيل: إنها نـزلت في النجاشيّ ملك الحبشة وأصحابٍ له أسلموا معه.

ذكر من قال ذلك:

12315 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا خصيف، عن سعيد بن جبير قال: بعث النجاشيّ وفدًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا. قال: فأنـزل الله تعالى فيهم: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا "، إلى آخر الآية. قال: فرجعوا إلى النجاشيّ فأخبروه، فأسلم النجاشي، فلم يزل مسلمًا حتى مات. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أخاكم النجاشيَّ قد مات، فصلُّوا عليه! فصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والنجاشي ثَمَّ.

12316 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى "، قال: هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة.

12317 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ولتجدن أقربهم مودَّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى "، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة خاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفرَ بن أبي طالب، وابن مسعود وعثمان بن مظعون، في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة. فلما بلغ ذلك المشركين، بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم، ذُكر أنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشيّ، فقالوا، إنه خرج فينا رجل سفَّه عقول قريش وأحلامها، زعم أنه نبيُّ! وإنه بعث إليك رهطًا ليفسدوا عليك قومك، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم. قال: إن جاءوني نظرت فيما يقولون! فقدم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمُّوا بابَ النجاشي، (29) فقالوا: استأذن لأولياء الله! (30) فقال، ائذن لهم، فمرحبًا بأولياء الله! فلما دخلوا عليه سلَّموا، فقال له الرهط من المشركين: ألا ترى أيها الملك أنا صدقناك؟ لم يحيوك بتحيَّتك التي تحيَّا بها! فقال لهم: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي؟ فقالوا: إنا حيَّيناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة! قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال يقول: " هو عبد الله، وكلمةٌ من الله ألقاها إلى مريم، وروح منه "، ويقول في مريم: " إنها العذراء البتول ". قال: فأخذ عودًا من الأرض فقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود! فكره المشركون قوله، وتغيَّرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئًا مما أنـزل عليكم؟ قالوا: نعم! قال: اقرءوا! فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبانٌ وسائرُ النصارى، فعرفت كلَّ ما قرأوا وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق. قال الله تعالى ذكره: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول " الآية.

12318 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى "، الآية. قال: بعث النجاشيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلا من الحبشة، سبعة قسيسين وخمسة رهبانًا، ينظرون إليه ويسألونه. فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنـزل الله بَكَوْا وآمنوا، فأنـزل الله عليه فيهم: " وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْـزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ، فآمنوا ثم رجعوا إلى النجاشيّ، فهاجر النجاشي معهم فمات في الطريق، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستغفروا له.

12319 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عطاء في قوله: " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " الآية، هم ناس من الحبشة آمنوا، إذ جاءتهم مهاجِرَةُ المؤمنين.

* * *

وقال آخرون: بل هذه صفة قوم كانوا على شريعة عيسى من أهل الإيمان، فلما بعث الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به.

ذكر من قال ذلك:

12320 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا "، فقرأ حتى بلغ: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ، أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعةٍ من الحق مما جاء به عيسى، يؤمنون به وينتهون إليه. فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، صدَّقوا به وآمنوا به، وعرفوا الذي جاء به أنه الحق، فأثنى عليهم ما تسمعون.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول عندي: أنّ الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: " إنا نصارى "، أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقربَ الناس وِدادًا لأهل الإيمان بالله ورسوله، ولم يسمِّ لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحابُ النجاشي= ويجوز أن يكون أريد به قومٌ كانوا على شريعة &; 10-502 &; عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه.

* * *

وأما قوله تعالى: " ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهبانًا "، فإنه يقول: قَرُبت مودَّة هؤلاء الذين وصف الله صفتهم للمؤمنين، من أجل أنّ منهم قسيسين ورهبانًا.

* * *

و " القسيسون " جمع " قسيس ". وقد يجمع " القسيس "،" قسوسًا "، (31) لأن " القَسّ" و " القسيس "، بمعنى واحد.

* * *

وكان ابن زيد يقول في" القسيس " بما:-

12321 - حدثنا يونس قال، حدثنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " القسيس "، عبَّادُهم. (32)

* * *

وأما الرهبان، فإنه يكون واحدًا وجمعًا. فأما إذا كان جمعًا، فإن واحدهم يكون " راهبًا "، ويكون " الراهب "، حينئذ " فاعلا " من قول القائل: " رَهب الله فلان "، بمعنى خافه،" يرهبه رَهَبًا ورَهْبَا "، ثم يجمع " الراهب "،" رهبان " مثل " راكب " و " ركبان "، و " فارس " و " فرسان ". ومن الدليل على أنه قد يكون عند العرب جمعًا قول الشاعر: (33)

رُهْبَــانُ مَــدْيَنَ لَـوْ رَأَوْكِ تَـنزلُوا

والْعُصْـمُ مِـنْ شَـعَفِ الْعَقُـولِ الفَادِرِ (34)

وقد يكون " الرهبان " واحدًا. وإذا كان واحدًا كان جمعه " رهابين " مثل " قربان " و " قرابين "، و " جُرْدان ". و " جرادين ". (35) ويجوز جمعه أيضًا " رهابنة " إذا كان كذلك. ومن الدليل على أنه قد يكون عند العرب واحدا قول الشاعر: (36)

لَـوْ عَـايَنَتْ رُهْبَـانَ دَيْـرٍ فـي الْقُلَلْ

لانْحَــدَرَ الرُّهْبَــانُ يَمْشِـي وَنـزل (37)

* * *

واختلف أهل التأويل في المعنيِّ بقوله: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا ".

فقال بعضهم: عُني بذلك قوم كانوا استجابوا لعيسى ابن مريم حين دعاهم، واتَّبعوه على شريعته.

ذكر من قال ذلك:

12321م - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن حصين، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا "، قال: كانوا نَوَاتِيَّ في البحر= يعني: ملاحين (38) = قال: فمر بهم عيسى ابن مريم، فدعاهم إلى الإسلام فأجابوه: قال: فذلك قوله: " قسيسين ورهبانًا ".

* * *

وقال آخرون: بل عني بذلك، القوم الذين كان النجاشي بعثهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

12322 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم قال، حدثنا عنبسة، عمن حدثه، عن أبي صالح في قوله: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا "، قال: ستة وستون، أو سبعة وستون، أو ثمان وستون، (39) من الحبشة، كلهم صاحب صَوْمعة، عليهم ثيابُ الصوف.

12323 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا "، قال: بعث النجاشيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسين أو سبعين من خيارهم، فجعلوا يبكون، فقال: هم هؤلاء!

12324 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا "، قال: هم رُسُل النجاشي الذين أرسل بإسلامه وإسلام قومه، كانوا سبعين رجلا اختارهم الخيِّرَ فالخيِّرَ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [سورة يس: 1، 2]، فبكوا وعرفوا الحق، فأنـزل الله فيهم: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون "، وأنـزل فيهم: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ إلى قوله: يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [سورة القصص: 54].

* * *

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ عن النفر الذين أثنى عليهم من النصارى بقرب مودتهم لأهل الإيمان بالله ورسوله، أن ذلك إنما كان منهم لأن منهم أهلَ اجتهاد في العبادة، وترهُّب في الديارات والصوامع، (40) وأن منهم علماء بكتبهم وأهل تلاوة لها، فهم لا يبعدون من المؤمنين لتواضعهم للحق إذا عرفوه، ولا يستكبرون عن قبوله إذا تبيّنوه، لأنهم أهل دين واجتهاد فيه، ونصيحة لأنفسهم في ذات الله، وليسوا كاليهود الذين قد دَرِبُوا بقتل الأنبياء والرسل، ومعاندة الله في أمره ونهيه، وتحريفِ تنـزيله الذي أنـزله في كتبه. (41)

* * *

---------------

(28) انظر تفسير"ود" فيما سلف 2: 470/5: 542/6: 500/8: 371/9: 17

(29) في المطبوعة: "فأقاموا بباب النجاشي" ، والصواب المحض من المخطوطة.

(30) في المطبوعة: "فقالوا: أتأذن" ، والصواب من المخطوطة. يعني : قالوا لحاجب باب النجاشي ، ولذلك جاء الجواب: "فقال: ائذن لهم".

(31) في المطبوعة: "قسوس" ، والصواب من المخطوطة.

(32) في المطبوعة: "القسيسين" ، بالجمع ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب ، ولا بأس هنا بشرح المفرد بالجمع.

(33) هو جرير ، ونسبه ياقوت في معجم البلدان لكثير عزة ، وأدخله في شعره جامع ديوانه ص: 240 ، والصواب أنه لجرير.

(34) ديوانه: 305 ، وسيأتي في التفسير 20: 34 (بولاق) وديوان كثير 1: 240 ، واللسان (رهب) ومعجم البلدان (مدين) ، من قصيدة هجا فيها الأخطل والفرزدق ، يقول قبله:

يَــا أُمَّ طَلْحَــةَ، مَـا لَقِينَـا مِثْلكُـمْ

فِــي الْمُنْجِـدِينَ ولا بغَـوْرِ الغَـائِرِ

و"مدين" مدينه شعيب عليه السلام ، على بحر القلزم ، تجاه تبوك ، بين المدينة والشام ، ذكرها كثير أيضًا في شعره فقال:

اللــهُ يَعْلَــمُ لَــوْ أَرَدْتُ زِيَــادَةً

فـي حُـبِّ عَـزَّةَ مـا وجـدْتُ مَزِيدَا

رُهْبَــانُ مَــدْيَنَ وَالَّـذِينَ عَهِـدْتُهُمْ

يَبْكُـونَ مِـنْ حَـذَر العَـذَابِ قُعُـودَا

لَـوْ يَسْـمَعُونَ كَمَـا سَـمِعْتُ كَلامَهـا

خَــرُّوا لِعَــزَّةَ رُكَّعًــا وَسُـجُودَا

و"العقول" عندي بفتح العين ، من قولهم: "عقل الوعل يعقل عقولا" ، امتنع برأس الجبل ، فهو"عاقل" وبذلك سمي ، والقياس يقبل أيضًا"فهو عقول" (بفتح العين). وفي الديوان ، ضبط بالقلم"العقول" (بضم العين) ، جمع"عقل" (بفتح فسكون): وهو المعقل والحصن. ولست أرضى ذلك هنا ، وروى صاحب المعجم"والعصم في شعف الجبال" ، وهي موافقة في المعنى لمن ضبط"العقول" بضم العين ، وأرجح أن صواب إنشاده في المعجم"من شعف الجبال". و"الشعف" جمع"شعفة" (بفتحتين): وهي رأس الجبل. و"الفادر": الوعل العاقل الممتنع في رأس الجبل ، وهو حينئذ مسن معتقل في رأس جبله. و"العصم" جمع"أعصم": وهو الوعل. سمى بالصفة الغالبة ، لأن في إحدى يديه بياضًا. وذلك أن"العصم" و"العصمة": البياض في الذراعين أو إحداهما.

ولما كان"العصم" جمعًا ، أنفت أن أجعل"الفادر" من صفته ، لو قرئ"العقول" (بضم العين) بمعنى: الحصون والملاجئ ، بل جعلتها بفتح العين ، بمعنى أن العصم غير المسنة تنزلت أيضا من المعقل الذي يعقل إليه مسن الوعول امتناعًا من الصيد ، لقلة احتفاله بمفارقة معقله ، كاحتفال شواب الوعول.

(35) "الجردان": ما يستحى من ذكره من الإنسان وغيره.

(36) لم أعرف هذا الراجز.

(37) تفسير القرطبي 6: 258 ، مع اختلاف شديد في الرواية."عاين الشيء معاينة وعيانًا": نظر إليه بعينيه مواجهة. ومنه قيل: "رأيت فلانًا عيانًا" أي: مواجهة. وحق شرح هذا اللفظ هنا أن يقال: لو رمتهم بعينيها مواجهة. و"القلل": جمع"قلة": وهي رأس الجبل ، وإنما عنى بذلك صوامع الرهبان في الجبال.

(38) في ابن الأثير ثم في لسان العرب"كانوا نَوَّاتِين ، أي ملاحين- تفسيره في الحديث" وكذلك نقله عنهما صاحب تاج العروس. وأنا أخشى أن يكون خطأ من النساخ ، وأن صوابه"كانوا نواتى ، أي ملاحين" ، كما جاء هنا وفي المخطوطة أيضا. ولم أجد أحدًا ذكره كذلك: "نواتا" (بفتح النون وتشديد الواو) ، ولو كان كذلك لتعرض له أصحاب اللغة ، ولكنهم لم يذكروه إلا فيما نقلوه عن ابن الأثير ، وواحد"النواتى" (بفتح النون والواو المفتوحة غير المشددة)"نوتى" (بضم النون ، آخره ياء مشددة). والذي في مخطوطة الطبري يرجح أن الذي كتبه ابن الأثير ، خطأ ، أو سهو في قراءة الحرف. وابن الأثير وحده ، لا يحتج برواية كتابه غير مقيدة مضبوطة بإسنادها ومصدرها. ثم وجدته بعد أن كتبت هذا ، في مجمع الزوائد 7: 17 ، كما جاء في ابن الأثير واللسان: "نواتين ، يعني ملاحين". وذكر هناك الخبر بطوله ، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، وفيه العباس بن الفضل الأنصاري ، وهو ضعيف". وهو إسناد غير إسناد أبي جعفر بلا شك ، وانظر ابن كثير 3: 212 ، 213.

(39) هكذا في المطبوعة: "أو اثنان وستون" ، وفي المخطوطة: "اثنان وستون" بغير "أو" ، وغير منقوطة ، فأرجح أن صواب قراءتها: "أو ثمان وستون"... وهو الذي يدل عليه السياق ، ولذلك أثبتها كذلك.

(40) في المطبوعة: "وترهيب" ، وفي المخطوطة: "وترهب" غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت ، فإنه لا يقال: "رهب ترهيبًا" ، وإنما يقال: "ترهب ترهبًا" ، إذا صار راهبًا يخشى الله ، ويتعبد في صومعته.

(41) قال الجصاص في أحكام القرآن 2: 451: "ومن الجهال من يظن أن في هذه الآية مدحًا للنصارى ، وإخبارًا بأنهم خير من اليهود. وليس ذلك كذلك ، لأن ما في الآية من ذلك إنما هو صفة قوم قد آمنوا بالله وبالرسول. يدل عليه ما ذكر في نسق التلاوة ، من إخبارهم عن أنفسهم بالإيمان بالله والرسول. ومعلوم عند كل ذي فطنة صحيحة أمعن النظر في مقالتي هاتين الطائفتين ، أن مقالة النصارى أقبح وأشد استحالة ، وأظهر فسادًا من مقالة اليهود. لأن اليهود تقر بالتوحيد في الجملة ، وإن كان فيها مشبهة تنقض ما اعتقدته في الجملة من التوحيد بالتشبيه".

ونقل هذا: أبو حيان في تفسيره (4: 4 ، 5) ، ثم قال: "والظاهر ما قاله المفسرون وغيرهم من أن النصارى على الجملة أصلح حالا من اليهود. وقد ذكر المفسرون فيما تقدم ، ما فضل به النصارى على اليهود من كرم الأخلاق ، والدخول في الإسلام سريعًا. وليس الكلام واردا بسبب العقائد ، وإنما ورد بسبب الانفعال للمسلمين. وأما قوله: "لأن ما في الآية من ذلك ، إنما هو صفة قوم قد آمنوا بالله وبالرسول" ، ليس كما ذكر ، بل صدر الآية يقتضي العموم ، لأنه قال: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" ، ثم أخبر أن من هذه الطائفة علماء وزهادًا متواضعين ، وسريعي استجابة للإسلام ، وكثيري بكاء عند سماع القرآن. واليهود بخلاف ذلك. والوجود يصدق قرب النصارى من المسلمين ، وبعد اليهود".

وهذا كلام فيه نظر يطول ، ليس هذا موضع تفصيله ، وإنما نقلته لك لتتأمله وتتدبره.

التدبر :

وقفة
[82] شدة عداوة اليهود والمشركين لأهل الإسلام، وفي المقابل وجود طوائف من النصارى يدينون بالمودة للإسلام؛ لعلمهم أنه دين الحق.
وقفة
[82] ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ هاتان الطائفتان هما أعظم الناس عداوة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيًا في إيقاع الضرر بهم؛ وسبب ذلك شدة بغضهم للمسلمين، بغيًا وحسدًا وعنادًا وكفرًا.
وقفة
[82] ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ عداوة عبر كل العصور! قال الآلوسي: «والظاهر أن المراد من اليهود العموم، أي من كان منهم بحضرة الرسول r؟ من يهود المدينة وغيرهم».
وقفة
[82] ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ اليهود هم الأعداء الذين لا يمكن يومًا من الأيام أن يكونوا أصدقاء.
عمل
[82] ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ اعرف عدوك من صديقك، وخذ حذرك؛ حتى لا تؤتى من مأمن.
وقفة
[82] ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى﴾ الإنصاف مطلوب حتى مع الخصم.
وقفة
[82] ﴿لَتَجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقربهم مودة للذين آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نصارى ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسيسين ورهبانا وأنهم لَا يَسْتَكْبِرُون﴾ المودة الصادقة بين الناس تتحقق مع زيادة الإيمان بالله وترك الاستكبار.
وقفة
[82] ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ﴾ لم يرد به جميع النصارى؛ لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم، وتخريب بلادهم، وهدم مساجدهم، وإحراق مصاحفهم؛ لا ولاء ولا كرامة لهم، بل الآية فيمن أسلم منهم.
وقفة
[82] ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ﴾ ليس أهل الكتاب فريقًا واحدًا، وليس أعداء المسلمين كذلك، بل هناك ألوان كثيرة في العداوة بين الأبيض والأسود.
وقفة
[82] ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ﴾ الحديث هنا عن حالة خاصة، قال القرطبي: وهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه؛ لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى خوفًا من المشركين وفتنتهم.
وقفة
[82] ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ﴾ إنصاف القرآن! قال الألوسي: «وفي الآية دليل على أن صفات التواضع والإقبال على العلم والعمل والإعراض عن الشهوات محمودة أينما كانت».
وقفة
[82] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾ أي: علماء متزهدين، وعبادًا في الصوامع متعبدين، والعلم مع الزهد، وكذلك العبادة، مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة؛ فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين.
وقفة
[82] ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾ قسيسين جمع قسيس، وهو عالم دين النصرانية، وهي بلغة الروم كذلك، والرهبان جمع راهب، وهو من انقطع في دير أو صومعة للعبادة، ولكن لِمَ خص الله القسيسن والرهبان بالذكر بينهم؟ لأنه معروف عند العرب حسن أخلاق القسيسين والرهبان وتواضعهم وتسامحهم، وكانوا منتشرين في أماكن عدة من جزيرة العرب، ولا شك أن وجود الصنفين بين النصارى سيكون سببًا لإصلاح أخلاق أهل ملَّتهم.
وقفة
[82] ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ المتواضع أقرب إلى الحق من المستكبر.
وقفة
[82] ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ التواضع سبب لقبول الحق، والاستكبار سبب لرد الحق والإعراض عنه، فمن تواضع لله رفعه، ومن تواضع للعلم أدركه.
عمل
[82] تواضع للناس بمد يد العون لهم هذا اليوم، واختيار الكلمة الطيبة، والإحسان إلى ضعيف أو مسكين ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.

الإعراب :

  • ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ:
  • اللام: للتأكيد. تجدنّ: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أشدّ: مفعول به منصوب بالفتحة. الناس: مضاف إليه مجرور بالكسرة. ويجوز أن تكون اللام لام القسم المقدرة. والجملة جواب القسم لا محل لها.
  • ﴿ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا:
  • عداوة: تمييز منصوب بالفتحة. للذين. اللام: حرف متعلق بعداوة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام. آمنوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول.
  • ﴿ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا:
  • اليهود: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. والذين: الواو عاطفة. الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب لأنه معطوف على منصوب «الْيَهُودَ». أشركوا: تعرب إعراب آمنوا.
  • ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا:
  • معطوفة بالواو على جملة «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا» وتعرب إعرابها. و «هم» في «أَقْرَبَهُمْ» ضمير الغائبين في محل جر بالاضافة. واللام في «لِلَّذِينَ» حرف جر متعلق بمودة.
  • ﴿ الَّذِينَ قالُوا:
  • الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به ثان «لَتَجِدَنَّ». قالوا: تعرب إعراب «آمَنُوا».
  • ﴿ إِنَّا نَصارى:
  • الجملة في محل نصب مفعول به- مقول القول-. إنّا: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» نصارى: خبر «إن» مرفوع بالضمة المقدرة على الالف للتعذر.
  • ﴿ ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ:
  • ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام: للبعد. والكاف للخطاب. بأنّ: الباء: حرف جر. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. منهم: من حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور في محل رفع خبر «أن» مقدم. و «أن» وما تلاها بتقدير: بسبب أنّ منهم قسيسين في محل جر بالباء. والجار والمجرور متعلق بخبر المبتدأ «ذلِكَ».
  • ﴿ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً:
  • اسم «أن» مؤخر منصوب بالياء لانه جمع مذكر سالم. والنون: عوض عن تنوين المفرد. ورهبانا: معطوفة بالواو على «قِسِّيسِينَ» منصوبة بالفتحة.
  • ﴿ وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ:
  • الواو: عاطفة. أنّ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب اسمها. لا: نافية لا عمل لها. يستكبرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة «يَسْتَكْبِرُونَ» في محل رفع خبر «أن». '

المتشابهات :

المائدة: 14﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
المائدة: 82﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ

أسباب النزول :

لم يذكر المصنف هنا شيء

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [82] لما قبلها :     وبعد الحديث عن موالاة أهل الكتاب للمشركين؛ بَيَّنَ اللهُ عز وجل هنا شدَّة عداوةِ اليهودِ والمشركينَ للمسلمينَ، وقُرْبَ النَّصَارى الصادقينَ من المسلمينَ، قال تعالى:
﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

مدارسة الآية : [83] :المائدة     المصدر: موسوعة الحفظ الميسر

﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى ..

التفسير :

[83] ومما يدلُّ على قرب مودتهم للمسلمين أن فريقاً منهم [وهم وفد الحبشة لما سمعوا القرآن] فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه حقٌّ منزل من عند الله تعالى، وصدَّقوا بالله واتبعوا رسوله، وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أمَّة محمد -عليه السلام- على ال

{ إذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} محمد صلى الله عليه وسلم، أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له، وفاضت أعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا:{ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يشهدون لله بالتوحيد، ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب. وهم عدول، شهادتهم مقبولة، كما قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}

ثم حكى- سبحانه- ما كان منهم عند سماعهم لما أنزل الله- تعالى- على رسوله من هدايات فقال: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ والمراد بالرسول: محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه: القرآن الكريم.

والجملة الكريمة معطوفة على قوله وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ والضمير في قوله سَمِعُوا يعود على الذين قالوا إنا نصارى بعد أن عرفوا الحق وآمنوا به.

أى، أن من صفات هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى زيادة على ما تقدم، أنهم إذا سمعوا ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن تأثرت قلوبهم. وخشعت نفوسهم وسالت الدموع من أعينهم بغزارة وكثرة من أجل ما عرفوه من الحق الذي بينه لهم القرآن الكريم بعد أن كانوا غافلين عنه.

وفي التعبير عنهم بقوله: تَرى الدالة على الرؤية البصرية والتي هي أقوى أسباب العلم الحسى، مبالغة في مدحهم، حيث يراهم الرائي وهم على تلك الصورة من رقة القلب وشدة التأثر عند سماع الحق.

فلقد كانوا يحسون أنهم في ظلام وضلال فلما سمعوا الحق أشرقت له نفوسهم ودخلوا في نوره وهدايته وأعينهم تتدفق بالدموع من شدة تأثرهم به وحبهم له.

وقوله تَفِيضُ من الفيض وهو انصباب عن امتلاء: يقال فاض الإناء إذا امتلأ حين سال من جوانبه.

وقد أجاد صاحب الكشاف في تصوير هذا المعنى فقال: فإن قلت: ما معنى قوله: تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ

قلت: معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض، لأن الفيض أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه. فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء وهو من إقامة المسبب مقام السبب، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها. أى: تسيل من الدمع من أجل البكاء من قولك: دمعت عينه دمعا.

فإن قلت: أى فرق بين من ومن في قوله: مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ؟ قلت: الأولى لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله وبسببه، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق، فأبكاهم وبلغ منهم فكيف إذا عرفوه كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة؟ .

ثم حكى- سبحانه- ما قالوه بعد سماعهم للحق فقال: يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ.

أى: يقولون بعد أن سمعوا الحق: يا ربنا إننا آمنا بما سمعنا إيمانا صادقا فاكتبنا مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي آمنت به وشهدت بصدق رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وبصدق كل رسول أرسلته إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور.

ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف ، فقال : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) أي : مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ( يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) أي : مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به .

وقد روى النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عمر بن علي بن مقدم ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير [ رضي الله عنهما ] قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وفي أصحابه : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين )

وقال الطبراني : حدثنا أبو شبيل عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الفضل ، عن عبد الجبار بن نافع الضبي ، عن قتادة وجعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ) قال : إنهم كانوا كرابين - يعني : فلاحين - قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم " . فقالوا : لن ننتقل عن ديننا . فأنزل الله ذلك من قولهم .

وروى ابن أبي حاتم : وابن مردويه والحاكم في مستدركه ، من طريق سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) أي : مع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته هم الشاهدون ، يشهدون لنبيهم أنه قد بلغ ، وللرسل أنهم قد بلغوا . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

القول في تأويل قوله : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا: إِنَّا نَصَارَى = الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم أنك تجدهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا= (1) ما أنـزل إليك من الكتاب يُتْلى=" ترى أعينهم تفيض من الدمع ".

* * *

و " فيض العين من الدمع "، امتلاؤها منه، ثم سيلانه منها، كفيض النهر من الماء، وفيض الإناء، وذلك سيلانه عن شدة امتلائه، ومنه قول الأعشى:

ففَـاضَتْ دُمُـوعِي, فَظَـلَّ الشُّـئُونُ:

إمَّــا وَكِيفًــا, وَإِمَّــا انْحِــدَارَا (2)

وقوله: " مما عرفوا من الحق "، يقول: فيض دموعهم، لمعرفتهم بأنّ الذي يتلى عليهم من كتاب الله الذي أنـزله إلى رسول الله حقٌّ، كما:-

12325 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السديّ قال: بعث النجاشي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلا يسألونه ويأتونه بخبره، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فبكوا. وكان منهم سبعة رهبانٍ وخمسة قسيسين (3) = أو: خمسة رهبان، وسبعة قسيسين (4) = فأنـزل الله فيهم: " وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع "، إلى آخر الآية.

12326 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عمر بن علي بن مقدّم قال، سمعت هشام بن عروة يحدث، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: نـزلت في النجاشي وأصحابه: " وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ". (5)

12327 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله: " ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق "، قال: ذلك في النجاشي.

12328 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كانوا يُرَوْن أن هذه الآية أنـزلت في النجاشي: " وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ".

12329 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، قال ابن إسحاق: سألت الزهري عن الآيات: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْـزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ الآية، وقوله: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [سورة الفرقان: 63]. قال: ما زلت أسمع علماءنا يقولون: نـزلت في النجاشي وأصحابه. (6)

* * *

وأما قوله: " يقولون "، فإنه لو كان بلفظ اسم، كان نصبًا على الحال، لأن معنى الكلام: وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، قائلين: " ربنا آمنا ".

* * *

ويعني بقوله تعالى ذكره: " يقولون ربنا آمنا "، أنهم يقولون: يا ربنا، صدَّقنا لما سمعنا ما أنـزلته إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم من كتابك، وأقررنا به أنه من عندك، وأنه الحق لا شك فيه.

* * *

وأما قوله: " فاكتبنا مع الشاهدين "، فإنه روي عن ابن عباس وغيره في تأويله، ما:-

12330 - حدثنا به هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وابن نمير= جميعًا، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " اكتبنا مع

الشاهدين "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

12331 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " فاكتبنا مع الشاهدين "، مع أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.

12332 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فاكتبنا مع الشاهدين "، يعنون بـ" الشاهدين "، محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمَّته.

12333 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " فاكتبنا مع الشاهدين "، قال: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، إنهم شهدوا أنه قد بلَّغ، وشهدوا أن الرسل قد بلغت.

12334 - حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا يحيى بن زكريا قال، حدثني إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثل حديث الحارث بن عبد العزيز= غير أنه قال: وشهدوا للرسل أنهم قد بلَّغوا. (7)

* * *

قال أبو جعفر: فكأنّ متأوِّل هذا التأويل، قصد بتأويله هذا إلى معنى قول الله تعالى ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [سورة البقرة: 143]. فذهب ابن عباس إلى أن " الشاهدين "، هم " الشهداء " في قوله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (8)

* * *

وإذا كان التأويل ذلك، كان معنى الكلام: " يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين "، الذين يشهدون لأنبيائك يوم القيامة، أنهم قد بلغوا أممهم رسالاتك.

* * *

ولو قال قائل: معنى ذلك: " فاكتبنا مع الشاهدين "، الذين يشهدون أن ما أنـزلته إلى رسولك من الكتب حق= كان صوابًا. لأن ذلك خاتمة قوله: " وإذا سمعوا ما أنـزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين "، وذلك صفة من الله تعالى ذكره لهم بإيمانهم لما سمعوا من كتاب الله، فتكون مسألتهم أيضا اللهَ أن يجعلهم ممن صحَّت عنده &; 10-511 &; شهادتهم بذلك، ويُلْحقهم في الثوابِ والجزاء منازلَهُم.

ومعنى " الكتاب " في هذا الموضع: الجَعْل. (9)

* * *

يقول: فاجعلنا مع الشاهدين، وأثبتنا معهم في عِدَادهم.

---------------------

الهوامش :

(1) سياق الكلام: "إذا سمع هؤلاء... ما أنزل إليك من الكتاب يتلى" ، وما بين الفعل ومفعوله فصل طويل.

(2) ديوانه: 35. من قصيدته في قيس بن معد يكرب الكندي ، وقبل البيت ، وهو أولها:

أَأَزْمَعْــتَ مِــنْ آلِ لَيْـلَى ابْتِكَـارَا

وَشَـطَّتْ عَـلَى ذِي هَـوًى أن تُـزَارَا

وَبَــانَتْ بِهَــا غَرَبَــاتُ النَّــوَى

وَبُــدِّلْتُ شَــوْقًا بِهَــا وَادِّكَــارَا

فَفَـــاضَتْ دْمُـــوعِي...........

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَمَــا أَسْــلَمَ السِّـلْكُ مِـنْ نَظْمِـهِ

لآلِـــئَ مُنْحَـــدِرَاتٍ صِغَـــارَا

وكان البيت في المخطوطة والمطبوعة: "ففاضت دموعي فطل الشئون داما حدارًا" ، وهو خطأ محض."والشئون" جمع"شأن" ، وهو مجرى الدمع إلى العين ، وهي عروقها. ورواية الديوان: "كفيض الغروب" ، و"الغروب" جمع"غرب" (بفتح فسكون) ، وهو الدلو الكبير الذي يستقى به على السانية. وقوله: "فظل" بالظاء المعجمة ، لا بالطاء. وقد أفسد وأخطأ من جعله بالطاء المهملة ، وشرحه على ذلك. وهو غث جدًا. و"الوكيف": أن يسيل الدمع قليلا قليلا ، إنما يقطر قطرًا."وكف الدمع يكف وكفًا ووكيفًا". وأما "انحدار الدمع" ، فهو سيلانه متتابعا ، كما ينصب الماء من حدور.

(3) في المطبوعة: "وخمسة قسيسون" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.

(4) في المخطوطة: "أو سبعة" دون ذكر"قسيسين" ، ولكنها زيادة لا غنى عنها. وصوابها أيضا"وسبعة" بالواو.

(5) الأثر: 12326-"عمر بن علي بن مقدم" ، هو: "عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي". ثقة ، ولكنه كان يدلس. قال ابن سعد: "كان ثقة ، وكان يدلس تدليسًا شديدا ، يقول: سمعت ، وحدثنا ، ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة ، والأعمش. وقال: كان رجلا صالحًا ، ولم يكونوا ينقمون عليه غير التدليس ، وأما غير ذلك فلا ، ولم أكن أقبل منه حتى يقول حدثنا". مترجم في التهذيب.

(6) الأثر: 12329- سيرة ابن هشام 2: 33 ، ولكن ليس فيه ذكر آية سورة الفرقان التي ذكرها أبو جعفر في هذه الرواية عن ابن إسحق. ثم إن أبا جعفر لم يذكر هذا الخبر في تفسير الآية من سورة الفرقان 19: 21 ، 22 (بولاق) ، ولا أشار إلى أنها نزلت في أحد ، لا النساشي وأصحابه ولا غيرهم.

(7) الآثار: 12330- 12334- رواه الحاكم في المستدرك 2: 313 ، من طريق يحيى بن آدم عن إسرائيل ، بمثله ، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 18 ، وقال: "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن أبي مريم ، وهو ضعيف" ، ولكن هذه أسانيد صحاح ، رواها الطبري وغيره.

(8) انظر ما سلف من تفسير آية سورة البقرة 3: 141- 155.

(9) انظر تفسير"الكتاب" فيما سلف من فهارس اللغة ، (كتب).

التدبر :

وقفة
[83] هذه أحوال العلماء: يبكون ولا يصعقون، ويسألون ولا يصيحون، ويتحازنون ولا يتموتون؛ كما قال تعالى: ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾ [الزمر: 23].
وقفة
[83] ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع﴾ هذا حال غير المسلمين مع القرآن؛ نحن أولى أن تفيض دموعنا عند سماعه.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ فهذا وصف حالهم، وحكاية مقالهم، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقهم.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ دمعة واحدة من خشية الله في الخفاء مفتاح لرحمة الله وقدوم الخير والعطاء.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ متى أقحطت العين من البكاء من خشية الله، فاعلم أنَّ قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ امتلأت أعينهم ثم فاضت، تلك الدموع الصادقة خرجت إجبارًا من غير تباكي.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ رقة القلب ليست ضعفًا.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ تعثرت كلماتهم وهربت حروفهم فتحدرت عبراتهم وتحدثت عيونهم.
وقفة
[83] البكاء من خشية الله مقامٌ عظيم، وهو مقامُ الأنبياء والصالحين، إنه مقام الخشوع ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾.
اسقاط
[83] بعض النصارى لما سمعوا القرآن: ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ وأنــــت يا مؤمن؟
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ تدبروا فتأثروا.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ العلم والمعرفة بالله تورث خشوعًا في القلب.
وقفة
[83] بقدر ما يقع في قلبك من المعرفة واليقين تحصل الخشية ودمع العين ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ﴾ لما عرفت قلوبهم تكلمت أعينهم قبل ألسنتهم.
وقفة
[83] ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ﴾ أحيانًا تتحدث العين قبل اللسان.
وقفة
[83] ﴿أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ لم يقل (تبكي) لأن دمعهم سبق بكاءهم فيضًا، وهذا لا يكون إلا مع الصدق.
وقفة
[83] ﴿أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ فاضت أعينهم بالدمع فيضًا؛ لأنها لم تزل رطبة.
لمسة
[83] حقيقة الفيض أن يتجاوز السائل حاويه، فيسيل خارجًا عنه، فتقول فاض الماء كما تقول فاض الدمع، ولكن قد يسند الفيض إلى الظرف أو المكان الذي يجري فيه السائل، فتقول مثلًا: فاض الوادي، فقلبت العبارة من (فاض الدمع من العين) إلى قوله: ﴿أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾؛ للمبالغة في ذرف الدموع.
وقفة
[83] ﴿أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا﴾، ﴿وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ [التوبة: 92]، لغة العيون الإيمانية خلدها الله.
وقفة
[83] ﴿تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ بقدر ما تعرف من الحق، يلين قلبك ويفيض دمعك.
وقفة
[83] ﴿تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ أثنى عليهم باحتفائهم بالحق واستقباله بدموعهم، الحق ليس معرفة مجردة باردة، اعتنق الحق، أحبه بروحك وعقلك.
عمل
[83] ﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ توسل الآن بعمل صالح.
وقفة
[83] ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ قال ابن عباس: «مع محمد وأمته؛ وهم الأمة الشهداء؛ فإن النصارى لهم قصد وعبادة، وليس لهم علم وشهادة».

الإعراب :

  • ﴿ وَإِذا سَمِعُوا:
  • الواو: عاطفة. إذا: ظرف زمان مبني على السكون خافض لشرطه أداة شرط غير جازمة. سمعوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والالف فارقة. وجملة «سَمِعُوا» في محل جر بالاضافة.
  • ﴿ ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ:
  • ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. أنزل: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. إلى الرسول: جار ومجرور متعلق بأنزل وجملة «أُنْزِلَ» صلة الموصول لا محل لها من الاعراب.
  • ﴿ تَرى أَعْيُنَهُمْ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أعينهم: مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف إليه. والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها.
  • ﴿ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ:
  • فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. من الدمع: جار ومجرور في محل نصب تمييز بتقدير دمعا. وجملة «تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» في محل نصب حال.
  • ﴿ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ:
  • ممّا: مكونة من «من» حرف جر لابتداء الغاية لأن فيض الدمع ابتداء من معرفة الحق وكان بسببه. و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن. عرفوا: صلة الموصول تعرب مثل اعراب «سَمِعُوا». من: حرف جر يحتمل معنى «التبغيض». بتقدير: عرفوا بعض الحق فأفاض دمعهم. الحق: مجرور بمن وعلامة جره الكسرة.
  • ﴿ يَقُولُونَ:
  • فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «يَقُولُونَ» في محل نصب حال.
  • ﴿ رَبَّنا آمَنَّا:
  • الجملة: في محل نصب مفعول به «مقول القول». ربنا: منادى بأداة نداء محذوفة تقديرها «يا» منصوب بالفتحة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل في محل جر بالاضافة. آمنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل. أي آمنّا به. ويجوز أن تكون «مِنَ» في من الحق بيانية. فيكون الجار والمجرور «مِنَ الْحَقِّ» متعلقا بحال محذوفة من الاسم الموصول «ما» في «مِمَّا».
  • ﴿ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ:
  • الفاء: حرف استئناف وهو جواب لكلام متقدم. اكتبنا: فعل دعاء بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. مع: ظرف مكان يدل على الاجتماع والمصاحبة متعلق باكتبنا. الشاهدين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد. '

المتشابهات :

المائدة: 83﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ
التوبة: 92﴿تَوَلَّوا وَّ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ

أسباب النزول :

  • * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج النَّسَائِي عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، واختار هذا جمهور المفسرين.قال البغويالآية فيمن أسلم منهم من النصارى مثل النجاشي وأصحابه، وقال: قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في رواية عطاء: يريد النجاشي وأصحابه، قرأ عبيهم جعفر بالحبشة (كهيعص)، فما زالوا يبكون حتى فرغ. جعفر من القراءة) اهـ.وقال ابن عطيةوذكر سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن عبَّاسٍ أن هذه الآية نزلت بسبب وفد بعثهم النجاشي إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليروه، ويعرفوا حاله، فقرأ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم القرآن فبكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فآمن).وقال في موضع آخروقوله تعالىوَإذَا سَمِعُوا) الضمير في سمعوا ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن آمن من هؤلاء القادمين من أرض الحبشة، إذ هم عرفوا الحق وقالوا آمنا، وليس كل النصارى يفعل ذلك) اهـ.وقال القرطبيوهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى) اهـ.وقال السعديوهذه الآيات نزلت فى النصارى الذين آمنوا بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كالنجاشي وغيره، ممن آمن منهم) اهـ.وقال ابن عاشور بعد أن ذكر كلامًاإن المعنيّ في هذه الآية ثمانية من نصارى الشام كانوا في بلاد الحبشة وأتوا المدينة مع اثنين وستين راهبًا من الحبشة مصاحبين للمسلمين الذين رجعوا من هجرتهم بالحبشة وسمعوا القرآن وأسلموا ... إلى أن قال: فكانت الإشارة إليهم في هذه الآية تذكيرًا بفضلهم.وهي من آخر ما نزل ولم يعرف قوم معينون من النصارى أسلموا في زمن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولعل الله أعلم رسوله بفريق من النصارى آمنوا - بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قلوبهم ولم يتمكنوا من لقائه ... إلى أن قال: ولعل هؤلاء كان منهم من هو بأرض الحبشة أو باليمن. ولا شك أن النجاشي أصحمة منهم) اهـ.وقد ذهب الطبري إلى عدم تعيين هؤلاء فقال بعد أن ذكر أقوالاًوالصواب في ذلك من القول عندي أن الله تعالى وصف صفةَ قوم قالوا: إنا نصارى، أن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجدهم أقرب الناس وداداً لأهل الإيمان بالله ورسوله ولم يسم لنا أسماءهم، وقد يجوز أن يكون أُريد بذلك أصحاب النجاشي، ويجوز أن يكون أُريد به قوم كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا، لما سمعوا القرآن، وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه) اهـ.والصواب - والله أعلم - أن يقال: إن أُريد بقوله نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه أنها تقص قصصهم وتتحدث عنهم فهذا صحيح ولهذا (روى ابن إسحاق عن أم سلمة - رضي الله عنها - في قصة الهجرة قالت: فقرأ (أي جعفر) عليه صدراً من (كهيعص) قالت: فبكى والله النجاشي حتى اخضلَّت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم) اهـ.وإن أُريد بالنزول هنا ما اصطلح عليه العلماء فليس بصحيح ولهذا قال ابن كثيرقال علي بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ: نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم، وهذا القول فيه نظر لأن هذه الآية مدنية وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة) اهـ.وما ذكره ابن كثير صحيح فإنه لا يعهد في القرآن أن يتأخر النزول عن السبب على هذا النحو لا سيما إذا عرفنا أن المائدة من آخر القرآن نزولاً.وقد يقال: إن نزولها كان بسبب وفد بعثهم النجاشي، إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليسمعوا كلامه، ويروا صفاته فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا، وبكوا وخشعوا ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه وهو المروي عن سعيد بن جبير. فالله أعلم. * النتيجة: أن قصة النجاشي وبكاءه ليست سبباً لنزول الآية لما بينهما من الزمن الطويل والأمد البعيد والله أعلم.'
  • المصدر لباب النقول

الترابط والتناسب :

مُناسبة الآية [83] لما قبلها :     ولَمَّا ذكرَ اللهُ عز وجل قُرْبَ النَّصَارى الصَّادقينَ من المسلمينَ؛ بَيَّنَ هنا حالَهم إذا سمعُوا القرآنَ، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

القراءات :

لم يذكر المصنف هنا شيء

فهرس المصحف

البحث بالسورة

البحث بالصفحة

البحث في المصحف